الصفحة 13


(1)

إثارات العلمانية الغربية
حول الإسلام





الصفحة 14

الصفحة 15

المقدّمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين وبعد:

فقد كلّفني وشرّفني سماحة العلاّمة الشيخ محمّد السند بتقرير البحوث التي ألقاها في مأتم السّماكين في المنامة في موسم عاشوراء ، فابتدأت بما ألقاه من محاضرات يردّ فيها على إثارات العلمانيين الغربيين من خلال أشهر وأبرز مدارسهم الفكرية وهي العلمانية "السكولارزم" ، المدرسة الفلسفية التي تتبنّى فصل الدين عن الحياة ، ومدرسة التعددية "البلوري ألسم" وهي المدرسة المنطقية التي تتبنّى تعدّد الإدراك، والمدرسة الهرمونطيقية وهي المدرسة الأدبية التي تتبنّى نظرية تعدّد القراءات الأدبية ، وقد قضيت أوقاتاً جميلة كنت أتلذّذ فيها بمتعة العلم والاستدلال وأنا أستمع لأشرطة الكاسيت التي تحتوي تلك المحاضرات وأستنير بكلامه الذي اعتمد فيه سماحته على آراء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) ، حيث كانت ردوده مستمدّة من الفكر الذي ينتمي إلى هذه المدرسة الطاهرة، وأسأل الله العلي القدير أن يوفّقني لكتابة وتدوين باقي محاضراته ، ونسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته، وأن يجمعنا وإيّاه مع محمّد وآل محمّد في دار كرامته إنّه سميعٌ مجيب .

سيد هاشم سيد حسن الموسوي

التاسع من جمادى الأولى 1424 هجرية

الموافق 9/7/2003 ميلادية


الصفحة 16

الصفحة 17

المحاضرة الأولى
الفرق بين الشريعة والدين

محاور المحاضرة:

أوّلا : الإسلام الدين الخالد .

ثانياً : الخطأ الشائع في استخدام مصطلح الدين كمرادف لمصطلح الشريعة .

ثالثاً : النسخ يقع في الشرائع، ولا يقع في العقائد .

رابعاً : مصطلح الدين والشريعة، وقضية الغدير.

خامساً : آية المودّة ، وإلحاق الإمامة بأصول الدين .

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(1) .

وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}(2) .

هذه الآيات وغيرها تثبّت أبديّة الدين الإسلامي ، وأنّه الدين السماوي الخالد. فقوله تعالى: {للعالمين} هو قول مطلق يشمل كل الأُمم التي تأتي بعد النبي محمّد(صلى الله عليه وآله) .

وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ

____________

1- الأنبياء (21): 107.

2- الفرقان (25): 1.


الصفحة 18

وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيماً}(1) .

وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الاِْسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}(2) .

وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الاِْسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الاْخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}(3) .

وهذه الآية مطلقة وعامّة سواءً كان ذلك قبل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعده أيضاً.

الدين الإسلامي خالد

هذا البحث، وهو بحث خلود الدين الإسلامي إلى يوم القيامة، هو بحثٌ أديانيٌ، أو بحثٌ أيديولوجي بالتعبير اللاتيني، يعني: بحثٌ عقائدي .

وهو محل جدل واسع ، وصخب علمي كبير بين الأديان والثقافات الشرقية والغربية والتيارات الفكرية المختلفة سواءً كانت تلك التيارات اجتماعية أو حقوقية أو قانونية ، ومن هذه التيارات تيار العلمانيين من المسلمين أو المتعلمنين من المسلمين أو العلمانيين من الغرب ، ومن المعلوم أنّ للعلمانيين أمواجاً مختلفةً، وأنَّ هذه الأمواج ليست على وتيرة واحدة، والآيات التي ذكرناها تثبّت خلود الإسلام وعالميته.

المجتمعات العلمانية لم تُطلّق الدين طلاقاً مؤبّداً

وما نريد أن نشير إليه هنا أنّ المجتمع الغربي أو مجتمع جنوب شرق أسيا كاليابان ، وهي مجتمعات تعتمد على المؤسسات المدنية ، ويعبّر عنها بالمجتمع

____________

1- الأحزاب (33): 40.

2- آل عمران (3): 19 .

3- آل عمران (3): 85 .


الصفحة 19

المدني ، أنَّ هذه المجتمعات وإن كانت علمانية إلاّ أنّها لم تُطلّق الدين طلاقاً مؤبّداً ، وأنّهم حفظوا ـ ولو بالشكل ـ موروثهم الحضاري الثقافي الديني كلٌّ بحسب دينه سواءً كانوا في اليابان أو في الهند أو في أوروبا المسيحية ; وذلك لأنّ طبيعة المجتمعات البشرية تجعل منها مخزناً تختزن فيه الموروثات الحضارية ، ومن المستحيل أن يبدأ مجتمعٌ بشريٌ من الصفر، بل لا بدَّ أن يرث من الأُمم السابقة ما يرث، فنحن نلاحظ أنّ العلمانيين الغربيين أسماؤهم أسماء مسيحية ، وتكون عندهم إلى جانب القوانين المدنية قوانين كنائسية ، وكذلك أُصول التقنين الغربي متأثّرة بالتقنين المسيحي ، فإذاً هؤلاء العلمانيون الغربيون لم يطلّقوا الدين طلاقاً مؤبّداً ، ولكنّهم حاولوا أن يمزجوا بين الموروث القديم وما ابتكروه من قوانين ، وممّا يدلّل على كلامنا هذا هو أنَّ الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب عندما شنّ حرب الخليج الثانية كان يستنجد بالكنيسة واسم الرب وما شابه ذلك ، وكذلك استخدم جورج بوش الابن تعبير "الحرب الصليبية" بعد الهجوم على نيويورك وواشنطن ، وهذا ما نشاهده عند اليابانيين أصحاب الديانة البوذيّة ، حيث إنّهم لم يطلّقوا ديانتهم طلاقاً مؤبّداً .

الدين واحد والشرائع متعدّدة

من الأخطاء الشائعة في الصحافة والإعلام وبين عامّة الناس هو تعبير "الأديان" ، فنسمع عن حوار الأديان ، والبحث عن أوجه الاختلاف أو التلاقي بين هذه الأديان ، وهذا ما يتعارض مع المفهوم القرآني والمفاهيم التي جاءت بها الأحاديث الشريفة ، حيث إنّ المفهوم القرآني يؤكّد على أنّ الدين واحد وليس متعدّد ، فتكون النتيجة أنّ تعبير "الأديان" تعبيرٌ خاطىء ; لأنّه يتعارض مع الطرح القرآني.


الصفحة 20

وكذلك ينبغي التفريق بين مصطلحات "الدين والشريعة والملّة والمنهاج" التي وردت في القرآن الكريم ، ولابدَّ من تعريف هذه المصطلحات قبل الخوض في البحوث المقبلة ; لأنَّ الكثير من الناس يستخدم الدين كمصطلح مرادف للشريعة ، وهذا من الاستخدام اللغوي والديني الخاطىء.

الدين: عبارة عن مجموعة من أُصول اعتقادية ، وأُصول معارف كونية ، ويضمّ اليه أركان الفروع ، ويضمّ إلى الفروع الآداب.

الشريعة: الشريعة تختلف عن الدين ; لأنّ الإسلام اسم للدين وليس للشريعة .

وتسمّى الشريعة المحمّدية(صلى الله عليه وآله) ، كما توجد شريعة موسوية ، وشريعة عيسوية ، وشريعة نوحية ، وشريعة إبراهيمية.

والشريعة لغةً هي الضفّة الجانبية المتفرّعة من رافد النهر ، وهذا ما يحدّثنا به أرباب المقاتل عندما يتحدّثون عن العباس حين استقى الماء من الشريعة.

قال ابن منظور في لسان العرب: "والشرعة والشريعة في كلام العرب : مشرعة الماء وهي مورد الشاربة التي يشرعها الناس فيشربون منها ويستقون"(1) .

الأُسس هي منطقة الدين ، أُصول الاعتقاد وأُصول المعارف هي التي تمثّل دائرة الدين ، أمّا الدائرة التي هي أكثر تشعّباً وأكثر ترامياً وأكثر بُعداً عن المركز هي دائرة الشريعة ، وتشتمل على تفاصيل الأحكام والقوانين.

قال تعالى: {لِكُلّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}(2) .

ولم يستخدم تعبير "لكل جعلنا منكم ديناً ومنهاجاً" ; وذلك لأنّ الدين واحد. فدين نوح وإبراهيم وموسى عيسى ومحمّد هو دين واحد ، وأصحاب الشرائع هم

____________

1- لسان العرب 7: 86، مادة "شرع".

2- المائدة (5): 48.


الصفحة 21

الأنبياء أولوا العزم ، وهذا ما ورد عن المعصومين حيث وصفوهم بأنّهم أصحاب شرائع ، وليس أصحاب أديان متعددة ، بل بُعثوا بدين واحد(1) .

النسخ يقع في الشرائع ، ولا يقع في العقائد

هل يعقل أن يأتي آدم(عليه السلام) بدين وعقائد حقّة ، ثمّ تكون هذه العقائد مؤقّتة بزمن معيّن ، فيأتي نوح(عليه السلام) وينسخ العقائد التي أتى بها آدم ، ثمّ يأتي إبراهيم وينسخ العقائد التي أتى بها نوح(عليه السلام) وهكذا؟!

إنَّ هذا أمر لا يعقل ; لأنّ الدين عبارة عن رؤى كونية ، وإذا كانت هذه الرؤى الكونية صادقة فهي غير قابلة للتبديل والتغيير.

فيستحيل نسخ التوحيد أو المعاد أو النبوة ، وإنّما يقع النسخ في الشرائع.

بل حتّى أركان الفروع هي من الدين ولا يقع عليها النسخ ، فأصل وجوب الصلاة والزكاة ثابتة في شريعة كلّ نبي ، قال تعالى على لسان عيسى :

{وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً}(2).

وكذلك الحجّ فكلّ الأنبياء حجّوا بيت الله الحرام ، وكذلك الجهاد والصوم. نعم ، قد يختلف شكل الصلاة أو الصيام ، ولكن أصل وجوبها ثابت في كلّ الشرائع ، وهذا ينطبق على المحرّمات وتحريم الفواحش كالزنا والخمر ، فأصل تحريم الفواحش ثابت في كلّ الشرائع وإن اختلفت سعة وضيقاً ، حتّى أُصول أحكام الأسرة والزوجية والتعاقد التجاري وتحريم الربا ; ولذلك فإنّ الله تعالى يندّد بالمجتمع اليهودي ; لأنّه يتعامل بالربا.

____________

1- الفصول المهمة 1: 428، الحديث 587.

2- مريم (19): 31 .


الصفحة 22

قال تعالى: {وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ}(1). وتحريم الربا يدخل ضمن أركان أُصول التشريع ، وهذه الأركان تدخل ضمن إطار الدين وليس الشريعة.

قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}(2).

فصاحب الشريعة اللاحقة لا يُكذّب دين صاحب الشريعة السابقة ، بل يُصدّقه في منطقة دائرة الدين من حيث إنّ الدين واحد لا يتعدّد.

قال تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الاِْسْلاَمُ}(3).

ومفهوم هذه الآية لا يقتصر على أنّ الدين بعد محمّد(صلى الله عليه وآله) هو دين الإسلام ، بل مفهومها يشمل كلّ الأزمان من لدن آدم إلى يوم القيامة، فالدين عند الله الإسلام منذ بدء الخليقة .

قال تعالى: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}(4).

فالدين لا يقبل النسخ . نعم ، قد تزداد معارف نبي عن نبي آخر ، وأكملها وأوسعها وأعمقها ما بعث بها النبي الخاتم(صلى الله عليه وآله) لمنزلته من القرب الإلهي حيث إنّ الإحاطة التي زوّد بها(صلى الله عليه وآله) ، والرؤى الكونية التي يمتلكها أوسع ممّن سبقه من الأنبياء.

قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ}(5) .

فالقرآن الكريم مهيمن على ما سبقه من كتب ; لأنّ فيه من المعارف الجمّة مالم

____________

1- النساء (4): 161 .

2- المائدة (5) : 48 .

3- آل عمران (3): 19 .

4- الروم (30): 30 .

5- المائدة (5): 48 .


الصفحة 23

يتعرّف عليه من خلال الشرائع السابقة . نعم ، الدين في حالة تبلور وتجلّي أكثر من قبل السماء إلى البشرية، هذا صحيح ومقبول ، أمّا أن نقول بوجود النسخ في الدين فهذا مستحيل ; لأنّه متعلّق بالعقائد كما مرّ ، ولا يقع النسخ إلاّ في الشرائع ، وذلك حسب الظروف والبيئات.

آيات قرآنية تدلّ على أنَّ الدين واحد

قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}(1).

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ}(2).

وقال تعالى على لسان إبراهيم ويعقوب: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِىَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(3).

وقوله تعالى على لسان السحرة بعد أن تابوا وواجهوا فرعون: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}(4).

وقوله تعالى على لسان يوسف(عليه السلام) : {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}(5) .

وقوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالاَْسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِىَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد

____________

1- الشورى (42): 13 .

2- الأنعام (6): 161 .

3- البقرة (2): 132 .

4- الأعراف (7): 126 .

5- يوسف (12): 101 .


الصفحة 24

مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(1) .

الدين عند الله الإسلام بصورة مطلقة عند كلّ الأنبياء ، كما هو واضح في الآيات المتقدّمة.

الشريعة والدين وقضية الغدير

نشير إلى هذه القضية وإن لم تكن من صلب الموضوع إلاّ أنّها ثمرة من ثمار التفريق بين الشريعة والدين ، وجديرٌ بنا أن نجني هذه الثمرة .

قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاِْسْلاَمَ دِيناً}(2) .

وبناءً على ما ذكرنا من الفرق بين الدين والشريعة يتّضح أنّ هذه الآية النازلة في قضية الغدير وفي ولاية علي(عليه السلام) ، تجعل قضية الإمامة وتنصيب علي(عليه السلام)تحت مظلّة الدين وليس تحت مظلّة الشريعة ، وهذا يدلّل على أنّ الإمامة من أُصول الدين وليس من فروع الدين ، وأنّ إمامة علي(عليه السلام) كانت من صلب الدين الذي بعث به الأنبياء ; لأنّهم جميعاً بعثوا بدين الإسلام ، كما أثبتنا من خلال الآيات السابقة ومن خلال قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الاِْسْلاَمُ}(3) .

الدين عند الله الإسلام بصورة مطلقة عند كلّ الأنبياء ، كما هو واضح في الآيات المتقدّمة .

والذي هو عند كلّ الأنبياء السابقين وليس عند النبي محمّد(صلى الله عليه وآله)لوحده كما مرّ سابقاً.

____________

1- البقرة (2): 136 .

2- المائدة (5): 3 .

3- آل عمران (3): 19 .


الصفحة 25

إذاً تكون النتيجة أنّ ولاية علي(عليه السلام) من صلب الدين الذي بعث به كلّ الأنبياء السابقين.

ونستنتج أيضاً أنّ الدين من دون ولاية علي(عليه السلام) غير مرضي عند الله ; لقوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمْ الاِْسْلاَمَ دِيناً}(1). ومن غير المعقول أبداً أن يبعث الأنبياء بدين غير مرضي عند الله.

وقد جاءت الروايات الكثيرة التي تؤكّد أنَّ ولاية علي(عليه السلام) قد بعث بها الأنبياء السابقين(2) .

وولاية علي لم تر الوجود في يوم الغدير ، وإنّما هي موجودة قبل ذلك ، وإنّما أظهرت وأبرزت في ذلك اليوم ، كما أنّ التوحيد موجود قبل محمّد(صلى الله عليه وآله) ، ولكن أظهر وأبرز ببعثته(صلى الله عليه وآله) ، فكذلك كانت قضية الغدير.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}(3).

وهذه الآية أيضاً تدلّ على أنّ الإمامة ركن ركين من الدين وليست قضية ثانوية في الشريعة ; لأنّ عدم التبليغ بإمامة علي(عليه السلام) تساوي عدم تبليغ الرسالة بأكملها كما تنصّ الآية.

آية المودّة وقضية الإمامة

وقال تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(4) . الضمير "عليه"

____________

1- المائدة (5): 3 .

2- الاختصاص 12 : 250 .

3- المائدة (5): 67 .

4- الشورى (42): 23 .


الصفحة 26

راجع إلى الإسلام على رأي بعض المفسّرين(1) أو راجع إلى الجهد والمعاناة التي عاناها النبي(صلى الله عليه وآله) في تبليغ الرسالة الإسلامية.

مودّة أهل البيت(عليهم السلام) جعلت أجراً للرسالة ، والأجرُ هو العدل أو المعاوضة ، فيكون عندنا عوض ومعوّض ، وينبغي أن تتوفّر المساواة بينهما ، فليس من الصحيح أن تشتري جوهرةٌ ثمينةٌ بثمن بخس .

فإذا كانت مودّة أهل البيت(عليهم السلام) في كفّة والكفّة الأُخرى فيها الإسلام أو معاناة الرسالة التي قيمتها بلحاظ نفس الدين، إذاً نستنتج من الآية بأنّ المودّة لأهل البيت(عليهم السلام) ليست من الشريعة ، بل هي ركن ركين من أصول الدين ; لأنّ أجر الرسالة ليس من المناسب إدراجه في الشريعة ، والله هوالذي أعطى هذا المقام لأهل البيت(عليهم السلام) ، وعندئذ لا محلّ لاتهام الشيعة بالغلو في أهل البيت(عليهم السلام) ; لأنّ الله هو الذي وضعهم في هذا الموضع الرفيع ، والله ينهى عن الغلو ، فإذا وضعهم الله في الموضع الرفيع فإنّ هذا الموضع ليس من الغلو في شيء .

وهذه المودّة مخصوصة بالمعصومين الأربعة عشر ، ولا تشمل جميع السادة ـ أبناء الرسول(صلى الله عليه وآله) ـ وإن كان يترشّح منها الاحترام لهم والتقدير .

____________

1- الميزان في تفسير القرآن 18: 42 .


الصفحة 27

المحاضرة الثانية
المدارس الغربية الحديثة التي واجهت الكنيسة
وتحكّم رجال الدين المسيحيين

محاور المحاضرة:

أوّلا : الأجواء التي نشأت فيها العلمانية.

ثانياً : مدرسة العلمانية " السكولارزم " ـ فصل الدين عن الحياة السياسية والاجتماعية ـ " مدرسة فلسفية " .

ثالثاً : مدرسة " البلوري ألسم " ـ تعدد الإدراك " مدرسة منطقية " .

رابعاً : مدرسة الهرمونطيقية ـ تعدّد القراءات ـ " مدرسة أدبية " .

الأجواء التي نشأت فيها العلمانية

في البداية نستعرض لمحة تاريخية عن علاقة أوروبا بالمسيحية والعلمانية .

دخلت أوروبا الغربية في الدين المسيحي في القرن الثاني الهجري ، أي: السادس الميلادي .

وهذا أمرٌ مؤسف ، ووجه الأسف ليس الانتقال من الوثنيّة إلى المسيحية ، وإنّما وجه الأسف هو أنَّ الدين الإسلامي وهو في ريعان شبابه فاتته فرصة إدخال هؤلاء القوم في الإسلام ، وكانت النتيجة أن احتضن المسيحيون المبشّرون الذين انطلقوا من الروم أو اليونان إلى أوروبا الغربية لدعوتهم إلى الدين المسيحي ،


الصفحة 28

واستمر الدين المسيحي بقوّة في تلك البلدان إلى أن وصل إلى القرن الثامن عشر الميلادي ، وفي هذه الفترة بدأت تعلو الصيحات الثورية على غطرسة الملوك والنظم السياسية الغربية التي كانت تحرق الطبقات الفقيرة بنار الفقر وسطوة الاضطهاد ، وفي هذا الجو ظهرت التيارات المعادية لهذه الأنظمة .

وتحالف الملوك ورجال الكنيسة ، فرجال الكنيسة يعطون الملوك الشرعية فيما يعملون ، والملوك يدعمون رجال الكنيسة بنفوذهم ، وأمام هذا التحالف بدأت قوى إصلاحية تعتمد على مواجهة الملوك وتحطيم شرعية الكنيسة المتحكّمة في المجتمع آنذاك ، فبدأت عمليات تنظير عديدة ، وإن لم تنتج عن انفصال أبدي للدين كما قلنا سابقاً ، إلاّ أنّها كانت تستهدف الحدّ من هيمنة الدين المسيحي على المجتمع .

وعدم حدوث الانفصال الأبدي هو أنّ سرّ الخلقة مرتبطة بالجانب الروحي والغيبي ، وأنّ الدين حتّى وإن حُرّف يكون قابلا للتأثير في المساحة غير المحرّفة منه ، حتّى الديانات الهندية قد يكون بعضها لها أُصول سماوية ; لأنّ الأنبياء كانوا منتشرين في بقاع العالم قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّة إِلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِيرٌ}(1).

حتّى بعض أصول البوذية تتوافق مع الديانات السماوية الأُخرى، وهذا ينطبق على بعض الديانات الموجودة في شرق آسيا.

وفي هذه الأجواء تبلورت ثلاث مدارس فكرية تأثّر بها المتّفقون والجامعيّون المسلمون ، ونتج عن هذه المدارس ما نسمّيه بالعلمانية.

والعلمانيون الغربيون يتنبّؤون بسقوط الدين الإسلامي ، كما سقطت المسيحية .

ونحن نقول لهم إنّ المسيحية لم تسقط ، وإنّما سقط التحالف بين رجال الكنيسة

____________

1- فاطر (35): 24 .


الصفحة 29

الذين كانوا يبحثون عن مصالحهم الدنيوية والطبقات الإقطاعية متمثّلة في ملوك الظلم والاضطهاد.

المدرسة الأولى: العلمانية "السكولارزم" فصل الدين عن السياسة والمجتمع

وهي مدرسة فلسفية أيديولوجية تبنّاها مجموعة من فلاسفة القانون والحقوق والسياسة ، ولهذه المدرسة عدّة اتجاهات ، ولكنّها تعتمد أساساً على نظرية فصل الدين عن النظام السياسي والاجتماعي ، وأنّ الدين عبارة عن طقوس عبادية ورياضات روحية ، هدفها إشباع الظمأ الروحي عند الإنسان ، فالروح لها برنامجها الخاص ، والدين معترفٌ به بهذا المقدار في هذه المدرسة ، سواءً أكان هذا الدين دينٌ سماويٌ حقيقي أم كان دين خرافي زائف ، وهذه النظرية لا يعنيها حقّانية الدين أو بطلان إلاّ أنّها ترى أنّه ضروري لإشباع حاجات الإنسان الروحية ، وكلمة "سكولار" تعني باللاتينية "الفصل" ; لأنّ هذه النظريّة تفصل الدين عن باقي الأُمور السياسيّة والاجتماعيّة والنظام المالي وغيره.

ولازالت هذه النظرية لها تأثيرات فكرية إلى يومنا هذا بالرغم من مرور قرنين من الزمان عليها ، والنظام الغربي الحالي ينتمي إلى هذه المدرسة .

المدرسة الثانية: نظرية التعددية "البلوري ألسم"

وهي مدرسة منطقية وليست مدرسة فلسفية ، وتعتمد على منهج الإدراك وكيفية استقاء المعلومات ، والمناهج المنطقية القديمة والحديثة ، والغربية والشرقية ، والمادية وغير المادية ، جميعها تهتمّ بكيفية الإدراك ونظم المعلومات والاستنتاج من تلك المعلومات .


الصفحة 30

تعتمد هذه النظرية على أساسين :

1ـ إنَّ الإنسان لا يستطيع أن يحيط بالحقيقة بمفرده.

2ـ إنّ الإنسان وإن قدر على إدراك بعض الحقيقة ، ولكن لا يستطيع إدراكها كلّها .

العلماء جميعاً يبحثون عن الحقيقة ، سواءً كانوا من العلماء الذين يؤمنون بالغيب أو كانوا من العلماء الماديين ; لأنّهم يؤمنون بالعلوم التجريبية بحثاً عن الحقيقة .

القائلون بهذه النظرية يقولون بما أنّك لا تستطيع أن تدرك الحقيقة بمفردك ، وأنّك إذا أدركت بعضها لا تدركها كلّها ، إذاً فالآخرين أيضاً يمتلكون سهماً من الحقيقة ، فالحقيقة أشبه ما تكون بالشركة المساهمة بعض أسهمها عندك والأسهم الأُخرى عند الآخرين ، ومن هنا لا يحق لك أن تخطّىء الآخرين ، وتفنّد آراءهم من منطلق تعدّد الإدراك ونسبية إدراك الحق أو الحقيقة ، فكل رأي من الآراء ـ في نظرهم ـ يجب أن يكون في دائرة الاحتمال ، وهناك من تأثّر بهذه النظرية ، فقال: إنّ كلّ الأديان حق ، وكلّها توصل إلى الله تعالى ، بحجّة أنّ الإسلام أو نبي الإسلام لا يملك كلّ الحقيقة ، ومن هنا قبلوا بتعدّد الأديان ، وأنّها كلّها حق .

وهذه النظرية تكون مفيدة إذا وضعت لها شروط ، وقيّدت بقيود معيّنة ، أمّا تركها على إطلاقها فذو نتائج سلبية مهلكة ، وعلى سبيل المثال فسح المجال أمام الشذوذ الجنسي بعنوان الحرية ، وتعدّد الآراء ، فتكون النتيجة أنّك لا تستطيع أن تمنع هذه الحالة ; لأنّك لا تملك الحقيقة ، وإذا عرفت شيئاً منها فإنّك لن تحيط بها كلّها وهذه النظرية تجتاح الكثير من المباحث ، فهناك من يؤمن بالاستنساخ للفرد البشري رغم مضارّه الجمّة بالحجّة نفسها ، والجدير بالذكر أنَّ لكلّ نظرية عدّة اتجاهات ولها منظورها وآراؤها وفرقها ، ولكن نحن نركّز على الفكرة الرئيسية


الصفحة 31

لكلّ مدرسة من هذه المدارس.

المدرسة الثالثة: المدرسة الهرمونطيقية

وهي مدرسة أدبية تختلف عن مدرسة العلمانية "السكولارزم" الفلسفية والتعددية "البلوري ألسم" المنطقية ، وهذه المدرسة تعني بالعلوم النقلية وكيفية قراءة وفهم النص ، سواءً كانت نصوص سماوية كالتوراة والإنجيل والقرآن ، أو كان نصاً بشرياً .

وكان روّاد هذه المدرسة فلاسفة من آلمان متخصّصون في الألسنيات وعلوم اللغة.

وعلى المستوى السياسي هناك تأثير كبير في مجريات الأحداث جرّاء التأثّر بهذه النظرية ، فمثلا : لو أصدرت منظمة الأمم المتحدة بياناً تدعم فيه العرب والمسلمين ، ثمّ أتى بعض المتخصّصين اليهود ، وحاولوا قراءة النص قراءةً تدعم مصالحهم معتمدين على تعدّد القراءات .

والفرق بين هذه المدرسة ومدرسة التعددية "البلوري ألسم" هو أنَّ المدرسة الهرمونطيقية تعتمد على تعدّد القراءات للنص ، بينما التعددية "البلوري ألسم" تعتمد على تعدّد الإدراك .

والمدرسة الهرمونطيقية ترفض القراءة الفردية للنص ، وهي تتعامل مع النص كما تتعامل مع اللغز الذي له العديد من الحلول ، فتسمح بقراءة النص من القراءات المتعددة ، وتقبل كلّ هذه القراءات ، ونقصد من القراءات هنا الدلالات والاستظهارات والاستنباطات والأفهام .

ومن هنا ترفض هذه المدرسة رفضك لأيّ رأي من الآراء ، فربما فهمت أنت شيئاً معيّناً من قراءتك ، وتكون لصاحب الرأي قراءة مختلفة عن قراءتك يستطيع


الصفحة 32

من خلافها أن يبرّر ما تنتقده أنت .

ولهذه النظرية ثمارٌ إيجابية ومهمّة جدّاً وإن لم تكن جميع هذه الثمار إيجابية إلاّ أنّ بعضها مفيد ونافع ، وهذه النظرية معترف بها في المحافل الأكاديمية والبحوث الجامعية والعلوم الإنسانية .

وتقول هذه النظرية : إنَّ المعنى هو وليد ذهن القارىء والسامع وليس وليد ذهن المتكلّم والكاتب ، وبناءً على هذا فمن حق الإنسان أن يُعدِّد القراءات للنص الواحد ، فمثلا : قراءة التوراة والإنجيل والقرآن أو قراءة قانون معيّن أو قراءة الدستور نجد في كلّ هذه الأُمور جدلا سياسياً وقانونياً محتدماً في تفسير النص بين الأحزاب والمجموعات في البلد الواحد ـ فضلا عن الدول المختلفة ـ وكلّ منها يدّعي الوصل بليلى ، ويجرّ النار إلى قرصه ، ويدّعي أنّه على حق ، ويفسّر النص ، ويقرأه حسب ما يتطابق مع مصالحه ومشتهياته .

الأثر الإيجابي للمدرسة الهرمونطيقية على النقد الأدبي

وظيفة الناقد الأدبي هي تحليل النص الأدبي بتوسّط علوم اللغة ، وطبعاً لا يقتصر على المفردات ، وإنّما يشمل النحو والصرف والبلاغة والاشتقاق اللغوي وغيرها ، سواءً كان هذا النقد في اللغة العربية أم غيرها .

ويستطيع الناقد الأدبي أن يستخرج من قصيدة شعرية أو نص نثري في زمان غابر ـ العصر الجاهلي على سبيل المثال ـ البيئة الجغرافية التي كان الشاعر يعيش فيها ، والجو النفسي والمحيط الاجتماعي والنظام السياسي والعادات والتقاليد في ذلك المجتمع ، والنظام الأُسري فيه والحقائق التاريخية وغيرها ، ومن هذا العمل يستطيع الناقد الأدبي أن يخدم علوماً عديدة ، ويقدّم لها معلومات مفيدة في هذا المجال ، كلّ هذا يتمّ من خلال التحليل الأدبي الذي يقوم به الناقد ، ووظيفة هذا


الصفحة 33

الناقد شبيهة بعمل عالم الآثار الذي يستطيع من خلال القطعة الأثرية أن يحدّد الزمان الذي تنتمي إليه هذه القطعة من خلال الأدلة والبراهين التاريخية .

هذه بعض إيجابيات هذه النظرية ، ولا يعني كلامنا هذا أنّ هذه النظرية خالية من السلبيات . نعم ، هناك بعض السلبيات التي سنذكرها لاحقاً .

وتعدّد القراءات شبيهٌ بالتأويل الذي يقول به أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)وإن كان مرفوضاً من قبل المدارس الإسلامية الأُخرى ، فالتأويل هو نوع من تعدّد القراءات ، وهو أمرٌ إيجابيٌ إذا كان خاضعاً لضوابط وقوانين تحكمه ، أمّا إذا كان بشكل عشوائي وغير مستند إلى البراهين والأدلة ، وكان بشكل سائب ، يكون بلا شك أمراً سلبياً مضرّاً بفهم النص.

فتعدّد القراءات هو تجاوز القشور في النص ، والغوص في أعماق النص كي يستخرج منه المعاني المكنونة في بواطنه .

نعم ، البعض يرمي مذهب أهل البيت(عليهم السلام) أنّه مذهبٌ باطني وغنوصي ; لأنَّ هؤلاء يرفضون فكرة التأويل جملة وتفصيلا ، وهذا خطأ.

نعم ، لو طالب هؤلاء بإيجاد أُسس وموازين لهذا التأويل لاتّفقنا معهم ، وهؤلاء يقرّون بجدارة المدرسة الهرمونطيقية ، ولكنّهم حين يأتون إلى التأويل يرفضونه مع أنَّ الأمرين يحملان نفس المعنى ; ولهذا فهم يناقضون أنفسهم بأنفسهم .

والتأويل مثبت في القرآن الكريم ، قال تعالى:

{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ}(1) .

الغريب أنّ البعض ينفي التأويل بصورة كلية ، وهذا يتناقض مع الحديث القائل

____________

1- آل عمران (3): 7 .