فلو كان يجب إنفاق بعد إخراج الزكاة فما معنى التحديد بالنصب والإخراج منها؟ وهذا معنى واضح لا يخفى على كل مسلم فضلا عن مثل أبي ذر الذي هو وعاء العلم والمحيط بالسنة الشريفة.
ولو كانت على المكلف بقية من الواجب بعد الزكاة لم يؤدها فما معنى الفلاح؟
الذي وصف الله تعالى به المؤمنين بقوله: قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون، سورة المؤمنون 41 وليت شعري إن كان من المفترض إنفاق كل ما للانسان من المال بعد المؤن فبماذا يحترف أو يمتهن؟ وليس عنده فاضل على المؤن. أبما ادخره لقوته؟ أم بما رجع عنه بخفي حنين؟ ومماذا يخرج الزكاة؟ فيسد بها خلة الضعفاء ويقتات هو في مستقبله الذي هو أوان فاقته. أمن المحتمل إن أبا ذر كان يوجب ترك كل هذه؟ ويريد أن تكون الدنيا مشحونة بالعفاة المتكففين؟ فلا يرى المتسول إلا شحاذا مثله، ولا يجد العافي منتجعا لكشف كربته وتسديد إعوازه إن دامت الحالة على ما يتقول به على أبي ذر سنة أو دون سنة.
تالله لا يبغي أبو ذر بالمجتمع الديني هذه الضعة وهو لا يحب لهم إلا الخير كله، ولا يريد هذا أي مصلح أو صالح في نفسه فضلا عن أبي ذر المعدود في علماء الصحابة ومصلحيهم وصلحائهم.
نعم: غضب أبو ذر لله كما قاله مولانا أمير المؤمنين (1) وغضب للمسلمين حيث رأى فيئهم مدخرا عنهم تتمتع به سماسرة النهمة والجشع.
فكان كل ما انتابه من جراء هذا الأخذ والرد بعين الله وفي سبيله كما عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدي قال: في الله؟ قال: في الله.
قال: مرحبا بأمر الله. راجع ص 316 من هذا الجزء.
ثم إن ما شجر من الخلاف بين أبي ذر ومعاوية في قوله تعالى: الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم فخصه معاوية بأهل
____________
(1) راجع ص 300 من هذا الجزء.
وأياما كان فالمراد إنفاق البعض لا الكل، وإن كان النظر القاصر قد يجنح إلى الأخير لأول وهلة. وليست هذه الآية بدعا من آيات أخرى تماثلها في السياق كقوله تعالى:
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل. الآية " البقرة 261 ".
وقوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم. " البقرة 274 ".
وقوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم. " البقرة 262 ".
وقوله تعالى: ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله. الآية " البقرة 265 " على أن هذه الآيات أصرح من هاتيك في العموم لمكان الجمع المضاف فيها، لكن المعلوم بالضرورة من دين الاسلام إنه نزلها إلى البعض، ولعل النكتة في الاتيان بالجمع المضاف فيها: إن الموصوفين بها بلغوا من نزاهة النفس وكرم الطباع وعلو الهمة حدا لا يبالون معه لو توقفت الحالة على إنفاق كل أموالهم. أو إنهم حين يسمحون بإنفاق البعض في سبيل الله تعالى يجعله سبحانه في مكان إنفاق الكل بفضل منه ويثيبهم على ذلك. وبهذا يعلم السر في قوله تعالى: إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيلهم " الأنفال 36 ". وقوله تعالى: والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس. الآية " النساء 38 ".
فليست هذه الآيات في منتأى عن قوله تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. " آل عمران 92 ".
وقوله تعالى: الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. " البقرة 3 ".
وقوله تعالى: الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. " الأنفال 3 ".
وقوله تعالى: والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. " الحج 35 ".
وقوله تعالى: ويدرأون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون، " السجدة 16 ".
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناهم " البقرة 254 ".
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم " البقرة 267 ".
وقوله تعالى: وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت " المنافقون 10 ".
على إن غير واحد من تلكم الآيات تومي إلى الانفاق المندوب كما نص عليه علماء التفسير وحفاظ الحديث، ومع ذلك لم يدعها سبحانه على ما يتوهم منها من جمعها المضاف حتى جعل لها حدا بقوله عز وجل: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا. " الاسراء 29 ". وقوله تعالى: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. " الفرقان 67 ".
أترى أن أبا ذر سلام الله عليه عزب عنه كل هذه الآيات الكريمة والأصول المسلمة، أو كان له رأي خاص في تأويلها تجاه الحقائق الراهنة؟ حتى جاء بعد لأي من عمر الدنيا رعرعة تجشأهم الدهر فقائهم وقفوا على تلكم الكنوز المخبأة.
ولو كان لأبي ذر أدنى شذوذ عن الطريقة المثلى في حكم إلهي، شذوذا يخل بنظام المجتمع ويقلق السلام والوئام، وتكثر حوله القلاقل، وفيه إنارة العواطف و الاخلال بالأمن أو التزحزح عن مبادئ الاسلام؟ لكان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أول من يردعه ويحبسه عن قصده السيئ وأبو ذر أطوع له من الظل لديه؟ لكنه عليه السلام بدلا عن ذلك يقول: غضبت لله فارج من غضبت له. ويقول: والله ما أردت تشييع أبي ذر إلا لله. ويقول لعثمان: إتق الله فإنك سيرت رجلا صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك.
وأمير المؤمنين من تعرفه بتنمره في ذات الله لا تأخذه في الله لومة لائم، وهو مع الحق
وهل ترى؟ أن رسول الله صلى الله عليه وآله مع أنه كان يعلم أن أبا ذر سوف ينوء في أخرياته بدعوة باطلة كهذه طفق ينوه به، ويعرفه بني الملأ بصفات فاضلة تكبر مقامه، وتعظم مكانته عند الجامعة، وتمكنه من القلوب الصالحة ويول عمر له صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله! فتعرف ذلك له؟ فيقول صلى الله عليه وآله: نعم فاعرفوه له؟ فيكون صلى الله عليه وآله مؤيدا له على عيثه، ومؤسسا لباطله، ومعرفا لضلاله؟ حاشا رسول العظمة من مثل ذلك.
أبو ذر والاشتراكية
لقد عرفت كل ما في كنانة الأولين من نبال مرشوقة إلى العبد الصالح شبيه عيسى في أمة محمد صلى الله عليه وآله فهلم هاهنا إلى رجرجة الآخرين من مقلدة الدور الأخير الخابطين خبط عشواء، الذين رموا أبا ذر وأجله بالاشتراكية تارة وبالشيوعية أخرى.
هل أحاط علما هؤلاء الأغرار بمبادئ الشيوعية التعيشة، ومواد الاشتراك الذي هو بمقربة من رديفته المبغوضة؟
وهل أتيح لهم عرفان مغازي أبي ذر المصلح العظيم فيما قال ودعا إليه؟ حتى طفقوا يوفقوا بين المبدأين.
لا أحسب إنهم عرفوا شيئا من تلكم المغازي وإنهم في ظني الغالب بهم شيوعية خونة يديفون السم في الدسم، ويسرون حسوا في ارتغاء، إتخذوا ما قالوه بل تقولوه أكبر دعاية إلى تلكم المبادئ الهدامة لأسس المدنية والحضارة، المضادة لناموس الطبيعة، فضلا عن حدود الاسلام، بجعل مثل أبي ذر العظيم شيوعيا أو اشتراكيا، وقد صافقه على ما هتف به ونقم على من ناوءه وآذاه من القوم جل الصحابة إن لم نقل كلهم ممن يعبأ به وبرأيه، واستاءوا لما نكب به من جراء ذلك الهتاف وفي مقدمهم مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام وإبناه الإمامان إن قاما وإن قعدا، وعمار الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله: إن عمارا مع الحق والحق معه يدور عمار مع الحق أينما دار (1) إلى كثيرين وافقوا هؤلاء على النقمة والاستياء، فلم يكن أبو ذر شاذا في رأيه، ولا أنهي إلينا إنه خالفه أحد من الصحابة فدونك صحايف التاريخ وزبر الحديث.
نعم: خالفه الذين يريدون أن يخضموا مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع، وكانوا يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقون منها ما يجب عليهم إنفاقه، ويحرمون الأمة عن إعطياتهم وما ينمو منها، ويريدون للضعفاء أن يرزحوا تحت نير الاضهاد، ويرسفوا
____________
(1) سيوافيك في محله في الجزء التاسع بإذن الله تعالى.
نعم: خالفه أولئك الذين عرفهم يزيد بن قيس الأرحبي يوم صفين بقوله من خطبة له: يحدث أحدهم في مجلسه بذيت وذيت، ويأخذ مال الله، ويقول: لا إثم علي فيه، كأنما أعطي تراثه من أبيه، كيف؟ إنما هو مال الله أفاءه علينا بأسيافنا ورماحنا قاتلوا. عباد الله! القوم الظالمين الحاكمين بغير ما أنزل الله ولا تأخذكم فيهم لومة لائم، إنهم إن يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دينكم ودنياكم، وهم من قد عرفتم وجربتم (1)
فأي إنسان يبلغه إن العظماء الذين نوهنا بذكرهم وهم أهل الفضائل والعلوم اعتنقوا مبدءا لا يروقه أن يقتص أثرهم؟ وهو لا يعلم أن ذلك العزو المختلق تقولوه دعاية إلى ضلالهم وترويجا لباطلهم وسترا على عوارهم.
دع ذلك كله وهلم معي إلى النظر في مبادئ الشيوعية والفرق الاشتراكيين، إن القوم على تعدد فرقهم إلى الاشتراكية " الديمقراطية " والاشتراكية " الوطنية النازية " والشيوعية، والماركسية " اشتراكية رأس المال " وبالرغم من تباينهم الكثير في شتى النواحي لا يختلفون في مواد ثلاثة تجمع شملهم المبدد " بدد الله شملهم ".
1 - تقويض النظام الحالي، وتشييد نظام جديد على أنقاضه يضمن توزيع الثروة توزيعا عادلا بين الأفراد.
2 - إلغاء الملكية الخاصة " ثروات الانتاج " كراس المال، والأرض، والمصانع على أن تستولي الدولة على هذه الملكيات جميعها، وتجعلها ملكية عامة تديرها للمصلحة العامة.
3 - يشتغل الأفراد لحساب الدولة بأجور تعطى لهم بالتساوي، على أساس قيمة العمل الذي ينتجه كل منهم، وتبعا لذلك لا يكون هناك دخل للأفراد سوى الأجور.
وتنفرد الشيوعية عن بقية الاشتراكيين بأمرين: أحدهما إلغاء الملكية الخاصة إلغاء نهائيا من غير فرق بين (ثروات الانتاج وثروات الاستهلاك).
____________
(1) تاريخ الطبري 6: 10، كامل ابن الأثير 3: 128، شرح ابن أبي الحديد 1: 485.
فعلينا هاهنا أن نعيد ذكر ما هتف به أبو ذر في شتى مواقفه، وما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وآله في باب الأموال، وما قال في حقه عظماء الصحابة في الاطراء له والدفاع عنه بعد هتافه بما هتف، وما يؤثر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله من الثناء الجميل وعهده إليه بما ينتابه من النكبات فنظر إليها نظرة مستشف للحقيقة فنرى هل ينطبق شئ منها على مواد (الشيوعية والاشتراكية)؟ أو ينحسر عنه ذلك الإفك المفترى داحرا إلى حضيض البهت والافتراء؟.
إن من قول أبي ذر لعثمان: ويحك يا عثمان! أما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله ورأيت أبا بكر وعمر؟ هل رأيت هذا هديهم؟ إنك لتبطش بي بطش الجبار.
ومن قوله له أيضا: إتبع سنة صاحبيك لا يكن لأحد عليك كلام. قال عثمان: مالك وذلك؟ لا أم لك. قال أبو ذر: والله ما وجدت لي عذرا إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تجد أبا ذر هاهنا يلفت نظر عثمان إلى عهد الرسالة ثم إلى عهد الشيخين ويدعوه إلى اتباع تلكم السير، ومن جلية الحال عند هاتيك الأدوار الثلاثة إطراد الملكية الخاصة، ووجود أهل اليسار من الملاكين، والتجار، وحريتهم في ثروتي الانتاج والاستهلاك، واختصاص كل مالية من نقود أو عقار أو ضياع أو مصانع أو أطعمة بأربابها ومن النواميس المسلمة عند نبي الاسلام صلى الله عليه وآله إنه لا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه (1) وفي الذكر الحكيم: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض، فتجده يعزو الأموال إلى أربابها ويحرم أكلها بالباطل إلا أن تستباح بتجارة شرعية تستتبع رضا المالك الخاص، وهناك آيات كريمة كثيرة تربو على خمسين آية لم يعدها عزو الأموال إلى مالكيها تقدم شطر منها في صفحة 340.
فأبو ذر في هذا الموقف يدعو إلى ضد الدعوة الاشتراكية الملغية للملكية
____________
(1) مر الحديث ص 129.
ومن قوله لمعاوية لما بنى الخضراء، إن كانت هذه الدار من مال الله؟ فهي الخيانة وإن كانت من مالك؟ فهذا الإسراف فأبو ذر هاهنا يجوز أن يكون المال مقسوما إلى مال الله وإلى ما يخص للانسان نفسه، فيرتب على الأول الخيانة، وعلى الثاني السرف، ولم ينقم على معاوية نفس تصرفه في المال وإنما نقم عليه أحد الأمرين الخيانة أو الإسراف، ولو كان ملغيا للملكية لكان الواجب عليه أن ينتقد منه أصل تصرفه في تلكم الأموال.
وتراه يسمي مال المسلمين من الفئ والصدقات والغنائم مال الله، وقد روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا لعثمان حيث قال له: أشهد إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:
إذا بلغ بنوا أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا وعباده خولا، ودينه دخلا وصدقه في حديثه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
وهذه التسمية لم تكن قصرا على عهد أبي ذر ومعاوية وإنما كانت دارة قبله وبعده، هذا عمر بن الخطاب وقوله لأبي هريرة لما قدم من البحرين: يا عدو الله وعدو كتابه! أسرقت مال الله؟ قال: لست بعدو الله ولا بعدو كتابه، ولكني عدو من عاداهما ولم أسرق مال الله (1).
وقال الأحنف بن قيس: كنا جلوسا بباب عمر فخرجت جارية فقلنا: هذه سرية عمر فقالت: إنها ليست بسرية عمر إنها لا تحل لعمر، إنها من مال الله. قال: فتذاكرنا بيننا ما يحل له من مال الله قال: فرقي ذلك إليه فأرسل إلينا فقال: ما كنتم تذاكرون؟
فقلنا: خرجت علينا جارية فقلنا: هذه سرية عمر. فقالت: إنها ليست بسرية عمر إنها لا تحل لعمر، إنها من مال الله؟ فتذاكرنا بيننا ما يحل لك من مال الله. فقال: ألا أخبركم بما استحل من مال الله؟ حلتين حلة الشتاء والقيظ (2).
وقال عمر: لا يترخصن أحدكم في البرذعة أو الحبل أو القتب فإن ذلك للمسلمين
____________
(1) الأموال لأبي عبيد ص 269، راجع ما أسلفناه في ج 6 ص 254 ط 1 و 271 ط 2.
(2) الأموال لأبي عبيد ص 268.
ومن قوله في حديث: البلاد بلاد الله، وتحمى لنعم مال الله، يحمل عليها في سبيل الله (2).
وفي حديث من قوله: المال مال الله، والعباد عباد الله، والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبرا في شبر (3).
وكان عمر كلما مر بخالد قال: يا خالد! أخرج مال الله من تحت إستك (4).
وهذا مولانا أمير المؤمنين يقول في خطبته الشقشقية (5): إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع.
وفي خطبة له عليه السلام: لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف؟ والمال مال الله، ألا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف (6).
ومن كتاب له إلى عامله بآذربيجان: ليس لك أن تقتات في رعية، ولا تخاطر إلا بوثيقة، وفي يديك مال من مال الله عز وجل وأنت من خزانه (7).
ومن كتاب له إلى أهل مصر: ولكنني آسي أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا، وعباده خولا، والصالحين حربا، والفاسقين حزبا (8)
ومن كتاب له إلى عبد الله بن العباس: وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة. (9)
وروي أنه عليه السلام رفع إليه رجلان سرقا من مال الله أحدهما عبد من مال الله والآخر
____________
(1) الأموال لأبي عبيد س 268.
(2) (3) الأموال لأبي عبيد ص 299.
(4) راجع ما أسلفناه في الجزء السادس ص 257 ط 1 و 274 ط 2.
(5) أسلفنا مصادرها في الجزء السابع ص 8782.
(6) نهج البلاغة 1: 242.
(7) نهج البلاغة 2: 6، العقد الفريد: 2: 283.
(8) نهج البلاغة 2: 120.
(9) نهج البلاغة 2: 128.
كما أن التسمية بمال المسلمين أيضا كان مطردا قبل هذا العهد وبعده، قال عمر ابن الخطاب لعبد الله بن الأرقم: أقسم بيت مال المسلمين في كل شهر مرة، أقسم مال المسلمين في كل جمعة مرة. ثم قال: أقسم بيت المال في كل يوم مرة. قال: فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين! لو أبقيت في مال المسلمين بقية تعدها لنائبة. سنن البيهقي 6: 357.
وقال عمر في خالد لما أعطى الأشعث بن قيس عشرة آلاف: إن كان دفعها من ماله؟ فهو سرف، وإن كان من مال المسلمين؟ فهي خيانة. الغدير 6: 274 ط 2 وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له في ذكر أصحاب الجمل: فقدموا على عاملي بها وخزان بيت المسلمين وغيرهم من أهلها. ونهج البلاغة 1: 320.
وقال لعبد الله بن زمعة: إن هذا المال ليس لي ولا لك وإنما هو فئ للمسلمين نهج البلاغة 1: 461.
ومن كتاب له إلى زياد بن أبيه: وإني أقسم بالله قسما صادقا لئن بلغني إنك خنت من فئ المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا لأشدن عليك شدة. نهج البلاغة 2: 19.
وفي كتاب لعبد الحميد بن عبد الرحمن إلى عمر بن عبد العزيز: إني قد أخرجت للناس أعطياتهم وقد بقي في بيت المال مال. فكتب إليه: انظر كل من أدان في غير سفه ولا سرف فاقض عنه. فكتب إليه: إني قد قضيت عنهم وبقي في بيت مال المسلمين مال فكتب إليه: أن انظر كل بكر ليس له مال فشاء أن تزوجه وأصدق عنه. فكتب إليه: إني قد زوجت كل من وجدت وقد بقي في بيت مال المسلمين مال. (الأموال لأبي عبيد ص 251)
ولكل من التسميتين وجه معقول، أما التسمية بمال الله فلأنه لله سبحانه و هو الآمر بإخراجه ومعين النصب، ومبين الكميات المخرجة، ومشخص المصارف و المستحقين، وأما التسمية بمال المسلمين فلأنهم المصرف والمدر له، فلا غضاضه على أبي ذر لو سماه بأي من الاسمين، ولا يعرب أي منهما عن مبدء سوء.
فهذا بعد الغض عن إسناده الباطل ومتنه الركيك وبعد الاغضاء عن أن مثل أبي ذر الذي هو من أوعية العلم وعلب الفضائل وحملة الرأي السديد ليس بالذي يحركه ابن السوداء اليهودي فيعيره أذنا واعية ثم يمضي لما ألقاه عليه من التلبيس فيخبط الجو ويعكر الصفو. فقصارى ما فيه إن أبا ذر وجد معاوية متدرعا بهذه التسمية إلى الحيف في أموال المسلمين والتقلب فيها على حسب الميول والشهوات بإيهام إن المال مال الله فهو مباح لعبيده يتصرف كل منهم فيه كيف شاء ويتملك منه ما شاء كالمباحات الأصلية، فأراد أبو ذر أن يدحر حجته الداحضة ورأيه الضئيل بأن المال للمسلمين كافة بأمر من مالكه الأصلي جلت آلائه فليس لأحد أن يستبد بشئ منه دونهم، ويستغله بحرمانهم واكتناز الذهب والفضة، وفيهم أمس الحاجة إلى مقدراتهم.
ويعرب عن رأي معاوية ما جرى بينه وبين صعصعة بن صوحان، رواه المسعودي في مروج الذهب 2: 79 من طريق إبراهيم بن عقيل البصري قال: قال معاوية يوما وعنده صعصعة وكان قدم عليه بكتاب علي وعنده وجوه الناس: الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لي، وما تركت منه كان جائزا لي، فقال صعصعة:
فهذا الحوار بين أبي ذر ومعاوية في منتأى عن إثبات المالكية ونفيها، وليس فيه إلى المبدأ الاشتراكي أي طرف رامق، وتعرف عن رأي معاوية خطبة الأرحبي المذكورة ص 344.
____________
(1) يعني عبد الله بن سبأ اليهودي الممقوت لكافة فرق المسلمين خصوصا الشيعة منهم فإنه محكوم عليه عندهم بالكفر وقد نقم عليه وعلى أصحابه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لإلحادهم.
فإنك تشهد هاهنا أبا ذر يقسم المال إلى العطاء المفترض الذي منع منه عامه ذلك " لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر " وإلى المال المملوك الذي يخرج منه الصلة بطوع من صاحبه ورغبة، فإن الصلة من المروءات وهي لا تكون إلا من خالص مال الرجل، ومن غير الحقوق الإلهية، ومن غير الأموال المسروقة، فأين هو عن إلغاء الملكية الذي هو الحجر الأساسي للاشتراكيين؟ على أنه ليس عندهم صلة ولا غيرها من حقوق الانسانية وإنما هي عندهم أجور على قيم أعمال الرعية.
رواياته في الأموال
وأما ما رواه أبو ذر في باب الأموال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فينادي بما لا يلائم الاشتراكية قط وإليك جملة منه:
1 - ما من مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله عز وجل إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده. قلت: وكيف ذلك؟ قال صلى الله عليه وآله: إن كانت رجالا فرجلين، وإن كانت إبلا فبعيرين، وإن كانت بقرا فبقرتين.
وفي لفظ: من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله ابتدرته حجبة الجنة (1).
ففيه إثبات المال لكل إنسان بالرغم من المبدأ الاشتراكي، والترغيب بالتطوع بالانفاق في سبيل الله من كل نوع زوجين.
2 - في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته.
3 - ما من رجل يموت فيترك غنما أو إبلا أو بقرا لم يؤد زكاته إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمن حتى تطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها.
وفي لفظ: ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة الحديث (2).
____________
(1) أخرجه أحمد في مسنده 5: 151، 153، 159، 164.
(2) مسند أحمد 5: 152، 158، 169، 179، الأموال لأبي عبيد ص 355، سنن ابن ماجة 1: 544.
وأما ما وقع له مع كعب الأحبار في مشهد عثمان وهو من عمدة ما تشبث به المتحاملون على أبي ذر وقاذفوه مما أخرجه الطبري بإسناده الواهي عن السري الكذاب الوضاع، عن شعيب المجهول الذي لا بعرف، عن سيف بن عمر الوضاع المتهم بالزندقة الذين عرفت حالهم في صفحة 327326 من طريق ابن عباس قال: كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الإعرابية وكان يحب الوحدة والخلوة فدخل على عثمان وعنده كعب الأحبار فقال لعثمان: لا ترضوا من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف، وقد ينبغي لمؤدي الزكاة أن لا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان ويصل القرابات فقال كعب: من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه. فرفع أبو ذر محجنه فضربه فشجه فاستوهبه عثمان فوهبه له وقال: يا أبا ذر! إتق الله واكفف يدك ولسانك. وقد كان قال له: يا ابن اليهودية ما أنت وما هاهنا؟ والله لتسمعن مني أو لأدخل عليك (1).
ومر ص 295 في لفظ المسعودي: إن أبا ذر حضر مجلس عثمان ذات يوم فقال عثمان: أرأيتم من زكى ماله هل فيه حق لغيره؟ فقال كعب: لا يا أمير المؤمنين! فدفع أبو ذر في صدر كعب وقال له: كذبت يا ابن اليهودي ثم تلا: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا. الآية (2) فقال عثمان: أترون بأسا أن نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أمورنا ونعطيكموه؟ فقال كعب: لا باس بذل. فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب وقال: يا ابن اليهودي! ما أجرأك على القول في ديننا؟ فقال له عثمان: ما أكثر أذاك لي؟ غيب وجهك عني فقد آذيتني فخرج أبو ذر إلى الشام (3)
____________
(1) تاريخ الطبري 5: 67.
(2) سورة البقرة: 177.
(3) هذه القضية كما ترى وقعت قبل إخراج أبي ذر إلى الشام وهي السبب الوحيد في نفيه إليها فهذا اللفظ يكذب ما في رواية الطبري من أن أبا ذر كان يختلف من الربذة إلى المدينة. الخ.
ولم يختلف اثنان في أن أبا ذر في مدة نفيه إلى الربذة لم يأت قط إلى المدينة كما مر في ص 333.
جاء من طريق فاطمة بنت قيس عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال: إن في المال حقا سوى الزكاة ثم قرأ: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر. الآية المذكورة. وروى بيان وإسماعيل هذا الحديث عن الشعبي.
أخرجه ابن أبي حاتم والترمذي وابن ماجة وابن عدي وابن مردويه والدار قطني وابن جرير وابن المنذر. راجع سنن البيهقي 4: 84، أحكام القرآن للجصاص 1: 153، تفسير القرطبي 2: 223، تفسير أين كثير 1: 208، شرح سنن ابن ماجة 1: 546 تفسير الشوكاني 1: 151، تفسير الآلوسي 472.
وأخرج البخاري في الصحيح في كتاب الزكاة 3: 29 من طريق أنس قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء (1) وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله! إن الله تبارك وتعالى يقول: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون. وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله! حيث أراك الله قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله! فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
وأخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي مختصرا.
وأخرج أبو عبيد في الأموال ص 358 من طريق ابن جريج قال: سال المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وآله: ماذا ينفقون؟ فنزلت: يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين
____________
(1) بيرحاء. بفتح الموحدة والراء المهملة: موضع بقرب المسجد بالمدينة يعرف بقصر بنى جديلة.
وقال أبو عبيد في الأموال ص 358: إن هذا مذهب ابن عمر وأبي هريرة، وأصحاب رسول الله أعلم بتأويل القرآن وأولى بالاتباع، ومذهب طاوس والشعبي إن في المال حقوقا سوى الزكاة مثل بر الوالدين، وصلة الرحم، وقرى الضيف، مع ما جاء في المواشي من الحقوق.
وفي الأموال ص 358 من طريق أبي حمزة قال: قلت للشعبي: إذا أديت زكاة مالي؟ قال: فقرأ علي هذه الآية: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر. إلى آخر الآية المذكورة.
فنداء أبي ذر في موقفه هذا نداء القرآن الكريم ونداء المشرع الأعظم ونداء تابعيهما من الصحابة والتابعين، ولا يرد ذلك إلا مثل كعب الأحبار الذي هو حديث عهد باليهودية، وقد اعتنق الاسلام أمس، على حين إنه لم يسلم طيلة عهد النبوة وإنما سالم على عهد عمر، ولا أدري هل حدته إلى ذلك الحقيقة؟ أو الفرق من بطش المسلمين وشوكتهم؟ أو الطمع في العطاء الجاري؟ ولا أدري أيضا إنه في مدة إسلامه القصيرة هل أحاط خبرا بنواميس الاسلام وفروضه وسننه أو لا؟ ولا أحسب. كما أوعز إليه أبو ذر الناظر إليه من كثب حيث قال له: يا ابن اليهودية ما أنت وما هاهنا؟ وكان من حقه أن يؤدب بالمحجن كما فعله سيد غفار ساء الخليفة أم سره لأنه لم يكن أهلا للفتيا فأفتى تجاه عالم من علماء الصحابة الذي ملأ إهابه العلم بالكتاب والسنة، و حشو ردائه الفروض والسنن، ولا يفرغ إلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق وأوفى من أبي ذر.
الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون بينهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم. " التوبة " 79.
وإثبات العطاء مندوبا ومفترضا فرع إثبات المالية للأشخاص، ولا تتفق معه الشيوعية بحال، وأين يقع أبو ذر منها؟.
4 ثلاثة يبغضهم الله: الشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم.
وفي لفظ: إن الله يبغض الشيخ الزاني، والفقير المختال، والمكثر البخيل.
في هذه الروايات ذكر لاختلاف طبقات الناس وحدودهم بما يملكون، فقير وغني ومكثر وتاجر الذي تقوم تجارته برأس ماله، والاشتراكي يرى إن الناس شرع سواء بالنسبة إلى الأموال.
5 - قلت: يا رسول الله! ذهب الأغنياء بالار يصلون ويصومون ويحجون قال:
وأنتم تصلون وتصومون وتحجون. قلت: يتصدقون ولا نتصدق. قال: وأنت فيك صدقة: رفعك العظم عن الطريق صدقة، وهدايتك الطريق صدقه، وعونك الضعيف بفضل قوتك صدقة، وبيانك عن الارتم صدقة، ومباضعتك امرأتك صدقة. قال: قلت:
يا رسول الله! نأتي شهوتنا ونؤجر؟ قال: أرأيت لو جعلته في حرام أكان تأثم؟ قال: قلت:
نعم. قال: فتحتسبون بالشر، ولا تحتسبون بالخير؟
وفي لفظ: قالوا: يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور يضلون كما نصلي و يصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: فقال رسول الله: أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تحميدة صدقة. الحديث.
وفي لفظ: قيل للنبي صلى الله عليه وآله: ذهب أهل الأموال بالأجر. فقال النبي صلى الله عليه وآله:
إن فيك صدقة كثيرة فذكر فضل سمعك فضل بصرك. الحديث.
وفي لفظ: على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة عنه على نفسه. قلت:
يا رسول الله: من أين تصدق وليس لنا أموال؟ قال: لأن من أبواب الصدقة: التكبير، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، واستغفر الله، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتعزل الشوكة عن طريق الناس والعظم والحجر، وتهدي الأعمى وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه، وتدل المستدل على حاجة له وقد علمت مكانها، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف. كل ذلك
____________
(1) مسند أحمد 5: 153، 176، وأخرجه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والنسائي والترمذي في باب كلام الحور العين وصححه، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وصححه، راجع الترغيب والترهيب للمنذري 1: 247، و ج 2، 230، 238.