تقول عائشة:
قدم رسول اللّه (ص) لاربع مضين من ذي الحجة او خمس، فدخل علي وهوغضبان فقلت: من اغضبك يا رسول اللّه قال (ص): او ما شعرت اني امرت الناس بامر فاذا هم يترددون(1).
تحريم حج التمتع:
اشرنا في ما سبق ان هذا التشريع الذي ثبت وجوبه بالنص من الكتاب والسنة، قدعمل به المسلمون في عهد الرسول (ص) وعهد الخليفة ابي بكر الصديق الذي دام سنتان كما كان في عهد النبي (ص)، ولكن لما استخلف الخليفة عمر بن الخطاب منع من حج التمتع، ونهى عنه، وشدد في تحريمه، واغلظ عليه وهدد مخالفيه القائلين بوجوب التمتع باشد المجازاة.
ونقل اصحاب الصحاح والسنن والمسانيد والتاريخ والتراجم روايات متواترة في كتبهم هذا المنع والتحريم، ونكتفي بذكر طرفا منها مما اخرجه الصحيحان.
قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه(2) يعني متعة الحج وامرنابها رسول اللّه (ص) ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج، ولم ينه عنه رسول اللّه (ص) حتى مات، قال رجل برايه ما شاء(3).
عن ابي نظرة قال: كنت عند جابر بن عبداللّه، فاتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبيراختلفا في المتعتين متعة الحج ومتعة النسا فقال جابر: فعلناهما مع رسول
____________
1- صحيح مسلم 2: 879 كتاب الحج باب «17» باب بيان وجوه الاحرام ح130.
2- البقرة: 196.
3- صحيح مسلم 2: 900 كتاب الحج باب «23» باب جواز التمتع ح172، صحيح البخاري2: 176 كتاب الحج باب التمتع، وج 5: 204 كتاب المغازي باب بعث ابي موسى الى اليمن.
وعن مطرف قال: بعث الي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال: اني كنت محدثك باحاديث، لعل اللّه ان ينفعك بها بعدي، فان عشت فاكتم عني، وان مت فحدث بها ان شئت، انه قد سلم علي، واعلم ان نبي اللّه (ص) قد جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب اللّه ولم ينه عنها نبي اللّه (ص).
قال رجل فيها برايه ما شاء(2).
اقول: حسبك لما في هذا الحديث من تحريم الخليفة عمر لمتعة الحج ونهيه اياها، فان فيه ايضا حقيقتين مهمتين لابد من الاشارة اليهما:
1 ـ ان عمران بن حصين اخبر مطرف احاديث ومسائل كثيرة مما كان مكرهاعلى اخفائها في هذه المدة، وامتنع من اعلانها حتى دنت السويعات الاخيرة من حياته، ولكن لم يذكر في الحديث من تلك المسائل الكثيرة سوى مسالة التمتع في الحج وباقي المسائل ظلت منسية.
2 ـ ان وصية عمران الى مطرف فيها تاكيد وتصريح على ان الاشخاص قد سلبت عنهم حرياتهم، وكانوا ممنوعين عن كشف الحقائق وبيانها ورواية المطالب الحقة وفي قبال هذا فانهم كانوا ملزمين ومكرهين على ان يكرروا ما تهواه الهيئة الحاكمة، ولايبدون عكس ذلك ابدا، ويكتموا الحقائق حفظا لمصالح الخلفا، ولذلك تسمع عمران بن حصين يقول: ان عشت فاكتم عني، وان مت فحدث بها ان شئت، انه قد سلم علي.
وذكر المؤرخون والمحدثون والمفسرون في كتبهم ان عمر بن الخطاب خطب الناس ذات يوم، فقال وهو على المنبر بكل صراحة:
متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (ص) وانا انهى عنهما واعاقب عليهما، متعة الحج
____________
1- صحيح مسلم 2: 1023 كتاب النكاح باب «3» باب نكاح المتعة ح17.
2- صحيح مسلم 2: 899 كتاب الحج باب «23» باب جواز التمتع ح168.
ولكن الامام احمد بن حنبل كما هو دابه في الاسقاط والتقطيع جملة «وانا انهى عنهما»(2).
علل تحريم عمر متعة الحج:
قد يتبادر سؤال الى ذهن القارئ العزيز عن السبب والداعي الى تحريم متعة الحج والنهي عنه خاصة بعد وفاة النبي (ص)، وما هي الغاية من هذا الفعل والهدف من المنع؟
والاجابة على هذا السؤال تكمن في مضامين الاحاديث التي اخرجها الصحيحان وغيرهما من الكتب المعتبرة عند اهل السنة والجماعة.
لان البحث والتحقيق في هذه المصادر المعتبرة والموثوقة تكشف لنا بان الغاية من هذه المخالفة لامر القرآن والسنة النبوية، وتحريم ما كان حلالا مثل حج التمتع لم تكن الا بسبب تلك الكلمة التي تفوه بها بعض المسلمين عندما استكبروا حين نزوله فاغضبوا بها رسول اللّه وآذوه، وعللوا تحريمهم فيما بعد بان قالوا: اننطلق ومذاكيرنا تقطرمنيا وشبعوا مخالفتهم العلل السخيفة الناجمة من سوابقهم الذهنية والمعهودة من العهدالجاهلي.
نعم، هذه الاهداف والتوجيهات هي التي كانت سببا في تحريمهم لحج التمتع بعدوفاة الرسول، والتي جعلتهم يعارضون نص القرآن ويخالفون امر الرسول (ص) الصريح الذي اراد بتشريعه هذا الحكم محو احدى العادات والسنن الجاهلية.
وهذا التعليل الباطل ورد بالتفصيل في صحيح مسلم واكثر مصادر اهل السنة.
منها: عن ابراهيم بن ابي موسى، عن ابي موسى انه كان يفتي بالمتعة فقال له
____________
1- احكام القرآن 2: 152، تفسير القرطبي 2: 392، كنز العمال 16: 519 ح 45715 و ص 521 ح 45722، شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي: المقصد الخامس في الامامة 386.
2- احكام القرآن 2: 152، تفسير القرطبي 2: 392، كنز العمال 16: 519 ح 45715 و ص 521 ح 45722، شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي: المقصد الخامس في الامامة 386.
قال احد المحشين على صحيح مسلم في بيان وتوضيح كلمة عمر «تقطر رؤوسهم»: وهذا التعبير احسن من قول بعضهم: «تقطر مذاكيرنا المني»، فبين سيدنا عمرالعلة التي لاجلها كره التمتع، وكان رايه كما قال الزرقاني: عدم الترفه للحاج بكل طريق، فكره قرب عهدهم بالنسا لئلا يستمر البلل الى ذلك الحين يوم عرفة(2).
وقال الامام السندي في بيان كلام عمر «تقطر رؤوسهم»: يريد ان الافضل للحاج ان يتفرق شعره ويتغير حاله، والتمتع في حق غالب الناس صار مؤديا الى خلافه فنهيتهم لذلك(3).
اقول: وعلى كل حال فالهدف هو الذي اشرنا اليه، فالهدف واحد والتعابير في ذلك متعددة كما قيل: تعددت الاسباب والموت واحد.
واما الجواب القاطع لكل هذه التبريرات والمخالفات هو ما قاله رسول اللّه (ص) لهم: انا اتقاكم واصدقكم وابركم(4).
وقال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)(5).
____________
1- صحيح مسلم 2: 896 كتاب الحج باب «22» باب في نسخ التحلل ح157، سنن النسائي5: 153 كتاب مناسك الحج باب التمتع، سنن ابن ماجة 2: 992 كتاب مناسك باب «40» باب التمتع بالعمرة الى الحج ح2979، مسند الامام احمد بن حنبل 1: 49 50.
2- صحيح مسلم 4: 46 حاشية الصحيح طبعة دار المعرفة للطباعة، لبنان.
3- حاشية سنن النسائي 5: 153 كتاب الحج باب التمتع.
4- راجع ص 353 هامش 1.
5- الاحزاب: 36.
عثمان وحج التمتع:
اشرنا سابقا ان أمير المؤمنين الامام علي (ع) راى المؤمنين على عهد عثمان ومعاوية يسعون جادين في اقامة هذه السنة النبوية واحيائها، كما كانت على عهد رسول اللّه (ص)، كانوا يجهدون في اماتة بدعة عمر، حتى ادرك علماء اهل السنة وفقهاؤهم بطلان بدعة عمرو افتوا بجواز متعة الحج والعمل بهذه السنة النبوية وتطبيقها من جديد بعد تلك الفترة من التحريم والمنع رغم فتوى عمر.
واليك بعض الاحاديث التي تومئ الى هذه المثابرة والمعارضة لتحريم عمر كمانقلتها مصادر اهل السنة والجماعة وخاصة الصحيحان.
اخرج البخاري ومسلم باسنادهما عن مروان بن الحكم:
شهـدت عثمان وعليا (ع)، وعثمان ينهى عن المتعة وان يجمع بينهما، فلما راى علي (ع) اهل بهما لبيك بعمرة وحجة قال: ما كنت لادع سنة النبي (ص) لقول احد(1).
وكذلك اخرج هذا الاختلاف بين عثمان والامام علي (ع) باسنادهما عن سعيد بن مسيب قال:
اجتمع علي وعثمان بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة او العمرة فقال علي (ع): ما تريد الى امر فعله رسول اللّه (ص) تنهى عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك فقال (ع): اني لا استطيع ان ادعك، فلما ان راى علي ذلك اهل بهما جميعا(2).
ورواه مسلم بسنده عن عبداللّه بن شقيق وفيه: فقال عثمان لعلي كلمة خشنة وتعسف(3).
____________
1- صحيح البخاري 2: 175 كتاب الحج باب التمتع والاقران والافراد بالحج.
2- صحيح البخاري 2: 176 كتاب الحج باب التمتع والاقران، صحيح مسلم 2: 897 كتاب الحج باب «23» باب جواز التمتع ح159.
3- صحيح مسلم 2: 896 كتاب الحج باب «23» باب جواز التمتع ح158.
وقال الامام السندي في شرحه على هذه الكلمة: اذا رايتموه اي ارتحلوا معه ملبين بالعمرة، ليعلم انكم قدمتم السنة على قوله وانه لا طاعة له في مقابلة السنة(2).
لفتة نظر:
لابد من الاشارة هنا الى نكتة ذات اهمية، وهي ان الكثير من الحقائق التي اشيراليها في كتب الحديث والتاريخ قد اندرست حقيقتها الواقعية ونالتها ايدي التحريف والاغراض السياسية آنذاك بان اسدلوا عليها حجبا من التعتيم والتزوير.
وهذا الاختلاف الواقع بين أمير المؤمنين (ع) والخليفة عثمان في مسالة حج التمتع التي ورد ذكرها في الصحيحين هي من تلك الحقائق التي لم تذكر الا بنحو الاجمال والاشارة، ولا شك ان الاختلاف بينهما لم يكن بهذه البساطة.
ويتضح مدى الاختلاف بينهما من رواية ابي عمر ابن عبد البر باسناده عن عبداللّه بن الزبير ان الاختلاف بينهما كان شديدا الى درجة آلت ان يقتل أمير المؤمنين الامام علي (ع) في سبيل ذلك ويهرق دمه.
قال ابن الزبير: انا واللّه لمع عثمان بالجحفة ومعه رهط من اهل الشام وفيهم حبيب بن مسلمة الفهري اذ قال عثمان: وذكر له التمتع بالعمرة الى الحج، ان اتموا الحج وخلصوه في اشهر الحج، فلو اخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان افضل، فان اللّه قد وسع في الخير فقال له علي (ع): اعمدت الى سنة رسول اللّه (ص) ورخصة رخص للعبادبها في كتابه، تضيق عليهم فيها، وتنهى عنها، وكانت لذي الحاجة
____________
1- سنن النسائي: 152 كتاب الحج باب التمتع.
2- المصدر السابق.
ثم اهل بالعمرة وحجة معا، فاقبل عثمان على الناس فقال: وهل نهيت عنها؟ اني لم انه عنها، انما كان رايا اشرت به، فمن شاء اخذ به ومن شاء تركه.
قال: فما انسى قول رجل من اهل الشام مع حبيب بن مسلمة: انظر الى هذا كيف يخالف أمير المؤمنين؟ واللّه لو امرني لضربت عنقه قال: فرفع حبيب يده فضرب بها في صدره، وقال: اسكت، فض اللّه فاك، فان اصحاب رسول اللّه (ص) اعلم بما يختلفون فيه(1).
معاوية وحج التمتع:
قرأنا فيما سلف الاختلاف الواقع بين ابن عباس وابن الزبير في مسالة المتعتين، ودفاع جابر بن عبداللّه عن قول ابن عباس، والدفاع الذي ذكر آنفا لم ينحصر في مسالة المتعتين فحسب بل هناك قضايا عديدة دافع فيها جابر عن ابن عباس، ورغم الارهاب والمنع عن نقل الحديث عن رسول اللّه (ص) فان جابرا لم يكن يخشى الارهاب في عهدالخلفا، فانه كان يحدث علنا ويكشف الحقيقة التي كادت ان تدفن على اثر البدع(2).
ومن خلال التحقيق في الاحاديث يتضح لنا ان الاختلاف والنزاع في مسالة حج التمتع شمل عهد معاوية ايضا، وذلك لما كان معاوية مصمما على احيا سيرة عمروعثمان في المسالة ولكن بعض المسلمين خالفوه ولم يرضخوا لقوله.
اخرج النسائي في سننه باسناده عن ابن شهاب، عن محمد انه حدثه انه سمع سعدبن ابي وقاص والضحاك بن قيس، عام حج معاوية بن ابي سفيان، وهما يذكران التمتع بالعمرة الى الحج فقال الضحاك: لا يصنع ذلك الا من جهل امر اللّه تعالى فقال سعد: بئسماقلت يا ابن اخي قال الضحاك: فان عمر بن الخطاب نهى عن ذلك قال سعد: قد
____________
1- جامع بيان العلم وفضله 2: 30، مسند الامام احمد بن حنبل 1: 92.
2- راجع المصادر الحديثية خاصة صحيح مسلم 2: 885 كتاب الحج باب «18» باب في المتعة بالحج والعمرة ح145.
وروى مسلم في صحيحه والامام احمد في مسنده باسنادهما عن غنيم قال:
سالت سعد بن ابي وقاص عن المتعة قال: فعلناها، وهذا كافر بالعرش يعني معاوية(2).
ونستفيد من هذين الحديثين ان الاختلاف في حج التمتع ما يزل موجودا في عهدمعاوية، والا لما كان لتقييد الاختلاف بين اثنين بزمان معين او تحديده بعهد كفر معاوية قبل اظهاره الاسلام له معنى.
6 ـ المتعة او الزواج المنقطع:
ومن الاحكام التي غيرها وبدلها الخليفة عمر بن الخطاب كما صرح بهذا الامرالصحيحان في مضامين احاديثهما هو نكاح المتعة او الزواج المؤقت الذي ما زال ممنوعا الى هذا العصر حسب ما افتى بمنعه الخليفة عمر، وتارة اخذها البعض وسيلة للتشنيع على الشيعة، وذريعة للنيل منهم، وعزوا بسببها الافتراءات والاكاذيب الى الشيعة وعقائدهم.
ومن هنا راينا انه من الضروري واللازم ان نقوم بالتحقيق والبحث فيها من خلال فصول خمسة:
1 ـ تعريفها:
المتعة او الزواج المؤقت الذي هو موضع اختلاف الشيعة والسنة عبارة عن: ان يتزوج الرجل امراة حيث لا يكون له اي مانع شرعي من نكاحها كالزواج الدائم بمهروصداق معلوم الى مدة معلومة، وبمجرد انقضا المدة وانتهائها تبين المراة من الرجل من
____________
1- سنن النسائي 5: 152 كتاب الحج باب التمتع.
2- صحيح مسلم 2: 898 كتاب الحج باب «23» باب جواز التمتع ح164، مسند الامام احمد بن حنبل 1: 181.
والمتعة تشترك مع الزواج الدائم في كثير من الاحكام وتفترق عنه في بعض الاحكام.
الاحكام المشتركة: اما الاحكام المشتركة بين هذين النوعين من انواع النكاح الدائم والمؤقت فهي كالتالي:
1 ـ وجوب الايجاب والقبول.
2 ـ وجوب المهر والصداق.
3 ـ تجب على المراة في الزواج المؤقت ان تعتد عدة الطلاق ان بني عليها، ولم تكن يائسة تماما كالزواج الدائم، الا ان عدتها قراان او خمسة واربعين يوما.
4 ـ عدة الوفاة فيهما اربعة اشهر وعشرة ايام.
5 ـ عدة المراة الحامل فيهما الذي توفي زوجها فهي ابعد الاجلين.
6 ـ لا فرق بين الاولاد في مسالة التوارث وغيرها سوا ولدوا بالزواج الدائم اوالمنقطع.
7 ـ احكام المصاهرة فيهما مشتركة كحرمة الام او الاخت حرمة ابدية.
8 ـ حكم الجماع فيهما مشترك من حيث حرمة وطيها في حيضها او في نهار شهررمضان.
الاحكام المختصة بكل منها: واما وجوه الاختلاف والافتراق بين النكاح الدائم والمنقطع تتلخص في عدة موارد.
1 ـ يجب تعيين المدة في المنقطع دون الدائم.
2 ـ لا يتوارث الزوجان في المنقطع الا اذا كان ذلك من شروط ضمن العقد.
4 ـ ليس للمراة في الزواج المنقطع ان تطالب بالنفقة الا اذا كانت المطالبة شرطاضمن العقد.
5 ـ لا يجوز للرجل ان ينكح اكثر من اربع زوجات في آن واحد في الزواج الدائم على العكس من الزواج المؤقت فليس فيه هذه المحدودية(1).
2 ـ مشروعية المتعة في الاسلام:
ان اصل تشريع المتعة في الاسلام ثابت بالكتاب والسنة القطعية ومتفق عليه عندالمسلمين شيعة وسنة.
اما دليل الاجماع: فلان المسلمين على اختلاف مذاهبم وعقائهم متفقون على ان المتعة او الزواج المؤقت قد شرعه اللّه ورسوله، ولاشك في تشريعة من جانب الرسول (ص) ولا يشك احد من العلما المسلمين بكونه من الضروريات الدينية.
قال الفخر الرازي: واتفقوا علماء المسلمين على انها كانت مباحة في ابتداء الاسلام واختلفوا في انها هل نسخت ام لا؟ فذهب السواد الاعظم من الامة الى انهامنسوخة، وقال السواد منهم: انها بقيت مباحة كما كانت(2).
واما دليل الكتاب: قال تعالى: (فما استمتعتم به منهن فتوهن اجورهن)(3).
قطع مفسرو الشيعة جميعا بان الاية نزلت بشان بيان حكم النكاح المنقطع، وعلى هذا اكثر مفسري اهل السنة، والمراد من قوله تعالى: (فتوهن اجورهن) اي اعطوهن صدقاتهن في المتعة.
وهـكذا قرا بعض القرا الاوائل مثل: ابي بن كعب، ابن عباس، سعيد بن جبير
____________
1- راجع فروع المسالة واحكامها الجزئية في الكتب الفقهية عند الشيعة.
2- تفسير الفخر الرازي 10: 49 عند تفسير الاية 24 من سورة النسا.
3- النساء: 24.
ونقل هذه القراة الطبري(1) في تفسيره والزمخشري(2) عن ابن عباس، ونقلها الفخر الرازي عن ابي بن كعب(3).
وكذا روى الطبري عن مجاهد وهو من المفسرين في القرن الاول الاسلامي قوله: بان هذه الاية نزلت بشان المتعة(4).
ومما يؤيد شان نزولها في المتعة سياق الايات نفسها من هذه السورة حيث انه قرينة واضحة وشاهد بين على ذلك، لان صدر السورة (النسا) تبين حكم الزواج الدائم.
قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النسا مثنى وثلاث ورباع وآتوا النساصدقاتهن نحلة)(5).
فلو فرضنا ان الاية آية الاستمتاع هي كذلك تتعلق بالزواج الدائم فانها تستلزم كون تكرار الحكم الواحد في سورة واحدة بنفسها من دون غاية، وهذا مما ينافي بلاغة القرآن المجيد واما لو فرضنا ان الاية تتعلق بالمتعة كما هي فانها تبين حكما ثانياومستقلا، وحينئذ لايستدعي التكرار، ولايرد على القرآن اي نقد.
وبعبارة اخرى يلاحظ من خلال التدبر في سورة النسا ان السورة قد بينت وذكرت النسا اللاتي يحرم نكاحهن، وتبين كذلك الطرق التي بها تحل النساللرجال وهي اربع:
1 ـ الزواج الدائم بالحرة.
____________
1- تفسير الطبري 5: 8 10.
2- تفسير الكشاف 1: 498.
3- التفسير الكبير 10: 51.
4- تفسير الطبري 5: 9.
5- النساء: 3.
3 ـ الزواج بالاماء.
4 ـ الزواج المؤقت.
فاما حكم الزواج الدائم والزواج بملك يمين فقد ورد ذكره في الاية الثالثة من سورة النسا حيث قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النسا او ما ملكت ايمانكم).
وحكم الزواج بالاماء فهو مذكور في الاية الخامسة والعشرين في قوله تعالى: (ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات).
وفي آية: (فما استمتعتم به منهن فتوهن اجورهن) التي هي محل بحثنا بين اللّه عزوجل حكم النوع الرابع من الزواج وهو الزواج المؤقت او المتعة.
واما السنة: فقد دلت على مشروعية المتعة من خلال تظافر الاحاديث المتواترة التي اوردها الشيعة والسنة.
وقد اخرج البخاري ومسلم في بيان مشروعية المتعة روايات عديدة باسنادهماعن: سلمة بن اكوع، جابر بن عبداللّه، عبداللّه بن مسعود، ابن عباس، سبرة بن معبد، ابو ذرالغفاري، عمران بن حصين، واكوع بن عبداللّه الاسلمي.
ولما كان نقل جميع الاحاديث المروية في هذا الموضوع يستدعي الاطالة والاطناب وبحاجة الى كتاب مستقل اكتفينا بذكر بعض مما روي في الصحيحين.
1 ـ اخرج مسلم في صحيحه باسناده عن سلمة بن اكوع وجابر بن عبداللّه الانصاري قالا: خرج علينا منادي رسول اللّه (ص) فقال: ان رسول اللّه (ص) قد اذن لكم ان
واخرجه مسلم بلفظ آخر: ان رسول اللّه (ص) اتانا فاذن لنا في المتعة(2).
واخرجه البخاري بلفظ ثالث: كنا في جيش فاتانا رسول رسول اللّه (ص) فقال: انه قد اذن لكم ان تستمتعوا فاستمتعوا(3).
2 ـ روى مسلم ايضا عن جابر بن عبداللّه قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمروالدقيق، الايام، على عهد رسول اللّه (ص) وابي بكر حتى نهى عنه عمر، في شان عمرو ابن حريث(4).
اقول: ذكر ابن حجر قصة عمرو بن حريث بنحو الاجمال والاختصار فقال: دخل عمرو بن حريث الكوفة وتمتع بامراة فحملت المراة منه، فجات به وهي حامل منه الى الخليفة عمر، فسال عمر عمرو عن القصة فاعترف عمرو، ومن بعدها نهى الخليفة عن المتعة(5).
3 ـ واخرجا باسنادهما عن عبداللّه بن مسعود فقال: كنا نغزو مع رسول اللّه (ص) ليس لنا نسا فقلنا:
الا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا ان ننكح المراة بالثوب الى اجل، ثم قرا عبداللّه: (يا ايها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل اللّه لكم ولاتعتدوا ان اللّه لا يحب المعتدين)(6)(7).
____________
1- صحيح مسلم 2: 1022 كتاب النكاح باب «3» باب نكاح المتعة ح13.
2- المصدر ح14.
3- صحيح البخاري 7: 16 كتاب النكاح باب نهي رسول اللّه عن نكاح المتعة آخرا.
4- صحيح مسلم 2: 1023 كتاب النكاح باب «3» باب نكاح المتعة ح16.
5- فتح الباري 9: 141.
6- المائده: 87.
7- صحيح البخاري 6: 66 كتاب التفسير تفسير سورة المائدة باب (يا ايها الرسول بلغ ماانزل اليك من ربك)، وج7: 5 كتاب النكاح باب ما يكره من التبتل والخصا، صحيح مسلم2: 1022 كتاب النكاح باب «3» باب نكاح المتعة ح11.
وقال النووي في شرحه لرواية ابن مسعود: فيه اشارة الى انه كان يعتقد اباحتهاكقول ابن عباس، وانه لم يبلغه نسخها(1).
4 ـ روى مسلم عن ابي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبداللّه، فاتاه آت، فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللّه (ص) ثم نهاناعنهما عمر فلم نعد لهما(2).
3 ـ عمر يحرم المتعة:
علم مما ذكرناه في الصفحات السابقة ان مشروعية المتعة كانت ثابتة في عهدالرسول (ص) ثبوتا قطعيا ودلت عليه الاية القرآنية والسنة النبوية ودليل الاجماع.
وكذا علم من مضامين ثلاثة احاديث من الاحاديث الخمسة التي ذكرناها ان المتعة كان يعمل بها على عهد الرسول (ص)، وان ها كانت مباحة في عهد الخليفة ابي بكر، وفترة من عهد الخليفة عمر ومن ثم نهى عنها عمر.
وهاك ايها القارئ الكريم تصريحات بعض المؤرخين والمحدثين في هذا الموضوع:
اخرج الامام احمد بن حنبل في مسنده باسناده عن ابي نضرة قال: قلت لجابر بن عبداللّه: ان ابن الزبير (رض) ينهى عن المتعة، وابن عباس يامر بها قال: فقال لي: على يدي
____________
1- شرح صحيح مسلم 9: 182.
2- صحيح مسلم 2: 1023 كتاب النكاح باب «3» باب نكاح المتعة ح17.