الإهــداء..
إلى جامع الكَـلِم على التـقوى..
إلى السـبب المتّـصل بين الأرض والسماء..
الإمـام المهـديّ (عليه السلام)..
متوسّـلا به منادياً:
{ يا أيّها العزيز مسّـنا وأهلنا الضرّ
وجئنا ببضاعة مزجاة
فأَوفِ لنا الكيل وتصدّق علينا }..
بنظرة عطف ولطف وقبـول.
أقلّ عبيـدك
محمّـد علي
مقـدِّمة الإعداد
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّـد وآله الطـيّبين الطاهرين، ولا سيّما بقـيّة الله في الأرضين، الإمام الحجّة المنتـظَر المهديّ، عجّل الله تعالى له الفرج والنصـر.
أمّـا بعـد..
فبين يديك أخي الباحث والقارئ أربع رسائل قـيّمة من تأليف طود شامخ وعَلَم من جهابذة أعلام علمائنا الإمامية في القرن الماضي، ممّن حامى وذبّ عن قُـدس الشـريعة والمذهب ; هو: العلاّمة المجاهد آية الله الشيخ محمّـد جواد البلاغي، الذي ما فتئ يقارع الفرق الباطلة والأفكار الهدّامة، ويدُكّ حصونها، ويفـنّد مزاعمها ومفترياتها، فبرع في ردِّ كيدهم
فكان مصداقـاً حقيقياً لِما ورد عن الإمام الصـادق (عليه السلام)حينما سأله معاوية بن عمّار قائلا:
قلت لأبي عبـدالله (عليه السلام): رجلٌ راويةٌ لحديثكم، يبثُّ ذلك في الناس، ويُشـدِّده في قلوبهم وقلوب شـيعتكم، ولعلّ عابداً من شـيعتكم ليسـت له هذه الرواية، أيُّهما أفضل؟
قال: الراوية لحديثـنا، يُشـدِّد قلوب شـيعتنا، أفضل من ألف عابـد(1).
قـدّس الله نفسـه الزكية، ونـوَّر مرقده، وجعل الجنّـة مأواه.
هـذا، وكنتُ قد حقّـقتُ هذه الرسائل الأربعة في ما مضى من الأيّام الخالية، نُشِـرت إحداها مرّة واحدة من قبل، واثنتان منها أكثر من مرّة في أماكن مختلفة، وأمّا رابعتها فلم تـرَ النور بعد تحقيقها إلاّ في هذه الطبعة ضمن هذه المجموعة النفيسة،
____________
1- الكافي 1 / 25 ح 9، وقد نقل شـيخ الإسلام العلاّمة المجلسي ما بمعناه عن مصادر شـتّى في بحار الأنوار 2 / 1 ـ 25 ح 1 ـ 92 باب " ثواب الهداية والتعليم، وفضلهما، وفضل العلماء، وذمّ إضلال النـاس ".
ولنفاسـتها في أبوابها، وأثرها في بناء فكر المرء المؤمن وسلوكـيّاته، ولا سـيّما في عصرنا الحاضر، قمتُ بتوفيق من الله تبارك وتعالى وبركة أهل البيت (عليهم السلام) بجمع هذه الرسائل الأربع ضمن كـتاب واحد في هذه الطبعة ; لتكون أيسـر منالا لمبتغيها، وأعمّ فائـدة، عسى الله أن ينفع بها، فهو وليُّ ذلك، والله من وراء القصـد، وهو يهـدي السـبيل.
____________
1- انظر الصفحة 43 وما بعدهـا من هذه المقـدِّمـة.
ترجمـة المؤلِّـف(1)
نسـبـه:
هو الشيخ محمّـد جواد بن حسن بن طالب بن عبّـاس بن إبراهيـم بن حسـين بن عبّـاس بن حسـن(2) بن عبّـاس بن محمّـد عليّ بن محمّـد البلاغي النجفي الـرَّبعي(3).
مولـده:
وُلد فى مدينة النجف الأشرف سنة 1282 هـ / 1865 م، في أُسرة علمية عريقة في الفضل والعلم والأدب والتقوى، فقد
____________
1- انظر في تفصيـل ترجمتـه (قدس سره):
أعيان الشيعة 4 / 255 ـ 262، شعراء الغريّ 2 / 436 ـ 458، نقباء البشر في القرن الرابع عشر 1 / 323 ـ 326، الكنى والألقاب 2 / 94 ـ 95، مقدّمة " الهدى إلى دين المصطفى " 1 / 6 ـ 20، معارف الرجال 1 / 196 ـ 200، ريحانة الأدب 1 / 179، ماضي النجف وحاضرها 2 / 61 ـ 66 رقم 3، مقدّمة " الردّ على الوهّابية ": 8 ـ 32، مقدّمة " نصائح الهدى ": 5 ـ 27، مجلّة " رسالة القرآن " / العدد 10 / 1413: 71 ـ 104، وغيرهـا.
2- صاحب كتاب " تنقيح المقال في الأُصول والرجال " ; انظر: الذريعة 4 / 466 رقم 2069.
3- نسـبةً إلى قبيلة ربيعة المشهورة.
نشأته وشيوخه وسجاياه:
نشأ حيث وُلد، في النجف الأشرف، حاضرة العلم، ونهل من مدارسها في الفقه والأُصول والفلسفة، ونواديها في الأدب والثقافة والشعر، ممّا كان له الأثر الكبير في تكوين شخصيّته العلمية والأدبية، فتجلّى ذلك في عمق بحوثه، وأُسلوبه السهل الممتنع في البيان وحسن العرض، وأدبه الجمّ وخُـلقه الدمث في المناظرة والحِـجاج.
أخذ المقدّمات عن أعلام النجف الأفاضل، ثمّ سافر إلى الكاظمية سنة 1306، وتزوّج هناك من ابنة السيّد موسى الجزائري الكاظمي، وحضر على علماء الكاظمية، ثمّ عاد إلى النجف الأشرف سنة 1312 فحضر على الشيخ محمّـد طه نجف (ت 1323) والشيخ آقا رضا الهمداني (ت 1322) والشيخ الآخوند محمّـد كاظم الخراساني (ت 1329) والسيّد محمّـد الهندي (ت 1323) (رحمهم الله).
هاجر إلى سامرّاء سنة 1326 هـ فحضر على الميرزا محمّـد تقي الشيرازي (ت 1338) ـ زعيم الثورة العراقية ـ عشر
ثمّ عاد إلى النجف الأشرف وواصل نشاطه في التدريس والتـأليف، حتّى وافاه الأجل.
كان شخصية موسوعية، له في كلّ علم مِغرفة، صاحب القلم المبارك الثرّ الذي لا ينضب، فكان من أُولئك النَدَرة الأفـذاذ الّذين أوقفوا حياتهم وكرّسوا أوقاتهم لخدمة الدين والمذهب والحقيقة، فلم يُرَ إلاّ وهو يجيب عن سؤال، أو يحرّر رسالة يكشف فيها ما التبس على المرسل من شكّ، أو يكتب في أحد مؤلّفاته..
فوقف بكلّ بأس وقوّة ضدّ التبـشـير المسـيحي وأمام تـيّار الغرب الجارف، الذي اسـتـشرى في العراق وغيره من البلدان العربية والإسلامية، فمثّل لهم سموّ الإسلام على جميع الملل والأديان، حتّى أصبح له الشأن العظيم والمكانة المرموقة بين علماء النصارى وفضلائها.
وتصدّى ـ كذلك ـ للفرق المنحرفة الهـدّامة ـ كالقاديانية والبابية والوهّابية والإلحادية، وغيرها ـ، فكتب في ردّ أباطيلهم،
وممّا مكّـنه من ذلك أنّه كان يجيـد اللغات الفارسـية والعبرانيـة والإنكليزيـة إضافـة إلى لغتـه الأُمّ العربيـة.
وقد كان من خلوص النيّـة وإخلاص العمل بمكان حتّى إنّه كان لا يرضى أن يوضع اسمه على تآليفه عند طبعها، وكان يقول: " إنّي لا أقصد إلاّ الدفاع عن الحقّ، لا فرق عندي بين أن يكون باسمي أو اسم غيري ".
حتّى إنّ يوسف إليان سركيس في كتابه: " معجم المطبوعات " ذكر كتاب " الهدى إلى دين المصطفى " لشيخنا البلاغي ـ رضوان الله عليه ـ ذكره في آخر الجزء الثاني ضمن الكتب المجهولة المؤلّف(1)، وربّما كان (قدس سره) يذيّـل بعضها بأحرف ترمز إلى لقبه، أو بصفات وأسماء مسـتعارة، مثل: كاتب الهدى النجفي، عبـد الله العربي، وغيرهمـا.
ومع كلّ ذلك أصبح اسمه ناراً على علم، وبلغت شهرته أقاصي البلاد ; ذلك لِما عالجه من المعضلات العلمية والمناقشات الدينية، حتّى إنّ أعلام أُوروپّـا كانوا يفزعون إليه في
____________
1- معجم المطبوعات العربية والمعـرَّبة 2 / 2024.
كما كان متواضعاً للغاية، يقضي حاجات بيته بنفسه، ويختلف إلى الأسواق بشخصه لابتيـاع ما يلزم أهله، وكان يحمله إليهم بنفسه ويعتـذر لمن يروم مساعدته بحمله عنه فيقـول له: " ربّ العيال أَوْلى بعياله ".
وكان يقيم صلاة الجماعة في المسجد القريب من داره، فيأتمّ به أفاضل الناس وخيارهم، وبعد الفراغ من الصلاة كان يدرّس كتابه " آلاء الرحمن ".
كان ليِّن العريكة، خفيف الروح، منبسط الكفّ، لا يمزح ولا يحبّ أن يمزح أحد أمامه، تبدو عليه هيبة الأبرار، وتقرأ على أساريره صفات أهل التقى والصلاح.
ومن آثاره الباقية:
إقامة المآتم في يوم عاشوراء في كربلاء، فهو أوّل من أقامه هناك ; إذ كان له في سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) عقيدة راسخة، وحبٌّ ثابت، فكم له أمام المناوئين للإمام الحسين (عليه السلام)من مواقف مشهودة، ولولاه لأمات المعاندون الشعائر الحسينية والمجالس العزائية، ولكنّه تمسّك بها والتزم بشعائرها، وقام بها
فكان هذا العلاّمة البطل ـ على شيخوخته وضعفه وعجزه ـ يمشي حافياً أمام الحشد المتجمهر للعزاء، قد حلّ أزراره ويضرب على صدره، وخلفه اللطم والأعلام، وأمامه الضرب بالطبل.
وعنه أُخذ ذلك حتّى تُوسِّـع فيه ووصل إلى ما هو عليه اليـوم.
ومن آثاره الخالدة كذلك تحريضُ علماء الدين وإثارة الرأي العامّ ضدّ البهائية في بغداد، وإقامة الدعوى في المحاكم لمنع تصرّفهم في المُلك الذي اسـتولوا عليه ـ في محلّة الشيخ بشّار في الكرخ ـ واتّخذوه محفلا وحظيرة لهم لإقامة شعائر الطاغوت، فقضت المحاكم بنزعه منهم، واتّخذه (قدس سره) مسجداً تقام فيه الصلوات الخمس، والمآتم الحسـينية في ذكرى الطفّ، وشعائر أهل البيت (عليهم السلام).
قالـوا فيـه:
قـال أُسـتاذ الفقهـاء والمجتهـدين السـيّد أبو القاسـم الموسوي الخوئي ـ في معرض ذِكره لأسماء علماء الإمامية القائلين بعدم تحريف القرآن الكريم ـ: " ومنهم: بطل العلم
وقال السيّد محسن الأمين العاملي: " كان عالماً فاضلا، أديباً شاعراً، حسن العشرة، سخيّ النفس، صرف عمره في طلب العلم وفي التأليف والتصنيف، وصنّف عدّة تصانيف في الردود.
صاحبناه في النجف الأشرف أيّام إقامتنا فيها، ورغب في صحبة العامليّين فصاحبناه، وخالطناه حضراً وسفراً عدّة سنين إلى وقت هجرتنا من النجف فلم نر منه إلاّ كلّ خُلق حسن وتقوىً وعبادة وكلّ صفة تحمد، وجرت بيننا وبينه بعد خروجنا من النجف مراسلات ومحاورات شعرية ومكاتبات في مسائل علميـة "(2).
وقال الشيخ عبـّاس القمّي: " بطل العلم الشيخ محمّـد الجواد... ولقد كان ـ رحمه الله تعالى ـ ضعيفاً ناحل الجسم، تفانت قواه في المجاهدات، وكان في آخر أمره مكبّـاً على تفسـير القرآن المجيـد بكلّ جهد أكيـد "(3).
وقال الشيخ آقا بزرك الطهراني: " كان أحد مفاخر العصر
____________
1- البـيان في تفسـير القرآن: 200.
2- أعيان الشيعة 4 / 255.
3- الكنى والألقاب 2 / 83 ـ 84.
وقال الشيخ محمّـد حرز الدين: " عالم فقيه كاتب، وأديب شاعر، بحّاثة أهل عصره، خدم الشريعة المقدّسة، ودين الإسلام الحنيف، بل خدم الإنسانية كاملة بقلمه ولسانه وكلّ قـواه "(2).
وقال الميرزا محمّـد عليّ التبريزي المدرّس: " فقيه أُصوليّ، حكيم متكلّم، عالِم جامع، محدِّث بارع، ركن ركين لعلماء الإمامية، وحصن حصين للحوزة الإسلامية، ومُروّج للعلوم القرآنية، وكاشف الحقائق الدينية، وحافظ للنواميس الشرعيّـة، ومن مفاخر الشـيعة "(3).
وقال الملاّ عليّ الواعظ الخياباني التبريزي: " هو العَلَم الفرد، العلاّمة المجاهد، آية الله، وجه فلاسفة الشرق، وصدر من صدور علماء الإسلام، فقيه أُصوليّ، حكيم متكلّم، محدِّث محقّق، فيلسوف بارع، وكتبه الدينية هي التي أبهجت الشرق وزلزلت الغرب وأقامت عَمَد الدين الحنيف، فهو حامية
____________
1- نقباء البشر في القرن الرابع عشر 1 / 323.
2- معارف الرجال 1 / 196.
3- ريحانة الأدب 1 / 179.
وقال الشيخ جعفر النقدي: " عالم عيلم مُهذّب، وفاضل كامل مذرّب، وآباؤه كلّهم من أهل العلم "(2).
وقال عليّ الخاقاني: " من أشهر مشاهير علماء عصره، مؤلّف كبير، وشاعر مُجيد... أغنتنا آثاره العلمية عن التنويه بعظمته وعلمه الجمّ وآرائه الجديدة المبتكرة، فلقد سدّ شاغراً كبيراً في المكتبة العربية الإسلامية بما أسداه من فضل في ما قام به من معالجة كثير من المشاكل العلميّة والمناقشات الدينيّة، وتوضيح التوحيد ودعمه بالآراء الحكيمة قبال الثالوث الذي هَـدَّه بآثاره وقلمه السـيّال...
كان عظيماً في جميع سيرته، فقد ترفَّع عن دَرَن المادّة، وتردّى بالمُـثُـل العالية التي أوصلته في الحياة ـ ولا شكَّ بعـد الممات ـ أرفـع الدرجات...
وقد حضرتُ(3) مع من حضر برهة من الزمن، فإذا به بحر خضمّ لا ساحل له، يسـتوعب الخاطرة، ويحوم حول
____________
1- علماء معاصرين: 162 ـ 163.
2- شعراء الغريّ 2 / 437.
3- أي: درسه في تفسير القرآن الكريم من كتابه " آلاء الرحمن ".
كانت حياته مليئـة بالمفاخر والخدمات الصادقة "(1).
وقال الشيخ جعفر باقر آل محبوبة: " ركن الشيعة وعمادها، وعزّ الشريعة وسنادها، صاحب القلم الذي سبح في بحر العلوم الناهل من موارد المعقول والمنقول ; كم من صحيفة حبَّرها، وأَلوكة حرَّرها، وهو بما حبّر فضح الحاخام والشمّاس، وبما حرَّر مَلَكَ رقَّ الرهبان والأقساس، كان مجاهداً بقلمه طيلة عمره، وقد أوقف حياته في الذبِّ عن الدين، ودحض شبه المادّيّين والطبيعيّين ; فهو جُنّة حصينة، ودرع رصينة، له بقلمه مواقف فلّت جيوش الإلحاد، وشـتّـتت جيوش العادين على الإسلام والطاعنين فيه...
حضرتُ بعض دروسه واسـتفدت منه مـدّة..
كان نحيف البدن، واهي القوى، يتكلَّف الكلام، ويعجز في أكـثر الأحيان عن البيان، فهو بقلمه سحبان الكـتابة، عنده أسهل من الخطابة "(2).
وقال المحامي توفيق الفكيكي: " كان ـ رحمه الله تعالى ـ داعي دعاة الفضيلة، ومؤسّس المدرسة السيّارة للهداية والإرشاد
____________
1- شعراء الغريّ 2 / 437 ـ 439.
2- ماضي النجف وحاضرها 2 / 62.
ومن ملامحه ومخائله الدالّة على كماله النفسي هي: فطرته السليمة، وسلامة سلوكه الخلقي والاجتماعي، وحدّة ذكائه، وقوّة فطنته، وعفّة نفسه، ورفعة تواضعه، وصون لسانه عن الفضول، ولين عريكته، ورقّة حاشـيته، وخفّـة روحه، وأدبه الجمّ، وعذوبة منطقه، وفيض يده على عسره وشظف عيشـه "(1).
وقال عمر رضا كحّالة: " فقيه، متكلّم، أديب، شاعر "(2).
وقال خير الدين الزركلي: " باحث إماميّ، من علماء النجف في العراق، من آل البلاغي، وهم أُسرة نجفيّة كبيرة، له تصانيف... وكان يُجيد الفارسـية، ويُحسن الإنجليزية، وله مشاركة في حركة العراق الاسـتقلالية وثورة عام 1920 م "(3).
____________
1- مقـدِّمة الهدى إلى دين المصطفى 1 / 7.
2- معجم المؤلّفين 3 / 201 رقم 12661.
3- الأعلام 6 / 74.
شِــعـره:
كان (قدس سره) مع عظيم مكانته في العلم وتفقّهه في الدين، أديباً كبيراً، وشاعراً مبدعاً، من فحول الشعراء، له نظم رائق سلس جزل متين، تزخر أشعاره بالعواطف الوجدانية، والمشاعر الإنسانية، والتأمّلات الروحية، وأكثر شعره كان في مدح ورثاء أهل البيت (عليهم السلام)، وبقـيّته في تهنئة خليل، أو رثاء عالم جليل، أو في حالة الحنيـن إلى الأخلاّء يحتّمه عليه واجب الوفاء، أو في الدفاع عن رأي علمي، أو شرح عقيدة أو فكرة فلسفية بطريقة المعارضة الشعرية.
ولم يُجمع شعره ـ على كثرته ـ في ديوان، وإنّما طُبع قسـم منه متناثراً في مؤلّفاته أو تراجمه المسطورة في المصادر
فممّا قال في قصيدة في ذكرى مولد سـيّد شـباب أهل الجنّـة، ريحانة الرسول، الإمام أبي عبـد الله الحسين (عليه السلام)، في الثالث من شعبان:
شَعبانُ كَمْ نَعِمَتْ عَيْنُ الهُدى فيهِ | لَولا المُحَرَّمُ يأتي في دواهيهِ |
وأَشرَقَ الدِّينُ مِنْ أنوارِ ثالِثِهِ | لَولا تَغَشّاه عاشورٌ بِداجِيهِ |
وارتاحَ بالسِّبْطِ قَلبُ المُصطفى فَرَحاً | لَوْ لَمْ يَـرُعْهُ بِذِكْرِ الطَّفِّ ناعِـيـهِ |
رآهُ خيرُ وليد يُسـتجارُ بهِ | وخَيْـرَ مُسْـتَشْهَد في الدِّينِ يَحْمِيهِ |
قَرَّتْ بهِ عَينُ خَيْرِ الرُّسْلِ ثُمَّ بَكَتْ | فَهَـلْ نُهَـنِّيـهِ فيــهِ أَم نُعَـزِّيهِ؟! |
____________
1- وللتفصيل انظر مقال: " المتبقّي من شعر العلاّمة البلاغي "، المطبوع في مجلّـة "تراثـنا "، العدد المزدوج 71 ـ 72، ص 135 ـ 187.
إنْ تَـبْـتَـهِـجْ فاطِمٌ في يومِ مَوْلِـدِهِ | فَلَيْـلَـةُ الطَّـفِّ أَمْسَـتْ مِن بَواكِيهِ |
أو يَنْـتَعِشْ قَلْـبُها مِن نُورِ طَلْـعَـتِهِ | فَقَـدْ أُدِيلَ بِقاني الدَّمْـعِ جارِيـهِ |
فَقَـلْـبُها لَمْ تَطُـلْ فيـهِ مَـسَـرَّتُـهُ | حتّى تَنازَعَ تَبْرِيحُ الجَوى فيـهِ |
بُشْرى أبا حَسَن في يَومِ مَوْلِدِهِ | وَيومَ أَرْعَبَ قَلْبَ المَوتِ ماضِـيـهِ |
وله من قصيدة في ذكرى مولد إمام العصـر والزمان المهديّ المنتـظَر (عليه السلام)، في الخامس عشر من شعبان، قوله:
حَيِّ شعبانَ فهو شهرُ سُعودي | وَعْدُ وَصْليَ فيه وليلةُ عِيدي |
منـهُ حَيـا(1) الصَّبِّ المَشوقِ، شَذا الـ | ـمِـيلادِ فيـهِ وبَهْجَـةُ المَوْلُودِ |
بَهجـةُ المُرتضى وقُـرَّةُ عَيْنِ المُـ | ـصطَفى، بَلْ ذَخيرةُ التَّـوحيـدِ |
____________
1- أصله: حيـاء، وحُذفت الهمزة للضرورة.
رَحمـةُ اللهِ، غَوْثُـهُ في الوَرى، شَمْـ | ــسُ هُـداهُ، وظِلُّـهُ المَـمْـدُودِ |
وهَوى خاطِري، وشائِـقُ نَفْسي، | ومُـنـاها، وعُـدَتي وعَـدِيـدي |
فانْـجَـلَتْ كُـرْبَـتي، وَأزْهَـرَ رَوْضي، | وَنَمَـتْ نَبْـعَـتي، وَأَوْرَقَ عُودي |
طِلْتِ فَخْراً يا لَيلَةَ النِّصفِ مِنْ شَعْـ | ـبـانَ بِـيْـضَ الأيّـامِ بالتَّـسْـوِيـدِ |
وله من قصيدة أُخرى في الإمام الحجّة المنتظَر (عليه السلام)، قولـه:
رُوَيْدَكُما أيُّها الباكِيانِ | فَما أنتُما أَوَّلُ الوالِهِينا |
فَكَمْ لِنَواهُ جَرَتْ عَبْرَةٌ | تَقِلُّ لَها أَدْمُعُ العالَمِينا |
جَرَتْ وَلَهاً قَبْلَ يَومِ الفِراقِ | وَلَمْ تَرْحَلِ العِيسُ بِالمُزْمِعِينا |
فَلا نَهْنَهَ الوَجْدَ فَيْضُ الدُّمُوعِ | وَقَدْ شَطَّتِ الدارُ بالظاعِـنِـينا |
وَبـانَ وَأَوْدَعَـنـا حَـسْـرَةً | وَمِنْ لَوْعَةِ البَيْنِ داءً دَفِينا |
أَطالَ نَواهُ وَمِنْ نَأْيِـهِ | رُزِينا بِما يَسْتَخِفُّ الرَّزِينا |
نُـقَـضّي اللَيالي انتِـظاراً لَهُ | فَيا حَسْرَتا، ونُقَضّي السِّنِينا |
نُطِـيلُ الحَنِـينَ بِتَـذْكارِهِ | وَيا بَـرَحاً أنْ نُطِـيلَ الحَنِـينا |
فَما لَقِيَتْ فاقِداتُ الحَمامِ | مِنَ الوَجْدِ في نَوْحِها ما لَقِينا |
ومن قصيدة له يرثي بها الإمامَ الحسـين (عليه السلام)، قوله: