وأمّا هذا الوجه الدنيوي الذي نشاهده نحن من العالم الإنساني، وهو الذي يفرّق بين الآحاد، ويشتّت الأموال والأعمال بتوزيعها على قطعات الزمان، وتطبيقها على مرّ الليالي والأيّام ويحجب الإنسان عن ربّه بصرف وجهه إلى التمتّعات المادية الأرضية واللذائذ الحسية، فهو متفرّع على الوجه السابق متأخّر عنه، وموقع تلك النشأة وهذه النشأة في تفرّعها عليها موقعاً كن ويكون في قوله تعالى: {أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون}(2).
ويتبيّن بذلك أنّ هذه النشأة الإنسانية الدنيوية مسبوقة بنشأة اُخرى إنسانية هي هي بعينها، غير أنّ الآحاد موجودون فيها غير محجوبين عن ربّهم، يشاهدون فيها وحدانيّته تعالى في الربوبية بمشاهدة أنفسهم لا من طريق الاستدلال، بل لأنّهم لا ينقطعون عنه ولا يفقدونه، ويعترفون به وبكلّ حقّ من قبله، وأمّا قذارة الشرك وألواث المعاصي، فهو من أحكام هذه النشأة الدنيوية دون تلك النشأة، التي ليس فيها إلاّ فعله تعالى القائم به، فافهم ذلك.
وأنت إذا تدبّرت هذه الآيات ثمّ راجعت قوله تعالى: {وَإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية، وأجدت التدبّر فيها وجدتها تشير إلى تفصيل أمر تشير هذه الآيات إلى إجماله، فهي تشير إلى نشأة إنسانية سابقة فرق اللّه فيها بين أفراد هذا النوع، وميّز بينهم {وَأشْهَدَهُمْ عَلى أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا}.
____________
1- سورة التكاثر، الآية 7.
2- سورة يس، الآية 82.
ثمّ يقول: وأمّا الروايات، فسيأتي أنّ بعضها يدلّ على أصل تحقّق هذه النشأة الإنسانية كالآية، وبعضها يذكر أنّ اللّه كشف لآدم (عليه السلام) عن هذه النشأة الإنسانية، وأراه هذا العالم الذي هو ملكوت العالم الإنساني، وما وقع فيه من الإشهاد وأخذ الميثاق، كما أرى إبراهيم (عليه السلام) ملكوت السماوات والأرض.
ثمّ في بحثه الروائي (الصفحة 323)، يذكر روايات عديدة تدلّ على عالم الذرّ، نكتفي بثلاثة منها، فقال: في الكافي، بإسناده، عن زرارة، عن حمران، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى حيث خلق الخلق، خلق ماءً عذباً وماءً مالحاً اُجاجاً، فامتزج الماءان، فأخذ طيناً من أديم الأرض، فعركه عركاً شديداً، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذرّ يدبّون: إلى الجنّة ولا اُبالي، وقال لأصحاب الشمال: إلى النار ولا اُبالي، ثمّ قال: ألست بربّكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين.
وفيه، بإسناده، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)، قال: سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: {فِطْرَةَ اللّهِ التِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها}، ما تلك الفطرة؟ قال: هي الإسلام، فطرهم اللّه حين أخذ ميثاقهم على التوحيد، قال: ألست بربّكم؟ وفيه المؤمن والكافر.
وفي تفسير العياشي، وخصائص السيد الرضي، عن الأصبغ بن نباتة،
أقول: والرواية كما تقدّم، وبعض ما يأتي من الروايات، يذكر مطلق أخذ الميثاق من بني آدم من غير ذكر إخراجهم من صلب آدم وإراءتهم إيّاه، وكان تشبيههم بالذرّ كما في كثير من الروايات تمثيل لكثرتهم كالذرّ لا لصغرهم جسماً أو غير ذلك، ولكثرة ورود هذا التعبير في الروايات سمّيت هذه النشأة بعالم الذرّ.
وفي الرواية دلالة ظاهرة على أنّ هذا التكليم كان تكليماً حقيقياً لا مجرّد دلالة الحال على المعنى. وفيها دلالة على أنّ الميثاق لم يؤخذ على الربوبية فحسب، بل على النبوّة (والإمامة) وغير ذلك، وفي كلّ ذلك تأييد لما قدّمناه.
ثمّ يذكر الروايات الاُخرى من الشيعة والسنّة في هذا الباب، فراجع، وقال (قدس سره): وليس من البعيد أن يدّعى تواتره المعنوي (الصفحة 329).
أقول: القول في ذيل الرواية نظير القول في ذيل رواية أبي اُمامة المتقدّمة، وقد فهم الرجل من قوله «هؤلاء في الجنّة ولا اُبالي، وهؤلاء في النار ولا اُبالي» سقوط الاختيار، فأجابه (صلى الله عليه وآله): بأنّ هذا قدر منه تعالى وأنّ أعمالنا في عين أنّا نعملها وهي منسوبة إلينا تقع على ما يقع عليه القدر فتنطبق على القدر وينطبق هو عليها، وذلك أنّ اللّه قدّر ما قدّر من طريق اختيارنا فنعمل نحن باختيارنا، ويقع مع ذلك ما قدّره اللّه سبحانه، لا أنّه تعالى أبطل بالقدر اختيارنا، ونفي تأثير إرادتنا، والروايات بهذا المعنى كثيرة ـ انتهى كلامه رفع اللّه مقامه ـ.
فكما قال الإمام الصادق (عليه السلام): «لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين الأمرين»، وكما نقول عند قيامنا من السجود: «بحَول اللّه وقوّته أقوم وأقعد»(1).
هذا إجمال ما أردت بيانه حول عالم الذرّ، وفي كتاب (التأويلات النجمية) أنّ الباء من الحروف الشفوية، وكان أوّل انفتاح فمّ الذرة الإنسانية في عهد {ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ} بالجواب بكلمة {بَلى}، فأوّل حرف نطقت به فم الذرة الإنسانية هو حرف الباء، فاختصّت بهذه الاختصاصات الربّانية، وجعلها اللّه تعالى مفتاح كتابه ومبدأ كلامه وبداية خطابه، فقال عزّ من قائل: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}،
____________
1- لقد ذكرت مسألة الجبر والتفويض في كتابنا (الحقّ والحقيقة بين الجبر والتفويض)، فراجع.
والنقطة بين الحروف والأعداد والأشكال لا نظير لها، وكلّها تحصل وتوجد وتتكوّن منها، فإنّ الألف أو الواحد من الأعداد إنّما هو الخطّ المستقيم الذي هو أقصر الخطوط ويتولّد من نقطتين، فبداية الحروف في كلّ اللغات وبداية الأعداد بين جميع الناس ونهايتهما هي النقطة.
كما أنّ النقطة في علم الهندسة والأشكال مركز الدائرة، والدائرة ـ كما هو ثابت في محلّه ـ أبسط الأشكال، فهي مرجع كلّ الأشكال، كالمربّع والمستطيل والمثلث وغير ذلك، كما أنّ الألف مرجع الحروف، وأنّ العدد الواحد مرجع كلّ الأعداد.
وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) نوره المبارك من نور اللّه سبحانه، واتّحد نوره مع نور النبيّ الأعظم محمد، فهما من شجرة واحدة ونور واحد، كما اتّحد نور الأئمة بنورهما، فكلّهم نور واحد، وجعلهم اللّه أنوار بعرشه محدقين، وهم (عليهم السلام)أفضل جميع الممكنات وأشرف خلق اللّه ـ للأدلة العقلية، كقاعدة الأشرف، كما في الفلسفة. وللأدلة النقلية من الكتاب والسنّة ـ، وليس لهم نظير في عالم الإمكان، فهم العلّة بأقسامها للممكنات ـ كما جاء في حديث المعراج عن اللّه سبحانه: يا أحمد لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما(1) ـ، وأوّل ما خلق اللّه ـ كما ورد في الحديث الشريف ـ نور محمد (صلى الله عليه وآله)، وفي الخبر الشريف: أوّلنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد
____________
1- شرحت هذا الحديث الشريف في رسالة (فاطمة ليلة القدر)، فراجع.
وعلي (عليه السلام) نقطة دائرة الإمكان ومركزها ومحورها وقطب حركتها، فهو قلب العالم وسلطانه، والحافظ والواسطة في الفيوضات الإلهية على الممكنات والخلائق من بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فهو الصادر الأوّل بعد النبيّ المختار، وهو إمام الكلّ في الكلّ لاحتياج الكلّ إليه، وهو باب اللّه المبتلى به الناس، مَن أتاه نجى ومن تخلّف عنه غرق وهوى، فهو مفتاح مشيّة اللّه واستفاضة فيضه المطلق بعد نبيّه الأكرم، وبيُمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء، فإنّه لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها، فهو حجة اللّه الأعظم، فهو الأوّل في المخلوقات بعد الرسول، وهو الآخر في الغايات، وهو الظاهر في فضائله، وهو الباطن في أسراره، فهو نقطة الوجود وسرّ المعبود، وهو الشاهد والمشهود.
أجل: قالت البشرية في عالم الذرّ في قوله تعالى: {ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى}، ولم يقولوا نعم، فلولا المولى (عليه السلام) لما أمكنهم قول بلى، فإنّ نقطة تعين المتكلّم على قوله (بلى)، وذرية بني آدم لولا النقطة لتلجلجوا من اليوم الأوّل في توحيدهم، وعلي (عليه السلام) هو النقطة.
فمثل علي (عليه السلام) يكون قطب عالم الإمكان، وقد أشار إلى ذلك في نهجه، في الخطبة الشقشقية، قائلا: «وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى، ينحدر عنّي السيل، ولا يرقى إليّ الطير»(1).
«فهو قطب الولاية ونقطة الهداية وخطة البداية والنهاية، يشهد بذاك
____________
1- نهج البلاغة، صبحي الصالح، الخطبة الثالثة: 48.
واللّه لولا حـيدر ما كانت | الـدنـيا ولا جمع البرية مجمع |
وإليه في يوم المعاد حسابنا | وهو الملاذ لنا غداً والمفزع»(1) |
الثاني : ـ
لا يخفى أنّ النقطة مركز الدائرة، وأمير المؤمنين علي هو مركز الحقّ وقطبه ومحوره، كما قال النبي ـ في الخبر المتواتر عند الفريقين السنّة والشيعة ـ عليّ مع الحقّ، والحقّ معه يدور حيثما دار.
فمن كان من شيعته ومواليه، كان مع الحقّ، وإنّه قد ركب سفينة النجاة، ومن تخلّف عنه غرق وهوى، واُمّه هاوية نار حامية.
فمولى الموحّدين أمير المؤمنين هو نقطة عالم الوجود والنور والحقّ، يدور الحقّ معه أينما دار، فهو قطب الرحى.
____________
1- مشارق أنوار اليقين: 51.
الثالث : ـ
مرجع الحروف ومآلها هي النقطة، وظهور العلوم والفنون إنّما هي بالحروف، فمرجع المعارف الإلهية ومآل العلوم والفنون والفضائل والمكارم والآداب هو علي (عليه السلام)، فهو مرجع حساب الخلائق، وبصكّ منه يعبر المؤمن على الصراط، كما ورد في الخبر الشريف عند الفريقين.
____________
1- نقلت الروايات من كتاب (قادتنا كيف نعرفهم) 2: 475 ـ 480، فراجع.
الرابع : ـ
النقطة ميزان في العلوم والفنون، وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) ميزان الأعمال، كما نقرأ في زيارته: «السلام عليك يا ميزان الأعمال»، فهو الميزان القويم بين الحقّ والباطل، وبه تقاس الأعمال وتقوّم، فهو الفاروق الأعظم والصراط المستقيم، وصراط علي حقّ نمسكه، ومن لم يتمسّك بحبل اللّه ويعتصم بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) فهو من الخاسرين في الدنيا والآخرة، ومأواه جهنم، وبئس المصير.
فتشخيص حرف الباء من التاء والثاء بالنقطة، وعلي (عليه السلام) هو النقطة المميّزة بين الحقّ والباطل والاُمور المتشابهة، فهو المحكم من الآيات.
الخامس : ـ
من النقطة تعرف أسرار الحروف والأعداد، ومن إمام المتّقين علي (عليه السلام) تعرف أسرار المعارف الحقّة والأحكام المستحكمة، فهو الهادي ولكلّ قوم هاد، وهو سرّ اللّه وآيته ومظهر لأسمائه وصفاته، فهو يد اللّه وعينه ـ كما قالها عمر بن الخطّاب في قصة الرجل الذي كان ينظر إلى امرأة أجنبية في حرم النبيّ، فصفعه أمير المؤمنين علي على وجهه فاحمرّ وجهه، فجاء إلى عمر يطالب بالقصاص، فأجابه: عين اللّه رأت ويد اللّه ضربت ـ وهذه معرفة عمرية عامّية، فكيف بالمعرفة العلوية الشيعية، فتدبّر.
وقد ورد في الحديث النبوي الشريف عند الفريقين في صحاحهم: يتقرّب العبد إليّ بالنوافل حتّى اُحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره
السادس : ـ
قالوا: إنّ للنقطة باعتبار اختفائها بالصورة الألفية ـ فإنّ حرف الألف مركّب من نقاط متوالية متلاحقة والحروف مركّبة من الألف ـ وظهور النقطة بها لها مراحل ومراتب:
الاُولى:
قبل الامتداد ـ فإنّ النقطة عندما تمتدّ يتكوّن الألف ـ، وهي المرتبة الاجمالية الاتّحادية، وهي مرتبة لا يظهر أعيانها، وهي عبارة عن المرتبة النورانية الثابتة للإمام علي (عليه السلام)، على ما هي مذكورة في الأخبار والآثار.
الثانية:
ابتداء النفس بإيجاد وأعيان الحروف حال تعيّناتها في مخارجها، وهذا تشبيه لكون الإمام (عليه السلام) واسطة بين الخالق والمخلوق في جميع الفيوضات الربّانية، وكونه (عليه السلام) حافظاً للشريعة السماوية السمحاء، وهادياً للاُمّة البشرية، وقلبه عبارة عن المشكاة التي فيها مصباح، كما جاء في تفسير آخر للمصباح
____________
1- الآداب المعنوية للصلاة: 354.
2- يقول السيد الإمام الخميني (قدس سره) في آداب الصلاة: الإنسان يستطيع أن يكون مظهراً لأسماء اللّه، والآية الكبرى الإلهية بالارتباطات القلبية، ويكون وجوده وجوداً ربّانياً، ويكون المتصرّف في مملكته يد الجمال والجلال الإلهي. وفي الحديث ما يقرب من هذا المعنى من أنّ: (روح المؤمن أشدّ اتّصالا باللّه تعالى من اتّصال الشمس بها أو بنورها)، وفي الحديث الصحيح: (لا يزال يتقرّب إلَيّ عبدي بالنوافل حتّى اُحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به...)، وفي الحديث: (علي عين اللّه ويد اللّه)، إلى غير ذلك... وفي الحديث: (نحن أسماؤه الحسنى)، والشواهد العقلية والنقلية في هذا بخصوصه كثيرة.
وقال (عليه السلام): نحن أوعية مشيّة اللّه، إذا شئنا شاء اللّه، ولا نشاء إلاّ أن يشاء اللّه، وفي الزيارة الجامعة الكبيرة: «السلام على محالّ مشيّة اللّه». والسرّ في المعنى المذكور ظاهر، فإنّ تلك التعيّنات إشارة إلى مقام إقبال المعصوم (عليه السلام)إلى الخلق لإصلاح اُمور دينهم ودنياهم.
الثالثة:
المرتبة الحسية برسم النقطة وامتدادها في رسم الحروف، وهي إشارة إلى كونه (عليه السلام) مظهر العالم الملكي المسمّى بعالم الحسّ والشهادة في مقابل عالم الملكوت والأمر، فتظهر أسماء اللّه وصفاته الكمالية، وتبرز في وجوده الشريف. فكونه (عليه السلام) مظهر الفيض الأقدس في العالم الناسوتي، وظهوره في الظاهرة الكمالية الإنسانية عكوس الأسماء الإلهية.
السابع : ـ
قد جاء في الحديث الشريف ـ كما مرّ ـ إنّ {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} أقرب إلى الإسم الأعظم من سواد العين إلى بياضها، وقد ورد في معناه وجوه كثيرة: كقولهم: البسملة عين الاسم الأعظم،، إمّا بهذا الترتيب أو بترتيب آخر مخزون عند أهله، ولكنّ ترتيب آثارها وظهور خواصّها مشروط بشروط لا يتّفق اجتماعها وتحقّقها إلاّ عند أهلها كالأنبياء والأوصياء والأولياء.
وقيل: الإسم الأعظم كما ورد في بعض الأخيار عبارة عن وجود الإمام (عليه السلام)، فلولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها، ثمّ شدّة قرب الأئمة الأطهار ـ سيّما سيّد الأوصياء علي (عليه السلام) ـ إلى البسملة في غاية الوضوح والثبوت، كما يشهد به آية {فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنى}، فالنقطة هو وجود الإمام (عليه السلام)، والبسملة
____________
1- ذكرنا تفصيل ذلك في (جلوة من ولاية أهل البيت (عليهم السلام))، فراجع.
الثامن : ـ
هل تعلم إنّ الحروف الأبجدية لها أعداد خاصة في كتب العلوم الغريبة، وعلي يتكوّن حسابه بالأبجد مئة وعشرة، فإنّ العين سبعين واللام ثلاثين والياء عشرة، فتلك مئة وعشرة، ثمّ جميع الأعداد والأسماء للمخلوقات باعتبار الحروف الأبجدية وأعدادها مرجعها بعد حساب خاص إلى مئة وعشرة، وهذا يعني أنّ مرجع الأسماء كلّها إلى اسم علي (عليه السلام)، وكيف لا ترجع الأسماء كلّها إلى اسمه الشريف (وعلي اشتقّ من العليّ)، كما ترجع المسميات إلى مسمّاه الشريف، كما إنّ مرجع الأعداد من الواحد إلى ما لا نهاية إنّما يكون إلى عدد مئة وعشرة، وهو عدد اسم علي المبارك.
وأمّا الحساب الخاص، فهو: يأخذ أي عدد كان (حتّى عدد الواحد) فيضرب المجموع في ستة، ثمّ يضاف عليه واحد، ويضرب في عشرة، ويقسّم على عشرين، والمتبقّي يضرب في أحد عشر، فتكون النتيجة عدد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) (110).
ولا يخفى على ذوي النهى أنّ هذه المقامات الشامخة في الحقيقة العلوية إنّما هي من أشعة الحقيقة المحمدية، فإنّه قال (عليه السلام): علّمني رسول اللّه ألف باب من العلم ينفتح لي من كلّ باب ألف باب.
وقال: أنا عبد من عبيد محمد.
التاسع : ـ
من صفات نقطة الباء بين مثيلاتها ـ أي: التاء المثناة والثاء المثلثة والياء المثناة والنقاط تحتها ـ أنّها توضح وتبين الباء عن غيرها، فلولا النقطة الواحدة التحتانية لاشتبه الأمر، فهذه النقطة الواحدة هي التي ميّزت الباء عن غيرها، والنقطة ـ كما ورد في الخبر الشريف: حقيقة واحدة كثّرها الجاهلون ـ فنقطة الباء توضحه وتميّزه عمّا يشاركه في الصورة، وأمير المؤمنين علي (عليه السلام)هو الذي يبيّن علوم القرآن ومعارفه ويوضّح مجملاته وإشاراته ويكشف حقائقه وأسراره، فإليه تنتهي العلوم والفنون، ولم يؤخذ علم إلاّ منه بعد الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله).
العاشر : ـ
لولا النقطة تحت البابء لما تمكّنا من التلفّظ بحرفها، ولولاها لما تمكّنا من التلاوة المباركة، ولو تلفّظ شخص البسملة من دون النقطة، لسُئل عن نقطتها.
وهذا يعني بوضوح تامّ أنّه لا يمكن أن نقف على حقيقة القرآن الكريم ومعانيه وأسراره ومغزاه لولا من كان عنده علم الكتاب، الراسخ في العلم، يعسوب الدين، أمير المؤمنين علي المرتضى (عليه السلام)، ولولاه لما عرفنا مراد القرآن وخطاباته الواقعية، فهو نقطة باء البسملة التي فيها تمام القرآن الكريم، وقد ورد في رواياتنا: «إنّما يعرف القرآن من خوطب به».
الحادي عشر : ـ
لولا النقطة في لفظ الوجود، لكان من اللفظ المهمل (وحود)، فلا معنى له، ويفقد اللفظ حينئذ أصالته وقيمته، وكذلك الأمير روحي فداه لولاه لما كان معنى لعالم الوجود حدوثاً وبقاءً، ولكان ما سوى اللّه سبحانه في حيّز العدم