حتّى تَراءَتْ في الجِنان مَهِيضَةً | هَتَفَ الملائِكةُ: " ادخُلِي بِسلامِ " |
ومنهـا:
صَيَّرْتَ قَلبَكَ شَمعةً وحَمَلْتَهُ | ضَوْءاً أمامَ الدِّينِ للإعْظامِ |
فَأَذَبْتَهُ فإذا المَدامِعُ أسطُرٌ | والنورُ مَعناها البَديعُ السامي |
ورثاه الشيخ محمّد علي اليعقوبي (رحمه الله) بقصيدة مطلعها:
سَلُوا قُبّةَ الإسلامِ ماذا أَمادَها؟! | متى قَوَّضَتْ منها الليالي عِمادَها |
وقد أحسن أحد الأُدباء فخاطبه في رثائه قائلا:
زَوَّدْتَ نَفْسَكَ في حياتِكَ زادَها | تَقوى الإلهِ وذاكَ خَيرُ الزادِ |
ووصفه أحد البارعين فقال:
تَحَلَّى بِهِ جِيْدُ الزَّمانِ وأَصبَحَتْ | تُزانُ بهَ الدُّنيا وتَزْهُو الصَّحائِفُ |
ورثاه كذلك كلٌّ من السيّد محمود الحبّوبي ومحمّد صالح الجعفري والشيخ محمّد علي الأُردوبادي، وغيرهم.
مؤلّـفاتـه(1):
نمّق يراعه المبارك كثيراً من الكتب والرسائل في شتّى المعارف والعلوم، خلّفها آثاراً تهتدي بها الأجيال، وتحتجّ بها الأبطال، فمن جاء بعده كانوا عيالا عليه، والكلّ في ذلك يشـيرون إليه، وقد حُرمنا فائدة بعضها الذي لم يُطبع، وأمّا ما طُبع، فقد نفدت نسخه حتّى كادت أن تلحق بنفائس المخطوطات، وهذا دليل على فائدته الجُلّى، عسى الله تعالى أن يقيّض ويوفّق مَن يعثر على غير المطبوع فيحييه، وعلى المطبوع فينشـره.
وفي ما يلي مسرد لأسماء ما صنّفه من كتب ورسائل:
1 ـ آلاء الرحمن في تفسـير القرآن.
2 ـ رسالة في تكذيب رواية التفسـير المنسوب إلى الإمام الحسـن العسكري (عليه السلام).
3 ـ الوجيز في معرفة الكـتاب العزيز.
4 ـ الهدى إلى دين المصطفى.
____________
1- لقد فصّلتُ القول عن خصائص مؤلّفاته (قدس سره) وطبعاتها في مقـدِّمة تحقيقي لكتابه " نصائح الهدى والدين "، ص 13 ـ 21 ; فراجـع!
6 ـ داعي الإسلام وداعي النصارى.
7 ـ رسالة في الردّ على جرجيس سايل وهاشم العربي.
8 ـ رسالة في الردّ على كتاب " ينابيع الإسلام ".
9 ـ رسالة في الردّ على كتاب " تعليم العلماء ".
10 ـ رسالة في ردّ أوراق وردت من لبنان.
11 ـ عَـمّـانوئيل.
12 ـ المسـيح والأناجيل.
13 ـ التوحيـد والتـثليث.
14 ـ أعاجيـب الأكاذيب.
15 ـ داروين وأصحابه.
16 ـ نور الهدى.
17 ـ أنوار الهدى.
18 ـ مسألة في الـبَـداء.
19 ـ نسـمات الهدى ونفحات المهديّ.
20 ـ البلاغ المبـين.
21 ـ الردّ على الوهّابـية.
22 ـ دعوة الهدى إلى الورع في الأفعال والفتوى.
23 ـ أجوبة المسائل البغـدادية.
25 ـ أجوبة المسائل التبريزية.
26 ـ الشـهاب.
27 ـ مصابيح الهدى، أو: المصابيح في بعض من أبدع في الدين في القرن الثالث عشر.
28 ـ نصائح الهدى، أو: نصائح الهدى والدين إلى من كان مسلماً وصار بابـيّـاً.
29 ـ رسالة في عدم تزويج أُمّ كلثوم.
30 ـ العقود المفصّلة في حلّ المسائل المشكلة.
وهي 14 عقداً في الفقه وأُصوله، وهي:
أ ـ رسالة في العلم الإجمالي (أُصول الفقه).
ب ـ رسالة قاعدة على اليد ما أخذت (أُصول الفقه).
ج ـ رسالة في تنجيس المتنجّس.
د ـ رسالة في اللباس المشكوك.
هـ ـ رسالة في ذبائح أهل الكتاب.
و ـ رسالة في ضبط الكُـرّ.
ز ـ رسالة في ماء الغُسالة.
ح ـ رسالة في حرمة مسّ المصحف على المُحْدِث.
ي ـ رسالة في منجّزات المريض.
ك ـ رسالة في مواقيت الإحرام.
ل ـ رسالة في القِبلة وتعيين مواقع البلدان المهمّة في العالم من مكّة المكـرّمة بحسب الاختلاف في خطوط الطول والعرض (علم الهيئة).
م ـ رسالة في إلزام غير الإمامي بأحكام نحلته (أُصول الفقه).
ن ـ رسالة في الرضاع.
31 ـ رسالة أُخرى في فروع الرضاع على مذهب الإمامية والمذاهب الأربعة.
32 ـ رسالة في وضوء الإمامية وصلاتهم وصومهم.
33 ـ رسالة في الخيارات.
34 ـ رسالة في التقليـد.
35 ـ رسالة في صلاة الجمعة لمن سافر بعد الزوال.
36 ـ رسالة في بطلان العول والتعصيب.
37 ـ رسالة في حرمة حلق اللحية.
38 ـ تعليقة على " العروة الوثقى " للسيّد محمّـد كاظم
39 ـ تعليقة على مباحث كتاب البيع من كتاب " المكاسـب " للشيخ الأنصاري (ت 1281).
40 ـ تعليقة على كتاب الشفعة من كتاب " جواهر الكلام " للشيخ محمّـد حسن النجفي (ت 1266).
41 ـ رسالة في الأوامر والنواهي (أُصول الفقه).
42 ـ كتاب في الاحتجاج لكلّ ما انفردت به الإمامية بما جاء من الأحاديث في كتب غيرهم (فقه مقارن).
43 ـ إلزام المتديّن بأحكام دينه.
خصائـص الرسـائل الأربعـة:
أمّا تفصيل الكلام على خصائص وطبعات كلّ واحدة من هذه الرسائل الأربعة، فنضعه بين يدي القارئ الكريم ; ذلكَ ليتبـيّن مدى نفاسـتها وخطورتها والغاية من إعادة العمل عليها ونشـرها:
1 ـ مسـألة في الـبَـداء
من المعلوم الواضح ما للأُمور العقائديـة من دور خطير في بناء فكر الفرد المؤمن وعقيدته، ويسـتتبعها وجوده المميَّز من خلال المواقف التي يتّخذها كلّ يوم في خضمّ التيّارات والاتّجاهات الفكرية المختلفة التي تسود العالَم اليوم.
ومن تلك الأُمور التي امتازت بها الإمامية عن غيرها ـ تبعاً لكتاب الله وسُـنّة رسوله الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) ـ هـو القول بالـبَـداء..
ممّا جعل الفرق التي لم تتّخذ مذهب أهل البيت (عليهم السلام)منهجاً لها، جعلها تشـنِّع على الشـيعة الإمامية عقيدتهم هذه، تجاهلا منها أو جهلا بأدلّـتهم عليها.
ولو أنّهم كلّفوا أنفسهم جهداً قليلا، وبحثوا في ما كتبه علماء الإمامية في الـبَـداء ومفهومه، بروح علمية حيادية، لوجدوا أنّ الحقّ مع الإمامية دونهـم.
ولذلك بادر علماء الإمامية للردّ على افتراءات المفترين وشـبهات المبطلين، فأَوْدعوا موسوعاتهم الحديثية ما ورد في الـبَـداء من روايات عن العترة الطاهرة (عليهم السلام)، وكتبوا فيه فصولا ومباحث خاصّة في كتبهم الكلامية والعقائدية وغيرها، كما أفردوا له كـتباً ورسائل برأسها، فلا يكاد يخلو أيّ كتاب أُلِّف في العقائـد أو الكلام ـ وربّما في غيرهما ـ من البحث في
فقد أحصى الشيخ آقا بزرك الطهراني (رحمه الله) في موسوعته القيّمة " الذريعة إلى تصانيف الشـيعة " نحو 30 كتاباً أو رسالة مسـتقلّة صُنّفت في هذا المجال، توضيحاً لمفهومه العقائدي وما المراد منه، أو دفاعاً عن الاعتقاد به، وردّاً للشكوك والشـبهات المحاكة حوله(2).
وإذا أضفنا إلى ما تقدّم كتباً ورسائل أُخرى قد أُلِّفت في نفس الموضوع، في الفترة التي تلت إتمام تأليف " الذريعة "، أو ممّا فات الشيخَ الطهراني تسجيله فيها، لكان العدد المحصى أكبـر من هـذا.
____________
1- فعن الإمام أبي عبـد الله الصادق (عليه السلام) أنّـه قال: " لو عَلِمَ الناسُ ما في القول بالـبَـداء من الأجـر ما فَـتَـروا عن الكلام فيـه ".
الكافي 1 / 115 ح 12، التوحيـد: 334 ح 7.
أقـول: ومن ثمرات هذا الحديث: عدم القنوط واليأس من رَوح الله تعالى ورحمتـه، وهو مناط الخوف والرجاء ; لأنّ ذلك يؤصّل في العبـد عقيدته في التضرّع والدعاء والسعي في أُمور المعاش والمعاد، والاسـتزادة من أعمال الخير واجتـناب الشرور رجاء الأجر والثواب من عند الله سـبحانه.
انظر: مرآة العقول 2 / 141 ح 13.
2- انظر: الذريعة 3 / 51 ـ 57 رقم 131 ـ 151 و ج 11 / 127 رقم 790 و ج 26 / 87 رقم 419.
من ذلك كلّه يظهر مدى عناية علمائنا بمفهوم الـبَـداء ; لدقّـة مطلبه وحسّاسـيّته وخطورته، وهذا ما سـيتّضح من هذه الرسالة إن شاء الله.
أمّا هذه الرسالة..
فهي من أفضل ما كُتب في " الـبَـداء "، فهي بعيدةٌ عن الاختصار المخلّ، والتطويل المملّ، وهي على قصرها فيها غنىً للباحث عن الحقّ عن غيرها، ممّا يثبت ويؤكّد منزلة المؤلّف العلمية السامية، فقد كُتبت بأُسلوب واضح جليّ، وسـبك قويّ، وبُنيت على اسـتدلال جميل ظاهر، ولم تشحن بالاصطلاحات العلمية والتعبيرات الغامضة التي لا يفهمها الكثيرون، وقد اسـتقصى المؤلّف (قدس سره) فيها كلّ جوانب المسألة، ولم يترك تساؤلا إلاّ وأجاب عنه بالدليل القويّ الرصين.
وكان قد حرّرها (قدس سره) جواباً عن اسـتفسار ورد إليه عن الـبَـداء، فأحسـن وأجاد.
طبعات الرسالة:
كانت قد نُشرت لأوّل مرّة في أواسط الخمسـينيات من القرن الميلادي المنصرم، باسم: " مسألة في الـبَـداء "، في آخر المجموعة الرابعة من سلسلة " نفائس المخطوطات "، التي كان يصدرها في بغداد الشيخ محمّـد حسـن آل ياسـين حفظه الله.
فأعدتُ العمل عليها بما يناسـب عصرنا الحاضر، وطُبعت في قم سـنة 1414 هـ، بقياس 5 / 21 × 5 / 14 سم، ضمن كتيّب " رسـالتان في الـبَـداء "، وألحقـتُ بهـا " الـبَـداء في التكوين " لآية الله العظمى السـيّد الخوئي (قدس سره)، وهو أحد فصول كتابه القيّم
____________
1- انظر الصفحة 74 ـ 75 من هذه المجمـوعة.
وقد قمتُ بتحقيق هذا السفر القيّم، وصدر بطبعتين ; الأُولى في قم عن دار " دليل ما " سنة 1423 هـ، والثانية طبعة مصحّحة منـقّحة مزيدة، امتازت على الطبعة الأُولى بذلك، صدرت في بيروت عن دار " المحجّة البيضاء " سنة 1424 هـ / 2003 م.
ثمّ أعدتُ العمل عليها، فصحّحتُ ما وقع في تلك من أغلاط مطبعية، وأضفت لها تعليقات نافعة مفيدة، وجمعتها مع أخوات لها ضمن مجموعة نفيسة من رسائل الشيخ البلاغي (قدس سره)، فكانت هذه الطبعة التي بين يديك عزيزي القارئ.
2 ـ نسمات الهدى ونفحات المهديّ
وقد ردّ الشيخ البلاغي (قدس سره) في رسالته هذه على افتراءات وشـبهات الدكتور زكي نجيب محمود المصري، التي طعن بها على عقائد الشـيعة الإمامية الاثني عشرية، ولم تك تلك الافتراءات والشـبهات وليدة يومها، أو من بنات أفكاره، فمـا كانت إلاّ صدىً لِما تقوّله مَن سبقه مِن المعاندين المكابرين.. فكشف بذلك عن سوء سريرته، وخبث طويّته، وجرأته على كيل التهم بدون حقّ أو أثارة من علم.
إذ أثار في مقال كتبه قضية الاعتقاد بالإمام المهديّ (عليه السلام)، وسرداب الغَيـبة، وقيام الإمام الحسـين (عليه السلام) بوجه الظلم، والإمامـة عند الشـيعة، وعبـد الله بن سـبأ..
فردّها المصنّـف (قدس سره) بالأدلّة والبراهين القوية، معتمداً في ذلك على ما ورد في أُمّهات مصادر أهل السُـنّة، في ما يخصّ الأُمور المشتركة، كيما تكون الحجج ألزم وأدعى للقبول.. فيما عضّـد ذلك بما ورد من طرق الشـيعة.
وفي ما عدا ذلك فقد اعتمد ـ كعادته ـ على الحوار العقلي العلمي بأدب جمّ وخُلق رفيـع.
وكعادة الشيخ البلاغي (قدس سره) في تصانيفه فإنّه لم ينهِ الرسالة باسمه الصريح، وإنّما أنهاها بتوقيع: (ب)، إشارة إلى لقبه.
طبعات الرسالة:
طُبعت هذه الرسالة لأوّل مرّة في مجلّـة " العـرفان " اللبنانية، المجلّد 18، الجزءين الأوّل والثاني، شهرَي ربيـع الأوّل والآخر 1348 هـ / آب وأيلول 1929 م، قسم المراسلة والمناظرة، ص 195 ـ 202.
وقد قمتُ بتحقيـقها اعتماداً على طبعتها الأُولى تلك، وصدرت في قم وبيروت، عن مؤسّـسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، في مجلّة " تراثنا "، العدد 65، السـنة 17، شهر المحرّم 1422 هـ.
ثمّ قمتُ بتصحيح ما وقع فيها من أخطاء في طبعتها المحقّـقة الأُولى، وطُبعت ثانية سنة 1424 هـ، بقياس 20 × 5 / 14 سم، خالية من اسم الناشر ومكان الطبـع.
____________
1- انظر الصفحة 101 من هذا الكـتاب.
3 ـ الـبــلاغ المبـيـن
وهذا أثر آخر من آثار العلاّمة الحجّة الشيخ البلاغي (قدس سره)، قد اتّبع فيه أُسلوباً جديداً لإيصال مفهوم العبودية لله تعالى والغاية من خلق البشر والمسؤوليّات المترتّبة عليهم، وجعله محاورة بين شخصين جمعتهمـا رفقـة سـفر، همـا: (عبـد الله) و (رمزي) ; ثمّ أنهى كتابه ـ كعادته ـ بتوقيعِ اسم مسـتعار، هو: عبـد الله.
فجاء الكتاب على نسق الحواريّات كما هو الحال في الأدب الروائي.. ذلك الأُسلوب الذي يستهوي جيل الشباب ويغريهم بمتابعة القراءة في عصر ثقل فيه على النفوس قراءة الكتب ومطالعتها للاسـتزادة من شتّى حقول العلم والمعرفة والفكر، فأبقتها رهينة الرفوف والمكتبات، وسهل عليها الركض وراء ما لا ينفعها ولا يغنيها، حتّى غدت البشرية تموج في فراغ فكري هائل أوردها المهالك..
(ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السـماء والأرض)(1).
____________
1- سورة الأعراف 7: 96.
وقد ذكره له الشيخ آقا بزرك الطهراني (رحمه الله) في كتابه وقال عنه: " البلاغ المبين: في إثبات الصانع تعالى بالطرز الحديث المأنوس للأذهان الصافية... وهو كسائر تصانيفه باكورةٌ في مواضيعـه "(1).
علماً بأنّ من الأمثلة التي أوردها الشيخ البلاغي (قدس سره) التي عُـدّت يوم تأليف الكتاب ونشره ـ قبل أكثر من سبعين عاماً ـ من المخترعات الجديدة والمستحدَثات التي ينبغي إعمال الفكر فيها واسـتلهام العِبر منها.. في حين أنّها تُعدّ اليوم من المألوفات التي لا يُلتفت إليها..
كما أنّه (قدس سره) ضرب أمثلة لم يكن يقصد بها الانتقاص من قوم أو الإهانة لملّـة، وإنّما جرت منه مجرى الحكايات التي تُسـتلهم منها الدروس والعِـبر.
فتبرز هنا منزلة هذا الكتاب الذي ينبّه العقل الإنساني لإعمال فكره ونظره في كلّ ما حوله، قديمه وجديده، للوصول إلى الغاية المنشودة.
____________
1- الذريعة 3 / 140 رقم 481.
طبعات الكـتاب:
طُبع هذا الكتاب لأوّل مرّة في مطبعة الآداب ببغـداد سنة 1348 هـ، في 47 صفحة، بقياس 17 × 10 سم، بتصحيح السيّد عبـد المطّلب الحسيني الهاشمي، صاحب مجلّة " الهـدى " التي كانت تصدر في مدينة العِمارة العـراقية.
فعملتُ على تصحيحه وإعداده بشكل يناسـب أفهام هذا العصر، وأنهيت عملي فيه في ذكرى مولد سـيّد شـباب أهل الجنّـة، سـبط الرسول وريحانـته، الإمام أبي محمّـد الحسـن المجتبـى (عليه السلام)، في 15 شهر رمضان 1421 هـ، إلاّ أنّـه لم يقـدّر له أن يرى النور إلاّ ضمن هذه المجموعة، فكانت هذه الطبعة هي الأُولى المحقّـقة لهذا الكـتاب، مع أخواته الثلاث الأُخرى.
4 ـ الردّ على الوهّابـيّـة
منذ ظهور الفرقة الضالّة المضلّة (الوهّابية) وحتّى أيّامنا هذه بادر علماء الإسـلام على مختلف مذاهبهم، فكتبوا في ردّهم ودحض أباطيلهم وشـبهاتهم كتباً ورسائل كـثيرة(1)، كان فيها الردّ الحاسم القاطع في وجه الوهّابية، فانحصر وجودهم في مهد ظهورهم أرض الحجـاز.
وما اسـتمرَّ وجود الوهّابـية في أرض الحجاز إلاّ بقـوّة الحديد والنار ; إذ لم يستطيعوا أن يقارعوا الآخرين بالحجّة والبرهان، إلاّ أنّ نشاطها الهدّام ونفث سمومها وأباطيلها وشـبهاتها لا يزال مسـتمرّاً، بعد أن لفظتهم المذاهب الإسلامية كافّـة، لمخالفتها الفطرة السليمة والأُسـس الإسلامية الصحيحة، فكان نفاذهم المسـتشري في أصقاع العالم الأُخرى مبنيّـاً على
____________
1- انظر مقال: " معجم ما ألّفه علماء الأُمّة الإسلامية للردّ على خرافات الدعوة الوهّابية " للسيّد عبـد الله محمّـد عليّ، المنشور في مجلّة " تراثنا "، العدد 17، السنة 4، شوّال 1409 هـ، ص 146 ـ 178، فقد أحصى فيه أكثر من 200 كتاب ورسالة في الردّ على الوهّابية، لعلماء المذاهب الإسـلامية المختلفة.
ولو أضفنا إلى ذلك ما صدر في هذا الباب منذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا، لقاربت الردود عليهم الثلاثمئـة مصنّـف!
لذلك كلّه رأيت من المناسـب أن أُحيي رسالة في الردّ عليهم، فاخترت هذه الرسالة القيّمة، التي هي رسالة صغيرة الحجم، كبيرة المحتوى، فهي بعيدة عن التطويل المملّ أو الاختصار المخلّ، وقد اشتملت على جُلّ المباحث اللازمة في الردّ على الوهّابية، وامتازت ـ بالرغم من صغر حجمها، وكبقية رسائل الشيخ البلاغي (قدس سره) ـ بإيفاء الموضوع حقّه، بالحجّة القاطعة، والدليل النقلي القوي، والبرهان العقلي المقنع ; فقد اعتمد المؤلّف (رحمه الله) على أُمّهات المصادر المعتمدة لدى عامّة المسلمين، لدحض شبهات هذه الفرقة الضالّة، وإثبات مراده، مضافاً إلى ذلك دماثة الأخلاق والأدب الرفيع في المناقشة والمناظـرة.
هذه الرسالة..
لقد ذكر أغلب المترجِمين للعلاّمة البلاغي (قدس سره) أنّ له رسالتين اثنتين مطبوعتين في ردّ الوهّابيـة.
فقد ذكر الشيخ آقا بزرك الطهراني (رحمه الله) رسالة بعنوان: " دعوى الهدى... " التي أوردناها آنفاً برقم 22 بعنوان " دعوة
ثمّ ذكرهما أيضاً في نقباء البشر في القرن الرابع عشر 1 / 325 ضمن تعداده لكتب الشيخ البلاغي المطبوعة، ولم يصرّح باسم الرسالة الأُولى أو بتاريخ طبع الرسالتين أو إحـداهما.
وذكرهما له أيضاً السيّد محسن الأمين العاملي (رحمه الله) في أعيان الشيعة 4 / 256 بالرقمين 12 و 13، ولم يصرّح بعنوان خاصّ لإحداهما أو بتاريخ طبعهما.
كما ذكرهما له الأُستاذ المحامي توفيق الفكيكي (رحمه الله) ضمن مؤلّفاته المطبوعة، في مقدِّمته للطبعة الثانية من كتاب " الهدى إلى دين المصطفى "، ص 13، بالتسلسلين 9 و 10، ولم يصرّح بعنوان خاصّ لإحداهما أو بتاريخ طبعهما كذلك.
وذكرهما ـ كذلك ـ كوركيس عوّاد في معجم المؤلّفين العراقيّين 3 / 124 بالرقمين 10 و 11، ولم يصرّح بعنوان خاصّ لإحداهما أو بتاريخ طبعهما هو الآخر.
وأمّا الرسالة هذه، فقد عثرتُ على ثلاث نسخ منها بعد جهد جهيد، وكانت جميعها خالية من اسم الرسالة والمؤلّف، تتألّف من 45 صفحة، ومطبوعة على الحجر في النجف الأشرف، وكان الفراغ منها في ليلة 14 ربيع الأوّل سنة 1345 هـ.
وبقرائن: زمانَي التأليف والطبع ومكانَيهما، وعدم ذِكر اسم المؤلّف(1)، بل ذُكر في الإنهاء اسم مستعار هو (عبـد الله)، وقـوّة العرض والاسـتدلال بالرغم من صغر الرسالة، وأدب المؤلّف وأخلاقه في المحاججة والنقاش، وكلّ ما يُعبِّر عنه بـ:
____________
1- كما هو المعتاد في أكثر كـتبه، مثل: " الهـدى إلى دين المصطفـى " في طبعته الأُولى، و " التوحيد والتثليث "، و " أعاجيب الأكاذيب " وكان قد أنهاه بتوقيع: عبـد الله العربي، و " أنوار الهدى " وقد وضع عنوان المـراسـلة معـه على الصفحـة الأُولى باسـم: كاتـب الهـدى النجـفي، و " الردّ على الوهّابيـة " وأنهاه بتوقيع: عبـد الله ; وغيرهـا.
بقرينة كلّ ذلك أمكنني الجزم أنّ رسالتنا هذه هي الرسالة الثانية التي نمّقها يراع المؤلّف (قدس سره) في هذا المجال.
طبعات الرسالة:
فعملتُ بعد ذلك كلّه على تصحيحها وتحقيقها وإعدادها، وطُبعت أوّلا في قم وبيروت، في مجلّة " تراثنا "، الصادرة عن مؤسّـسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، في العدد المزدوج 35 ـ 36، السـنة 9، شهر رمضان 1414 هـ.
ثمّ صدرت ثانية مسـتقلّة عن مؤسّـسة آل البيت (عليهم السلام)لإحياء التراث، في كلّ من قم وبيروت، بعد إضافة مجموعة من الفهارس الفنّية إليها، وذلك في سـنتَي 1416 و 1419، ضمن سلسلة " ذخائر تراثـنا "، برقم 6.
وأُعيد طبعها ثالثة بصفّ جديد، بحجم صغير، بقياس 5 / 16 × 5 / 11 سم، تحت عنوان: " الوهّابية وأُصول الاعتقاد "، ضمن سلسلة " على مائدة الكتاب والسُـنّة "، برقم 17، وصدرت خلـيّـةً من اسم الناشر ومكان الطبع وزمانه!
ثمّ أعدتُ تصحيحها وتنقيحها، وأضفت لها تخريجات
منهج العمل في هذه الرسائل
بالرغم من أنّ هذه الرسائل الأربعـة قد بحثت مطالب علمية مختلفـة، إلاّ أنّني اتّـبعت في عملي بها أُسلوباً شمل الرسائل كلّها بإطاره العامّ، إلاّ في بعض النواحي الفـنّـية التي فرضتها طبيعة الكـتاب أو الرسالة وخصائصه، فكانت مراحل العمل كما يلـي:
1 ـ قمتُ بتقطيع النصّ وتوزيعه بالاسـتفادة من علامات الترقيم الحديثة، كيما يناسب أُسلوب العصر الحاضر، وإظهار المطالب بشكل واضح يسهل معه على القارئ متابعتها.
2 ـ خرّجتُ الآيات الكريمة، وكذا الأحاديث والروايات الشريفة وبقيّة المطالب الواردة في الكتاب اعتماداً على مصادرها الأصلية التي نقل عنها الشيخ البلاغي (قدس سره) قدر المسـتطاع..
ففي كلّ حديث أورده المؤلّف (قدس سره) من مصادر أهل السُـنّة قمتُ بتخريجه عن مصادره الأصلية، فإنْ عُدِمْـتُ المصدر
وربّما خرّجت على مصادر أُخرى، عضَّـدتُ بهـا التخريجات الأساسـية، إمعاناً في إقامة الحجّة وتوكيدها، وكذا إذا تطلّب المقام التوسّع والإكـثار في التخريـج.
ولم أُعْـنَ بالاختلافات البسيطة والطفيفة والجزئية الواردة في نصوص الأحاديث..
ولم أُشِر في الهامش إلاّ إلى ما كان منها ذا تأثير على المعنى، أو ما كان منها اختلافاً ضرورياً ; فلم أُشِر إلى تقديم كلمة على أُخرى، أو جملة على أُختها، أو ما نقله الشيخ البلاغي (قدس سره) بالمعنى أو مختصراً.
3 ـ أدرجت في الهامش التعليقات الضرورية، توضيحاً وشرحاً لبعض مطالب الكتاب وكلمات المتن.
4 ـ أصلحت الأغلاط الإملائية والطباعية، التي لا تخلو منها أيّة طبعة لأيّ كتاب، ولا سيّما إذا كانت طبعة حجرية، ولم أُشر إلى ذلك إلاّ في موضعين من رسالة " الردّ على الوهّـابيـة ".
وربّما أورد العلاّمة البلاغي (قدس سره) استخداماً لغوياً نادراً، فلم
5 ـ كما لم أُشِر في الهامش لِما وضعته بين القوسـين المعقوفتين [ ]، لوضوح المراد منه، وإنّما هو أحد ثلاثة:
إمّا عنوان رئيس وضعته في أوائل الفقرات أو المطالب أو أوائل الفصول، زيادة في توضيح مطالبها، وسهولة تمييزها عن بعضها بعضـاً..
أو إضافة من المصدر المنقول عنه تتميماً لنسـق المطلـب، ربّما سقطت أثناء الطبع من الطبعات الأصل..
أو زيادة من عند نفسي يقتضيها السـياق، ربّما كانت مثبتة في الأصل لكـنّها سقطت أثناء الطبع كذلك..
فجاءت الرسائل الأربعة هذه ـ بحمد الله ـ مُـعَـدّةً إعداداً طَويتُ فيه عدّةً من مراحل التحقيق بما مكّـنّي فيه ربّي ممّا أنعم علَيَّ بـه..
شكر لا بُـدّ منه:
لا يسعني وأنا أُقـدِّم هذه الآثار النفيسـة إلى الملأ العلمي إلاّ أن أُسدي الشكر الجزيل إلى كلّ من أعان وأسدى إليَّ معروفاً، لإخراجها بأفضل صورة ممكنة، ولا سيّما مؤسّـسة آل
وفّـق الله الجميع لخدمة دينه الحنيف، ومراضيه، وإحياء أمر أهل البيـت (عليهم السلام)، وبثّ علومهم، ونشر معارفهم.
وكلمة أخيرة لا بُـدّ منها:
فأنا لا أدّعي كمالا في عملي هذا، فما كان إلاّ في خدمة الدين والدفاع عنه ابتغاء غفران الله جلَّ وعلا ورضوانه، وما هو إلاّ من منِّه وفضله وتوفيقه، وإنْ هو إلاّ صفحات أعددتها ليوم فقري وفاقتي، ويوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسـبت في إيمانها خيـراً، أرفعها إلى مقام مَن هو أَوْلى بنـا مِن أنفسـنا، سـيّدنا ومولانا وإمامنـا صاحب الزمان (عليه السلام)، مشفوعةً بالدعاء والتوسّل إلى الله تعالى بتعجيـل ظهوره المبارك.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سـيّدنا ونبيّـنا محمّـد وآله الطـيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
9 ربيع الأوّل 1425 هـ
ذكرى اليوم الأوّل من إمامة
الإمام المهديّ المنتظَر
عجّل الله تعالى فرجه الشريف
دمشـق ـ السـيّدة زينب (عليها السلام)
محمّـد علي الحكيم