الصفحة 108
بيتها فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة (1) فدخلت بها عليه، فقال لها:

(ادعي زوجك وابنيك).

قالت: فجاء علي والحسن والحسين، فدخلوا فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة، وهو على منامة له على دكان (2)، وتحته كساء خيبري، قالت: وأنا أصلي في الحجرة، فأنزل الله عز وجل هذه الآية:

(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ").

قالت: فأخذ فضل الكساء، فغشاهم به، ثم أخرج يده، فألوى بها إلى السماء، ثم قال:

(اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ")، قالت: فأدخلت رأسي البيت، فقلت: وأنا معكم يا رسول الله ؟ قال: (إنك إلى خير، إنك إلى خير).

وقال أحمد بعد إيراده الحديث: قال عبد الملك: وحدثني أبو ليلى، عن أم سلمة مثل حديث عطاء سواء.

قال عبد الملك: وحدثني داود بن أبي عوف الجحاف، عن حوشب، عن أم سلمة بمثله سواء.

____________

1 - البرمة: القدر من الحجر. والخزيرة: مرقة، وهي أن تصفى بلالة النخالة، ثم تطبخ، وقيل: الخزيرة والخزيز: الحسا من الدسم والدقيق. والحريرة أرق منها.

2 - الدكان - واحد دكاكين (فارسية) -: شئ كالمصطبة يقعد عليه. (المنجد مادة دكن).


الصفحة 109
وأورد هذا الحديث ابن كثير في تفسيره (1).

وأورده عن عطاء الواحدي في (أسباب النزول) (2).

وأورده عن الواحدي ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) (3).

وأورده في (الطرائف) ص 30 عن الثعلبي، ومسند ابن حنبل بتفاوت يسير في بعض ألفاظه.

وقال السيوطي في الدر المنثور (4): أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه، عن أم سلمة (رض) زوج النبي صلى الله عليه وآله: أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في بيتها على منامة له، عليه كساء خيبري، فجاءت فاطمة ببرمة فيها خزيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

(ادعي لي زوجك وابنيك حسنا " وحسينا ").

فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ").

فأخذ النبي صلى الله عليه وآله بفضلة إزاره، فغشاهم إياه، ثم أخرج يده من الكساء، وأومأ بها إلى السماء، ثم قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ") قالها ثلاث مرات.

قالت أم سلمة (رض): فأدخلت رأسي في الستر، فقلت:

يا رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا معكم ؟ فقال (إنك إلى خير) مرتين.

وروى هذا الحديث سيدنا ومولانا الإمام الأكبر السيد المحسن

____________

1 - { المجلد الثالث: ص 484 }.

2 - { ص 267 }.

3 - { ص 8 }.

4 - { المجلد: ص 198 }.


الصفحة 110
الأمين في (أعيان الشيعة) (1) عن أسد الغابة.

وقال في الدر المنثور (2) أيضا ": أخرج الطبراني، عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام:

(آتيني بزوجك وابنيه)، فجاءت بهم، فألقى رسول الله صلى الله عليه وآله عليهم كساء فدكيا "، ثم وضع يده عليهم، ثم قال:

(اللهم إن هؤلاء أهل محمد - وفي لفظ: آل محمد - فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) قالت أم سلمة رضي الله عنها: فرفعت الكساء لأدخل معهم مجيد) قالت أم سلمة رضي الله عنها: فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي، وقال: (إنك على خير).

وأورد هذا الحديث أحمد بن حنبل في مسنده (3) عن أم سلمة، وأورده أيضا " الكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) (4) عن أحمد في وأورده الطبري في (ذخائر العقبى) (5) وقال بعد إيراده:

أخرجه الدولابي في (الذرية الطاهرة).

وأورد أيضا " هذا الحديث [المتقي الهندي] في (كنز العمال) (6) وابن كثير في تفسيره (7) وابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) (8)

____________

1 - { المجلد الثاني: ص 433 }.

2 - ج 5 ص 198.

3 - { الجزء السادس: ص 323 }.

4 - { ص: 228 }.

5 - { ص: 21 }.

6 - { ج 7 ص 103 }.

7 - { ج 3 ص 484 }.

8 - { ص 7 }.


الصفحة 111
والترمذي في صحيحه (1) والقندوزي الحنفي في (ينابيع المودة) (2) والشبلنجي الشافعي في (نور الأبصار) (3) والشيخ محمد الصبان في (إسعاف الراغبين) بهامش نور الأبصار (4) وغير هؤلاء من أعاظم علماء السنة، ممن يطول الكلام بتعداد أسمائهم، وذلك بتفاوت يسير في بعض ألفاظ الحديث (5).

____________

1 - { ج 2 ص 308 }.

2 - { ص 78 }.

3 - { ص 102 }.

4 - { ص 104 }.

5 - نورد لك عزيزي القارئ أسماء عدة من أعلام القوم - إضافة لما ذكره المؤلف - ممن صرح بنزولها في حقهم واختصاصها بهم، منهم:

ابن داود في المسند: 8 / 274، وأحمد بن حنبل في مسنده: 1 / 331، الحافظ محمد بن عثمان في مسنده على ما في كتاب فلك النجاة: 43، والنسائي في الخصائص: 4، وابن جرير في تفسيره: 22 / 5، والطبراني في معجمه كما في الصواعق: 85، والحاكم في المستدرك على الصحيحين: 2 / 416 و ج 3 / 146، والمؤيد بالله في الأمالي: 23، والبيهقي في السنن الكبرى:

2 / 149، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: ج 10، وابن عبد البر في الإستيعاب: 2 / 460، والواحدي النيشابوري في كتاب أسباب النزول:

267، والبغوي في مصابيح السنة: 2 / 204، والزمخشري في الشاف:

1 / 193، وابن عساكر في تاريخ دمشق: 2 / 204 - 206، وابن الأثير الجزري في أسد الغابة: 2 / 12، وسبط الجوزي في تذكرة الأئمة الباب التاسع: 244، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: 14 / 182، والبيضاوي في تفسيره لسورة الشورى: 387، والطبري في ذخائر العقبى:

21، وأبو الفداء الدمشقي في تفسيره: 3 / 483 (بطرق مختلفة وأسانيد متعددة) والهيثمي في مجمع الزوائد: 9 / 166 - 168، وابن الصباغ المالكي =

الصفحة 112
ففي هذه النصوص الصحيحة المتواترة، المروية لدى عامة المسلمين، دلالات واضحة، وحجج قاطعة، وبراهين ساطعة، على خروج أزواج النبي صلى الله عليه وآله من الآية الشريفة، ونزولها في الخمسة: أصحاب الكساء دون غيرهم، ولا ينكر ذلك إلا متعصب لغير الحق.

وما أوردناه هنا من خروج الأزواج من آية التطهير، ونزولها في الخمسة (أهل الكساء) عليهم السلام كاف في رد من زعم أنها في الأزواج على نحو الاختصاص أو الاشتراك، وأن أردت المزيد على ما قدمنا لك فعليك بمراجعة كتابنا (الشيعة وحجتهم في التشيع).

أقول: فقد ثبت مما ذكرنا أن آية التطهير مختصة بالخمسة أصحاب الكساء، ودالة أيضا " على عصمتهم من جميع الذنوب

____________

= في الفصول المهمة: 7 - 8، والعسقلاني في الإصابة: 2 / 502، وفي فتح الباري في شرح صحيح البخاري: 3 / 2422، والذهبي في تاريخ الإسلام: 3 / 6، ونظام الدين القمي في تفسيره الشهير بتفسير النيسابوري: 3 (في ذيل آية التطهير من سورة الأحزاب المطبوع بهامش الطبري) والسيوطي في الدر المنثور: 5 / 198 - 199 وخواند مير في حبيب السير: 1 / 407، وابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: 85، والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال (المطبوع بهامش مسند أحمد بن حنبل):

5 / 96، والدهلوي في مدارج النبوة: 589، والشبراوي المصري في الإتحاف: 5، واليماني في الروض النضير: 1 / 106، والآلوسي البغدادي في تفسير روح المعاني: 22 / 14، والمالكي في مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار: 84، والنبهاني في الشرف المؤبد لآل محمد صلى الله عليه وآله: 6.


الصفحة 113
والآثام، مما ينغمس فيه غيرهم من كبائر الذنوب وصغارها، وتحقق وثبت أيضا " أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بلا فصل هو علي بن أبي طالب عليه السلام وبعده الحسن، ثم الحسين، ثم التسعة من ولد الحسين متتابعين حسب النصوص الثابتة لدى الفريقين، ودليلنا على مدعانا أمران: الأمر الأول: العصمة، فهي شرط في الإمام عند الشيعة إذ أن الإمام الذي يقتدى به، ويؤخذ منه بعد النبي صلى الله عليه وآله إن لم يكن معصوما " لم يحصل الوثوق بقوله، ولا الاطمئنان بصدقه، وثبوت عصمة الإمام هو ثبوت عصمة النبي صلى الله عليه وآله.

وقد دلت الآية على عصمة الإمام أمير المؤمنين وولديه الحسنين عليهم السلام فتعين أن تكون الخلافة لهم دون غيرهم، وهم الأئمة والخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وكل واحد منهم نص على الإمام من بعده، وهكذا إلى الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه، فيجب الأخذ بقولهم، مع أن غيرهم ليس بمعصوم، وإذا انتفت العصمة ثبت الخطأ والصواب، فلا يصح أن يكون خليفة يتصرف بشريعة الرسول صلى الله عليه وآله.

الأمر الثاني: إن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد تكرر منه ادعاء الخلافة لنفسه في مواطن كثيرة في كتب التاريخ كما ثبت عنه في خطبته (الشقشقية) الثابتة لدى جمهور المسلمين إذ يقول فيها:

لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل

الصفحة 114
القطب من الرحى، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلى الطير (1).

وأيضا " ادعى الخلافة لأمير المؤمنين علي عليه السلام بنت الرسول وبضعته الزهراء الطاهرة المطهرة الصديقة سيدة نساء العالمين، وابناها الحسن والحسين والتسعة من أولاد الحسين عليه السلام فيجب على الأمة جمعاء تصديقهم لعصمتهم، ولا يجوز عليهم الكذب إذ أن الكذب رجس، وهو منفي عنهم بالآية الشريفة، فظهر بوضوح ثبوت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام.

هذا ولم تنحصر أدلة الخلافة بهذه الآية الشريفة فحسب، بل إنه قد استفاضت الأدلة، وتواترت الحجج والبراهين بكثرة لا تحصى حتى اعترف بها المناوئ لهم وعرفها القريب والبعيد، وألف فيها المؤالف والمخالف سلفا " وخلفا " كتبا " بكثرة لا تحصى.

وقد جمع مولانا شيخ الشيعة، وإمام الشريعة، آية الله العظمى الإمام محمد بن يوسف بن المطهر المشتهر: بالعلامة الحلي) رحمه الله ألفي دليل بأن عليا " عليه السلام هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك ألفا " من الأدلة العقلية، وألفا " من الأدلة النقلية، وأسماها (الألفين) فراجع.

____________

1 - راجع شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده: ص 84 (ط. بيروت).


الصفحة 115

(آية المباهلة)

وهي قوله تعالى:

(فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين) (1).

فقد أجمع المفسرون على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم بنزولها في الخمسة الأطهار: محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام.

فهناك رجال الصحابة برمتهم، فلم يدع أحدا " منهم غير علي والحسنين عليهم السلام من الرجال.

ثم هناك أمهات المؤمنين، والهاشميات، فلم يدع منهن واحدة سوى بضعته الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام من النساء.

ولا يخفى على ذي بصيرة أن المراد من الأنفس هنا: هو أخو رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان منه بمنزلة هارون من موسى، الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام إذ جعله الله تعالى في هذه الآية الكريمة نفس محمد صلى الله عليه وآله.

ولعمر الله إنها لفضيلة عظيمة، خصهم الله بها دون من سواهم من

____________

1 - { آل عمران }.


الصفحة 116
الأمة، فقد ذكر ابن حجر في صواعقه رواية عن الدارقطني: أن عليا " يوم الشورى احتج على أهلها، فقال لهم:

أنشدكم بالله، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله في الرحم مني، ومن جعله صلى الله عليه وآله نفسه وأبناءه أبناءه، ونساءه نساءه غيري ؟

قالوا: اللهم لا، الحديث (1).

وقال الشاعر في مدح الإمام عليه السلام:

وهو في آية التباهل نفس ال‍ * مصطفى ليس غيره إياها

ثم إن حديث المباهلة معروف مشهور، وقد ذكره المفسرون والمحدثون، وأهل السير والأخبار، وكل من أرخ حوادث السنة العاشرة للهجرة، وهي سنة المباهلة.

قال الرازي بعد إيراده في تفسيره الكبير: واعلم أن هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث... الخ (2).

وذكر الزمخشري في تفسيره (الكشاف) (3): حول تفسير آية المباهلة، قال: وروي أنهم لما دعاهم إلى المباهلة، قالوا: حتى نرجع وننظر.

فلما تخالوا، قالوا للعاقب (4)، وكان ذا رأيهم:

____________

1 - الصواعق المحرقة: 154 (ط. عبد اللطيف بمصر).

2 - تفسير الرازي: 8 / 85 (ط. البهية بمصر).

3 - { الكشاف: 1 / 482 }.

4 - العاقب: الذي يخلف السيد، وهو ثانية في الرتبة.


الصفحة 117
يا عبد المسيح ! ما ترى ؟ فقال:

والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا " نبي مرسل، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيا " قط فعاش كبيرهم، ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم لتهلكن، فإن أبيتم إلا إلف دينكم، والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل، وانصرفوا إلى بلادكم.

فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وقد غدا محتضنا " الحسين، آخذا " بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها، وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمنوا.

فقال أسقف نجران (1):

يا معشر النصارى ! إني لأرى وجوها " لو شاء الله أن يزيل جبلا " من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.

فقالوا: يا أبا القاسم ! رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرك على دينك، ونثبت على ديننا.

قال: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم.

فأبوا، قال: فإني أناجزكم، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تخيفنا، ولا ترددنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة: ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعا " عادية من حديد.

____________

1 - { قوله: (فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى) أي حبرهم عبد المسيح، انتهى } عن هامش التفسير.


الصفحة 118
فصالحهم على ذلك، وقال: والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لا عنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارا "، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا).

وعن عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج وعليه مرط مرجل (1) من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم فاطمة، ثم فاطمة، ثم علي، ثم قال:

(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ") إلى أن قال بعد ذلك:

وفيه دليل لا شئ أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام (2).

أقول: فيا لها من مكرمة تنبلج لها الصدور، ومنقبة عظيمة لم ينلها أحد قبلهم ولا بعدهم.

1 - المرط: كساء من صوف أو خز كان يؤتزر به.

قال في مجمع البحرين: 5 / 381: مرط مرحل: الموشى المنقوش عليه صورة رحال الإبل.

وروي (مرجل) بالجيم: عليه صور المراجل، وهي القدور.

ونقل عن كتاب العين في باب الحاء المهملة (المرحل): ضرب من برود اليمن سمي مرحلا " لأن عليه تصاوير الرحال وما يشبه، انتهى.

والمرجل من الشعر: المسرح.

2 - تفسير الكشاف: 1 / 368 (نشر آداب حوزة).

تقدم حديث الكساء ص 106 بتخريجاته، وقد أخرجه مسلم في صحيحه من طريق صفية بنت شيبة، عن عائشة، وغفل الحاكم فاستدركه.


الصفحة 119
واعلم أن الأحاديث المعتبرة الواردة متواترة في نزول هذه الآية الشريفة، في شأن أهل البيت: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وذكرها المفسرون والمحدثون، وأهل السير والأخبار، وكل من أرخ حوادث السنة العاشرة للهجرة، وهي سنة المباهلة، وها أنا ذا أقدم لقارئنا الكريم - لزيادة الاطلاع - بعض من أورد ذلك من أئمة أهل السنة والجماعة، فمنهم:

1 - الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري في صحيحه:

حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عباد - وتقاربا في اللفظ - قالا:

حدثنا حاتم - وهو ابن إسماعيل - عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا "، فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال:

أما ما ذكرت ثلاثا " قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة أحب إلي من حمر النعم - إلى أن قال -:

ولما نزلت هذه الآية (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا " وفاطمة وحسنا " وحسينا "، فقال: اللهم هؤلاء أهلي (1).

2 - ومنهم: أحمد بن حنبل في كتابه المسند (2):

حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي قال: حدثنا قتيبة بن سعيد،

____________

1 - صحيح مسلم: 15 / 175 (ط. بيروت).

2 - مسند أحمد بن حنبل: 1 / 185 (ط. مصر).


الصفحة 120
حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول له، وقد خلفه في بعض مغازيه - إلى أن قال -:

ولما نزلت هذه الآية (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا " وفاطمة وحسنا " وحسينا "، فقال: اللهم هؤلاء أهلي.

3 - ومنهم: الطبري في تفسيره فقد أخرج أحاديث كثيرة في ذلك من طرق عديدة، عن زيد ين علي، وعن السدي، وقتادة، وعن ابن زيد، وعن اليشكري (1).

4 - ومنهم السيوطي في (الدر المنثور) عن جابر، وقال في آخره:

قال جابر: (وأنفسنا وأنفسكم) رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي (وأبناءنا) الحسن والحسين (ونساءنا) فاطمة (2).

5 - ومنهم: الواحدي في (أسباب النزول) وقال في آخره:

قال الشعبي: (أبناءنا) الحسن والحسين (ونساءنا) فاطمة (وأنفسنا) علي بن أبي طالب رضي الله عنهم (3).

6 - القندوزي الحنفي في (ينابيع المودة) من طرق شتى على أن عليا " عليه السلام نفس رسول الله حسب نص الآية الكريمة (4).

____________

1 - { تفسير الطبري: 3 / 192 } ط. مصر.

2 - الدر المنثور: 4 / 38 (ط. مصر).

3 - أسباب النزول: 74 (ط. الهندية بمصر).

4 - ينابيع المودة: 52 و 244 و 295 (ط. اسلامبول).


الصفحة 121
7 - ومنهم: الشبلنجي في نور الأبصار (1) أن المراد بنسائنا فاطمة، وبأبنائنا الحسن والحسين، وبأنفسنا نفسه صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام.

8 - ومنهم: الطبري في ذخائر العقبى (2).

9 - ومنهم: الگنجي الشافعي في كفاية الطالب (3).

10 - ومنهم: الحاكم في المستدرك (4).

11 - ومنهم: أبو نعيم في كتابه دلائل النبوة (5).

12 - ومنهم: البغوي صاحب معالم التنزيل (6).

13 - ومنهم: فخر الدين الرازي في تفسيره (7).

14 - ومنهم: الذهبي في تلخيصه، ط. ذيل مستدرك الحاكم (8).

15 - ومنهم الجزري الشهير بابن الأثير في كتاب أسد الغابة (9).

16 - ومنهم: سبط ابن الجوزي في التذكرة (10).

17 - ومنهم: القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (11).

____________

1 - { ص 101 }.

2 - ص 25 (ط. مصر سنة 1356 ه‍).

3 - { ص 54 }.

4 - ج 3 ص 150 (ط. حيدر آباد).

5 - ص 297 (ط. حيدر آباد).

6 - ج 1 ص 302، عنه إحقاق الحق: 3 / 50، ورواه العلامة المذكور في كتاب مصابيح السنة: 2 / 204 (ط. الخيرية) قال: من الصحاح عن سعد بن أبي وقاص، وذكر الحديث.

7 - { 8 / 85 } ط. البهية بمصر. 8 - ج 3 ص 150 (ط حيدر آباد).

9 - ج 4 ص 25 (ط الأول بمصر).

10 - ص 17 (ط. النجف).

11 - ج 3 ص 104 (ط. مصر).


الصفحة 122
18 - ومنهم: البيضاوي في تفسيره (1).

19 - ومنهم: ابن حجر العسقلاني في الإصابة (2).

20 - ومنهم: الشيخ محمد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول (3) فإنه قال ما لفظه:

أما آية المباهلة، فقد نقل الرواة الثقات والنقلة الأثبات نزولها في حق علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، إلى آخر ما قال.

ومنهم، ومنهم، ومنهم، إلى كثير وكثير مما لا يسعنا درج أسمائهم في مؤلفنا هذا، فإن هؤلاء جميعا " أثبتوا في مؤلفاتهم بطرق عديدة معتبرة أن هذه الآية الكريمة نزلت في الخمسة الأطهار عليهم السلام (4).

هذا وقد تعرض سيدنا الإمام البحراني في (غاية المرام) ص 300 لآية المباهلة، ونزولها في علي وفاطمة والحسنين عليهم السلام، فأورد في

____________

1 - ج 2 ص 22 (ط. مصطفى محمد بمصر).

2 - ج 2 ص 503 (ط. مصطفى محمد بمصر).

3 - ص 7 و 8 (ط. طهران).

4 - قال المؤلف رحمه الله: لا غرابة في نزول هذه الآية وغيرها في حق من خصهم الله بها، ولقد أجاد العلامة الحجة السيد الكاشاني في كتابه (مصابيح الجنان) حيث قال في ص 167:

إن الخمسة أصحاب الكساء هم الذين طهرهم الله تعالى من الرجس، وعصمهم من الزلل، وجعلهم حججا " على العالمين، وبعثهم إلى الخلائق أجمعين، وارتضاهم أئمة للمؤمنين، وقدوة للمسلمين، ولأجلهم خلق السماوات والأرضين، وجعلهم سبله وذرائعه، وأبوابه التي يؤتى منها، وأنواره التي يستضاء بها، وأمناءه على بلاده، وحبله المتصل بينه وبين عباده.


الصفحة 123
ذلك تسعة عشر حديثا " من طرق أهل السنة والجماعة، كما أورد خمسة عشر حديثا " من طرق الشيعة.

وقد ذكر سيدنا الأجل آية الله الحجة، السيد شهاب الدين المرعشي النجفي في تعليقاته على إحقاق الحق للإمام السعيد الشهيد القاضي نور الله التستري رحمه الله كثيرا " من أئمة السنة والجماعة الذين تطرقوا إلى مدارك نزول آية المباهلة في شأن الخمسة الأطهار عليهم السلام فراجع (1).

____________

1 - أخرج في كتاب إحقاق الحق: 3 / 46 - 75 و ج 9 / 70 - 91 و ج 14 / 131 - 148 و ج 18 / 389 و ج 20 / 84 - 87 عن جملة من كتب العامة التي أثبتت نزول هذه الآية في رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وقد ذكر المؤلف هنا قسما " منها.

وإليك عزيزي القارئ قسما " آخر منها:

أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن: 2 / 16، الثعلبي في تفسيره كما في العمدة لابن البطريق: 95، البغوي في مصابيح السنة: 2 / 204، الأندلسي المالكي في أحكام القرآن: 1 / 115، ابن الأثير في جامع الأصول:

9 / 470، الطبري في الرياض النضرة: 188، النسفي في تفسيره:

1 / 136، الخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح: 568، والخازن في تفسيره: 1 / 302، وابن كثير الدمشقي في تفسيره: 1 / 370، وفي البداية والنهاية: 5 / 52، وابن الملك في مبارق الأزهار: 3 / 356، والكاشفي في معارج النبوة: 1 / 315، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 115، والإكليل:

53، والحلبي في السيرة المحمدية: 3 / 35، والدهلوي في مدارج النبوة:

500، والترمذي في المناقب المرتضوية: 44، والشبراوي في الإتحاف بحب الأشراف: 5، والشوكاني في فتح القدير: 1 / 316، والآلوسي في تفسير روح المعاني: 3 / 167، والطنطاوي في تفسير الجواهر 2 / 120، والحضرمي في رشفة الصاوي: 35.


الصفحة 124
أقول:

فظهر من هذه الآية الشريفة أن الخليفة يجب أن يكون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله هو علي بن أبي طالب عليه السلام حيث جعله الله نفس محمد صلى الله عليه وآله بعلمه وأخلاقه، وكرمه وشجاعته، وحلمه ووفور أخلاقه الحسنة، ومواهبه الكريمة، وعطفه على الضعفاء، وشدته على ذوي الظلم والطغيان، ومنزلته الرفيعة التي أقامه الله بها ما عدا النبوة بدليل قوله صلى الله عليه وآله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي من بعدي) (1) فلا يجوز تقديم أحد عليه مطلقا "، لأن المتقدم عليه كالمتقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وهذا غير سائغ شرعا "، فتنبه وانصف.

____________

1 - يأتي الحديث: 225 بتخريجاته.


الصفحة 125

(آية المودة)

وهي قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا " إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا " إن الله غفور شكور) (1).

فقد اتفق المفسرون من الشيعة جميعا " على نزول هذه الآية الكريمة خاصة في أهل البيت عليهم السلام: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

وهكذا جاء في تفاسير السنة والجماعة، وصحاحهم ومسانيدهم لكنهم مع اعترافهم بنزولها في العترة الطاهرة، ترى طائفة ضئيلة (2) منهم يتعمدون الخلاف، ويفسرونها على خلاف ما أنزل الله ! !

أما أهل البيت، فقد أجمعوا وكذا أولياؤهم قد اتفقوا في كل سلف وخلف على أن القربى هنا هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله (علي وفاطمة

____________

1 - سورة الشورى: 23.

2 - قال المؤلف: كابن تيمية، وابن كثير، ومن حذا حذوهما من مناوئي أهل البيت عليهم السلام، وحملة الروح الأموية لسوء صنيعهم، وكثرة فريتهم على العترة الطاهرة، وسيلقون جزاءهم يوم الوقوف بين يدي الله ورسوله للحساب.

أقول: وهل تعيق حصيات ابن تيمية وابن كثير وأمثالهم، السيل الجارف لأحاديث أعلام القوم الصحيحة والمشهورة - الآتية عن قريب - وتحول دون إروائه للنفوس الظمأى والمتعطشة للحقيقة ؟ ! للمنصف أن يجيب....


الصفحة 126
والحسن والحسين عليهم السلام) فهم ألصق الناس برسول الله صلى الله عليه وآله.

وأما الحسنة الواردة في الآية، إنما هي مودتهم وموالاتهم، وإن الله تعالى غفور شكور لأهل ولايتهم، وهذا متفق عليه عندنا لا يختلف فيه اثنان، وهو من الضروريات عندنا أيضا " المفروغ منها، وقد جاءت أحاديث معتبرة بذلك عن العترة الطاهرة.

وسنقدم لقارئنا الكريم طائفة من الأحاديث المأثورة عن غيرهم من أهل السنة والجماعة فقط.

أخرج أحمد في المناقب، والطبراني، والحاكم، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس - كما نص عليه ابن حجر في تفسير الآية 14 من الآيات التي أوردها في الفصل الأول من الباب 11 من صواعقه، قال:

لما نزلت هذه الآية، قالوا: يا رسول الله ! من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟

قال صلى الله عليه وآله: (علي، وفاطمة، وابناهما) انتهى.

وهذا الحديث أخرجه عن ابن عباس أيضا ":

ابن المنذر، وابن مردويه (1)، والمقريزي (2)، والبغوي، والثعلبي، في تفاسيرهم، والسيوطي (3) في الدر المنثور، والحافظ أبو نعيم في حليته، والواحدي، وابن المغازلي في المناقب.

____________

1 - { فيما نقله عنهما النبهاني في أربعينه }.

2 - { فيما نقله عنه النبهاني في الشرف المؤبد }.

3 - { فيما نقله عنه في الشرف المؤبد }.


الصفحة 127
ورواه الزمخشري في الكشاف (1) ومحب الدين الطبري في الذخائر (2)، والنيسابوري في تفسيره، والحمويني في الفرائد، وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول (3) وصححه، والرازي في تفسيره، وأبو السعود في تفسيره (هامش تفسير الرازي) (4)، والنسفي في تفسيره (هامش تفسير الخازن) (5)، وأبو حيان في تفسيره (6)، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة (7)، والحافظ الهيثمي في المجمع (8)، والگنجي الشافعي في كفاية الطالب (9)، والقسطلاني في المواهب، وقال: ألزم الله مودة قرباه كافة بريته، وفرض محبة جملة أهل بيته المعظم وذريته، فقال تعالى:

(قل لا أسألكم عليه أجرا " إلا المودة في القربى).

ورواه: الزرقاني في شرح المواهب (10)، والشبلنجي في نور الأبصار (11)، والصبان في الإسعاف بهامش نور الأبصار (12)، وابن حجر في الصواعق (13) والسيوطي في إحياء الميت بهامش الإتحاف (14).

____________

1 - { المجلد الثاني ص 339 }.

2 - { ص 25 }.

3 - { ص 8 }.

4 - { المجلد السابع ص 665].

5 - { المجلد الرابع ص 99 }.

6 - { المجلد السابع ص 516 }.

7 - { ص 12 }.

8 - { المجلد التاسع ص 168 }.

9 - { ص 31 }.

10 - { ج 7 ص 3 و ص 21 }.

11 - { ص 112 }.

12 - { ص 105 }.

13 - { ص 101 و ص 135 }.

14 - { ص 239 }.


الصفحة 128
وروى البخاري في صحيحه (1) عن ابن عباس (رض)، أنه سئل عن قوله: (إلا المودة القربى) فقال سعيد بن جبير:

قربي آل محمد صلى الله عليه وآله.

وروى الطبري في نفسه (2) عن سعيد بن جبير في قوله تعالى:

(قل لا أسألكم عليه أجرا " إلا المودة في القربى) قال:

هي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله.

وروى ابن حجر العسقلاني في (الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف) (3) قال: أخرج الطبراني، وابن أبي حاتم، والحاكم في مناقب الشافعي من رواية حسين الأشقر، عن قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قيل:

يا رسول الله ! من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟

قال: (علي، وفاطمة، وابناهما).

وروى القندوزي الحنفي في ينابيع المودة، قال: أخرج أحمد في مسنده بسنده، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه، نزول الآية في الخمسة (4).

وأخرج الطبراني في معجمه الكبير أيضا " نزول الآية في الخمسة.

وأخرج ابن أبي حاتم أيضا " في تفسيره نزول الآية في الخمسة.

____________

1 - { المجلد السادس ص 129 }.

2 - { المجلد الخامس والعشرون ص 14 و ص 15 }.

3 - { ص 145 }.

4 - ينابيع المودة 106 ط. اسلامبول.


الصفحة 129
وأخرج الواحدي في الوسيط أيضا " نزول الآية في الخمسة.

وأخرج الحاكم في المناقب أيضا " نزول الآية في الخمسة.

وأخرج أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء أيضا " نزول الآية في الخمسة.

وأخرج الثعلبي في تفسيره أيضا " نزول الآية في الخمسة.

وأخرج الحمويني في فرائد السمطين أيضا " نزول الآية في الخمسة.

وروى أبو بكر بن شهاب الدين الشافعي في كتابه (رشفة الصادي) (1) أخرج الملا في (سيرته حديث: (إن الله جعل أجري عليكم المودة في القربى، وإني سائلكم عنهم غدا ").

وأخرجه أحمد في (المناقب) والطبراني في (الكبير) وغيرهما، عن ابن عباس (رض) قال: لما نزلت هذه الآية: (قل لا أسألكم عليه أجرا " إلا المودة في القربى) قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال: (علي، وفاطمة، وابناهما).

ونقل البغوي في تفسيره، والثعلبي وجزم به، عن ابن عباس (رض) قال: لما نزل قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا " إلا المودة في القربى) قال قوم في نفوسهم: ما يريد إلا أن يحثنا على أقاربه ! !

فأخبر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله إنهم اتهموه، فأنزل:

(أم يقولون افترى على الله كذبا ") (2) فقال القوم: يا رسول الله !

نشهد أنك صادق.

فنزل (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) (3).

____________

1 - { ص 21 }.

2 - سورة الشورى: 24.

3 - سورة الشورى: 25.


الصفحة 130
أخرج الطبراني في الأوسط والكبير، عن أبي الطفيل خطبة الحسن عليه السلام وفيها: وإنا من أهل البيت الذين افترض الله سبحانه مودتهم وولايتهم، فقال فيما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله:

(قل لا أسألكم عليه أجرا " إلا المودة في القربى).

وفي رواية: وإنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم، وأنزل فيهم (قل لا أسألكم عليه أجرا " إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ") واقترف الحسنة: مودتنا أهل البيت.

وروى السدي، عن ابن عباس (رض) في قوله تعالى: (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ") قال:

المودة في القرآن لآل محمد صلى الله عليه وآله.

وأخرج الحاكم في المستدرك (1) بحذف أسانيده عن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي بن الحسين، قال: خطب الحسن بن علي الناس حين قتل علي عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه - إلى أن قال -:

وإنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وإنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله:

(قل لا أسألكم عليه أجرا " إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ") فاقتراف الحسنة: مودتنا أهل البيت.

____________

1 - { المجلد الثالث ص 172 }.


الصفحة 131
الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك (1) بهامش المستدرك أورد الحديث المذكور المتقدم عن المستدرك.

وأخرج الزمخشري في تفسير الكشاف (2) قال:

روي أنهما لما نزلت، قيل: يا رسول الله ! من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال: (علي وفاطمة وابناهما).

وروي عن علي عليه السلام قال: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حسد الناس لي، فقال: أما ترضى أن تكون رابع أربعة:

أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين،... الخ.

ورواه الكريمي، عن عائشة بسنده، عن علي عليه السلام.

ورواه الطبراني من حديث أبي رافع، تخريج الكشاف.

عن النبي صلى الله عليه وآله قال: (حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي) رواه الثعلبي من حديث علي عليه السلام تخريج الكشاف.

وروى الخوارزمي في كتابه (مقتل الحسين) (3) نزول الآية في الخمسة، بعين العبارة المتقدمة.

وروى ابن بطريق في (العمدة) (4) من (مسند أحمد) بحذف الأسانيد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس نزول الآية في الخمسة بعين العبارة المتقدمة.

____________

1 - { المجلد الثالث ص 127 }.

2 - { المجلد الثالث ص 402 }.

3 - { ص 1 }.

4 - { ص 23 وابن بطريق هو من علماء المائة السادس }.


الصفحة 132
وروى محمد بن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول) (1) قال ما لفظه: أما كونهم ذوي القربى، فقد صرح نقلة الأخبار المقبولة، وأوضح حملة الآثار المنقولة في مسانيد ما صححوه، وأساليب ما أوضحوه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: لما نزل قوله تعالى:

(قل لا أسألكم عليه) الخ قالوا: يا رسول الله ! من هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم ؟ قال صلى الله عليه وآله: (علي، وفاطمة، وابناهما).

ومن جملة من نقل ذلك: الإمامان: الثعلبي، والواحدي، وكل واحد منهما رفعه بسنده، روى الثعلبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين، فقال: (أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم).

وروى الحجازي في تفسيره الواضح (2) قال ما لفظه: وقيل: هم علي وفاطمة وابناهما - إلى أن قال -:

روي هذا المعنى عن رسول الله وهو المبين عن الله عز وجل.

وروى الگنجي الشافعي في (كفاية الطالب) (3) بحذف الأسانيد، عن جابر بن عبد الله، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال:

يا محمد ! أعرض علي الإسلام.

فقال: (تشهد أن لا إله لا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا " عبده ورسوله).

____________

1 - { ص 8 }.

2 - { ج 25 ص 19 }.

3 - { ص 31 }.


الصفحة 133
قال: (لا، إلا المودة في القربى).

قال: قرابتي أو قرابتك ؟

قال: (قرابتي).

قال هات أبايعك، فعلى من لا يحبك ولا يحب قرابتك لعنة الله.

فقال النبي صلى الله عليه وآله: (آمين).

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة المتواترة الواردة من طرق السنة والجماعة، راجع كتبهم تجدها بكثرة مدهشة، وقد جمع سيدنا الشريف آية الله النسابة السيد شهاب الدين المرعشي النجفي في تعليقاته على إحقاق الحق للإمام السعيد الشهيد القاضي نور الله التستري (1) أحاديث كثيرة من مصادر القوم (السنة) مع ذكر رواتهم فراجع، وهكذا شيخنا الحجة المجاهد الكبير فخر الشيعة العلامة الأميني في كتابه الغدير (2) فراجع.

____________

1 - { المجلد الثالث ص 2 إلى ص 23 }.

2 - { المجلد الثاني ص 306 }.

وسنجمل لك أيها القارئ العزيز بعضا " منها إضافة لما ذكره المؤلف لتكون الصورة أوضح، والحجة أبلغ:

فقد رواه كل من:

الطبراني في المعجم الكبير: 131، الخوارزمي في مقتل الحسين: 57، الطبري في ذخائر العقبى: 25، ابن تيمية الحنبلي في منهاج السنة: 2 / 250 لكنه أسقط قوله: الذين وجبت علينا مودتهم. التفتازاني في شرح المقاصد:

2 / 219، القسطلاني في المواهب اللدنية: 7 / 3، أبو الطيب في فتح البيان: 8 / 270، السيوطي في إحياء الميت: 110، الشبراوي في الإتحاف: 5، الأمر تسري في أرجح المطالب: 57، البلخي في ينابيع المودة: 261، الإدريسي في رفع اللبس والشبهات: 8، بهجت أفندي في =

الصفحة 134
فلله در كتب القوم (السند) فإنها أثبت مدعى الشيعة منها لكثرة ما فيها من الأحاديث المعتبرة المتواترة في أحقية علي وسائر أهل بيته عليهم السلام والحق ظاهر، والحمد لله.

وبالجملة فقد تعين بهذه الآية الكريمة كون الإمام والخليفة بعد رسول الله عليه وآله بلا فصل هو الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام لظهور دلالة الآية الشريفة على أن مودة علي عليه السلام واجبة بمقتضى الآية حيث جعل الله تعالى أجر الرسالة بما يستحق به الثواب الدائم مودة ذوي القربى، إذ

____________

= تاريخ آل محمد: 44، النبهاني في الشرف المؤبد: 72، وفي الأنوار المحمدية: 433، الساعاتي في بلوغ الأماني المطبوع في ذيل الفتح الرباني:

18 / 265.

أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة: 218، والرازي في تفسيره: 27 / 166، البيضاوي في تفسيره: 4 / 123، النيسابوري في تفسيره 25 / 31، أبو حيان في تفسيره البحر المحيط: 7 / 516، ابن كثير الدمشقي في تفسيره:

4 / 112، الهيثمي في مجمع الزوائد: 9 / 103، السيوطي في تفسيره:

6 / 7، غياث الدين في حبيب السير: 11، الحنفي في المناقب المرتضوية:

49، الكاشفي في المواهب: 2 / 243، الشوكاني في تفسير فتح القدير:

4 / 522، عبد الكافي في السيف المسلول: 9، الحداد في القول الفصل:

482، الهمداني في مودة القربى: 7 و ص 107، الحيدر آبادي في مناقب علي: 53، الحلبي في ضوء الشمس: 101، الحنفي في البريقة المحمودية:

1 / 12، الهندي في وسيلة النجاة: 41.

(روى الحديث عن المدارك والبيضاوي والثعلبي والكشاف) اللكهنوي في مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيد المرسلين: 2، الحنفي في شرح الجامع الصغير في حاشيته: ص 73.


الصفحة 135
مع وقوع الخطأ منهم (1) يجب ترك مودتهم لقوله تعالى: (لا تجد قوما " يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) (2) وغير علي عليه السلام ليس بمعصوم بالإتفاق.

إذن يكون هو الإمام بلا فصل ليس إلا.

قال آية الله العظمى الإمام المجاهد الشهيد القاضي نور الله التستري في إحقاق الحق (3):

إن إقامة الشيعة للدليل على إمامة علي عليه السلام علي أهل السنة غير واجب بل تبرعي، لاتفاق أهل السنة معهم على إمامته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.

غاية الأمر أنهم ينفون الواسطة، وأهل السنة يثبتونها، والدليل على المثبت دون النافي كما تقرر في موضوعه، إلا أن يرتكبوا خرق الإجماع بإنكار إمامته مطلقا "، فحينئذ يجب على الشيعة إقامة الدليل، والله الهادي إلى سواء السبيل (4).

____________

1 - أي مخالفهم والطامع بمنزلتهم.

2 - سورة المجادلة: 22.

3 - { المجلد الثالث: ص 23 }.

4 - قال محي الدين ابن عربي (نقلا " عن إحقاق الحق: 2 / 223):

فما طلب المبعوث أجرا " على الهدى بتبليغه إلا المودة في القربى

الصفحة 136

(آية الصلاة)

وهي قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ") (1) اتفقت كلمة الشيعة أجمع على أن هذه الآية الكريمة نزلت في حق النبي وآله الأطهار، وجرى على منهجهم كثير من علماء السنة، وإليك أيها القارئ الكريم ما ورد فيها من الروايات الثابتة من طريق المخالف عدا عن المؤالف:

1 - روى محمد بن إدريس الشافعي في مسنده، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد، أخبرنا صفوان بن سليم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أنه قال: يا رسول الله ! كيف نصلي عليك ؟

فقال: تقولون: (اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، ثم تسلمون علي) (2).

2 - وروى ابن حجر في صواعقه، قال: صح عن كعب بن عجرة، قال: لما نزلت هذه الآية، قلنا: يا رسول الله، قد عرفنا

____________

1 - سورة الأحزاب: 56.

2 - مسند الشافعي: 2 / 97 (ط. السعادة بمصر).


الصفحة 137
كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك ؟

قال: قولوا: (اللهم صل على محمد وآل محمد) إلى أن قال:

وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: (لا تصلوا علي الصلاة البتراء).

فقالوا:

وما الصلاة البتراء ؟ قال: تقولون: (اللهم صل على محمد وتمسكون، بل قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد) (1).

____________

1 - الصواعق المحرقة: 144 (ط. المحمدية بمصر).

قال المؤلف: لقد أتى ابن الحجر في صواعقه ما يثبت مدعى الشيعة في تفضيل آل محمد على جميع الأمة لأن النبي صلى الله عليه وآله أقامهم مقام نفسه في الصلاة والسلام عليه، وفي كثير من حوالة صلى الله عليه وآله، ولكن مع الأسف أن أهل الحسد والبغضاء تصرفوا في الروايات حسب ما تشتهيه أهواءهم، فأفردوا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وتركوا الآل، وهي التي نص الرسول صلى الله عليه وآله عليها وسماها صلاة البتراء، وإذا ذكروا - في الصلاة عليه - الآل أتوا بأصحابه مرة، وبالأزواج والأصحاب أخرى، وقد أتانا ابن الحجر هنا برواية فيها حذف الآل، والغرض من هذا كله جعل أهل البيت عليهم السلام كغيرهم تمويها " على السذج من الناس ليدرؤوا عمن تقدم عليهم النقد، وهذا ظاهر لمن تجرد عن العصبية.

وقد تعرضت لكثير من مناقضات ابن حجر وغيره في كتابي (الشيعة وحجتهم في التشيع) راجع هناك تجد فيها ما يغنيك، وقد قال الإمام الشافعي:

يا أهل بيت رسول الله حبكم * فرض من الله في القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنكم * من لم يصل عليكم لا صلاة له

وقد نسب هذين البيتين إلى الشافعي الزرقاني في شرح المواهب ص 7، وجمع آخرون، وأخرجه أحمد في مسنده 6 / 323، وأخرجه ابن حجر في صواعقه باب 10.