مقدّمة المركز
إيماناً من المركز بأهمية الكتاب في حياة كل فرد مسلم، وما يقوم به الكتاب من دور فعال في التنمية الثقافية للفرد والمجتمع.
عمد إلى فتح قسم «اشترك وستحصل على كتب مجانية» وبصورة مدروسة، حيث يملي من يرغب بالاشتراك قسيمة الاشتراك المجانية الموجودة في موقع المركز على الانترنت، فيرسل لكل مشترك كتاب مع طلب كتابة نبذة عن الكتاب وموضوعه، وعند الاجابة يرسل له الكتاب الاخر، وهكذا.
وخلال سنة واحدة من فتح هذا القسم لاقى هذا المشروع استقبالاً هائلاً، وذلك باشتراك أكثر من (5000) مشترك من (92) دولة.
هذا، بالاضافة إلى أن قسم إرسال الكتب في المركز يرسل أهم الكتب إلى المستبصرين في العالم والنشطين في التبليغ.
ومجموع ماأرسله المركز من الكتب يتجاوز الـ (40000)
وهذه السلسلة «سلسلة الكتب الاهدائية ـ قسم المشتركين» التي نقدّم الكتاب الاوّل منها تنصبّ في هذا المجال، حيث انتقينا أهمّ الكتب العقائدية المختصرة لطباعتها على شكل سلسلة مخصّصة للارسال، وذلك لان عالمنا اليوم عالم الاتصالات الذي يستدعي إيصال المعلومات الدقيقة والمختصرة التي توصل الفكرة إلى القارئ بأسرع وقت ممكن.
فارس الحسون
مركز الابحاث العقائدية
مقدمة الطبعة الثانية
مضى على صدور هذا «الكتيب» عشر سنوات، ولم أجد في هذه الاعوام ما يدعوني إلى تبديل رأيي فيه من أنّه جاء وفق متطلّبات الحاجة العامة من توضيح معتقدات الشيعة الامامية وتثبيتها.
بل وجدت ما يشجّعني على الموافقة على إعادة نشره مرّة أخرى، آملاً أن يكون قد أصاب الهدف وأدّى الغرض من محاولة رفع الغيوم المتلبدة التي حجبت طويلاً بين الطائفتين الاسلاميتين الكبيرتين: أهل السنة والشيعة، ومن محاولة نفض الغبار عمّا خلّفه الماضي السحيق على العقائد الاسلامية الصحيحة.
وإنّي لواثق بأنّ فكرة التقريب بين المذاهب أصبحت اليوم حاجة ملحّة، وهدفاً رفيعاً لكلّ مسلم غيور على الاسلام، مهما كانت نزعته المذهبية ورأيه في المخلّفات العقائدية، وليس شيء أفضل في التقريب من تولّي أهل كل عقيدة أنفسهم كشف دفائنها وحقائقها.
وهذه الطريقة ـ فيما أعتقد ـ أسلم في إعطاء الفكرة الصحيحة
وإجابة لرغبة قرة عيني العامل في سبيل الله الفاضل السيد مرتضى الكشميري، فقد أعدت النظر في هذه الرسالة، وأدخلت عليها بعض التنقيحات والاضافات التي سمح بها الوقت المزدحم بالمشاكل، مع تصحيح ما وقع في الطبعة الاولى من هفوات مطبعية وغير مطبعية، لاقدّمها مرّة أخرى إلى المطبعة، راجياً من الله تعالى أن يحقّق فيها الغرض المرجو، وأن يوفقنا لالتماس سبيل الصواب وإصابة الحق، إنّه خير مسؤول.
المـؤلّف
21 / شوال / سنة 1380
تصـدير
حمداً لله وشكراً، وصلاة وسلاماً على محمّد خير البشر وآله الهداة.
أمليت هذه المعتقدات، وما كان القصد منها إلاّ تسجيل خلاصة ما توصّلت إليه من فهم المعتقدات الاسلامية على طريقة آل البيت (عليهم السلام).
وقد سجلت هذه الخلاصات مجرّدة عن الدليل والبرهان، ومجردة عن النصوص الواردة عن الائمة فيها على الاكثر، لينتفع بها المبتدئ والمتعلّم والعالم، وأسميتها «عقائد الشيعة» وغرضي من الشيعة الامامية الاثني عشرية خاصة.
وكان إملاؤها سنة 1363 هـ بدافع إلقائها محاضرات دورية في كلية منتدى النشر الدينية، للاستفادة منها تمهيداً للابحاث الكلامية العالية.
وفي حينه قد توفقت لالقاء الكثير منها، وما كنت يومئذ قد أعددتها مؤلّفاً ينشر ويقرأ، فأهملت في أوراق مبعثرة شأن كثير من
غير أنّه في هذا العام ـ وبعد مضي ثماني سنوات عليها ـ رغّب إليّ الفاضل النبيل محمّد كاظم الكتبي ـ رعاه الله تعالى ـ في تجديد النظر فيها، وجمعها مؤلّفة في رسالة مختصرة موصولة الحلقات، لغرض نشرها وتعميم الفائدة منها، ولتدرأ كثيراً من الطعون التي ألصقت بالامامية، ولا سيّما أنّ بعض كتّاب العصر في مصر وغيرها لازالوا مستمرين يحملون بأقلامهم الحملات القاسية على الشيعة ومعتقداتها، جهلاً أو تجاهلاً بطريقة آل البيت في مسالكهم الدينية، وبهذا قد جمعوا إلى ظلم الحق وإشاعة الجهل بين قرّاء كتبهم الدعوة إلى تفريق كلمة المسلمين، وإثارة الضغائن في نفوسهم والاحقاد في قلوبهم، بل تأليب بعضهم على بعض، ولا يجهل خبير مقدار الحاجة ـ اليوم خاصّة ـ إلى التقريب بين جماعات المسلمين المختلفة ودفن أحقادهم، إن لم نستطع أن نوحّد صفوفهم وجمعهم تحت راية واحدة.
أقول ذلك وإني لشاعر ـ مع الاسف ـ أنّا لا نستطيع أن نصنع شيئاً بهذه المحاولات مع من جرّبنا من هؤلاء الكتّاب، كالدكتور أحمد
وما يهمّنا من هؤلاء وغير هؤلاء أن يستمرّوا على عنادهم مصرّين، لولا خشية أن ينخدع بهم المغفّلون، فتنطلي عليهم تلك التخرّصات، وتورّطهم تلك التهجّمات في إثارة الاحقاد والحزازات.
ومهما كان الامر، فإني في تقديمي هذه الرسالة للنشر أملي أن يكون فيها ما ينفع الطالب للحق، فأكون قد ساهمت في خدمة إسلامية نافعة، بل خدمة انسانية عامة، فوضعتها في مقدمة وفصول، ومنه تعالى وحده أستمد التوفيق.
محمّد رضا المظفر
النجف الاشرف ـ العراق
27 جمادى الاخرة 1370 هـ
1 ـ عقيدتنا في النظر والمعرفة
نعتقد: أن الله تعالى لمّا منحنا قوة التفكير ووهب لنا العقل، أمرنا أن نتفّكر في خلقه وننظر بالتأمل في آثار صنعه، ونتدبر في حكمته واتقان تدبيره في آياته في الافاق وفي أنفسنا، قال تعالى: (سَنُريِهم آياتنَا في الافاقِ وَفي أنفُسِهِم حتّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أنَّهُ الحَقُّ)(1).
وقد ذم المقلّدين لابائهم بقوله تعالى: (قالُوا بَل نَتَّبِعُ ما ألفَينا عَليهِ آباءَنا أوَلَو كانَ آباؤهُم لايَعقِلُونَ شيئاً)(2).
كما ذم من يتبع ظنونه ورجمه بالغيب فقال: (إن يَتَّبِعونَ إلاّ الظنَّ)(3).
وفي الحقيقة انّ الذي نعتقده: إنّ عقولنا هي التي فرضت علينا النظر في الخلق ومعرفة خالق الكون كما فرضت علينا النظر في
____________
(1) فصّلت: 53.
(2) البقرة: 170.
(3) الانعام: 116.
وما جاء في القرآن الكريم من الحث على التفكير واتّباع العلم والمعرفة فانما جاء مقرّراً لهذه الحرية الفطرية في العقول التي تطابقت عليها آراء العقلاء، وجاء منبّهاً للنفوس على ما جبلت عليها من الاستعداد للمعرفة والتفكير، ومفتّحاً للاذهان وموجِّهاً لها على ما تقتضيه طبيعة العقول.
فلا يصح ـ والحال هذه ـ أن يهمل الانسان نفسه في الامور الاعتقادية، أو يتّكل على تقليد المربين، أو أي أشخاص آخرين، بل يجب عليه ـ بحسب الفطرة العقلية المؤيدة بالنصوص القرآنية ـ أن يفحص ويتأمّل وينظر ويتدبّر في أصول اعتقاداته(1) المسماة بأصول الدين التي أهمّها: التوحيد، والنبوة والامامة، والمعاد.
____________
(1) ليس كل ما ذكر في هذه الرسالة هو من أصول الاعتقادات، فانّ كثيراً من الاعتقادات المذكورة ـ كالقضاء والقدر والرجعة وغيرهما ـ لا يجب فيها الاعتقاد ولا النظر، ويجور الرجوع فيها إلى الغير المعلوم صحة قوله، كالانبياء والائمة، وكثير من الاعتقادات من هذا القبيل: كان اعتقادنا فيها مستنداً إلى ما هو المأثور عن ائمتنا عليهم السلام من صحيح الاثر القطعي «منه قدس سره».
وبالاختصار عندنا هنا ادّعاءان:
الاول: وجوب النظر والمعرفة في أصول العقائد، ولا يجوز تقليد الغير فيها.
الثاني: إنّ هذا وجوب عقلي قبل أن يكون وجوباً شرعياً، أي لا يستقى علمه من النصوص الدينية، وإن كان يصح أن يكون مؤيّداً بها بعد دلالة العقل.
وليس معنى الوجوب العقلي إلاّ إدراك العقل لضرورة المعرفة، ولزوم التفكير والاجتهاد في أصول الاعتقادات.
2 ـ عقيدتنا في التقليد بالفروع
أمّا فروع الدين ـ وهي أحكام الشريعة المتعلّقة بالاعمال ـ فلا يجب فيها النظر والاجتهاد، بل يجب فيها ـ إذا لم تكن من الضروريات في الدين الثابتة بالقطع، كوجوب الصلاة والصوم والزكاة ـ أحد أمور ثلاثة:
إمّا أن يجتهد وينظر في أدلة الاحكام إذا كان أهلاً لذلك.
وإمّا أن يقلّد المجتهد الجامع للشرائط، بأن يكون من يقلّده: عاقلاً، عادلاً «صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لامر مولاه»(1).
فمن لم يكن مجتهداً ولا محتاطاً ثم لم يقلّد المجتهد الجامع للشرائط فجميع عباداته باطلة لا تقبل منه، وإن صلّى وصام وتعبّد طول عمره، إلاّ إذا وافق عمله رأي من يقلّده بعد ذلك، وقد اتّفق له أنّ عمله جاء بقصد القربة إلى الله تعالى.
3 ـ عقيدتنا في الاجتهاد
نعتقد: أنّ الاجتهاد في الاحكام الفرعية واجب بالوجوب الكفائي على جميع المسلمين في عصور غيبة الامام، بمعنى أنّه يجب على كلّ مسلم في كلّ عصر، ولكن إذا نهض به من به الغنى والكفاية سقط عن باقي المسلمين، ويكتفون بمن تصدّى لتحصيله وحصل على رتبة الاجتهاد وهو جامع للشرائط، فيقلّدونه
____________
(1) التفسير المنسوب للامام الحسن العسكري (عليه السلام): 300، الاحتجاج 2/511.
ففي كلّ عصر يجب أن ينظر المسلمون إلى أنفسهم، فإن وجدوا من بينهم من تبرّع بنفسه، وحصل على رتبة الاجتهاد ـ التي لا ينالها إلاّ ذوحظ عظيم ـ وكان جامعاً للشرائط التي تؤهّله للتقليد، اكتفوا به وقلّدوه، ورجعوا إليه في معرفة أحكام دينهم.
وإن لم يجدوا من له هذه المنزلة وجب عليهم أن يحصّل كل واحد رتبة الاجتهاد، أو يهيّئوا من بينهم من يتفرّغ لنيل هذه المرتبة، حيث يتعذّر عليهم جميعاً السعي لهذا الامر أو يتعسّر.
ولا يجوز لهم أن يقلّدوا من مات من المجتهدين.
والاجتهاد هو: النظر في الادلّة الشرعية لتحصيل معرفة الاحكام الفرعية التي جاء بها سيّد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي لاتتبدّل ولا تتغيّر بتغيّر الزمان والاحوال «حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة»(1).
والادلة الشرعية هي: الكتاب الكريم، والسنّة، والاجماع، والعقل، على التفصيل المذكور في كتب أصول الفقه.
____________
(1) الكافي 1/58، المحاسن 1/420.
4 ـ عقيدتنا في المجتهد
وعقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط: إنّه نائب للامام (عليه السلام)في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للامام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الامام، والراد على الامام راد على الله تعالى، وهو على حدّ الشرك بالله، كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت (عليهم السلام) (1).
فليس المجتهد الجامع للشرائط مرجعاً في الفتيا فقط، بل له الولاية العامة، فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضاء، وذلك من مختصّاته، لا يجوز لاحد أن يتولاّها دونه إلاّ بإذنه، كما لا تجوز إقامة الحدود والتعزيرات إلاّ بأمره وحكمه.
ويرجع إليه أيضاً في الاموال التي هي من حقوق الامام ومختصّاته.
____________
(1) الكافي 1/54، الاحتجاج 2/260.
الفصل الاول
الالهيات
عقيدتنا في:
الله تعالى
التوحيد
صفاته تعالى
العدل
التكليف
القضاء والقدر
البداء
أحكام الدين
5 ـ عقيدتنا في الله تعالى
نعتقد: أنّ الله تعالى واحد أحد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولايزال، هو الاوّل والاخر، عليم، حكيم، عادل، حي، قادر، غني، سميع، بصير.
ولا يوصف بما توصف به المخلوقات، فليس هو بجسم ولاصورة، وليس جوهراً ولا عرضاً، وليس له ثقل أو خفة، ولاحركة أو سكون، ولا مكان ولا زمان، ولا يشار إليه.
كما لا ندّله، ولا شبه، ولا ضدّ، ولا صاحبة له ولا ولد، ولا شريك، ولم يكن له كفواً أحد، لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار.
ومن قال بالتشبيه في خلقه ـ بأن صوّر له وجهاً ويداً وعيناً، أو أنّه ينزل إلى السماء الدنيا، أو أنّه يظهر إلى أهل الجنة كالقمر، أو نحو ذلك ـ فانّه بمنزلة الكافر به، جاهل بحقيقة الخالق المنزّه عن النقص، بل كل ما ميّزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق
وكذلك يلحق بالكافر من قال إنّه يتراءى لخلقه يوم القيامة، وإن نفى عنه التشبيه بالجسم لقلقة في اللسان، فان أمثال هؤلاء المدّعين جمدوا على ظواهر الالفاظ في القرآن الكريم أو الحديث، وأنكروا عقولهم وتركوها وراء ظهورهم، فلم يستطيعوا أن يتصرّفوا بالظواهر حسبما يقتضيه النظر والدليل وقواعد الاستعارة والمجاز.
6 ـ عقيدتنا في التوحيد
ونعتقد: بأنّه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات، فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بأنّه واحد في ذاته ووجوب وجوده، كذلك يجب ثانياً توحيده في الصفات، وذلك بالاعتقاد بأنّ صفاته عين ذاته كما سيأتي بيان ذلك، وبالاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية، فهو في العلم والقدرة لا نظير له، وفي الخلق والرزق
____________
(1) بحار الانوار 69/293، المحجة البيضاء 1/219.
وكذلك يجب ثالثاً توحيده في العبادة، فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه، وكذا إشراكه في العبادة في أيّ نوع من أنواع العبادة، واجبة أو غير واجبة، في الصلاة وغيرها من العبادات.
ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك، كمن يرائي في عبادته ويتقرّب إلى غير الله تعالى، وحكمه حكم من يعبد الاصنام والاوثان، لافرق بينهما.
أمّا زيارة القبور وإقامة المآتم، فليست هي من نوع التقرّب إلى غير الله تعالى في العبادة ـ كما توهّمه بعض من يريد الطعن في طريقة الامامية، غفلة عن حقيقة الحال فيها ـ بل هي من نوع التقرّب إلى الله تعالى بالاعمال الصالحة، كالتقرّب إليه بعيادة المريض، وتشييع الجنائز، وزيارة الاخوان في الدين، ومواساة الفقير.
فإنّ عيادة المريض ـ مثلاً ـ في نفسها عمل صالح يتقرّب به العبد إلى الله تعالى، وليس هو تقرُّباً إلى المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالى أو الشرك في عبادته، وكذلك باقي أمثال هذه الاعمال الصالحة التي منها: زيارة القبور، وإقامة المآتم، وتشييع الجنائز، وزيارة الاخوان.
والغرض، إنّ إقامة هذه الاعمال ليست من نوع الشرك في العبادة ـ كما يتوهمه البعض ـ وليس المقصود منها عبادة الائمة، وإنّما المقصود منها إحياء أمرهم، وتجديد ذكرهم، وتعظيم شعائر الله فيهم (وَمَن يُعظِّم شَعائِرَ اللهِ فَإنَّها مِن تَقوَى القُلوب ِ) (1).
فكلّ هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع إستحبابها، فاذا جاء الانسان متقرّباً بها إلى الله تعالى طالباً مرضاته، استحقّ الثواب منه ونال جزاءه.
7 ـ عقيدتنا في صفاته تعالى
ونعتقد: أنّ من صفاته تعالى الثبوتية الحقيقية الكمالية التي تسمى بصفات الجمال والكمال ـ كالعلم، والقدرة، والغنى، والارادة، والحياة ـ هي كلّها عين ذاته، ليست هي صفات زائدة عليها، وليس وجودها إلاّ وجود الذات، فقدرته من حيث الوجود
____________
(1) الحج: 32.
نعم، هي مختلفة في معانيها ومفاهيمها، لا في حقائقها ووجوداتها، لانّه لو كانت مختلفة في الوجود ـ وهي بحسب الفرض قديمة وواجبة كالذات ـ للزم تعدّد واجب الوجود، ولا نثلمت الوحدة الحقيقية، وهذا ما ينافي عقيدة التوحيد.
وأمّا الصفات الثبوتية الاضافية ـ كالخالقية، والرازقية، والتقدّم، والعلّية ـ فهي ترجع في حقيقتها إلى صفة واحدة حقيقية، وهي القيّومية لمخلوقاته، وهي صفة واحدة تنتزع منها عدّة صفات باعتبار اختلاف الاثار والملاحظات.
وأمّا الصفات السلبية التي تسمّى بصفات الجلال، فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد هو سلب الامكان عنه، فإنّ سلب الامكان لازمه ـ بل معناه ـ سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون والثقل والخفّة وما إلى ذلك، بل سلب كل نقص.
ثمّ إنّ مرجع سلب الامكان في الحقيقة إلى وجوب الوجود، ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية، فترجع الصفات
ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية، لمّا عزّ عليه أن يفهم كيف أنّ صفاته عين ذاته، فتخيّل أنّ الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب، ليطمئنّ إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثّرها، فوقع بما هو أسوأ، إذ جعل الذات التي هي عين الوجود ومحض الوجود والفاقدة لكلّ نقص وجهة إمكان، جعلها عين العدم ومحض السلب، أعاذنا الله من شطحات الاوهام وزلاّت الاقلام.
كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أنّ صفاته الثبوتية زائدة على ذاته، فقال بتعدّد القدماء ووجود الشركاء لواجب الوجود، أو قال بتركيبه ـ تعالى عن ذلك ـ.
قال مولانا أمير المؤمنين وسيّد الموحّدين (عليه السلام): «وكمالُ الاخلاص لهُ نفيُ الصِفاتِ عنهُ، لشهادةِ كلِّ صفة أنَّها غيرُ الموصوفِ، وشهادةِ كلِّ موصوف أنَّه غيرُ الصفةِ، فَمَن وَصَفَ الله سبحانه فَقد قرنَهُ، وَمَن قرنهُ فَقد ثنّاهُ، وَمَن ثنّاهُ فَقد جزّأَهُ، وَمَن
8 ـ عقيدتنا بالعدل
ونعتقد: أنّ من صفاته تعالى الثبوتية الكمالية أنّه عادل غير ظالم، فلا يجور في قضائه، ولا يحيف في حكمه، يثيب المطيعين، وله أن يجازي العاصين، ولا يكلِّف عباده ما لايطيقون، ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقّون.
ونعتقد: أنّه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة، ولايفعل القبيح، لانّه تعالى قادر على فعل الحسن وترك القبيح، مع فرض علمه بحسن الحسن وقبح القبيح، وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح، فلا الحسن يتضرّر بفعله حتى يحتاج إلى تركه، ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله.
وهو مع كل ذلك حكيم، لابدّ أن يكون فعله مطابقاً للحكمة، وعلى حسب النظام الاكمل.
فلو كان يفعل الظلم والقبح ـ تعالى عن ذلك ـ فانّ الامر في ذلك
____________
(1) نهج البلاغة: الخطبة الاولى، الاحتجاج 2/473.
1 ـ أن يكون جاهلاً بالامر، فلا يدري أنّه قبيح.
2 ـ أن يكون عالماً به، ولكنّه مجبور على فعله وعاجز عن تركه.
3 ـ أن يكون عالماً به وغير مجبور عليه، ولكنه محتاج إلى فعله.
4 ـ أن يكون عالماً به، وغير مجبور عليه ولا يحتاج إليه، فينحصر في أن يكون فعله له تشهّياً وعبثاً ولهواً.
وكل هذه الصور محال على الله تعالى، وتستلزم النقص فيه، وهو محض الكمال، فيجب أن نحكم أنه منزَّه عن الظلم وفعل ما هو قبيح.
غير أن بعض المسلمين جوَّز عليه تعالى فعل القبيح ـ تقدَّست أسماؤه ـ فجوَّز أن يعاقب المطيعين، ويدخل الجنّة العاصين، بل الكافرين، وجوَّز أن يكلِّف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون عليه، ومع ذلك يعاقبهم على تركه، وجوَّز أن يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع، وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة
فَربُّ أمثال هؤلاء الذين صوَّروه على عقيدتهم الفاسدة: ظالم، جائر، سفيه، لاعب، كاذب، مخادع، يفعل القبيح، ويترك الحسن الجميل.
تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، وهذا هو الكفر بعينه، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه: (وَمَا اللهُ يُريدُ ظُلماً للعِبَادِ)(2).
وقال:(وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ)(3).
وقال:(وَمَا خَلَقنَا السَّماوَاتِ والارضَ وَمَابَينَهُما)لاعِبينَ)(4).
وقال:(وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ والانسَ إلاَّ لِيعبُدُونِ)(5).
إلى غير ذلك من الايات الكريمة، سبحانك ما خلقت هذا باطلاً.
____________
(1) الانبياء: 23.
(2) المؤمن: 31.
(3) البقرة: 205.
(4) الدخان: 38.
(5) الذاريات: 56.
9 ـ عقيدتنا في التكليف
نعتقد: أنّه تعالى لا يكلِّف عباده إلاّ بعد إقامة الحجّة عليهم، ولايكلِّفهم إلاّ ما يسعهم وما يقدرون عليه وما يطيقونه وما يعلمون، لانّه من الظلم تكليف العاجز والجاهل غير المقصّر في التعليم.
أمّا الجاهل المقصِّر في معرفة الاحكام والتكاليف فهو مسؤول عند الله تعالى، ومعاقب على تقصيره، إذ يجب على كلّ إنسان أن يتعلَّم ما يحتاج إليه من الاحكام الشرعية.
ونعتقد: أنّه تعالى لابدَّ أن يكلّف عباده، ويسنَّ لهم الشرائع، وما فيه صلاحهم وخيرهم، ليدلّهم على طرق الخير والسعادة الدائمة، ويرشدهم إلى ما فيه الصلاح، ويزجرهم عمّا فيه الفساد والضرر عليهم وسوء عاقبتهم، وإن علم أنّهم لا يطيعونه، لانّ ذلك لطف ورحمة بعباده، وهم يجهلون أكثر مصالحهم وطرقها في الدنيا والاخرة، ويجهلون الكثير ممّا يعود عليهم بالضرر والخسران، والله تعالى هو الرحمن الرحيم بنفس ذاته، وهو من كماله المطلق الذي هو عين ذاته، ويستحيل أن ينفكّ عنه.
ولا يرفع هذا اللطف وهذه الرحمة أن يكون العباد متمرّدين
10 ـ عقيدتنا في القضاء والقدر
ذهب قوم ـ وهم المجبِّرة ـ إلى أنّه تعالى هو الفاعل لافعال المخلوقين، فيكون قد أجبر الناس على فعل المعاصي، وهو مع ذلك يعذِّبهم عليها، وأجبرهم على فعل الطاعات ومع ذلك يثيبهم عليها، لانهم يقولون: إنّ أفعالهم في الحقيقة أفعاله، وإنّما تنسب إليهم على سبيل التجوُّز، لانّهم محلها، ومرجع ذلك إلى إنكار السببية الطبيعية بين الاشياء، وأنه تعالى هو السبب الحقيقي لاسبب سواه.
وقد أنكروا السببية الطبيعية بين الاشياء، إذ ظنّوا أنّ ذلك هو مقتضى كونه تعالى هو الخالق الذي لا شريك له.
ومن يقول بهذه المقالة فقد نسب الظلم إليه، تعالى عن ذلك.
وذهب قوم آخرون ـ وهم المفوِّضة ـ إلى أنّه تعالى فوَّض الافعال إلى المخلوقين، ورفع قدرته وقضاءه وتقديره عنها، باعتبار أنّ نسبة الافعال إليه تعالى تستلزم نسبة النقص إليه، وأنّ للموجودات أسبابها الخاصة، وإن انتهت كلُّها إلى مسبِّب الاسباب والسبب الاول، وهو الله تعالى.
واعتقادنا في ذلك تبع لما جاء عن أئمتنا الاطهار (عليهم السلام) من الامر بين الامرين، والطريق الوسط بين القولين، الذي كان يعجز عن فهمه أمثال أولئك المجادلين من أهل الكلام، ففرّط منهم قوم وأفرط آخرون، ولم يكتشفه العلم والفلسفة إلاّ بعد عدة قرون.
وليس من الغريب ممّن لم يطّلع على حكمة الائمة (عليهم السلام)وأقوالهم أن يحسب أن هذا القول ـ وهو الامر بين الامرين ـ من مكتشفات بعض فلاسفة الغرب المتأخرين، وقد سبقه إليه أئمّتنا قبل عشرة قرون.
فقد قال إمامنا الصادق (عليه السلام) لبيان الطريق الوسط كلمته المشهورة: «ولا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين»(1).
ما أجلَّ هذا المغزى وما أدقّ معناه، وخلاصته: إنّ أفعالنا من جهة هي أفعالنا حقيقة ونحن أسبابها الطبيعية وهي تحت قدرتنا واختيارنا، ومن جهة أخرى هي مقدورة لله تعالى وداخلة في
____________
(1) الكافي 1/160، الاحتجاج 2/490، التوحيد: 326.
وعلى كل حال، فعقيدتنا: أنّ القضاء والقدر سر من أسرار الله تعالى، فمن استطاع أن يفهمه على الوجه اللائق بلا إفراط ولاتفريط فذلك، وإلاّ فلا يجب عليه أن يتكلّف فهمه والتدقيق فيه، لئلاّ يضل وتفسد عليه عقيدته، لانه من دقائق الامور، بل من أدق مباحث الفلسفة التي لا يدركها إلاّ الاوحدي من الناس، ولذا زلّت به أقدام كثير من المتكلّمين.
فالتكليف به تكليف بما هو فوق مستوى مقدور الرجل العادي، ويكفي أن يعتقد به الانسان على الاجمال اتّباعاً لقول الائمة الاطهار (عليهم السلام) من أنّه أمر بين الامرين، ليس فيه جبر ولا تفويض.
وليس هو من الاصول الاعتقادية حتى يجب تحصيل الاعتقاد به على كل حال على نحو التفصيل والتدقيق.
11 ـ عقيدتنا في البداء
البداء في الانسان: أن يبدو له رأي في الشيء لم يكن له ذلك الرأي سابقاً، بأنّ يتبدَّل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه، إذ يحدث عنده ما يغيِّر رأيه وعلمه به، فيبدو له تركه بعد أن كان يريد فعله، وذلك عن جهل بالمصالح وندامة على ما سبق منه.
والبداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى، لانه من الجهل والنقص، وذلك محال عليه تعالى، ولا تقول به الامامية.
قال الصادق (عليه السلام): «من زعم أنّ الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم»(1).
وقال أيضاً: «من زعم أن الله بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه»(2).
غير أنّه وردت عن أئمتنا الاطهار (عليهم السلام) روايات توهم القول بصحة البداء بالمعنى المتقدِّم، كما ورد عن الصادق (عليه السلام): «ما بدا لله
____________
(1) كمال الدين: 69.
(2) كمال الدين: 70.
والصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: (يَمحُوا اللهُ ما يَشَآءُ ويُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ) (2).
ومعنى ذلك: أنّه تعالى قد يظهر شيئاً على لسان نبيِّه أو وليِّه، أو في ظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الاظهار، ثم يمحوه فيكون غير ما قد ظهر أولاً، مع سبق علمه تعالى بذلك، كما في قصة إسماعيل لما رأى أبوه إبراهيم أنّه يذبحه.
فيكون معنى قول الامام (عليه السلام): أنّه ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في اسماعيل ولده، إذ اخترمه قبله ليعلم الناس أنّه ليس بإمام، وقد كان ظاهر الحال أنّه الامام بعده، لانه أكبر ولده.
وقرب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة بشريعة نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل نسخ بعض الاحكام التي جاء بها
____________
(1) التوحيد: 336، كمال الدين: 69.
(2) الرعد: 39.
12 ـ عقيدتنا في أحكام الدين
نعتقد: أنّه تعالى جعل أحكامه ـ من الواجبات والمحرّمات وغيرهما ـ طبقاً لمصالح العباد في نفس أفعالهم، فما فيه المصلحة الملزمة جعله واجباً، وما فيه المفسدة البالغة نهى عنه، وما فيه مصلحة راجحة ندبنا إليه.
وهكذا في باقي الاحكام، وهذا من عدله ولطفه بعباده.
ولابدّ أن يكون له في كل واقعة حكم، ولا يخلو شيء من الاشياء من حكم واقعي لله فيه، وإن انسدَّ علينا طريق علمه.
ونقول أيضاً: إنّه من القبيح أن يأمر بما فيه المفسدة، أو ينهى عمّا فيه المصلحة.
غير أنّ بعض الفرق من المسلمين يقولون: إنّ القبيح ما نهى الله تعالى عنه، والحسن ما أمر به، فليس في نفس الافعال مصالح أو مفاسد ذاتية، ولا حسن أو قبح ذاتيان، وهذا قول مخالف للضرورة العقلية.
كما أنّهم جوَّزوا أن يفعل الله تعالى القبيح فيأمر بها فيه المفسدة، وينهى عمّا فيه المصلحة. وقد تقدَّم أنّ هذا القول فيه مجازفة
والخلاصة: أنّ الصحيح في الاعتقاد أن نقول: إنّه تعالى لامصلحة له ولا منفعة في تكليفنا بالواجبات ونهينا عن فعل ما حرَّمه، بل المصلحة والمنفعة ترجع لنا في جميع التكاليف، ولامعنى لنفي المصالح والمفاسد في الافعال المأمور بها والمنهي عنها، فإنّه تعالى لايأمر عبثاً ولاينهى جزافاً، وهو الغني عن عباده.