الصفحة 41

تدوين السنة عند اهل السنة والشيعة


التدوين عند الشيعة:

طبقا لما ورد في الاحاديث المروية في صحاح اهل السنة انه لم يرد نهي عن كتابة الحديث في عهد الرسول (ص) وانهـا كانت امرا متداولا بين المسلمين، وان المسلمين كانوا ينظرون الى تدوين الحديث على انه حاجة ماسة وضرورية، بل ان رسول اللّه (ص) قد اكد مسالة الكتابة بوجه خاص، وحث على ذلك بعبارات مختلفة، وكان اصحاب النبي (ص) كلا حسب ما اوتي من الفهم والاستعداد يدون ما كان يسمعه من رسول اللّه (ص)، ومن اولئك الذين دونوا الحديث على عهد النبي (ص) ابو بكر(1).

ومنهم عبداللّه بن عمرو بن العاص الذي قال: «كنت اكتب كل شي اسمعه من رسول اللّه (ص) اريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شي تسمعه من رسول اللّه (ص)، ورسول اللّه (ص) بشر يتكلم في الرضا والغضب فقال (ص): اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه الا حق واشار بيده الى فيه»(2).

ولكن بعد وفاة النبى (ص) وقع الاختلاف بين الاصحاب، فمنهم من كان يصدعن

____________

1- تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 5.

2- سنن ابي داود 3: 318 كتاب العلم باب «3» باب في كتابة العلم ح 3646، مستدرك الصحيحين 1: 104 و106.


الصفحة 42
التدوين، واعتبر ذلك امرا غير شرعي، واصر على رايه هذا اصرارا كثيرا، مثل: ابوبكر، عمر بن الخطاب، ابن مسعود، ابو سعيد الخدري وغيرهم، وفي مقابلهم فئة كانت تلح وتحث على تدوين الحديث وتحبب ذلك، وكانوا يكتبون الحديث ويدونونه كماكان على عهد رسول اللّه (ص)، مثل: امير المؤمنين على (ع) وشيعته وبالاخص ابنه السبطالاكبر الامام المجتبى (ع).

وهذا الاختلاف في موضوع تدوين الحديث سبب انقسام المسلمين الى فئتين متميزتين: مؤيدي التدوين (الامام على (ع) وشيعته)، والصادين عن التدوين (ابو بكر واتباعه).

التدوين في عهد الامام علي (ع):

روى البخاري في صحيحه عن أمير المؤمنين (ع) انه قال: «لم يكن عندنا كتاب نقراه الا هذه الصحيفة ثم اخرج صحيفة فيها احكام الجراحات الديات واسنان الابل المشروطة في صحة الزكاة وان المدينة حرم ما بين عير الى ثور».

وكذا اخرج عن الامام على (ع) انه خطب على المنبر، فاخرج من قراب سيفه صحيفة فنشرها، ثم قرا فيها بعض الاحكام(1).

ونقل البخاري ومسلم في صحيحيهما احاديث كثيرة بمتون مختلفة واسانيدمتواترة حول صحيفة امير المؤمنين (ع)، وذكرا بعض الاحكام التي استخرجت من هذه

____________

1- صحيح البخاري 1: 38 كتاب العلم باب كتابة العلم، ج3: 25 كتاب الحج باب حرم المدينة، ج4: 122 باب ذمة المسلمين وص 124 باب من عاهد ثم غدر وص 183 باب فكاك الاسير، ج8: 192 كتاب الفرائض باب اثم من تبرا من مواليه، ج9: 119 كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم وص 13 كتاب الديات باب العاقلة وص 16 باب لا يقتل المسلم بالكافر، صحيح مسلم 2: 1147 كتاب العتق باب «4» باب تحريم تولي العتيق غير مواليه ح30، ج3: 1567 كتاب الاضاحي باب «8» باب تحريم الذبح لغير اللّه ح45، سنن النسائي 8: 19 كتاب القسامة باب القود بين الاحراروالمماليك في النفس، وص 23 باب سقوط القود من المسلم للكافر.


الصفحة 43
الصحيفة او الصحائف الاخرى له (ع)(1).

واما الاحكام التي يمكن استخراجها من هذه الصحائف طبقا لما نقله البخاري ومسلم في صحيحيهما وان لم تكن كثيرة(2) ولكن التمعن في نصوص الاحاديث يسوقنا الى معرفة حقيقتين مهمتين:

الاولى تعدد هذه الصحائف وكثرتها، والاخرى جامعيتها وشموليتها، كما اشير الى تلك الشمولية في بعض الاحاديث بان هذه الصحائف تتضمن جزئيات الاحكام وفروعها مثل احكام الديات والقصاص واسنان الابل، وحتى حدود المدينة والجبال التي حولها، وبالالتفات الى هذه النقاط تظهر لك جامعية تلك الصحائف.

ولكن قال ابن حجر: وبالجمع بين هذه الاحاديث يتبين ان الصحيفة كانت واحدة، وكان جميع ذلك مكتوبا فيها، فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه(3).

الامام الباقر (ع) والصحيفة العلوية:

نقل النجاشي عن محمد بن عذافر الصيرفي انه قال: كنت مع الحكم بن عتيبة(4) ـ عيينة عند ـ ابي جعفر (ع) فجعل يساله، وكان ابو جعفر (ع) له مكرما(5)، فاختلفافي شي فقال ابو جعفر (ع): قم يا بني، فاخرج كتاب على (ع)، فاخرج كتابا مدروجاعظيما وفتحه وجعل ينظر، حتى اخرج المسالة فقال ابو جعفر (ع): هذا خطعلي (ع)، واملا رسول اللّه (ص)، واقبل على الحكم وقال: يا ابا محمد، اذهب انت وسلمة وابوالمقدام حيث شئتم يمينا وشمالا، فواللّه لا تجدون العلم اوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل (ع)(6).

____________

1- المصادر نفسها.

2- كل ما توصلنا اليه من الاحكام الواردة في احاديث هذا الباب بعد حذف مكرراتها ثلاثة عشر حكما المؤلف.

3- فتح الباري 1: 166.

4- وهو من علما اهل السنة.

5- جات في بعض النسخ مكرها ايضا.

6- رجال النجاشي 2: 260 ترجمة احمد بن عذافر رقم 967.


الصفحة 44
ظهر مما نقلناه عن الصحيحين والنجاشي ان الصحائف التي كانت عندأمير المؤمنين (ع) والتي ورثها الامام الباقر (ع) من جده (ع)، كانت تحتوي على الشرائع والسنن الالهية، ولا توجد صحيفة قبلها في تاريخ تدوين الحديث، وكان الائمة من اهل البيت (ع) يفتخرون بوجودها، ويعتبرونها ثروة غنية، وقد ذكرها علماء الشيعة وغيرهم في كتبهم المعتبرة، وهذه الصحيفة او الصحائف هي اساس الصرح العلمي الشاهق عند الشيعة، وعلى هذا النهج سار شيعة علي (ع) في كتابة السنة على نحو انه لم يحصل بين تاريخ صدور الحديث وكتابته اي فتور وانقطاع، وقد اشتهر في كل عصرالعشرات من العلما وعرفوا باسم «كتاب الحديث والمحدثين».

احصاء مؤلفي الحديث وطبقاتهم:

ذكر النجاشي في كتابه(1) اسماء ما يقارب الف ومائتين راو من اصحاب الائمة (ع) ورجال الشيعة وترجم لهم واشار الى ما الفوه من الكتب في موضوع واحد اومواضيع متعددة، وقال في مقدمة كتابه: انا اذكر المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالح(2) وقسم علماء الرجال المؤلفين والمصنفين المعروفين الى عهد الامام الصادق (ع) الى ثلاث طبقات(3) ومع هذا فانه لم يعرف عددهم دقيقا، لانه من المستبعدان يكون في اصحاب الائمة (ع) من تشرف بمجلسهم وتتلمذ على يد احدهم ولم يصنف كتابا.

التدوين في عهد الامام الصادق (ع):

وفي عهد الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) حيث سنحت له تلك الفرصة الثمينة بان يحدث ويدون الحديث الى اوسع نطاقه، حتى بلغ عدد الذين تتلمذوا عنده واخذوا

____________

1- وهو من رجال الشيعة وعلمائهم، توفي عام 450 هـ.

2- راجع مقدمة رجال النجاشي.

3- راجع: رجال النجاشي، فهرست الشيخ الطوسي، اعيان الشيعة للسيد محسن الامين، الذريعة لاغا بزرگ الطهراني.


الصفحة 45
منه العلوم المختلفة كالفقه والكلام والطبيعيات، اربعة آلاف شيخ(1).

يقول الحسن بن علي الوشا: انه لقي في مسجد الكوفة في عصر واحد تسعمائة عالم كل يقول:

حدثني جعفر بن محمد(2)، هذا مع بعد المسافة التي تفصل بين الكوفة والمدينة مركز تعليم وتدريس الامام الصادق (ع).

وعلى اثر تشويق الامام الصادق (ع) الدائم وحثه الدائب وتاكيده على نقل الحديث وكتابته وصيانته(3) صنفت كتب كثيرة بحيث لا يمكن احصاؤها واحصامؤلفيها، ولكن جمعت من بين تلك الكتب اربعمائة كتاب لاربعمائة مؤلف او اقل من اصحاب الامام الصادق (ع) في الفقه والعقائد فقط، واشتهرت فيما بعد بالاصول الاربعمائة ولما كانت هذه الاصول متشتتة وبعضها فقدت بادر بعض اصحاب الامام الرضا (ع)(4) الى لم الموجود وضبطه في كتاب مستقل كل حسب طريقته الخاصة وسماه بالجامع واختص به، وهذه الجوامع هي غير الكتب التي الفها اصحاب الائمة (ع) الى

____________

1- الارشاد للشيخ المفيد: 289.

2- حسن بن علي بن زياد الوشا، بجلي كوفي، ومن اصحاب الرضا (ع)، وكان من وجوه الطائفة، قال احمد بن محمد بن عيسى: خرجت الى الكوفة في طلب الحديث، فلقيت بهاالحسن بن علي الوشا، فسالته ان يخرج لي كتاب العلا بن علي الفلا وابان بن عثمان الاحمر، فاخرجهما الي فقلت له: احب ان تجيزهما، فقال لي: رحمك اللّه وما عجلتك؟اذهب فاكتبها، واسمع من بعد، فقلت: آمن الحدثان فقال: لو علمت ان هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه، فاني ادركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ كل يقول: حد ثني جعفر بن محمد رجال النجاشي: 39 رقم 80.

3- ورد في الحديث: 1 ـ اعرفوا منازل الناس منا على قدر روايتهم عنا 2 ـ القلب يتكل على الكتابة 3 ـ اكتبوا فانكم لا تحفظون حتى تكتبوا 4 ـ احفظوا كتبكم فانكم سوف تحتاجون اليها راجع مصادرها في: الكافي 1: كتاب العلم ب «16» باب النوادر ح13 وب «17» باب رواية الكتب والحديث ح 8 و9 و10، بحار الانوار 2: 150 152 باب «19» باب فضل كتابة الحديث وروايته، وسائل الشيعة 18: 54 56 كتاب القضا باب «18» باب وجوب العمل باحاديث النبى والائمة المنقولة ح 7 و15 17.

4- مثل: احمد بن محمد بن ابي نصر، جعفر بن بشير، حسن بن علي بن فضال، وغيرهم.


الصفحة 46
زمن الغيبة، والتي تتضمن مواضيع عديدة وعناوين مختلفة.

الكتب الاربعة:

كانت هذه الجوامع منذ عصر الامام الرضا (ع) مرجعا ومصدرا للشيعة في المسائل الدينية والفقهية حتى جاء ثقة الاسلام الكليني 329 هـ. فصنف كتابه (الكافي) وجمع فيه الاخبار باسلوب بديع ومبوب، ثم جاء دور الشيخ ابن بابويه القمي «الصدوق» 381 هـ. فالف كتابه (من لا يحضره الفقيه)، وبعده قام شيخ الطائفة الشيخ ‌الطوسي 460 هـ. فدون كتابيه (التهذيب والاستبصار) فجمع هؤلاء في كتبهم الاحاديث المستخرجة من الاصول الاربعمائة وسائر كتب السلف من اصحاب الائمة (ع)، واشتهرت هذه الكتب بعد ذلك بالكتب الاربعة(1).

هذا وقد الف علماء الشيعة بعد ذلك كتبا كثيرة ذات اهمية قصوى في شتى المواضيع التاريخية والتفسيرية والحديثية وغيرها، فامتلات مكتبات البلاد الاسلامية العامة منها، الا ان الكتب الاربعة احرزت من العناية والاهمية الدرجة الاعلى حتى صارت مرجعا لفقها الامامية في استنباطهم للاحكام الشرعية، واعتنوا بها اكثر من سائر الكتب.

وبعد ذلك قام علماء الامامية وجهابذة علم الحديث يشدون العزم على تاليف كتب الحديث واستخراجها من الكتب الاربعة والاصول المعتبرة، وصنفوا الموسوعات الضخمة في الحديث.

هذا مجمل تاريخ تدوين السنة عند الشيعة منذ صدر الاسلام حتى عصرنا.

التدوين عند اهل السنة:

واما تدوين الحديث عند اهل السنة ـ وكما اشرنا اليه آنفا ـ فان بعض الاصحاب ومنهم ابو بكر، خالفوا تدوين الحديث بعد وفاة النبي (ص)، بل منعوا التحديث عنه (ص) ايضا،

____________

1- جامع احاديث الشيعة المقدمة 1: ز ي.


الصفحة 47
ومن هنا فلم يستطع احد من اصحاب الرسول (ص) ان يروي او يكتب ما سمعه من النبي (ص)، بل القوا ما كتبوا من الاحاديث في الما او احرقوهابالنار، وتبريرا لما فعلوه تجاه الحديث وتثبيتا لهذه الخطيئة الغير علمية اختلقوا احاديث ونسبوها الى رسول اللّه (ص) نحو: «لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه(1)»(2).

المنع في عهد ابي بكر:

ان الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم (ص) فقال: انكم تحدثون عن رسول اللّه (ص) احاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم اشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول اللّه (ص) شيئا، فمن سالكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب اللّه، فاستحلوا حلاله وحرمواحرامه(3).

وقالت عائشة: جمع ابي الحديث عن رسول اللّه (ص) وكانت خمسمائة حديث فبات ليلة يتقلب كثيرا قالت: فغمني فقلت: اتتقلب لشكوى اولشي بلغك؟ فلما اصبح قال: اي بنية عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرقها فقلت: لم احرقتها؟ قال: خشيت ان اموت وهي عندي فيكون فيها احاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فاكون قد نقلت ذلك(4).

____________

1- صحيح مسلم 4: 2298 كتاب الزهد والرقاق باب «16» باب التثبت في الحديث ح72.

2- والدليل على كون هذا الحديث من الاحاديث الموضوعة والمختلقة هو عدم تمسك ابي بكر وعمر به، وسوف تقرا في الفصول الاتية بان ابا بكر وعمر قد تذرعا بمعاذير واهية واستدلا على منعهما نقل احاديث النبي (ص) وتدوينها بادلة تافهة وحجج ركيكة، ولو كان هذا الحديث مما قد ورد عن رسول اللّه حقا لتمسكا به في توجيه غايتهما، واضف على هذا، ولو سلمنا صحة الحديث لكان الامام مالك بن انس (الموطا) والامام احمد بن حنبل (المسند) ومؤلفو الصحاح والسنن والمسانيد هم اول من خالفوا امر رسول اللّه (ص) واسرعوا بعمل نهى عنه النبي (ص).

ولذا ترى ان علما اهل السنة استنكروا صدور هذا الحديث عن النبي (ص) او انهم ادعواصدوره واختصاصه بمجالات خاصة.

3- تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 3.

4- المصدر: 5.


الصفحة 48
ولا يخفى ما نتج عن هذا العمل الصادر من ابي بكر الذي منع نقل الحديث تارة، واقدم على احراقه وابادته تارة اخرى على المسلمين والحفاظ والرواة من الاثارالسيئة والنتائج السلبية، ففي السنواث الثلاث من خلافة ابي بكر انكب المسلمون على تلاوة القرآن واكتفوا بها دون مراجعة التفسير والبيان، وتركوا نقل الحديث وكتابته، وبهذا تحقق ما اراده ابو بكر من حصر اهتمام المسلمين على الايات القرآنية فقط.

المنع في عهد عمر:

ففي السنوات العشر من عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي عرف بالخشونة والتصلب اشتد الوطيس على الحديث، فلم يكتف عمر بمنع نقل الحديث وتدوينه فحسب، بل انه استعمل في تحقيق هدفه اسلوب القهر والقوة(1).

قال الصحابي المعروف قرظة بن كعب(2): لما سيرنا عمر بن الخطاب الى العراق مشى معنا عمر الى حرارة، ثم قال: اتدرون لم شيعتكم؟ قلنا: تكرمة لنا قال: ومع ذلك لحاجة انكم تاتون اهل قرية لهـم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالاحاديث عن رسول اللّه (ص) فتشغلوهم، جردوا القرآن، واقلوا الرواية عن الرسول (ص) وانا شريككم، فلما قدم قرظة بن كعب الكوفة قالوا: حدثنا، فقال: نهاناعمر(3).

واخرج الذهبي في تذكرة الحفاظ عن ابي سلمة انه قال لابي هريرة: اكنت تحدث في عهد الخليفة عمر هكذا؟ قال: لو كنت احدث في عهد عمر مثل ما احدثكم لضربني

____________

1- دامت خلافته عشر سنوات وستة اشهر واربعة ايام.

2- هو من صحابة الرسول (ص) المعروفين واشترك في غزوات عديدة منها احد، وقال ابن حجر في الاصابة 5: 329 ترجمة قرظة بن كعب رقم 7113: ان اول من نيح عليه بالكوفة قرظة بن كعب.

3- مستدرك الصحيحين 1: 102، سنن ابن ماجة 1: 12 باب «3» باب التوقي في الحديث عن رسول اللّه (ص) ح28 الطبقات الكبرى 6: 7 طبقات الكوفيين، جامع بيان العلم 2: 167، سنن الدارمي 1: ص 85 باب من هاب الفتيا مخافة السقط، تذكرة الحفاظ للذهبي 1: 7.


الصفحة 49
بمخفقته(1).

وكان عمر بن الخطاب مستبدا يفرض الضغوط الكثيرة على اصحاب الرسول (ص) الذين كانوا يروون الحديث عنه (ص) روي ان ابا موسى الاشعري نقل لعمرحديثا في باب الاستئذان من صاحب الدار فقال له عمر: ان لم تقم عليه بينة لاوجعتك.

وظل هذا التشدد من قبل الخليفة مخيما على الرواة حتى اعترض عليه جمع من الصحابة كما ورد في ذيل الرواية الانفة ان ابا منذر قال لعمر: فلا تكن يا بن الخطاب عذابا على اصحاب رسول اللّه (ص)(2).

ومن استبداده وتشدده انه حبس ثلاثة من الصحابة: ابن مسعود، ابا الدردا، ابامسعود الانصاري، وفرض عليهم الاقامة الجبرية في المدينة، وظلوا تحت المراقبة الشديدة حتى قتل، وما كان ذنبهم الا انهـم رووا احاديث سمعوها من رسول اللّه (ص)(3) واخرج الحاكم في مستدركه ان الخليفة عمر حبس ابن مسعود، وابا الدردا، واباذر في المدينة ليصدهم عن رواية الحديث(4).

ونتيجة لهذا الاستبداد العمري في المنع من نقل الحديث والنهي عنه يقول الصحابي سائب بن يزيد 80 هـ.: صحبت سعد بن مالك(5) من المدينة الى مكة فماسمعته يحدث عن رسول اللّه حديثا واحدا(6).

وقال الشعبي: جالست ابن عمر سنة كاملة فما سمعته يحدث عن رسول اللّه (ص)

____________

1- تذكرة الحفاظ 1: 7.

2- صحيح البخاري 8: 67 كتاب الاستئذان باب التسليم والاستئذان ثلاثا، وسوف ياتي تفصيل القصة في مبحث الخلافة فصل جهل الحكام بالاحكام.

3- تذكرة الحفاظ 1: 7، ومجمع الزوائد 1: 149.

4- مستدرك الصحيحين 1: 110 كتاب العلم.

5- كان من نجبا الانصار وعلمائهم وقد حفظ عن رسول اللّه (ص) سننا كثيرة وروي عنه علماجما، الاستيعاب 2: 602 رقم الترجمة 954.

6- سنن ابن ماجة 1: 12 باب «3» باب التوقي في الحديث عن رسول اللّه (ص) ح 29.


الصفحة 50
حديثا(1).

المنع عن التدوين في عهد عمر:

نقل ابن سعد: ان عمر بن الخطاب اراد ان يكتب السنن فاستشار في ذلك اصحاب رسول اللّه (ص)، فاشاروا عليه ان يكتبها، فطفق عمر يستخير اللّه فيها شهرا، ثم اصبح يوما وقد عزم اللّه له فقال:

اني كنت اردت ان اكتب السنن، واني ذكرت قوما كانواقبلكم كتبوا كتبا فاكبوا عليها فتركوا كتاب اللّه تعالى، واني واللّه لا البس كتاب اللّه بشي ابدا(2).

الحديث في عهد عثمان:

كانت خلافة عثمان بن عفان التي استمرت اثنتي عشرة سنة من اسوا الازمنة واتعسها في تاريخ الاسلام، وذلك لما وصلت فيها الاهوا ـ كحب الدنيا وقهر الاخرين والظلم ـ الى اعلى مراتبه حيث انه اعطى حقوق الضعفا والمساكين وسلم بيت مال المسلمين لشرذمة ليست لهم اي فضيلة وصلة بالدين، سوى انهم كانوا من قرابة الخليفة وعشيرته وملازمي بلاطه، فاكتنزوا الملايين، وعاشوا مرفهين، وبنوا القصورالمشيدة، وفي جوارهم من المسلمين من كان يتضور جوعا واما المتقون الصالحون من اصحاب رسول اللّه (ص) فقد ازيحوا عن تصدي المناصب المهمة والقضا وادارة الحكومة، وحل مقامهم آخرون مستهترون مثل الوليد بن عقبة اخو عثمان من امه ومروان بن الحكم ولان المتقون لم يتماشوا ولم يداهنوا السياسة المتخذة والحاكمة انذاك، ودابوا على قراة القرآن وترتيله ورواية احاديث النبي (ص) وتبليغها الى الناس، وهذا مما لا يرتضيه النظام الحاكم والسيرة العثمانية وسياسة حكمه لان هذه الامور هي على نقيض سياسة الخلافة الحاكمة، ولذلك تعر ضوا للهتك، فمنهم من نفي الى البوادي، واقصي عن

____________

1- الطبقات الكبرى لابن سعد 4: 106، سنن ابن ماجة 1: 11 المقدمة باب «3» باب التوقي فى الحديث عن رسول اللّه (ص) ح26، صحيح البخاري 9: 112 كتاب التمني باب خبرالمراة الواحدة وفيه: قاعدت ابن عمر قريبا من سنتين او سنة ونصف.

2- الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 286، وابو طالب مؤمن قريش للخنيزي: 2 3.


الصفحة 51
المجتمع، ومنهم من سجن وتعرض للتعذيب الجسدي والروحي والجلد وغيره، وهذا علاوة على منع الخلافة العثمانية من نقل احاديث الرسول (ص) ومخالفتهم للقرآن المجيد.

فنفي الصحابي الجليل والزاهد في الدنيا ابي ذر الغفاري الى الشام، ومنها الى صحرا الربذة، وضرب الصحابي عبداللّه بن مسعود والاعتدا عليه في وسط المسجدحتى انجر الى كسر اضلعه، وضرب عمار بن ياسر الى درجة الاغما واصابته بالفتق، وكذا الاعتدا ونفي واهانة العشرات من الصحابة والمسلمين الاوائل، كلها كانت نتائج سياسة عثمان(1) وديدنه الى ان آل الامر به ان يرقى المنبر ويعلن للناس منعه اياهم رواية كل حديث لم يسمع به فقال: لا يحل لاحد ان يروي حديثا عن رسول اللّه (ص) لم اسمع به في عهد ابي بكر ولا في عهد عمر(2) وهكذا اشتد الوطيس على نقل الحديث وروايته حتى وصل ذروته.

الحديث في عهد معاوية:

كانت دواعي وضع الحديث في عهد معاوية وحكومته التي دامت اربعين عاما اشد من عهد الخلفاء قبله وخاصة في السنوات الخمسة والعشرين الاخيرة من حكمه(3).

وكلما مر الزمان كانت رغبة المسلمين تجاه أمير المؤمنين (ع) ومعرفة مقامه واهمية شانه تزداد شيئا فشيئا، وكانوا مولعين بسماع الاحاديث الصحيحة وروايتها، وهذا ما لا شك فيه كان يضر بكيان معاوية وموقعه في المجتمع اكثر مما يتصور.

ولذلك بادر معاوية الى ان يتدارك المشكلة ويشيد الحكم الاموي ويقويه، فعمدالى اختلاق وجعل الاحاديث التي تنفع بحاله وتقوم سياسته وتوضع بديلة عن الاحاديث الصحيحة، وتنشر في المجتمع، وتروى للناس.

____________

1- راجع تفصيل القصة وشرحها في: الغدير 8: 292 295، وج 9: 3 69.

2- مسند احمد بن حنبل 1: 363، الطبقات الكبرى 2: 336 ذكر من كان يفتي بالمدينة ويقتدى به السنة قبل التدوين: 97، قبول الاخبار: 29.

3- منذ موت الخليفة عثمان في سنة 35 حتى موته سنة 60 هـ.


الصفحة 52
ومن هنا اكتسحت المجتمع مفترياته، وقرئت على الناس مختلقاته، وحقق معاوية بمكره ودهائه المعروف ما اراده على كلا الصعيدين وذلك عبر جهتين: فهو من جهة اعلن على المنبر عن منع كل حديث لم يسمع به في عهد عمر(1)، ومن جهة اخرى عبا الوضاعين واكرم كل من يروي حديثا في فضائل عثمان واصحاب النبي (ص) المناوئون لعلي (ع) واكرمهم بالعطايا الجزيلة والهدايا الثمينة وحثهم على جعل الحديث ونقل الاكاذيب.

فكتب ابو الحسن المدائني(2) في كتابه الاحداث وثيقة تاريخية مهمة تحتوي على بيان حقائق حول كيفية منع الحديث وجعل الاحاديث المفترية على رسول اللّه (ص) في عهد معاوية، وننقل للقارئ مقتطفات من كلام المدائني، لما فيه الكفاية عن نقل سائر الشواهد الاخرى، وتجنبا عن الاطناب والاطالة.

المرسوم الاول: قال المدائني: كتب معاوية نسخة واحدة الى عماله بعد عام المجاعة: ان برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل ابي تراب يعني الامام على واهل بيته اى اهل بيت النبي (ص).

فقام الخطبا في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي اهل بيته، وكان اشد الناس بلاء حينئذ اهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة على (ع)، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم اليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لانه كان منهم ايام على (ع) فقتلهم تحت كل حجر ومدر، واخافهـم، وقطع الايدي والارجل وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها

____________

1- صحيح مسلم 2: 718 كتاب الزكاة باب «33» باب النهي عن المسالة ح98، وج3: 1210 كتاب المساقاة باب «15» باب الصرف وبيع الذهب ح80.

2- العلامة ابوالحسن المدائني هو احد المتضلعين وجهابذة علم التاريخ، له مؤلفات عديدة، نحو خطب النبي، والاحداث، وخطب اميرالمؤمنين، وكتاب من قتل من الفاطميين، وكتاب الفاطميات، نقل عنه ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة اقوالا واراء كثيرة، وتوفي عام 225 هـ وكان عمره 90 سنة.


الصفحة 53
معروف منهم.

ويضيف المدائني: وكتب معاوية الى عماله في جميع الافاق: ان لا يجيزوا لاحدمن شيعة على واهل بيته (ع) شهادة، وان انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه واهل ولايته والذين يروون فضله ومناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم واكرموهم، واكتبوالي بما يروي كل رجل منهم واسمه واسم ابيه وعشيرته.

ففعلوا ذلك حتى اكثروا من فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه اليهم معاوية من الصلات والكسا والحبا والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجي احد من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة او منقبة الا كتب اسمه وقربه وشفعه، فلبثوا بذلك حينا.

المرسوم الثاني: اضاف المدائني: كتب معاوية الى عماله ان الحديث في عثمان قد كثر، وفشا في كل مصر، وفي كل وجه وناحية، فاذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة، والخلفاء الاولين (ابي بكر وعمر)، ولا تتركوا خبرايرويه احد من المسلمين في ابي تراب الا وتاتوني بمناقض له في الصحابة، فان هذا احب الي واقر لعيني وادحض لحجة ابي تراب (الامام علي (ع» وشيعته، واشد عليهم من مناقب عثمان وفضائله.

فقرئت كتبه على الناس، فرويت اخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة ولاحقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى اشاروا بذكر ذلك على المنابر، والقى الى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى علموا بناتهم ونساهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء اللّه.

المرسوم الثالث والرابع: ثم كتب معاوية نسخة واحدة الى جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة انه يحب عليا واهل بيته (ع) فامحوه من الديوان، واسقطواعطاه ورزقه.


الصفحة 54
وشفع ذلك بنسخة اخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم نكلوا به واهدمواداره، فلم يكن البلا اشد ولا اكثر منه بالعراق، ولا سيما الكوفة، حتى ان الرجل من شيعة على (ع) لياتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي اليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدثه حتى ياخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقها والقضاة والولاة، وكان اعظم الناس في ذلك بلية القرا المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الاحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الاموال والضياع والمنازل حتى انتقلت تلك الاخبار والاحاديث الى ايدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهـتان فقبلوها ورووها وهم يظنون انها حق، ولو علموا انها باطلة لما رووهاولا تدينوا بها(1).

الحديث في عهد خلفاء بني امية:

وبعد ان نقل ابو الحسن المدائني مصير الحديث في عهد معاوية حسب ما نقلناعنه بالتفصيل تطرق الى ما آل اليه الامر عندما ولى عبدالملك بن مروان الخلافة لمدة احدى وعشرين سنة فاشتد البلا والتنكيل بالشيعة على نحو لم يكن له شبيه في عهدمعاوية ثم ذكر المدائني نموذجا من جرائم والي الخليفة الاموي في الكوفة الحجاج بن يوسف الثقفي بحق الشيعة وقال:

ان انسانا وقف للحجاج فصاح به: ايها الامير، ان اهلي عقوني فسموني عليا، واني فقير بائس، وانا الى صلة الامير محتاج.

فتضاحك له الحجاج وقال: للطف ما توسلت به فقد وليتك كذا(2).

الخطوة الاولى في تدوين الحديث:

كان وضع الحديث بعد رسول اللّه (ص) هو كما اوردناه، ففي عهد خلفاء بني امية

____________

1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 11: 44 46.

2- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 11: 46.


الصفحة 55
الذين التهوا بالمنكرات والفواحش وانغمسوا في البذخ والشهوات [صار مل الحديث، والاصح صارت الامور المعنوية مقبورة ] في صندوق النسيان بحيث لم يبق من الدين الا اسمه، ومن القرآن الا رسمه، واما العلما والحفاظ في عهد بني امية فقد تماشوا مع التاثيرات الاجتماعية، وجعلوا سيرة اسلافهم، والخلفاء الراشدين معيارا وملاكا لفعلهم وعملهم، فاخرجوا من عقولهم كل ما يمت الى الحديث تدوينا وكتابة ورسمواعليه خط البطلان، حتى آلت الخلافة والحكومة الى عمر بن عبدالعزيز عام 99 ـ 101 هـ.

قام عمر بن عبدالعزيز في مدة خلافته القصيرة ببعض الانجازات الايجابية والمفيدة، منها: انه الغى المنع والحظر عن رواية الحديث وكتابته الذي كان عليه سلفه من الخلفا، وامر بتدوينه.

روى البخاري: ان عمر بن عبدالعزيز كتب الى ابي بكر بن حزم الذي تقلدالقضا ان انظرما كان من سنة او حديث فاني خفت اندراس العلم وذهاب الحديث(1).

تدوين الحديث في عهد عمر بن عبدالعزيز:

يعتقد بعض علماء اهل السنة الذين نقلوا رسالة عمر بن عبدالعزيز المذكورة: ان تاريخ الرسالة هو تاريخ تدوين الحديث حيث بدا التدوين منذ تاريخ امر عمر بن عبدالعزيز اي من السنة الاخيرة من القرن الاول او السنة الاولى من القرن الثاني(2) ولكن العلامة السيد حسن الصدر 1354 هـ. يرد هذه النظرية مستندا الى الشواهدوالمصادر التاريخية فقال: اول من صنف في الحديث الامام مالك لما كتب الموطا بامرمن الخليفة العباسي المنصور 136 185، ثم يذكر العلامة الصدر الادلة التي تؤيد رايه:

1 ـ ان خلافة عمر بن عبدالعزيز لم تتجاوز السنتين وخمسة اشهر.

2 ـ لم يؤرخ زمان صدور امر عمر بن عبدالعزيز هل كان في بداية عهده بالخلافة ام

____________

1- صحيح البخاري 1: 36 كتاب العلم باب كيف يقبض العلم.

2- فتح الباري لابن حجر 1: 157، ارشاد الساري للعسقلاني 1: 7، تدريب الراوي للسيوطي 1: 90.


الصفحة 56
نهايته؟

3 ـ لم ينقل لنا التاريخ بان ابا بكر بن حزم قد امتثل امر الخليفة، اذ لا يوجد مايدل على الامتثال من اثر او كتاب لابن حزم، وما ذكره الحفاظ والمؤرخون تاييدا لهذه النظرية فهو مبني على الحدس والاحتمال.

4 ـ فلو كان صدور الامر في عهد ابن حزم ثابتا وكان تاريخ التدوين للحديث قطعيا لم وقع الاختلاف؟ ولماذا صرح بعض المحدثين والمؤرخين بتاريخ التدوين في اواخر القرن الثاني الهـجري كالحافظ الخبير الذهبي: ان تدوين الحديث وكتابته بدا بعدانقراض وسقوط الدولة الاموية وانتقالها الى بني العباس؟

وكذلك لا يوجد احد من المؤرخين والحفاظ المتقدمين من يؤيد رأي السيوطي وابن حجر(1).

ونقول تاييدا لما قاله العلامة الصدر: ان ابن حجر نفسه يبدي في مؤلفاته الاخرى اقوالا غير مامر، فيقول حينا: ان اول من صنف الربيع بن صبيح(2) وتارة اخرى يقول: اول من دون الحديث ابن شهـاب الزهـري في اواخر القرن الاول امتثالا لامر عمربن عبدالعزيز(3)، وقال قولا آخر: اول من الف الحديث ابن حزم(4).

ويقول محمد فريد وجدي: اول من صنف الحديث هو الامام مالك لما كتب الموطا، وقيل: انه ابن جريج ـ 150 هـ(5).

وادعى الشلبي: ان اول كتاب صنف في الاسلام هو كتاب ابن جريج ثم يضيف:

____________

1- تاسيس الشيعة: 278 279 بتصرف.

2- هدى الساري مقدمة فتح الباري: 4.

3- فتح الباري 1: 218.

4- فتح الباري 1: 157.

5- دائرة معارف القرن العشرين 3: 361 مادة حدث.


الصفحة 57
وقيل: الموطا لمالك، وقيل: اول من صنف وبوب ربيع بن صبيح(1).

وذكر الحافظ الذهبي في حوادث عام 143 هـ: في هذا العصر شرع علم الاسلام في مكة والمدينة بتدوين الحديث(2).

قال الدكتور احمد امين في ضمن البحث عن امر عمر بن عبدالعزيز: كل ما نعلمه انه لم تصل الينا هذه المجموعة، ولم يشر اليها فيما نعلم جامعوا الحديث بعد، ومن اجل هذا شك بعض الباحثين من المستشرقين في هذا الخبر، اذ لو جمع شي من هذا القبيل لكان اهم المراجع لجامعي الحديث، ولكن لا داعي الى هذا الشك، فالخبر يروي لنا ان عمر امر، ولم يرو لنا ان الجمع تم، فلعل موت عمر تم سريعا وعدل ابو بكر عن ان ينفذما امر به(3).

وتلاحظ ايها المطالع ان العلما قد اختلفوا في تاريخ تدوين الحديث، وكذا في اول مؤلف من اهل السنة اختلافا شديدا، واما ثبوت التدوين في عهد عمر بن عبدالعزيز فانه خال من الدليل سوى ما قاله البخاري بهذا الصدد من ان عمر بن عبدالعزيز قد امر بجمع الاحاديث وتدوينها ولكن هل هذا الامر قد امتثل ام لا؟ فالتاريخ بل القرائن والشواهد تثبت عكس ذلك.

وعلى كل حال فان الحديث قد تم تدوينه بعد قرن ونصف قرن من الزمان، وعندئذ خرج من حيز النسيان والانزوا الى حيز المدارسة والكتابة ولما كان المسلمون ينظرون الى التدوين بكونه عملا مخالفا للسنة ومحرما، لذلك فانهم استصعبوه واستثقلوه في بادئ الامر حتى اجبرهم الخلفاء على ذلك.

يقول معمر عن الزهري: كنا نكره كتابة العلم حتى اكرهنا عليه هؤلاء الامرا(4).

____________

1- كشف الظنون 1: 637 باب علم الحديث.

2- دراسات في الكافي والبخاري: 21.

3- ضحى الاسلام 2: 106 107.

4- الطبقات الكبرى 2: 389 ذكر من كان يفتي بالمدينة بعد اصحاب النبي (ص)، جامع بيان العلم 1: 67.