الصفحة 171

وحديثه (1) بأنه لن يدخل احداً عمله الجنة «قال» قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا؟.

يضرب بهذا الحديث عرض الحائط لمخالفته كتاب الله عز وجل في كثير من آياته، وحسبك منها: (ان هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا).

وحديثه (2) في أنه ما بعث نبي الا ورعى الغنم وهذا في البعد الى حد السقوط.

ومثله حديثه (3) في ان براهيم عليه السلام قد اختتن بالقدوم (4) بعد ثمانين سنة من عمره.

وحديثه (5) في ان عيسى بن مريم عليهما السلام رأى رجلا يسرق فقال له: أسرقت؟ فقال: كلا؟ والذي لا آله الا هو، فصدقه وكذب عينيه.

وحديثه: اذ خلق الله آدم فمسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها الى يوم القيامة امثال الذر ثم جعل بين عيني كلّ انسان منهم وبيعاً «أي بريقاً» من نور ثم عرضهم على آدم فقال آدم من هؤلاء يارب؟ قال: ذريتك فرأى آدم رجلا منهم أعجبه وبيص ما بين عينيه فقال يا رب من هذا؟ قال هذا ابنك داود، قال آدم: كم جعلت له من العمر؟ قال ستين سنة، قال: يارب

____________

(1) الذي اخرجه البخاري في باب تمني المريض الموت من آخر كتاب المرضى: 4/6 من صحيحه.

(2) الذي اخرجه البخاري في كتاب الاجارة: 2/22 من صحيحه.

(3) الذي اخرجه البخاري في باب الختان: 4/65 من صحيحه في اواخر كتاب الاستئذان.

(4) ولعل هذا القدوم كان على رأي أبي هريرة مما ورثه ابراهيم عن نوح وانه مما استعمله في صنع فلكه.

(5) الذي أخرجه البخاري في باب: واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت: 2/168 من صحيحه.

الصفحة 172
زده من عمري اربعين سنة حتى يكون عمره مائة سنة، فقال الله عز وجل اذن يكتب ويختم فلا يبدل فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت لقبض روحه قال آدم: أو لم يبق من عمري أربعون سنة قال له ملك الموت أو لم تجعلها لابنك داود؟ قال: فجحد فجحدت ذريته! ـ الحديث ـ (1).

ومثله حديثه (2) عن آدم وموسى حيث مثلهما يتحاجان على كيفية تدل على انهما كانا من القدرية الجبرية، وقد ظهر فيها آدم على موسى فحجه الى كثير مما لايليق بالأنبياء، ويجب تنزيههم عنه.

وما اكثر حديثه في خوارق النواميس الطبيعية، وحسبك منها (مضافا الى ما سمعته آنفاً) حدثيان نجعلهما خاتمة هذا الفصل.

(أحدهما): حديثه اذ كان ـ فيما زعم ـ مع العلاء بن الحضرمي لما بعث في اربعة آلاف الى البحرين فانطلقوا حتى اتوا على خليج من البحر ما خاضه قبلهم أحد ولا يخوضه بعدهم احد!.

(قال أبو هريرة): أخذ العلاء بعنان فرسه فسار على وجه الماء وسار الجيش وراءه قال: فو الله ما ابتل لنا قدم ولاخف ولا حافر؟؟ الحديث (3).

____________

(1) أخرجه الحاكم وصحصه في: 2/325 من المستدرك في كتاب التفسير في شرح: وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأورده الذهبي وصححه في تلخيص المستدرك.

(2) الذي أخرجه البخاري في باب وفاة موسى: 2/163 من صحيحه في كتاب بدء الخلق.

(3) رواءه الشيخ الامام العلامة ابو بكر بن محمد الوليد الفهري الطرطوشي المعروف بابن ابي رندة المتوفى سنة اثنتين وخمسمائة في الاسكندرية في كتابه الذي افرده للدعاء ونقله عنه الشيخ كمال الدين الدميري في مادة البعوض من كتابه حياة الحيوان واشار الى هذه القصة صاحبا الاستعياب والاصابة في ترجمة العلاء وقالا انها مشهورة.

الصفحة 173

وهذا لو كان حقاً لرواه كل واحد من ذلك الجيش المؤلف من أربعة آلاف صحابي فكان في طليعة الأحاديث المتواترة فما باله لايسند إلا الى أبي هريرة يا أولي الألباب؟؟.

(ثانيهما): حديث المزود إذ قال: اصبت بثلاث مصيبات في الاسلام لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في سفر فقال: يا أبا هريرة أمعك شئ؟ قال قلت تمر في مزود، قال جئ به، فاخرجت تمراً فأتيته به، قال: فمسه ودعا فيه ثم قال: ادع عشرة، فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم كذلك حتى اكل الجيش كله وبقي من تمر معي في المزود فقال: يا ابا هريرة إذا اردت ان تأخذ منه شيئاً فادخل يدك فيه ولا تكفه قال: فأكلت منه حياة النبي واكلت منه حياة أبي بكر كلّها وأكلت من حياة عمر كلها وأكلت من حياة عثمان كلها؟؟ فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه؟ أكلت منه اكثر من مائتي وسق!!!.

(قلت): لا ريب في ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كان يطعم الجم الغفير من الزاد اليسير في كثير من ايامه المباركة، وذلك من اعلام نبوته وآيات رسالته، لكن هذا الحديث بالخصوص مما صنعته يدا أبي هريرة مدلا على السواد من احزاب بني امية والغوغاء من اشياعهم العاكفين على قميص عثمان واصابع زوجته بالبكاء والعويل ليستنهض معروفهم ويجتدي برهم، وهذا من اساليبه المدهشة في تزلفه الى بني امية وامتياح فضلهم.

و مما يدلك على وضعه ان أبا هريرة كان يتلون فيه تلون الحرباء ويتطور في نقله على انحاء كما يعلمه متتبعوا طرق المزود في مسانيد السنة وكتبها (1).

____________

(1) حديث المزود اخرجه الامام احمد بن حنبل من طريقينن، وابو بكر البيهقي من طريقيين آخرين، واخرجه غيرهما من طرق اخر فليراجعها من اراد الوقوف على ما فيها من التهافت والتناقض الحاكمين بسقوطها، وقد اورد ابن كثير جملة منها في: 6/116 من البداية والنهاية.

الصفحة 174

ولأبي هريرة كيس وسع هذا المزود وغيره كان عيبة علمه يتناول منه ما يشاء متى شاء وكيف شاء وربما سئل عما يحدث فيقال له ابا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيقول: لا هذا من كيس أبي هريرة (1).

وعجائب أبي هريرة يضيق عنها املاؤنا هذا وحسبنا منها ما اوردناه حجة على ما اردناه والحمد لله.

ـ 12 ـ
مسنده في حكم المرسل

كان من دأب أبي هريرة في حديثه عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن يسند اليه ما بلغه عنه بالواسطة لا يقيم عليها قرينة كما يسند اليه ما سمعه منه مشافهة لا يفرق بين هذا وذاك في شئ ما، وهذا ما جعل حديثه كله في حكم المرسل لايصلح حجة ولايقوم دليلا.

وإن كنت في ريب مما قلناه في دأبه فاني احيلك على قوله: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لعمه ابي طالب: قال لا إله إلاّ الله أشهد لك بها يوم القيامة قال: لولا أن تعيرني قريش الحديث (2).

وقد علم الناس أن أبا طالب عليه السلام إنما توفي قبل قدوم أبي هريرة الى الحجاز

____________

(1) هذا نصه من حديث اخرجه عنه البخاري في اول كتاب النفقات: 3/189 من صحيحه.

(2) اخرجه مسلم في كتاب الايمان: 1/31 من صحيحه، وقد اوردناه وعلقنا عليه في الفصل السابق من هذا الاملاء.

الصفحة 175
بعشر سنين في أقل الروايات، فاين كان عن النبي وعمه عليهما السلام وهما يتبادلان الكلام الذي اسنده اليهما كأنه رآهما بعينيه وسمعهما بأذنيه؟!.

وقال: قام رسول الله حين انزل الله عليه: (وانذر عشيرتك الأقربين) فقال يا معشر قريش لا اغني عنكم من الله شيئاً الحديث (1).

واولو العلم باسرهم مجمعون على ان هذه الآية انما نزلت في مبدأ الدعوة الاسلامية قبل ظهورها في مكة، وأبو هريرة اذ ذاك في اليمن جاهلياً وانما اني الحجاز بعد نزول هذه الآية بنحو عشرين سنة، فاين كان عند نزولها ليقول: قام رسول الله حين نزول فقال: يا معشر قريش الى آخر حديثه الذي اسنده الى النبي، كأنه رآه قائماً بعينيه، وسمعه يبنذر عشيرته بأذنيه؟!.

وقال: كان النبي يدعو في القنوت فيقول: أللهم انج سلمة بن هشام، أللهم انج الوليد بن الوليد، أللهم انج عياش بن أبي ربيعة، أللهم انج المستضعفين من المؤمنين (الذين حبسهم المشركون عن الهجرة في حديث صحيح (2)).

ومن المعلوم بحكم الضرورة من اخبار السلف انه انما حبس هؤلاء عن الهجرة فقنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالدعاء لهم قبل اسلام أبي هريرة بنحو سبع سنين، فاين كان عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليسند هذا الحديث كأنه بعينيه قانتاً وسمعه بأذنيه داعياً؟!.

قال: وقال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين اظهركم؟ فقيل: نعم، الحديث (3).

____________

(1) اخرجه البخاري في: 2/86 من صحيحه ومسلم واحمد، وقد اوردناه وعلقنا عليه في الفصل السابق من الاصل.

(2) اخرجه البخاري في باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة: 2/105 من صحيحه.

(3) أخرجه مسلم في باب قوله تعالى: ان الانسان ليطغى: 2/467 من صحيحه.

الصفحة 176

فان كان هذا القول واقعاً من أبي جهل فانه انما يكون قبل اسلام أبي هريرة وقبل قدومه من اليمن بنحو عشرين سنة فأين كان عن أبي جهل ليسنده اليه كأنه سمعه بأذنيه؟!.

واين كان عن وقعة الرجيع وعن أميرها عاصم بن ثابت الأنصاري المستشهد فيها ليحدث عنها وعنه حديث المشاهد لهما ؟؟ (1) وقد كانت تلك الوقعة في صفر سنة اربع للهجرة قبل اسلامه بثلاث سنين تقريباً.

ومن وقف علىسيرة أبي هريرة المستمرة في حديثه علم ان دأبه ما قلناه وحسبك هذا القدر دليلا على ما ادعيناه.

وقد انتبه اليه أحمد أمين المصري البحاثة المعاصر اذ قال في كلام له (2) حول أبي هريرة: ويظهر انه لم يكن يقتصر على ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله بل يحدث عن رسول الله بما أخبره به غيره.

(قلت): واعترف بهذا أبو هريرة نفسه إذ حدث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله بأن من أدركه الفجر جنباً فلا يصم، فلما انكرت عائشة وأم سلمة عليه ذلك جعل الجناح فيه على الفضل بن العباس (وكان الفضل يومئذ ميتاً (3) فقال

____________

(1) حديثه عنهما ثابت في الصحاح فراجعه في كتاب الجهاد والسير: 2/117 من صحيح البخاري.

(2) تجده في: ص262 والتي بعدها من كتاب (فجر الاسلام) في الفصل الثاني من الباب السادس.

(3) فان هذه القضية كانت ومروان بن الحكم أمير على المدينة في عهد معاوية ـ كما جاء في حديث البخاري عنها في باب الصائم يصبح جنبا: 1/225 من صحيحه وبه صرح شارحو الصحيح كالقسطلاني وغيره ـ وقد استشهد الفضل يوم اجنادين في خلافة أبي بكر وقيل بل يوم مرج الصفر سنة 13، وقيل يوم اليرموك سنة 15 في خلافة عمر. وقيل مات في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة ولم يبق حياً الى سنة العشرين اجماعا وقولا واحداً.

الصفحة 177
سمعت ذلك من الفضل ولم أسمعه من النبي وهذا (سواء كان حقاً أم باطلا) اعتراف منعه صريح بانه كان يسند الى النبي صلى الله عليه واله وسلم ما لا يسمعه منه كما ترى.

(فان قلت): أي مانع للعدل ان يسند الى النبي الحديث يسمعه من غيره مرفوعاً اليه صلى الله عليه واله وسلم.

(قلنا): لا مانع من ذلك غير ان الحديث في هذا الفرض لا يكون حجة ولا يوصف بالصحة (وان رواه العدل) وانما يكون مرسلا حتى تعزف الواسطة وتحرز عدالتها.

وبعبارة أخرى عدالة الراوي شرط في صحة حديثه، فلا بد من احرازها ولايمكن ذلك في الواسطة المجهولة.

ومجمل القول في هذا الفصل أن في حديث أبي هريرة مراسيل كثيرة لا يمكن الاحتجاج بها، وقد اشتبهت بمسانيده، اذ لم يفرق بينهما في شئ وهذا ما أوجب سقوط الجميع عملا بالقاعدة المقررة في الشبهات المحصورة.

ـ 13 ـ
دعواه الحضور في وقائع لم يحضرها

وقد اضطرنا هذا الرجل الى الريب فيه بدعواه الحضور في وقائع لم يحضرها قطعاً.

وحسبك منها قوله: دخلت على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم امرأة عثمان وبيدها مشط، فقالت: خرج رسول الله من عندي آنفارٌ جلت شعره فقال لي: كيف تجدين أبا عبدالله؟ ـ يعني عثمان ـ قلت بخير قال: اكرميه فانه من اشبه أصحابي بي خلقاً، أخرجه الحاكم (1) ثم قال: حديث صحيح

____________

(1) في احوال رقية: 4/48 من المستدرك.

الصفحة 178

الاسناد واهي المتن فان رقية ماتت سنة ثلاث من الهجرة عند فتح بدر وأبو هريرة انما اسلم بعد فتح خيبر.

(قلت): واورده الذهبي في تلخيص المستدرك ثم قال: صحيح منكر المتن فان رقية ماتت وقت بدر وأبو هريرة اسلم وقت خيبر.

وقال في سهو النبي: صلى بنا النبي صلى الله عليه واله وسلم الظهر أو العصر فسلم في ركعتين فقال له ذو اليدين: انقصت الصلاة أم نسيت؟ الحديث.

وذو اليدين هذا استشهد ببدر قبل ان يسلم أبو هريرة بزمان كما بينا في الفصل: 11 من هذا الاملاء (1).

وكم كان يتبجح فيقول: افتتحنا خيبر ولم نغنم ذهباً ولا فضة انما غنمنا البقر والابل والمتاع والحوائط الحديث (2).

مع أنه لم يحضر الفتح إجماعاً وقولا واحداً، وإنما جاء بعد الفتح ولذا ارتبك شارحوا الصحيحين عند انتهائهم الى قوله: افتتحنا خيبر، فحملوا كلمته هذه على التجوز وان المراد جنسه من المسلمين (3).

وكم كان يحدث فيقول: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم خيبر فقال لرجل معه ممن يدعي الاسلام: هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل اشد القتال حتى كثرت به الجراحة، فكاد بعض الناس ان يرتاب فوجد الرجل ألم

____________

(1) فراجع منه الحديث 13.

(2) أخرجه البخاري في باب غزوة خيبر: 3/37 من صحيحه.

(3) راجع: ص145 من المجلد الثامن من شرحي البخاري المطبوعين معافي اثنى عشر مجلداً وهما ارشاد الساري للقسطلاني وتحفة الباري للانصارى تجد التأويل المذكور مع التصريح بأن أبا هريرة لم يحضر فتح خيبر، وكذلك فعل السندي فيما علقه على هذا الحديث من تعليقته المطبوعة في هامش الصحيح.

الصفحة 179
الجراحة فأهوى بيده الى كنانته فاستخرج منها أسهما فنحر بها نفسه الحديث (1).

(قلت): هذا محل النظر من وجهين: احدهما دعواه انه شهد الوقعة مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وقد عرفت انه لم يشهدها، ولذلك ارتبك شارحوا هذا الحديث فقالوا: اما قول أبي هريرة شهدنا مع رسول الله خيبر فمحمول على المجاز والمراد جنسه من المسلمين لأن الثابت انه جاء بعد أن فتحت خيبر انتهى بلفظ الشارح القسطلاني (2).

ثانيهما: ان الرجل الذي قتل نفسه انما هو قزمان بن الحرث حليف ظفر المنافق. كان يقاتل على الاحساب؛ وقضيته التي ذكرها أبو هريرة في حديثه هذا معروفة (3) وقد قتل بأحد قبل اسلام أبي هريرة بدهر لكن أبا هريرة قد راب في أمره فخلط الحابل بالنابل.

____________

(1) اخرجه البخاري في باب غزوة خيبر: 3/34 من صحيحه وفي باب ان الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر من كتاب الجهاد والسير: 2/120 من الصحيح.

(2) في باب ان الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر: 6/322 من ارشاد الساري.

(3) وقد ذكرها الواقدي وابن اسحاق وغيرهما وترجمة ابن حجر في الاصابة وكثير من أصحاب المعاجم والتراجم، وقزمان هذا هو الذي كان في احد لا يدع للمشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه حتى قيل لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم يومئذ ما أجزأ عنا أحدكما أجزأ فلان، فقال النبي: اما انه من أهل النار، فجرح جرحا شديداً فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الارض وذبا به بين ثديه ثم نحامل عليه فقتل نفسه الحديث، أخرجه البخاري بالاسناد الى سهل بن سعد في باب: لا يقول فلان شهيد، من كتاب الجهاد والسير: 2/101 من صحيحه.

الصفحة 180

وقد قال: رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم عليه رداء؛ الحديث ـ (1).

(قلت): استشهد هؤلاء السبعون باجمعهم يوم بئر معونة فحزن النبي صلى الله عليه واله وسلم عليهم وقنت شهراً يدعو في الصلاة على قاتليهم وكانت هذه الوقعة في صفر سنة أربع من الهجرة قبل اسلام أبي هريرة وقبل قدومه من اليمن فكيف يدعي رؤيتهم؟! وقال القسطلاني (2): ان السبعين الذين رآهم أبو هريرة غير اولئك السبعين والله تعالى أعلم.

وبالجملة: علمنا من تعقب أبي هريرة واستقراء حديثه انه كان كثيراً ما يحدث عن النبي صلى الله عليه واله وسلم بما لم يسمعه منه. وكثيراً ما يحدث عن الوقائع التي لم يحضرها، وربما اجعى حضورها وربما سمع شيئاً من كعب الأخبار أو غيره فراقه فحدث به عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كما فعل في حديث (خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً في عرض سبعة اذرع) (3) وهذا ما يضطر المؤمن الى اتقاء حديث هذا الرجل.

والعجب من أصحاب الصحاج يشحنون به مسانيدهم لا يلتفتون إلى لوازمه الباطلة ولا يأبهون بما يكتنفه من دلائل الوضع والاختلاف، ومن تتبع حديث الصحيحين عجب من بساطة الشيخين، واليك مثلا يلمسك هذه الحقيقة.

أخرج مسلم في باب فضائل أبي سفيان من طريق عكرمة بن عمار العجلي اليمامي: ان المسلمين كانوا لا ينظرون الى ابي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي

____________

(1) اخرجه البخاري في: 2/60 منصحيحه وقد أوردناه في أحوال أبي هريرة على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هذا الاملاء.

(2) في شرخ هذا الحديث: 2/220 من ارشاد الساري.

(3) وقد فصلنا القول فيما يتعلق بهذا الحديث إذ أوردناه اول الفصل: 11 من هذا الاملاء.

الصفحة 181
صلى الله عليه واله وسلم: يانبي الله ثلاث اعطنيهن، قال: نعم؛ قال: عندي احسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان ازوجكها. قال: نعم، قال ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم، قال: وتأمرني ان اقاتل الكفار كما كنت اقاتل المسلمين، قال: نعم؛ الحديث (1). اقتصر عليه مسلم في باب فضائل أبي سفيان إذ لم يجد والحمد لله سواه وهو باطل بالاجماع؛ لأن أبا سفيان انما دخل في عداد المسلمين يوم فتح مكة اجماعاً وقولا واحداً، وقبل الفتح كان عدو لله ولرسوله ومحارباً لهما.

اما بنته أم حبيبة واسمها رملة فقد اسلمت قبل الهجرة وحسن اسلامها فكانت ممن هاجر الى الحبشة هرباً من أبيها وقومها، وقد تزوجها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأبوها ممعن في الكفر مسترسل في محاربته للنبي فلما بلغه ان النبي قد تزوجها قال: ذلك الفحل لا يقدع انفه؛ وقدم بعد ذلك على المدينة يريد أن يزيد في الهدنة فدخل على بنته أم حبيبة فلما اراد الجلوس على فراشها طوته دونه فقال لها: رغبت به عني فقالت: نعم هذا فراش رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأنت امرؤ نجس مشرك، نص على هذا كله اعلام الامة واثباتها وهو مما لا ريب فيه، ومن راجع كتب السير والاخبار ووقف على احوال أم حبيبة في كتب المعاجم والتراجم على التفضيل.

____________

(1) تقف عليه في: 2/361 من صحيحه وهو من الاباطيل التي وضعها عكرمة اليمامي، وقد جرم بذلك ابن حزم كما نقله عنه النووي حيث اتى على هذا الحديث في شرح صحيح مسلم فراجع، وقال الذهبي في آخر ترجمة عكرمة بن عمار من ميزان الاعتدال ما هذا نصه: وفي صحيح مسلم قد ساق له اصلا منكراً عن سماك الحنفي عن ابن عباس في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان وثلاثة احاديث اُخر بالاسناد أ هـ.

(قلت): ومن منكرات عكرمة هذا ما رواه عن أياس عن ابيه سلمة ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: ابو بكر خير الناس الحديث، رواه ابن عدي في كتابه الكامل وهو كما قال الذهبي في أول ميزانه اكمل الكتب واجلها في معرفة الضعفاء

الصفحة 182

وحسبك ما اورده النووي عند بلوغه الى هذا الحديث في شرحه لصحيح مسلم (1) والحمد لله على الهداية للصواب، والشكر له إذ جعلنا من أولي الألباب وصلى الله على محمد وآله وسلم.

ـ 14 ـ
انكار السلف عليه

أنكر الناس على أبي هريرة واستفظعوا حديثه على عهده إذ أفرط في الاكثار وانفرد باسلوب خاص يوجب الشك فيه فلهذا وذاك كاشفه الناس وانكروا عليه من حيث كمية حديثه ومن حيث كيفيته.

يدلك على هذا قوله متألماً متظلماً: يقولون ان أبا هريرة يكثر الحديث والله الموعد ويقولون ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل حديثه؟

فيصرح بأن كمية حديثه وكيفيته كانتا كلتاهما مدار الانكار وقد تهددهم بالله وبالدار الآخرة على ذلك إذ قال: والله الموعد متفجعاً متوجعاً منهم حتى زعم انه لولا تكليفه الشرعي ما حدثهم بشئ ابداً لسوء ظنهم به فقال في آخر الحديث: والله لولا آيتان في كتاب الله ما حدثتكم شيئاً ابداً،: (ان الذين يكتمون ما انزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) الحديث (2) وهو كما ترى صحيح صريح بما قلناه.

____________

(1) شرح النووي مطبوع في هامش شرحي صحيح البخاري وهما ارشاد الساري وتحفة الباري، وما احلناك هنا عليه من شرح النووي موجود في آخر: ص360 وما بعدها من المجلد الحادي عشر فراجعه لتكون على بصيرة واعجب من ابن الصلاح وهذيانه.

(2) اخرجه البخاري في اول المزارعة وآخر البيوع من صحيحه واخرجه مسلم في الصحيح ايضاً وسنذكره في الفصل الآتي فنتوسع فيما نعلقه عليه مما يقتضيه المقام ان شاء الله تعالى فراجع.

الصفحة 183

واصرح منه ما حدث به أبو رزين اذ قال (1): خرج الينا أبو هريرة فضرب بيده على جبهته فقال: الا انكم تحدثون اني أكذب على رسول الله لتهتدوا واضل الحديث.

ولما أتى العراق مع معاوية عام الجماعة ورأى كثرة مستقبليه من الناس جثا على ركبتيه في مسجد الكوفة وجعل يضرب صلعته مراراً يلفت الناس بذلك اليه وحين اجتمعوا عليه أهاب بهم: يا أهل العراق اتزعمون أني اكذب على الله وعلى رسوله فاحرق نفسي بالنار الى آخر ما استرسل فيه يومئذ من التحامل على الوصي تزلفاً الى اعدائه في كلام باطل (2).

وحسبك ان في مكذبيه عظماء الصحابة قال المعاصر البحاثة أحمد أمين المصري من كلام له (3) حول أبي هريرة: وقد أكثر بعض الصحابة من نقده على الاكثار من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وشكوا فيه كما يدل على ذلك ما روى مسلم في صحيحه. ثم اورد حديثين اخرجهما مسلم صريحين في نقده والشك فيه.

وقال الفاضل المعاصر مصطفى صادق الرافعي المصري من كلام له في هذا الموضوع: وكان اكثر الصحابة رواية أبو هريرة (قال): وقد صحب ثلاث سنين ولهذا كان عمر وعثمان وعلي وعائشة ينكرون عليه ويتهمونه وهو أول

____________

(1) فيما اخرجه مسلم في كتاب اللباس: 2/217 من صحيحه فراجع منه باب اذا انتعل احدكم فليبدأ باليمين.

(2) نقله عنه الامام ابو جعفر الاسكافي من طريق الأعمش كما في: ص359 من المجلد الاول من شرح النهج الحميدي طبع مصر.

(3) في الفصل الثاني من الباب السادس: ص262 والتي تبعدها من كتابه (فجر الاسلام).

الصفحة 184
رواية اتهم في الاسلام وكانت عائشة اشدهم انكاراً عليه الى آخر كلامه (1).

وقال النظام (2): أكذب أبا هريرة كل من عمر وعثمان وعلي وعائشة أ هـ.

وحين حاول ابن قتيبة الدفاع عن أبي هريرة والرد على النظام لم يستطع إلا الاعتراف بما نقله النظام في هذا المقام، واليك رده بعين لفظه:

قال (3): وأما طعن النظام على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة له فان أبا هريرة صحب رسول الله صلى الله عليه وآله نحواً من ثلاث سنين وقد اكثر الرواية عنه فلما اتى من الرواية عنه ما لم يأت بمثله من صحبه من جلة الصحابة والسابقين الاولين اليه اتهموه وانكروا عليه (4) وقالوا كيف سمعت هذا وحدك؟ ومن سمعه معك؟ قال: وكانت عائشة اشدهم انكاراً عليه لتطاول الأيام بها وبه وكان عمر ايضا شديداً على من اكثر الرواية أو أتى بخبر في الحكم لا شاهد له عليه. الى آخر كلامه الذي اجراه الحق على لسانه فكان (بالرغم عنه) مصدقاً للنظام فيما نقله عن اولئك الاعلام ولا غرو فالحق ينطق منصفاً وعنيداً.

اما ما زعمه ابن قتيبة (5) (من امساك الصحابة عن أبي هريرة لما أخبرهم

____________

(1) فراجعه في مبحث الرواية بعد الاسلام: 1/282 من كتابه (آداب العرب).

(2) فيما نقله عنه ابن قتيبة في: ص27 من كتابه (تأويل مختلف الحديث) حيث ذكر أقاويل النظام في الصحابة.

(3) في: ص48 من كتابه ـ تأويل مختلف الحديث ـ.

(4) اراد ابن قتيبة ان يرد على النظام فأيد قوله ولم يقتصر على ذكر عمر وعثمان وعلي وعائشة في مكذبي ابي هريرة حتى اضاف اليهم بقية السابقين الأولين، فان الواو في اتهموه وانكروا عليه واجع اليهم جميعاً كما ترى.

(5) في: ص50 من كتابه ـ تأويل مختلف الحديث ـ.

الصفحة 185
يمنزلته الخاصة من رسول الله، فجزاف لا يصغى اليه؛ فان عظماء الصحابة يعرفون منزلته بكنهها فلا حاجة بهم الى من يعرّفهم بها فلو كانت له في نفوسهم منزلة الصادقين ما كذبوه ولا اتهموه، وقد مر عليك حديثه(1) اذ يخربين المنبر والحجرة مغشياً عليه (في العهد النبوي) فيجئ الجائي فيضع رجله على عنقه يرى انه مجنون، وهذا ما لا يجتمع مع احترامه فضلا عن سمو مقامه.

وبالجملة: فان انكار الاجلاء (من الصحابة والتابعين) عليه واتهامهم اياه مما لا ريب فيه ما تورع منهم عن ذلك احد حتى مضوا لسبيلهم وانما تورع الجمهور ممن جاء بعدهم اذ قرورا القول بعدالة الصحابة اجمعين اكتعين ابصعين، ومنعوا من النظر في شؤونهم، وجعلوا ذلك من الاصول المتتبعة وجوباً، فاعتقلوا العقول بهذا، وسملوا العيون؛ وجعلوا على القلوب اكنة وعلى الاسماع وقراً فاذاهم: (صمّ بكم عمي فهم لا يرجعون).

حاشا ائمة أهل البيت عليهم السلام فانهم انزلوا الصحابة حيث انزل الصحابة انفسهم (2) فرأيهم في أبي هريرة لم يعد رأي علي وعمر وعثمان وعائشة وتبعهم في هذا شيعتهم كافة القدماء منهم والمتأخرون من عهد أمير المؤمنين الى يومنا هذا.

____________

(1) في اوائل هذا الاملاء.

(2) قال الفاضل المعاصر احمد امين في: ص259 من (فجر الاسلام) ويظهر ان الصحابة انفسهم في زمنهم كان يضع بعضهم بعضا موضع النقد وينزلون بعضاً منزلة اسمى من بعض، فقد كان منهم اذا روى له حديث طلب من المحدث برهاناً، بل روى ما هو اكثر من ذلك، فقد روى ان ابا هريرة روى حديثاً فلم يأخذ ابن عباس بخبره ورد عليه وحدث بحديث فلم تأخذ به عائشة وردت عليه، وروت فاطمة بنت قيس حديثاً يتعلق بزوجها فرده عمر قائلا: لا نترك كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لاندرى اصدقت ام كذبت حفظت ام نسيت وردته عائشة ايضا فقالت لفاطمة الا تتقين الله ـ قال ـ: ومثل هذا كثير.

الصفحة 186

ولعل جل المعتزلة على هذا الرأي. قال الامام ابو جعفر الاسكافي (1) ما هذا نصه: وأبو هريرة مدخول (2) عند شيوخنا غير مرضي الرواية؛ (قال) ضربه عمر بالدرة، وقال: قد اكثرت من الرواية ولحربك أن تكون كاذباً على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (قال) وروى سفيان الثوري عن منصور عن ابراهيم التيمي قال: كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار (قال) وروى أبو اسامة عن الأعمش قال: كان ابراهيم صحيح الحديث فكنت إذا سمعت الحديث اتيته فعرضته عليه فأتيته يوماً بأحاديث ابي صالح عن أبي هريرة فقال: دعني من أبي هريرة أنهم كانوا يتركون كثيراً من حديثه (قال): وقد روي عن علي انه قال: ان اكذب الناس أو قال اكذب الأحياء على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لأبو هريرة الدوسي (قال): وروى أبو يوسف أنه قال قلت لأبي حنيفة يجئ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يخالف قياساً فما نصنع به؟ قال: اذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي، فقلت: ما تقول في أبي بكر وعمر؟ فقال: ناهيك بهما، قلت: وعلي وعثمان، قال: كذلك فلما رآني اعد الصحابة قال: والصحابةكلهم عدول ما عدا رجالا ثم عدّ منهم أبا هريرة وانس بن مالك.

(قلت): وقد علمنا ان الامام ابا حنيفة واصحابه كانوا يتركون حديث أبي هريرة اذا عارض قياسهم كما فعلوا في حديثه عن المصراة (وهي البقرة او الشاة أوالناقة يجمع اللبن في ضرعها ويحبس اياماً لا تحلب فيها لايهام المشتري انها غزيرة اللبن) إذ روى ان رسول الله صلى اله عليه واله وسلم قال: لا تصروا الابل والغنم من ابتاعها بعد ذلك فهو يخبر النظرين من بعد أن يحلبها. فان رضيها امسكها وان سخطها ردها وصاعاً من تمرفلم يأبهوا بحديثه هذا وقالوا: أبو هريرة غير

____________

(1) كما في: ص360 من المجلد الاول من شرح النهج الحميدي.

(2) أي كان في عقله دخل.

الصفحة 187
فقيه وحديثه هذا مخالف للأقيسة بأسرها فان حلب اللبن من التعدي، وضمان التعدي يكون بالمثل او القيمة، والصاع من النمر ليس واحداً منهما، إلى آخر كلامهم (1).

وعلمنا أيضاً ان من رأي أبي حنيفة وأصحابه كافة بطلان الصلاة بالكلام مطلقاً ولو عن نسيان او جهل او ظن المصلي بأنه خرج من الصلاة، والفقه الحنفي صريح بهذا الرأي وعليه سفيان الثوري في اصح الروايتين عنه وهذا مما يدل على ان لا قيمة عندهم لحديث ابي هريرة؛ اذ حدث بأن النبي صلى الله عليه واله وسلم سها فسلم في الرباعية عن ركعتين ثم قام من مصلاه ودخل حجرته ثم رجع فقيل له: اقصرت الصلاة ام نسيت؟ فقال: لم تقصر ولم أنس، فقالوا: بلى صليت بنا ركعتين. وبعد حوار كان بينه وبينهم أيقن بما يقولون فبنى على الركعتين وأتم الصلاة ثم سجد للسهو(2) وبهذا اخذ مالك والشافعي واحمد والاوزاعي وغيرهم فأفتوا بأن كلام الناسي للصلاة والذي يظن انه ليس فيها لا يبطلها. لكن ابا حنيفة حيث لم يأبه بحديث أبي هريرة افتى بالبطلان (3).

ولنختم الفصل بنوادر كانت بين أبي هريرة وبعض الصحابة تلمسك منزلته في نفوسهم.

(فنمها): ما ذكره أبو هريرة إذ قال: لما بلغ عمر حديثي استدعاني فقال لي: أكنت معنا يوم كنا في بيت فلان؟ فقلت: نعم وان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال

____________

(1) راجعه في مظانه من فقه الحنفية، وقد نقله عنهم الفاضل احمد امين في آخر: ص263 والتي بعدها من كتابه فجر الاسلام.

(2) وقد مر حديثه هذا في الفصل: 11 فراجعه وامعن فيما علقناه عليه.

(3) وقد نقل النووي في شرح صحيح مسلم بطلان الصلاة في هذا الفرض عن أبي حنيفة واصحابه وعن الثوري في اصح الروايتين عنه ونقل عدم البطلان عمن سواهم عملا بحديث أبي هريرة هذا فراجع شرح الحديث في آخر: ص234 والتي بعدها من الجزء الرابع من شرح النووي المطبوع في هامش شرحي البخاري.

الصفحة 188
يومئذ: من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار الحديث (1).

وهذا من الأدلة على انه لم يكن ممن يحدث بحضرة عمر ولا ممن كان عمر يراهم او يسمعهم يحدثون، وإنما بلغه حديثه من افواه الناس فاتهمه به لغرابته فاستدعاه لينذره بالنار اذا كذب.

(ومنها): انه زجره مرة فقال له (2): لنتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أو لأ لحقنك بأرض دوس او بأرض القردة.

(ومنها): انه غضب عليه باكثارة على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فضربه بالدرة ردعا له وهو يوبخه بقوله (3): اكثرت يا ابا هريرة وأحر بك ان تكون كاذباً على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم.

(ومنها): انه عزله عن البحرين بعد ان ضربه فأدمى ظهره وانتزع منه عشرة آلاف لبيت المال ووبخه بكلام فظيع كما فصلناه آنفاً (4).

(ومنها): انه ضربه على عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم ضربة خرّ بها لاسته (5).

(ومنها): ان علياً لما بلغه حديث أبي هريرة قال (6): ألا ان اكذب الناس أو قال: اكذب الأحياء على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أبو هريرة الدوسي.

(ومنها): أنه بلغ علياً إن أبا هريرة يبتدئ بميامينه فقال (7): لأخالفن أبا هريرة.

____________

(1) اخرجه مسدد في مسنده من طريق خالد بن يحيى عن ابيه عن أبي هريرة ونقله ابن حجر في ترجمة أبي هريرة من الاصابة.

(2) فيما اخرجه ابن عساكر وهو الحديث: 4885 في: 5/239 من كنز العمال وتراه صريحاً في امره بترك الحديث بالمرة.

(3) فيما رواه الامام الاسكافي وقد مر عليك قريبا.

(4) فراجع احواله على عهد الخليفتين.

(5) فيما اخرجه مسلم في: 1/34 من صحيحه.

(6) فيما رواه ابو جعفر الاسكافي وقد مر عليك قريبا.

(7) العمدة في هذه الرواية على ابن قتيبة في: ص27 من تأويل مختلف الحديث.

الصفحة 189

(ومنها): ان أبا هريرة كان يقول: حدثني خليلي؛ ورأيت خليلي وقال لي خليلي رسول الله، فبلغ علياً ذلك فقال له: متى كان النبي خليلك يا ابا هريرة؟ ينكر عليه قوله هذا، إذ كان سئ الرأي فيه (1) وعلي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (2)، وعلي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيف دار (3).

(ومنها): ان عائشة دعت أبا هريرة إذ بلغها حديثه فقالت له: ما هده الأحاديث التي تبلغنا انك تحدث بها عن النبي صلى الله عليه واله وسلم هل سمعت إلا ما سمعنا؟ ورأيت إلا ما رأينا؟ قال: يا أماه انه كان يشغلك عن رسول الله المرآة والمكحلة الحديث (4).

(ومنها): انه روي ان الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة، فكذبته عائشة وقالت: رأيت رسول الله يصلي وسط السرير وأنا على السرير معترضة بينه وبين القبلة.

(ومنها): انه روي حديثاً في النهي عن المشي بالخف الواحد فبلغ عائشة ذلك فمشت بخف واحد وقالت لأخالفن أبا هريرة.

(ومنها): انه روي من اصبح جنباً قلا صيام له، فردت عليه عائشة وحفصة وكذبتا حديثه فاعترف أبو هريرة لهما ورجع عن قوله معتذراً بأنه

____________

(1) قاله ابن قتيبة في: ص52 من تأويل مختلف الحديث.

(2) اخرجه الحاكم في المستدرك والطبري في الاوسط عن أم سلمة مرفوعا وهو الحديث: 2529 في: 6/153 من كنز العمال.

(3) عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: الحق مع ذا الخق مع ذا يشير الى علي، اخرجه ابو يعلى في مسنده وسعيد بن منصور في سننه، وهو الحديث: 2637 في: 6/157 من الكنز.

(4) اخرجه وصححه الحاكم في: 3/509 من صحيحه المستدرك وصححه الذهبي اذ اورده في تلخيص المستدرك، وعائشة لم تقبل عذره بدليل انها ما امسكت عنه حتى ماتت.

الصفحة 190
لم يكن سمع ذلك من رسول الله وإنما سمعه من الفضل بن العباس وكان الفضل (حين اعتذر بهذا) ميتاً (1).

(ومنها): ان رجلين دخلا على عائشة فقالا: ان ابا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أنه قال: إنما الطيرة في المرأة والدابة فطارت عائشة شغفاً ثم قالت: كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم؟ الحديث (2).

(ومنها): انه جلس مرة الى جنب حجرة عائشة يحدث عن النبي صلى الله عليه واله وسلم وهي مشغولة في سبحتها فقالت بعد فراغها: ألا يعجبك أبو هريرة يجلس الى جنب حجرتي يحدث عن النبي يسمعني ذلك؟ وكنت اسبح فقام قبل ان أقضى سبحتي ولو ادركته لرددت عليه الحديث (3).

(ومنها): انه روى عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال: متى استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يضعها في الاناء فان احدكم لا يدري اين باتت يده؟ فانكرت عائشة عليه (4) فلم تأخذ به وقالت: كيف نصنع بالمهراس (5).

____________

(1) تجد حديث الكلب والمرأة والحمار وحديث المشي في الخف الواحد وحديث من اصبح جنبا في: ص27 والتي بعدها من تأويل مختلف الحديث والصواب ان اللتين ردنا حديثه فيمن اصبح جنبا انما هما عائشة وأم سلمة كما نقلناه في الحديث: 27 عن صحيح البخاري.

(2) أورده ابن قتيبة في: ص126 والتي بعدها من تأويل مختلف الحديث.

(3) اخرجه مسلم في: 2/358 و538 من صحيحه في فضائل أبي هريرة وفي التثبت في الحديث.

(4) نقل ذلك أحمد أمين: ص259 من فجر الاسلام، والانصاف ان انكارعائشة في هذا على أبي هريرة إنما يكون متجها لعدم وثاقته، اما نقضها عليه بالمهراس فغير متجه كما لا يخفى.

(5) المهراس: حجر منقور ضخم لا يقله الرجال ولا يحركونه لثقله يملأونه ماء ويتطهرون منه.