الصفحة 77

الفصل الثاني
الشيعة والكتاب والسنة





أ - الشيعة والقرآن

1 - آية الولاية.
2 - آية التطهير.
3 - آية المباهلة.
4 - آية المودة.
5 - آية الصلاة.
6 - آية التبليغ أو حديث الغدير.

ب - الشيعة والسنة النبوية

1 - حديث الدار أو حديث الإنذار.
2 - حديث الثقلين.
3 - حديث المنزلة.
4 - حديث السفينة.
5 - حديث مدينة العلم.




الصفحة 78

الصفحة 79

الشيعة والكتاب والسنة النبوية

أخذت الشيعة بعد النبي صلى الله عليه وآله أحكام دينها من الكتاب، والسنة النبوية:

أما الكتاب فالمجتهد منهم يأخذ بنصوص آيات الأحكام منه، أو بما له ظاهر كالنص، وأما ما يحتاج إلى التفسير فيتوقف فيه حتى يرد فيه تفسير من العترة الطاهرة المعصومين عليهم السلام.

وأما السنة النبوية فيأخذ بصحاح أحاديث النبي صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل البيت عليهم السلام، وأفعالهم وتقريرهم على ما هو مرسوم في الأصول، وغير المجتهد منهم إما أن يحتاط في أحكامه، أو يقلد مجتهدا " عادلا " على شروط مذكورة في كتبهم، أهمها أن يكون ذلك المجتهد ممن يأخذ فقهه من النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام مع الكتاب المجيد والاستضاءة بنور العقل، ولهم في تدعيم مذهبهم حجج متينة، وبراهين رصينة منبثة في كثير من مؤلفاتهم المنشورة في كل عصر، وها أنا ذا أقدم لك أولا طائفة من الآيات القرآنية، ثم جملة من الأحاديث النبوية الدالة على إثبات أحقيتهم ومدعاهم.


الصفحة 80

الشيعة والقرآن

جاء في القرآن المجيد آيات عديدة، تؤيد مدعى الشيعة، وقد فسرها علماء الفريقين وفقا " لما ذهب إليه الشيعة جمعاء، منها:

(آية الولاية)

وهي قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1).

اتفق جميع أهل البيت عليهم السلام وعلماء التفسير والحديث من الشيعة بقضهم وقضيضهم (2)، وكثير من مفسري السنة، بل جميعهم، على أن هذه الآية الكريمة، نزلت في علي أمير المؤمنين عليه السلام عندما تصدق بخاتمه على المسكين، وهو يصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أن ذلك كان مسلما " عند الأصحاب في عهد النبي صلى الله عليه وآله والتابعين والشعراء السابقين، ونظموه في أشعارهم، وسنورد لك أيها القارئ اللبيب

____________

1 - سورة المائدة: 55.

2 - يقال: جاء القوم بقضهم وقضيضهم أي جميعهم، لسان العرب: 11 / 205.


الصفحة 81
بعض من نص على ذلك من علماء السنة في هذا الكتاب:

1 - قال السيوطي في الدر المنثور: أخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس، قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وآله:

من أعطاك هذا الخاتم ؟ قال: ذاك الراكع.

فأنزل الله: (إنما وليكم الله ورسوله) الخ (1).

2 - وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه، عن عمار بن ياسر، قال وقف بعلي سائل، وهو راكع في صلاة تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فأعلمه بذلك، فنزلت على النبي صلى الله عليه وآله هذه الآية: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) فقرأها رسول الله صلى الله عليه وآله على أصحابه، ثم قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) (2).

3 - وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عباس في قوله: (إنما وليكم الله

____________

1 - { المجلد 2 ص 293 }.

قال المؤلف:

وقد أورد السيوطي عدة روايات دالة على نزولها في حق علي عليه السلام وتنتهي طرقها إلى ابن عباس وسلمة ابن كهيل وعمار، وغيرهم.

2 - رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، عنه إحقاق الحق: 2 / 404.

أقول منعا " للتكرار والإطالة نرشد القارئ العزيز إلى كتاب إحقاق الحق:

2 / 400 وما بعدها حيث أورد الأخبار الآتية بألفاظها وأسانيدها.


الصفحة 82
ورسوله) الآية، قال: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام.

4 - وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن عساكر، عن سلمة بن كهيل، قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت: (إنما وليكم الله ورسوله) (1) الآية.

وأخرج ابن جرير، عن السدي، وعتبة بن حكيم، مثله.

5 - وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله في بيته:

(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) إلى آخر الآية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل المسجد، والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم، فإذا سائل، فقال [له رسول الله صلى الله عليه وآله]: يا سائل ! هل أعطاك أحد شيئا " ؟

قال: لا، [إلا] ذاك الراكع - يعني عليا " عليه السلام - أعطاني خاتمه (2).

6 - وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: أتى عبد الله بن سلام، ورهط معه من أهل الكتاب نبي الله صلى الله عليه وآله عند الظهر، فقالوا: يا رسول الله ! إن بيوتنا قاصية لا نجد من يجالسنا ويخالطنا دون هذا المسجد، وإن قومنا لما رأونا قد

____________

1 - أورد المؤلف في المتن آية التطهير: (إنما يريد الله) الآية، وهذا غير صحيح لنزول آية التطهير في موقف آخر، والصحيح ما أثبتناه.

2 - روى مثله الحاكم في علوم الحديث من رواية عيسى بن عبد الله بن عمر بإسناده إلى علي عليه السلام، عنه إحقاق الحق: 2 / 404.


الصفحة 83
صدقنا الله ورسوله، وتركنا دينهم أظهروا العداوة، أقسموا أن لا يخالطونا، ولا يآكلونا فشق ذلك علينا، فبيناهم يشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إذ نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله:

(إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) الخ، ونودي، بالصلاة، صلاة الظهر، وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المسجد فرأى سائلا "، فقال:

هل أعطاك أحد شيئا " ؟ قال: نعم.

قال: من ؟ قال: ذلك الرجل القائم، قال: على أي حال أعطاكه ؟

قال: وهو راكع.

قال: وذاك علي بن أبي طالب عليه السلام.

فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله عند ذاك، وهو يقول: (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (1).

7 - وأخرج الگنجي الشافعي في كفاية الطالب، عن أنس بن مالك أن سائلا أتى المسجد وهو يقول: من يقرض الملي الوفي ؟

وعلي عليه السلام راكع يقول بيده (2) خلفه للسائل أن اخلع الخاتم من يدي، قال [فقال] رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عمر ! وجبت.

قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وما وجبت ؟ قال: وجبت له الجنة، والله ما خلعه من يده حتى خلعه الله من كل ذنب، ومن كل خطيئة.

قال: فما خرج أحد من المسجد حتى نزل جبرئيل عليه السلام بقوله عز وجل: (إنما وليكم الله ورسوله) الآية.

____________

1 - سورة المائدة: 56.

2 - قال بيده: أشار.


الصفحة 84
فأنشأ حسان بن ثابت، يقول:

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي * وكل بطئ في الهدى (1) ومسارع
أيذهب مدحي (2) [و] المحبر ضائعا " * وما المدح في ذات (3) الإله بضائع
وأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا " * زكاة فدتك النفس يا خير راكع
[بخاتمك الميمون يا خير سيد * ويا خير شار ثم يا خير بايع]
فأنزل فيك الله خير ولاية * وبينها (4) في محكمات الشرائع (5)

____________

1 - (الهوى) خ.

2 - (مديحك) خ.

3 - (جنب) خ.

4 - (فأثبتها) خ.

5 - كفاية الطالب: ص 106 ب 61 (ط. النجف الأشرف).

وروى أيضا " نزولها في علي عليه السلام في الباب 62 ص 122 من الكتاب المذكور، بإسناده عن ابن عباس، ثم ذيله بكلمات إلى أن قال: هكذا ذكره حافظ العراقيين في مناقبه، وتابعه الخوارزمي، ورواه الحافظ محدث الشام بطريقين، وذكر الخوارزمي عقيب شأن نزول هذه الآية ما لفظه: ولبعضهم في حق علي عليه السلام شعر:

وافى الصلاة مع الزكاة فقاما * والله يرحم عبده الصبارا

إلى أن قال:

من ذا بخاتمه تصدق راكعا " * وأسرها في نفسه إسرارا

راجع إحقاق الحق: 2 / 402 إذ أخرج الحديث عن كتاب المباهلة (مخطوط) نقلا " عن كتاب كفاية الطالب.


الصفحة 85
8 - وممن روى نزول هذه الآية في أمير المؤمنين علي عليه السلام الفخر الرازي في تفسيره فإنه قال عند ذكرها:

روي عن عطاء، عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام، روي أن عبد الله بن سلام قال:

لما نزلت هذه الآية، قلت: يا رسول الله أنا رأيت عليا " تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع، فنحن نتولاه (1).

9 - وقال: أيضا ": وروي عن أبي ذر رحمه الله أنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوما " صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فما أعطاني أحد شيئا " !

وعلي كان راكعا "، فأومأ إليه بخنصره اليمنى، وكان فيها خاتم، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه وآله، فقال: (اللهم إن أخي موسى سألك، فقال: (رب اشرح لي صدري) إلى قوله (وأشركه في أمري) (2) فأنزلت قرآنا " ناطقا " (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا ") (3)، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيرا " من أهلي، عليا " اشدد به ظهري).

قال أبو ذر: فوالله ما أتم رسول الله صلى الله عليه وآله هذه الكلمة حتى نزل

____________

1 - تفسير الفخر الرازي: 12 / 20 و 26، عنه إحقاق الحق: 3 / 505.

2 - سورة طه: 25 و 32.

3 - سورة القصص: 35.


الصفحة 86
جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمد (إنما وليكم الله ورسوله).

10 - وروي هذا الحديث الشبلنجي في (نور الأبصار) (1) مسندا " إلى أبي ذر.

11 - وممن روى نزولها في أمير المؤمنين علي عليه السلام: الواحدي في (أسباب النزول) (2).

12 - وقد صرح الزمخشري بذلك أيضا " في تفسيره (الكشاف) فقال - عند ذكر هذه الآية -: وإنما نزلت في علي كرم الله وجهه حين سأله سائل، وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه كأنه كان مرجا " (3) في خنصره، فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته، إلى آخره (4).

13 - وممن روى نزولها في أمير المؤمنين عليه السلام ابن حجر العسقلاني في كتاب (الكاف الشاف في تخرج أحاديث الكاشف) في مقام تخريج الحديث قال ما لفظه:

فقد رواه ابن أبي حاتم من طريق سلمة بن كهيل، قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت (إنما وليكم الله ورسوله).

ولابن مردويه من رواية سفيان الثوري، عن ابن سنان، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: كان علي عليه السلام قائما " يصلي، فمر سائل

____________

1 - ص 105، عنه إحقاق الحق: 3 / 511.

2 - أسباب النزول: 148، عنه إحقاق الحق: 2 / 400.

3 - أي قلقا " غير ثابت.

4 - { الكاشف: 1 / 649 } و ص 347 ط. مصر، عنه إحقاق الحق 2 / 403.


الصفحة 87
وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت الآية (1).

14 - وممن روى نزولها في علي عليه السلام أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي في كتاب (أحكام القرآن) فإنه أورد فيه عدة روايات دالة على نزولها في حق علي عليه السلام تنتهي أسانيدها إلى مجاهد، والسدي، وأبي جعفر، وعتبة ابن أبي حكيم، وغيرهم (2).

15 - وممن أوردها في علي عليه السلام القرطبي الأندلسي في كتابه (الجامع لأحكام القرآن) حيث نقل عن الإمام أبي جعفر باقر العلوم عليه السلام نزولها في حق مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وعن مجاهد، والسدي، وقال في آخر كلامه: (ويؤتون الزكاة وهم راكعون) يدل على أن صدقة التطوع تسمى الزكاة، فأن عليا " عليه السلام تصدق بخاتمه في الركوع، انتهى (3).

16 - وذكر رشيد رضا المصري الموطن، الوهابي المذهب، في تفسيره (المنار) ما لفظه: ورووا من عدة طرق أنها نزلت في أمير المؤمنين علي المرتضى كرم الله وجهه إذ مر به سائل، وهو في المسجد، فأعطاه خاتمه، انتهى (4).

17 - وذكر شهاب الدين الآلوسي في كتابه (روح المعاني) رواية نزول الآية الشريفة في حق مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بعدة طرق، ينتهي

____________

1 - الكاف الشاف: 56، عنه إحقاق الحق: 2 / 404.

2 - أحكام القرآن: 2 / 543، عنه إحقاق الحق: 2 / 406.

3 - الجامع لأحكام القرآن: 6 / 221 (ط. مصر).

4 - المنار: 6 / 442 (ط. مصر).


الصفحة 88
بعضها إلى ابن عباس، وبعضها إلى عبد الله بن سلام (1) 18 - وممن نص على ذلك محب الدين الطبري في كتابه (ذخائر العقبى) وأورد روايات صحاحا " صراحا " في الباب (2).

19 - وممن نص على ذلك سبط ابن الجوزي في كتاب (التذكرة) (3).

20 - وممن نص على ذلك فخر الدين الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب) قال - نقلا عن جماعة -:

إن هذه الآية دالة على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله هو علي بن أبي طالب عليه السلام وتقريره أن نقول:

كذلك وجب أن يكون ذلك الإمام هو علي بن أبي طالب عليه السلام (4).

21 - وقد تعرض صاحب (غاية المرام) (5) للأحاديث الواردة في نزول هذه الآية في أمير المؤمنين علي عليه السلام فأورد في ص 103 أربعة وعشرين حديثا " من طرق الشيعة.

22 - وأورد العلامة الأميني في (الغدير) أسماء ستة وستين شخصا " من أعاظم علماء السنة ممن ذكروا هذا الحديث، ونصوا على أنها

____________

1 - روح المعاني: 6 / 149 (ط. الثانية بالقاهرة).

2 - ذخائر العقبى: 102 ط. مصر.

3 - التذكرة: 18 ط. النجف.

4 - مفاتيح الغيب: 12 / 26.

5 - هو السيد هاشم البحراني.


الصفحة 89
نزلت في أمير المؤمنين علي عليه السلام مع ذكر رواته (1).

أقول: هذا ما اقتضاه الحال ووسعه المجال، من ذكر كلمات القوم في الباب (2)، وأما أصحابنا الإمامية، شيعة العترة الطاهرة، فقد

____________

1 - الغدير: 2 / 25 و ج 3 / 156 وللعلامة الفيروزآبادي في كتابه (فضائل الخمسة من الصحاح الستة) والعلامة السيد شرف الدين في كتابيه (المراجعات) و (النص والاجتهاد) طائفة أخرى من الكتب المعتبرة والمصادر المهمة عند القوم، فراجع.

2 - ونتحفك عزيزي القارئ بطائفة أخرى من المصادر المعتبرة عند القوم، منها:

جامع الأصول 9 / 478 عن الجامع بين الصحاح الستة، والطبري المكي في ذخائر العقبى: 88، والقاضي الشوكاني في تفسير فتح القدير الجامع بين فني الدراية والرواية من علم التفسير: 2 / 50، والغرناطي الأندلسي في تفسيره: 2 / 50 طبع مصر، والأندلسي في تفسيره البحر المحيط: 3 / 513، والطبري في التفسير: 6 / 165، والخطيب البغدادي في تفسيره: 1 / 475، والنسفي: 1 / 484 (المطبوع بهامش تفسير الخازن)، والبلخي القندوزي في ينابيع المودة: 1 / 114، ونظام الدين النيسابوري في تفسيره المطبوع بهامش تفسير الطبري: 6 / 145، وابن كثير الدمشقي في تفسيره: 2 / 71، عنها الإحقاق: 2 / 399 - 410.

ورواه الحاكم النيشابوري في كتاب معرفة علوم الحديث: 102، وصاحب ترجمان القرآن: 930، وصاحب تفسير فتح البيان: 3 / 80، والحقاني في تفسيره: 3 / 30، وأبو نعيم في نزول القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام (كما في كفاية الخصام: 178 من عدة طرق)، والعلامة رزين مؤلف كتاب الجامع بين الصحاح الستة من الجزء الثالث من أجزائه الثلاثة، والبيضاوي في تفسيره: 2 / 156، والنيسابوري في تفسيره (المطبوع بهامش تفسير الطبري): 6 / 146، ومحيي الدين الأعرابي في تفسيره: 294، ومحب =

الصفحة 90
الدين الطبري في الرياض النضرة: 206، وخواند مير في حبيب السير:

2 / 12، والسيوطي في لباب النقول في أسباب النزول: 90، وفي الإكليل: 93، والهيثمي في مجمع الزوائد: 7 / 17، عنها إحقاق الحق:

3 / 502 - 512.

ورواه أبو نعيم الأصفهاني في نزول القرآن: 106 (بإسناده إلى عمار بن ياسر وابن عباس وسلمة بن كهيل)، والحسكاني في شواهد التنزيل: 1 / 165 و 167 و 173 و 174 و 177 و 181، والحمويني في فرائد السمطين: 105 مخطوط، والزرندي في نظم درر السمطين: 85 - 87، ومحمد بن محمد في أرجع المطالب: 40 و 79 و 169 و 443، والصفوري في المحاسن المجتمعة: 162، والشيباني في المختار في مناقب الأخبار: 4، وأبو علم في أهل البيت: 60 و 223، والنقشبندي في شرح وصايا أبي حنيفة: 177، والهروي في الأربعين حديثا ": 19 مخطوط، وأخطب خوارزم في المناقب:

177، 179، والبدخشي في مفتاح النجا (مخطوط):، والثعلبي في تفسيره على ما في مناقب الشافعي: 114 (مخطوط)، والسيوطي في الحاوي للفتاوي: 1 / 119، وابن كثير الدمشقي في تفسير القرآن المطبوع بهامش فتح البيان: 3 / 367، وابن المغازلي الشافعي في المناقب: 104، ومحمد بن أبي الفوارس في الأربعين: 22، والحنفي في درر بحر المناقب:

109، ومحمد بن عثمان في المنتخب من صحيح البخاري ومسلم: 216 مخطوط، والقندوزي في ينابيع المودة: 218، والحبري في تنزيل الآيات:

9، والنيسابوري في معرفة علوم الحديث: 102، وابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية: 7 / 357، والمتقي الهندي في كنز العمال: 15 / 146، عنها إحقاق الحق: 14 / 2 - 31. =

الصفحة 91
اتفقت كلمتهم في كتب الحديث والتفسير والكلام على نزول الآية الشريفة في حقه عليه السلام وأنه المعنى بها، لم يخالف فيه أحد، بل قد يدعى التواتر في شأن نزولها، فإذن لا مسرح ولا مساغ للتشكيك والترديد إلا أن يكون الشخص مبغضا " ناصبا "، أو سوفسطائيا " (1) في البديهيات.

أقول: فتعين بهذه الآية الكريمة أن يكون الإمام والخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله هو علي بن أبي طالب عليه السلام حيث قرن تعالى ولايته بولايته وولاية رسوله، ولفظة (إنما) تفيد الحصر باتفاق أهل العربية، فتكون الولاية محصورة بهم.

والمراد بالولي هنا إنما هو الأولى بالتصرف، ولا يكون أولى إلا إذا كان خليفة وإماما "، وهذا المعنى مشهور عند أهل اللغة والشرع (2)

____________

= ورواه الشافعي في توضيح الدلائل: 157 - 158، والبازي في غاية المرام: 75، والحنفي في آل محمد صلى الله عليه وآله: 56، والبروني في الكوكب المضئ: 48، وصاحب كتاب مختار مناقب الأبرار: 18، والشجري في الأمالي: 1 / 137، والقيرواني في التحصيل لفوائد كتاب التفصيل: 172، والثعلبي في الكشف والبيان: 167، والكفوي في أعلام الأخيار: 124، وأبو رقيعة الحنفي في تعليقاته على الاختيار لابن مودود: 4 / 176، والإسكافي في المعيار والموازنة: 228، عنها إحقاق الحق: 20 / 2 - 20.

1 - السفسطة: هي الاستدلال والقياس الباطل أو الذي يقصد به تمويه الحقائق.

2 - قال المؤلف: راجع مادة (ولي) من الصحاح، أو من مختار الصحاح، أو غيرهما من معاجم اللغة.

أقول: وراجع في معنى (الولي) كتاب الشافي للسيد المرتضى: 2 / 258 - 325 ففيه ما يغني.


الصفحة 92
فإنهم قالوا: السلطان ولي من لا ولي له، وقالوا: ولي الدم، وولي الميت، وفلان ولي أمر الرعية، وفلان ولي القاصر، وقال النبي صلى الله عليه وآله:

(أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل) (1)، والمراد من الولي، في هذا كله وأمثاله هو الأولى كما قال المبرد في كتاب العبارة عن صفات الله: إن الولي هو الأولى، والولي وأن صح إطلاقه في اللغة على الناصر والمحب إلا أنهما لا يناسبان المقام لأنهما عامان غير منحصرين فيمن أريد في الآية الكريمة، وهي قوله تعالى:

(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (2).

فإن قيل: كيف يراد بالذين آمنوا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وحده، واللفظ للعموم ؟ فنقول: الجواب:

أولا ": إنه قد ورد كثير في كلام العرب إطلاق لفظ الجمع وإرادة الواحد منه مع القرينة، وبالعكس، وهذا شائع ذائع بينهم، وقد جاء في القرآن المجيد أيضا " ذلك كقوله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم) (3) والمراد منه نعيم بن مسعود الأشجعي وحده بإجماع المفسرين والمحدثين.

ثانيا ": إن الله تعالى قد وصف الذين آمنوا في الآية الكريمة بوصف غير شامل للجميع، وهو:

(يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون).

____________

1 - عوالي اللئالي: 1 / 306 ح 7، ومسند أحمد بن حنبل: 6 / 66.

2 - سورة التوبة: 71.

3 - سورة آل عمران: 173.


الصفحة 93
ثالثا " إن أهل اللغة يعبرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل التعظيم والتفخيم، كما ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآية من مجمع البيان، قال: إن النكتة من إطلاق لفظ الجمع على أمير المؤمنين علي عليه السلام تفخيمه وتعظيمه، وذلك أن أهل اللغة [قد] يعبرون بلفظ الجمع عن الواحد على سبيل [التفخيم و] التعظيم، قال:

وذلك أشهر في كلامهم من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه (1).

رابعا ": يلزم على إرادة الجميع اتحاد الولي والمتولي، واللازم اختلافهما.

قال الزمخشري في الكشاف (2) بعد التصريح بنزول الآية في أمير المؤمنين عليه السلام فإن قلت: كيف صح أن يكون لعلي (رضي الله عنه) واللفظ لفظ جماعة ؟ قلت: جئ به على لفظ الجمع، وإن كان السبب فيه رجلا " واحدا "، ليرغب الناس في مثل فعله، فينالوا مثل ثوابه، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان، وتفقد الفقراء حتى أن لزهم (3) أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه، إلى الفراغ منها.

فإن قيل: إن أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا صلى يقبل على ربه بقلبه بحيث لا يشعر بشئ خارج عن الصلاة، فكيف شعر بكلام السائل وفهمه ؟

____________

1 - مجمع البيان: 2 / 211 (نشر المكتبة العلمية الإسلامية).

2 - المجلد الأول ص 649 (نشر أدب الحوزة).

3 - { لزهم بالتشديد: أي اضطرهم }.


الصفحة 94
فالجواب: إن فهمه كلام السائل لا ينافي ما كان عليه من الخشوع في صلاته إذ أنه عبادة، وما أحسن ما أجاب به أبو الفرج الجوزي حينما سئل عن ذلك، فقال:

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته * عن النديم ولا يلهو عن الكأس
أطاعه سكره حتى تمكن من * فعل الصحاة فهذا أوحد الناس

وفي أسباب النزول عن الواحدي (ومن يتول) يعني يحب (الله ورسوله والذين آمنوا - يعني عليا " - فإن حزب الله) يعني شيعة الله ورسوله ووليه (هم الغالبون) يعني هم الغالبون، وفي نسخة: العالمون بدل الغالبون، وهو الظاهر (1).

وفي الحساب (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ووزنه محمد المصطفى رسول الله صلى الله عليه وآله وبعده المرتضى علي بن أبي طالب وعترته عليهم السلام وعدد حساب كل واحد منهما (ثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانون).

وفي الكافي: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليه السلام قال: لما نزلت (إنما وليكم الله ورسوله) اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجد المدينة، وقال بعضهم لبعض:

ما تقولون في هذه الآية ؟ قال بعضهم: إن كفرنا بهذه الآية كفرنا

____________

1 - أسباب النزول: 148 (ط. مصر المطبعة الهندية).


الصفحة 95
بسائرها، وإن آمنا فإن هذا ذل حين يسلط علينا ابن أبي طالب !

فقالوا: قد علمنا أن محمدا " صادق فيما يقول، ولكنا نتولاه ولا نطيع عليا " فيما أمرنا.

قال: فنزلت هذه الآية:

(يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها) يعرفون يعني ولاية علي بن أبي طالب (وأكثرهم الكافرون) بالولاية (1).

وفي أمالي الصدوق: قال عمر بن الخطاب:

والله لقد تصدقت بأربعين خاتما " وأنا راكع لينزل في ما نزل في علي بن أبي طالب عليه السلام فما نزل (2) ! !

أقول: إذا عرفت مما قدمنا لك من الأدلة (سنة وشيعة) فنقول:

لا يجوز تقديم غير علي على علي عليه السلام، كما لا يجوز تقديم أحد على النبي صلى الله عليه وآله إذ أن الله جل وعلا جعل محمدا " وعليا " معه في الولاية.

وأما المخالفون لنا وإن عرفوا أن الآية نازلة في علي عليه السلام قطعا " - كما تقدم - إلا أنهم ينحرفون في معناها حسب ما يقتضيه مذهبهم وأهواؤهم ! !

____________

1 - الكافي للكليني: 1 / 427 ح 77.

2 - أمالي الصدوق: 108 ذ ح 4.


الصفحة 96

(آية التطهير)

وهي قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ") (1).

ففي تفاسير الشيعة أنها نزلت في أهل البيت عليهم السلام خاصة لا يشاركهم فيها أحد، وكذا جاء في تفاسير أهل السنة، غير أنهم يعترفون وينحرفون في معناها ! ! فمرة يخصونها بهم، وأخرى يشاركون معهم نساء صلى الله عليه وآله، ومرة أخرى يخصونها بهن (2) ! !

وهذا يخالف اللغة العربية قطعا "، لأنه لما خاطب الله جل وعلا نساء الرسول صلى الله عليه وآله أتى بضمير التأنيث قبل الولاية وبعدها، ولما أراد

____________

1 - الأحزاب: 33.

2 - قال المؤلف: ورواية اختصاص الآية بهن من أغرب الغرائب، وأعجب العجائب، وقد ذكره ابن حجر في صواعقه عند ذكر آية التطهير، فراجع !

أقول: ولعمري إنها لمهزلة، وشهادة أخرى يدلي بها ابن حجر على نفسه لإثبات عقم تفكيره وجهله، وقلة باعه في التفسير، وإن الحقد والعصبية قد أعميا قلبه عن كل حق وصحيح وعدل، وإلا فبرك أيها القارئ المنصف المدرك، ماذا ستقول له عندما ستقف - بعد قليل - على عشرات المصادر المعتبرة - من تفاسير وصحاح ومسانيد وسنن - وفيها ما يؤكد على اختصاصها بأهل البيت عليهم السلام ونزولها في حقهم ؟


الصفحة 97
سبحانه أن يذهب الرجس عن أهل البيت، أتى بضمير التذكير، وهو (عنكم) و (يطهركم) وهذا يعرفه صغار الطلبة، ومن له أقل شئ من العلم والأدب، بل أكثر العوام.

وبعبارة أخرى: لو أن الله تعالى أراد بالآية المباركة نساء النبي صلى الله عليه وآله جميعا " لأنث الضمير، ولقال عز من قائل (عنكن) و (يطهركن) كما أنث الضمائر المتقدمة والمتأخرة لما خاطب النساء بها، فتذكير الضمير أكبر دلالة على خروج الأزواج من الآية الشريفة.

وقد جاء في تفسير علي بن إبراهيم (1) عن زيد بن علي عليه السلام أنه قال: إن جهالا " من الناس يزعمون أنه إنما أراد الله بهذا أزواج النبي صلى الله عليه وآله وقد كذبوا وأثموا، وأيم الله لو عنى بها أزواج النبي صلى الله عليه وآله لقال:

(عنكن الرجس ويطهركن تطهيرا) ولكان الكلام مؤنثا "، كما قال:

(واذكرن ما يتلى في بيوتكن) (2) و (لا تبرجن) (3) و (لستن كأحد من النساء) (4).

إذن فلا يجوز أن تكون الآية في نساء الرسول صلى الله عليه وآله حتى ولا إشراكهن معهم، لأن الله قد هددهن قبل آية التطهير، بقوله تعالى:

(يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا " جميلا " * وإن كنتن تردن الله ورسوله

____________

1 - { ص 531 }.

2 - الأحزاب: 34.

3 - الأحزاب: 33.

4 - الأحزاب: 32.


الصفحة 98
والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا " عظيما " * يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ") (1).

وأيضا " هددهن الله بقوله:

(إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير * عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا " خيرا " منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ") (2).

هذا منطوق الآيات، وأما مفهومها فهكذا:

يا نساء النبي ! أنتن لستن بمؤمنات، ولا قانتات، ولا تائبات من ذنوبكن، ولا عابدات ولا سائحات... الخ، وذلك إن بقيتن على إيذائه صلى الله عليه وآله (3).

وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله قد هجرهن شهرا " لإيذائهن له صلى الله عليه وآله (4)، راجع تفاسير السنة أجمع، ومن الواضح أن فيهن من حاربت عليا " والحسن والحسين عليهم السلام وحربهم حرب الله بنص من رسول الله (5)، ولا

____________

1 - الأحزاب: 27 - 30.

2 - التحريم: 4 - 5.

3 - قال المؤلف: لا يخفى على من تتبع سيرتهن أن المراد منهن مجموعهن لا جميعهن.

4 - أنظر تفسير الكشاف للزمخشري: 4 / 563 والتخريجات التي بهامشه.

5 - روى أحمد في مسنده: 2 / 442 بإسناده إلى أبي هريرة قال: نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى علي والحسن والحسين وفاطمة، فقال:

(أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم).

الصفحة 99
تنسى أن عائشة لما قادت قوة مسلحة في تشييع الحسن عليه السلام لمنعهم من دفنه مع النبي صلى الله عليه وآله (1) ولو بقيت ليوم الحسين عليه السلام لربما انتدبها ابن ميسون لحرب الحسين عليه السلام لما يعلم من رأيها في الخروج لقتال أهل البيت عليهم السلام للإصلاح بين الأمة، لذلك خاطبها ابن عباس (رض) كما في الصوارم بقوله:

تجملت تبغلت ولو عشت تفيلت * لك التسع من الثمن وبالكل تملكت (2)

أي تملكت حجرتك مع أن لك تسع ثمنها وباقي الثمن لزوجاته صلى الله عليه وآله وسبعة أثمانه لفاطمة عليها السلام، ثم لولدها عليهم السلام فإذا كان بعض نسائه سامحها الله هكذا، فكيف يدخلن في آية التطهير من الذنوب ؟ !

وقد ورد أن عائشة قالت له مرة في كلام غضبت عنده: أنت الذي

____________

1 - روى أبو الفداء في المختصر في أخبار البشر: 1 / 183 قول عائشة:

البيت بيتي ولا آذن أن يدفن فيه ! ! عنه إحقاق الحق: 11 / 179.

2 - الصوارم المهرقة: 158، جاء فيه:... مع أن احتمال ملكية الأزواج لبيوتهن مما أبطله إنشاد ابن عباس (رض) على عائشة حين مجيئها راكبة على بغلة لمنع أن يطاف بجنازة الحسن عليه السلام في حجرة النبي صلى الله عليه وآله وذكر البيت.

وتجدر الإشارة إلى أن كتاب (الصوارم المهرقة) هو للعلامة المجاهد القاضي نور الله التستري الملقب (الشهيد الثالث)، ألفه ردا على كتاب (الصواعق المحرقة) لابن حجر الهيثمي، وهو أول رد على (الصواعق) بأسلوب متين رصين يعضده قلمه رحمه الله البالغ قمة مراتب البلاغة وجودة التقرير، فهو والحق يقال سفر نفيس، ومؤلف نافع، وكتاب شريف، فلله دره وعليه أجره.


الصفحة 100
تزعم أنك نبي الله (1) ! !

فبالله عليك أيقال مثل هذا لرسول الله صلى الله عليه وآله ؟ ! أفيليق مع أفعالهن المخالفة لآداب الزوجية، فضلا " عن كونه رسول الله صلى الله عليه وآله أن يشركن أهل البيت في التطهير من الرجس وهن منغمسات فيه ؟ !

ولو كانت شاملة لنساء النبي صلى الله عليه وآله خصوصا " عائشة، لطبلت وزمرت، وأسمعت الأحياء جميعا " حتى الموتى، ثم لو أريد الأزواج منها على نحو الاختصاص أو الاشتراك مع الخمسة، لكانت أم سلمة أحق بالدخول لمنزلتها عند رسول الله صلى الله عليه وآله ونزول الآية في بيتها (فلما لم يردن) أخرجها رسول الله صلى الله عليه وآله بجذب الكساء (2) من يدها - وبقوله حينما سألته: ألست من أهلك ؟ -:

(لا، قفي مكانك وأنت إلى خير) كما أخرج عائشة وزينب بمنعهما من الدخول معهم وأجابهما بمثل ما أجاب به أم سلمة.

وما غشى رسول الله صلى الله عليه وآله عليا " وفاطمة والحسنان بالكساء، وألوى يده عليهم مخاطبا " لهم: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ") إلا ليفصلهم عن غيرهم من المسلمين أجمع، أزواجه وغيرهن.

وقوله: (اللهم هؤلاء أهل بيتي، وفي رواية: أهلي) أي لا

____________

1 - { أوردها الغزالي في الباب الثالث من الجزء الثاني من (إحياء العلوم) وفي الباب الرابع والتسعين من كتابه (مكاشفة القلوب) }.

2 - أنظر حديث أم سلمة وذكرها لحديث (الكساء) ص 106 وما بعدها.


الصفحة 101
غيرهم، فالمفسر للآية رسول الله صلى الله عليه وآله فأي تفسير يقبل بعد تفسيره ؟

أيخرج نساءه من جاء بالقرآن، ويدخلهن من لا يعلم تأويله ؟ !

وأيضا " أن أكبر دليل على عدم كون نساء النبي صلى الله عليه وآله من أهل بيته عدم إخراجه لهن يوم باهل نصارى نجران، وكان قد وعدهم بإخراج نسائه على ما حكاه القرآن بقوله:

(فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) (1).

كما خطب سيد النصارى حزبه، فقال: إن خرج محمد صلى الله عليه وآله بأهل بيته، فلا تباهلوه، وإن خرج بأصحابه فباهلوه.

وبإجماع من المفسرين والمؤرخين أن النبي صلى الله عليه وآله لم يخرج معه للمباهلة سوى (علي وفاطمة وابنيهما الحسنين عليهم السلام) فانجلى أنهم أهل بيته دون غيرهم، ولو وجد سواهم لأخرجه النبي صلى الله عليه وسلم يباهل به في أعظم موقف تنازع فيه الحق والباطل.

فهؤلاء الذين باهل بهم النبي صلى الله عليه وآله نصارى نجران هم الذين أذهب الله عنهم الرجس في القرآن المجيد، على أن المتبادر من لفظة (أهل البيت) عند إطلاقها: العترة الطاهرة عليهم السلام وهم: (علي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام) ولا دخل للأزواج فيها، ولذا أطلقها النبي صلى الله عليه وآله عليهم مذ أوصى بهم، وأبان فضلهم في أحاديثه المتواترة المروية في صحاح المسلمين ومسانيدهم، ولم يحتمل أحد دخول الأزواج تحت تلك الأحاديث،

____________

1 - سورة آل عمران: 61.


الصفحة 102
فمنها الحديثان العظيمان المعتبران، اللذان رواهما جمهور المسلمين:

الأول: حديث (الثقلين) (1) وهو قول النبي صلى الله عليه وآله:

(إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ") (2).

الثاني: حديث (السفينة) (3) وهو قوله صلى الله عليه وآله:

(مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى) (4).

هذا وقد أصبح ذلك أمرا " مفروغا " منه لدى المسلمين، فتراهم ينادون في محافلهم بمديح أهل البيت عليهم السلام، ويطلقونها عليهم، ولا يخطر ببالهم شمولها للأزواج.

وقد نظم شعراء الفريقين أشعارا " في مدح أهل البيت عليهم السلام، وخصوها بالخمسة أهل الكساء ليس إلا، ولم نسمع شاعرا " واحدا "

____________

1 - يأتي بتمامه وتخريجاته ص 203.

2 - قال المؤلف: هذا الحديث أخرجه أكابر علماء السنة قديما " (2) وحديثا " في كتبهم من الصحاح، والسنن، والمسانيد، والتفاسير، والسير، والتواريخ، واللغة، وغيرها كصحيح مسلم: 7 / 122، وسنن الترمذي: 2 / 307، وسنن الدارمي: 2 / 332، ومسند أحمد بن حنبل: 3 / 14 و 17 و 36 و 59، وغيرهم.

3 - يأتي بتمامه وتخريجاته ص 232.

4 - قال المؤلف: رواه جماعة كثيرة من أعاظم علماء السنة منهم الحاكم في المستدرك: 3 / 343.


الصفحة 103
أدخل في شعره غير هؤلاء الخمسة الأطهار.

أنظر إلى تصريح الإمام الشافعي في قوله:

يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له (1)
ويقصد من أهل البيت (علي وفاطمة والحسنان عليهم السلام) وهكذا غيره من الألوف المألفة من أئمة السنة والجماعة، فإنهم صرحوا أيضا " بأن المقصود منها (عترة المصطفى، وسلالة المرتضى) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ".

نعم أتانا حثالة من حثالة القوم كعكرمة البربري، ومقاتل وغيرهما ممن عرفوا بالكذب على صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله ودسوا أحاديثا " مفتعلة كثيرة، فإليك يا رب المشتكى منهم، ولقد صح عنه صلى الله عليه وآله:

(ستكثر علي الكذابة) (2) وقال صلى الله عليه وآله:

____________

1 - أورده الحنفي القندوزي في ينابيع المودة: 2 / 354 (انتشارات الشريف الرضي).

2 - قال المؤلف: إنما أتى النبي صلى الله عليه وآله بسين التقريب لعلمه أن سيكون ذلك فور موته.

أقول: وهذا ما حدث بالفعل، بل وقبيل وفاته صلى الله عليه وآله ألقى (البعض) بذرة الفتنة والخلاف، وذلك ساعة قال رسول الله صلى الله عليه وآله قبيل رحيله:

(ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا " لن تضلوا بعده).

فقالوا: إن رسول الله يهجر ! ! ! فمنعوه من تدوين الحقيقة... وهذا حديث مشهور، رواه البخاري في صحيحه: 2 / 85 و ج 6 / 11، ومسلم في =

الصفحة 104
من كذب علي متعمدا " فليتبوأ مقعده من النار) (1).

وظاهر أن اختصاص الأزواج أو إشراكهن مع أهل البيت في هذه الآية الكريمة مفتعل ضد أهل البيت عليهم السلام، وكثيرا " ما أتوا بما يضاد أهل البيت بالمفتعلات، والأمر واضح، فيجب حذف تلك الأحاديث المدخولة من الوضاعين الدجالين، وتطهير كتب السير والتواريخ منها.

إذن يتحتم أن تكون (آية التطهير) وإذهاب الرجس عنهم خاصا " بأئمة الهدى من العترة الطاهرة عليهم السلام، الذين هم ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وريحانته، فهم أحق بها وأهلها، وتفيدنا أيضا " لفظة (إنما) المفيدة للحصر إيضاحا ".

وقد ظهر أيضا " بوضوح أن هذه الآية الكريمة دالة على تنزيه عترة النبي صلى الله عليه وآله الأدنين، وهم أهل بيته (علي وفاطمة والحسنين عليهم السلام) من العيوب وعصمتهم من الذنوب، وسيأتي في كتابنا هذا أن الإمامة لا تليق إلا بمن كان نزيها " كذلك من كل عيب وذنب، فثبتت بذلك إمامة

____________

= صحيحة: 3 / 1259 ح 20، وأحمد في مسنده: 1 / 222، وكذا الطبري وابن بطة وغيرهم، فكان ابن عباس بعد ذلك يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسوله الله صلى الله عليه وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، انتهى.

وقد روي عنه صلى الله عليه وآله في حجة الوداع أنه قال: (قد كثرت علي الكذابة، وستكثر...) على ما رواه الطبرسي في الإحتجاج.

1 - أورده ابن الأثير في النهاية: 1 / 159 عن النبي صلى الله عليه وآله.

وقاله رسول الله صلى الله عليه وآله ضمن خطبته في حديث (غدير خم) على ما رواه الشيخ الطوسي في آماليه ص 227 المجلس الثامن.


الصفحة 105
علي عليه السلام وبنيه عليهم السلام قاموا بالأمر أم قعدوا لعدول الناس عنهم، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:

(الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) (1) يعني أنهما منصوبان من قبل الله تعالى ومن كان كذلك لا يخدش بإمامته عدول الناس عنه، وتوليتهم الأمر لغيره، فإن الإمامة ليست بتولية الناس، بل بنص الله وتوليته.

وقد أورد الإمام البحراني في (غاية المرام) أكثر من مائة وعشرين حديثا " في حصر أهل البيت عليهم السلام بهم دون نساء النبي صلى الله عليه وآله، ثلثها تقريبا " من طرق السنة، فراجع.

وقد روى السيوطي في تفسير الدر المنثور (2) على أن نزول الآية في الخمسة (أهل الكساء) وذلك بعشرين طريقا ".

كما رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (جامع البيان) (3) بستة عشر طريقا "، وقد ذكر السيد الأجل آية الله النسابة السيد شهاب الدين المرعشي النجفي في تعليقاته على إحقاق الحق للإمام السعيد الشهيد القاضي نور الله التستري رحمه الله روايات عديدة، وأحاديث كثيرة (4)، كلها من طرق السنة والجماعة على أنها نزلت في الخمسة أهل الكساء.

____________

1 - روى الحمويني في فرائد السمطين (مخطوط) عنه إحقاق الحق: 5 / 56 بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قوله ضمن حديث (الحسن والحسين إماما أمتي بعد أبيها، وسيدا شباب أهل الجنة).

2 - { المجلد الخامس ص 198 }.

3 - { الجزء الثاني والعشرين ص 502 }.

4 - { المجلد الثاني: ص 502 }.


الصفحة 106
ورواها جل المفسرين والمؤرخين، وأهل السير، وعولوا عليها في تصريحاتهم باختصاص الآية الشريفة بالخمسة (أهل الكساء) ولزيادة الإيضاح وتتميما " للفائدة نذكر ما يتيسر لنا ذكره من تلك الأحاديث هنا إن شاء الله.

أخرج الإمام أحمد في مسنده (1) عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله كان يمر ببيت فاطمة عليها السلام ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر، فيقول:

(الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ") انتهى.

وأخرجه الواحدي في تفسير الآية من كتابه (2).

وأخرجه ابن جرير في تفسير الآية من تفسيره الكبير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والطبراني وغيرهم.

وأخرج الترمذي، والحاكم وصححاه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه من طرق عديدة، عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت هذه الآية، وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين، فجللهم رسول الله صلى الله عليه وآله بكساء كان عليه، ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ") انتهى.

وأخرج مسلم في باب فضائل أهل البيت عليهم السلام من صحيحه (3) عن

____________

1 - { الجزء الثالث ص 259 }.

2 - { أسباب النزول: ص 267 }.

3 - الجزء الثاني: ص 331 }. ويأتي الحديث ص 118 بتخريجاته.


الصفحة 107
عائشة، قالت: خرج رسول الله غداة، وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ").

وهذا الحديث أخرجه أحمد من حديث عائشة في مسنده، وأخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصاحب الجمع بين الصحيحين، وصاحب الجمع بين الصحاح الستة، ومن أراد المزيد فعليه ب‍ (رشفة الصادي) لأبي بكر شهاب الدين، على أن في هذا المقدار كفاية لأولي الألباب، ولسيدنا الشريف المفدى الإمام شرف الدين بيان وبرهان في اختصاص آية التطهير بالخمسة أهل الكساء في صفحة 12 من كتابه (الكلمة الغراء) فراجع.

ولا بأس في هذا المقام أن نذكر نبذة من النصوص المصرحة بخروج نساء النبي صلى الله عليه وآله عن الآية الشريفة، ولا ينافي بين هذه النصوص والتي مضت في اختصاص الآية في الخمسة عليهم السلام وإنما أوردناها هنا لما فيها من تصريح النبي صلى الله عليه وآله في إخراج أزواجه منها:

روى أحمد بن حنبل في مسنده (1) عن عبد الملك، عن عطاء بن أبي رياح، قال: حدثني من سمع أم سلمة تذكر أن النبي صلى الله عليه وآله كان في

____________

1 - { المجلد السادس: ص 292].