وإذا كان ابو حنيفة ـ كما قال الكاتب ـ يذهب الى التحذير من اطلاق الكفر على كلّ من اتجّه الى قبلة الاسلام، فكيف لا يقتدي به هذا الكاتب وامثاله في التورّع والخوف من الله تعالى من اتّهام فئة من الناس ـ تتّجه الى القبلة وتصلّي وتصوم وتحجّ ـ بالكفر والخروج عن الدين.
إنّ الذي يظهر انّ هذا الكاتب لا يدري ماذا يقول، وانه مجرّد كاتب تملى عليه الافكار الخاطئة ويكتبها وهو لا يعلم مضمونها وهذه هي احدى الطامات التي ابتلت الشيعة بهم حيث ينبري مجموعة من الجهال لا يفقهون شيئاً وينسبون الى الشيعة كلّ زور وبهتان على غير هدى وبصيرة.
قال الكاتب: فلا خلاف بين جميع العلماء في كفرهم؛ لأنّ كلّ من يؤمن بالتحريف في القرآن يحكم عليه بالكفر عند جميع علماء اهل السنة.
قال الكاتب: وقد ورد ايضاً في الفاظ ابن حزم الحنبلي ما نصّه: إنّ الشيعة والرافضة لا يعدّون مسلمين حقيقة.
ونقول: إن كان مراده من الشيعة هم الاثنا عشرية، فهذه الدعوى باطلة وهذه الفتوى ظالمة؛ لأن المقياس في كون الانسان مسلماً هو أن يتشهّد الشهادتين، كما اعترف به هذا الكاتب ونقله عن علماء الاسلام، والشيعة يتشهدون الشهادتين، ويؤمنون بالله وبالرسول وباليوم الآخر، ويعملون على طبق تعاليم الاسلام، والاختلاف بين الشيعة وغيرهم في المسائل الاخرى لا يسوّغ رميهم بالكفر وعدم الاسلام، والا فإنّ بين المذاهب الأربعة من الاختلاف ما هو كثير وعظيم. وإن كان مراد ابن حزم من الشيعة غير الاثني عشريّة، فهذا لا يعنينا وعلى هؤلاء ان يتصدّوا للردّ على هذه الفتوى.
قال الكاتب: ما ذكره من ارتداد الشيعة وكفرهم هو نفس الفتوى الثابتة عند العلماء اجمع ومن خلاله اتّضح عند مسلمي السنة حقيقة الشيعة وهويّتهم.
هل المقياس في ذلك هو كلام ابن حزم واضرابه او ان المقياس هو التحاكم الى القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وآله وما يرشد اليه العقل والفهم الصحيح.
ان هذا التهويل وهذه الدعاوي الفارغة لا تغيّر الحقيقة ولا تبدل الواقع مهما حاول الحاقدون ان ينفثوا سموم حقدهم بين الناس لتفريق الكلمة وتشتيت الشمل، وسيعلم الذين ظلموا ايّ منقلب ينقلبون.
قال الكاتب: ولمعرفة حقيقة الشيعة اكثر فأكثر راجع الكاتب المسمى: هل الشيعة هم اهل السنة؟ تاليف احسان الهي ظهير هذا الكتاب يوزع مجاناً ولا يباع.
وإذا اراد التعريف بحقيقة الشيعة، فليرجع الى كتب الشيعة ما ألّفه علماء الشيعة، فإنّ الشيء لا يؤخذ الاّ من مصدره لا من مصادر اعدائه، وقد ذكرنا جملة من كتب الشيعة ومصادرها فيراجعها من شاء لمعرفة حقيقة الشيعة وأفكارهم وآراءهم(1).
ثمّ إن هذا لا يختصّ بما كتبه احسان الهي ظهير بل يجري
____________
1) راجع كتب الشيعة المذكورة في اول الكتاب.
قال الكاتب: اعدّ العلماء من اكثر الدّول الاسلامية في مؤتمرهم الذي عقدوه اعدوا له جدولاً على ان يكتبوا كتاباً بخصوص الشيعة حتى يتمكّنوا من الوقوف على معرفة اصل الشيعة وتعاليمهم وعقائدهم والفرق الموجود بينهم وبين مسلمي اهل السنة.
ونقول: اولاً: هل دعوا احداً من علماء الشيعة لحضور هذا المؤتمر.
وثانياً: ان كلامه هذا يفيد انهم الى قبل عقد المؤتمر لم يكونوا يعرفون اصل الشيعة وتعاليمهم، وهذا يناقض ما ذكره من ان حقيقة الشيعة معلومة ومعروفة كما ذكر عن مراجعة العلماء الى فتوى ابن حزم، فكيف ينسجم هذا مع ذاك؟
وثالثاً: لماذا يتعبوا انفسهم ويكتبوا كتاباً ليتعرفوا على اصل الشيعة وتعاليمهم وهذه كتب الشيعة منتشرة وآراؤهم في العقائد والفقه والتفسير والحديث والاخلاق والفلسفة، وهل انّ علماء
ورابعاً: انّ التعبير الصحيح عن هذا المؤتمر هو انّه مؤامرة على نشر الفتن والتفريق بين المسلمين في الوقت الذي لدينا من القضايا المشتركة ما يشغلنا عن التفكير في هذا السفاسف والاباطيل.
وخامساً: انّ هذا الكاتب يدّعي ان معتقدات الشيعة واعمالهم من الامور التي ابتدعها اليهود (الاسرائيليون) وادخلوها في الاسلام، ونحن لا نريد ان ننبش الماضي ونكشف الحقائق، فإن هذا الكاتب لا يحتمل سماع الحقيقة، ولكن نطلب منه ان يرجع الى المصادر الاوليّة لعلماء السنة ليتطلع بنفسه على من هم اولئك الذين كانوا يدسون في الروايات الاباطيل الاسرائيلية وينسبونها الى النبي صلى الله عليه وآله ان هذا الكاتب ينطبق عليه المثل العربي (رمتني بدائها وانسلّت).
قال الكاتب: ان مشروع الاتحاد والوحدة انّما نشأ من قبل انصار الشيعة وبعض مشايخهم.. الخ.
ونقول: هذه عودة الى النغمة التي كان يرددها هذا الكاتب ليدلل على افلاسه ويبرهن على جهله ولسنا بحاجة الى اعادة الجواب بعد ما ذكرناه مراراً وتكراراً.
الشيعة والصحابة مرة ثالثة
قال الكاتب: ان الاساس لتعاليم الشيعة ودعاياتهم يبتني على القول بأنّ اصحاب الرسول صلى الله عليه وآله الذين بلغ عددهم مائة الف في حجّة الوداع خرجوا كلّهم عن الاسلام بل ارتدّوا جلّهم وكفروا بعد وفاة النبي الاّ اربعة انفار منهم فقط حسب مدعاهم.
ونقول: انّ الصحبة للنبي صلى الله عليه وآله في حدّ ذاتهم ليست مقياساً للعدالة والاستقامة ما لم يعضدها ايمان بالله وتقوى وعمل صالح (إنّ اكرمكم عند الله اتقاكم)(1) ودليلنا على ذلك ان القرآن الكريم تحدث في العديد من الآيات عن احوال الناس الذين كانوا في زمان النبي صلى الله عليه وآله، فوصف بعضهم بالايمان والصّلاح، ووصف اخرين بالنفاق، وذكر ان قسماً منهم كان يؤذي النبي صلى الله عليه وآله وذكر المفسّرون والمؤرّخون من القضايا والاحداث ما يدلّ على ان الصحابة لم يكونوا كلّهم على المستوى المطلوب من العدالة والاستقامة وشأنهم شأن سائر الناس.
ونحن وان اشرنا ـ فيما تقدم ـ الى ما كان عليه الصّحابة من الاختلاف وانّ حالهم لا يختلف عن احوال الناس الاّ انّنا ـ وفي
____________
1) سورة الحجرات، الآية 13.
وينبغي لهذا الكاتب ومن هم على شاكلته ان يتحرّوا قليلاً عن الموروثات والمرتكزات، وينظروا للأحداث واشخاصها بعين البصيرة والعدل والانصاف، وان يحكموا على الاشخاص اولهم
وفيما يلي نعرض جملة من حوادث الخلاف والاختلاف بين الصحابة ابتداء من زمان النبي صلى الله عليه وآله فاستمع لما يتلى عليك.
في زمان النبي صلى الله عليه وآله
قال الله تعالى: (وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابداً إنّ ذلكم كان عند الله عظيماً)(1).
وهذه الآية الشريفة نزلت تخاطب صحابة النبي صلى الله عليه وآله وتنهاهم نهياً مؤكداً عن ايذاء رسول الله صلى الله عليه وآله وتعيّن الامر الذي كان يؤذي الرسول صلى الله عليه وآله وهو نكاح ازواجه بعد وفاته صلى الله عليه وآله.
وقد ذكر المفسرون انّ هذه الآية نزلت في بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وآله، وكان يحدّث نفسه بالزواج من بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله بعد موته.
روى ابو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيره قال: اخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: (ما كان لكم ان تؤذوا رسول الله...) قال: ربّما بلغ النبي صلى الله عليه وآله انّ الرجل يقول:
____________
1) سورة الاحزاب، الآية 53.
وقال السيوطي: واخرج البيهقي في السنن عن ابن عباس قال رجل من اصحاب النبي: لو مات رسول الله تزوجت عائشة او امّ سلمة(2).
وذكر عدة روايات بهذا المضمون(3).
ونصّت بعض التفاسير على اسم هذا الرجل قال السيوطي: واخرج ابن ابي حاتم عن السدي بلغنا انّ طلحة بن عبيد الله قال: ايحجبنا محمّد عن بنات عمّنا ويتزوّج نساءنا من بعدنا، لئن حدث به حدث لنتزوّجنّ نساءه من بعده(4).
وذكر ذلك ايضاً غيره من المفسّرين(5).
____________
1) جامع البيان في تفسير القرآن: ج 10 ص 29 دار المعرفة للطباعة والنشر.
2) الدر المنثور: ج 6 ص 643 الطبعة الاولى 1403 هـ ـ 1983) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
3) نفس المصدر: ص 642.
4) نفس المصدر: ص 644.
5) تفسير البحر المحيط: ج 7 ص 247 الطبعة الثانية دار الفكر، وراجع زاد المسير في علم التفسير: ج 6 ص 416، الطبعة الاولى.
وتسمّى هذه الآية بآية الإفك وهو ـ كما عرّفه الفخر الرازي ـ: ابلغ ما يكون من الكذب والافتراء، وقيل: هو البهتان، وهو الأمر الذي لا تشعر به حتى يفجؤك، واصله الافك وهو القلب، لأنّه قول مأفوك عن وجهه(2).
ثم قال: وامّا قوله منكم فالمعنى ان الذين اتوا بالكذب في امر عائشة جماعة منكم(3).
فالخطاب في الآية الكريمة موجّه للصّحابة وانّ بعضهم جاء بالكذب والافتراء.
واما كون المقصود بالافك هو عائشة او غيرها فسيأتي الحديث عن ذلك في محلّه من هذا الكتاب.
وقد ذكر المفسّرون والرواة تفاصيل هذه القضيّة ونصّ بعضهم على اسماء العصبة التي جاءت بالإفك وهم: عبد الله بن ابيّ، وزيد بن رفاعة، وحسّان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة،
____________
1) سورة النور، الآية 11.
2) التفسير الكبير: ج 23 ص 172، الطبعة الثالثة.
3) نفس المصدر: ص 173.
ونقل السيوطي القضية بتفاصيلها ومما جاء فيها: فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبيّ، فقال وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل بلغني أذاه على اهل بيتي، فوالله ما علمت على اهلي الاّ خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه الاّ خيراً، وما كان يعرض على اهلي الاّ معي، فقام سعد بن معاذ الانصاري فقال: يا رسول الله انا اعذرك منه، ان كان من الاوس ضربت عنقه، وان كان من اخواننا من الخزرج امرتنا ففعلنا امرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحميّة فقال لسعد: كذبت لعمر الله، ما تقتله ولا تقدر على قتله، فقام اسيد بن حضير وهو ابن عم سعد، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لنقتلنّه، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيّان الاوس والخزرج حتى همّوا ان يقتتلوا ورسول الله قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله يخفضهم حتى سكتوا وسكت(2).
____________
1) تفسير البحر المحيط: ج 6 ص 436 وذكرهم في تفسير زاد المسير ـ عدا زيد بن رفاعة ـ عن مقاتل، راجع ج 6 ص 18.
2) الدر المنثور: ج 6 ص 142، الطبعة الاولى 1403 هـ ـ 1983 م، دار الفكر.
3 ـ ومن الوقائع في زمان النبي صلى الله عليه وآله القضية المشهورة والمعروفة برزيّة يوم الخميس او حديث الدواة والكتف. وقد رواها المحدّثون واودعوها صحاحهم بطرقهم المتعددة كصحيح البخاري(1) وصحيح مسلم(2) ومسند احمد(3) وذكرها المؤرخون كالطبري(4) وابن ابي الحديد(5) والشهرستاني(6) وغيرهم(7).
روي البخاري بسنده الى عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس
____________
1) صحيح البخار: ج 7 ص 156 ـ كتاب المرضى ـ دار إحياء التراث العربي.
2) صحيح مسلم: ج 3 ص 1257 الحديث 1637 الطبعة الثانية 1398 هـ ـ 1978 دار الفكر.
3) مسند الإمام احمد: ج 1 ص 332، دار الفكر.
4) تاريخ الامم والملوك (تاريخ الطبري) ج 3 احداث سنة 11 ص 193، دار سويدان بيروت.
5) شرح نهج البلاغة: ج 6 ص 51، دار احياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه.
6) الملل والنحل: ج 1 ص 29، الطبعة الثانية.
7) طبقات ابن سعد: ج 2 ص 242، دار صادر ـ بيروت ـ لبنان.
فقال عمر: انّ النبي قد تغلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله، فاختلف اهل البيت، فاختصموا منهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلمّا اكثروا اللّغوا والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وآله قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قوموا، قال عبيد الله: فكان ابن عباس يقول: انّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(1).
وهناك حوادث جمة وفي ما ذكرنا كفاية.
في زمان ابي بكر
واوّل حوادث الخلاف والاختلاف في زمانه حادثة اجتماع السّقيفة، وما جرى فيه من الشقاق والنّزاع بين الصحابة على الخلافة (والجرح لمّا يندمل والرسول لما يقبر) وكانت هذه الحادثة قاصمة الظهر التي تمخّض عنها الجرح الذي لا يندمل والكسر الذي لا ينجبر.
____________
1) صحيح البخاري: ج 7 ص 156 ـ كتاب المرضى ـ دار احياء التراث العربي.
ولو قلدوا الموصى اليه زمامها | لزمّت بمأمون عـن العثـرات |
وكلّما تقادم العهد ازدادت رقعة الخلاف بين المسلمين واتسعت، واصبحوا شيعاً واحزاباً كلّ حزب بما لديهم فرحون.
وخلاصة هذه الحادثة انّ الانصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وخطب فيهم سعد بن عبادة واتفقوا على توليته، فبلغ الخبر الى ابي بكر ففزع اشدّ الفزع وقام معه عمر، ولقيهما ابو عبيدة بن الجرّاح، فانطلقوا حتى دخلوا سقيفة بني ساعدة وفيها رجال من الاشراف، وخطب فيهم ابو بكر، وحمل الحسد بعض الخزرجيّين لمّا رأى ما اتفق عليه قومه من تأمير سعد بن عبادة، فسعى في نقض الامر على سعد، واوشك القتال ان يقع بينهم حتى بادر بعضهم الى السيف، وكادوا يطأون سعداً، فقال سعد: قتلتموني، فقيل: اقتلوه، قتله الله، وانفضّ الاجتماع بمبايعة ابي بكر، واعتزل سعد القوم، فكان لا يصلّي بصلاتهم، ولا يحضر جماعتهم، ولا يفيض بإفاضتهم، ولو كان يجد عليهم اعوانا لصال بهم، ولم يزل كذلك حتى قتل بالشام.
وقد رواها الطبري في تاريخه(1) وذكر ابن قتيبة تفاصيلها في
____________
1) تاريخ الامم والملوك (تاريخ الطبري) ج 3 ص 203 ـ 211 دار سويدان ـ بيروت لبنان.
هذا وقد تخلّف بنو هاشم وآخرون عن البيعة، منهم سلمان الفارسي، وابو ذر، والمقداد، وعمار، والزبير، وخزيمة بن ثابت، وابي بن كعب، وخالد بن سعد بن العاص، وغيرهم من المهاجرين والانصار.
يقول الاستاذ عبد الفتاح عبد المقصود: لو انصف الناس حق الإنصاف لأرجأوا البيعة حتى يتم لهم مواراة جثمان الرسول كان هذا ادنى الى الصواب، ان لم يكن هو الصواب ان يتريّث القوم من المهاجرين والانصار لا يتنازعون سلطان محمد بينهم، ومحمد ما زال مسجّى على فراشه لم يغيّبه عن عيونهم مثواه(2).
ويقول الاستاذ عبد الكريم الخطيب: ومع هذا فقد كان يوم السّقيفة فلتة من فلتات الايام، كما قال بذلك كثير ممن شهده، او علم بما جرى فيه من كبار الصحابة والتابعين، امّا بعد ابي بكر وقد بعد العهد شيئاً بزمن النبوّة وتدافعت في صدور الناس
____________
1) الإمامة والسياسة: ج 1 ص 4 ـ 13 الطبعة الاخيرة 1388 هـ ـ 1969 م مطبعة البابي الحلبي ـ مصر.
2) من حياة الخليفة عمر بن الخطاب لعبد الرحمن البكري: ص 78 عن كتاب الامام علي بن ابي طالب لعبد الفتاح عبد المقصود: ج 1 ص 207.
فإنّ الخلاف في شأن الخلافة لن يأخذ صورة يوم السّقيفة، ولن يقف عند حدود هذا اليوم، بل سيكون خلافاً عاصفاً متسع الجوانب، مختلف الوجوه، ان سلّم بها الانصار للمهاجرين فبحسب الخلاف شناعة وسوء عاقبة ان يقع بين المهاجرين انفسهم، وان يتنازعوا " الخلافة " فيما بينهم، بيتاً بيتاً، وبطناً بطناً، وقبيلة قبيلة، إنّهم لن يلتقوا ابداً الاّ في ساحة الحرب وميدان القتال(1).
واعقب ذلك حدث آخر ـ يضاف الى حوادث الاختلاف ـ وهو ما جرى بين القوم وبين بني هاشم، وخصوصاً الصدّيقة الزهراء عليها السلام.
يقول ابن قتيبة في كتابه الامامة والسياسة: فجاء (عمر) فناداهم وهم في دار عليّ، فأبوا ان يخرجوا فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ او لأحرقنّها على من فيها، فقيل له: يا ابا حفص انّ فيها فاطمة؟! فقال: وإن(2).
____________
1) من حياة الخليفة عمر بن الخطاب لعبد الرحمن البكري: ص 84 عن كتاب عمر بن الخطاب لعبد الكريم الخطيب: ص 72.
2) الامامة والسياسة: ج 1 ص 12 الطعبة الاخيرة 1388 هـ ـ 1969 م مطبعة البابي الحلبي بمصر.
ومن الحوادث التي رصدها التاريخ في زمان ابي بكر حادثة يوم البطاح وكان بطله خالد بن الوليد، إذ قتل مالك بن نويرة التميمي، ونكح زوجته ـ وكانت من اجمل النساء ـ ورجع الى المدينة رجوع الفاتحين، وقد غرز في عمامته اسهماً، فقام اليه عمر فنزعها وحطّمها، وقال له: قتلت امرءاً مسلماً ثم نزوت على امرأته، والله لأرجمنّك بأحجارك، ثم قال لأبي بكر: إنّ خالداً قد زنى فارجمه، قال: ما كنت لأرجمه فإنّه تأوّل فأخطأ.
قال: إنّه قتل مسلماً فاقتله به، قال: ما كنت لأقتله به إنّه تاوّل فأخطأ، فلما اكثر عليه قال: ما كنت لأشيم سيفاً سلّه الله تعالى، وودى مالكاً من بيت المال وفكّ الاسرى والسبايا.
وهذا الحدث مما اطبق على روايته المؤرخون، فقد ذكره
____________
1) نفس المصدر: ص 14.