في زمان عمر
وحوادث الاختلاف بين الصّحابة في زمان عمر كثيرة ونكتفي بذكر حادثتين.
الاولى: ذكر المؤرخون في حوادث سنة احدى وعشرين: انّ عمر بعث ابا هريرة والياً على البحرين، وبقى فيها سنتين ثم عزله، وولّى عثمان بن العاص الثقفي، ولم يكتف بعزله حتى استنقذ منه لبيت المال عشرة آلاف زعم انه سرقها من مال الله. قال ابن عبد البر في العقد الفريد: ثم دعا ابا هريرة فقال له علمت انّي استعملتك على البحرين وانت بلا نعلين، ثم بلغني انّك ابتعت افراساً بألف دينار وستمائة دينار؟ قال: كانت لنا افراس
____________
1) تاريخ الامم والملوك (تاريخ الطبري) ج 3 ص 276 ـ 280 دار سويدان ـ بيروت لبنان.
2) الكامل في التاريخ: ج 2 ص 357 ـ 360 دار صادر ـ دار بيروت.
3) العقد الفريد: ج 4 ص 258 ـ 263 الطبعة الثانية، دار الكتاب العربي ـ بيروت لبنان.
الثانية: اخرج الحاكم في مستدركه: انّ رجلاً من المهاجرين الاوّلين جيء به وقد شرب الخمر، فأمر به عمر ان يجلد، فقال: لم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله عزّوجلّ، فقال عمر: في ايّ كتاب الله انّي لا اجلدك؟ فقال: إنّ الله تعالى يقول في كتابه: (ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا) الآية، فأنا من الذين آمنوا وعلموا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا واحسنوا، شهدت مع رسول الله بدراً، والحديبية، والخندق، والمشاهد، فقال عمر: الا تردّون عليه ما يقول؟ فقال ابن عباس: إنّ هذه الآيات نزلت عذراً للماضين وحجة على الباقين، لأنّ الله عزّوجلّ يقول: (يا ايها الذين آمنوا إنّما الخمر
____________
1) نفس المصدر: ج 1 ص 45 ـ و 46.
هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه(1).
في زمان عثمان
وامّا اختلاف الصحابة في زمان عثمان فبلغ الى حدّ ادّى الى قتله بينهم، واشترك بعضهم في التأليب عليه ـ كما مر ـ وتحريك الناس ضدّه، قال ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة: إنّ عائشة كانت من اشدّ الناس على عثمان، حتى انّها اخرجت ثوباً من ثياب رسول الله صلى الله عليه وآله فنصبته في منزلها، وكانت تقول للدّاخلين اليها: هذا ثوب رسول الله لم يبل، وعثمان قد ابلى سنته.
____________
1) مستدرك الحاكم على الصحيحين: ج 4 كتاب الحدود: ص 376، دار الفكر بيروت.
وروى المدائني في كتاب الجمل وغير واحد من اثبات السير قالوا: لما قتل عثمان كانت عائشة بمكّة، وحين بلغها قتله لم تكن تشكّ في انّ طلحة هو صاحب الامر.
فقالت: بعداً لنعثل وسحقاً، ايه ذا الاصبع! ايه ابا شبل! ايه يا ابن عم! لكأنّي انظر الى اصبعه وهو يبايع، قال: وكان طلحة حين قتل عثمان اخذ مفاتيح بيت المال، واخذ نجائب كانت لعثمان في داره، ثم فسد امره فدفعها الى علي بن ابي طالب(1).
ولسنا بحاجة بعد هذا الى ذكر حوادث اخرى وحسبنا ان نشير الى انّ في عهده نفي ابوذر الى الربذة(2) وضرب عمار(3) وكسرت اضلاع ابن مسعود(4) وحوادث اخرى غيرها.
____________
1) شرح نهج البلاغة: ج 6 ص 215 و ج 9 ص 35 و 36، دار احياء الكتب العربية ـ عيسى البابي الحلبي وشركاه.
2) نفس المصدر: ج 3 ص 52.
3) نفس المصدر: ج 3 ص 47.
4) نفس المصدر: ج 3 ص 40.
في زمان الامام علي عليه السلام
وقد اتّسع الخرق على الراقع فأدّى الخلاف والاختلاف الى المواجهة والقتال، وشهروا السيوف في وجوه بعضهم بعضاً، وسفكت فيها الدماء. فكانت الحروب الثلاث الضارية، وهي النتيجة الطبيعية للإختلاف فيما بينهم وكان ذلك من اعلام النبوة فقد امر رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن ابي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين(1).
فكان كما اخبر صلى الله عليه وآله، فقد قادت عائشة جيشاً جرّاراً لحرب علي، وكان معها طلحة والزبير، فكانت حرب الجمل، وإنّما سمّيت بهذا الاسم لأنّ عائشة كانت تركب جملاً وهي تقود أبناءها وقاد معاوية جيشاً آخر، فكانت حرب صّفين.
وخدع بعض من كان مع علي (عليه السلام)، فكانت حرب النّهروان.
ولا تسأل عمّا حدث بعد ذلك وإلى ماذا آلت اليه الامور فكم حرمة هتكت وكم دماء سفكت.
ونكتفي بعرض هذه الصّور والنّماذج القليلة من تاريخ الصّحابة في النّصف الاوّل من القرن الاوّل، وإنّما عرضناها
____________
1) المستدرك على الصحيحين: ج 3 ـ كتاب معرفة الصحابة ـ ص 139، دار الفكر ـ بيروت.
ونقول: إذا كان هذا حال الصحابة في زمان النبي صلى الله عليه وآله وما بعده فياترى ما هو الموقف الصحيح حيال ذلك؟ هل نغالط انفسنا ونلغي افهامنا ونصحّح كلّ فعل صدر عن بعض الصحابة، وإن كان خلاف الشّرع والعقل؟ او نتغافل عمّا جرى في التاريخ ونوصد الباب لئلا تخدش كرامة بعض من كان في زمان النبي صلى الله عليه وآله؟
او ان الاستفادة من التاريخ تقتضي النّظر الى الاحداث وصانعيها بعين البصيرة والانصاف وتقييمها على ضوء المعايير الشرعيّة والعقليّة وإن استلزم ذلك اسقاط البعض عن الاعتبار؟
امّا نحن الشّيعة الإماميّة ـ بحمد الله ـ حيث اعتصمنا بحبل الله، وركبنا سفينة النجاة، ودخلنا باب حطة، فالأمر جليّ عندنا لا ريب فيه ولا ارتياب.
روى المتقي الهندي في كنز العمال انّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: سيكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن ابي طالب، فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل(1).
على انّ القرآن الكريم صرّح بما سيقع بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله
____________
1) كنز العمال: ج 11 ص 612، الحديث 32964 الطبعة الخامسة 1403 هـ ـ 1983 م مؤسسة الرسالة.
واما ما ذكره هذا الكاتب عن حجّة الوداع فالشيعة تعتقد ـ كما هو الواقع التاريخي ـ انّ النبي صلى الله عليه وآله بعد منصرف من حجة الوداع نزل عليه الوحي في مكان بين مكّة والمدينة يقال له غدير خم وأمره عن الله تعالى ان يجعل علياً خليفة على المسلمين من بعده، وامتثل النبي صلى الله عليه وآله امر ربّه وقد بويع امير المؤمنين علي عليه السلام بذلك وفي مقدمة من سلّم على علي عليه السلام بالإمرة عمر بن الخطّاب والرواية في ذلك بلغت حد التواتر ورواتها السنّة اكثر من الشيعة(2) وقد ذكرت في كتبهم مفصّلة ولو ان هذا الكاتب قرأ
____________
1) سورة آل عمران، الآية 144.
2) راجع كتاب الغدير في الكتاب والسنة للشيخ عبد الحسين الاميني: ج 1 ص 272 تحت عنوان حديث تهنئة عمر بن الخطاب لأمير المؤمنين.
واما ما ذكره الكاتب عن ارتداد جل الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله الاّ اربعة نفر منهم فقط، فجوابه ظهر ممّا ذكرنا ونريد ان نسأل هذا الكاتب وامثاله ان يفسّر لنا قوله تعالى: (افائن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم)(1) فما معنى الانقلاب على الاعقاب؟ ولمن كان هذا الخطاب؟ ثم ما معنى عدم امتثال امر النبي صلى الله عليه وآله في خلافة علي عليه السلام؟ وما معنى الهجوم على بيت الزهراء عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وآله وتهديد من كان فيه بإضرام النار عليهم وقد كان في البيت آنذاك علي والزهراء والحسنان، وهذا بعض ما كان من الصحابة الذين جعلهم هذا الكاتب فوق العدالة والاستقامة.
____________
1) سورة آل عمران، الآية 114.
تكرار واعادة
قال الكاتب: انّهم يعتقدون كما ذكرنا سابقاً بتحريف القرآن بينما لديهم نفاق متعمّد يصطلحون عليه بالتّقيّة وعلى انها ايّ التقية احد الاركان المهمّة والطريق الاساسي للتقرّب الى الله تعالى.
ونقول: هكذا يفعل الافلاس العلمي والاخلاقي بالحاقدين، فهذا الكاتب يجترّ ويعيد ويكرر ما قاله مراراً ليدلّل على ضحالة فكره وسوء نواياه وما انطوت عليه نفسه العدائيّة لتضليل الناس وتشويه الحقائق، ونحن نعتقد انّ هذا الكاتب يرمي عن غير قوسه ويتحدّث بغير لسانه، وإنّما يملى عليه إملاء وقد اجبنا عن دعوى تحريف القرآن وانّ السنّة هم القائلون بذلك واجبنا عن مسألة التقيّة وهو بقوله إنّها نفاق متعمّد يرد على القرآن صراحة لثبوت التقيّة في القرآن في قضيّة عمار بن ياسر وغيرها.
وامّا قوله إنّ التقية احد الاركان المهمّة والطريق الاساسي للتقرب الى الله تعالى فهو محض افتراء وزور وبهتان، وإنّما التقيّة هي حالة علاجية مؤقتة يدفع بها الخطر عن النفس والعرض والمال مع اطمئنان القلب بالايمان، وليست هي ركناً من اركان الدين كما
قال الكاتب: إنّهم يعتقدون بأنّ سيدنا علي رضي الله عنه واولاده اختيروا وعيّنوا من قبل الله تعالى بينما كانوا كثيري العبادة حتى من الانبياء ومن المؤسف حقّاً ان الشيعة ذووا الافكار الدنيئة يخدعون انفسهم بكونهم من احبّاء اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
ونقول: انّ الشيعة تعتقد ـ وبشهادة علماء السنة ـ انّ النبي صلى الله عليه وآله جعل علياً واولاده ـ وهم الائمة الاثنا عشر ـ ائمّة على الامة من بعده، وان النبي صلى الله عليه وآله انما فعل ذلك بأمر الله (إن هو الاّ وحي يوحى)(1) وإن شئت ايّها الكاتب ان تقف على اقوال علماء السنة ورواياتهم في ذلك فارجع الى كتاب ينابيع المودّة وهو من علماء السنة فقد ذكر في كتابه الروايات الدالة على ان الائمة اثنا عشر كلّهم من قريش(2)، بل ليرجع الى ايّ كتاب من الكتب المعتمدة عند السنّة التي تتناول مسألة الولاية والامامة بعد النبي، فإذا قام الدليل على ذلك فأيّ ضرر فيه على الشيعة، وهل على المسلمين الاّ الإتباع وان يسلموا الامر لله وللرسول. هذا كلّه بغضّ النظر عن الادلة الخاصة التي اقامها الشيعة من العقل والنقل
____________
1) سورة النجم، الآية 4.
2) ينابيع المودة: ج 3 ص 160، ط / بيروت.
وامّا قوله انّهم اكثر عبادة من الانبياء فما هو الاشكال في ذلك اليس علماء السنة يروون عن النبي انه قال: علماء امّتي افضل من انبياء بني اسرائيل , فإذا كان العالم العادي هو أفضل من أنبياء بني إسرائيل فكيف بآل بيت النبوة الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وكانوا ملاذاً للناس في العلم والعمل. وقد تقدّم الكلام منّا مفصلاً حول هذا الموضوع.
وامّا قوله إنّ الشيعة ذووا الافكار الدنيئة يخدعون انفسهم...
فجوابه انه قد تبين من هو دنيء الفكر والنفس ومن هو الذي يخدع نفسه ويغالط نفسه عن اتّباع الحق والحقيقة، إنّ الشيعة هم الذين اقتدوا بأئمة اهل البيت عليهم السلام في افعالهم واقوالهم ومعتقداتهم، وهم الذين امتثلوا امر الله تعالى الوارد على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وهو قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه اجراً الاّ المودة في القربى)(1) والشيعة هم الذين حفظوا تراث اهل البيت عليهم السلام عبر التاريخ، والشيعة إنّما سمّوا بالشيعة لمشايعتهم
____________
1) سورة الشورى، الآية 22.
إنّ الشيعة الامامية لا تحتاج الى الدعاية، فمذهبهم قائم بذاته وبأدلّته في كلّ ما يعتقدون او يعملون الا انّهم ابتلوا بمثل هذا الكاتب ممّن امتلأت قلوبهم بالحقد وعقولهم بالجهل لاحداث الفتنة بين المسلمين الامر الذي اضطرّ الشيعة الى الدفاع عن انفسهم بالحجّة والدليل والبرهان.
ثمّ إنّ هذا الكاتب يذكر تحت عنوان فتاوى العلماء واتّفاقهم على ارتداد الشيعة وكفرهم.
ويقول: اتّفق الفقهاء على كفر الشيعة وارتدادهم عن الدين.
ونقول: إنّا قد اجبنا عن ذلك وقلنا اذا كان المناط والمقياس في الحكم على اي انسان بانه مسلم هو النطق بالشهادتين فإنّ الشيعة تاتي بجميع الفروض الدينية والمستحبّات الشرعيّة، وذكرنا ان مساجدهم عامرة بالصلاة في اوقاتها، فالحكم عليهم بالكفر والارتداد حكم جائر وهو على خلاف مبادئ الاسلام التي
الشيعة وتحريف القرآن مرّة اخرى
ثمّ ذكر هذا الكاتب سؤالاً حول التعامل مع الشيعة والزواج منهم وتناول ذبائحهم والصلاة على امواتهم، او قبول صدقاتهم، ويجيب عن ذلك بجواب سخيف هو اعادة لما ذكره مراراً من امر التقيّة، والقول بتحريف القرآن، وإنّ حقيقة الشيعة لم تكون معروفة اذ لا وجود لكتبهم، ولذلك لم يكفّرهم العلماء والمحقّقون السابقون، وفي زماننا انتشرت كتب الشيعة، واتفق المحقّقون في الاديان على كفرهم؛ لانّ جميع اعتقاداتهم تستبطن الكفر؛ لانّهم يقولون بتحريف القرآن، وفي كتب الشيعة ما لا يقل عن الفين مورد تدل على القول بتحريف القرآن ويذكر موارد خمسة عن التحريف ذكرت في كتب الشيعة وهي تحريف المعنى وتغيير الالفاظ وتغيير الحروف عن مواقعها والتغيير في الترتيب وعدم استقامة ترتيب السور والآيات والحروف، ثم يقول: إنّ هذا هو ما ذكره علماء الشيعة والمعتمد عليه عندهم ويؤمنون به بكلّ قوّة.
ونقول: إنما ذكرنا ذلك ليرى القارئ كيف يفتري هذا
إن هذا الكاتب يحكم على نفسه وعلى اتباعه وعلى مذهبه وعلى علمائه بالكفر والخروج عن الاسلام من حيث لا يشعر.
قال الكاتب: إنّ مؤسسي مذهب الشيعة قد مرّوا بثلاث مراحل منذ ان بدأوا بتأسيسه.
ونقول: إنّ مؤسّس مذهب الشيعة وغارس بذرته هو
____________
1) راجع كتاب الامامية واسلافهم من الشيعة تأليف الدكتور عبد الله فيّاض: ص 19 منشورات مؤسسة الاعلمي، بيروت ـ لبنان.
قال الكاتب: المرحلة الاولى: لا احد من الشيعة يؤمن بتماميّة القرآن وكماله، ولا احد منهم لا يعتقد بعدم تحريفه.
ونقول: متى كان هذا؟ ومن هم هؤلاء الذين لا يعتقدون بتمامية القرآن؟ وفي اي زمان كانوا؟ (ان هذا الاّ اختلاق).
قال الكاتب: المرحلة الثانية: يؤمن الشيعة بوثاقة اربعة اشخاص فقط معتمدين عندهم وهؤلاء الاربعة رووا في احاديثهم بعدم وجود التحريف في القرآن تقيّة.
ونقول: اولاً: انّ هذا الكاتب يخلّط ويغالط في ما يقول هل الشيعة لا تؤمن الاّ بوثاقة اربعة اشخاص فقط، وهذه المعاجم الرجالية واسماء الرواة عندهم تعد بآلاف، ثمّ كيف يروي هؤلاء الاربعة في احاديثهم عدم وجود التحريف في القرآن ثم عمّن روى هؤلاء الاربعة عدم التحريف في القرآن؟
وثانياً: يدّعي هذا الكاتب انّ هؤلاء رووا عدم التحريف تقية فمن من كانوا يتّقون؟ هل يتّقي هؤلاء الاربعة من الشيعة ام
قال الكاتب: الاول ابو جعفر محمد بن حسين بن موسى الصدوق توفي سنة 381 هـ 1003 م.
الثاني الشريف المرتضى ابو القاسم علي بن حسين بن موسى البغدادي صاحب الكتاب المسمى (علم الهدى) توفي 426 هـ ـ 1085 م.
ونقول: اولاً: ان ابا جعفر هو محمد بن علي بن الحسين بن موسى وليس محمد بن حسين كما ذكره الكاتب.
وثانياً: ان لفظ علم الهدى لقب للشريف المرتضى لا انه اسم لكتابه وهو صاحب الكتب والمؤلّفات الكثيرة، ومنها كتاب الشافي في الامامة، وكتاب الانتصار، وكتاب الامالي، وكتاب تنزيه الانبياء، وكتاب الذريعة، وغيرها من الكتب.
قال: الثالث: شيخ الطائفة ابو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي (المفسر) توفي سنة 460 هـ.
الرابع ابو علي الطبرسي امين الدين الفضل بن حسين بن شهر آشوب صاحب كتاب مجمع البيان المتوفى سنة 548.
قال الكاتب: ونظراً الى ما ذهب اليه هؤلاء الاربعة من الشجب والانكار كان يناقض ويعارض المبدأ المسلّم عليه عند جميع الطائفة الشيعية، فقد تعرضوا في المقابل للنقد ووضعت آراؤهم على بساط البحث والمناقشة.
ونقول: قد ينخدع البعض بانّ هذا الكاتب على اطّلاع ومعرفة بكتب الشيعة وآراء علمائهم، ولكن ذلك خلاف الحقيقة، فهو لا يعلم شيء من ذلك اصلاً، وشاهده انه يخطئ في نقل الاسماء ويخلّط بين اللقب واسم الكتاب، ويجعل اللقب اسماً لكتاب، ويمزج بين اسمين لمسمّى واحد، وإذا كان هذا حاله فكيف يكون على اطّلاع ومعرفة بآراء الشيعة واقوال علمائها، وليته ذكر لنا مصدراً واحداً تعرّض فيه واحد من هؤلاء العلماء للمناقشة في هذه المسألة المزعومة الأمر الذي يؤكّد ان هذا الكاتب يرمي القول على عواهنه من دون معرفة ودراية.
قال الكاتب: ان العلامة... كان قد اصدر فتوى صرّح فيها ان الفرقة الشيعية منتسبة الى كيان الاسلام حقيقة ولكنّه
ونقول: ان هذا المفتي لو تمعن في ما جاء في تفسير مجمع البيان من الدفاع عن القرآن والردّ على القائل بنقصان القرآن وتغييره وما اورده من كلام السيّد المرتضى في ذلك لما تغيّر موقفه من الشيعة.
قال الطبرسي في مقدمة الكتاب تحت عنوان الفن الخامس...:
ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فإنّه لا يليق بالتفسير، فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه، وامّا النقصان منه فقد روى جماعة من اصحابنا وقوم من حشويّة العامّة انّ في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب اصحابنا خلافه، ثم ذكر كلام السيد المرتضى وجاء فيه: (ان القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن) وذكر الدليل على ذلك الى ان قال: (وذكر ان من خالف في ذلك من الامامية والحشوية(1) لا يعتد بخلافهم، فإن الخلاف في ذلك مضاف الى
____________
1) الحشوية وهم العامة المنتسبون الى اهل الحديث ويلقبون بالحشوية لقبولهم الاحاديث المحشوة بالاباطيل وقيل هم الذين يحشون الاحاديث التي لا اصل لهما في الاحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله، او يدخلون فيها ما ليس منها.
فهل يفهم من هذه العبارات وغيرها ممّا لم نذكره انّ الشيعة تقول بتحريف القرآن وبنقصانه وقد ذكرنا في اوائل الكتاب ان وجود الروايات لا يعني الاعتماد عليها والاخذ بها، فقد تكون ضعيفة لا يعتمد عليها كما في ما نحن فيه، فهل تلزم الشيعة بأنّها تقول بتحريف القرآن بعد ان ردّ ذلك علماء الشيعة انفسهم ونحيل الكاتب وامثاله الى كتب السنّة ليرى فيها ما هو اعجب واغرب كما نرجوا قراءة مقدّمة تفسير مجمع البيان ليتبيّن انّ مذهب الشيعة لا يقول بتحريف القرآن وهو قول علمائهم، فكيف ساغ لهذا المفتي ان يحكم على انّ الشيعة تستبطن الاعتقاد بتحريف القرآن؟.
الشيعة والبداء ونساء النبي صلى الله عليه وآله
قال الكاتب: وخلاصة القول لا يتوقّف انطباق الكفر على الشيعة على القول بالتحريف فحسب، وإنّما تتّسع الدائرة الى
____________
1) مجمع البيان في تفسير القرآن: ج 1 ص 15.
ونقول: لو انّ هذا الكاتب اطّلع على عقائد الشيعة من كتبهم وسعى لفهمها وتخلّى عن مرتكزاته لكان خيراً له، ولكنّه الجهل، والناس اعداء ما جهلوا ولذا تراه تارة يحمل على الشيعة ويرميهم بالكفر والخروج عن الاسلام لقولهم بالتقيّة وهي واردة في القرآن وتارة لانّهم يقولون بتحريف القرآن وعلماء الشيعة يردّون ذلك، وتارة لانّهم يقولون بالبداء وهو موجود في القرآن، فهل فهم معنى البداء الذي تقول به الشيعة وتعتقد به، وتارة باتهامهم بقذف نساء النبي صلى الله عليه وآله ولا ندري على ايّ المصادر يعتمد هذا الكاتب، ومن الذي يملي عليه هذه الاباطيل ليسطرها من اجل ايقاع الفتنة بين الناس وسنذكر هنا خلاصة معنى البداء عند الشيعة إفهاماً لهذا الكاتب واضرابه ليعلموا انّ عقيدة الشيعة في هذا الامر لا تتنافى مع مبادئ الاسلام، ونؤكّد هنا انّ هذا الاتهام ليس جديداً على الشيعة، فقد سبق الى ذلك غير هذا الكاتب ومن الذين لم يتثبّتوا ولم يتوقّفوا كالفخر الرازي عند تفسيره قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)(1) قال: قالت
____________
1) سورة الرعد، الآية 39.