وأقبل الليث لا يلويه خوف ردى | بادي البشاشة كالمدعوّ للنعم |
يبدو فيغدر صميم الجمع منصدعاً | نصفين ما بين مطروح ومنهزم |
ورثاه العلاّمة الشيخ محسن آل الشيخ خضر المتوفّى حوالي سنة 1303 هـ:
فللّه زينب إذ تستغيث | أبا الفضل يا كهف عزّي المهابا |
ويا ليث قومي إذا الخطب ناب | وكشّرت الحرب سناً ونابا |
أتتركني نصب عين العدو | تنتهب القوم رحلي انتهابا |
وللّه مقولها إذ تقول | ينشعب القلب منه انشعاباً |
عذرتك يا ابن أبي فالحميم | بكفّيه يحمي إذا الخطب نابا |
فشلّت أكفّ علوج برت | يمينك إذ يسلبوني النقابا |
وذاب عمود حديد رماك | وأخطأ سهم حشاك أصابا |
ورثاه شاعر أهل البيت في عصره السيّد حيدر الحلّي المتوفّى سنة 1304 هـ، وهي مثبتة في ديوانه مطلعها:
حلولك في محلّ الضيم داما | وحدّ السيف يأبى أن نضاما |
وجه الصباح عليَّ ليل مظلم | وربيع أيّامي عليَّ محرّم |
وفي ص99 وص153 وص150 ذكرنا أبياتاً منها.
ورثاه الحاجّ محمّد رضا الأزري ومطلعها:
أوما أتاك حديث وقعة كربلاء | إنّي وقد بلغ السماء قتامها |
طبعت في منير الأحزان للعلاّمة الشيخ شريف الجواهري، وفي الدرّ النضيد.
ورثاه الإمام الحجّة الشيخ محمّد حسن كاشف الغطاء أدام اللّه ظلّه(1):
أبا صالح إنّ العزا لمحرّم | ومنكم بنو الزهراء استحلّ به الدم |
لكم بين أضلاعي مواقد لوعة | بذكر رزاياكم تشبّ وتضرم |
تزاحم في فكري إذا رمت عدّها | رزاياكم الجلى فأبكى وأوجم |
وما أنس من شيء فلا أنس وقعة | تهدّ لها السبع الطباق وتهدم |
____________
(1) نقلتها من كتاب سوانح الأفكار في منتخب الأشعار تأليف الفاضل المهذّب الخطيب السيّد محمّد جواد شبّر.
وقد جدّدت حزني ولم يك مخلقاً | غداة استهلت أدمعي والمحرم |
أصاب بها من كربلا قلب أحمد | وقلب عليّ والبتولة أسهم |
غداة بنوه الغرّ في نصر دينه | سرت ونهار العدل بالحور مظلم |
بفتيان صدق في الحفيظة يممت | ركاب العلى في ظعنهم حيث يمموا |
تطالع أقماراً بهم وأهلة | إذا أسفروا في موكب وتلثّموا |
وإن صرت الهيجاء ناباً تراهم | أسوداً فأفياء الضبا تتأجّم |
وإن فلّ حدّ السيف أمضاه عزمهم | بأمضى شبا منهم فلا يتكتّم |
وتهوي المنايا للهوان كأنّما | المنايا لها دون الدنيّة مغنم |
ميامين يوم السلم لكن يومهم | على من دنا بالشؤم منهم لأشأم |
قد أدرعوا درعاً جديداً وأخّروا | من الصبر أقوى منه نسجاً وأحكم |
وما راع جيش الكفر إلاّ عصابة | حداها من الإيمان جيش عرمرم |
حجازيّة نحو العراق ومنجد | ثناها باجواز الفيافي ومتّهم |
بأجسامها في عرصة الطفّ عرّست | وأرواحها في عالم القدس عوم |
تضاحك بشراً بالمنون كأنّما | الحياة عذاب والمنون تنعم |
وترقص شوقاً للّقاء قلوبها | إذا أخذت في ذكرها تترنّم |
وإن بزغ النور الإلهي بينها | ترى البدر حفّت فيه بالسعد أنجم |
لقد ثبتوا للذبّ عنه بموقف | يشيب به طفل القضاء ويهرم |
وتذهل أملاك السماء لوقعه | وبذبل منه يذبل ويلملم |
ولمّا قضوا في حلبة المجد حقّها | وحقّ لها نحو الجنان التقدّم |
تهاووا فقل زهر النجوم وتهافتت | وأهووا فقل شمّ الرواسي تهدّم |
بحرب على أعوان حرب قد انكفى | صواعق من قرع الأسنّة تضرم |
تعثر فيه بالجماجم خيلهم | وأجسامهم للطير والوحش مطعم |
وتعبس من خوف وجوه أميّة | إذا كرّ (عباس) الوغى يتبسّم |
أبو الفضل تأبى غيره الفضل والإبا | أباً فهو أما عنه أو فيه يرسم |
عليم بتأويل المنيّة سيفه | نزول على من بالكريهة معلم |
ويمضي إلى الهيجاء مستقبل العدى | بماضي به أمر المنيّة مبرم |
وإن عاد ليل الحرب بالنقع أليلا | فيوم عداه منه بالشرّ أيوم |
وإن سمع الأطفال تصرخ للظما | تصارخ منه الجحفل المتضمّم |
وصال عليهم صولة الليث مغضباً | يحمحم من طول الطوى ويدمدم |
وراح لورد المستقى حامل السقا | وأصدر عنه وهو بالماء مفهم |
ومذ خاض نهر العلقمي تذكّر | الحسين فولّى عنه والريق علقم |
وأضحى ابن ساقي الحوض سقا ابن | أحمد يروي عطاشا المصطفى الطهر إن ظموا |
ولمّا أبى منك الإباء تأخّراً | وأنّ أبا الفضل الذي يتقدّم |
بهم حسمت يمناك ظلما ولم | أخل يمين القضا في صارم الشرك تحسم |
وإنّ عمود الفضل يخسف هامه | عمود حديد للضلالة يدعم |
وحين هوى أهوى إليه شقيقه | يشقّ صفوف المخلدي ويحطّم |
فألفاه مقطوع اليدين معفّراً | يفور من مخسوف هامته الدم |
فقال: أخي قد كنت كبش كتيبتي | وجنّة بأس حين أدهى وأدهم |
فمن ناقع حرّ القلوب من الظما | ومن دافع شرّ العدى يوم تهجم |
ومن يكشف البلوى ومن يحمل اللوا | ومن يدفع اللأوي ومن يتقحّم |
رحلت وقد خلّفتني يا بن والدي | أغاض بأيدي الظالمين وأهضم |
أحاطت بي الأعداء من كلّ جانب | ولا ناصر إلاّ سنان ولهذم |
فما زال ينعاه ويندب عنده | إلى أن أفاض البقعة الدمع والدم |
وأقبل محنيّ الضلوع إلى النسا | يكفكف عنها الدمع والدمع يسجم |
ولاحت عليه للرزايا دلائل | تبين لها لكنّه يتكتّم |
وأقدم فرداً للكريهة ليثها | وسبعون ألفاً عنه في الكرّ أحجموا |
فتحسب عزرائيل صاح بسيفه | عليهم ففرّوا من يديه وأُهزموا |
وقل غضب الجبّار دمدم صاعقاً | بمنحوس ذياك الوجود وأُعدموا |
ولمّا أعاد البرّ بحراً جواده | السفين به لكنّما الموج عندم |
نمت عزمه البقيا عليه فما انثنوا | ورقّ على من لا يرقّ ويرحم |
وقام لسان اللّه يخطب واعظاً | فصمّوا لمّا عن قدس أنواره عموا |
وقال انسبوني من أنا اليوم وانظروا | حلالا لكم منّي دمي أم محرّم |
فما وجدوا إلاّ السهام بنحره | تراش جواباً والعوالي تقوم |
ومذ أيقن السبط انمحى دين جدّه | ولم يبق بين الناس في الأرض مسلم |
فدى نفسه في نصرة الدين خائضاً | عن المسلمين الغامرات ليسلموا |
وقال خذيني يا حتوف وهاك يا | سيوف فأوصالي لك اليوم مغنم |
وهيهات أن أغدوا على الضيم حائماً | ولولي على جمر الأسنّة مجثم |
وكرّ وقد ضاق الفضا وجرى القضا | وسال بوادي الكفر سيل عرمرم |
ومذ خرّ بالتعظيم للّه ساجداً | له كبّروا بين السيوف وعظّموا |
وجاء إليه الشمر يرفع رأسه | فقام به عنه السنان المقوم |
وزعزع عرش اللّه وانحط نوره | فأشرق وجه الأرض والكون مظلم |
ومذمال قطب الكون مال وأوشك | انقلاباً يميل الكائنات ويعدم |
وحين ثوى في الأرض قرّ قرارها | وعادت ومن أوج السما وهي أعظم |
فلهفي له فرداً عليه تزاحمت | جموع العدى تزداد جهلا فيحلم |
لهفي له ضام يجود وحوله | الفرات جرى طام وعنه يحرم |
ولهفي له ملقى وللخيل حافر | يجول على تلك الضلوع وينسم |
ولهفي على أعضاك يا بن محمّد | توزّع في أسيافهم وتسهم |
فجسمك ما بين السيوف موزّع | ورحلك ما بين الأعادي مقسّم |
فلهفي على ريحانة الطُهر جسمه | لكلّ رجيم بالحجارة يرجم |
وللعلاّمة الشيخ محمّد حسين الإصفهاني (قدس سره) المتوفّى سنة 1361 هـ ذي الحجّة:
أبو الإباء وابن بجدة اللقا | رقى من العلياء خير مرتقى |
ذاك أبو الفضل أخو المعالي | سلالة الجلال والجمال |
شبل علي ليث غابة القدم | ومن يشابه أبه فما ظلم |
صنو الكريمين سليلي الهدى | علماً وحلماً شرفاً وسؤددا |
وهو الزكي في مدارج الكرم | هو الشهيد في معارج الهمم |
وارث من حاز مواريث الرسل | أبو العقول والنفوس والمثل |
وكيف لا وذاته القدسيّة | مجموعة الفضائل النفسيّة |
عليه أفلاك المعالي دائرة | فإنّه قطب محيط الدائرة |
له من العلياء والمآثر | ما جلّ أن يخطر في الخواطر |
وكيف وهو في علوّ المنزلة | كالروح من نقطة باء البسملة |
وهو قوام مصحف الشهادة | تمّت به دائرة السعادة |
وهو لكلّ شدّة ملمّة | فإنّه عنقاء قاف الهمّة |
وهو حليف الحقّ والحقيقة | والفرد في الخلقة والخليقة |
وقد تجلّى بالجمال الباهر | حتّى بدا سرّ الوجود الزاهر |
غُرّته الغرّاء في الظهور | تكاد أن تغلب نور الطور |
رقى سماء المجد والفخار | بالحقّ يدعى قمر الأقمار |
بل في سماء عالم الأسماء | كالقمر البازغ في السماء |
بل عالم التكوين من شعاعه | جلّ جلال اللّه في إبداعه |
سرّ أبيه وهو سرّ الباري | مليك عرش عالم الأسرار |
أبوه عين اللّه وهو نورها | به الهداية استناء طورها |
فإنّه إنسان عين المعرفة | مرآتها لكلّ اسم وصفة |
ليس يد اللّه سوى أبيه | وقدرة اللّه تجلّت فيه |
فهو يد اللّه وهذا ساعده | تغنيك عن إثباته مشاهده |
فلا سوى أبيه للّه يد | ولا سواه لأبيه عضد |
له اليد البيضاء في الكفاح | وكيف وهو مالك الأرواح |
يمثّل الكرّار في كرّاته | بل في المعاني الغرّ من صفاته |
صولته عند النزال صولته | لولا الغلوّ قلت جلّت قدرته |
هو المحيط في تجوّلاته | ونقطة المركز في ثباته |
سطوته لولا القضاء الجاري | تقضي على العالم بالبوار |
وواسم المنون حدّ مفرده | والفرق بين الجمع من ضرب يده |
بارقة صاعقة العذاب | بارقة تذهب باللباب |
بارقة تحصد في الرؤوس | تزهق بالأرواح والنفوس |
واسى أخاه حين لا مواسي | في موقف يزلزل الرواسي |
بعزمة تكاد تسبق القضا | وسطوة تملأبالرعب الفضا |
دافع عن سبط نبيّ الرحمة | بهمّة ما فوقها من همّة |
بهمّة من فوق هامة الفلك | ولا ينالها نبيّ أو ملك |
واستعرض الصفوف واستطالا | على العدا ونكّس الأبطالا |
لفّ جيوشَ البغي والفساد | بنشر روح العدل والرشاد |
كرّ عليهم كرّة الكرّار | أوردهم بالسيف ورد النار |
آثر بالماء أخاه الضامي | حتّى غدا معترض السهام |