الصفحة 73
ففي هذه الفقرة يعترف انّ الشيعة من الفرق الاسلامية، وقد تقدّم انّها ليست اسلامية كما جاء في كلامه وان الشيعة كفار، فهذا الكاتب لا يعي ما يقول ولا يلتفت الى معاني كلامه، ثمّ إنّ ما ذكر من انّ الشيعة تدخل في الاحاديث وتفتري، فهذا كذب صريح على الشيعة، وليس هناك احد من المسلمين من اعتنى بصيانة الحديث والدفاع عنه كما فعل الشيعة في تاريخهم حيث الّفوا الكتب الرجالية التي تتناول حياة الرواة والبحث عن احوالهم ومدى ما يمكن الاعتماد على أقوالهم في نقل الاحاديث ولم يقبلوا الحديث المروي الاّ بعد عرضه على القرآن الكريم، وكون راوية ثقة معروفاً بالامانة في النقل على تفاصيل مذكورة في محلها، فليس الامر كما ادّعاه هذا الكاتب.

قال الكاتب: إنّ الاسلام المتّبع عند الامة الاسلامية على مدار 1400 سنة الماضية نزل بواسطة الوحي ولم يأت هذا الاسلام كفكرة بشرية خالصة حسب رغبتهم، ولكن ليس عند الشيعة ركن وأساس في القرآن أو السنة، بل الركن قائم عندهم ومبني على الفكر البشري البحت لنيل صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وقتلهم...

ونقول: انّ الشيعة تعتمد على القرآن وما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله

الصفحة 74
واهل بيته ويستندون في عقائدهم وأحكامهم على هذه المصادر وليس الامر كما ذكر هذا الكاتب افتراء عليهم وزوراً وبهتاناً. إن الشيعة يتعبّدون في جميع امورهم بما جاء عن الشرع ولا يجوزون العمل بالرأي والقياس والاستحسانات التي يعتمد عليها غيرهم من بعض المذاهب السنية ولهم في ذلك ادلّتهم العقليّة والنقليّة المبثوثة في كتبهم، ولكن هذا الكاتب لا يتقي الله في اتّهام غيره بما هو متلبّس به وبما يعتقده من حيث يشعر، او لا يشعر وليته طالع كتب الشيعة العقائديّة والفقهيّة لوجد هذه الحقيقة ثابتة، ولكنه لا يفعل ذلك وإن فعل فإنّما هو بلا رويّة وتدبّر ومن غير انصاف، بل من اجل التحوير والتزوير والاتهام.

قال الكاتب: انّ ما عليه الشيعة هو تحريف القرآن والسنة من خلال التفاسير الكاذبة التي توافق مبانيهم تمام الانسجام.

ونقول: هل وجد هذا الكاتب قرآناً عند الشيعة يخالف نسخ القرآن الموجودة عند السنّة، ليتوجّه هذا الكاتب الى اقرب مسجد للشيعة وليرى نسخ القرآن فيه ويتصفحها ليجد هل فيها اختلاف بينها وبين نسخ القرآن الموجودة عند السنة.

ووالله لو فعل ذلك لما وجد الاّ نفس النسخ بل ونفس الطبعات، وانّ القرآن عند الشيعة هو نفس القرآن عند السنّة،

الصفحة 75
فلماذا هذا الكذب والافتراء؟ ولماذا هذا التجني على الشيعة بلا سبب؟ هل كان ذلك لاختلافهم في الرأي في بعض النظريات مع السنة؟ فليس هذا الاختلاف دافعاً لهذا الافتراء وقول الباطل كما يفعله هذا الكاتب التي ينفث حقده وعداوته بلا سبب، ونحن نتحدّى هذا الكاتب ان يأتي بنسخة من القرآن محرّفة عند الشيعة وهو لن يجد من ذلك شيئاً؛ لان القرآن المتداول عند الشيعة ونقرأه صباحاً ومساء هو نفس القرآن الموجود عند السنّة ولا اختلاف بين نسخ القرآن الموجودة بين كافّة المسلمين.

وسيأتي الكلام عن هذا الموضوع بالذات في الصفحات والبحوث القادمة.

الشيعة وعصمة الائمة ومقاماتهم عليهم السلام

قال الكاتب: على سبيل المثال يدعون انّ الامام علياً ومن يتّخذونهم ائمّة دينهم لا ذنب لهم وما كانوا مخطئين كالانبياء.

ونقول: ان هذا الكاتب لا يملك أسباب البحث ومناهجه فهو يخلّط في كلامه بين ما يتناسب مع موضوع البحث وما لا يتناسب معه، فهذا المثال الذي يأتي به لا يتناسب مع كلامه حول

الصفحة 76
تحريف الشيعة للقرآن، وله من هذا القبيل الشيء الكثير مما يدل على انّ نفس الكاتب مضطربة اشدّ الاضطراب وعلى ايّ حال فهذا الكاتب يقول ان الشيعة تقول بعصمة الائمة عليهم السلام وهذا صحيح وعليه عقيدتنا ولا نتنازل عن ذلك ابداً، ودليلنا صريح القرآن الكريم حيث قال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)(1).

فإنّ هذه الآية صريحة في انّ الله تعالى اذهب الرّجس عن اهل البيت، والرّجس هو اسم عامّ لكل الآثام وقبائح الاعمال ونتيجة هذا خلو اهل البيت عليهم السلام عن ذلك ولا تعني بالعصمة غير هذا، وأمّا من هم اهل البيت؟ فالمرجوّ من حضرة الكاتب ان يكلّف نفسه بمراجعة كتب التفاسير السنية ليعرف من هم هؤلاء الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

ويدل على عصمتهم ايضاً قوله تعالى: (فقل تعالوا ندعوا

____________

1) سورة الاحزاب، الآية 33.

نزلت الآية في حق خمسة وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين راجع تفسير ابن كثير: ج 5 ص 483 و 484 و 485 ط / 2 بمصر وراجع الكشاف للزمخشري: ج 1 ص 192 طبعة مصطفى محمد 369 ط بيروت ـ لبنان.


الصفحة 77
ابناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم)(1) وليراجع هذا الكاتب كتب التفاسير ليعرف المراد من الابناء والنساء والانفس وليقف على دلالة الآية كما قررها علماء السنة في كتبهم هذا غير الآيات الاخرى التي يستفاد منها عصمة اهل البيت عليهم السلام كآية المودّة وغيرها من الآيات الدالة على ان الائمة من اهل البيت عليهم السلام عباد مكرمون منزهون عن ارتكاب المعاصي والذنوب.

ويدلّ على ذلك ايضاً الاحاديث الكثيرة التي رواها علماء السنة في كتبهم كحديث الثقلين وحديث السفينة، وحديث المنزلة، وعشرات بل مئات الروايات المرويّة عن النبي صلى الله عليه وآله فإن اراد هذا الكاتب ان يرد هذه الروايات ولا يقبلها فإنما هو يرد اوّلاً على الله وعلى رسوله، ويطعن في نزاهة الصحابة الذين رووا هذه الروايات ويرد أقوال علماء السنة الذين اثبتوا هذه الروايات في كتبهم وعمل الشيعة على طبقها واستفادوا منها عصمة الائمة عليهم السلام واعتقدوا بذلك، وإذا كان السنة لم يعتقدوا بعصمة

____________

1) سورة آل عمران، الآية 61.

وفي سبب نزول الآية راجع تفسير الطبري: ج 3 ص 299 و 301 الطبعة الميمنية. وراجع تفسير ابن كثير: ج 1 ص 370 و 371 وراجع الدر المنثور لجلال الدين السيوطي: ج 1 ص 33 دار الكتاب العربي، بيروت ـ لبنان.


الصفحة 78
الائمة عليهم السلام فلذلك لا يضرّ بالشيعة؛ لأن الشيعة انما تتعبّد بما يمليه عليها الدليل.

قال الكاتب: ورد في كتاب الطباطبائي وهو احد رموز الشيعة البارزين ورد في كتابه الذي سماه [ الشيعة في الاسلام ] ما نصه: لا يمكن ان تكون هناك امة من الناس دون ان يكون فيهم امام لا فرق في ذلك معروف عندهم ام لا.

ونقول: لما كان الدين هو دين الله وهو من الاهميّة بحيث لا يكون لأيدي البشر يتصرّفون في وضع الاحكام ورفعها بما يبلغ إليه تفكيرهم اقتضت الحكمة الالهية ان يختار الله تعالى نخبة من الناس اجتمعت فيهم الكفاءات التي تؤهلهم للحفاظ على احكام الشريعة وتبليغها الى الناس، ولا يعقل ان يهمل هذا الدين من دون ان يكون له حفظة ورعاة يحفظونه ويدفعون عنه الشبهات ويوصلونه الى الناس وهذا هو معنى الامامة الذي تذهب اليه الشيعة وان الامامة لا تكون من عند الناس يختارون لهم اماماً يجعلونه حاكماً، بل ان الله تعالى هو الذي اختار لعلمه بحقائق الناس وصلاحيتهم للامر والشيعة تعتقد انّ الله تعالى امر نبيه صلى الله عليه وآله ان يعيّن من بعده خلفاء يقومون بمهمّة المحافظة والرعاية لهذا الدين

الصفحة 79
وقد تزوّدوا بجميع المؤهلات من العلم والتقوى والعبادة وغيرها من الصفات الكمالية، وقد قامت الادلة على ذلك وهي مبثوثة في كتب الشيعة العقائدية.

ولما كان هذا الدين باقياً خالداً، فلابدّ من وجود الامام الذي يكون دائم الرعاية لهذا الدين، ويدلّ على ذلك بوضوح قول النبي صلى الله عليه وآله في حديث الثقلين الذي يرويه كلّ المسلمين: " إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض... "(1) وهذا تصريح بعدم الافتراق بين القرآن والعترة وما دام القرآن موجوداً، فلابدّ ان يكون الى جانبه العترة المتمثّلة في الامام المنصوب من قبل الله تعالى على يد النبي صلى الله عليه وآله وبناء على هذا فقد يكون شخص الامام معروفاً ظاهراً يراه الناس كما كان في حياة امير المؤمنين علي عليه السلام وسائر اولاده الائمة من بعده وقد يكون مستتراً لبعض الظروف اقتضت ان يغيب شخصه عن الناس كما في الامام الثاني عشر من ائمة اهل البيت عليهم السلام الذي هو الامام المنتظر وهو من سلالة امير المؤمنين عليه السلام وهذه الغيبة التي يغيبها عن الناس لا تضرّ بمهمّته من رعاية الدين وحفظه، فإنّه مؤيّد من قبل الله تعالى وعلى ذلك قامت الادلة

____________

1) صحيح الترمذي: ج 5 ص 328.


الصفحة 80
وليراجع هذا الكاتب ما قررّه علماء الشيعة في كتبهم ليقف على هذه الحقيقة.

قال الكاتب: لو تطالع كتب الشيعة سوف تجد ان هؤلاء في درجة الانبياء او اكثر، فإنّهم يدّعون ان يكون هؤلاء في مقام الانبياء والاختلاف بينهم وبين الائمة في التسمية فحسب، ففي اعتقاد الشيعة وجد بعد النبي صلى الله عليه وآله ائمة قاموا مقامه ومجرد التسمية لا تغير الاعتقاد والاّ فالنبي والامام شيء واحد.

ونقول: ان الشيعة تعتقد ان الائمة عليهم السلام اختارهم الله تعالى لإمامة المسلمين، وهم خلفاء الرّسول صلى الله عليه وآله، وليسوا بأنبياء فلا نبيّ بعد الرسول صلى الله عليه وآله وقد اتفق الشيعة والسنّة على رواية هذا الحديث: " علي مني بمنزلة هارون من موسى الاّ انّه لا نبيّ بعدي "(1) كما تحدّث القرآن الكريم عن ذلك في قوله تعالى: (ولكن رسول الله وخاتم النبييين)(2)، بل جاء في الاحكام الشرعيّة من الفقه الشيعي انّ من يدّعي النبوّة بعد النبيّ محمد صلى الله عليه وآله فحكمه القتل، بل إّن من ضروريّات مذهب الشيعة الايمان بخاتمية نبوة النبي

____________

1) الجامع الصغير: ج 2 ص 177، الحديث 5597 الطبعة الاولى 1401 هـ 1981 م.

2) سورة الاحزاب، الآية 40.


الصفحة 81
محمّد صلى الله عليه وآله. ثم إن الشيعة تعتقد انّ النبي محمد صلى الله عليه وآله هو افضل الخلق واشرف الممكنات على الاطلاق، وانّ الانبياء عليهم السلام لو بعثوا في زمانه ما وسعهم الا الايمان به واتّباعه، كما اشار القرآن الكريم الى ذلك في قوله تعالى: (وإذ اخذ الله ميثاق النبييّن لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به ولتنصرنّه قال أأقررتم واخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وانا معكم من الشاهدين)(1) على ما جاء في تفسير هذه الآية الشريفة.

ويتلو النبي صلى الله عليه وآله في الفضل والشرف خلفاؤه من بعده وهم الائمة الاثنا عشر عليهم السلام.

واما ما ذكره الكاتب من انّ الائمة عليهم السلام في درجة الانبياء واكثر وانّهم في مقام الانبياء والاختلاف بينهم وبين الائمة في التسمية فحسب...

فالذي تعتقده الشيعة انّ الائمة عليهم السلام خلفاء النبي صلى الله عليه وآله وهم ائمة وليسوا بأنبياء لما ذكرنا من انّ النبوّة ختمت بنبيّنا محمد صلى الله عليه وآله فلا نبيّ بعده.

وأما أفضليّة الائمة عليهم السلام على الانبياء عليهم السلام عد النبيّ محمد صلى الله عليه وآله

____________

1) سورة آل عمران، الآية 81.


الصفحة 82
عند الشيعة الامامية فهو مما قامت عليه الادلّة النقليّة الواصلة اليهم، وساقهم البرهان للاعتقاد بذلك، وايّ ضير فيه على الشّيعة في هذا الاعتقاد؟

ولعلّ الكاتب وأمثاله يستبعدون ذلك، ونرفع هذا الاستبعاد بامرين دون الدخول في التفاصيل فإن لها مقامات اخرى.

الاوّل: ذكرنا آنفاً انّ القرآن الكريم اشار الى انّ الانبياء لو بعثوا في زمان النبي صلى الله عليه وآله لما وسعهم الاّ الايمان به واتباعه، ومقتضى الايمان والاتّباع هو الإمتثال لكل ما يأمر به النبي صلى الله عليه وآله، واتباعه في كلّ شيء، فلو فرضنا انّ الانبياء موجودون في زمان النبي صلى الله عليه وآله ونصّ على إمامة الائمة عليهم السلام وامر باتباعهم فهل يسع الانبياء مخالفة ذلك؟ وحينئذ نسأل ايّهما افضل الامام ام المأموم؟ والتّابع ام المتبوع؟ وإذا ثبتت افضليّتهم في هذا الحال فهي ثابتة في كلّ الاحوال، فليس هناك ما يمنع من القول بأفضلية الائمة عليهم السلام على سائر الانبياء لا عقلاً ولا شرعاً.

الثاني: إنّ السنة رووا في كتبهم ان النبي صلى الله عليه وآله قال علماء امتي كأنبياء بني اسرائيل او بمنزلة انبياء بني اسرائيل، ونحو ذلك وانّ النبي صلى الله عليه وآله يفتخر بعلماء امته يوم القيامة(1) فإذا كان العالم

____________

1) جامع الاخبار ـ الفصل العشرون ـ الحديث 5 ص 111 عن ابي هريرة.


الصفحة 83
المسلم من امّة النبي صلى الله عليه وآله بهذه المنزلة والمكانة، وهو مهما بلغ في علمه فليس بمعصوم، فكيف بمن نصّ القرآن على عصمتهم ونوّه النبيّ صلى الله عليه وآله بفضلهم، وورثوا العلوم عن النبي صلى الله عليه وآله، واستغنوا عن النّاس في المعارف والعلوم، واحتاج الناس الى علومهم ومعارفهم!!

واما قول الكاتب اخيراً ومجرّد التّسمية لم تغيّر النظرة والا فالنبي والامام شيء واحد، فهو من رمي القول على عواهنه من دون معرفة ودليل، وقد تبيّن جوابه مما ذكرنا.

قال الكاتب: في بعض البيانات عن مقام الائمة ورد في كلام ما نصّه: انّه من اعتقادنا نحن الشيعة انّه لا يمكن ان يتأتى لشخص الوصول الى درجة ايمان الائمة حتّى وإن يكن الملك جبرئيل فضلاً عن النبي صلى الله عليه وآله.

ونقول: إن مشكلة هذا الكاتب انه لا يفهم معاني الكلام ولا يلتفت الى المرادات، ولذلك تراه يخلّط في كلامه ويضيف من عند نفسه الاكاذيب والاباطيل من اجل الكيد للشيعة ونظراً لقصور افكاره لا يستطيع ان يفهم المقصود ويفسّر الكلام بحسب نظرته الممزوجة بالحقد والبغضاء.

إن الشيعة قاطبة تعتقد بأفضليّة النبي صلى الله عليه وآله على سائر

الصفحة 84
الكائنات وهو سيد البشر وائمتنا عليهم السلام إنما هم ورثة علمه وليسوا في درجته فضلاً عن كونهم افضل منه ولا ندري من اين لهذا الكاتب ان يسمح لنفسه بأن يرمي الشيعة بالاتهام الباطل ولا يراعي ابسط الاداب الاخلاقيّة في البحث والمناظرة، وكان ينبغي عليه ان يستفهم ويسأل ليبيّن له المراد لا انه يفهم الكلام فهماً خاطئاً ويضيف اليه الاباطيل من عنده ويتّهم بالكفر والفساد كما هي عادته دائماً.

قال الكاتب: وفي نظر الشيعة انّ الائمة الاثني عشر منتخبون من قبل الله تعالى.

ونقول: إنّ انتخاب الائمة تمّ على يد الرسول من قبل الله، وأي ضير في ذلك إذا كان الدليل قام على ذلك. ان النبي صلى الله عليه وآله يقول: " الائمة اثنا عشر كلّهم من قريش "(1) وقد عيّنهم النبي صلى الله عليه وآله ونصّ على إمامتهم والرسول صلى الله عليه وآله (لا ينطق عن الهوى إن هو الاّ وحي يوحى)(2) فما المانع من ذلك. ونؤكّد انّ اختيار الائمة عليهم السلام

____________

1) راجع الجامع الصحيح للترمذي: ج 4 ص 501 باب ما جاء في الخلفاء دار احياء التراث العربي.

وراجع ايضاً كنز العمال: ج 12 ص 32 مؤسسة الرسالة، الطبعة الخامسة. وراجع سنن ابي داود: ج 4 ص 106 ح 4280 و 4281.

2) سورة النجم، الآية 3 و 4.


الصفحة 85
لا على أنّهم انبياء بل هم خلفاء من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وليس الائمة يتلقّون الوحي كما هو الحال عند النبي صلى الله عليه وآله بل الائمة يعرفون الاحكام التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله ويعلمونها الناس لأنّهم اعلم الناس بأحكام الله تعالى بعد النبي صلى الله عليه وآله وفيما تقدم أشرنا الى بعض ما ورد في حق امير المؤمنين عليه السلام، وابناؤه من بعده على هذا النحو، ولهذا كان ائمتنا على مر التاريخ هم المرجع للناس وللعلماء حتى قال ابو حنيفة (لولا السنتان لهلك النعمان)(1) وقال مالك (ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد(2)) والمرجوّ من الكاتب ان يرجع الى كتاب الامام الصادق عليه السلام والمذاهب الاربعة تأليف الشيخ اسد حيدر ليرى ان الامام الصادق عليه السلام وهو الامام السادس من ائمة الشيعة كيف كان له دور بارز في المجالات العلميّة بحيث استفاد منه كافة علماء المسلمين في زمانه وهكذا غيره من سائر الائمة عليهم السلام كانوا في أزمنتهم الملاذ للمسلمين في معرفة احكام الدين والتفسير والحديث وغيرها من علوم الشريعة.

____________

1) راجع كتاب الامام الصادق والمذاهب الاربعة لاسد حيدر: ج 1 ص 70 منشورات مكتبة الصدر طهران، ط / 4 سنة 1413.

2) نفس المصدر السابق: ج 1 ص 53.


الصفحة 86
قال الكاتب: فالامامة كما تفهم عندهم هي النبوّة...

ونقول: نحن نتحدّى هذا الكاتب ان يدلّنا على مصدر من مصادر الشيعة ذكر فيه ان الامامة هي النبوّة، أو انّ المفهوم عندهم من الامامة هو النبوة، إنّ الامامة عندهم هي الرئاسة الدينية والخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله للحفاظ على الاحكام وتبليغها الى الناس، وليس كما يدّعيه هذا الكاتب زوراً وبهتاناً.

قال الكاتب: ولكن الشيعة ليس كذلك فالائمة الاثنا عشر معصومون كالانبياء أنّهم كما يثبتون العصمة الخاصة بالانبياء يثبتونها للائمة عندهم...

ونقول: معنى العصمة في عقيدة الشيعة هي: لطف يفعله الله تعالى بالانسان لا يكون له مع ذلك داع الى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك، وهذه المعصية تشمل جميع الملائكة والأنبياء وائمة اهل البيت عليهم السلام فلا تصدر عنهم العصمة سواء كانت صغيرة او كبيرة عمداً أو سهواً ويعتقدون انّ السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ايضاً كذلك، ولهم على ذلك أدلّة عقليّة ونقليّة مبثوثة في كتبهم العقائديّة، وقد تقدم فيما سبق ان اشرنا الى انّ آية التطهير وآية المودّة وآية المباهلة وغيرها من الآيات

الصفحة 87
التي يستدلّ بها الشيعة على عصمة ائمتهم عليهم السلام ونضيف هنا انه اذا كان الائمة عليهم السلام هم الخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وآله وعلمنا ايضاً ان الخلافة إنّما هي من قبل الله تعالى على يد النبي صلى الله عليه وآله وهم يتولّون مهمة ايصال التعاليم الالهيّة والتعريف بأحكام الله الى الناس فمن الطبيعي ان يكون القائم بهذه المهمّة معصوماً ولو لم يكن معصوماً لكان ذلك نقضاً للغرض، ولا يمكن الوثوق بأقواله وأفعاله ولو جاز ان تصدر عنه المعاصي لما أمكن الاعتماد عليه في سيرته ولا يمكن الركون اليه فكما ان النبي صلى الله عليه وآله معصوم عن ارتكاب الصغائر والكبائر من الذنوب عمداً وسهواً فكذلك خلفاؤه الذين عينهم الرسول بأمر الله خلفاء من بعده وامّا عصمة الزهراء عليها السلام ففيه لكونها أحد افراد آية التطهير مضافاً الى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله مما رواه علماء السنة في كتبهم عن النبي صلى الله عليه وآله " فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن أبغضها فقد أبغضني "(1) وقوله صلى الله عليه وآله " يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها "(2) " فاطمة سيدة نساء العالمين "(3) فاذا كان ايذاء الزهراء إيذاء للنبي صلى الله عليه وآله فما ذلك الا لأن

____________

1) راجع مستدرك الحاكم: ج 3 ص 158.

2) ينابيع المودة: ج 1 ص 203 انتشارات الشريف الرضي، الطبعة السابعة.

3) نفس المصدر السابق.


الصفحة 88
الزهراء عليها السلام لا تقول الاّ الحق ولا تفعل الاّ الحقّ دائماً وأبداً، وهذا هو معنى العصمة، فإن مفهوم العصمة الذي ذكرنا تعريفه هو عبارة عن الالتزام بجادة الحق وعدم الانحراف في القول والعمل، واذا كان الله تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضى فاطمة، فما ذلك الا لأن فاطمة عليها السلام لا تفعل الاّ ما يرضى به الله، ولا تقول الا ما يرضى به الله، ومعنى ذلك أن قولها وفعلها على طبق الحق، وهذا هو معنى العصمة.

ثمّ إن هذا الكاتب ينكر علينا هذا الاعتقاد في أئمّتنا عليهم السلام وقد قامت الادلّة من القرآن الكريم واحاديث النبي صلى الله عليه وآله كحديث الثقلين الذي يدلّ على عصمة العترة حيث قرنهم النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن ونحن نعلم ان القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكذلك العترة، والاّ فلا معنى لأن يأمر النبي بالتمسّك بهم لو كان يحتمل في حقهم ارتكاب الخطأ.

نقول: إنّ هذا الكاتب ينكر علينا ذلك وهو اعتقادنا في أئمتنا عليهم السلام والسيدة الزهراء عليها السلام بضعة النبي صلى الله عليه وآله ومجموع عددهم ثلاثة عشر نفراً الائمة الاثنا عشر مع السيدة الزهراء في حين انه يثبت العصمة الى جميع صحابة النبي صلى الله عليه وآله بلا استثناء ويرى انّهم كلهم على الحقّ، مع ان الواقع التاريخي يكذب هذا الادعاء،

الصفحة 89
فكيف باء هذا الكاتب تجرّ وباؤنا لاتّجر، غير انّه يلقي الكلام على عواهنه من دو تدبّر او تفكير، ونحن اذ ندّعي العصمة لائمّتنا عليهم السلام والسيدة الزهراء عليها السلام نقيم على ذلك الادلّة العقليّة والنقليّة ونتحدّاه ان يثبت ان احد ائمتنا ارتكب ذنباً من الذنوب او معصية من المعاصي، وليقف على تراجمهم وتفاصيل حياتهم مما كتبه علماء السنة ليرى هذه الحقيقة الثابتة التي لا ينكرها الاّ جاهل او مغرض.


وقد أسمعت لو ناديت حيّاًولكن لا حياة لمن تنادي

الشيعة ومعجزات الائمة عليهم السلام

قال الكاتب: ليس المعجزة في الاسلام الاّ خاصة بالانبياء وليس كذلك عند الشيعة بل تعد المعجزة ثابتة للائمة، فعلى هذا فالائمة الاثنا عشر ثبتت لهم معجزات كما ثبتت للانبياء حسب تعاليم الشيعة.

ونقول: ان المعجزة هي: ثبوت ما ليس بمعتاد او نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى(1). وذلك بإقدار من الله

____________

1) كشف المراد في تجريد الاعتقاد ـ المقصد الرابع ـ المسألة الرابعة: ص 275 منشورات مكتبة المصطفوي ـ قم.


الصفحة 90
تعالى، وهيك ما تجري على أيدي الانبياء عليهم السلام كذلك تجري على ايدي بعض الصالحين، وقد تحدّث القرآن الكريم عن ذلك في قصّة مريم عليها السلام واصحاب الكهف وآصف بن برخيا الذي جاء بعرش بلقيس في اقلّ من لمح البصر، هذا مذهب الامامية ويشاركهم في هذا المذهب ايضاً الاشاعرة وجماعة من المعتزلة.

ونتيجة ذلك انّ المعجزة ليست خاصّة بالانبياء عليهم السلام كما يدعي الكاتب، فلا مانع من ثبوتها للائمة عليهم السلام تصديقاً لدعواهم الامامة وتاييداً لهم من قبل الله تعالى، وقد ثبت عن ائمتنا انّهم اقاموا المعجزات من الاخبار بالمغيبات وغيرها من خوراق العادة وقد روي عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال: سلوني قبل ان تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن فئة تضلّ مائة او تهتدي مائة الاّ نبّأتكم بناعقها وسائقها وقائدها الى يوم القيامة(1).

واخبر بقتل ذي الثدية من الخوارج، وبصلب ميثم التمار وأراه النخلة التي يصلب عليها، وبقتل ولد الحسين عليه السلام في كربلاء وغيرها من الحوادث والوقائع التي أخبر عنها قبل وقوعها فليس هناك ما يمنع عقلاً او نقلاً عن صدور المعجزة عن الائمة عليهم السلام

____________

1) راجع كتاب سلوني قبل ان تفقدوني، للشيخ محمد رضا الحكيمي: ج 2 ص 176، مكتبة الصدر، طهران، طبعة 1400 هـ.


الصفحة 91
بل لابد من صدور المعجزة على يد الامام المعصوم عليه السلام كما ثبت ذلك بالدليل العقلي والنقلي.

قال الكاتب: إنفرد الوحي في الاسلام بخصوصيّة نزوله على الانبياء لا غير وهذا ما نجده كثيراً في التعاليم الاسلامية على انه لا يمكن نزول الوحي على اي شخص ما لم يتعيّن بهذا الميزة اي النبوّة، ولكن بحسب تعاليم الشيعة ليس الامر كذلك، فكما ينزل الوحي على الانبياء كذلك ينزل على الائمة بالسواء.

ونقول: قد اجبنا في ما تقدم عن هذه الفرية، ونضيف هنا اننا لا ندعي لائمتنا النبوة فقد ختمت الرسالات السماوية بخاتم الانبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله وقد ذكر ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: (ولكن رسول الله وخاتم النبيين)(1) واشار اليه النبي صلى الله عليه وآله في الحديث المروي عنه " يا علي انت منّي بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي "(2) وإنما دعوانا وعقيدتنا ان الائمة عليهم السلام خلفاء للرسول صلى الله عليه وآله ونوّاب عنه في ايصال الاحكام الى الناس والمحافظة

____________

1) سورة الاحزاب، الآية 40.

2) صحيح مسلم بشرح النووي: ج 8 ص 175، دار الفكر ـ بيروت.

وراجع صحيح البخاري: ج 4 ص 162، كتاب المغازي، دار المعرفة ـ بيروت، ومسند احمد بن حنبل: ج 1 ص 179 وج 3 ص 32.


الصفحة 92
على الدين من عبث العابثين، وقد نص النبي صلى الله عليه وآله على خلافتهم وإمامتهم من بعده وليس معنى هذا هو دعوى النبوة ونعتقد ايضاً ان الوحي لا ينزل على الائمة كما ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وقد كذب هذا الكاتب في نسبة ذلك الى الشيعة وليته ذكر مصدراً من مصادر الشيعة قالوا فيه بذلك.

ثمّ لا يخفى انّ هذا الكاتب يكذب القرآن من حيث يشعر او لا يشعر اذ يقول انه لا يمكن نزول الوحي على ايّ شخص ما لم يتعين بهذه الميزة اي النبوة والحال ان القرآن الكريم ذكر مخاطبة الملائكة لمريم عليها السلام ونزول الملك عليها، فقال تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)(1) وقال تعالى: (إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله يبشّرك بكلمة منه)(2) وقال تعالى: (واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً فاتخذت من دونهم حجاباً فسأرسلنا اليها روحانا فتمثل لها بشراً سوياً قالت إني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقياً قال انما انا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكياً...)(3) وقال تعالى

____________

1) سورة آل عمران، الآية 42.

2) سورة آل عمران، الآية 45.

3) سورة مريم من الآية 16 ـ 19.


الصفحة 93
في قصة ام موسى (وأوحينا الى ام موسى ان أرضعيه...)(1) وقال تعالى: (ولقد مننا عليك مرة اخرى إذ اوحينا الى امّك ما يوحى)(2) فكيف لهذا الكاتب ان ينكر ذلك وهل هذا الاّ تكذيب للقرآن وردّ على كتاب الله.

قال الكاتب: يقول الطباطبائي في كتابه: إن الائمة وان كانوا لا يتلقون جديداً الاّ ان افعالهم وأقوالهم تمثل تكملة اقوال النبي (الحديث والسنة) فالائمة بعده صلى الله عليه وآله... من جهة التشريع والهداية...

ونقول: كان ينبغي على الكاتب ان ينقل العبارة كاملة ثم يوجّه نقده اما انه يبتر الكلام ويأتي ببعض ويترك بعضاً فذلك إخلال بالمعنى وعلى اي حال فجوابنا انّ الائمة عليهم السلام في عقيدة الشيعة هم خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله وليسوا بأنبياء ومهمّتهم ابلاغ الاحكام وتعليم الناس ـ كما قلنا ذلك تكراراً ومراراً ـ فإنّ الناس كانوا حديثوا عهد بالاسلام، ومنهم من أسلم ولم يتعمّق الاسلام في قلبه، فكان بحاجة الى مرشد وموجّه ومعلّم بعد النبي، ولابد ان يكون المعلم والمرشد عالماً بالشريعة وأسرارها، فكان الائمة عليهم السلام

____________

1) سورة القصص، الآية 7.

2) سورة طه، الآية 37.