(135) قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم اللّه في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم واللّه غفور رحيم}(2).
150 ـ عن معاوية بن عمار، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول في هذه الآية (قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم اللّه في قلوبكم خيراً يؤتكم خيراً مما أُخذ منكم ويغفر لكم واللّه غفور رحيم)، قال: " نزلت في العباس وعقيل ونوفل ".
وقال: " إن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) نهى يوم بدر أن يقتل أحدٌ من بني هاشم وأبو البختري، فأسروا، فأرسَلَ علياً فقال: انظر مَن هاهنا من بني هاشم ـ قال: فمرَّ على عقيل بن أبي طالب فحاد عنه ـ قال: ـ فقال له: يابنَ أمّ علي، أما واللّه لقد رأيتَ مكاني ـ قال: ـ فرجع الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فقال له: هذا ابو الفضل في يد فلان، وهذا عقيل في يَدِ فلان، وهذا نوفل في يد فلان.
يعني نوفل بن الحارث.
فقام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حتى انتهى الى عقيل، فقال له: يا أبا يزيد، قتل أبا جهل.
فقال:اذن لا تُنازعون في تِهامه.
قال: إن كنتم أثخنتم القومَ، وإلا فاركبوا أكتافهم ".
قال: فجيء بالعباس، فقيل له: أفدِ نفسك، وافدِ ابني أخيك.
____________
1- تفسير القمي، ج1، ص279.
2- الانفال، الآية: 70.
قال: يابن أخي، مَن أخبرك بهذا! قال: أتاني به جبرئيل من عند اللّه.
فقال: ومحلوفه ـ ما علم بهذا إلا أنا وهي، أشهد أنك رسول اللّه ".
قال: " فرجع الأسارى كلهم مشركين إلا العباس وعقيل ونوفل بن الحارث، وفيهم نزلت هذه الآية (قل لمن في أيديكم من الأسرى) الى آخرها "(1).
(136) قوله تعالى: {إن الذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه والذين أووا ونصروا اولئك بعضهم أولياء بعض}(2).
151 ـ الحُكم في أول النبوة أن المواريث كانت على الاخوّة لا على الولادة، فلما هاجر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) الى المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار، فكان اذا مات الرجل يرِثه أخوه في الدين، ويأخذ المال، وكان ما ترك له دُون ورثته.
فلما كان بعد ذلك أنزل اللّه (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا الى اوليائكم معروفا)(3) فنسخت آية الأخوة بقوله: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض)(4).
(137) قوله تعالى: {والذين أمنوا من بعد وهاجروا وجهدوا معكم فأولئك منكم وأُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب اللّه إن اللّه بكل شيء عليم}(5).
152 ـ عن زيد بن علي (عليه السلام)، في قوله تعالى (وأُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللّه).
قال: ذاك علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان مهاجراً ذا رَحِم(6).
____________
1- تفسير العياشي، ج2، ص68، ح79.
2- الانفال، الآية: 72.
3- الاحزاب، الآية: 6.
4- تفسير القمي، ج1، ص280.
5- الانفال، الآية: 75.
6- المناقب، ابن شهرآشوب، ج2، ص168.
سورة التوبة
(138) قوله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن أمن باللّه واليوم الأخر وجاهد في سبيل اللّه لا يستوون عند اللّه واللّه لا يهدي القوم الظالمين ـ الى قوله تعالى ـ إن اللّه عنده أجر عظيم}(1).
153 ـ عن علي بن ابراهيم، قال: حدثني أبي، عن صفوان، عن ابن مُسكان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: " نزلت في علي (عليه السلام) وحمزة والعباس وشَيبَة، قال العباس أنا أفضل، لأن سقاية الحاج بيدي، وقال شيبة: أنا أفضل، لأن حِجابة البيت بيدي، وقال حمزة: أنا أفضل، لأن عمارة المسجد الحرام بيدي، وقال علي (عليه السلام): أنا أفضل، لأني آمنت قبلكم، ثم هاجرت وجاهدت.
فرضوا برسول اللّه (صلى الله عليه وآله) [حَكَماً]، فأنزل اللّه تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن أمن باللّه واليوم الأخر وجاهد في سبيل اللّه لا يستوون عند اللّه) الى قوله تعالى: (إن اللّه عنده أجر عظيم) "(2)
154 ـ عن أبي علي الاشعري، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مُسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليه السلام) في قول اللّه عزّوجل (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن أمن باللّه واليوم الأخر) نزلت في حمزة وعلي (عليه السلام) وجعفر والعباس وشَيبة، إنهم فخروا بالسقاية والحجابة، فأنزل اللّه عزّ ذكره: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن أمن باللّه واليوم الأخر) وكان علي (عليه السلام) وحمزة
____________
1- التوبة، الآية: 19 ـ 22.
2- تفسير القمي، ج1، ص284.
(139) قوله تعالى: {إنما النَّسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يُحلّونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم اللّه فيحلوا ما حرم اللّه زين لهم سوء أعملهم واللّه لا يهدي القوم الكافرين}(2).
155 ـ قوله تعالى: (إنما النَّسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يُحلّونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم اللّه) كان سبب نزولها أن رجلاً من كنانة كان يقف في الموسم، فيقول: قد أحللتُ دماء المحلّين من طيّيء وخثعم في شهر المحرم وأنسأتُه، وحرمتُ بَدَلَه صَفَراً.
فإذا كان العام المقبل، يقول: قد أحللتُ صَفَراً وأنسأتُه وحرّمتُ بدَله شهر المحرم.
فأنزل اللّه (إنما النَّسيء زيادة في الكفر) الى قوله (زين لهم سوء أعمالهم) "(3).
(140) قوله تعالى: {ولو أنهم رضوا ما أتاهم اللّه ورسوله وقالوا حسبنا اللّه سيؤتينا اللّه من فضله ورسوله إنا الى اللّه راغبون}(4).
156 ـ أنها نزلت لما جاءت الصدقات، وجاء الانبياء وظنوا أن الرسول (صلى الله عليه وآله) يُقسِّمُها بينهم، فلما وضعها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في الفقراء تغامزوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ولَمّزوه، وقالوا: نحن الذين نقوم في الحرب، ونغزوا معه، ونُقوّي أمره، ثم يدفع الصدقات الى هؤلاء الذين لا يُعينونه، ولا يُغنون عنه شيئاً؟!
فأنزل اللّه: (ولو أنهم رضوا ما أتاهم اللّه ورسوله وقالوا حسبنا اللّه سيؤتينا اللّه من فضله
____________
1- الكافي، الكليني، ج8، ص203، ح245.
2- التوبة، الآية: 37.
3- تفسير القمي، ح1، ص290.
4- التوبة، الآية: 59.
(141) قوله تعالى: {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أُذن قل أُذن خير لكم يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين}(2).
157 ـ عن الصادق (عليه السلام): أن هذه الآية نزلت في عبداللّه بن نُفيل المنافق، يسمع كلام رسول اللّه وينقله الى المنافقين، ويعيبه عندهم، وينُمُّ عليه أيضاً، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فأخبره بذلك المنافق، فأحضره ونَهاه عن ذلك واستتابه(3).
(142) قوله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أباللّه وأياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين}(4).
158 ـ كان قوم من المنافقين لما خرج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) الى تبوك، كانوا يتحدثون فيما بينهم ويقولون: أيرى محمد أن حرب الروم مثل حرب غيرهم، لا يرجع منهم أحدٌ أبداً.
فقال بعضهم: ما أخلَقه أن يُخبِرَ اللّه محمداً بما كنّا فيه وبما في قلوبنا ويُنزِّل عليه بهذا قرآناً يقرؤه الناس! وقالوا هذا على حدّ الاستهزاء.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لعمار بن ياسر: " الحَقِ القوم، فإنهم قد احترقوا " فلَحِقهم عمار، فقال: ما قلتم؟
قالوا: ما قلنا شيئا، إنما كنا نقول شيئاً على حدِّ اللعب والمِزاح فأنزل اللّه: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أباللّه وأياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين) "(5).
____________
1- تفسير القمي، ج1، ص298.
2- التوبة، الآية: 61.
3- نهج البيان، ج2، ص140 (مخطوط).
4- التوبة، الآية: 65 ـ 66.
5- تفسير القمي، ج1، ص300.
(143) قوله تعالى: {يحلفون باللّه ماقالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا}(1).
159 ـ قال أبان بن تغلب، عنه [أبا عبداللّه] (عليه السلام): " لما نَصبَ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) يوم غدير خم، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، ضَمّ رجلان من قريش رؤوسهما وقالا واللّه لا نُسلّم له ما قال أبداً.
فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله) فسألهما عما قالا، فكذّبا وحلفا باللّه ما قالا شيئاً، فنزل جبرئيل على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) (يحلفون باللّه ماقالوا) الآية ".
قال ابو عبداللّه (عليه السلام): " لقد تولّيا وماتابا "(2).
160 ـ نزلت في الذين تحالفوا في الكعبة ألاّ يَرُدّوا هذا الأمر في بني هاشم، وهي كلمة الكفر، ثم قعدوا لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في العَقَبة وهمّوا بقتله، وهو قوله تعالى: (وهمّوا بما لم ينالوا) "(3).
(144) قوله تعالى: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم}(4).
161 ـ إنها نزلت لما رجع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) الى المدينة ومرض عبداللّه بن أُبي، وكان ابنه عبداللّه بن عبداللّه مؤمناً، فجاء الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأبوه يجود بنفسه، فقال: يا رسول اللّه، بأبي أنت وأمي، إنك إن لم تأت أبي كان ذلك عاراً علينا، فدخل اليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) والمنافقون عنده، فقال ابنه عبداللّه بن عبداللّه: يا رسول اللّه، استغفر له فاستغفر له.
فقال عمر: ألم ينهك اللّه ـ يا رسول اللّه ـ أن تُصلّي عليهم أو تستغفر له؟
____________
1- التوبة، الآية: 74.
2- تفسير العياشي، ج2، ص100، ح91.
3- تفسير القمي، ج1، ص301.
4- التوبة، الآية: 80.
فلما مات عبداللّه جاء ابنه الى رسول اللّه، فقال: بأبي أنت وأمي ـ يا رسول اللّه ـ إن رأيت أن تحضر جنازته.
فحضره رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، وقام على قبره، فقال له عمر: يا رسول اللّه، ألم ينهك اللّه أن تصلّي على أحد منهم ماتَ أبداً، وأن تقوم على قبره؟
فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): " ويلك وهل تدري ما قلت، إنما قلت: اللّهم احشُ قبره ناراً، وجوفه ناراً، واصله النار ".
فبدا من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ما لم يكن يُحب(1).
162 ـ عن أبي الجارود، عن أبي عبداللّه (عليه السلام)، في قول اللّه: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات)(2).
قال: " ذهب علي أمير المؤمنين فآجَرَ نفسه على أن يستقى كل دلو بتمرة يختارها، فجمع تمراً فأتى به النبي (صلى الله عليه وآله) وعبدالرحمن بن عوف على الباب، فَلَمزَه ـ أي وقع فيه ـ فأُنزلت هذه الآية (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) الى قوله: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم) "(3).
(145) قوله تعالى: {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول اللّه وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه ـ الى قوله تعالى ـ وماتوا وهم فاسقون}(4).
163 ـ نزلت في الجَدِّ بن قيس لما قال لقومه: لا تخرجوا في الحَر، ففضَح اللّه الجَدَّ بن قيس وأصحابه، فلما اجتمع لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) الخيول ارتحل من ثنية الوداع، وخلّف أمير المؤمنين (عليه السلام) على المدينة، فأرجف المنافقون بعلي (عليه السلام)، فقالوا: ما خلّفه
____________
1- تفسير القمي، ج1، ص302.
2- التوبة، الآية: 79.
3- تفسير العياشي، ج2، ص101، ح93.
4- التوبة، الآية: 81 ـ 84.
فبلغ ذلك علياً فأخذ سيفه وسلاحه ولحِق برسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بالجرف، فقال له رسول اللّه: " يا علي، ألم أخلِّفك على المدينة؟ ".
قال: " نعم، ولكن المنافقين زعموا أنك خلّفتني تَشاؤماً بي ".
فقال: " كذب المنافقون ـ يا علي ـ أما ترض أن تكون أخي وأنا أخاك بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت خليفتي في أمتي، وأنت وزيري ووصيّي وأخي في الدنيا والآخرة " فرجع علي (عليه السلام) الى المدينة(1).
(146) قوله تعالى: {سيحلفون باللّه لكم اذا انقلبتم اليهم لتعرضوا عنهم ـ الى قوله تعالى ـ قربات عند اللّه}(2).
164 ـ ولما قَدِم النبي (صلى الله عليه وآله) من تبوك كان أصحابه المؤمنون يتعرضون للمنافقين ويؤذونهم، وكانوا يحلفون لهم أنهم على الحق وليس هم بمنافقين لكي يعرضوا عنهم ويرضوا عنهم، فأنزل اللّه (سيحلفون باللّه لكم إذا انقلبتم اليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزآء بما كانوا يكسبون * يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن اللّه لا يرضى عن القوم الفاسقين).
ثم وصَف الأعراب، فقال: (الاعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألاّ يعلموا حدود ما أنزل اللّه على رسوله واللّه عليم حكيم * ومن الاعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء واللّه سميع عليم * ومن الاعراب من يؤمن باللّه واليوم الآخر ـ الى قوله ـ قربات عند اللّه) "(3).
(147) قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}(4).
____________
1- تفسير القمي، ج1، ص292.
2- التوبة، الآية: 95 ـ 99.
3- تفسير القمي، ج1، ص302.
4- التوبة، الآية: 100.
166 ـ عن الصادق (عليه السلام): " أنها نزلت في علي (عليه السلام) ومن تبعه من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، رضي اللّه عنهم ورضوا عنه، وأعدّ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ذلك الفوز العظيم "(3).
(148) قوله تعالى: {وأخرون مرجون لأمر اللّه إما يعذبهم وإما يتوب عليهم واللّه عليم حكيم}(4).
167 ـ عن هشام بن سالم، عن أبي عبداللّه (عليه السلام)، في قول اللّه: (وأخرون مرجون لأمر اللّه).
قال: " هم قوم من المشركين أصابوا دَماً من المسلمين، ثم أسلموا، فهم المرجون لأمر اللّه "(5).
(149) قوله تعالى: {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقا بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب اللّه ورسوله ـ الى قوله تعالى ـ واللّه يحب المطهرين}(6).
168 ـ إنه كان سبب نزولها أنه جاء قوم من المنافقين الى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، فقالوا يا رسول اللّه، أتأذن لنا أن نبني مسجداً في بني سالم للعليل، والليلة المطيرة، وللشيخ الفاني؟
____________
1- المناقب، ابن شهرآشوب، ج2، ص5، وشواهد التنزيل، ج1، ص256، ح346.
2- وفي الشواهد: وهاجر الهجرتين، بلا تحديد، وهو الأرجح، وكان المراد بهما: هجرته الى الطائف، وهجرته الى المدينة، وإلا فلم يثبت أنه هاجر مع أخيه جعفر الى الحبشة.
3- نهج البيان، ج2، ص140 (مخطوط).
4- التوبة، الآية: 106.
5- تفسير العياشي، ج2، ص110، ح128.
6- التوبة، الآية: 107 ـ 108.
فقالوا: يا رسول اللّه، لو أتيتنا فصلّيتَ فيه؟
فقال (صلى الله عليه وآله): " أنا على جَناح السفر، فإذا وافيت ـ إن شاء اللّه ـ أتيتُه فصلّيت فيه ".
فلما أقبل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من تبوك نزلت عليه هذه الآية في شأن المسجد وأبي عامر الراهب، وقد كانوا حَلَفوا لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أنهم يبنون ذلك للصلاح والحُسنى، فأنزل اللّه على رسوله (والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب اللّه ورسوله من قبل) يعني أبا عامر الراهب، كان يأتيهم فيذكر رسول اللّه وأصحابه (وليحلفن إن أردنا إلا الحُسنى واللّه يشهد إنهم لكاذبون * لا تقم فيه أبداً لمسجد أُسس على التقوى من أول يوم) يعني مسجد قُبا (أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا واللّه يحب المطهرين) قال: كانوا يتطهرون بالماء(1).
(150) قوله تعالى: {ما كان للنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين}(2).
169 ـ أن المسلمين قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله): ألا تستغفر لآبائنا الذين ماتوا في الجاهلية، فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية(3).
(151) قوله تعالى: {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إيّاه فلما تبيّن له أنه عدوّ للّه تبرّأ منه إنّ إبراهيم لأوّه حليم}(4)
170 ـ عن أبي اسحاق الهمداني، [رفعه] عن رجل، قال: صلّى رجل الى جنبي فاستغفر لأبويه، وكانا ماتا في الجاهلية، فقلت: تستغفر لأبويك وقد ماتا في الجاهلية؟
فقال: قد استغفر ابراهيم لأبيه.
فلم أدرِ ما أردّ عليه، فذكرتُ ذلك للنبي (صلى الله عليه وآله) فأنزل اللّه (وما كان استغفار ابراهيم
____________
1- تفسير القمي، ج1، ص305.
2- التوبة، الآية: 113.
3- مجمع البيان، الطبرسي، ج5، ص115.
4- التوبة، الآية: 114.
(152) قوله تعالى: {لقد تاب اللّه على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ـ الى قوله تعالى ـ التواب الرحيم}(2).
171 ـ روي أن السبب في هذه الآية عن أبي جعفر وأبي عبداللّه (عليهما السلام): " أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما توجه الى غَزاة تبوك تخلّف عنه كعب بن مالك الشاعر، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أُمية الرافعي، تخلّفوا عن النبي (صلى الله عليه وآله) على أن يتحوجوا ويلحقوه، فلهوا بأموالهم وحوائجهم عن ذلك، وندموا وتابوا، فلما رجع النبي مظفراً منصوراً أعرض عنهم، فخرجوا على وجوههم وهاموا في البرية مع الوحوش، وندِموا أصدق ندامة، وخافوا أن لا يقبل اللّه توبتهم ورسوله لإعراضه عنهم، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فتلا على النبي، فأنفذ اليهم مَن جاء بهم، فتلا عليهم، وعرّفهم أن اللّه قد قَبِل توبتهم "(3).
____________
1- تفسير العياشي، ج2، ص114، ح148.
2- التوبة، الآية: 117 ـ 118.
3- نهج البيان، ج2، ص141.
سورة يونس
(153) قوله تعالى: {فإن كنت في شك مما أنزلنا اليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين}(1).
172 ـ عن عمرو بن سعيد الراشدي، عن ابن مُسكان، عن أبي عبداللّه (عليه السلام)، قال: " لما أسري برسول اللّه (صلى الله عليه وآله) الى السماء، فأوحى اللّه اليه في علي (صلوات اللّه عليه) ما أوحى من شرفه وعِظَمه عند اللّه، ورُدّ الى البيت المعمور، وجمع له النبيين فصلّوا خلفه، عَرض في نفس رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من عِظَم ما أوحى اللّه اليه في علي (عليه السلام)، فأنزل اللّه: (فإن كنت في شك مما أنزلنا اليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) يعني الانبياء، فقد أنزلنا عليهم في كتبهم من فضله ما أنزلنا في كتابك (لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين)، (ولا تكونن من الذين كذبوا بأيات اللّه فتكون من الخاسرين)(2).
فقال الصادق (عليه السلام): " فواللّه ما شكّ وما سأل "(3).
(154) قوله تعالى: {ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين * وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن اللّه ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون}(4).
173 ـ حدثنا تميم بن عبداللّه بن تميم القرشي، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي، في مسائل سألها المأمون أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، فكان فيما سأله أن قال له المأمون: فما معنى قول اللّه تعالى: (ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين * وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن اللّه).
فقال الرضا (عليه السلام): " حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه
____________
1- يونس، الآية: 94.
2- يونس، الآية: 95.
3- تفسير القمي، ج1، ص316.
4- يونس، الآية: 99 ـ 100.
فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ما كنت لألقى اللّه تعالى ببدعة لم يُحدِث لي فيها شيئاً، وما أنا من المتكلفين.
فأنزل اللّه تبارك وتعالى عليه: يا محمد (ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعاً) على سبيل الإلجاء والاضطرار في الدنيا، كما يؤمنون عند المُعاينة ورؤية البأس في الآخرة، ولو فعلتُ ذلك بهم لم يستحقوا مني ثواباً ولا مَدحاً، لكني أريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرين، ليستحقوا مني الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنة الخلد (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين).
وأما قوله تعالى: (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن اللّه) فليس ذلك على سبيل تحريم الايمان عليها، ولكن على معنى أنها ما كانت لتؤمن إلا باذن اللّه، وإذنه أمرهُ لها بالايمان ما كانت مكلّفة متعبدة، وإلجاؤه إياها الى الايمان عند زوال التكليف والتعبّد عنها ".
فقال المأمون: فرّجت عني ـ يا أبا الحسن ـ فرّج اللّه عنك(1).
____________
1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، ج1، ص134، ح33.