الصفحة 194
عن عورته، فاذا هو مجبوب، فأتى [به] الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): " ماشأنك ياجريج؟ " فقال: يارسول الله، ان القبط يجبون حشمهم ومن يدخل الى أهليهم، والقبطيون لا يأنسون الا بالقبطيين، فبعثني أبوها لادخل اليها وأخدمها وأؤنسها، فأنزل الله عز وجل: (يا أيها الذين أمنوا ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا)، الآية(1).

(303) قوله تعالى: {يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان}(2).

353 ـ فانها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك أن عائشة وحفصة كانتا تؤذيانها وتشتمانها، وتقولان لها: يابنت اليهودية.

فشكت ذلك الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال [لها]: " ألا تجيبيهما؟ " فقالت: بماذا يارسول الله؟

قال: " قولي: ان أبي هارون نبي الله، وعمي موسى كليم الله، وزوجي محمد رسول الله، فما تنكران مني؟ ".

فقالت لهما، فقالتا: هذا علمك رسول الله، فأنزل الله في ذلك (يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى) ـ الى قوله تعالى ـ (ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان)(3).

(304) قوله تعالى: {لا يلتكم من أعمالكم شيئاً إنّ اللّه غفور رحيم * إنّما المؤمنون الذين أمنوا باللّه ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللّه أولئك هم الصادقون}(4).

____________

1- تفسير القمي، ج2، ص 318.

2- الحجرات، الآية: 11.

3- تفسير القمي، ج2، ص 321.

4- الحجرات، الآية: 14-15.


الصفحة 195
354 ـ قوله تعالى: (لا يلتكم من أعمالكم شيئاً)، أي لا ينقصكم.

قوله تعلى: (إنّما المؤمنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) أي لم يشكّوا (وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) الآية، قال: نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام)(1).



سورة ق


(305) قوله تعالى: {ق والقرءان المجيد * بل عجبوا أن جاءهم مُنذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب * أءذا مِتنا وكُنّا تراباً ذلك رجع بعيد * قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ * بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مَريج * أَفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بَهيج * تبصرة وذكرى لكل عبد منيب * ونزّلنا من السماء ماءً مُباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد}(2).

355 ـ في قوله تعالى: (ق والقرءان المجيد)، قال: (ق) جبل محيط بالدنيا من وراء يأجوج ومأجوج، وهو قسم، (بل عجبوا)، يعني قريشاً (أن جاءهم منذر منهم)، يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، (فقال الكافرون هذا شيء عجيب * أءذا متنا وكنا تراباً ذلك رجع بعيد)، قال: نزلت في أبي ابن خلف، قال لابي جهل، اني لاعجب من محمد،

____________

1- تفسير القمي، ج2، ص 322.

2- ق، الآية: 1-9.


الصفحة 196
ثم أخذ عظماً ففتّه، ثم قال: يزعم محمد أن هذا يحيا! فقال الله (بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج) يعني مختلف.

ثم احتج عليهم وضرب للبعث والنشور مثلا فقال: (أفلم ينظروا الى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج * والارض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج)، أي حسن (تبصرة وذكرى لكل عبد منيب * ونزلنا من السماء ماء مباركاً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد) قال: كل حب يحصد(1).

(306) قوله تعالى: {ألقيا في جهنم كل كفار عنيد}(2)

356 ـ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله عز وجل (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد)، قال: " نزلت فيّ وفي علي بن أبي طالب، وذلك أنه إذا كان يوم القيامة شفعني ربي وشفعك ياعلي، وكساني وكساك ياعلي، ثم قال لي ولك: ألقيا في جهنم كل من أبغضكما وأدخلا الجنة كل من أحبكما، فان ذلك هو المؤمن "(3).

(307) قوله تعالى: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}(4).

357 ـ من تفسير ابن وكيع والسدّي وعطاء، أنه قال ابن عباس: أهدي الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ناقتان عظيمتان سمينتان، فقال للصحابة: " هل فيكم أحد يصلي ركعتين بقيامهما وركوعهما وسجودهما ووضوئهما وخشوعهما، لا يهم معهما من أمر الدنيا بشيء، ولا يحدث نفسه بذكر الدنيا، أهديه احدى هاتين الناقتين؟ ".

فقالها مرة ومرتين وثلاثة، لم يجبه أحد من الصحابة.

فقام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: " أنا ـ يارسول الله ـ أصلي ركعتين أكبر التكبيرة الاولى والى أن أسلم منهما، لا أحدث نفسي بشيء من أمر الدنيا ".

____________

1- تفسير القمي، ج2، ص 323.

2- ق، الآية: 24.

3- الامالي، الشيخ الطوسي، ج1، ص378.

4- ق، الآية: 37.


الصفحة 197
فقال: " ياعلي، صلّ، صلّى الله عليك ".

فكبّر أمير المؤمنين، ودخل في الصلاة، فلما فرغ من الركعتين، هبط جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: يامحمد، ان الله يقرئك السلام، ويقول لك أعطه احدى الناقتين.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " اني شارطته أن يصلّي ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء من أمر الدنيا، اعطه احدى الناقتين إن صلاهما، وانه جلس في التشهد فتفكر في نفسه أيهما يأخذ! ".

فقال جبرئيل: يامحمد، ان الله يقرئك السلام، ويقول لك: تفكّر أيّهما يأخذها، أسمنها وأعظمها، فينحرها ويتصدق بها لوجه الله، فكان تفكره لله عز وجل، لا لنفسه ولا للدنيا.

فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأعطاه كلتيهما، فأنزل الله فيه: (إن في ذلك لذكرى)، لعظة (لمن كان له قلب) عقل (أو ألقى السمع)، يعني استمع أمير المؤمنين باذنيه الى ماتلاه بلسانه من كلام الله: (وهو شهيد)، يعني وأمير المؤمنين حاضر القلب لله في صلاته، لا يتفكر فيها بشيء من أمر الدنيا(1).



سورة الطور


(308) قوله تعالى: {والذين أمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم}(2).

358 ـ حدثنا عبد العزيز بن يحيى، عن ابراهيم بن محمد، عن علي بن نصير، عن

____________

1- المناقب، ابن شهر اشوب، ج2، ص20.

2- الطور، الآية: 21.


الصفحة 198
الحكم بن ظهير، عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس (رحمه الله)، في قوله تعالى: (والذين أمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم)، قال: نزلت في النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)(1).



سورة النجم


(309) قوله تعالى: {والنجم إذا هوى * ماضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}(2).

359 ـ محمد بن العباس (رحمه الله): عن جعفر بن محمد العلوي، عن عبد الله بن محمد الزيات، عن جندل بن والق، عن محمد بن أبي عمير، عن غياث بن ابراهيم، عن جعفر بن محمد (عليه السلام)، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا سيد الناس ولا فخر، وعلي سيد المؤمنين، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

فقال رجل من قريش: والله ما يألو يطري ابن عمه; فأنزل الله سبحانه: (والنجم إذا هوى * ماضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى) وما هذا القول الذي يقوله بهواه في ابن عمّه: (إن هو إلا وحي يوحى) "(3).

____________

1- تأويل الآيات، ج2، ص618، ح6.

2- النجم، الآية: 1-4.

3- تأويل الآيات، ج2، ص623، ح4.


الصفحة 199

سورة القمر


(310) قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر}(1).

360 ـ أجمع المفسرون والمحدثون سوى عطاء والحسن والبلخي، في قوله تعالى: (اقتربت الساعة وانشق القمر) أنه [قد] اجتمع المشركون ليلة بدر الى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: ان كنت صادقاً فشقّ لنا القمر فرقتين.

فقال (صلى الله عليه وآله): " ان فعلت تؤمنون؟ ".

قالوا: نعم، فأشار اليه باصبعه، فانشق شقتين.

وفي رواية: نصفاً على أبي قبيس، ونصفاً على قعيقعان.

وفي رواية: نصفاً على الصفا، ونصفاً على المروة.

فقال (صلى الله عليه وآله): " اشهدوا اشهدوا " فقال ناس: سحرنا محمد، فقال رجل: ان كان سحركم فلم يسحر الناس كلهم; [وكان] ذلك قبل الهجرة، وبقي قدر مابين العصر الى الليل وهم ينظرون اليه، ويقولون: هذا سحر مستمر.

فنزل (وان يروا ءاية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر)(2) الآيات.

وفي رواية: أنه قدم السفاد من كل وجه، فما من أحد قد الا أخبرهم أنهم رأوا مثل ما رأوا(3).

(311) قوله تعالى: {كذبوا بأياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مُقتدر * أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر * أم يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر * بل الساعة موعدهم والسادعة أدهى وأمر * إنّ المجرمين في ضلال

____________

1- القمر، الآية: 1.

2- القمر، الآية: 2.

3- المناقب، ابن شهر اشوب، ج1، ص122.


الصفحة 200
وسُعُر}(1).

361 ـ قوله تعالى (أكفاركم) مخاطبة لقريش (خير من أُولئكم) يعني هذه الامم الهالكة (أم لكم براءة في الزبر) أي في الكتب لكم براءة أن لا تهلكوا كما هلكوا، فقالت قريش: قد اجتمعنا لننتصر ونقتلك يامحمد، فأنزل الله: (أم يقولون) يامحمد، (نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر) يعني يوم بدر حين هزموا وأسروا وقتلوا ثم قال: (بل الساعة موعدهم) يعني القيامة (والساعة أدهى وأمر) أي أشد وأغلظ [وأمر]، وقوله تعالى: (إن المجرمين في ضلال وسعر) أي في عذاب، و سعر: وادي في جهنم عظيم(2).



سورة الرحمن


(312) قوله تعالى: {مرج البحرين يلتقيان}(3).

362 ـ عن الخركوشي في كتابيه (اللوامع)، و (شرف المصطفى) باسناده عن سلمان، وأبي بكر الشيرازي في كتابه، عن أبي صالح وأبي اسحاق الثعلبي، وعلي بن أحمد الطائي، وابن علوية القطّان، في تفاسيرهم، عن سعيد بن جبير، وسفيان الثوري، وأبي نُعيم الاصفهاني (فيما نزل من القران في أمير المؤمنين (عليه السلام))، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، وعن أبي مالك، عن ابن عباس، والقاضي النطنزي، عن

____________

1- القمر، الآية: 42-47.

2- تفسير القمي، ج2، ص 342.

3- الرحمن، الآية: 19.


الصفحة 201
سفيان بن عيينة، عن جعفر الصادق (عليه السلام)، واللفظ له في قوله تعالى: (مرج البحرين يلتقيان) قال: " علي وفاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه "(1).

363 ـ وعن أبي معاوية الضرير، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن ابن عباس، أن فاطمة (عليها السلام)، بكت للجوع والعري، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): " اقنعي ـ يافاطمة ـ بزوجك، فوالله انه سيد في الدنيا وسيد في الاخرة "، وأصلح بينهما، فأنزل الله تعالى: (مرج البحرين)، يقول [الله]: أنا أرسلت البحرين علي بن أبي طالب. بحر العلم، وفاطمة بحر النبوة (يلتقيان) يتصلان، أنا الله أوقعت الوصلة بينهما(2).



سورة الحديد


(313) قوله تعالى: {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء}(3).

364 ـ عن الباقر والصادق (عليهما السلام) في قوله تعالى: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) من عباده، وفي قوله تعالى: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض)(4): " انهما نزلتا في أمير المؤمنين (عليه السلام) "(5).

____________

1- المناقب، ابن شهر اشوب، ج3، ص318، وشرف النبي (صلى الله عليه وآله): 258.

2- المناقب، ابن شهر اشوب، ج3، ص319.

3- الحديد، الآية: 21.

4- النساء، الآية: 32.

5- المناقب، ابن شهر اشوب، ج3، ص99.


الصفحة 202

سورة المجادلة


(314) قوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير * الذين يُظاهرون منكم من نسائهم ما هُنّ أمّهاتهم إنْ أمهاتُهم إلا الائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإنّ اللّه لعفو غفور * والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لِما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماساً ذلكم توعظون به واللّه بما تعملون خبير * فَمن لم يجد فصيام شهرين مُتتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله}(1).

365 ـ محمد بن العباس، عن أحمد بن عبد الرحمن، عن محمد بن سليمان بن بزيع، عن جميل بن المبارك، عن اسحاق بن محمد، قال: حدثني أبي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن ابائه (عليهم السلام)، أنه قال: " ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليها السلام): " ان زوجك بعدي يلاقي كذا وكذا; فخبرها بما يلقي بعده، فقالت: يا رسول الله، ألا تدعو الله أن يصرف ذلك عنه؟

فقال: قد سألت الله ذلك، فقال: انه مبتلى ومبتلى به، فهبط جبرئيل (عليه السلام) فقال: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير) "(2).

366 ـ كان سبب نزول هذه السورة، أنه أول من ظاهر في الاسلام كان رجلا يقال له أوس بن الصامت من الانصار، وكان شيخاً كبيراً، فغضب على أهله يوماً، فقال لها: أنت علي كظهر أمي، ثم ندم على ذلك، قال: وكان الرجل في الجاهلية إذا قال لاهله:

____________

1- المجادلة، الآية: 1-4.

2- تأويل الآيات،، ج2، ص670، ح1.


الصفحة 203
أنت علي كظهر أمي، حرمت عليه الى آخر الابد.

وقال أوس [لاهله]: ياخولة: انا كنا نحرم هذا في الجاهلية، وقد أتانا الله بالاسلام، فاذهبي الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسليه عن ذلك، فأتت خولة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ان أوس بن الصامت زوجي وأبو ولدي وابن عمي، فقال لي: أنت علي كظهر أمي.

وكنا نحرم ذلك في الجاهلية،وقد أتانا الله الاسلام بك، فأنزل الله السورة(1).

(315) قوله تعالى: {مايكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر الا هو معهم أين ماكانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ان الله بكل شيء عليم}(2).

367 ـ عن علي، عن علي بن الحسين، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قول الله عز وجل: (مايكون من نجوى ثلاثة الا هو رابعهم ولا خمسة الا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر الا هو معهم أين ماكانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة ان الله بكل شيء عليم).

قال: " نزلت هذه الآية في فلان، وفلان، وأبي عبيدة بن الجراح، وعبد الرحمن بن عوف، وسالم مولى أبي حذيفة، والمغيرة بن شعبة، حيث كتبوا الكتاب بينهم، وتعاهدوا وتوافقوا: لئن مضى محمد لا تكون الخلافة في بني هاشم ولا النبوة أبداً، فأنزل الله عز وجل فيهم هذه الآية "(3).

(316) قوله تعالى: {ألم تر الى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لِما نُهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاءوك حَيّوك بما لم يُحيك به اللّه ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا اللّه بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس

____________

1- تفسير القمي، ج2، ص 353.

2- المجادلة، الآية: 7.

3- الكافي، الكليني، ج8، ص179، ح202.


الصفحة 204
المصير}(1)

368 ـ في قوله تعالى: (ألم تر الى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه)، قال: كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأتون رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيسألونه أن يسأل اللّه لهم، وكانوا يسألون ما لا يحل لهم،فأنزل الله عزوجل: (ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول)، وقولهم له إذا أتوه: أنعم صباحاً، [و] أنعم مساءً، وهي تحية أهل الجاهلية، فأنزل الله تعالى: (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله)، فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): " قد أبدلنا بخير من ذلك: تحية أهل الجنة، السلام عليكم "(2).

(317) قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصيت الرسول}(3).

369 ـ أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي بالكوفة، قال: حدثنا عباد بن يعقوب أبو سعيد الاسدي، قال: أخبرني السيد بن عيسى الهمداني، عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، عن أبي سعيد الخدري، قال: كانت أمارة المنافقين بغض علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) [في المسجد ذات يوم في نفر من المهاجرين والانصار، وكنت فيهم، إذا أقبل علي (عليه السلام) فتخطى القوم حتى جلس الى النبي (صلى الله عليه وآله) ] وكان هناك مجلسه الذي يعرف فيه، فسار رجل رجلا، وكانا يرميان بالنفاق، فعرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أرادا، فغضب غضباً شديداً حتى التمع وجهه، ثم قال: " والذي نفسي بيده، لا يدخل عبد الجنة حتى يحبني، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا ".

وأخذ بكف علي (عليه السلام)، فأنزل الله عز وجل هذه الآية في شأنهما: (يا أيها الذين ءامنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول) الى آخر الآية(4).

____________

1- المجادلة، الآية: 8.

2- تفسير القمي، ج2، ص 354.

3- المجادلة، الآية: 9.

4- الامالي، الشيخ الطوسي، ج2، ص217.


الصفحة 205

(318) قوله تعالى: {إنّما النجوى من الشيطان ليحزن الذين ءامنوا وليس بضارهم شيئاً إلا باذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون}(1).

370 ـ حدثنا أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: " كان سبب هذه الآية أن فاطمة (عليها السلام) رأت في منامها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) همّ أن يخرج هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) من المدينة، فخرجوا حتى جازوا من حيطان المدينة فعرض لهم طريقان، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات اليمين حتى انتهى بهم الى موضع فيه نخل وماء، فاشترى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة ذرْاء ـ وهي التي في أحد أذنيها نقط بيض ـ فأمر بذبحها، فلما أكلوا ماتوا في مكانهم، فانتبهت فاطمة (عليها السلام)، باكية ذَعِرة، فلم تخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك.

فلما أصبحت، جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحمار، فأركب عليه فاطمة (عليها السلام)، وأمر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) من المدينة كما رأت فاطمة في نومها، فلما خرجوا من حيطان المدينة عرض لهم طريقان، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات اليمين كما رأت فاطمة (عليها السلام) حتى انتهوا الى موضع فيه نخل وماء، فاشترى رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاة ذراء كما رأت فاطمة (عليها السلام)، فأمر بذبحها فذبحت وشويت، فلما أرادوا أكلها قامت فاطمة (عليها السلام) وتنحت ناحية منهم تبكي مخافة أن يموتوا فطلبها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى وقف عليها وهي تبكي، فقال: ماشأنك يا بنية؟

قالت: يارسول الله، اني رأيت البارحة كذا وكذا في نومي، وفعلت أنت كما رأيته، فتنحيت عنكم لان لا أراكم تموتون.

فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصلى ركعتين، ثم ناجى ربه فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا رسول الله، هذا شيطان يقال له: الزها، وهو الذي أرى فاطمة (عليها السلام) هذه الرؤيا، ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به، فأمر جبرئيل [أن يأتي به الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ] فجاء

____________

1- المجادلة، الآية: 10.


الصفحة 206
به الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: له أنت الذي أريت فاطمة (عليها السلام) هذه الرؤيا؟

فقال: نعم يامحمد، فبصق عليه ثلاث بصقات، فشجه في ثلاث مواضع.

ثم قال جبرئيل (عليه السلام): قل يا رسول الله، إذا رأيت في منامك شيئاً تكرهه، أو رأى أحد من المؤمنين، فليقل: أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقربون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصالحون من شرّ ما رأيت من رؤياي، ويقرأ الحمد والمعوذتين وقل هو الله أحد، ويتفل عن يساره ثلاث تفلات، فانه لايضره مارأى، فأنزل الله على رسوله: (إنّما النجوى من الشيطان) الآية "(1).

(319) قوله تعالى: {ياأيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة}(2).

371 ـ محمد بن العباس، عن علي بن عتبة، ومحمد بن القاسم، قالا: حدثنا الحسن بن الحكم، عن حسن بن حسين، عن حيان بن علي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله عز وجل: (ياأيها الذين ءامنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة)، قال: نزلت في علي (عليه السلام) خاصة، كان له دينار فباعه بعشرة دراهم، فكان كلما ناجاه قدم درهماً حتى ناجاه عشر مرات، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد قبله ولا بعده(3).

(320) قوله تعالى: {ألم تر الى الذين تولوْا قوماً غضب الله عليهم ماهم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون * أعدّ الله لهم عذاباً شديداً انهم ساء ما كانوا يعملون * اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين}(4)

372 ـ نزلت في الثاني، لانه مر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهوجالس عند رجل من اليهود يكتب خبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأنزل الله جل وعز: (ألم تر الى الذين تولوْا قوماً غضب الله

____________

1- تفسير القمي، ج2، ص 355.

2- المجادلة، الآية 12.

3- تأويل الآيات، ج2، ص673، ح4.

4- المجادلة، الآية: 14-16.


الصفحة 207
عليهم ماهم منكم ولا منهم) فجاء الثاني الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال له رسول الله: "رأيتك عند اليهود وقد نهى الله عن ذلك؟".

فقال: يا رسول الله، كتبت عنه ما في التوراة من صفتك، وأقبل يقرأ ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو غضبان، فقال له رجل من الانصار: ويلك، أما ترى غضب رسول الله عليك؟

فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، اني انما كتبت ذلك لما وجدت فيه من خبرك؟

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): " يافلان، لو أن موسى بن عمران فيهم قائماً ثم أتيته رغبة كما جئت به لكنت كافراً [بما جئت به] " وهو قوله تعالى: (اتخذوا أيمانهم جنة) أي حجاباً بينهم وبين الكفار، وايمانهم اقرار باللسان فرقاً من السيف ورفع الجزية "(1).



سورة الحشر


(321) قوله تعالى: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتُهُم حُصونهم من اللّه فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يُخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار * ولولا أن كتب اللّه عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار * ذلك أنهم شاقوا اللّه ورسوله ومن يشاق اللّه فإن اللّه شديد العقاب}(2).

____________

1- تفسير القمي، ج2، ص 357.

2- الحشر، الآية: 2-4.


الصفحة 208
373 ـ سبب ذلك أنه كان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود: بنو النضير، وقريظة وقينقاع، وكان بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) عهد ومدة، فنقضوا عهدهم، وكان سبب ذلك من بني النضير في نقض عهدهم، أنه أتاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة، يعني يستقرض، وكان قصد كعب بن الاشرف فلما دخل على كعب قال: مرحباً يا أبا القاسم وأهلا، وقام كأنه يصنع له الطعام، وحدّث نفسه بقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتتبع أصحابه، فنزل جبرئيل (عليه السلام) فأخبره بذلك.

فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى المدينة، وقال لمحمد بن مسلمة الانصاري: " اذهب الى بني النضير، فأخبرهم أن الله عز وجل أخبرني بما هممتم به من الغدر، فاما أن تخرجوا من بلادنا، واما أن تأذنوا بحرب ".

فقالوا: نخرج من بلادكم; فبعث اليهم عبد الله بن أبي، أن لا تخرجوا، وتقيموا وتنابذوا محمداً الحرب، فاني أنصركم أنا وقومي وخلفائي، فان خرجتم خرجت معكم، ولئن قاتلتم قاتلت معكم، فأقاموا وأصلحوا حصونهم وتهيئوا للقتال، وبعثوا الى رسول الله (صلى الله عليه وآله): انا لا نخرج فاصنع ما أنت صانع.

فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكبّر وكبّر أصحابه،وقال لامير المؤمنين (عليه السلام): " تقدم الى بني النضير " فأخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) الراية وتقدم، وجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأحاط بحصنهم، وغدر [بهم] عبد الله بن أبي.

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا ظهر بمقدم بيوتهم حصنوا ما يليهم وخربوا مايليه، وكان الرجل منهم ممن كان له بيت حسن خربه، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر بقطع نخلهم فجزعوا من ذلك، فقالوا: يامحمد، ان الله يأمرك بالفساد؟ ان كان لك هذا فخذوه، وان كان لنا فلا تقطعه; فلما كان بعد ذلك قالوا: يامحمد، نخرج من بلادك فأعطنا مالنا.

فقال: " لا، ولكن تخرجون [ولكم ماحملت الابل " فلم يقبلوا ذلك فبقوا أياماً، ثم قالوا: نخرج ولنا ماحملت الابل. قال: " لا، ولكن تخرجون] ولا يحمل أحد منكم

الصفحة 209
شيئاً، فمن وجدنا معه شيئاً قتلناه " فخرجوا على ذلك، ووقع قوم منهم الى فدك ووادي القرى، وخرج منهم قوم الى الشام، فأنزل الله فيهم: (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ماظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) الى قوله تعالى (ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب) وأنزل الله عليه فيما عابوه من قطع النخل: (ماقطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين) الى قوله: (ربنا إنّك رؤوف رحيم)(1).

وأنزل الله عليه في عبد الله بن أبي وأصحابه: (ألم تر الى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبداً وان قوتلتم لننصرنكم والله يشهد انّهم لكاذبون) الى قوله (لا ينصرون)(2)، ثم قال: (كمثل الذين من قبلهم) يعني بني قينقاع (قريباً ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم)(3). ثم ضرب في عبد الله بن أبي وبني النضير مثلا، فقال: (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال انّي بريء منك انّي أخاف الله رب العالمين * فكان عاقبتهما أ نّهما في النار خالدين فيها وذلك جزاؤ الظالمين)(4)(5).

(322) قوله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون}(6).

374 ـ محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن ادريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن كليب بن معاوية الاسدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فاولئك هم المفلحون)، قال: " بينا علي (عليه السلام) عند فاطمة (عليها السلام) اذ قالت له:

____________

1- الحشر، الآية: 5-10.

2- الحشر، الآية: 11-12.

3- الحشر، الآية: 15.

4- الحشر، الآية: 16-17.

5- تفسير القمي، ج2، ص 358.

6- الحشر، الآية: 9.