وحاشا الشيعة ان تقول بذلك فإنّهم يعتقدون ان الله تعالى عالم بالاشياء قبل وقوعها، وهو الذي قدّرها، وانّ علمه تعالى عين ذاته (يعلم ما في السموات وما في الارض ما يكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الاّ هو سادسهم ولا ادنى من ذلك ولا اكثر الا هو معهم اين ما كانوا ثمّ ينبئهم بما عملوا يوم القيامة انّ الله بكلّ شيء عليم)(1).
وبعد هذا نقول:
البداء: لغة اسم مصدر من بدا يبدو بدواً من طلب بمعنى ظهر وقد يطلق على ما ينشأ للمرء من الرأي في امر ويظهر له من الصواب، قال تعالى (وبدا لهم سيّئات ما كسبوا)(2) ولا يستعمل الفعل منه مفصولاً عن اللام الجارّه كما في الآية الشريفة، ويستعمل كثيراً في معاني تستلزم الظهور والبروز، والجامع لهذه الاستعمالات هو الظّهور لا ظهور الرأي فقط، لصحة استعماله في ظهور شيء آخر غير الرأي، ثم إنّ في موارد استعمال البداء
____________
1) سورة المجادلة، الآية 7.
2) سورة الزمر، الآية 48.
الاوّل: قضاء الله الذي لم يطلع عليه احد من خلقه والعلم المخزون الذي استأثر به تعالى.
الثاني: قضاء الله الذي اخبر نبيه وملائكته بأنّه سيقع حتماً.
الثالث: قضاء الله الذي اخبر نبيّه وملائكته بوقوعه في الخارج الاّ انّه موقوف على ان لا تتعلّق مشيئة الله بخلافه وهذا القسم هو الذي يقع فيه البداء (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب)(1) (لله الامر من قبل ومن بعد)(2) وقد وردت الروايات عن اهل البيت عليهم السلام تشير الى كلّ من هذه الاقسام، فالبداء في حقيقته كالنسخ الاّ انّ الاوّل في التكوين والثاني في التشريع، وكلاهما لا يستلزمان الجهل او نسبته الى الله تعالى.
وممّا يترتب على الاعتقاد بالبداء.
اولاً: الاعتراف الصريح بانّ العالم تحت سلطان الله وقدرته في حدوثه وبقائه، وانّ ارادة الله نافذة في الاشياء ازلاً وابداً.
وثانياً: انّ في القول بالبداء ايضاح للفرق بين العلم الالهي
____________
1) سورة الرعد، الآية 39.
2) سورة الروم، الآية 4.
وثالثاً: انّ الاعتقاد بالبداء يوجب انقطاع العبد الى الله وطلبه اجابة الدعاء منه وكفاية مهماته وتوفيقه للطاعة وابعاده عن المعصية.
ورابعاً: انّ في ذلك الردّ على اليهود الذين قالوا ان قلم التقدير والقضاء حينما جرى على الاشياء في الازل استحال ان تتعلق المشيئة بخلافه، ولذلك حكى القرآن قولهم وردّ عليهم (يد الله مغلولة غلّت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان)(1).
وخامساً: انّ انكار البداء والالتزام بأنّ ما جرى به قلم التقدير كائن لا محاله دون استثناء يوقع العبد في اليأس عن اجابة الدعاء وحينئذ فلا ينفع دعاء او تضرّع الى الله تعالى.
وسادساً: انّ انكار البداء يشترك بالنتيجة مع القول بأن الله غير قادر على ان يغيّر ما جرى عليه قلم التقدير.
هذه خلاصة ما قرره علمان من أعلام الشيعة ـ وهما السيد علي الفاني الاصفهاني في كتابه البداء عند الشيعة والسيد ابو القاسم الخوئي في كتابه البيان في تفسير القرآن ـ حول موضوع
____________
1) سورة المائدة، الآية 64.
واما بالنسبة الى الدعوى الثانية حول قذف نساء رسول الله صلى الله عليه وآله فإن الشيعة تعتقد ـ وهذه كتبهم في متناول الجميع ـ ان نساء النبي صلى الله عليه وآله بل نساء الانبياء قاطبة منزهات عن الفواحش التي تمس الشرف والعرض، فإنّ ذلك يخدش بمقام النبوّة، ولكن لا يعني ذلك ان نساء النبي معصومات عن سائر الاخطاء بل جاء في القرآن ما يدلّ على ان امرأتين من نساء بعض الانبياء مصيرهما النار وهما امرأة نوح وامرأة لوط، كما قال الله تعالى: (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين)(1) وامّا نساء النبي فهنّ وان كنّ لسن كسائر النساء كما تحدّث القرآن عنهن لكن لا يعني ذلك العصمة لهنّ وانما اختلافهن عن سائر النساء في الثواب والعقاب فيضاعف لهنّ الثواب إذا جئن بالحسنة كما يضاعف لهنّ العقاب إذا جئن بالسيّئة
____________
1) سورة التحريم، الآية 10.
وقد ذكرت القصّة مفصلة في صحيح البخاري وغيره والمراد بالافك هو الكذب العظيم او البهتان على عائشة او غيرها من ازواج النبي صلى الله عليه وآله كما سيأتي بيان ذلك.
وجوابنا عن ذلك.
اولاً: ان هذه القضية وقعت في زمان النبي صلى الله عليه وآله وتحدّث عنها القرآن الكريم، وإذا كان الشيعة لم يوجدوا بعد كما يدّعي هذا
____________
1) سورة الاحزاب، الآيتان 30 و 31.
2) سورة النور، الآية 11.
3) صحيح البخاري بحاشية السندي: ج 3 ص 38، دار المعرفة، بيروت ـ لبنان.
ثانياً: انّ بعض الصحابة قد تورّط في هذه القضيّة ومنهم حسّان بن ثابت ذكر ذلك البخاري(1) وابن داود وغيرهما وكان لحسّان في ذلك شعر يعرض فيه بابن المعطّل المتهم في هذه القضية وبمن اسلم من مضر، فإذا كان الامر كذلك، فكيف نحكم على انّ جميع الصحابة كانوا على العدالة والاستقامة الامر الذي يثبت ويؤكّد انّ الصحابة حالهم كحال سائر الناس.
ثالثاً: انّ هذه القضيّة محلّ خلاف بين المؤرّخين، فذهب بعض السنّة الى انّ عائشة هي المتّهمة، كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه والترمذي والبيهقي واحمد بن حنبل وغيرهم، وذهب بعض علماء الشيعة وجمع من علماء السنة ان المتّهم في هذه القضيّة هي مارية القبطيّة جارية رسول الله صلى الله عليه وآله ام ابراهيم، ويستدلّ الشيعة بروايات وردت عن ائمّتهم عليهم السلام وقد ذكر علي بن ابراهيم القمي تلك الروايات في تفسيره لآية الشريفة(2) واما من
____________
1) صحيح البخاري: ج 3 ص 39.
2) انظر تفسير القمي، لعلي بن ابراهيم القمي: ج 2 ص 99، مؤسسة دار الكتاب، ـ قم ـ ايران.
ورابعاً: انّ من العجيب حقاً والملفت للنظر ان نجد في الروايات السنّية ان ممّن اتّهم مارية القبطيّة عائشة نفسها وانّها قد اصابتها الغيرة الشديدة حتى ان ابن سعد في طبقاته يروي عن عائشة قولها: (ما غرت على امرأة الاّ دون ما غرت على مارية...)(7) وهي التي نفت الشبه بين ابراهيم وبين الرسول صلى الله عليه وآله كما ذكر ذلك السيوطي في الدر المنثور ويقول ابن ابي الحديد
____________
1) صحيح مسلم: ج 8 ص 119 النسخة المشكولة.
2) مستدرك الحاكم: ج 4 ص 39 و 40.
3) الكامل في التاريخ لابن الاثير: ج 2 ص 313.
4) الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8 ص 154 و 155 5) مجمع الزوائد: ج 9 ص 161 عن الطبراني في الاوسط.
6) الدر المنثور، لجلال الدين السيوطي: ج 6 ص 140 ـ 157.
7) الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8 ص 212 راجع ايضاً انساب الاشراف: ج 1 ص 449.
هذا ما يذكره بعض علماء السنة حول القضيّة وانّ لعائشة دوراً كبيراً في اثارة التهمة ضد مارية، كما ذكرت ذلك المصادر السنية، فقل بربك هل يسوغ اتّهام الشيعة بأنّهم يقذفون نساء رسول الاسلام؟ الا يقتضي التثبت والتروي ان يبحث الانسان في كتب الروايات والتاريخ عن هذا الامر ليقف على الحقيقة بنفسه بدلاً من بثّ الدعايات المغرضة التي لاطائل من ورائها غير ايقاع الفتنة بين الناس.
وخامساً: انّ احد علماء الشيعة ومن المحقّقين في قضايا التاريخ الاسلام قد ألّف كتاباً حول هذه القضية واستعرض فيه جميع النصوص الشيعية والسنّية الواردة في هذه الحادثة وناقشها نقاشاً موضوعيّاً توصل من خلاله الى نتائج مهمّة ونطلب من هذا الكاتب ان يقرأ الكتاب ليرى الحقائق بامّ عينه واسم الكتاب (حديث الافك) تاليف جعفر مرتضى طبع عام 1400 هـ ـ 1980 م على مطابع مؤسسة البيادر للطباعة ـ مزرعة ـ الضهر ـ الشوف ونشرته دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت ـ لبنان ـ.
____________
1) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي: ج 9 ص 195.
الاحكام والفتاوي الجائرة
ثمّ ذكر الكاتب جملة من الاحكام قد ذكرها سابقاً وهي: لا يجوز تزوّجهم منّا او نحن التزوج منهم، لا يباح لحومهم وذبائحهم للمسلمين على الاطلاق، لا ينبغي قبول صدقاتهم المقدمة للمساجد، لا يجوز الصلاة على امواتهم، او دعوتهم للقيام في صلوات امواتنا، لا يجوز كلّ ما ذكرناه بل إنّ صلاة الشيعي على اموات اتباع اهل السنّة تكون سبباً للعنة الله وتعذيبه للميّت في قبره.
ونقول: ـ بغضّ النظر على الخلل الواضح في هذه الاحكام الجائرة ـ إنّ ما توصّل اليه من هذه الاحكام لا ينسجم مع ما رتّبه من المقدّمات فإن كلّ ما ذكره مخدوش فيه صغرى وكبرى، فإنّ الشيعة مسلمون موحّدون يلتزمون بالتعاليم الاسلامية في جميع شؤونهم من عبادات ومعاملات واحكام ولا يخالفون الدين في كل قضاياهم، وإذا كان هناك اختلاف مع السنة، فهو يرجع الى فهم الامور وتشخيصها، ولا يلزم منه ما ذكره من تلك الاحكام الجائرة الظالمة، وإذا اصرّ هذا الكاتب على مزاعمه فيمكننا القول إنّ الشيعة ليسوا بحاجة الى ان يتزوّجوا من اناس
ومن الغريب المضحك قوله: ان صلاة الشيعي على اموات اتباع اهل السنّة تكون سبباً للعنة الله وتعذيبه للميّت في قبره، فمن اين جاء بهذا الحكم وكيف يعذب الميّت بفعل غيره؟ وهل اكتسب ذنباً حتى يعذب في قبره لمجرد صلاة الشيعي عليه؟ والله تعالى يقول: (ولا تزر وازرة وزر اخرى)(1) اليس في هذا القول من هذا الكاتب نسبة الظلم والجور لله تعالى؟ تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً.
قال الكاتب: انّ العلامة ابن عابدين كتب ما يلي: لا يوجد شك وريب في كفر من يلصق التّهم بقذف سيدتنا عائشة (رض) او ينكر خلافة سيّدنا ابي بكر.
ونقول: امّا قضية اتّهام السيّدة عائشة فقد مرّ الكلام حولها.
وامّا انكار خلافة ابي بكر، فقد انكرها بعض الصحابة الى ان مات، ولم يعترف بخلافة ابي بكر وهو سعد بن عبادة
____________
1) سورة فاطر، الآية 18.
ثمّ لنا ان نتساءل هل انّ خلافة ابي بكر وحي منزل او انّها وردت في نصّ من نصوص القرآن او انها كما يقول عمر بن الخطاب: فلتة وقى الله المسلمين شرها فمن عاد الى مثلها فاقتلوه(2)
____________
1) الملل والنحل لابي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني: ج 1 ص 32، الطبعة الرابعة دار المعرفة ـ بيروت.
وراجع ايضاً الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 2 ص 222.
وسعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي كان سيّداً جواداً، وهو صاحب راية الانصار في المشاهد كلها، وكان وجيهاً في الانصار ذا رياسة وسيادة يعترف قومه له بها، وموقفه يوم السقيفة معروف مدون في كتب الاخبار والسير، امتنع عن بيعة ابي بكر وسار الى الشام فأقام بحوران الى ان قتل.
رماه خالد بن الوليد وآخر بسهام والقياه في بئر، وقيل: رماه المغيرة بن شعبة، وقيل قتلته الجن.
راجع شرح نهج البلاغة: ج 17 ص 223 دار احياء الكتب العربية وغيره من الكتب التي تناولت ترجمته وموقفه من خلافة ابي بكر.
2) شرح نهج البلاغة: ج 2 ص 26 وراجع تلخيص الشافي: ج 2 ص 104 وج 3 ص 159.
ونحن وإن ذكرنا فيما تقدم انّ الكاتب ذكر انّ علماء الاسلام يحتاطون في اطلاق الكفر على من نطق بالشهادتين، وان ابا حنيفة يذهب الى التّحذير من اطلاق الكفر على كل من اتّجه الى قبلة الاسلام، الا اننا نضيف هنا انّ علماء السنة قد اتفقت فتاواهم على عدم جواز تكفير المسلمين، حتى ان بعضهم ذهب الى عدم جواز تكفير الخوارج الذين يستحلّون دماء المسلمين واموالهم ويكفّرون الصحابة، هذا مع انّ النبي صلى الله عليه وآله نصّ على انّهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرميّة، وانّهم شرّ الخلق والخليقة، وانّهم ليسوا من الله في شيء، وانّ طوبى لمن قتلهم او قتلوه(2).
يقول السيّد شرف الدين رحمه الله معلقاً على ذلك: وإذا كان هؤلاء مسلمين بالاجماع، فما ظنّك بمن دخل باب حطّة، وركب سفينة النجاة، واعتصم بحبل الله، وتمسّك بثقلي رسول الله، ودخل مدينة علمه من بابها، ولجأ الى امان امّته من اختلافها وعذابها، وإذا كان الخوارج مسلمين فمن غيرهم من اهل القبلة
____________
1) سورة الكهف، الآية 5.
2) الفصول المهمة للسيد شرف الدين: ص 66، عن التاج الجامع.
وايّ ذي نحلة من اهل الاسلام ليس له كشبهتهم؟(1).
وقد عقد السيّد شرف الدّين رحمه الله في كتابه الفذ (الفصول المهمّة في تأليف الامّة) فصلاً تحت عنوان الفتوى بنجاة اهل الشّهادتين ذكر فيه لمعة مما افتى به علماء السنة من ايمان اهل التوحيد مطلقاً، ونجاة اصحاب الشهادتين جميعاً فقال: ذكر العارف الشعراني في البحث 58 من اليواقيت والجواهر انه رأى بخطّ الشيخ شهاب الدّين الاذرعي صاحب القوت، سؤالاً قدّمه الى شيخ الاسلام تقي الدّين السّبكي وصورته: ما يقول سيّدنا ومولانا شيخ الاسلام في تكفير اهل الاهواء والبدع؟
قال: فكتب اليه اعلم يا اخي انّ الاقدام على تكفير المؤمنين عسر جداً، وكل من في قلبه ايمان يستعظم القول بتكفير اهل الاهواء والبدع، مع قولهم " لا اله الاّ الله محمداً رسول الله " فإنّ التّكفير امر هائل عظيم الخطر، الى آخر كلامه، وقد اطال في تعظيم التّكفير وتفظيع خطره(2).
ونقل عن ابن العربي في باب الوصايا من فتوحاته
____________
1) الفصول المهمّة: ص 66، الطبعة المحققة.
2) الفصول المهمّة: ص 58، الطبعة المحققة.
ونقل عن صاحب المنار قوله: إنّ من اعظم ما بليت به الفرق الاسلامية رمي بعضهم بعضاً بالفسق والكفر، مع ان قصد كل الوصول الى الحق بما بذلوا جهدهم لتأييده واعتقاده والدّعوة اليه، فالمجتهد وإن اخطأ معذور(2).
وقال رحمه الله: ونقل جماعة كثيرون منهم الشّعراني في المبحث المتقدم ذكره عن ابي المحاسن الرّوياني وغيره من علماء بغداد قاطبة، انهم كانوا يقولون: لا يكفر احد من المذاهب الاسلامية لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، واكل ذبيحتنا، فله مالنا وعليه ما علينا.
قال: واطال في اثبات الايمان لكل مصدّق بالشهادتين من اهل الاهواء والبدع كالمعتزلة، وانّجارية والرّوافض، والخوارج، والمشبّهة، ونحوهم، وحكم بنجاة الجميع يوم القيامة.
____________
1) الفصول المهمة: ص 59.
2) الفصول المهمة: 60.
قال: وهم من اهل الاجابة بلا شك، فمن سمّاهم كفرة فقد ظلم وتعدّى(1).
وقال رحمه الله: واجمع الشّافعيّة على عدم تكفير الخوارج واعتذروا عنهم ـ كما في خاتمة الصواعق بأنّهم تأوّلوا، فلهم شبهة غير قطعيّة البطلان(2).
وقال رحمه الله ايضاً: ورأيت كلاماً في هذا المعنى ناجعاً لشيخ السّادة الحنفيّة محمّد امين المعروف بابن عابدين في باب المرتدّ من كتاب الجهاد من الجزء الثالث من ردّ المحتار يحكم فيه قاطعاً بإسلام من يتأوّل في سبّ الصحابة، مصرّحاً بأنّ القول بتكفير المتأوّلين بذلك مخالف لإجماع الفقهاء مناقضاً لما في متونهم وشروحهم، وانّ ما وقع في كلام اهل المذهب من تكفيرهم ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون، بل من غيرهم قال: ولا عبرة بغير الفقهاء والمنقول عن الفقهاء ما ذكرناه... الى آخر كلامه وقد اشتمل على ادلّة وافية، وشواهد
____________
1) الفصول المهمة: ص 61، الطبعة المحققة.
2) الفصول المهمة: ص 65.
وإنّما أطلنا في النقل عن هذا العالم العظيم السيّد شرف الدين (رحمه الله) لنؤكّد على انّ هذا الكاتب يرمي عن غير قوسه، ويتكلّم بغير لسانه، ويكتب بغير قلمه، وهو خالي الوفاض من كل علم ومعرفة.
وقد ذكر السيد شرف الدين في كتابه في فصول سابقة ولاحقة الكثير ممّا هو جدير بالمراجعة، ولا يخفى انّ هذا السيّد الجليل هو ابرز المنافحين عن حريم التشيّع، وقد رهن حياته للدفاع عن مذهب اهل البيت عليهم السلام وقد اشرنا في مطلع الكتاب الى بعض مؤلفاته، ويعجبني ان انقل هنا ما ذكره في كتابه المراجعات عن الشيخ سليم البشري ـ شيخ الجامع الازهر في زمانه ـ وهو قوله في المراجعة رقم (111): قال: ـ مخاطباً السيّد شرف الدين ـ: اشهد انكم في الفروع والاصول على ما كان عليه الائمة من آل الرسول، وقد اوضحت الامر فجعلته جليّاً واظهرت من مكنونه ما كان خافيا، فالشكّ فيه خبال، والتشكيك تضليل، وقد
____________
1) الفصول المهمة: ص 67، الطبعة المحققة.
ونقول لهذا الكاتب: اذا كان الشيعة الامامية هكذا في الاصول والفروع بشهادة شيخ الازهر، واذا كان الشيعة الامامية مسلمون موحدون ومن اهل القبلة ويشهدون الشّهادتين، وهم ناجون بشهادة علماء السنة، فهل يسوغ بعد ذلك رميهم بالكفر والخروج عن الدّين وهدر دمائهم؟
(ربّ احكم بالحق وربّنا الرحمن المستعان على ما تصفون)(2).
قال الكاتب: وكتب ايضاً في مورد آخر: انّ الشيعة مرتدون بلا اشكال، وليس لهم حكم الا الاعدام والقتل.
____________
1) المراجعات: ص 537، المراجعة رقم 111.
2) سورة الانبياء، الآية 112.