الصفحة 54

المسألة الرابعة
صلاة الضحى


صلاة الضحى من النوافل الرواتب المشهورة في كتب الفقه والحديث لأهل السنّة وإن كانت مجهولة ومتروكة عند الكثير من عامّتهم.

ويمكننا في هذه العجالة أن نلقي نظرة خاطفة على ما يتعلّق بصلاة الضحى من قبيل: حكمها وأقوال الفقهاء حولها، ووقتها، وعدد ركعاتها، وأدلّتهم على مشروعيّتها، ونظر فقهاء الشيعة حولها.

ما هو حكمها؟

صلاة الضحى على المشهور عندهم سنّة، كما عليه الحنابلة والحنفية والشافعية.

وفي مقابل المشهور هناك أقوال أُخر، وهي:


الصفحة 55
1 ـ أنّها مندوبة(1) ـ كما عليه المالكية ـ فيستحبّ المداومة عليها.

2 ـ لا تستحبّ أصلا.

3 ـ يستحب فعلها تارة وتركها أُخرى، فلا يستحب المداومة عليها.

4 ـ تستحب صلاتها والمحافظة عليها في البيوت.

5 ـ لا تشرع إلاّ بسبب مثل الشكر وغيره.

6 ـ أنّها بدعة(2).

متى وقتها؟

ووقتها من ارتفاع الشمس قدر رمح، إلى زوالها، والأفضل أن يبدأها بعد ربع النهار. وعبر عن وقتها بهذه العبارة أيضاً: وأفضل وقتها إذا علت الشمس واشتدّ حرّها، ويمتدّ وقتها إلى زوال الشمس، وأوّلة حين تبيضّ الشمس(3).

كم عدد ركعاتها؟

أقلّها ركعتان وأكثرها ثمان، وقيل اثنتا عشرة ركعة، وقال

____________

1- يفرق بين المسنون والمندوب، بأنّ الأول هو ما واظب عليه النبي (صلى الله عليه وآله) والخلفاء الراشدون والثاني هو ما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يواظب عليه. (الفقه على المذاهب الخمسة، للشيخ محمد جواد مغنية: 78).

2 و 3- راجع: الشرح الكبير على المغني، شمس الدين ابن قدامى المقدسي 1: 775 ـ والفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري 1: 332 ـ وفقه السنة، السيد سابق 1: 185 ـ وزاد المعاد لابن قيم الجوزيه 1: 116 - 119 ـ ونيل الأوطار للشوكاني 3: 62.


الصفحة 56
الحنيفية: أكثرها ستّ عشرة، وذهب بعض الشافعية والطبري إلى أنّه لا حدّ لأكثرها.

وقالوا بأنّه يكره أن يصلّى في نفل النهار زيادة على أربع ركعات بتسليمة واحدة(1).

أدلتها؟

لا دليل لهم على مشروعيّتها إلاّ مجموعة أحاديث وردت في مجاميعهم الحديثية. ولكن بعد التمحيص والتنقيب يتجلّى عدم نهوضها للحجية على ذلك. لأنّها إمّا مجملة تقصر دلالتها عن الاثبات، وإمّا مروية عن طرق لا يصح الاحتجاج بها، مضافاً إلى معارضتها بأحاديث نافية للمشروعية، راجحة عليها سنداً ودلالة.

وإليك نماذج من تلك الطوائف الثلاث، وعليها يمكن قياس سائر الأحاديث التي لم نذكرها هنا رعاية للاختصار.

الطائفة الأولى:

الأحاديث المجملة، منها:

1 ـ ما روي عن نعيم بن هماز، قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: قال الله عزّوجلّ يا ابن آدم لا تعجزني من أربع ركعات في أول نهارك أكفك آخره(2).

____________

1- المصادر نفسها.

2- التاج الجامع للأصول 1: 321.


الصفحة 57
رواه أبو داود وأحمد والترمذي.

ولفظه: ابن آدم اركع من أوّل النهار أربع ركعات أكفك آخره.

وليس في هذا تصريح بصلاة الضحى، ولا ظهور لاحتمال أنّ المقصود من الأربع هو فريضة الفجر ونافلتها، كما اختاره مثل ابن تيمية وابن قيم(1)، واحتمله البعض الآخر مثل الشوكاني والعراقي(2).

2 ـ ما روي عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنّ حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر، وصلاة الضحى ونوم على وتر(3).

احتمل في هذا الحديث اختصاص الوصية بأبي هريرة وأمثاله الذين لا يستيقضون لنافلة الليل أو ينشغلون عنها، بأن يصلّوها في الضحى قضاءً، ويؤيده قوله: "ونوم على وتر".

قال ابن قيم: "وأما أحاديث الترغيب فيها والوصية بها فالصحيح منها، كحديث أبي هريرة وأبي ذر لا يدلّ على أنّها سنّة راتبة لكلّ أحد، وإنّما أوصى أبا هريرة بذلك لأنّه قد روي أنّ أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة، فأمره بالضحى بدلا من قيام الليل، ولهذا أمره لا ينام حتى يوتر ولم يأمر بذلك أبا بكر وعمر وسائر الصحابة"(4).

3 ـ روي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنّه قال: دخلت على

____________

1- زاد المعاد 1: 120.

2- نيل الأوطار 3: 64.

3- صحيح البخاري 2: 73.

4- زاد المعاد 1: 118.


الصفحة 58
عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبّح، فقمت وراءه فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه، فلمّا جاء "يرفأ" تأخّرتُ فصففنا وراءه(1).

ولكن عمل الخليفة مجهول العنوان، فمن أين يعلم بأنّه كان يصلّي الضحى؟ خاصّة مع شهادة ولده كما سيأتي بأنّه ما كان يصلّيها. ثمّ إنّ الهاجرة لغة ليست بمعنى الضحى، بل بمعنى "نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر"(2) على المشهور، فسبحة الهاجرة تنطبق على نافلة الظهر، وبناءً على ما حكى عن ابن السكيت بأنّ: الهاجرة إنّما تكون بالقيظ، وقبل الظهر بقليل وبعدها بقليل(3) فالرواية مجملة، إذ كما يحتمل فيها صلاة الضحى يحتمل نافلة الظهر، ولا مرجح للأوّل على الثاني.

4 ـ ما روي عن أبي هريرة قال: ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي الضحى قطّ إلاّ مرّة(4).

فصدر الحديث ينفي صلاة الضحى وذيله مجمل، لاحتمال أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان قد صلّى صلاة بسبب آخر، كالحاجة أو غيرها، وخفى على أبي هريرة، فتصوّر أنّه صلّى الضحى، إذ ليس فيه أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) أعرب عن نيّة عمله.

5 ـ ما روي عن أنس أنّه قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفر صلّى سبحة الضحى ثماني ركعات، فلمّا انصرف قال: إنّي صلّيت صلاة رغبة

____________

1- الموطأ للامام مالك 1: 131 ح 209 "يرقأ" اسم خادم عمر.

2 و 3- لسان العرب، مادة "هجر".

4- مسند الامام أحمد بن حنبل 2: 446.


الصفحة 59
ورهبة، سألت ربّي ثلاثاً فأعطاني اثنتين وضعني واحدة: سألته ألاّ يبتلي أُمّتي بالسنين ففعل، وسألته ألاّ يُظهر عليهم عدوّهم ففعل، وسألته ألاّ يلبسهم شيعاً فأبى عليَّ(1).

يرد على الاستدلال به، أوّلا: مثل ما مضى على سابقه، وثانياً: انّ ذيله يتناقض مع الواقع التاريخي للأُمة الإسلامية. فكم من بلد إسلامي ابتلى بالقحط والسنين، وما أكثر البلدان الإسلامية التي وقعت تحت سيطرة أعدائها في الزمن الغابر والحاضر.

وهذا ممّا يطمئننا باختلاقه ووضعه.

الطائفة الثانية:

الأحاديث الموضوعة:

قال ابن قيم الجوزية (916 ـ 157) في تقييم أحاديث صلاة الضحى: "وعامة أحاديث الباب في أسانيدها مقال، وبعضها موضوع لا يحلّ الاحتجاج به"(2).

ثمّ ذكر عدّة أحاديث قد صرّح أعلام الرجاليين بكون نقلتها وضاعين كذبة، منها:

1 ـ ما روي عن أنس مرفوعاً: "من داوم على صلاة الضحى ولم يقطعها إلاّ عن علّة كنت أنا وهو في زورق من نور في بحر من نور".

وضعه زكريا بن دريد الكندي عن حميد.

____________

1- فقه السنة، السيد سابق 1: 185 ـ وكنز العمال 11: 174.

2- زاد المعاد 1: 119.


الصفحة 60
2 ـ حديث يعلى بن أشدق، عن عبد الله بن جراد، عن النبي (صلى الله عليه وآله) انّه قال: "من صلّى منكم صلاة الضحى فليصلّها متعبداً، فانّ الرجل ليصليها السنّة من الدهر ثمّ ينساها ويدعها فتحنّ إليه كما تحنّ الناقة على ولدها إذا فقدته".

ويا عجباً للحاكم كيف يحتجّ بهذا وأمثاله؟! فانّه يروي هذا الحديث في كتاب أفرده للضحى، وهذه نسخة موضوعة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، يعني نسخة يعلى بن الأشدق.

وقال ابن عدي: روى يعلى بن الاشدق، عن عمّه عبد الله بن جراد، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أحاديث كثيرة منكرة، وهو وعمّه غير معروفين. وبلغني عن ابن مسهر قال: قلت ليعلى بن الأشدق: ما سمع عمك من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: جامع سفيان وموطأ مالك وشيئاً من الفوائد، وقال أبو حاتم بن حبان: لقي يعلى عبد الله بن جراد، فلمّا كبر اجتمع عليه من لا دين له فوضعوا له شبهاً بمائتي حديث، فجعل يحدّث بها وهو لا يدري. وهو الذي قال له بعض أصحابنا: أي شيء سمعته عن عبد الله بن جراد؟ فقال: هذه النسخة، وجامع أبي سفيان، لا تحلّ الرواية عنه بمجال.

3 ـ حديث عمر بن صبيح، عن مقاتل بن حبان، عن عائشة: "كان رسول الله يصلّي الضحى اثنتي عشرة ركعة".

وهو حديث طويل ذكره الحاكم في صلاة الضحى، وهو حديث موضوع، والمتهم به عمر بن صبيح.

قال البخاري: حدّثني يحيى بن عليّ بن جبير، قال: سمعت عمر

الصفحة 61
بن صبيح يقول: أنا وضعت خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) . وقال ابن عدي: منكر الحديث. وقال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات، لا يحلّ حديثه إلاّ على جهة التعجّب منه. وقال الدارقطني: متروك، وقال الأزدي: كذاب.

4 ـ حديث عبد العزيز بن أبان، عن الثوري، عن حجاج بن فرافصة، عن مكحول، عن أبي هريرة مرفوعاً: "من حافظ على سبحة الضحى غفرت ذنوبه، وإن كانت بعدد الجراد وأكثر من زبد البحر".

ذكره الحاكم أيضاً، وعبد العزيز هذا، قال ابن نمير: هو كذاب. وقال يحيى: ليس بشيء كذاب، خبيث يضع الحديث. وقال البخاري والنسائي والدارقطني: متروك الحديث.

5 ـ حديث النهاس بن فهم، عن شدّاد، عن أبي هريرة يرفعه: "من حافظ على سبحة الضحى غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر".

والنهاس، قال يحيى: ليس بشيء ضعيف، كان يروي عن عطاء، عن ابن عباس أشياء منكرة.

وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن عدي: لا يساوي شيئاً. وقال ابن حبان: كان يروي المناكير عن المشاهير، ويخالف الثقات، لا يجوز الاحتجاج به. وقال الدارقطني: مضطرب الحديث تركه يحيى القطان(1).

الطائفة الثالثة:

الأحاديث النافية لمشروعية صلاة الضحى التي هي معارضة

____________

1- راجع حول الأحاديث الموضوعة وعمّا جاء حول رواتها، زاد المعاد 1: 119 ـ 120.


الصفحة 62
للأحاديث المثبتة، وباعتبار قوّة دلالتها واسنادها رجحها جماعة من علماء العامّة على غيرها، كما صرّح بذلك ابن قيم.

قال: "وطائفة ثانية ذهبت إلى أحاديث الترك، ورجحتها من جهة صحّة اسنادها وعمل الصحابة بموجبها"(1).

منها:

1 ـ ما رواه البخاري بسنده عن مورق قال: "قلت لابن عمر: أتصلّي الضحى؟

قال: لا. قلت: فعمر؟ قال: لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا. قلت: فالنبي (صلى الله عليه وآله) ؟ قال: لا أخاله"(2).

2 ـ وما رواه أيضاً بسنده عن عائشة، قالت: "ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبّح سبحة الضحى، وإنّي لأسبّحها"(3).

وقد استدلّ بعضهم بهذه الرواية لنفي الضحى لصحّة اسنادها. "قال أبو الحسن عليّ بن بطال: فأخذ قوم من السلف بحديث عائشة ولم يروا صلاة الضحى، وقال قوم: انّها بدعة"(4).

وأما قول عائشة "بأني أسبّحها"، فهو اجتهاد في مقابل النص، ولا قيمة له في سوق الاعتبار الشرعي.

3 ـ وما رواه أيضاً بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى انّه قال: ما

____________

1- المصدر: 117.

2- صحيح البخاري 2: 73.

3- المصدر ـ ومسند أحمد بن حنبل 6: 209.

4- زاد المعاد 1: 117.


الصفحة 63
حدّثنا أحد انّه رأى النبي (صلى الله عليه وآله) يصلّي الضحى غير أمّ هانئ، فانّها قالت: "إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) دخل بيتها يوم فتح مكّة فاغتسل وصلّى ثماني ركعات، فلم أر صلاة قطّ أخفّ منها، غير انّه يتمّ الركوع والسجود"(1).

ونفى هذا الحديث حديث أحد رأى النبي (صلى الله عليه وآله) يصلّي الضحى، وأمّا رواية أُمّ هانئ فليست ظاهرة في صلاة الضحى، ويحتمل قوياً أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) صلّى تلك الركعات شكراً لله على ما منّ عليه بفتح مكّة. ولذلك ذهبت جماعة من علماء العامّة "بأنها لا تشرع إلاّ بسبب الخ"(2).

4 ـ ما رواه أحمد بن حنبل بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: "رأى أبو بكرة ناساً يصلّون الضحى فقال: انّهم ليصّلون صلاة ما صلاّها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولا عامّة أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ"(3).

5 ـ ما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن حفص بن عاصم قال: مرضت مرضاً فجاء ابن عمر يعودني قال: وسألته عن السبحة في السفر؟ فقال: "صحبت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في السفر فما رأيته يسبّح، ولو كنت مسبحاً لأتممت، وقد قال الله: لقد كان كان لكم في رسول الله أسوة حسنة"(4).

6 ـ وما رواه البخاري بسنده عن مجاهد، قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فاذا عبد الله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة وإذا أناس يصلّون في المسجد صلاة الضحى. قال: فسألناه عن صلاتهم،

____________

1- البخاري 2: 73.

2- نيل الأوطار للشوكاني 3: 53.

3- مسند الامام أحمد بن حنبل 5: 45.

4- صحيح مسلم 5: 199 كتاب المسافرين.


الصفحة 64
فقال: بدعة"(1).

7 ـ وروي عن الشعبي قال: "سمعت ابن عمر يقول: ما ابتدع المسلمون أفضل من صلاة الضحى"(2).

ففي هاتين الروايتين صرح ابن عمر بكون صلاة الضحى بدعة، وإن رآها فضيلة بناء على مسلك والده في جواز الابتداع الحسن.

8 ـ روي عن ابن عباس أنّه قال (صلى الله عليه وآله) : "أمرت بالضحى ولم تؤمروا بها"(3).

بناءً على صحة الحديث فالظاهر انّ المراد من الأمر هنا هو أصل التشريع لا الوجوب، لأنّه لم يثبت وجوب شيء من النوافل على النبي (صلى الله عليه وآله) حاصلة ما عدا نافلة الليل. وعليه فلم تشرع نافلة له وضحى للمسلمين لأنّه نفى الأمر بها عليهم.


*  *  *

إلى هنا تبيّن أنّه لم يوجد حديث صحيح فيه دلالة واضحة على مشروعية صلاة الضحى. وأما ما ادعيت صحّته فهو إمّا معارض بالراحج عليه سنداً ودلالة أو فيه إجمال لا يمكن أن يستدلّ به على المقصود.

موقف الإمامية من صلاة الضحى

إنّ صلاة الضحى عند فقهاء الامامية، بدعة لا يجوز فعلها. وقد

____________

1- صحيح البخاري 3: 3 باب العمرة.

2- زاد المعاد 1: 118.

3- نيل الأوطار للشوكاني 3: 61.


الصفحة 65
اتّفقوا وأجمعوا على هذا الرأي، كما صرّح بذلك السيد الشريف المرتضى في رسائله(1)، وشيخ الطائفة في الخلاف(2)، والعلامة الحلي في المنتهى(3)، والعلامة المجلسي في البحار(4)، والمحدث في الحدائق الناضرة(5).

ويدلّ على هذا الرأي قبل الإجماع، أولا: عدم الدليل الشرعي المعتبر على مشروعيّة صلاة الضحى، وهذا يكفي للقول بعدمها إذ لا يطالب النافي بدليل، بل الدليل على المدعي.

وثانياً: الأخبار المستفيضة الواردة عن طرق أهل البيت (عليهم السلام)النافية لمشروعية صلاة الضحى، والمصرّح في بعضها أنّ العمل بها بدعة ومعصية، منها:

1 ـ ما رواه الشيخ الطوسي، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة وابن مسلم والفضيل، قالوا: سألناهما (عليهما السلام)عن الصلاة في رمضان نافلة بالليل جماعة، فقالا:

إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله، ثمّ يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلّي. فخرج في أول ليلة من شهر رمضان ليصلّي، كما كان يصلّي، فاصطفّ الناس خلفه فهرب منهم الى بيته وتركهم ففعلوا ذلك ثلاث ليال، فقام في اليوم الرابع على منبره

____________

1- رسائل الشريف المرتضى 1: 221.

2- الخلاف، موسوعة الينابيع الفقهية 28: 220.

3- البحار 80: 158.

4- المصدر: 155.

5- الحدائق الناضرة 6: 77.


الصفحة 66
فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: "أيها الناس انّ الصلاة بالليل في شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان، ولا تصلّوا صلاة الضحى، فانّ ذلك معصية، ألا وانّ كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار" ثمّ نزل وهو يقول: "وقليل في سنّة خير من كثير في بدعة"(1).

2 ـ ما حكي عن دعائم الإسلام عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) انّه قال لرجل من الأنصار سأله عن صلاة الضحى، فقال: "إنّ أوّل من ابتدعها قومك الأنصار، سمعوا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : صلاة في مسجدي تعدل ألف صلاة، فكانوا يأتون من ضياعهم ضحى فيدخلون المسجد فيصلّون، فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنهاهم عنه"(2).

____________

1- التهذيب 3: 69 - 70 ـ ومثله في الاستبصار 1: 467 - 468 ـ والفقيه 2: 132 ـ والوسائل 5: 192.

2- المجلسي، البحار 80: 159، النوري، المستدرك 3: 70 ـ لاحظ من لا يحضره الفقيه 1: 566 وفي الأخير زيادة على ما في المتن.


الصفحة 67

المسألة الخامسة
إقامة صلاة التراويح جماعة


اتّفقت كلمة الفقهاء على أنّ نوافل شهر رمضان (صلاة التراويح) سُنّة مؤكّدة، وأوّل من سنّها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه"(1).

إنّ استجلاء الحقّ في جواز إقامتها جماعة، أو كونها بدعة يتطلّب تقديم أُمور:

1 ـ هل تُسنُّ الجماعة في مطلق النوافل أو لا؟

المشهور عند أهل السنّة جواز إقامة النوافل جماعة، والأفضل في بعضها إقامتها منفرداً، وإليك تفصيل مذاهبهم:

____________

1- البخاري، الصحيح باب فضل من قام رمضان برقم 2008 ـ مسلم ج 2 باب الترغيب في قيام رمضان، وهو التراويح: 176 ط دار الجيل ودار الآفاق بيروت.


الصفحة 68
قالت المالكية: الجماعة في صلاة التراويح مستحبّة، أمّا باقي النوافل فانّ صلاتها جماعة تارةً يكون مكروهاً، وتارة يكون جائزاً، فيكون مكروهاً إذا صلّيت بالمسجد أو صلّيت بجماعة كثيرين، أو كانت بمكان يكثر تردد الناس عليه، وتكون جائزة إذا كانت بجماعة قليلة، ووقعت في المنزل ونحوه من الأمكنة التي لا يتردّد عليها الناس.

وقالت الحنفية: تكون الجماعة سنّة كفاية في صلاة التراويح والجنازة، وتكون مكروهة في صلاة النوافل مطلقاً، والوتر في غير رمضان، وانّما تكره الجماعة في ذلك إذا زاد المقتدون عن ثلاثة، أمّا الجماعة في وتر رمضان ففيها قولان مُصحّحان، أحدهما: أنّها مستحبّة فيه، ثانيهما: أنّها غير مستحبّة، ولكنها جائزة، وهذا القول أرجح.

وقالت الشافعية: أمّا الجماعة في صلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والتراويح ووتر رمضان فهي مندوبة.

وقالت الحنابلة: أمّا النوافل فمنها ما تُسَنّ فيه الجماعة، وذلك كصلاة الاستسقاء والتراويح والعيدين، ومنها ما تباح فيه الجماعة، كصلاة التهجد ورواتب الصلاة المفروضة(1).

وقال المقدسي في الشرح الكبير: ويجوز التطوّع في جماعة وفرادى، لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) فعل الأمرين كليهما، وكان أكثر تطوّعه منفرداً، ومع ذلك اتّفقوا على أنّ التطوّع في البيت أفضل، لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليكم بالصلاة في بيوتكم، فانّ خير صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة.

____________

1- الفقه على المذاهب الأربعة، كتاب الصلاة، حكم الامامة في صلاة الجمعة والجنائز والنوافل: 407، وفي ص340 هي سنة عين مؤكدة عند ثلاثة من الأئمة وخالفت المالكية.