الصفحة 196
ونقول: نحن نطالب ابن عابدين بالدليل على ارتداد الشيعة، وعلى ايّ اساس بنى حكمه الجائر ضدّ الشيعة، فإنّ الاسلام وضع الضابطة للحكم على الشخص بانّه مرتدّ، فهل تنطبق هذه الضابطة على الشيعة ليحكم ابن عابدين بارتداد الشيعة ويحكم عليهم بالقتل والاعدام (كبرت كلمة تخرج من افواههم)(1) انّ اصدار الاحكام والفتاوى بلا رادع من دين ولا وازع من ضمير ولا خوف من الله ولا بينة ودليل في القول انما هو إثارة للفتن وافساد في الارض ونصرة للظلم والظالمين. وقد نقلنا جملة من فتاوى علماء السنة في نجاة الشيعة وانهم على منهاج عترة الرسول صلى الله عليه وآله.

ثم ذكر الكاتب ما كتبه رضي الدين مفتي دار العلوم من انّ الشيعة يقولون بتحريف القرآن وأمرهم كأمر اليهود والنصارى ولا يجوز التزاوج منّا ومنهم، او التعامل والتعاطف معهم في ايّ امر كان، وختم كلمته بقوله فإنّ الشيعة الذين عندهم مثل هذه الافكار والنظريات لا يتصفون بالكفر فقط بل هم اشد قبحاً وانحرافاً من الكفار.

ونقول: إنّ مشكلة هؤلاء الكتّاب والمفتين سريعوا المبادرة

____________

1) سورة الكهف، الآية 5.


الصفحة 197
الى التكفير من دون ان يذكروا مستنداً، او انهم إذا ذكروا مستنداً لحكمهم يغفلون عمّا ملئت به كتبهم، ونحن نتعجب كيف يكون مثل هذا مفتياً والافتاء يقتضي الاحاطة بالادلّة والمعرفة الدقيقة لأصول الدين واحكامه، والوقوف على موارد الاختلاف، فهل علم هذا المفتي انّ القول بالتحريف موجود عند السنة ورواه علماؤهم في كتبهم كما بينا ذلك مفصلاً، ثمّ ان مجرد الاختلاف في النظريّات والافكار هل هو سبب كاف للحكم بالكفر؟ أليس من اللائق هو عرض الادلّة ومناقشتها مناقشة علميّة وبيان مواضع الخطأ منها ـ على فرض وجود الخطأ فيها ـ والسعي الى فهم مرادات الشيعة بدلاً من تكفيرهم؟ اليس من اللائق بهذا المفتي ان يتثبت في فتاواه وفي حكمه انّ الشيعة كاليهود والنصارى؟ فعلى ايّ اساس بنى حكمه؟ وما هو دليله على ذلك؟؟ اليس من الجدير بهذا المفتي ان يتّقي الله ويخشاه ويخاف ربّه ولا يكون لمجرمين ظهيراً ثمّ ذكر الكاتب ما كتبه محمّد مرتضى الحسن نازم ـ دار العلوم ـ الهند ـ حيث قال: انّ الامر الجوهري في المسألة هو كونهم رافضة ومعنى الرافضة: انّهم منكرون ورافضون لخلافة ابي بكر وعمر وعثمان انّهم لا يرتدّون صفة الكفر والارتداد وخروجهم عن حوزة الاسلام مجردة بل عليها صفات زائدة

الصفحة 198
تتمثل في عدائهم للاسلام.

ونقول:

اولاً: اذا كان الرفض لخلافة ابي بكر وعمر وعثمان دليلاً على الكفر، فهذا لا يختص بالشيعة بل يشمل بعض الصحابة، كما ذكرنا ان سعد بن عبادة قد رفض بيعة ابي بكر وخلافته الى ان قتل.

وثانياً: انّ الخلافة في نظر علماء السنة ليست وحياً ولم يرد فيها نصّ قرآني، وإنّما هي من اختيار الناس انفسهم وهم غير معصومين.

وثالثاً: انّ الشيعة تعتقد بانّ الخلافة بعد النبي لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وتملك على ذلك الادلّة والبراهين والعقليّة والنقلية وبإمكانها ان تثبت عقيدتها من كتب السنّة انفسهم، وإذا قام الدليل عندهم على امر فلا مجال للعدول عنه الى امر آخر.

واما قوله ان هناك صفات زائدة تتمثل في عدائهم للاسلام، فهذا زور وبهتان، ولنا ان نتساءل ما هو هذا العداء؟ وما هي تلك الصفات الزائدة؟ وليته بيّنها لنقف على مقصوده، اما انّه يأتي بالكلام مجملاً مبهماً فهذا خلاف العلم والعدل والانصاف.


الصفحة 199
قال الكاتب: فعلى المسلمين ان يجتنبوا عن ايّة معاملة اسلامية معهم كالتزاوج معهم الى ان قال: ولو عاش الزوجان في العلقة الزوجيّة هذه فانّهما يعتبران زانيان خارجان عن حدود الله...

ونقول: عجيب امر هؤلاء انّهم لا يكادون يفقهون حديثاً، وانهم ليجرؤن على مخالفة مذاهبهم واقوال علمائهم الامر الذي يؤكد ما ذكرناه من انّ هؤلاء الكتّاب ليسوا من اهل العلم ولا يقرأون ما كتبه علماؤهم ونريد في الجواب عن هذه السخافة الاكتفاء بطرح السؤال التالي: لو ان رجلاً وامرأة متزوّجان وهما كافران ثمّ اسلما، فهل نحكم عليهما بأنّهما كانا زانيين ونقيم الحدّ عليهما لارتكابهما الزنا ايّام كفرهما؟ ام انّ الدين الاسلامي يمضي ما كانا عليه إذ لكلّ امة نكاح كما قرّر ذلك في الفقه الاسلامي؟؟؟

ثمّ نقول: هكذا يكون التلاعب بأحكام الله إذا كانت الكلمة لهؤلاء الجهّال واضرابهم ولا حول ولا قوّة الاّ بالله العليّ العظيم وانا لله وانا اليه راجعون.

ثمّ نقل الكاتب ما كتبه محمّد فزاز علي مدرس الادب والفقه حيث قال: توجد فرق متعددة عند الشيعة ومعتقداتها وإن

الصفحة 200
لم تتفق في نقطة معينة فهي باطلة بالنسبة لبعضها وكفرها واضح على كل حال وياتي الاثنا عشرية في مقدمتها وعلى هذا الاساس لا يجوز التزاوج منا ومنهم او اجراء المعاملة الاسلامية معهم.

ونقول: أهذا هو الادب الذي تدرّسه لطلاّبك؟ وهذا هو الفقه الذي يتلقّاه المتعلمون منك؟ كيف تبني احكامك على اساس واه لا قرار له ولاثبات؟ وكيف ساغ لك الحكم بتكفير المسلمين من دون بيّنة وبرهان؟ هلاّ وقفت على اقوالهم وادلّتهم وناقشتها وحاكمتها على اساس العلم والادب والفقه؟ اليس من الادب ان تكون باحثاً موضوعياً تطرح الدليل الذي يقيمه خصمك وتبين مواضع الخطأ فيه؟ أليس من الفقه ان تطلع على ما يقوله الشيعة في التوحيد والنبوة والامامة والمعاد والعبادات والمعاملات وترى كيف يستدلّون على عقائدهم واحكامهم؟.

يا مدرّس الادب والفقه انت في دار العلوم في الهند وفيها اكثر من اربعين مليوناً من الشيعة وفيهم العلماء الا يأمرك ادبك وفقهك ان تسعى لطلب الحقيقة والنقاش العلمي الموضوعي مع علمائهم لتقف على حقيقة الشيعة ومعتقداتها بدلاً من ان تبادر للتكفير والتهجّم بلا دليل لإثارة الفتن بين المسلمين، ولكن ما اصدق قول القائل فاقد الشيء لا يعطيه وان منح افخم الألقاب.


الصفحة 201
ثمّ ذكر الكاتب ما كتبه حسين احمد من دار العلوم حيث قال: إنّ الاشخاص الذين يختزنون مثل هذا الاعتقاد الذي ذكرناه اعلاه، فهم كفرة وخارجون عن كيان الاسلام.

ونقول: يقصد بالاعتقاد الذي ذكره هو القول بتحريف القرآن وقد مرّ الجواب عنه مراراً وتكراراً.

ثمّ نقل الكاتب ما كتبه المفتي محمّد عبد العزيز، حيث قال: إنّ الشيعة الاثنا عشرية كفرة مرتدّون لانّهم يعتقدون بتحريف القرآن.

وما كتبه شبير احمد عثمان شيخ التفسير في دار العلوم حيث قال: كلّ من يخلط فكره واعتقاده بتحريف القرآن فهو كافر بلا اشكال.

وهو يريد بذلك الشيعة الاثنا عشريّة.

ونقل ما كتبه مولانا محمّد المدرس أنور وهو يقصد الشيعة ايضاً حيث قال: إنّ ما ذهب اليه هذا العالم الكبير المذكور اعلاه صدق عندما قال بكفر كلّ من يعتقد بتحريف القرآن وعدم الاشكال في كفره.

ونقل ما كتبه مسعود احمد نرب، حيث قال: إنّه بما انّ الشيعة لديهم اعتقادات غامضة، فهم كفار وخارجون عن

الصفحة 202
الاسلام وعلى هذا الاساس لا تجري عليهم احكام الاسلام اطلاقاً، كمثل اجراء عقود الزّواج، التزاوج منّا ومنهم... الى ان قال: لا يجوز كل ما سردناه ويجب الاجتناب والاحتراز عنها على الفور ولابد ان نذكر هنا انّ كل من لا يتقيّد او لا يلتزم بما ذكرناه يكون خارجاً عن حريم الاسلام، ولا شكّ انّه يكون مشتركاً مع الشيعة في مسلك واحد.

ونقول: قد كرّرنا الجواب عن تهمة القول بتحريف القرآن، فإنّ علماء السنة قائلون بذلك، وقد ذكرنا الشواهد على ذلك، ولازم هذه الفتاوى تكفير بعض علماء السنّة الاّ انّ العجب من المفتي الاخير الذي يقول بما انّ الشيعة لديهم اعتقادات غامضة فهم كفار وخارجون عن الاسلام...

اقول: اهكذا يحكم بكفر الناس وخروجهم عن الاسلام فقط لمجرد انّ عندهم اعتقادات غامضة وإذا كان فهمك ايّها المفتي قاصراً عن ادراك ما عند الشيعة يكون مصيرهم الكفر؟!! هلاّ سألت وتفهّمت بدلاً من ان تكفرهم؟ وإذا كان الله تعالى قد حجب عنك وعن بصيرتك نور الحقيقة، فما ذنب الشيعة حتى يكونوا كفاراً خارجين عن الاسلام. اليس من اللائق بك وبأمثالك ان تسعى لكشف هذا الغموض ومعرفة الحقيقة؟


الصفحة 203
ثم تعال الى ما قرره اخيراً من قوله: ولابد ان نذكر هنا ان كل من لا يتقيد او لا يلتزم بما ذكرناه يكون خارجاً عن حريم الاسلام.

اقول: كيف ساغ لهذا المفتي ان يجعل من نفسه موزعاً لشهادات الكفر والخروج عن حريم الاسلام، إنّ هذا المفتي وامثاله يوزعون الكفر بالمجان، واين هذا مما ذكر الكاتب عن احتياط علماء السنّة من اطلاق الكافر على من نطق بالشهادتين، او توجّه الى الكعبة كما نقله عن ابي حنيفة، ونريد ان نتساءل هل في تناول ذبائح الشيعة كفر وخروج عن الاسلام؟ وهل في قبول صدقاتهم لبناء المساجد او توزيع زكاة الفطرة او اقامة الصلاة على موتاهم خروج عن الاسلام؟ لست ادري ولا المنجّم يدري.

ثمّ نقل الكاتب ما كتبه محّمد كفتي اوّلكان مفتي ازام الهند ـ دلهي حيث قال: ان الشيعة كفرة حقيقة، وذلك لانّه اذا وضع القذف والتهم لام المؤمنين جانباً ويجعل السبّ والشتم لسيّدنا ابي بكر وعثمان (رض) فإنّ الايمان بتحريف القرآن الكريم من لوازم هذا المذهب.

ونقول: امّا قضيّة القذف والاتهام فقد مرّ الكلام حولها ولا حاجة للاعادة، وامّا السبّ والشتم فنريد ان نحيل الكاتب

الصفحة 204
والمفتي وهو ومن هو على شاكلتهما الى كتب التاريخ التي تناولت تاريخ صدر الاسلام ليرى كيف كانت حياة الصحابة؟ وكيف كان التخاصم والتباغض قائماً بين بعضهم؟ ونذكر بالخصوص ما كانت تصنعه عائشة في(1) زمان خلافة عثمان وإنّها كانت تخرج قميص رسول الله صلى الله عليه وآله او حذاءه وتقول هذا قميص رسول الله لم يبل وقد ابلى عثمان سنته، وكانت تؤلب الصحابة على قتله وكانت تكفّره على مسمع ومرأى من الصحابة، ولا ندري كيف غفل او تغافل هذا المفتي عن هذه الاحداث التاريخيّة التي نص عليها كلّ من ارّخ تلك الفترة 1.

واما عن مسألة القول بتحريف القرآن، فقد اجبنا عنها مراراً، وسيأتي ما يتعلّق بذلك.

قال الكاتب: عندما يعلن هذه الفتاوى التي تكشف عن كفر الشيعة ذهب قائد علماء الهند مولانا محمّد حسن عمرو فلوو ـ دار المبلغين الي ما يلي:

يستدلّ على كفر الشيعة الاثنا عشريّة وخروجهم عن الاسلام بعدّة ادلّة وشهادات كثيرة:

____________

1) راجع تاريخ اليعقوبي، لاحمد بن يعقوب: ج 2 ص 175، الطبعة الاولى، منشورات الشريف الرضي ـ قم.


الصفحة 205
الدليل الاوّل: ايمانهم بتحريف القرآن، انّ قدماء الشيعة وأئمّتهم الذين عاصروا القرون الغابرة كانوا متحدين على شيء واحد ومحور واحد الا وهو القول بتحريف القرآن ولأجل ذلك فهم كفرة اجماعاً.

ونقول: اذا كان هذا قول قائدهم، فما بالك بالمقود والاتباع (ان هم الاّ كالانعام بل هم اضلّ سبيلاً)(1) وقد ذكرنا انّ الشيعة لا تقول بتحريف القرآن، واذا كان هناك بعض الروايات، فهي غير معتبرة عندهم، وقد ذهب بعض السنّة الى القول بذلك، وقلنا: إنّه ليس للشيعة قرآن آخر، وهذه مساجدهم عامرة بتلاوة كتاب الله الذي يقرؤه كافة المسلمين، ولا اختلاف بين القرآن الذي عند الشيعة والقرآن الذي عند السنّة، وعليه مدار احكامهم وتعاليمهم، وهو المستند الاوّل للأحكام والتعاليم الشرعيّة.

ولا ندري لماذا هذا الاصرار على الزام الشيعة بالقول بالتحريف في الوقت الذي يصرح فيه علماؤهم بعدم التحريف، وهذه تفاسيرهم ناطقة بهذه الحقيقة، ويستدل الشيعة بالآية الكريمة

____________

1) سورة الفرقان، الآية 44.


الصفحة 206
(إنا نحن نزّلنا الذكر وانّا له لحافظون)(1) على انّ القرآن الكريم مصون بعناية الهيّة خاصّة، فإنّه معجزة الاسلام الخالدة، ومع ذلك لا يبقى مجال لهذا التهويل والارجاف واثارة الفتن بين المسلمين. ثم تعال الى الدعوى الكاذبة الذي افتراها حيث قال: فهم كفرة اجماعاً اي اجماع هذا؟ ومتى تم؟ وكيف تم؟ وقد ذكرنا جملة من فتاوى علماء السنة بنجاة كل من نطق بالشهادتين.

واذا كان هؤلاء يكذبون على علمائهم فلا عجب في افترائهم على الشيعة كل زور وبهتان.

ثمّ نقل الكاتب شهادات من علماء قدماء قالوا بكفر من انكر القرآن، او يرفض ما جاء فيه من الاحكام، ومن هؤلاء العلماء امام كاز المالك المتوفى سنة 544 هـ، قال: لا شك ولا جدال في كفر من ينكر القرآن الكريم الموجود بأيدينا، او يرفض ما جاء فيه من الاحكام فضلاً عن الايمان بكونه محرفاً.

وكتب العلامة بحر العلوم لكنو المتوفّى سنة 1235 هـ مقالاً جاء فيه: كلّ من يؤمن بتحريف القرآن فهو كافر.

وقال امام علي القدري المتوفّى سنة 1014 هـ: كلّ من ينكر القرآن ايّ كان سورة او آية حتّى الآية الواحدة فهو كافر.

____________

1) سورة الحجر: الآية 9.


الصفحة 207
ونقول: ان هذه الاقوال والكلمات لا تعني انّ الشيعة تقول بالتحريف وتعتقد به، وذلك لأنّ هذه الاقوال ناظرة الى كبرى كليّة وهي انّ كلّ من ينكر القرآن فهو كافر، او كلّ من يرفض ما جاء في القرآن فهو كافر، وهذا حقّ والشيعة تعتقد بذلك؛ لأنّ في انكار القرآن تكذيباً للنبي صلى الله عليه وآله وفي رفض ما جاء في القرآن ردّاً على الله وعلى الرسول، ولا شكّ انّ ذلك يوجب الكفر، ولكن اي دلالة في ذلك على انّ الشيعة تعتقد بالتحريف ويبدو ان هذا القائد لعلماء الهند اخذ الصغرى مسلّمة وهي انّ الشيعة تعتقد بتحريف القرآن وطبق الحكم عليهم وهذ دعوى بلا دليل، وقد بيّنا سابقاً وآنفاً انّ الشيعة لا تقول بتحريف القرآن وقد صرّح علماؤهم بذلك.

ثمّ نقل الكاتب قولاً للشيخ عبد القادر الجيلاني مفتي عزام البغدادي الذي توفي سنة 561 هـ وقد سبق ان كفر الشيعة واكّد القول بأنّهم خرجوا عن الاسلام نتيجة تسالمهم على تحريف القرآن وان ائمّتهم الاثني عشر معصومون لا يخطئون ناهيك عن سبهم الملائكة.

ونقول: امّا قوله وقد سبق انّ كفر الشيعة، فهذا ليس جديداً على الشيعة وما اكثر من نسبهم الى الكفر عن جهل

الصفحة 208
بحالهم وهو شأن من لا يتثبّت في الاحكام ولا يتّقي الله فيما يقول.

وامّا قوله: واكّد القول بأنّهم خرجوا عن الاسلام نتيجة تسالمهم على تحريف القرآن، فهذا بهتان وزور وافتراء وقد قلنا وكرّرنا بما فيه الكفاية.

وامّا قوله: وانّ ائمّتهم الاثني عشر معصومون، فهذا ما اثبته الدليل والبرهان وفي آية التطهير وآية المودّة وما تواتر من الروايات كحديث الثقلين وحديث المنزلة وحديث السفينة غني وكفاية لمن القى السمع وهو شهيد، فضلاً عن عشرات الروايات التي وردت عن السنّة والشيعة تؤكّد هذه الحقيقة التي يعتقد بها الشيعة وهي عصمة ائمتهم عليهم السلام وانّ الله تعالى اختارهم خلفاء على الناس من بعد الرسول صلى الله عليه وآله كما شهدت بذلك الادلّة العقليّة والنقلية، فتكفير الشيعة لقولهم بعصمة ائمّتهم عليهم السلام زيغ وضلال وانحراف عن جادّة الصواب.

وامّا قوله: ناهيك عن سبّهم الملائكة فهذه فرية تضاف الى مفترياتهم على الشيعة. (كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الاّ كذبا).


الصفحة 209

الشيعة وتحريف القرآن مرّة ثالثة

ثم قال الكاتب: بناء على مصادر الشيعة الموثوقة على ما قيل يقولون: يوجد في حوزتهم عشرون الفاً من الاحاديث تطرّقت الى الحديث عن تحريف القرآن وعلى انّها ربّما تحدّثت عن امامتهم ايضاً.

ونقول: وهذه ايضاً إحدى الاكاذيب على الشيعة وقد ذكرنا الجواب فيما تقدّم، ثم ذكر الكاتب المحدث النوري وهو المرحوم الميرزا حسين النوري الطبرسي وكتابه فصل الخطاب.

ونقول: اولاً ان المحدث النوري رحمه الله مّمن نسب اليه القول بتحريف القرآن وهو من علماء الشيعة وقد توفّي سنة 1320 هـ وكانت ولادته سنة 1254 هـ فيكون من العلماء المتأخّرين.

وثانياً: انّ تلميذه الشيخ آغا بزرگ الطهراني ذكر في كتابه الذريعة ان الشيخ النوري قد صرّح في رسالة كتبها جواباً على من الّف كتاباً في الردّ عليه بأنّه ليس مراده من التحريف هو التغيير والتبديل وانّ القرآن الموجود بين الدفّتين باق على الحالة التي وضع بين الدفتين في عصر عثمان لم يلحقه زيادة ولا نقصان.


الصفحة 210
ويقول تلميذه الطهراني: وسمعت عنه شفاهاً يقول: إني اثبت في هذا الكتاب ان هذا الموجود المجموع بين الدفتين كذلك باق على ما كان عليه في اوّل جمعه كذلك في عصر عثمان ولم يطرأ عليه تغيير وتبديل...(1).

وثالثاً: انّ مراده هو اسقاط بعض الوحي المنزل الالهي لدلالة بعض الروايات لا انّ هذا القرآن الموجود بين الناس ناقص.

ورابعاً: ولو تنزّلنا وقلنا بأنّ النوري قال بالتحريف، فهذا رأيه الخاص به ولا يعبّر عن رأي المذهب، ولذا ردّ عليه كثيراً من العلماء والّفوا كتباً في ذلك، فإذا كان الامر كذلك فكيف يحمل القول بالتحريف على الشيعة قاطبة؟.

قال الكاتب: يذهب الشيعة الى الاعتقاد انّ الامام علي عليه السلام جمع كلّ القرآن وفيه سبعة عشر الف آية، ولكن الموجود في متناول ايدينا لا يحتوي الاّ على ستة آلاف وثلاثمائة وستّة عشر آية وهذا يكشف النقاب على انّ عشرة آلاف آية لم يدونها الصحابة في القرآن، والقرآن الصحيح هو ما جمعه الامام علي عليه السلام وهذا القرآن لا يوجد عندهم وذلك لأن الامام المهدي الثاني عشر غاب معه.

____________

1) الذريعة الى تصانيف الشيعة: ج 16 ص 231، الطبعة الاولى.


الصفحة 211
ونقول: قد بيّنا مراد المحدّث النوري آنفاً، فإنّه يقول: إنّ هذا القرآن الموجود لا نقص فيه ولا تبديل الاّ ان بعض الروايات تدلّ على اسقاط بعض الوحي المنزل، وذلك امر آخر غير التحريف الذي تتّهم السنّة الشيعة به.

ثمّ إنّ بعض علماء الشيعة يذهبون الى انّ القرآن كان مجموعاً في زمان النبي صلى الله عليه وآله على ما هو عليه الآن، وقد ذكرنا سابقاً اقوال علماء الشيعة في ذلك.

وقلنا: إنّه على فرض قول المحدث النوري بذلك فهو تعبير عن رأي شخصي وليس هو راي المذهب.

واما قوله ان القرآن الصحيح هو ما جمعه الامام علي عليه السلام وهذا القرآن لا يوجد عندهم وذلك انّ الامام المهدي الثاني عشر غاب معه فهو بناء على قول المحدّث النوري لا اشكال فيه؛ لأنّ الامام لابدّ ان يكون اعلم الناس بكتاب الله تعالى، واما اختفاؤه فلاقتضاء المصلحة ذلك. وامّا بناء على قول غيره من علماء الشيعة وهم الاكثر فهذا القرآن هو الذي كان في زمان النبي صلى الله عليه وآله وقد صرّحوا بذلك كما ذكرنا وارجع الى ما قلناه في المواضع المتفرّقة من هذا الكتاب حول هذا الموضوع لتتّضح الحقيقة.

قال: الدليل الثاني: إنّهم يجوّزون اسناد الخطأ الى الله

الصفحة 212
تعالى (البداء) ونظير ذلك هو القول بتغير علمه تعالى وعلى انّه قد يغيب عنه معرفة بعض الحوادث وما ينجم منها... الى ان قال: إنّ هذا الكلام لا يخرج عن اطار تنزيل الله منزلة ما لا يناسب قدسيته...

ونقول: إنّ مسألة البداء من المسائل التي قصرت أذهان اعداء الشيعة عن إدراكها، فما كان منهم الاّ اتّهام الشيعة بما هم منه براء، وقد اجبنا عن هذه المسألة فيما تقدّم واوضحنا المراد من البداء عند الشيعة وانّه لا يصطدم مع التوحيد، بل ان فيه الدليل على ان سلطان الله وقدرته مهيمنة على كل شيء حدوثاً وبقاء.

قال: الدليل الثالث: انّهم يقولون بضرورة جرح الشيخين (ابي بكر وعمر (رض) وينسبون اليهما ما هو عار تماماً عن الصحّة فضلاً عن اتّهامهم السيّدة عائشة (رض) بأنها زنت.

ونقول: إن الشيعة تعتمد في تقييمها للأشخاص على النصوص التاريخية، وتعطي كلّ ذي حقّ حقه، وقد اشرنا الى كلا الموضعين المذكورين فيما تقدم، ونطلب من هذا الكاتب ومن قائد علماء الهند كما عبّر عنه الكاتب ان يقرأ التاريخ بروح الانصاف والتعامل مع الاحداث على اساس من التجرّد عن المرتكزات ثم يوافينا بما يتوصّل اليه.


الصفحة 213
ثم يذكر شهادات من مؤلفين حول هذا الموضوع وردت في كتاب فتاوى المجيري وهي:

أ ـ كل شيعي يسبّ سيدنا ابا بكر وعمر (رض) ويرفض خلفاء الرسول فهو كافر.

ب ـ ان كل من يتهم سيدتنا عائشة وينكر صحابة ابيها سيدنا ابي بكر فهو كافر.

ونقول: إنّ في ما ذكرناه من الاجوبة كفاية ولا حاجة الى الاعادة والتكرار.

ثم يطرح سؤالاً هو هل يجوز وصف الشيعة بالكفرة؟ ويجيب عن ذلك بأنّ الشيعة بما انّها تؤمن بالخرافات فإن وصفهم بصفة الكفر ممّا لا اشكال فيه.

ونقول: من حقّنا ان نتساءل ما هي تلك الخرافات التي تؤمن بها الشيعة؟ وهلا ذكر واحدة منها لنرى مدى صدق دعوى هذا المدعي، وحيث لم يذكر شيئاً من ذلك فإنّنا نجيب عن ذلك بقوله تعالى: (سبحانك هذا بهتان عظيم)(1).

قال: إنّ الكثير من الناس بعيدون عن ظلّ الاسلام بينما وقعوا في شبكة اولئك الخارجين منه (المرتدّين) فيجب ان يعامل

____________

1) سورة النور، الآية 16.


الصفحة 214
هؤلاء معالة الكفر والذي يمتنع عن تسميتهم ووصفهم بذلك، فإنّه يعدّ منهم وليس من المتديّنين في شيء.

ونقول: إن هذا الشخص يرى ان التديّن هو اتّهام الناس بالكفر والاّ كان خارجاً عن الدين فيكون كافراً، أهذا هو الدين عندكم؟ وهل بهذا امر القرآن وبهذا جاء النبي؟؟ إننا لا نستطيع ان نفسر هذا التحجّر وهذه الغلظة وهذا الافق الضيّق المشحون بالحقد والعداء، ولا يخفى انّ هذا اعادة لما ذكره سابقاً، وقد اجبنا عنه هناك فراجع.

قال: الدليل الرابع: من مسلمات الشيعة القول بأن ائمّتهم كانوا معصومين غير عاجزين عن ايّ شيء كان، حقاً إن هذه الصفات هي صفات الانبياء والرسل فقط.

ونقول: إنّ اهل البيت وهم عترة النبي صلى الله عليه وآله الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً كما نطق القرآن بذلك في آية التطهير(1) وامر القرآن الناس بمودّتهم كما في آية المودة(2) واكّد ذلك النبي صلى الله عليه وآله في اقواله وقرنهم بالقرآن وشبّههم بسفينة نوح من

____________

1) سورة الاحزاب، الآية 33.

2) سورة الشورى، الآية 23.


الصفحة 215
ركب فيها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى(1)، مضافاً الى ما دل عليه العقل والنقل من انّهم الائمة والخلفاء بعد النبيّ كلّ ذلك يويّد القول بعصمتهم فأيّ مانع عقلي او نقلي يمنع من ذلك؟ وهل فيه منافاة للدين ومخالفة لحكم العقل؟ ثم ما المانع ان يتحلّى هؤلاء بصفات الانبياء والرسل؟ وما المحذور في ذلك إذا قام الدليل على ذلك؟.

قال: فهل هؤلاء افضل من سيّدنا ابي بكر وعمر؟.

ونقول: نعم هم افضل بنصّ القرآن الكريم وبالنصوص المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله في شأن اهل بيته عليهم السلام وبسيرتهم العمليّة وارجع الى التاريخ لتقف على هذه الحقيقة، وستجد انّ اهل البيت عليهم السلام هم افضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله في العلم والعمل والفضائل.

قال: وهل هم اقرب منزلة عند الله من ازواج النبي صلى الله عليه وآله؟.

ونقول: نعم فإن القرآن الكريم عاتب بعض نساء النبي كما في سورة التحريم(2)، وثبتت مخالفة بعض نساء النبي لأوامر

____________

1) راجع مستدرك الحاكم: ج 3 ص 163 ح 4720 عن ابي ذر وراجع مجمع الزوائد: ج 9 ص 168، دار الكتب العربي، بيروت.

2) سورة التحريم، الآية 5.


الصفحة 216
القرآن، بينما اثنى القرآن على اهل البيت وشهد بطهارتهم ونزاهتهم من الرجس وامر بمودّتهم من دون ان يعاتبهم على شيء، والذي يبدو انّ هذا المستدل لا يخلو إمّا ان يكون جاهلاً او معانداً، ونحن نشك في جهله والاّ كيف يكون قائداً لعلماء الهند ولا يطلع على ما رواه علماء السنّة في فضائل اهل البيت عليهم السلام وكمالاتهم.

قال: إننّا بدورنا لا نقبل عصمتهم ولذلك لم يكونوا على احترام او ايّ مقام يذكر في الاسلام بنظر اهل السنّة.

ونقول: ونحن بدورنا نقول إن إنكارك لعصمتهم ولمقامهم ردّ على الله وعلى الرسول ومخالفة صريحة لما جاء في القرآن ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في شأن اهل البيت عليهم السلام ثم كيف يجرؤ هذا المستدلّ على هذا القول وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: مثل اهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى(1) وقال: علي مع الحقّ والحقّ مع علي(2). وقال: إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي لن تضلوا ما ان تمسكّتم بهما

____________

1) مستدرك الحاكم: ج 2 ص 151.

2) نفس المصدر السابق: ج 3 ص 130 ح 4629، وراجع ايضاً المناقب للخوارزمي: ص 56.


الصفحة 217
وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض(1). وقال: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة(2). وقال: فاطمة بضعة منّي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها(3). وغير ذلك من الروايات المروية في كتب السنة كيف بهذا المستدل ان يتجاسر بذلك القول وقد روى عن عمر انه قال: لولا علي لهلك عمر(4). وقال: نتعوّذ بالله من معضلة ليس لها ابو الحسن(5).

ثم من هو استاذ ائمّة المذاهب؟ وماذا كان يقصد ابو حنيفة من قوله: لولا السنتان لهلك النعمان(6) الى غير ذلك مما هو معلوم لدى الجميع وقد نقلته مختلف المصادر، ثمّ ارجع الى التاريخ مرّة اخرى لتقف على ان اهل البيت عليهم السلام كانوا هم الملاذ عند نزول الشدائد ووضع الحلول العملية، وكم من قضيّة استعصى حلّها

____________

1) صحيح الترمذي: ج 5 ص 328.

ومسند احمد بن حنبل: ج 5 ص 181، وراجع بحار الانوار للعلامة المجلسي: ج 23 ص 107.

2) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ج 1 ص 193 3) صحيح البخاري: ج 2 ص 302.

4) ينابيع المودّة، للقندوزي الحنفي: ج 1 ص 227.

5) الاستيعاب المطبوع بهامش الاصابة: ج 3 ص 46.

6) الامام الصادق والمذاهب الاربعة، لاسد حيدر: ج 1 ص 70، مكتبة الصدر.