الصفحة 321


الفصل الثامن
الخلافة في الصحيحين





الصفحة 322

الصفحة 323

قال أمير المؤمنين الامام علي (ع):

زرعوا الفجور، وسقوه الغرور، وحصدوا الثبور، لايقاس بل محمد (ص) من هذه الامة احد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه ابدا، هم اساس الدين، وعماد اليقين، اليهم يفي الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة، الان اذ رجع الحق الى اهله ونقل الى منتقله(1).


منهج البحث وهدفه


يبدو جليا من عنوان الفصل ان المواضيع التي سنطرحها ونبحثها في هذه الصفحات وما بعدها، هي الاحاديث والروايات التي اخرجها الشيخان البخاري ومسلم في ابواب عديدة من صحيحيهما حول مسالة الخلافة.

والهدف الوحيد في هذا الفصل هو نقل الاحاديث فقط، وليس دراسة اصل مسالة الخلافة.

وبعبارة اخرى: ان كتابنا هذا ليس من نوع الكتب الكلامية، ولسنا بصدد دراسة مسالة الخلافة والاستدلال فيها على اثبات صحة عقيدة فئة معينة او رد ونقد عقيدة مذهب آخر، بل غايتنا الوحيدة هي تخريج الاحاديث المروية في الخلافة ونقلها، خاصة الاحاديث التي رويت في اهم مصادر اهل السنة والجماعة واوثقها واصحها عندهم، يعني صحيحي البخاري ومسلم.

وبنا على هذا، فانا لا نرى انفسنا ملزمين باستعراض كل الجزئيات والحقائق التاريخية ولو كانت تتعلق بهذه الاحاديث، وكذا لم نكن ملزمين بالرد والنقد والدراسة العميقة في جوانب هذا الموضوع، لان هذا النوع من البحث خارج عن نطاق ما نحن فيه،

____________

1- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 1: 138.


الصفحة 324
وانه يحتاج الى كتاب مستقل، وقد كتب في هذا الموضوع كتب كثيرة واما لو ذكرنا بعض المقتطفات في بعض الموارد فانها لم تكن الا لبيان وتوضيح مضامين ومفاهيم الاحاديث وبلورتها.

اسئلة حول الخلافة:

تعتبر مسالة الخلافة من اهم المسائل الدينية التي وقع فيها الاختلاف بين المسلمين، ولم يكن هذا الاختلاف وليد عصور متاخرة نحو قرن او قرنين بل انه نشا منذان التحق الرسول (ص) بالرفيق الاعلى وغربت شمس النبوة.

قال الشهرستاني: واعظم خلاف بين الامة خلاف الامامة، اذ ما سل سيف في الاسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الامامة في كل زمان(1).

فنحن الان لسنا بصدد معرفة كيفية نشؤ هذا الاختلاف وتاريخه، ولكنناوكمقدمة للاحاديث التي سنخرجها هنا نطرح تساؤلات ثلاثة:

1 ـ لقد بين اللّه عزوجل ورسوله (ص) للمسلمين الاحكام التي تخص جميع القضايا، الجزئية منها والكلية، نحو القصاص والتعزيرات، وحكام حرمة حقوق الاخرين واموالهم، واحكاما في النظر الى الاجنبية ولو نظرة واحدة، واحكام الغيبة ولو بكلمة وبحيث ان هذه الاحكام على كثرتها والتي تتجاوز العد والحصر تنقسم الى الواجب والحرام، والمندوب والمكروه.

فعلى هذا: فهل يعقل ان اللّه ورسوله (ص) لم يتعرضا لتبيين مسائل الامامة والخلافة التي تعتبر من اهم المواضيع الاسلامية؟

فلو ان اللّه والرسول (ص) قد جعلا حل هذه المسالة المهمة بعهدة المسلمين انفسهم، فلماذا لم يفعلا ذلك بالنسبة الى المسائل الجزئية والفرعية وبينا احكامها؟

فلو كان الاغماض والاهمال في بيان ابسط المسائل الجزئية مثل الحلق والتقصير

____________

1- الملل والنحل: 30.


الصفحة 325
في الحج، او آداب التخلي والاستنجاء، او آداب النكاح وغيرها غير جائز حسب ماتقتضيه قاعدة اللطف فهل يجوز لهما الاغماض والسكوت في مسالة مهمة كهذه؟

فاذا كان الجواب: لا فهل عينا احدا لتصدي هذه المرتبة والمنصب؟ وما هي مواصفاته؟

2 ـ يطلعنا التاريخ وسيرة النبي (ص) وكذا يستفاد من آيات الذكر الحكيم والاحاديث، ان المسلمين في الصدر الاول من تاريخ الاسلام كانوا يسالون النبي (ص) عن كل شي من احكام دينهم، ويرجعون اليه في تفسير الايات وبيانها، ويلجاون اليه في كل صغيرة وكبيرة، فيستفتون فيها منه حتى في العلل والامراض كانوايطلبون دوا دائهم من النبي (ص)(1).

فعندئذ يتبادر الى الذهن سؤال: هل يتصور ان احدا من المسلمين واصحاب رسول اللّه (ص) لم يخطر على باله في تلك المدة التي عاش الرسول (ص) بينهم ثلاثة وعشرين سنة ان يسال النبي عن مسالة الخلافة ومن يكون الامام والخليفة من بعده (ص)؟ هذا مع انهم على علم بان الرسول (ص) بشر ولابد انه سوف يرحل عنهم الى جوار ربه، وقد سمعوا منه يرتل عليهم (انك ميت وانهم ميتون)(2) و(وما محمد الا

____________

1- اخرج الترمذي ومسلم حديثا بما يناسب التطبيب وطلب الناس دوا مرضهم من رسول اللّه (ص) قال ابو سعيد: جا رجل الى النبي (ص) فقال: ان اخي استطلق بطنه فقال: اسقه عسلا.

فسقاه ثم جا، فقال: يا رسول اللّه قد سقيته عسلا فلم يزده الا استطلاقا فقال رسول اللّه (ص):

اسقه عسلا، فسقاه، ثم جاه فقال: يا رسول اللّه قد سقيته عسلا فلم يزده الااستطلاقا قال: فقال رسول اللّه (ص): صدق اللّه وكذب بطن اخيك اسقه عسلا، فسقاه عسلا فبرا.

سنن الترمذي 4: 356 كتاب الطب باب «31» باب ما جا في التداوي بالعسل ح2082، صحيح البخاري 7: 159 كتاب الطب باب الدوا بالعسل، صحيح مسلم 4: 1736كتاب السلام باب «31» باب التداوي بسقي العسل ح91.

2- الزمر: 30.


الصفحة 326
رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم)(1).

وانهـم كانوا يعلمون ان مسالة الخلافة والامامة ترتبط بمصيرهم وحياتهم الدنيوية والاخروية، وهي تماما كمسالة النبوة، لها آثارها في جميع الامور، فهل يعقل ان احدا لم يسال النبي (ص) عن ذلك؟

3 ـ قال اللّه تعالى بشان كتابة الوصية وضرورتها: (كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والا قربين بالمعروف حقا على المتقين)(2).

وقال رسول اللّه (ص): ما حق امرئ مسلم، له شي يوصي فيه، يبيت ليلتين، الا ووصيته مكتوبة عنده(3).

ويقول عبداللّه بن عمر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول اللّه (ص) قال ذلك الا وعندي وصيتي(4).

اذن، فكيف يسوغ للنبي (ص) ان يكون هو اول من يحيد عن امر اللّه الذي انزل عليه مؤكدا لزومه ووجوبه، ويترك العمل بما اوجبه هو على المسلمين بالنسبة الى موضوع كتابة الوصية، بينما تراه انه احوج الناس الى كتابة الوصية؟

وهل هناك احد من المسلمين تكون تركته وارامله وايتامه اكثر مما تركه وخلفه

____________

1- آل عمران: 144.

2- البقرة: 180.

3- صحيح البخاري 4: 2 كتاب الوصايا، صحيح مسلم 3: 1249 كتاب الوصية ح1، مسنداحمد بن حنبل 2: 2 و4 و57 و80، سنن ابي داود 3: 112 كتاب الوصايا باب ما جا في مايؤمر به من الوصية ح2862، سنن الدارمي 2: 495 كتاب الوصايا باب «1» باب من استحب الوصية ح3175، سنن النسائي 6: 239 كتاب الوصايا باب الكراهية في تاخيرالوصية، سنن الترمذي 4: 375 كتاب الوصايا باب «3» باب ما جا في الحث على الوصية ح2118، سنن ابن ماجة 2: 901 كتاب الوصايا باب «2» باب الحث على الوصية ح2699.

4- صحيح مسلم 3: 1250 كتاب الوصية ح4.


الصفحة 327
رسول اللّه (ص) من التركة والايتام والارامل؟

فهل يمكن للعقل والضمير البشري ان يتصور ان رسول اللّه (ص) خلف ما تركه وراه من التركة التعاليم الدينية والاصول الاسلامية من دون تولية عليها، وانه ودع ايتامه وارامله جميع الناس من دون ان ينصب لهم قيما ووليا؟ ومن المستحيلات ان هذه المسالة لم تخطر بباله قط.

وفضلا عن حكم العقل والوجدان فان الشواهد التاريخية صريحة بان الرسول (ص) لم يدع امرا حتى وان كان جزئيا الا وعين فيه من ينوب عنه، ويقوم مقامه اذاعارضه امر ما، كما ثبت ذلك من خلال تعيينه قادة العسكر وثبت في التاريخ ايضا انه (ص) قد اوصى الى أمير المؤمنين الامام على (ع) ان يباشر تغسيله وتكفينه وقضا ديونه، الشخصية، بينما هذه من الامور الجزئية والبسيطة التي لم تفته فكيف تغيب عنه الوصية في امر الخلافة والامامة التي هي من اهم المسائل والقضايا المصيرية؟

والجواب على هذا التساؤل من وجهة نظر الشيعة فهو في غاية اليسر والسهولة، ولا حاجة عندهم على الاستدلال عليها والاحتجاج فيها الى ادنى تكلف وتعب.

لان الشيعة يعتقدون بان موضوع الخلافة لم يغب حتى للحظة واحدة عن ذهن الناس الا وقد سالوا عنه رسول اللّه (ص)، ولم يكن الوصي مبهما لديهم لما كان اللّه عزوجل ورسوله يبينا بين آن وآخر، منذ ان بعث اللّه محمدا (ص) بالنبوة، وامره بان يعلن الرسالة على ملا، حمله مسؤولية تبليغ الخلافة ونصب الخليفة، ولم يدع رسول اللّه (ص) في تبليغ ‌هذا الامر مجالا للابهام والايهام عند الناس، فبينه بابلغ وجه، فما مر عليه موقف الا وتطرق الى الخلافة واخبر الناس عمن يتولى هذا المنصب من بعده.

يروي ابن الاثير: لما نزل قوله تعالى (وانذر عشيرتك الا قربين)(1) في اول البعثة دعا اقرباه من بني عبدالمطلب واعمامه الى مادبة اقامها لهم، وما ان فرغوا منها، ورام

____________

1- الشعراء: 214.


الصفحة 328
النبي (ص) ان يتكلم حتى ابتدره ابو لهب وغالط في الكلام، فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي (ص)، وفي اليوم الثاني صنع ما صنع بالامس ولكن اسرع النبي (ص) في الكلام واوضح لهم مسالة الوحي والبعثة وقال: وقد امرني اللّه تعالى ان ادعوكم اليه، فايكم يؤازرني على هذا الامر على ان يكون اخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فاحجم القوم، واعادها النبي ثلاثا، وفي كل مرة كان علي (ع) يقوم ويقول: انا يا نبي اللّه ثم قال (ص): ان هذا اخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا.

فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب: قد امرك ان تسمع لابنك وتطيع ويقولون: انا لم نقبله نبيا فيجعل لنا وصيا(1).

وفي آخر سنين حياته وعندما كان النبي (ص) عائدا من آخر سفر للحج الى المدينة، وصل الى تلك البقعة الحارة المسماة بغدير خم امرالحجاج ان يمكثوا فيها، فعادالمتقدمون اليه، والتحق المتاخرون به، فقام واقفا آخذا بيد علي (ع) ليعلن للجمع: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه».

وهـكذا عند ما كان مستلقيا على فراش الموت، ويتنفس الانفاس الاخيرة من حياته وقد تصبب عرق الموت من جبينه، تراه في هذه اللحظات ايضا لم ينس قضية الخلافة ومستقبل دينه والشريعة التي جاء بها، ومصير امته التي قاسى الامرين في سبيل هدايتها، فكل هذه الامور قد تجسدت امامه ولذلك امر الحاضرين قائلا: ائتوني بكتف ودواة اكتب لكم ما لم تضلوا بعده ابدا.

وشوهـد احيانا وهو على المنبر يقول: اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا.

واحيانا تسمع منه وهو يعلن عن خلفائه ويعددهم قائلا: الخلفاء بعدي اثنا عشر.

واحيانا اخرى يذكر الناس بالايات التي نزلت بشان اوصيائه ويخاطب عليا

____________

1- الكامل في التاريخ لابن اثير 2: 62 63، تاريخ الطبري 2: 319 321.


الصفحة 329
يقول: يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي.

وترى احيانا اخرى ينوه بالبدع والتحريفات التي ستظهر من بعده ويبرز اسفه وتاثره من هذه الوقائع التي ستحدث بعد وفاته بد بالتحريف في اصل الخلافة الذي هواساس كل البدع والتحريفات وجذور الضلالات.

ولكن الحكومات التي تعاقبت الواحدة تلو الاخرى في غضون الاربعة عشر قرنا، سعت واجتهدت بكل قواهـا في طمس الحقائق، واظهارها بصورة غير التي كانت عليها، ولكن يمكن معرفة هذه الحقائق التي تعتقد بها الشيعة من خلال بعض زوايا الاحاديث المروية في صحيحي البخاري ومسلم اللذين يعتبران اهم مصدرين من مصادر العامة ولهذا السبب قد جعلناهما مرتكز بحثنا ودراستنا.

وهـاك ايهـا القارئ الكريم باقة من الاحاديث التي انفلتت من مؤلفي الصحيحين في بيان فضائل اهل البيت (ع) اقتطفناها من الصحيحين ومن ثم نعقب بذكر الصفات التي لابد وان تتوفر في من يخلف النبي (ص) مما ورد في هذين الكتابين.


الصفحة 330

فضائل اهل البيت (ع) في الصحيحين


1 ـ آية التطهير:

قالت عائشة: خرج النبي (ص) غداة وعليه مرط كسا مرحل من شعر اسود، فجاء الحسن بن علي فادخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فادخلها، ثم جاعلي فادخله.

ثم قال: (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)(1)(2).

وقد ورد هذا الحديث متواترا في مصادر اهل السنة والمجاميع الحديثية والتفسيرية فضلا عن صحيح مسلم، ونزول هذه الاية في شان رسول اللّه (ص) وعترته اهل بيته (ع) ليس محل نقاش وترديد، وقد اشرنا فيما سبق في فصل الرسول في القرآن والسنة الى بعض المصادر والمجاميع السنية وقلنا: ان هذه الاية الكريمة صريحة في عصمة اهل البيت (ع) من جميع الذنوب وانهم مطهرون من الرجس والمعاصي، صغيرهاوكبيرها.

وذكرنا كذلك بان الاية الكريمة تدل دلالة تامة على نفي ارتكابهم المعصية حتى في حالة السهو ومن غير القصد، لان السهو والخطا وان كان يرفع الحكم التكليفي والعقاب عن مرتكبه الا انه لا يرفع قبح الرجس والحرام ولا يدفع الاثر الوضعي المترتب عليه(3).

____________

1- الاحزاب: 33.

2- صحيح مسلم 4: 1883 كتاب الفضائل باب «9» باب فضائل اهل بيت النبي (ع) ح61.

3- راجع ص.


الصفحة 331

2 ـ آية المباهلة:

اخرج مسلم باسناده عن عامر بن سعد بن ابي وقاص، عن ابيه قال: امر معاوية بن ابي سفيان سعدا فقال: ما منعك ان تسب ابا تراب؟

فقال: اما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول اللّه (ص) فلن اسبه، لان تكون لي واحدة منهن احب الي من حمر النعم.

سمعت رسول اللّه (ص) يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له علي (ع): يارسول اللّه خلفتني مع النسا والصبيان؟ فقال له رسول اللّه (ص): اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبوة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر: لاعطين الراية رجلا يحب اللّه ورسوله ويحبه اللّه ورسوله.

قال: فتطاولنا لها فقال: ادعوا لي عليا فاتي به ارمد فبصق في عينه ودفع الراية اليه ففتح اللّه عليه.

ولما نزلت هذه الاية (فقل تعالوا ندع ابنانا وابناكم) دعا رسول اللّه (ص) علياوفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء اهلي(1).

3 ـ حديث يوم الغدير:

حدثني يزيد بن حيان قال: انطلقت انا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم الى زيدابن ارقم، فلما جلسنا اليه، قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رايت رسول اللّه (ص) وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنايا زيد ما سمعت من رسول اللّه (ص).

قال: يا ابن اخي واللّه لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت اعي

____________

1- صحيح مسلم4: 1871 كتاب فضائل الصحابة باب «4» باب فضائل علي بن ابي طالب (ع) ح32.


الصفحة 332
من رسول اللّه (ص)، فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا، فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول اللّه (ص) يوما فينا خطيبا بما يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمداللّه واثنى عليه ووعظوذكر ثم قال: اما بعد، الا ايها الناس فانما انا بشر يوشك ان ياتي رسول ربي فاجيب، واناتارك فيكم ثقلين: اولهما كتاب اللّه فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اللّه واستمسكوا به، فحث على كتاب اللّه ورغب فيه، ثم قال: واهل بيتي اذكركم اللّه في اهل بيتي، اذكركم اللّه في اهل بيتي، اذكركم اللّه في اهل بيتي.

فقال له حصين: ومن اهل بيته يا زيد؟ اليس نساه من اهل بيته؟

قال: نساؤه من اهل بيته، ولكن اهل بيته من حرم الصدقة بعده قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.

قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم(1).

اقول: اخرج مسلم هذا الحديث في صحيحه باسانيد متعددة، ولكنه اسقطالشق الاخير منه، الذي يختص بقصة الغدير المختصة بأمير المؤمنين الامام علي (ع)، بينمازيد بن ارقم هو من جملة المئات من رواة حديث الغدير يقول: ثم قام فاخذ بيد علي (ع) فقال: يا ايها الناس من اولى بكم من انفسكم؟ قالوا: اللّه ورسوله اعلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه(2).

ولا يخفى ان زيد بن ارقم عندما حدث بهذا الحديث، فقد حرف المفهوم الصحيح والواقعي لاهل البيت (ع) وادخل فيهم آل عقيل وآل جعفر وآل عباس، بينما الحديثان اللذان نقلناهما ذيل آية التطهير وآية المباهلة نرى ان رسول اللّه (ص) قد عرف اهل البيت (ع) بحيث لم يجعل مجالا لزيد بن ارقم واشباهه ان يبدوا رايهم الخاص وحسب

____________

1- صحيح مسلم 4: 1873 كتاب فضائل الصحابة باب «4» باب فضائل على بن ابي طالب (ع) ح36.

2- مستدرك الصحيحين 3: 533 كتاب معرفة الصحابة ذكر زيد بن الارقم الانصاري، مسندالامام احمد بن حنبل 4: 372 نقلاهما عن زيد بن ارقم.


الصفحة 333
اهوائهم.

العصبية العمياء:

ان موضوع غديرخم وحديث الثقلين من الامور والقضايا التي ورد ذكرهابالتفصيل في كتب اهل السنة ومصادرهم، وفي المئات من كتب محدثيهم ومؤرخيهم ومفسريهم وباسانيد متعددة، ولكن البخاري ومسلم وكما اشرنا سابقا في الجز الاول من هذا الكتاب ثقل عليهما تخريج امهات فضائل الامام علي (ع) واشهرها مثل هذا الحديث وذلك لتعصبهما المفرط، وهذا المقدار الذي اخرجه مسلم في صحيحه من حديث الغدير محرفا وناقصا انما هو جز ضئيل من واقعة الغدير التاريخية.

وبهذه المناسبة نورد ما ذكره ابو حامد الغزالي: اجمع جمهور العلما على ان قول النبي (ص): من كنت مولاه فعلي مولاه، وكذا قول عمر لعلي: بخ بخ لك يا أمير المؤمنين اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فهذا يعني تسليم ورضا وتحكيم، ثم بعد هذاغلب الهوى لحب الرئاسة وحمل عمود الخلافة وعقود النبوة وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول وفتح الامصار وسقاهـم كاس الهوى، فعادوا الى الخلاف الاول فنبذوه ورا ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا(1).

4 ـ اهل البيت (ع) قرناء الرسول (ص):

دلت روايات متواترة من كتب اهل السنة والجماعة، ان رسول اللّه (ص) امرالمسلمين بان يصلوا على اهل بيته وعترته (ع) ويجعلونهم قرناء له، اذا ارادوا ان يصلواعليه (ص) ويسلموا عليه، واذا قصدوا تكريم النبي وتعظيمه يجب عليهم ان يقرنوا اهل بيته (ع) معه (ص) ولم يفرقوا بينه وبين عترته.

واليك ما اخرجه الصحيحان بهذه المناسبة:

1 ـ حدثنا الحكم قال: سمعت عبدالرحمان بن ابي ليلى قال: لقيني كعب بن

____________

1- سر العالمين: 21.


الصفحة 334
عجرة، فقال: الا اهدي لك هدية؟ ان النبي (ص) خرج علينا فقلنا: يا رسول اللّه لقد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟

فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم انك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل ابراهيم انك حميد مجيد(1).

2 ـ اخرج البخاري في صحيحه حديثا آخر قريبا من هذا المعنى عن ابي سعيدالخدري(2).

3 ـ واخرج مسلم ايضا باسناده عن ابي مسعود الانصاري قال: اتانا رسول اللّه (ص) ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد: امرنا اللّه عزوجل ان نصلي عليك يا رسول اللّه (ص) فكيف نصلي عليك؟

قال: فسكت رسول اللّه (ص) حتى تمنينا انه لم يساله.

ثم قال رسول اللّه (ص): قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل ابراهيم في العالمين انك حميد مجيد، والسلام كما علمتم(3).

اقول: ثمة العشرات من الاحاديث رويت في صحاح اهل السنة ومسانيدهم وتفاسيرهم واكملهن جمعا تفسير الدر المنثور تعلم المسلمين كيفية الصلاة على النبي (ص) والتسليم عليه، وتامرهم ان يجعلوا اهل بيته (ع) قرناء له في الصلاة(4).

____________

1- صحيح البخاري 8: 95 كتاب الدعوات باب الصلاة على النبي (ص)، وج6: 151 كتاب التفسير باب تفسير سورة الاحزاب، وج4: 172 كتاب بد الخلق باب يزفون النسلان في المشي، صحيح مسلم 1: 305 كتاب الصلاة باب «17» باب الصلاة على النبي (ص) ح66.

2- صحيح البخاري 6: 151 كتاب التفسير باب تفسير سورة الاحزاب.

3- صحيح مسلم 1: 305 كتاب الصلاة باب «17» باب الصلاة على النبي (ص) ح66.

4- الدر المنثور للسيوطي 5: 215.


الصفحة 335
ولكن ما ان توفي الرسول (ص) حتى راحوا يسترون ويعتمون على نقل مناقب آل الرسول (ع) وذلك حسب ما كانت تقتضيه سياستهم آنذاك، ولذلك بادروا الى ترك الصلاة على العترة (ع)، وعمدوا شيئا فشيئا الى الاكتفا باسم الرسول (ص) والصلاة البتراوالناقصة، واليوم كذلك نرى سيرة السلف تتبع، ومع ان هذه الاحاديث نصب اعينهم، وملئت كتبهم منها، تراهم يخالفون امر الرسول ويتبعون اباهـم واسلافهم عوضا عن اتباع الرسول (ع) (واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل اللّه قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آبانا او لو كان الشيطان يدعوهم الى عذاب السعير)(1).

5 ـ الائمة الاثنا عشر (ع):

وردت في كتب اهل السنة احاديث حول الائمة الاثني عشر (ع) والامام المهدي (عج) واوصافه، نقلا عن النبى (ص)، ولما كانت الاحاديث في هذا الموضوع متواترة ومستفيضة، عمد بعض علمائهم الى تعيين بابا خاصا لذكره، والبعض الاخر الف بهذه المناسبة كتابا مستقلا.

ونورد اليك طرفا من هذه الاحاديث التي اخرجها الشيخان في صحيحيهما:

1 ـ عن عبدالملك: سمعت جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللّه (ص) يقول: يكون بعدي اثنا عشر اميرا فقال كلمة لم اسمعها فقال ابي: انه قال: كلهم من قريش(2).

اخرجه مسلم ايضا في جامعه بثمانية اسانيد مختلفة(3) وورد في احدها:

وعن جابر بن سمرة قال: انطلقت الى رسول اللّه (ص) ومعي ابي فسمعته يقول: لايزال هذا الدين عزيزا منيعا الى اثني عشر خليفة فقال كلمة صمنيها الناس فقلت لابي: ماقال؟ قال: كلهم من قريش(4).

____________

1- لقمان: 21.

2- صحيح البخاري 9: 101 كتاب الاحكام باب الاستخلاف.

3- صحيح مسلم 3: 1451 كتاب الامارة باب «1» باب الناس تبع لقريش.

4- صحيح مسلم 3: 1453 كتاب الامارة باب «1» باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ح9.