الصفحة 257

دلائل اختلاف القصة:

ان كون هذا الحديث من السخافات الموضوعة هو من اوضح الواضحات، بحيث يغنينا عن البحث والتكلف في جهات الحديث، لان احدى الروايات تقول: ان القصة وقعت في المدينة، فيا ترى ان نبيا عاش في الجزيرة العربية خمسين عاما وعاشر اهلها، ويراهم يلقحون النخيل في كل عام، هل يعقل بمجرد ان هاجر الى يثرب نسي هذا الامر التلقيح؟ ولم يعلم مدى تاثير التلقيح على النخلة ورشدها حتى منع اهل يثرب عن هذا العمل، ولما راى ان المسالة صارت معكوسة ندم على قوله، ثم اعلن للناس انتم اعلم بامور دنياكم؟

لا يخفى ان الغاية من جعل هذا الحديث هي فتح باب المخالفة للنبي (ص) بحيث لو اراد الخلفاء واصحاب السلطة يوما ان يحكموا على خلاف تعاليم النبي (ص) وينقضوا اوامره، فهم يملكون دليلا، ويستدلون على مخالفتهم بان النبي قد ارتكب خطا في مسالة تلقيح النخيل وبعدها قال: انتم اعلم بامور دنياكم.

ومما يجدر ذكره ان هؤلاء عالجوا هذه المسالة بتلبيسها الوجهة العلمية والفنية واسموها بالاجتهاد، وادعوا بان الرسول اذا امر بحكم ولم يكن هذا الحكم في القرآن ولاعلاقة له بالوحي فانه يكون من اجتهاداته (ص) ومخالفة المجتهدين بعضهم بعضا في المسائل العلمية امر عادي ولا يرد عليه اشكال.

واليك اراء علماء العامة في هذا الموضوع:

هل كان الرسول (ص) يتعبد بالاجتهاد؟

قال الامدي: اختلفوا في ان النبي هل كان متعبدا بالاجتهاد فيما لا نص قرآني فيه؟

فقال احمد بن حنبل والقاضي ابو يوسف: انه كان متعبدا، وجوز ذلك الامام الشافعي في رسالته، وبه قال اصحابه والقاضي عبدالجبار وابو الحسين البصري: نعم،

الصفحة 258
كان النبي يتعبد باجتهاده فيما لا نص صريح من القرآن فيه.

ثم يقول الامدي: المختار عندنا جواز ذلك عقلا ووقوعه سماعا(1).

ثم يضيف: ان القائلين بجواز الاجتهاد للنبي (ص) اختلفوا فيما هل يمكن ان يخطأ النبي في اجتهاده ام لا؟

فذهب بعض اصحابنا الى منع وقوع الخطا في اجتهاداته، وذهب اكثر اصحابناوالحنابلة واصحاب الحديث والجبائي وجماعة من المعتزلة الى جواز ذلك(2).

وقال الدكتور موسى توانا(3) في كتابه الاجتهاد ومدى حاجتنا اليه في هذا العصر:

بد الاجتهاد في الاسلام منذ عهد رسول اللّه، فقد كان النبي (ص) يجتهد في الامورالتي لا تتعلق بالرسالة ثم يذكر قصة التلقيح دليلا على ما ذهب اليه.

قال الشيخ محمد عبده: وقد كان الاذن المعاتب عليه اجتهاد منه (ص) فيما لانص فيه من الوحي، وهو جائز وواقع من الانبياء (ع)، وليسوا بمعصومين من الخطا فيه، وان ما العصمة المتفق عليها خاصة بتبليغ الوحي ببيانه والعمل به ويؤيده حديث طلحة في تابير النخل اذ رآهم يلقحونها(4).

وقال المحقق المتكلم الفاضل القوشجي عند ذكره مسالة تحريم عمر للمتعة ومخالفته لحكم رسول اللّه فيها:

واجيب عن ذلك: بان ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه اي عمر فان مخالفة المجتهدلغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع(5).

____________

1- الاحكام في اصول الاحكام 4: 398 المسالة الاولى.

2- المصدر السابق ص 440 المسالة الحادية عشر.

3- وهو من علما العامة ومن الاساتذة الافغان وكتابه المذكور هو رسالته الجامعية طبع من قبل جامعة الازهر بمصر.

4- تفسير المنار 10: 465 466.

5- شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي: 384 فصل الامامة.


الصفحة 259
وقال قاضي القضاة في المغني: ان الرسول (ص) انما يامر بما يتعلق بمصالح الدنيامن الحروب ونحوها عن اجتهاده، وليس بواجب ان يكون ذلك عن وحي، كما يجب في الاحكام الشرعية، وان اجتهـاده يجوز ان يخالف بعد وفاته، وان لم يجز في حياته لان اجتهاده في الحياة اولى من اجتهاد غيره.

ثم ذكر: ان العلة في احتباس عمر عن الجيش حاجة ابي بكر اليه، وقيامه بما لايقوم به غيره وان ذلك احوط للدين من نفوذه(1).

اقول: ذكرنا في فصل هل الرسول كان يجتهد(2)؟ واثبتنا عدم تعبدالنبي (ص) بالاجتهاد واستدللنا على ذلك بالايات المتظافرة، ونقلنا اراء بعض علماء اهل السنة من المحدثين والمفسرين الذين ذهبوا الى ما قلناه بعدم التعبد بالاجتهاد، وان هناك نوعا آخر من الوحي غير الوحي القرآني فكلامه كله وحي الهي.

فعلى هذا فلو حكم النبي (ص) بحكم لم يرد نصه في القرآن الكريم لم يكن دليلاعلى عدم وجود الوحي في الحكم، بل حكمه وحي من النوع الثاني القرآني.

وعلى هذا فكما ان اساس قصة تابير النخل فاقدة الصحة فكذلك عقيدة اولئك العلما من اهل السنة الذين نسبوا الى رسول اللّه التعبد بالاجتهاد وجواز الخطا في اجتهاده تكون باطلة ومردودة، وان التمسك بقصة تابير النخل ذريعة ودليلا لعقيدتهم ليست لها قيمة علمية، كما ان عدم وجود حكم واضح في القرآن ليس دليل على عدم وجود الوحي والحكم الالهي في المسالة.

واما ما ذكره الفاضل القوشجي عن مقولة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب في تحريمه للمتعتين واعتبر مخالفته للرسول مخالفة في مسالة اجتهادية فهو مردودومرفوض ايضا، ولم يقبله اي محقق لبيب، لان هذا القول هو قياس مع الفارق ولا يوجد

____________

1- شرح نهج البلاغة 17: 176.

2- راجع ص: 206.


الصفحة 260
من يقيس الرسول ويقارنه باحد افراد هذه الامة، وقول النبي (ص) هو نفس الحكم الثابت في اللوح المحفوظ: (ان هو الا وحي يوحى علمه شديد القوى)(1) اليس الاجتهاد هورد الفروع على الاصول والاستفادة من الادلة الظنية عن طريق استنباط الحكم الواقعي؟ فهل يبقى للمقايسة بين النبي (ص) وغيره محل؟ فاين الثرى واين الثريا؟

واما ما ادعوه من جواز الاختلاف في الاجتهاد فهذا صحيح اذا اختلف مجتهدان ووقع اجتهاد احدهما في مقابل اجتهاد الاخر واما ان يجتهد احد في مقابل نص الرسول والوحي والقانون الالهي فهذا ليس باجتهاد وسميه بما تشا.

6 ـ النبي (ص) يعاقب من دون ذنب

هذا الحديث هو الاخر من الاحاديث الموضوعة والمختلقة على رسول اللّه (ص)، فهو مروى في كتب العامة كالصحيحين وغيرهما باسانيد ونصوص مختلفة، ويحكي لناهذا الحديث قصة نسبت الى رسول اللّه (ص) ودلست عليه بانه عاقب في اللحظات الاخيره من عمره اناسا ابريا عقابا ملؤه السخرية والهزل.

والقصة اشتهرت بحديث اللدود، وخلاصتها:

انه اشتد المرض بالرسول (ص) في آواخر حياته حتى اغمي عليه وغشي، فتشاورن زوجاته واصحابه ان يصنعوا له دوا وهو عجينة مرة تعطى لمن اصيب بداذات الجنب فاعطوه وهو مغمى عليه، فلما افاق وشعر بمرارة الدوا، حلف يمينا بان يصب الدوا في فم كل من هو حاضر في المجلس عدا عمه العباس.

فاعطوا الحاضرون حتى جاء دور زوجاته، فكانت ميمونة ذاك اليوم صائمة فاصرت على كونها صائمة، ولكن الرسول (ص) لم يلتفت الى قولها واكد اعطاها الدواعم لا ووفاءاً باليمين.

وهذه القصة اخرجها الشيخان في الصحيحين مختصرة ومجملة عن عائشة انها

____________

1- النجم: 4 5.


الصفحة 261
قالت:

لددناه في مرضه فجعل يشير الينا: ان لا تلدوني، فقلنا: كراهية المريض للدوا، فلما افاق قال: الم انهـكم ان تلدوني؟ قلنا: كراهية المريض للدوا، فقال: لا يبقى احد في البيت الا لد وانا انظر الا العباس فانه لم يشهدكم(1).

تحقيق حول الحديث:

لما كانت دراسة جميع الاحاديث التي رويت بشان حديث اللدود على ما احتوت من التفصيل والتطويل سواءاً من حيث النص او السند، خارج عما نحن عليه في هذا الكتاب من الاجمال وعدم الاطناب لذا اقتصرنا على تبيين نصوص هذه الاحاديث والالفاظ الغريبة التي تتضمنها مع الاشارة الى المصادر:

اولا: اول ما يتبادر الى الذهن ويثبت اختلاقية هذه الاحاديث وكذبها هوالتضادوالتناقض بين الفاظها، ونشير هنا فقط الى ثلاثة موارد من هذه التناقضات:

1 ـ متى احس النبي (ص) باللد؟ فاكثر الاحاديث صريحة بانه لما افاق من غشوته على اثر مرارة الدوا عرف بانه قد لد افاق فعرف انه قد لد ووجد اثر اللدود(2).

ولكن حسب مضمون الحديث الذي ذكرناه في بداية هذا الفصل والمروي في الصحيحين عن عائشة بان الرسول عرف بانه يلد قبل ان يعطى الدوا ولذلك اشار بيده ان يمتنعوا من ذلك «فجعل يشير الينا ان لا تلدوني فلما افاق قال: الم انهكم ان تلدوني؟».

2 ـ موقف العباس في القصة: حسب ما يتضمنه الحديث الذي رواه الترمذي

____________

1- صحيح البخاري 6: 17 باب كتاب النبي (ص) الى كسرى وقيصر باب مرض النبي (ص) ووفاته، ج7: 164 كتاب الطب باب اللدود، ج9: 10 كتاب الديات باب اذااصاب قوم من رجل هل يعاقب منهم كلهم، صحيح مسلم 4: 1733 كتاب السلام باب «27» باب كراهة التداوي باللدود ح85.

2- مسند الامام احمد بن حنبل 6: 118.


الصفحة 262
وغيره من علماء العامة بان العباس عم النبي كان ممن صب الدوا بفم النبي (ص) لده العباس واصحابه(1).

ويروي ابن ابي الحديد عن عائشة انها قالت: اغمي على رسول اللّه (ص) والدارمملؤة من النسا، وعندنا عمه العباس بن عبد المطلب فاجمعوا على ان يلدوه فقال العباس: لا الده، فلدوه(2).

ولكن مضمون رواية الصحيحين يفيد بان العباس لم يكن حاضرا وبعد ان لدالنبي (ص) دخل المجلس «الا العب اس فانه لم يشهدكم».

3 ـ من الذي شملته العقوبة: حسب ما نقله الامام احمد بان بعض الصحابة كانوافي المجلس فلدوا حتى جاء دور زوجات النبي (ص)(3).

ولكن هذا الامام احمد نفسه يروي حديثا آخر بانه لم يكن في المجلس ذاك اليوم سوى زوجات النبي ولم يلد غيرهن.

عن العباس انه دخل على رسول اللّه (ص) وعنده زوجاته فاستترن منه الا ميمونة، فقال: لا يبقى في البيت احد شهد اللد الا لد(4).

فهل يمكن تصور الانسجام بين هذا الحكم ومنزلة النبوة؟

اضف الى ما في نصوص الاحاديث من التناقضات الثلاث التي ذكرناها، هذا السؤال الذي يطرح على اصل القصة، وانه هل ان صدور مثل هذا الامر والحكم من رسول اللّه (ص) يتناسب مع منزلة الرسالة والنبوة وشخصية النبي (ص)؟ فظاهر مضامين الاحاديث وصريح منطوق بعضها يدل على ان هذا الامر المؤكد واليمين على لد كل

____________

1- سنن الترمذي 4: 342 كتاب الطب باب 12 باب ما جا في الحجامة ح2053، الفائق للزمخشري 3: 313.

2- شرح نهج البلاغة 13: 31.

3- مسند الامام احمد بن حنبل 6: 118.

4- مسند الامام احمد بن حنبل 1: 209.


الصفحة 263
الحاضرين في المجلس والدار هو رد وجزا للعمل بمثله لقسم رسول اللّه (ص) عقوبة لهم بماصنعوا(1) ويرد على هذا:

اولا: كما اشرنا اليه آنفا ودلت عليه مضامين بعض الاحاديث ان النبي (ص) عرف موضوع اللد بعد ان افاق، فعلى هذا فلم يكن نهي قبل ارتكابهم هذا العمل حتى تتحقق المخالفة ويجزون عقابا على ارتكابه.

ثانيا: وعلى فرض قبول الحديث بان الرسول (ص) كان عالما بانه يلد فاشار اليهم ناهيا اياهم بان يمتنعوا من ذلك، فعملهم ليس بذنب حتى يعاقبون عليه، ويحق له ان يعاقبهم على مخالفتهم له، لان هذه المخالفة مبتنية على اعتقادهم بكراهية المريض للدوا وهذه الكراهية للدوا هو داب كل مريض.

وثالثا: لو سلمنا ان الحاضرين في البيت اجمعوا جميعهم على اللد، ولكن المباشرفي اعطا الدوا للرسول (ص) هو واحد لا الجميع لماذا عاقب النبي الجميع بفعل واحد اواثنين منهم؟ والقرآن صريح في قوله: (لا تزر وازرة وزر اخرى)(2)، وهذا النوع من الحكم يشبه الحكم بقصاص اناس رضوا بالقتل، فهل من عاقل تسمح له نفسه ان يعاقب من عمل بواجبه الشرعي والانساني تجاهه، فاحسن اليه وانقذه من الموت؟ فالجواب حتما لا، فكيف بسيد الانبياء وخاتم المرسلين الذي وصفه ابن حجر: بانه ما اقتص ولا انتقم من احد حتى من عدوه اذا تعدى على حقوقه الخاصة(3).

لقد بينا في الفصلين السابقين ان الغاية من اختلاق ووضع مثل هذه الاحاديث التي مر ذكرها هي تزكية اولئك الذين لعنوا على لسان رسول اللّه (ص) كمن تخلف عن جيش اسامة، وقوله (ص): لا اشبع اللّه بطنه، فجعلوا لعن النبي اياهم فخرا وتزكية ورفعة لمقامهم ورتبهم وصيروا ذلك اللعن اعلى رتبة من الدعا والثنا.

____________

1- شرح نهج البلاغة 13: 32.

2- الانعام: 164.

3- فتح الباري 8: 120.


الصفحة 264
واختلقوا قصة تلقيح النخل التي اصدر فيها الرسول (ص) حكما خطا ثم تدارك خطاه بالندم والتاسف، ليثبتوا اصل الاجتهاد للنبي (ص) وجواز عدم اصابته في اجتهاده ويصححوا شطحات الاخرين بعد وفاة الرسول (ص)، ومخالفتهم للسنة واصولها على انهامخالفة مجتهد لغيره، ولا باس بهذه المخالفة.

واما حديث اللدود فانه وضع توهينا وتطاولا على النبي (ص) بحيث اصبح بعدذلك ذريعة ووسيلة بايدي اعدا الاسلام للنيل من الدين، وبناءاً على هذا فان الدواعي في جعل الحديث كثيرة اهمها اثنان:

الاول: خلق فضائل لبني العباس: كانت سياسة بني العباس واهتمامهم منكب على تمهيد وسائل الخلافة سوا قبل وصولهم للخلافة او بعدها، وهذا الامر يستدعي ان يختلقوا فضائل ومفاخر لذويهم بدوا من عب اس عم النبي (ص) حتى آخرهم، حتى ولوكان هذا الوضع يستوجب تحجيم شخصية النبي والنبوة، كما نراه واضحا في قصة اللدودفسعوا لاثبات فضيلة وكرامة للعباس جدهم، حيث اننا نقرا في جميع احاديث اللدود مع تظافر التناقضات فيما بينها انها قد اتحدت في مسالة واحدة وهي، ان ظاهـرالاحاديث المروية في هذا الباب تدل على ان كل من كان في البيت من الصحابة وزوجات النبي (ص) حتى ميمونة التي كانت صائمة واهل البيت وسبطا الرسول (ع) قدشملتهم العقوبة، لان أمير المؤمنين والزهرا والسبطان (ع) على فرض صحة الحديث كانوافي الدار عند ابيهم رسول اللّه (ص)، وانهـم قد لدوا كرها وبامر من رسول اللّه (ص) والوحيدالذي لم يلد وكان حاضرا واستثني من عقوبة الرسول هو العباس بن عبدالمطلب.

الثاني: تاييد نظرية عمر، الغاية الثانية التي استهدفوها وضاع هذا الحديث المختلق، هي اثبات وتاكيد صحة مقولة الخليفة عمر التي قالها في اللحظات الاخيرة من حياة النبي (ص) ونسبها اليه «انه يهجر»(1)، وارادوا باختلاقهم ذلك تصحيح كلمة عمر بان

____________

1- سنوافيك البحث في هذا الموضوع في فصل الوصية التي لم تكتب.


الصفحة 265
النبي كان يصدر اوامر في اواخر حياته هذيا ومن دون تعق ل، لانه تارة يقول: لدواء الحاضرين في البيت بتلك العجينة المرة وانا انظر اليهم، وتارة اخرى يقول: ائتوني بكتف ودواة لاكتب لكم ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي.

النقيب وحديث اللدود:

ومن العلما الذين نفوا صحة حديث اللدود، وحكم عليه بكونه مختلقاوموضوعا هو ابو جعفر النقيب استاذ ابن ابي الحديد يروي ابن ابي الحديد كلام استاذه مع انه كان مؤيدا للحديث ومخالفا لراي استاذه فيقول: سالت النقيب ابا جعفر عن حديث اللدود، فقلت: الد علي بن ابي طالب ذلك اليوم.

فقال: معاذ اللّه لو كان لد لذكرت عائشة ذلك فيما تذكره وتنعاه عليه قال: وقدكانت فاطمة حاضرة في الدار وابناها معها، افتراها لدت ولد الحسن والحسين؟ ولده من ولده تقربا الى بعض الناس(1).

واما النتيجة: فهذا الذي قراته هو اسطورة حديث اللدود، وتلك هي التناقضات والاختلافات في احاديث اللدود والاسئلة التي ترد على مضامينها، وقرأنا ايضا الغاية من اختلاقهم هذه الاسطورة الخرافية، حتى ان واحدا من محققين العامة صمد في مقابل جميع محدثيهم ومؤرخيهم واعلن اختلاقية وزيف هذه القصة.

ولما كانت هذه الاسطورة الخرافية براي علماء الشيعة وفقهائهم موضوعة ومختلقة، وهي مباينة لعقيدتهم في النبوة، لم يروها احد من محدثيهم ومؤرخيهم، بل انهم لم يتصدوا للرد والجواب عن ذلك، ومروا عليها مرورا غير معتنين بها وتركوها نسيامنسيا خلافا لعلما العامة الذين بذلوا جهودا كثيفة في اثباتها(2).

____________

1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 13: 32.

2- رايت في الاونة الاخيرة ان احد مؤلفي العامة كتب كتابا وسطر فيه بعض الخزعبلات منهاهذه الاسطورة ونمقها بعبارات وكلمات ادبية، وثم حكم على علما الشيعة الذين لم يروون هذه الرواية الاسطورية بانهم ليسوا مطلعين ومضطلعين في المسائل التاريخية، وللاسف ان هذا الحكم والتحكم قد اثر في بعض السذح والغافلين فاتخذوا الموقف السلبي تجاه علماالشيعة.


الصفحة 266

7 ـ النبي ونسيانه بعض ايات القرآن

عن هـشام، عن ابيه، عن عائشة قالت: سمع النبي (ص) رجلا يقرا في المسجدفقال (ص): رحمه اللّه اذكرني كذا وكذا آية اسقطتها في سورة كذا وكذا.

روى هذا الحديث البخاري ومسلم في صحيحيهما(1).

وفي حديث آخر اخرجه الصحيحان ذكرت كلمة انسيتها بدلا عن اسقطتها اي اذكرني تلك الايات التي انسيتها(2).

وهذا من الاكاذيب الواضحة والصريحة التي لا تتناسب والعقل والقرآن والسنة لان النبي ـ حاشاه ـ الذي ينسى ما يوحى اليه من الايات ولم يستطع ان يحفظ معجزة دينه الخالدة، لا شك انه لا يمكن الاعتماد عليه والوثوق به في مجال تبليغ الدعوة، بل لم يكن صالحا لتلقي الوحي والرسالة.

ومن هنا يمكننا ان ندرك مدى خطورة هذا الحديث للطعن على اصل النبوة، ولماكانت هذه المسالة من المواضيع الهامة نفى القرآن صريحا صدور اي غفلة ونسيان من النبي (ص) بقوله: (سنقرئك فلا تنسى)(3) فالاية تنفي صحة الحديث وتنكره، وتثبت ان الرسول حف اظ للقرآن وغير نسا له.

واضف الى هذا ان تخريج مسلم لهذا الحديث في باب الامر بتعهد القرآن وكراهة قول نسيت وتخريجه حديثا قريبا لمضمون عنوان الباب قال رسول اللّه (ص): بئسما

____________

1- صحيح البخاري 3: 225 كتاب الشهادات باب شهادة الاعمى ونكاحه، وج6: 238 كتاب فضائل القرآن باب نسيان القرآن، وج 8: 91 كتاب الدعوات باب قول اللّه وصل عليهم.

2- صحيح البخاري 6: 239 كتاب فضائل القرآن باب نسيان القرآن، صحيح مسلم1: 543 كتاب فضائل القرآن باب «33» باب الامر بتعهد القرآن وكراهة قول نسيت ح225.

3- الاعلى: 6.


الصفحة 267
للرجل ان يقول نسيت سورة كيت وكيت او نسيت آية كيت وكيت(1).

وبناء على هذا فكيف يعقل ان يذم النبي (ص) احدا على شي وهو متصف به؟ اويكره عملا للاخرين ويذمه لهم وهو مبتلى به؟

8 ـ النبي يبول واقفا: نبز تهمة

1 ـ روى البخاري ومسلم عن حذيفة قال: اتى النبي (ص) سباطة قوم خلف حائطفبال قائما(2).

2 ـ ورويا ايضا عن ابي وائل قال: كان ابو موسى الاشعري يشدد في البول ويقول: ان بني اسرائيل كان اذا اصاب ثوب احدهـم قرضه فقال حذيفة: لوددت ان صاحبكم لا يشدد هذا التشديد، فلقد رايتني انا ورسول اللّه (ص) نتماشى، فاتى سباطة، خلف حائطفقام كما يقوم احدكم فبال فانتبذت منه فاشار الي فجئت فقمت عقبه حتى فرغ(3).

مؤدى هـاتين الروايتين اللتين رواهما البخاري ومسلم: ان رسول اللّه ـ حاشاه هومثل الاشخاص السذج الذين آنسوا السنن الجاهلية، ولما يتعرفوا على التعاليم والاداب الاسلامية، وانه كمثل هؤلاء يقف على السباطة خلف الجدران ويبول وهو واقف «قام رسول اللّه كما يقوم احدكم فبال قائما».

اعتراف بقبح هذه التهمة:

اننا في هذا البحث الموجز نغض النظر عن التحقيق والبحث العلمي حول هذه الفرية التي الصقوها برسول اللّه (ص).

____________

1- صحيح مسلم 1: 544 كتاب فضائل القرآن باب «33» باب الامر بتعهد القرآن ح228.

2- مفاد ما ورد في صحيح البخاري 1: 66 كتاب الوضؤ باب البول عند صاحبه والتستربالحائط وباب البول قائما وقاعدا وباب البول عند سباطة قوم، وج3: 177 كتاب المظالم باب الوقوف والبول عند سباطة قوم، صحيح مسلم 1: 228 230 كتاب الطهارة باب «22» باب المسح على الخفين ح73 80.

3- مفاد ما ورد في صحيح البخاري 1: 66 كتاب الوضؤ باب البول عند صاحبه والتستربالحائط وباب البول قائما وقاعدا وباب البول عند سباطة قوم، وج3: 177 كتاب المظالم باب الوقوف والبول عند سباطة قوم، صحيح مسلم 1: 228 230 كتاب الطهارة باب «22» باب المسح على الخفين ح73 80.


الصفحة 268
ولا اريد ان اقول: ان النظافة مسالة فطرية وغريزية مودعة حتى في الحيوانات بحيث تشعر بها بشعورها الذاتي، وانها تسعى عند البول ان لا تتلوث به.

ولا اريد ان اقول: ان النظافة من البول مسالة بديهية يعرفها حتى ابو موسى الاشعري وكان يشدد فيها.

ولا اريد ان اقول: ان مسالة البول عند بني اسرائيل كما حدثنا ابو موسى كانت مهمة للغاية بحيث انهم كانوا يقرضون ثيابهم اذا اصابها بول.

انا نغض النظر عن كل هذه المسائل لان قبح المسالة بديهي، حتى ان علماء العامة وشراح الصحيحين اذعنوا لذلك، واعترفوا بكون هذه المسالة ونسبتها الى النبي هي اهانة واستخفاف بشان النبوة، ولذا عمدوا الى توجيه وتاويل الاحاديث المذكورة، وذكروا لهامعاذير واهية التمسوا عذرا هو اقبح من الذنب.

اعذار اقبح من الفعل:

قال شراح صحيحي مسلم والبخاري في تبريرهم لهذين الحديثين:

1 ـ ان العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما، فلعل كان به (ص) وجع الظهر فتاسى بداب الجاهلية فبال قائما.

2 ـ انه بال قائما لعلة بمابضه اي باطن الركبة بحيث تمنعه من الجلوس.

3 ـ انه لم يجد مكانا للقعود فاضطر الى القيام.

4 ـ البول قائما يحصن الانسان من خروج الحدث من مخرج الغائط، ولكن هذه الحصانة غير مامونة عند الجلوس، ولذا قال عمر: البول قائما احصن للدبر(1)، ولعل النبي بال قائما عملا بهذا الاحتمال.

5 ـ انه (ص) كان يبول قائما احيانا لكي يبقى حكمه الجواز.

____________

1- شرح صحيح مسلم 3: 166.


الصفحة 269
ذكر هذه التبريرات الركيكة شارحو صحيحي البخاري ومسلم كابن حجر في فتح الباري(1)، والقسطلاني في ارشاد الساري(2)، والنووي(3) في شرح صحيح مسلم نقلا عن الخطابي والبيهقي وغيرهما من اهل السنة.

واضاف السيوطي الى هذه الوجوه وجوها اخرى(4).

لم هذه التوجيهات؟

هذه تبريرات مؤيدي البخاري ومسلم وتاويلهم لهاتين الروايتين، وقد عرفت ايها القارئ الكريم هـزال هذه التبريرات وخفتها، انها اعذار اقبح من الذنب، وانها لاشام من نفس التهمة التي الصقوها بالنبي (ص).

واعتقد ان قبول هذه الاحاديث ثم تبريرها وتاويلها بتاويلات فارغة المعنى وسخيفة لم تكن الا لعلتين وسببين:

1 ـ الجهل بمقام النبوة.

2 ـ الاعتقاد الاعمى بصحة كل حديث اورده البخاري ومسلم في صحيحيهماوكما يروي السيوطي: ان البول قياما صار عادة اعتاد عليها المسلمون من العامة في مدينة هرات واحيا لهذه السنة المبتدعة، وعدم مخالفتهم لما جاء في صحيح البخاري ومسلم، تراهم انهم يستنون بهذه السنة فكانوا يبولون عن قيام حتى ولو مرة واحدة في كل عام(5).

ونقل لي احد العلما المعاصرين: ان بعض المسلمين من اهل السنة في العراق اليوم، يبولون قياما تاسيا بهذه الاحاديث الموضوعة.

____________

1- فتح الباري 1: 261 262.

2- ارشاد الساري 1: 293.

3- شرح صحيح مسلم للنووي 3: 165 166.

4- شرح سنن النسائي 1: 19 26.

5- شرح سنن النسائي 1: 19 26.


الصفحة 270

دحض هذه الاباطيل:

فلو كان لهـؤلا ادنى معرفة بالنبوة والرسالة، ولو انهم فرغوا عقولهم من السذاجة والتعصب المفرط، وحسن ظنهم الشديد وتعلقهم بالصحيحين، وتاملوا قليلا فيهما لعرفوا ان هذا الموضوع الذي لفقوه على النبي (ص) ليس فقط لا يتلام ومقام النبوة فحسب، بل انه يشين باي فرد من الافراد ممن له معرفة سطحية بالمعارف الدينية او يكون محترماعند نفسه.

واننا نرفض جميع هذه الروايات الملفقة على النبي (ص) ولا نقول بصحتها ابدا كمايعتقد بان الحديث الصحيح هو كل ما اخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما بل ناخذبالاحاديث الصحيحة التي تروي لنا: كنت مع النبي (ص) في سفر فاتى النبي حاجته فابعدفي المذهب(1)، وانه كان يرتاد لبوله مكانا كما يرتاد منزلا(2).

واننا نقبل الاحاديث التي تقول: مر النبي (ص) على قبرين فقال: انهما ليعذبان ومايعذبان في كبير ثم قال: بلى اما احدهما فكان يسعى بالنميمة، واما احدهما فكان لايستتر من بوله(3).

دواعي وضع هذه الاحاديث:

يبدو ان هناك بين اصحاب النبي (ص) من ترسخت فيه عادات الجاهلية مثل البول قياما فهو لا يستطيع ترك هذه العادة السافلة، وحتى لا يكون مشجوبا عند الناس، ولا

____________

1- سنن الترمذي 1: 31 كتاب الطهارة باب «16» باب ما جا ان النبي (ص) كان اذا ارادالحاجة ابعد في المذهب ح20 وسنن النسائي 1: 18 كتاب الطهارة باب الابعاد عند ارادة الحاجة.

2- سنن الترمذي نفس المصدر.

3- صحيح البخاري 2: 124 كتاب الجنائز باب عذاب القبر من الغيبة والبول، صحيح مسلم1: 240 كتاب الطهارة باب «34» باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبرا منه ح111، سنن ابي داود 1: 6 كتاب الطهارة باب الاستبرا من البول ح20 سنن النسائي 1: 28 كتاب الطهارة باب التنزه عن البول.


الصفحة 271
يحط شانه وشخصيته في الانظار، فلذا تراه يختلق مثل هذه السخافات، ويتهم فيهارسول اللّه بالبول قائما لكي تمكنه ممارسة هذا العمل القبيح ويقلل من قبح عادته المخزية.

وتتجلى لك حقيقة قولنا اذا راجعت وتمعنت في الروايات المروية في كتب العامة المعتبرة.

اخرج ابن ماجة في سننه: وكان من شان العرب البول قائما(1).

وخرج مالك في الموطا عن عبداللّه بن دينار قال: رايت عبداللّه بن عمر يبول قائما(2).

وحول تبول الخليفة عمر قائما ورد حديثان:

1 ـ عن ابن عمر، عن عمر قال: رآني النبي (ص) وانا ابول قائما فقال: يا عمر لا تبل قائما، فما بلت قائما بعده(3).

2 ـ وعن ابن عمر قال عمر: ما بلت قائما مذ اسلمت(4).

ونجد ان الراوي الوحيد الذي حدث وروى حديثا في البول قائما هو عمر بن الخطاب الذي روى حديثا وبين فيه الحكمة والفلسفة للبول في حال القيام فقال: البول قائما احفظ للدبر(5).

وعلى اي حال فان كلام عبداللّه بن دينار في ابن عمر وكذا نفي موضوع التبول في حالة القيام عن الخليفة عمر بن الخطاب ونسبته الى رسول اللّه (ص) فلسفة عمر في هذا

____________

1- سنن ابن ماجة 1: 112، كتاب الطهارة باب «14» باب في البول قاعدا ذيل ح309.

2- موطا مالك 1: 65 كتاب الطهارة باب «31» باب ما جا في البول قائما وغيره ح 112.

3- سنن الترمذي 1: 17 كتاب الطهارة باب «8» باب ما جا في النهي عن البول قائما ح12، وسنن ابن ماجة 1: 112 كتاب الطهارة باب «14» باب في البول قاعدا ح308.

4- سنن الترمذي 1: 18 كتاب الطهارة باب «8» باب ما جا في النهي عن البول قائما ح12.

5- فتح الباري 1: 262، ارشاد الساري 1: 277 و شرح صحيح مسلم 3: 165.