قال الكاتب: في الحقيقة لو تمّ المقارنة بين مقامات الانبياء والائمة يتّضح جيداً انّ النبوّة مستمرّة وما تزال قائمة وهذه النبوة تسمّى عندهم بالامامة، وان الشيعة لا يفرقون بين الانبياء والائمة.
ونقول: ما لهذا الكاتب لا يكاد يفقه حديثاً، ولا يدري ماذا
____________
1) راجع ينابيع المودة لذوي القربى: ج 1 ص 227 تحقيق السيد علي جمال اشرف الحسيني، الطبعة الاولى، دار الاسوة للطباعة، وراجع ايضاً كتاب سلوني قبل ان تفقدوني للحكيمي: ج 2 ص 215، مكتبة الصدر ـ طهران.
2) راجع كتاب الامام الصادق والمذاهب الاربعة: ج 1 ص 70، مكتبة الصدر.
قال الكاتب: امّا لو توقّفنا عند اصول الدين فالفارق فيها واضح بين اهل السنة وبين الشيعة، وهذا الفارق خطير جدّاً، ففي اعتقاد الشيعة كان الائمة الاثنا عشر يتلقون الوحي والاختلاف انّما يكون في التسمية فقط، وكما عرفت لا يسمونهم أنبياء بل يسمّونهم ائمة.
ونقول: عاد الكاتب مرّة اخرى ليضرب على وتره والملاحظة انّه يأتي بالكلام بمناسبة بدون مناسبة، وقد اجبنا عن ذلك مراراً، وهنا نقول بصراحة لو كنا نعتقد ـ كما يدّعي هذا الكاتب ـ انّ الائمة انبياء فما الذي يمنعنا عن تسميتهم بالانبياء ونكتفي بتسميتهم ائمة؟ لماذا؟ ان هذا الكاتب لا يخجل من نفسه حينما يفتري على غيره بلا دليل.
ان الاختلافات الجزئية امر طبيعي بين الناس لاختلاف الآراء والانظار، فكيف يصرّ هذا الكاتب على تعميق الخلاف ويدّعي الدعاوي الباطلة بلا أساس.
قال الكاتب: وبعد كل هذا البيان يجب ان لا يخفى على اهل السنة والجماعة انه ليس الاختلاف بين السنة والشيعة كالاختلاف المعروف بين المذاهب الاربعة كما يروّج ذلك شيوخ الشيعة.
ونقول: قد اشار هذا الكاتب الى هذا الامر وهنا يعود اليه مرة اخرى، وقد اجبنا عن ذلك فيما تقدّم، ونضيف هنا انّ الاختلاف بين المذاهب قائم بشكل كبير شاء هذا الكاتب ام ابى ونحن على اطّلاع تام بالاختلافات والنزاعات فيما بينهم ولسنا في مقام التشهير وكشف العورات، ونكتفي باحالته على كتاب
____________
1) راجع كتاب الامام الصادق والمذاهب الاربعة، لاسد حيدر: ج 1 ص 187 الى ص 206، مكتبة الصدر ـ طهران.
2) سورة الزمر، الآية 18.
الشيعة وتحريف القرآن
قال الكاتب: إذا راجعنا تعاليم الشيعة فسوف نجد انّهم يقولون بعدم صحة القرآن الموجود بين أيدينا، وعلى انه نسخ منه بعض الاحكام واضيف فيه اخر فيما حرفت بعضها وحذفت منه آيات عديدة. انّ الشيعي المعروف والمشهور برواية الحديث عندهم المسمّى بالكليني أورد في كتابه الكافي ما حاصله " ان القرآن الذي جاء به جبرئيل الى محمد صلى الله عليه وآله سبعة عشر الف آية فكيف يتم ذلك والحال ما هو متواتر عندنا كون آيات القرآن كلها لا تتجاوز (6000) وهذا ليس الاّ القول ضمنياً انّ البقية الـ (3/2) من الآيات اسقطت وحذفت من نصوصه.
ونقول: ان هذا الكاتب ينطبق عليه المثل المشهور (رمتني بدائها وانسلّت)(1) وقد استشهدنا بهذا المثل في موضع آخر وسنجيب عن هذا الاعتراض ولكن قبل ذلك نلفت نظر الكاتب الى اننّا سنذكر المصادر السنّية وعليه ان يرجع اليها ليرى صدق
____________
1) مجمع الامثال، للميداني: ج 2 ص 23، المثل 1521، دار الجيل، بيروت ـ لبنان.
ان المشهور عند علماء السنة هو القول بتحريف القرآن وقد رووا في كتبهم روايات كثيرة وهي:
1 ـ روى ابن عبّاس ان عمر قال: فيما قال وهو على المنبر: " ان الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله بالحقّ وانزل عليه الكتاب فكان مما انزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول الله صلى الله عليه وآله ورجمنا بعده فأخشى ان طال بالناس زمان ان يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرجال... صحيح مسلم ـ كتاب الحدود ـ باب رجم الثيّب في الزنا، الحديث 15 ص 1317 الطبعة الثانية.
وذكر السيوطي اخرج ابن اشته في المصاحف عن الليث بن سعد قال " اول من جمع القرآن ابوبكر كتبه زيد.. وان عمر اتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده " الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: ج 1 ص 206 الهيئة المصرية العامة للمكتبات.
وآية الرجم التي ادعى عمر أنها من القرآن ولم تقبل منه رويت بوجوه منها: أذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة
ومنها: " الشيخ والشيخة فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة.
ومنها: ان الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة.
وعلى اي تقدير فليس في القرآن الموجود ما يستفاد منه حكم الرجم المذكور فلو صحت الرواية فلازمة سقوط آية من القرآن.
2 ـ واخرج الطبراني بسند موثق عن عمر بن الخطاب مرفوعاً " القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف " الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: ج 1 ص 242.
بينما ان القرآن الذي بين ايدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار وعليه فقط سقط من القرآن اكثر من ثلثيه.
3 ـ وروى ابن عبّاس عن عمر أنه قال: ان الله بعث محمداً بالحقّ وانزل معه الكتاب، فكان مما انزل اليه آية الرجم فرجم رسول الله صلى الله عليه وآله ورجمنا بعده، ثم قال: كنّا نقرأ " ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم " أو (ان كفراً بكم ان ترغبوا عن آبائكم) مسند أحمد: ج 1 ص 47، دار الفكر.
4 ـ وروى نافع انّ ابن عمر قال: ليقولنّ احدكم قد أخذت
5 ـ وروى عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كانت سورة الاحزاب تقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وآله مأتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها الاّ على ما هو الآن) الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: ج 3 ص 82.
6 ـ وروت حميدة بنت ابي يونس قالت قرأ علي أُبي ـ وهو ابن ثمانين سنة ـ في مصحف عائشة ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً وعلى الذين يصلون في الصفوف الاولى قالت: قبل ان يغير عثمان المصاحف، الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: ج 3 ص 82.
7 ـ وروى زرّ قال: قال ابيّ بن كعب يازرّ: كايّن تقرأ سورة الاحزاب قلت: ثلاث وسبعين آية قال: ان كانت لتضاهي سورة البقرة او هي اطول من سورة البقرة... " منتخب كنز العمال بهامش مسند احمد: ج 2 ص 43.
8 ـ وروى ابن ابي داود وابن الانباري عن ابن شهاب قال: بلغنا انه كان انزل قرآن كثير فقتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا
9 ـ وروى عمرة، عن عائشة انها قالت: كان فيما انزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بـ: خمس معلومات، فتوفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وهنّ فيما يقرأ من القرآن، صحيح مسلم: ج 2 كتاب الرضاع باب 6 ص 1075، الطبعة الثانية.
10 ـ وروى المسور بن مخرمة قال: قال عمر لعبد الرحمن ابن عوف: الم تجد فيما انزل علينا ان جاهدوا كما جاهدتم اول مرة فإنّا لا نجدها، قال: أسقطت فيما اسقط من القرآن، الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: ج 3 ص 84.
11 ـ وروى ابو سفيان الكلاعي انّ مسملة بن مخلد الانصاري قال لهم ذات يوم: اخبروني بآيتين في القرآن لم يكتبا في المصحف، فلم يخبروه وعندهم ابو الكنود سعد بن مالك فقال ابن مسملة: انّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله باموالهم وانفسهم الا ابشروا انتم المفلحون والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم اولئك لا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون "
12 ـ وقد نقل بطرق عديدة عن ثبوت سورتي الخلع والحفد في مصحف ابن عباس وابي بن كعب اللهم انا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم اياك نعبد ولك نصلّي ونسجد واليك نسعى ونحفد ونرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق) الاتقان في علوم القرآن للسيوطي: ج 1 ص 227.
وهناك غيرها من الروايات ايضاً ذكرت في كتب السنة.
فماذا يقول هذا الكاتب وبماذا يجيب؟
على انّ المشهور بين علماء الشيعة ومحقّقيهم بل المتسالم على بينهم هو القول بعدم التحريف واستدلوا بعدّة ادلة من القرآن ومن احاديث النبي صلى الله عيله وآله على ان القرآن لا تحريف فيه ومن ذلك قوله تعالى: (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون)(1) وقوله تعالى: (وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)(2) ومن الاحاديث قوله صلى الله عليه وآله: " إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتى
____________
1) سورة الحجر، الآية 9.
2) سورة فصلت، الآيتان 41 و 42.
وغيرها من الادلّة بل إنّ القول بعدم التحريف من معتقدات الاماميّة التي صرّح بها علماؤهم، كالشيخ الصدوق محمد بن بابويه القمي، والشيخ ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي والطبرسي، والسيد المرتضى، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، والشيخ محد جواد البلاغي، وغيرهم من اقطاب العلماء والفقهاء الشيعة.
بل قام اجماعهم على ذلك.
ونحيل الكاتب على كتاب البيان في تفسير القرآن وهو للسيد ابي القاسم الخوئي احد ابرز علماء الشيعة في العصر الحديث ليقف على الدفاع عن القرآن الكريم باسلوب علمي محكم.
واما الروايات التي وردت في كتب الشيعة وظاهرها التحريف، فهي: اما مردودة لا يعتمد عليها، واما مؤولة على وجوه اخرى لا تتنافى مع القول بسلامة القرآن عن التحريف.
والنتيجة ان الشيعة الامامية لا تقول بتحريف القرآن،
____________
1) اخرجه الترمذي: ج 5 ص 329، طبعة دار الفكر ـ بيروت.
ومستدرك الحاكم: ج 3 ص 18 ح 4576 وص 161 ح 4711.
قال الكاتب: ومن جهة اخرى انّهم يعتقدون ايضاً انّ القرآن الموجود حالياً لم يدوّن الاّ على يدي ابي بكر وعمر وعثمان بينما هم غاصبون لخلافة علي عليه السلام وهذا (اي غصب الخلافة) يثبت خيانتهم وفقد الايمان الصحيح.
ونقول: انّ القرآن قد دوّن وجمع في زمان النبي صلى الله عليه وآله لانّ الروايات المذكورة في جمع القرآن بعد النبي صلى الله عليه وآله كلّها مضطربة ومتناقضة، كما انها مخالفة للعقل وتستلزم القول بالتحريف، وقد بحث السيد ابو القاسم الخوئي هذه المسألة في كتابه البيان في تفسير القرآن فإن شاء هذا الكاتب ان يقف على حقيقة الامر فليرجع الى هذا الكتاب(1).
واما مسألة الخلافة، فقد ذكرنا اكثر من مرّة انّ الشيعة تعتقد بأنّ النبي صلى الله عليه وآله نص على إمامة الائمة عليهم السلام من بعده وعيّنهم بأسمائهم وعى ذلك ادلّة الشيعة في هذا المجال في كتبهم الاعتقاديّة.
قال الكاتب: وبحسب اعتقادهم انّ القرآن الصحيح قد
____________
1) البيان في تفسير القرآن: ص 257 و 278 الطبعة الثانية 1385 هـ 1965 م.
ونقول: انّ في كلام هذا الكاتب خلطاً واضحاً، وذلك لان الشيعة كما مرّ تعتقد انّ القرآن هو هذا القرآن المتداول بين المسلمين وهو عند الشيعة كما هو عند السنة، وليس عند الشيعة ولا عند ائمتهم قرآن آخر.
واما الذي عند الائمة فهي كتب اخرى غير القرآن الكريم، وانما هي كتب فيها من العلوم والمعارف كان النبي صلى الله عليه وآله يمليها على علي وكان علي يكتبها وهي ليست كتب احكام وتشريع مخالفة للقرآن الكريم، بل فيها تفاصيل بعض الاحكام الواردة في القرآن، ويستند اليها الائمة عليهم السلام في بعض ما ينقلون من الاحكام، وهي من مختصّاتهم عليهم السلام وممّا ورثوه عن جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وان كان لا يعمل على طبقها في زمان غيبة الامام عليه السلام والمدار في في زمانها على القرآن والسنة.
امّا ان القرآن الصحيح هو عند الامام الثاني عشر وعند ظهوره سوف يخرج وينكشف امام الملأ، فهذا كذب وافتراء على الشيعة واذا كان هذا الكاتب قد قرأ في كتب الشيعة شيئاً من هذا القبيل فهو لم يفهم المعنى المراد فخلط في كلامه وجرّه ذلك الى الاتهام الباطل كما هي عادته.
قال الكاتب: ويذهبون بعيداً من القول ان امامة علي واولاده تمّ التنصيص عليها في هذا القرآن المذكور.
ونقول: ان ما يذهب اليه الشيعة هو التنصيص على امامة علي واولاده في هذا القرآن المتداول عند كافة المسلمين ويستدلون بالآيات القرآنية والروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله التي رواها علماء السنة في صحاحهم كآية التطهير وآية المباهلة وآية المودة وآية الغدير، وهي قوله تعالى: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس)(1) حيث نزلت هذه الآية في غدير خم وهو مكان بين مكة والمدينة بعد منصرف النبي صلى الله عليه وآله من حجّة الوداع، وقد روى هذه
____________
1) سورة المائدة، الآية 67.
وآية الولاية وهي قوله تعالى: (انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)(1) وقد نزلت هذه الآية في قصة مشهورة ذكرت في كتب التفاسير وآية الانذار يوم الدار وغيرها من الآيات، وهكذا الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله كحديث الثقلين، وحديث المنزلة، وحديث السفينة، وأحاديث اخرى كثيرة، مما أشرنا فيما تقدّم.
والنتيجة ان الشيعة تستدل على إمامة ائمتّهم بآيات هذا القرآن الكريم وأمّا الكتب التي هي عند الائمة عليهم السلام فهي كتب خاصة لهم يتوارثونها فيما بينهم.
قال الكاتب: ان ما عليه الشيعة من القول يعادل من يرفض وينكر هذا القرآن بكونه صحيحاً ومحتوياً على احكام الله وشرائعه المنزلة على رسوله لهداية الناس (الامّة) فالانكار للقرآن الكريم يستلزم الانكار لنبوة محمد صلى الله عليه وآله نفسه ولكن الشيعة لا يظهرون هذا الانكار لأجل التقيّة ولما ينجم عن الانكار الصريح تلويث ورقة الاسلام بالفضيحة.
ونقول: ان هذا الكاتب يدّعي علم الغيب، فإنّه اطّلع على
____________
1) سورة المائدة، الآية 55.
الشيعة والسنة النبويّة
قال الكاتب: انّهم لا ينكرون القرآن فحسب، بل يمتدّ هذا التكذيب والرفض الى الكتب الحديثية (الصحاح الستة) فبناء على دعواهم يقولون ان لديهم كتب حديثية وما فيها من أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله لا تتجاوز الخمسة بالمائة والبقية يعني 95% (الخمسة والتسعون) من الاقوال والافعال ترجع الى ائمتهم ان كلمة الحديث في مصطلحهم تعني أقوال ائمتهم وافعالهم وتقريراتهم.
ونقول: انّ الشيعة تعتقد ان النبي صلى الله عليه وآله جاء بالشريعة كاملة غير منقوصة، وقد بيّن تعاليم الاسلام وأحكامه من خلال القرآن
الشيعة لا تقول انّ الائمة في مقابل النبي ولهم طريق يخالف طريق النبي بل تقول ان طريق الائمة وسيرتهم هو طريق النبي صلى الله عليه وآله وسيرته لانّهم اهل بيته وعترته وذرّيته وهو صلى الله عليه وآله امر المسلمين باتباعهم كما في حديث الثقلين والعاقل المنصف إذا فكر في هذا الامر رأى ان الاخذ عن الائمة عليهم السلام الذين هم ذرية النبي صلى الله عليه وآله واهل بيته هو الطريق الصحيح المؤدّي الى الرسول صلى الله عليه وآله ولمّا قرن النبي صلى الله عليه وآله بين القرآن والعترة واخبر انّهما لن يفترقا علمنا بعصمتهم عن الخطأ ويكون قولهم وفعلهم وتقريرهم كلّ ذلك على طبق الحقّ والصواب.
ثمّ إنّ هذا الكاتب يدّعي اننّا لا نأخذ الاّ عن ائمّتنا، وهذا كذب صريح إنّ الشيعة تأخذ عن النبي صلى الله عليه وآله وعن ائمّتهم الذين امر النبي باتّباعهم، ولكن لابدّ ان يعلم انّه ليس كلّ حديث يروى يعتمد عليه؛ لأنّنا علمنا انّ كثيراً من الروايات مكذوبة لما اخبر به النبي صلى الله عليه وآله بقوله: لقد كثرت علي الكذابة وستكثر من بعدي.
وتبيّن من ذلك ان الشيعة في اخذها الاحاديث عن ائمتها باعتبار انّ طريقهم اوثق الطرق واقربها الى رسول الله صلى الله عليه وآله واعرفها بمقاصده.
قال الكاتب: ولاجل ذلك ان الشيعة قد قطعوا حبل الرسول صلى الله عليه وآله وفتّتوا عرى الاسلام في حين قال صلى الله عليه وآله في حجّة الوداع الاخيرة في حياته ما نصّه: إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي.
ونقول: ان الشيعة بفعلهم حفظوا الدين وصانوه عن التلاعب لانّهم يعتقدون انّ الدين وضعه النبي في ايدي امينة وهم عترته واهل بيته وامر الناس باتباعهم واقتفاء آثارهم لانهم اعرف الناس بمرادات النبي صلى الله عليه وآله ومقاصد القرآن وذلك لانهم عليهم السلام ورثوا العلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله. وليس الامر كما يدّعيه هذا الكاتب من انهم قطعوا حبل الرسول صلى الله عليه وآله وفتّتوا عرى الاسلام.
وامّا ما ذكره من الرّواية: " إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي كتاب الله وسنتي " فالمتواتر عند الشيعة والسنّة انّ المروي عن النبي صلى الله عليه وآله هو قوله: وعترتي، لا وسنتي. وهذه الرواية وردت بأسانيد متعددة بلغت حدّ التّواتر، ونقلها علماء السنة في كتبهم، فضلاً عن علماء الشيعة، فقد وردت هذه الرّواية في كل من صحيح مسلم، وسنن الدرامي، وخصائص النسائي، وسنن ابي داود، وابن ماجة، ومسند احمد، ومستدرك الحاكم، وذخائر الطبري، وحلية الاولياء، وكنز العمّال، وتفسير الرازي، وتفسير الثعلبي، وتفسير النّيسابوري، وتفسير الخازن، وتفسير ابن كثير، وغيرها. بالاضافة الى الكثير من كتب التاريخ واللغة والسير والتراجم.
وقد اشتهر هذا الحديث شهرة واسعة نظراً الى ان النبي صلى الله عليه وآله كان يكرره في اكثر من موضع، وقد ذكروا انّ النبي صلى الله عليه وآله قاله في
ومن هنا تعددّت طرقه واسانيده حتى بلغت اكثر من مائة طريق(1).
وقد استشهد الامام الرضا عليه السلام ـ وهو الثامن من ائمة اهل البيت عليهم السلام ـ بهذا الحديث في مناظرة علمية جرت بينه وبين العلماء في مجلس المأمون العباسي.
روى الشيخ الصدوق في كتاب الأمالي بسنده عن الريّان بن الصّلت قال: حضر الرضا عليه السلام مجلس المأمون بمرو، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء اهل العراق وخراسان، فقال المامون: اخبروني عن معنى هذه الآية: (ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)(2) فقالت العلماء: أراد الله عزّوجل بذلك الامة كلّها.
فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا عليه السلام: لا اقول كما قالوا، ولكنّي اقول: اراد الله العترة الطاهرة.
فقال المأمون: وكيف عنى العترة من دون الامة؟ فقال له
____________
1) الاصول العامة للفقه المقارن: ص 164 و 165، الطبعة الثانية بتصرّف.
2) سورة فاطر، الآية 32.
ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال: (جنات عدن يدخلونها يحلّون فيها من أساور من ذهب)(2) فصارت الوراثة للعترة الطّاهرة لا لغيرهم.
فقال المأمون: من العترة الطاهرة؟
فقال الرضا عليه السلام: الذين وصفهم الله في كتابه، فقال جلّ وعزّ: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهّركم تطهيراً)(3).
وهم الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " اني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، ايها الناس لا تعلّموهم فإنّهم اعلم منكم ".
قالت العلماء: اخبرنا ـ يا ابا الحسن ـ عن العترة اهم الآل،
____________
1) سورة فاطر، الآية 33.
2) سورة فاطر، الآية 33.
3) سورة الاحزاب، الآية 33.