الصفحة 88
دون حاجة إلى تصريح من النبي، بأن من حاربهم حاربه (صلى الله عليه وآله)؛ فإنه ممثل الإسلام وحامل رايته، وحرب خلفائه ورافعي رايته إنّما هي حرب له (صلى الله عليه وآله) وحرب لرسالته المقدسة.

لكن النبي (صلى الله عليه وآله) أراد أن يلقي الحجة على الجميع ولا يترك فراغاً ليتسلل منه الشك لمن أراد أنْ يحرِّف الكلم عن مواضعه، ومع ذلك، ومع هذا التصريح الذي لا يقبل التأويل نرى اليوم من يقول، إنّ يزيد أمير المؤمنين رغم أنوفكم، مع أنه أرسل جيوشه لقتال الحسين (عليه السلام)، ولعلماء أهل السنّة فيه كلمات ذم صريحة، وكذا لا يفوتنا هنا أن ننوّه مجدداً إلى أن نظرية عدالة الصحابة بأجمعهم لايمكن أن تصمد وتواجه التراث الصحيح المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فالسيدة عائشة وطلحه والزبير قاتلوا علياً (عليه السلام).

والصحابي معاوية قاتل علياً في صفين، وجيَّش الجيوش لمقاتلة الحسن.

أفليست هذه الحروب حرباً لرسول الله بنص الحديث المتقدم؟ بل ألا يمكن القول إنّ الرسول كان يخبر عن الغيب وينبـّه المسلمين إلى طريق الحق عند وقوع الفتنة.

الحديث السادس: حديث الصلاة على أهل البيت

لا يخفى على كل مسلم أنّ الله سبحانه وتعالى قرن الصلاة على نبيِّه بالصلاة على أهل بيته الطاهرين، والأحاديث النبوية صريحة في ذلك متفق على صحتها بين علماء المسلمين، وأخرجها أكابر أئمة الحديث.

فقد أخرج مسلم في «صحيحه» «باب الصلاة على النبي بعد التشهد» بسنده إلى أبي مسعود الأنصاري: قال: «أتانا رسول الله صلّى الله عليه وسلم،

الصفحة 89
ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أنْ نصلّي عليك(1) يا رسول الله فكيف نصلّي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قولوا: اللّهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد»(2).

وتقدم منا ذكر حديث كعب بن عجرة الذي أخرجه البخاري في «صحيحه»(3).

والحديث موجود في أمّهات الكتب بألفاظه المختلفة كـ «مسند أحمد»(4) و «المصنف»(5) لعبد الرزاق الصنعاني، و «المصنف» لابن أبي شيبة(6) وغيرها الكثير الكثير، فلا داعي لذكرها مع اشتهار الحديث ووجوده في الصحيحين.

والحديث فيه مضامين عالية ودلالات عظيمة تبرز مقام أهل البيت السامي، فالآية ظاهرة في وجوب الصلاة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقط {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيماً} لكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما علّم

____________

(1) يعني بقوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيماً{.

(2) صحيح مسلم: 1 / 305، دار الفكر.

(3) انظر «صحيح البخاري»: 4 / 118، دار الفكر.

(4) مسند أحمد: 5 / 274 ـ 353، دار صادر.

(5) المصنف: 2 / 212 ـ 213، نشر المجلس العلمي.

(6) المصنف: 2 / 391، دار الفكر.


الصفحة 90
أصحابه بمراد الآية عمّم الأمر بالصلاة، ليكون شاملاً لأهل بيته (عليهم السلام)، ومعلوم أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) يسمو في كل تصرفاته بعيداً عن العواطف الشخصية والمؤثرات الدنيوية، بل هو رسول الهدى لا ينطق عن الهوى إنْ هو إلا وحيٌ يوحى.

ولا يفوتني أنْ أنبه القارئ بعد أنْ رأى الخبر الصحيح في كيفية الصلاة على النبي أنْ لا يغفل ذكر الآل، وأنْ يستمع إلى أقوال العلماء وينظر في كتبهم ويرى هل يصلّون على الآل كما أمر النبي؟(1).

ولا شك بأن أمير المؤمنين (عليه السلام) داخل فيمن أمرنا بالصلاة عليهم؛ لأنه سيد العترة بلا ريب، فصلوات الله وسلامه عليه.

الحديث السابع: قول الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بيد الحسن والحسين عليهماالسلام «من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة».

و هذا الحديث من الأحاديث المعتبرة عند أهل السنّة أيضاً، فقد حسَّنه الترمذي في «سننه»(2)، وشمس الدين بن الجزري في «أسنى المطالب»(3)، وأحمد محمد شاكر في تحقيقه على «مسند أحمد»(4) والحديث أخرجـه

____________

(1) بل الغريب، أنّ مسلماً في «صحيحه» حتى في نقله لهذه الرواية التي تعلّم المسلمين كيفيّة الصلاة على النبي وأنها بضم الآل إليه؛ نراه يصلّي على النبي من دون ذكر الآل!!. وما عشت أراك الدهر عجباً.

(2) سنن الترمذي: 5 / 305، دار الفكر.

(3) أسنى المطالب: 121.

(4) مسند أحمد: 1 / 412، دار الحديث، القاهرة.


الصفحة 91
جمع من المحدثين والحفاظ منهم الترمذي في «سننه»(1) وعبد الله بن أحمد في زوائده على «المسند»(2)، والدولابي في «الذرية الطاهرة النبوية»(3) والطبراني في «المعجم الصغير»(4) والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد»(5) وغيرهم.

و دلالة الحديث صريحة في رفعة مقامهم وسموّ منزلتهم وعظيم درجتهم عند الله سبحانه وتعالى.

الحديث الثامن: قول النبي (صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده لايبغضنا ـ أهل البيت ـ أحدٌ إلا أدخله الله النار».

أخرج هذا الحديث الحاكم في «المستدرك» بسنده إلى أبي سعيد الخدري وقال عنه: «هذا الحديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وأقرّه الذهبي(6). وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»(7) وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» إلى أحمد أيضاً(8).

وأورد الحديث وصححه السيد حسن السقاف في «صحيح شرح العقيدة

____________

(1) سنن الترمذي: 5 / 305، دار الفكر.

(2) مسند أحمد: 1 / 77، دار صادر.

(3) الذرية الطاهرة النبوية: 119، الدار السلفية، الكويت.

(4) المعجم الصغير: 2 / 70، دار الكتب العلمية.

(5) تاريخ بغداد: 13 / 289، دار الكتب العلمية.

(6) المستدرك وبهامشه تلخيص الذهبي: 3 / 150، دار المعرفة.

(7) صحيح ابن حبان: 15 / 435، مؤسسة الرسالة.

(8) الدر المنثور: 7 / 349، في ذيل آية المودة، دار الفكر.


الصفحة 92
الطحاوية»(1) وقال بعده: «وقد نصّ على محبة العترة جمهور أهل السنة والجماعة، لكنّها بقيت مسألة نظرية لم يطبقها كثيرون فهي مفقودة حقيقة في أرض الواقع وهذا مما يؤسف له جد الأسف، وقد حاول النواصب وهم المبغضون لسيدنا علي رضوان الله عليه ولذريته ـ وهم عترة النبي (صلى الله عليه وآله) الأطهار ـ أنْ يصرفوا الناس عن محبة آل البيت التي هي قربة من القرب فوضعوا أحاديث في ذلك وبنوا عليها أقوالاً فاسدة منها: أنّهم وضعوا حديث: «آل محمد كل تقي» وحديث «أنا جدّ كل تقي» ونحو هذه الأحاديث التي هي كذب من موضوعات أعداء أهل البيت النبوي، ومن الباطل قول أحد النواصب المبتدعة أثناء كلام له في هذا الموضوع(2): «وأهل بيته في الأصل هم نساؤه صلّى الله عليه وسلم وفيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعاً»...»(3).

وعلّق السيد السقاف على هذه الفقرة قائلاً: «يريد هذا المبتدع هنا أنْ يصرف الناس عن اعتقاد أن أهل البيت هم على وجه الخصوص أصحاب الكساء سيدنا علي والسيدة فاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فادعى أن أهل البيت هنا أزواجه صلى الله عليه وسلم، وكأن هذا المبتدع يحترم أزواجه صلّى الله عليه وسلم!! وقد حاول أن يظهر هنا أنه يحترمهن، رضوان الله تعالى عليهن مع أنه يصفهن في صحيحته (4/531) بأن الزنا يجوز عليهن

____________

(1) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 656، دار الإمام النووي.

(2) يعني به الشيخ الألباني في كتابه سلسلة الأحاديث الصحيحة.

(3) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 657، دار الإمام النووي، الأردن.


الصفحة 93
وأنهن غير محفوظات ولا معصومات منه، كبرت كلمة تخرج من فمه!! فعلى الناس أنْ يسألوه ما فائدة إثارة هذا الموضوع الباطل الفاسد بعد خمسة عشر قرناً من وفاتهن رضوان الله تعالى عليهن...»(1).

وعلّق على كلامه في موضع آخر وهو قوله: «و تخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلّى الله عليه وآله وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصاراً لاهوائهم كما هو مشروح في موضعه».

قال السيد السقاف هنا: «وهذا من تلبيساته وتمحّله في رد السنة الثابتة في تفسيره لأهل البيت، وهو بهذا أراد أنْ يُلبّس على القارئ بأنّ من قال إن أهل البيت هم أهل الكساء أنهم هم الشيعة!! والحق أن من قال ذلك جميع أهل السنة والجماعة وقبلهم الذي لاينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله وسلم!! ولكن هذا هو النصب الذي يفضي بصاحبه إلى ما ترى كما شرحنا هذا في موضعه»(2).

هذا والأحاديث في فضل أهل البيت وعلوّ درجاتهم شهيرة عديدة أفرد لها أصحاب الحديث فصولاً خاصة، وألّف فيها البعض كتباً مستقلّة، وحيث لم يكن غرضنا إحصاء ذلك، بل كان إشارة إلى جملة من الفضائل؛ لذا نوقف الركب إلى هنا، ونحيل القارئ إلى الكتب المختصة بذلك.

____________

(1) المصدر نفسه: 657، هامش برقم 390.

(2) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 657، هامش برقم 391، دار الإمام النووي، الأردن.


الصفحة 94

ب ـ الأحاديث الخاصة في علي (عليه السلام):

فضائل علي (عليه السلام) ملأت الخافقين، وانتشرت واشتهرت شهرة عظيمة وفيها ألّفت كتب عديدة لذا سننتخب جملة يسيرة من ذلك ونحيل القارئ إلى مراجعة الكتب الحديثية التي خصصت أبواباً في فضل علي (عليه السلام):

الفضيلة الأولى: أنّه الأول إسلاماً:

أخرج النسائي بسنده إلى زيد بن أرقم قال: «أول من أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب».

قال المحقق آل زهوي: «إسناده صحيح»(1).

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي عليه(2).

وعن زيد بن أرقم أيضاً: «أول من صلّى مع رسول الله علي».

قال آل زهوي: «إسناده صحيح»(3) وخرّج الحديث قائلاً: «أخرجه أحمد (4/ 368، 370) وفي «الفضائل» (1000، 1004) وابن أبي شيبة في «المغازي» (61) والطيالسي في «مسنده» (678) والترمذي (3735) وابن جرير الطبري في «تاريخه» (2 / 211، 212)...» وذكر غيرهم أيضاً(4).

____________

(1) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بتحقيق آل زهوي: 20، المكتبة العصرية للطباعة والنشر.

(2) المستدرك على الصحيحين وبهامشه تلخيص المستدرك للذهبي: 3 / 136، دار المعرفة.

(3) خصائص أمير المؤمنين: 20، المكتبة العصرية.

(4) المصدر نفسه.


الصفحة 95
وعن سلمان الفارسي قال: أول هذه الأمة ورودا على نبيّها صلى الله عليه وسلم أولها إسلاماً علي بن أبي طالب»، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»: «رواه الطبراني ورجاله ثقات»(1).

وعن عبد الله بن عباس قال: «أول من أسلم علي رضي الله عنه».

رواه الطبراني في «الأوائل» وقال المحقق: «حديث صحيح رجاله ثقات»(2).

وعن سعد بن أبي وقاص في حديثه مع رجل يشتم علياً: «يا هذا على ما تشتم علي بن أبي طالب، ألم يكن أول من أسلم، ألم يكن أول من صلّى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ألم يكن أعلم الناس...».

أخرجه الحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي(3).

وعن علي (عليه السلام) قال: «أنا أوّل رجل صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم» أخرجه أحمد في المسند وقال عنه أحمد محمد شاكر محقق الكتاب: «إسناده صحيح»(4)، وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف»(5)، وابن أبي عاصم في «الأوائل»(6).

____________

(1) مجمع الزوائد: 9 / 102.

(2) الأوائل بتحقيق محمد شكور: 78، مؤسسة الرسالة.

(3) المستدرك على الصحيحين وبهامشه تلخيص الذهبي: 3 / 125، دار المعرفة.

(4) مسند أحمد بتحقيق أحمد محمد شاكر: 2 / 98 برقم 1191، دار الحديث القاهرة.

(5) المصنف: 8 / 332، دار الفكر.

(6) الأوائل: 79، دارالخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت.


الصفحة 96
هذا والمروي في أنّ علياً أول من أسلم كثير جداً، وماذكرناه نموذجٌ من الصحابة الذين قالوا بتقدم إسلامه ليس إلا، واستقصاء ذلك يحتاج إلى بحثٍ خاص، ونختم الكلام بنقل كلمتين لعالمين من علماء أهل السنة، فقد قال الحاكم النيسابوري في «معرفة علوم الحديث»: «ولا أعلمُ خلافاً بين أصحاب التواريخ، أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أولهم إسلاماً»(1).

وقال السيوطي في «تاريخ الخلفاء»: «أسلم قديماً، بل قال ابن عباس وأنس وزيد بن أرقم وسلمان الفارسي وجماعة: إنّه أول من أسلم، ونقل بعضهم الإجماع عليه»(2).

الفضيلة الثانية: أنه أحبّ الخلق إلى الله

أخرج النسائي بسنده إلى أنس بن مالك قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده طائر فقال اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير فجاء أبو بكر فردّه وجاء عمر فردّه وجاء علي فأذن له»(3)، وهذا الحديث معروف بحديث الطير وله طرق عديدة متكاثرة جداً(4) عن جمع كبير من الصحابة منهم: علي بن أبي طالب، وابن عباس وسفينة خادم رسول الله، وأبي سعيد الخدري، مضافاً لأنس المتقدم ذكر الحديث عنه، وغيرهم، وأخرجه جمع كبير من الحفّاظ والمحدّثين.

____________

(1) معرفة علوم الحديث: 23، دار الآفاق الجديدة.

(2) تاريخ الخلفاء: 128، دار الكتاب العربي.

(3) السنن الكبرى: 5 / 107، دار الكتب العلمية.

(4) انظر بعض طرقه في «تاريخ دمشق»: 42 / 245، وما بعدها.


الصفحة 97
فقد أخرجه الحاكم في «المستدرك» من طريق أنس وصححه ثم قال: «و قد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، ثم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة»(1).

ورواه الطبراني من طريق سفينة(2)، وأورده الهيثمي في مجمعه وقال: «ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة»(3).

كما حسّن حديث الطير الحافظ ابن حجر عند ذكره لتلخيص الأحاديث التي أخرجها الأئمة الستة في الحديث السادس عشر في آخر رسالته الموسومة بـ «أجوبة الحافظ ابن حجر عن أحاديث المصابيح»، والمطبوعة في ذيل كتاب «مشكاة المصابيح»(4).

فالحديث، مضافاً لكثرة طرقه التي تصل حد التواتر بلا كلام؛ فإن له طرقاً صحيحة ولله الحمد(5).

____________

(1) المستدرك على الصحيحين: 3 / 130، دار المعرفة.

(2) المعجم الكبير: 7 / 82، دار إحياء التراث العربي.

(3) مجمع الزوائد: 9 / 126، دار الكتب العلمية.

(4) مشكاة المصابيح: 3/1791، ط ـ المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة، 1985، بيروت، بتحقيق الألباني.

(5) وممن أخرج حديث الطير: أحمد في «فضائل الصحابة»: 2 / 560، مؤسسة الرسالة، والترمذي في «سننه»: 5 / 300، دار الفكر، والبزار في مسنده: 9 / 287، مؤسسة علوم القرآن، والطبراني في «الأوسط»: (2 / 207)، (6 / 90)، دار الحرمين، وأبو نعيم في «مسند أبي حنيفة»: 1 / 234، مكتبة الكوثر، الرياض، والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد»: (3 / 390) و(9 / 376)، دار الكتب العلمية، وغيرهم الكثير، مضافاً لما تقدّم ذكره من «سنن النسائي»، و «تاريخ دمشق»، و «مستدرك الحاكم».


الصفحة 98

الفضيلة الثالثة: قول الرسول في حقه في حديث الغدير المعروف: «من كنت مولاه فعلي مولاه».

وهذا الحديث لايخفى على أحد فهو كالشمس في رابعة النهار، صحيح متواتر رواه الجم الغفير عن الجم الغفير في مختلف الأزمنة والأعصار، وأخرجه أئمة الحديث وكبار الحفّاظ في كتبهم ومسانيدهم.

و للحديث زيادات في الألفاظ من قبيل قول النبي: «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم»، أو قوله: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» وغيرها. لذا سنذكر طرفاً من ذلك ونشير إلى من صحّحه من علماء أهل السنّة:

فقد أخرج النسائي في «خصائص أمير المؤمنين» بسنده إلى زيد بن أرقم، قال: «لمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقُمِمْنَ، ثم قال: «كأني قد دُعيتُ فأجبتُ، إني تركتُ فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»، ثم قال: «إنّ الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن»، ثم أخذ بيد علي فقال: «من كنت وليّه، فهذا وليّه، اللّهم وال من والاه، وعاد عاداه» فقلتُ لزيد: سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه»(1).

وأخرجه الحاكم في «المستدرك»(2) وابن أبي عاصم في «السنّة»(3)

____________

(1) خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 71 ـ 72، المكتبة العصرية.

(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 109، دار المعرفة.

(3) السنة: 630، المكتب الإسلامي، بيروت.


الصفحة 99
والطبراني في «الكبير»(1).

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله»(2).

وأورده ابن كثير في «البداية والنهاية» وقال: «قال شيخنا أبو عبدالله الذهبي: وهذا حديث صحيح»(3).

وعن أبي الطفيل (عامر بن واثلة) قال: «جمع علي رضي الله تعالى عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول يوم غديرخم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس (وفي رواية: فقام ناس كثير) فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال [يعني الصحابي أبا الطفيل] فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت علياً رضي الله عنه يقول كذا وكذا، قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له».

أخرجه أحمد في «المسند»(4) والنسائي في «الخصائص»(5) وابن حبان في

____________

(1) المعجم الكبير: 5 / 166، دار إحياء التراث العربي.

(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 109، دار المعرفة.

(3) البداية والنهاية: 5 / 228 ـ 229، مؤسسة التاريخ العربي.

(4) مسند أحمد: 4 / 370، دار صادر.

(5) خصائص أمير المؤمنين: 82، المكتبة العصرية، بتحقيق آل زهوي.


الصفحة 100
«صحيحه»(1) والهيثمي في «موارد الظمآن»(2)، وغيرهم.

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة»(3).

قال الألباني: «وإسناده صحيح على شرط البخاري»(4).

قال الداني بن منير آل زهوي: «إسناده صحيح»(5).

و عن رياح بن الحارث قال: «جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب، قالوا سمعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فإن هذا مولاه، قال رياح: فلمّا مضوا تبعتهم فسألت منْ هؤلاء قالوا نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري».

أخرجه أحمد في «المسند»(6) والطبراني في «الكبير»(7).

قال الهيثمي: «رواه أحمد والطبراني...، ورجال أحمد ثقات»(8).

____________

(1) صحيح ابن حبان: 15 / 376، مؤسسة الرسالة.

(2) موارد الظمآن: 544، دار الكتب العلمية، بيروت.

(3) مجمع الزوائد: 9 / 104، دار الكتب العلمية.

(4) سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4 / 331، حديث رقم 1750، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.

(5) خصائص أمير المؤمنين للنسائي بتحقيق آل زهوي: 82، المكتبة العصرية.

(6) مسند أحمد: 5 / 419، دار صادر.

(7) المعجم الكبير: 4 / 174، دار إحياء التراث العربي.

(8) مجمع الزوائد: 9 / 104، دار الكتب العلمية.


الصفحة 101
وقال الشيخ الألباني: «وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات»(1).

ولهذا الخبر تتمة أيضاً؛ ففي وقعة صفين للحافظ الثقة ابراهيم بن ديزيل ص 165 ـ 166: «حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي قال: حدثنا ابن فضيل، قال حدثنا الحسن بن الحكم النخعي، عن رياح بن الحارث النخعي قال: كنت جالساً عند علي (عليه السلام) إذ قدم عليه قوم متلثمون، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال لهم: أولستم قوماً عرباً: قالوا: بلى، ولكنا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

قال: فلقد رأيت علياً (عليه السلام) ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: اشهدوا، ثم إن القوم مضوا إلى رحالهم فتبعتهم، فقلت لرجل منهم: من القوم؟ قالوا: نحن رهط من الأنصار، وذاك ـ يعنون رجلا منهم ـ أبو أيوب صاحب منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: فأتيته فصافحته»(2)، وهذه الرواية معتبرة سنداً، فإبراهيم بن ديزل، قال فيه الذهبي: «الإمام الحافظ الثقة العابد...»(3).

وقال أيضاً: «قال صالح بن أحمد الحافظ: سمعت أبي، سمعت علي بن عيسى يقول: إنّ الإسناد الذي يأتي به إبراهيم لو كان فيه أنْ لا يؤكل الخبز، لوجَبَ أنْ لا يؤكل لصحة إسناده»(4).

____________

(1) سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4 / 340، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.

(2) ونقل هذا الخبر عن كتاب «وقعة صفين» لإبراهيم بن ديزل، ابن أبي الحديد في «شرح النهج»: 3/208، دار الكتب العلمية المصوّرة على طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(3) سير أعلام النبلاء: 13 / 184، مؤسسة الرسالة.

(4) المصدر نفسه: 13 / 188.


الصفحة 102
ويحيى بن سليمان الجعفي: قال الذهبي: «صويلح»(1). وأقل حالاته أن يكون حديثه حسناً، مع أنّ الألباني وثّقه باعتباره من رجال البخاري كما في «إرواء الغليل»(2).

ومحمد بن فضيل الحافظ وثّقه الذهبي في «الكاشف»(3)، وقال عنه الألباني: «هو ثقة من رجال الشيخين»(4).

والحسن بن الحكم النخعي: قال عنه أبوحاتم: «صالح الحديث»(5) ووثّقه الهيثمي في «مجمع الزوائد»(6).

ورياح ابن الحارث النخعي: تقدم في الحديث السابق توثيق الهيثمي والألباني له.

فالحديث حسن على أقل تقدير. ولحديث الغدير طرق عديدة جداً وبعض فقراته متواترة. قال الذهبي معقّباً على أحد طرق «من كنت مولاه فعلي مولاه»: «هذا حديث حسن عال جداً، ومتنه فمتواتر»(7).

وقال شمس الدين الجزري حول أحد الطرق: «هذا حديث حسن من هذا الوجه صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين علي، وهو متواتر

____________

(1) الكاشف: 3 / 244، دار الفكر.

(2) إراواء الغليل: 4 / 194، المكتب الإسلامي، بيروت.

(3) الكاشف: 3 / 71، دار الفكر.

(4) سلسلة الأحاديث الصحيحة: 2 / 89، مكتبة المعارف، الرياض.

(5) انظر «الكاشف» للذهبي: 1 / 175، دار الفكر.

(6) مجمع الزوائد: (5 / 246) و(8 / 104)، دار الكتب العلمية.

(7) سير أعلام النبلاء: 8 / 335، مؤسسة الرسالة.