الصفحة 34

بأنّ القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق .

ورفض التأويل بهذه الطريقة هو تحجيم للنص القرآني ، حيث تكون القراءة مقتصرة على الظاهر والقشور.

قال تعالى:

{فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَاب مَكْنُون* لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ* تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(1) .

فالقرآن يصرّح بأنّ له حقيقة مكنونة ، ولا يمسّه إلاّ المطهّرون ، ولم يقل تعالى : المتطهّرون ، بل قال: المطهّرون ، وهم الذين طهّرهم الله تعالى ، حيث قال :

{إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(2) .

فدرجات القرآن ليست واحدة ، قال تعالى:

{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْح مَحْفُوظ}(3) .

مجيد ، أي : ذو مجد وعظمة ، أي : له درجات غيبية في لوح محفوظ عن أن يناله الإنس والجن .

وقال تعالى متكلّماً عن القرآن الكريم:

{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}(4) .

فهل من المعقول أن تحلّل القصيدة تحليلا عميقاً ، وأن تقف عند قشور القرآن بحجّة رفض التأويل؟!

____________

1- الواقعة (65): 75 ـ 80 .

2- الأحزاب (33): 33 .

3- البروج (85): 21 ـ 22 .

4- العنكبوت (29): 49 .


الصفحة 35

المحاضرة الثالثة
إثارات العلمانيين الغربيين حول الإسلام

محاور المحاضرة :

أوّلا : شبهة أنّ النبوة نوع من النبوغ البشري.

ثانياً : شبهة أنّ النبي لا يملك الحقيقة.

ثالثاً : شبهة أنّ توقف النبوة تعني نضوج البشرية واستغناؤها عن السماء.

في البداية نودّ أن نذكر أنّ الدين الإسلامي أقوى من هذه الإثارات والإشكالات ، وأنّه لا يزداد إلاّ قوّة ونصاعة وثباتاً بعد هذه الرياح التي تهب عليه من هنا أو هناك .

البعض ينظر إلى الدين على أنّه أسطورة ليس إلاّ ، والبعض يرتاح إلى الدين ، ليس إيماناً منه بأنّه منزل من عند الله ، ولكن لأنّ الدين يحارب الجريمة ، وينظّم المجتمع .

ومن خلال النظريات والمدارس التي ذكرناها حاول الغربيون أن يوجّهوا العديد من الإشكالات على الدين الإسلامي ، وعلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ; لأنّه المذهب الأكثر تمسّكاً بالحجج المنطقية ، وتطابق العلوم الدينية مع العقل والمنطق .

وسنطرح الإثارات ونردّ عليها حسب مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، وأمّا حسب باقي المذاهب الإسلامية فالرّد عليها ممتنع ، بل إنّهم يتبنّون نفس المباني التي يثيرها


الصفحة 36

العلمانيون الغربيون ، ويكررها العلمانيون من المسلمين والعرب ; لأنّ هؤلاء يطرحون ما يطرحه الغربيون ، وترجع أساساً إلى المدارس التي ذكرناها .

ومن الإثارات المطروحة هي أنّ الباري سبحانه وتعالى ذاتٌ أزلية غير محدودة في اعتقاد الموحّدين الذين يعتقدون بالألوهية ، فذات الباري غير متتاهية ، ولا يشك أحدٌ في ذلك من أصحاب الديانات السماوية ، بل وحتّى المشركين يعدّون من الملل الإلهية ; لأنّهم يقولون بوجود الإله ، وهم لم يبنوا فكرهم على الوثنية إلاّ لأنّهم يقرّبونهم إلى الله زلفى ، وأمّا الملحدون الذين يؤمنون بالمادة فكلّ البشر يذعنون بفطرتهم أنَّ هناك حقيقة غير متناهية في الوجود وإن اختلفوا في تسميتها ، والإثارة المطروحة هي :

كيف يمكن للنبي (صلى الله عليه وآله) الإحاطة بكلّ الحقائق ، وهو مخلوق ولا يحيط بالحقائق كلّها ، وأنّنا إذا سلّمنا بكلّ ما قاله محمّد(صلى الله عليه وآله) فإنّ العقل البشري سيصيبه الجمود وتتعطّل عجلة الفكر الإنساني.

وهم يعبّرون عن النبوة بأنّها نوعٌ من التجربة البشرية شبيهة برياضة المرتاضين والمتصوّفة ، وأنّ النبوة نوعٌ من أنواع النبوغ البشري ، إذاً فمصدر عظمة الأنبياء هو العقل أو الروح.

والمذاهب الإسلامية الأخرى ـ غير مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ـ يقولون بأنّ النبي علومه محدودة في إطار التشريع ، وهذا ما يرويه مسلم بأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) مرّ بقوم يلقّحون. فقال "لولم تفعلوا لصلح" قال فخرج شيصاً فمرّ بهم فقال: "ما لنخلكم"؟ قالوا: قلت كذا وكذا ، قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم(1) .

____________

1- صحيح مسلم 4: 1464، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي، الحديث 2363 .


الصفحة 37

وهم يقولون في مواضع عديدة بأنّ النبي اجتهد فأخطأ(1) ، وفي كتب أصول الفقه عندهم يذكرون موارد اجتهاد النبي ثم تخطئته(2) ، ويذكرون أنّ القرآن نزل موافقاً لرأي الصحابة ومخطئاً لرأي النبي(صلى الله عليه وآله)(3) .

ولو حوّلنا جملة "أنتم أعلم بأمر دنياكم" التي ينسبونها إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى التعبير اللاتيني لأصبحت "سكولار" فصل الدين عن الحياة العامة ، أو كما يقال : ما لله لله وما لقيصر لقيصر ، إذاً هذا الطرح موجود في المذاهب الإسلامية الأخرى غير مذهب أهل البيت(عليهم السلام) .

ونستطيع أن نقول أنّ المذاهب الإسلامية الأخرى تمثّل العلمانية القديمة في محتواها وفي معناها ، وهذه ليست مجرد روايات مذكورة ، وإنّما هم يتبنّونها ويبنون عليها آثار كثيرة .

وفي ذيل هذه الآية: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَلاَ نَبِىّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(4) .

يرون أنّ النبي قد تسلط الشيطان على قلبه وروحه ، ثم حكى آيات ليست من عند الله ، وتسمى هذه القضية قضية الغرانيق ، "أفرأيتم اللاّت والعُزّى ومناة الثالثة الأُخرى وإنهنّ من الغرانيق العلا وإنّ شفاعتهم لترتجى"(5) . وأنّ قريش قد

____________

1- عمدة القاري شرح صحيح البخاري 18: 61 ، كتاب المغاري ، باب 81 في حديث كعب ابن مالك .

2- الإحكام في أصول الأحكام 4: 221 فما بعدها ، الاجتهاد بالرأي في مدرسة الحجاز الفقهية: 112 فما بعدها .

3- صحيح البخاري 1: 308 ، كتاب الجنائز ، باب الكفن في القميص الذي يكف ، الحديث 1269 .

4- الحج (22): 52 .

5- مجمع الزوائد 6: 24 ، الحديث 9850 .


الصفحة 38

استبشرت بمداهنة الرسول لها ، فنزل جبرئيل وسدّد النبي ، وقال له : إنّ تلك الآيات آيات شيطانية وليست آيات رحمانية ، القضية ليست مذكورة في كتب الحديث فحسب ، بل توجد في كتب الأصول والتفسير والكلام .

والنص في كتاب البخاري لا يذكر لفظ الغرانيق ، وإنّما يذكر أنّ الشيطان يلقي في قراءة النبي(صلى الله عليه وآله)(1) ، وإن اختلف النص إلاّ أنّ المعنى واحد ، والإيمان بهذه الأُمور في حق النبي ، يعني فيما يعني الإيمان بالبلو ري ألسم وتعدّد الإدراك ، وأنّ كلام النبي(صلى الله عليه وآله) ، قد يصيب وقد يخطىء ، وأنّ النبي لا يدرك كلّ الحقيقة ، وليس له أن يفنّد رأي الآخرين ، وهذا ينتج منه عدم صحة القول بخلود الشريعة الإسلامية ، وكيف تخلد وهي لا تمتلك الحقيقة؟!

ومن ثم يظهر لنا مصطلح عقلنة الخطاب الديني ، وهناك من يطرح نفس الطرح حتّى من وسطنا الداخلي ، ويقولُ : إنّه يحق للعقل أن ينتقد بعض خطوات الأنبياء من باب البلوري السم أو تعدّد الإدراك.

وهم يفسّرون {خاتم النبيين}(2) ، وقوله(صلى الله عليه وآله): "لا نبي بعدي"(3) ، أنَّ إرسال الرسل إلى الأُمم السابقة إنّما حدث بسبب عدم تأهّل تلك الأُمم ، وأنّها لم تبلغ سن الرشد ، فلذلك احتاجت إلى نبي يرشدها ، أمّا الأُمم من بعد محمّد(صلى الله عليه وآله)فهي قد بلغت سن الرشد ، ولا تحتاج إلى قيمومة ووصاية السماء ، وهي قادرة بواسطة الحوار والمجتمع المدني والديمقراطية والتجارب العملية والانفتاح والحرية على الاستغناء عن السماء وشريعتها ، فيكون خاتم الأنبياء .

وهم يقولون : إنَّ الشريعة لا تعالج الأُمور المعاشية والمتعلّقة بالحياة العامة ،

____________

1- صحيح البخاري 3: 238 ، كتاب التفسير، سورة الحج .

2- الأحزاب (33): 40 .

3- مسند أحمد 3: 114 ، الحديث 1532 .


الصفحة 39

فأين قوانين النظم العسكرية والمصارف والبنوك والاقتصاد والإدارة وغيرها؟ وهذا الإشكال وقعت فيه المذاهب الإسلامية الأُخرى وإن هم أنكروا على العلمانيين الغربيين والعلمانيين المسلمين ، بل كفّروهم أو حكموا بضلالهم ، ولكنّهم يتبنّون نفس المعنى وإن اختلف اللفظ ، فهم يتخبّطون في فهم قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء}(1) بعد أن أقرّوا أنّ القرآن ليس تبياناً لكل شيء من أُمور الدنيا ، فبعضهم قال: إنّ القرآن ليس فيه تبيان لكل شيء من الدين والدنيا ، وإنّما فقط من الدين ، مع أنّ بعض المفسّرين كالمفسّر الطنطاوي له تفسير يبيّن فيه المعجزات العلمية العديدة التي ذكرها القرآن ثمّ أثبتها العلم بعد عدّة قرون.

والذين قالوا : إنّ القرآن فيه كل شيء من الدين اصطدموا بأنّ القرآن ليس فيه كل شيء من الدين ، فيقول البعض ـ متوسّلا في الخروج من هذه المشكلة ـ : إنّ السنّة النبوية داخلة في هذا النطاق ; لقوله تعالى: {مَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(2) ، فتكون السنة النبوية داخلة في تبيان لكل شيء المذكور في الآية الكريمة ، وعندما رأوا أنّ السنة ليس فيها تبيان لكل شيء ضمّوا لهما الإجماع باعتبار مصدراً من مصادر التشريع ، وأنّه حجّة ، ولكن هذا لم يحل المشكلة ، ثم ضمّوا القياس والظن والرأي(3) .

ومن هنا فإنّهم وقعوا في مشكلة أنّ القرآن والسنة ليس فيهما تبيان لكل أُمور الدين ـ فضلا عن الدنيا ـ ففتحوا باب العقول والتجارب البشرية ، وهذا عين ما يدعو إليه العلمانيون ، وهم كفّروا نصر حامد أبو زيد ، ونحن لسنا بصدد تصحيح مسلكه ، ولكن نقول: إنّ ما طرحه هو تتبنّونه أنتم وإن اختلف اللفظ ، وحكمت

____________

1- النحل (16) : 89 .

2- الحشر (59): 7 .

3- روح المعاني 7: 452 ، ذيل سورة النحل (16): 89 .


الصفحة 40

المحكمة الشرعية ببينونة زوجته منه ، وهو يعيش الآن في الغرب .

وهنا نقاط لابدّ من ذكرها :

النقطة الأُولى: هي وجود الحقيقة ، ولابدّ من وجود الحقيقة سواءً كانت هذه الحقيقة هي حقيقة الحقائق ومحقّق الحقائق وموجد الحقائق ومقرّر الحقائق والمثبت للحقائق ، وهو الله سبحانه وتعالى على مبنى الموحّدين أو حتّى على مبنى الماديين الذين يؤمنون بأنّ المادة لها حقيقة أو الذي ولّد المادة له حقيقة وإلاّ لو لم تكن للمادة حقيقة فلِمَ هذه البحوث العلمية الكثيرة ، هل هي بحث وراء سراب أو بحث وراء حقائق؟ طبعاً بحث وراء الحقائق .

إذاً البحث العلمي يجب أن يبحث عن الحقيقة .

النقطة الثانية : أنّ السير البشري في العلوم التجريبية وإن ازدادت وتيرته بصورة مضاعفة إلاّ أنّه لن يقف عند حدّ من الحدود وعند درجة من الدرجات .

والنتيجة أنّ البشر لن يصلوا إلى الكمال العلمي بحسب الواقع والحقيقة ، بل إنّ البشرية ستظلّ تبحث وتبحث عن الحقيقة ، وهذا دليل على النقص والعجز البشري في بلوغ الكمال ، والحاجة إلى الله جلّ جلاله ; لأنّه هو المحيط بكلّ الحقائق ومطلق الوجودات ، ويعلم بكلّ القوانين والمعادلات .

ومن خلال النقطتين السابقتين نستطيع أن نردّ بأنّ البشرية لم تصل إلى مرحلة النضج البشري ، وعدم الوصول هذا يدلّ على الجهل البشري ، والله يعلم إلى أيّ درجة سيكون الفارق بيننا وبين الأجيال القادمة في التقدّم العلمي وأساليب المعيشة .

إذاً البشر لم يصلوا إلى سنّ الرشد ، ولم يستغنوا عن وصاية السماء ; لأنّهم لا يزالون يعيشون المحدودية في التفكير ، ولا يستغنون عن العالم المطلق الذي يحيط بالأدوار الزمنية والعوالم المختلفة وأُصول الخلقة البشرية والموجودات


الصفحة 41

الأُخرى وأسرارها وكيفية ارتباطها وتأثيرها على بعضها وتأثيرها على الإنسان ، والبشرية لن تصل في يوم من الأيام إلى اكتشاف كلّ أسرار الكون ، ومن هنا تأتي ضرورة النبوة ; لأنّ البشرية غير كاملة ، ومن هنا تحتاج إلى حبل متصل بين الأرض والسماء الذي يحيط بكلّ الأُمور .


الصفحة 42

الصفحة 43

المحاضرة الرابعة
مناقشة آراء مدرسة التعدّدية
"البلوري ألسم"

محاور المحاضرة :

أوّلا : ما نتّفق مع التعدّدية "البلوري ألسم"، وما نختلف عليه .

ثانياً : أهميّة وجود ضوابط وأدوات في قبول الآخر أو رفضه .

ثالثاً : الإسلام سبق البلوري ألسم في التعدّدية وقبول الآخر .

رابعاً : كيف يكون الكتاب تبياناً لكلّ شيء .

المدارس الثلاث التي تكلّمنا عنها كلّها تنطلق من قناعات تصبّ في ضرورة أبدية الدين الإسلامي والشريعة المحمّدية من حيث لا تشعر .

سنبداً بمناقشة المدارس الثلاث ، وأوّل مدرسة سنناقشها هي المدرسة المنطقية التعددية "البلوري ألسم" لما لها من بريق وجاذبية في الأوساط الثقافية ، وهذه المدرسة التي تعتمد في طرحها على أنّ الإنسان لا يدرك الحق لوحده ، بل يشاركه الآخرون في معرفة الحقيقة ، وأنّ الإنسان وإن أدرك شيئاً من الحقيقة إلاّ أنّه لا يدرك الحقيقة بشكل يجعله يحيط بها إحاطة كاملة.

وهم يقولون: إذا كان الله تعالى هو المحيط بالحقيقة بشكل كامل فذلك لأنّه هو المطلق اللامتناهي ، أمّا الرسول ـ أي رسول حتّى لوكان محمّد(صلى الله عليه وآله) ـ فهو مخلوق ومتناهي ، وهو لا يمتلك الحقيقة لوحده ، ولا يمتلكها بشكل مطلق.


الصفحة 44

وما تعيشه البشرية من تطوّر في السير العلمي ناتج من قصورها وحاجتها إلى الكمال المطلق وهو الله تعالى .

وهذه النظرية هي تطوير لنظرية آينشتين النسبية ، وأنّ الحق نسبي . وهم يطرحون طرحاً فكرياً يتبنّى الرأي القائل بأنّه لا يحق لأحد تخطئة غيره ; لأنّ الحق منتشر ومتوزّع ، ولا يحتكره أحد أو جهة معيّنة .

الرّد على هذه الشبهة

أنتم تقولون : إنّ الحقيقة متفرّقة ، وأنّه لا يحق لأحد أن يدّعي أنّه يمتلك الحقيقة لوحده ويحيط بها إحاطة كاملة ، وأنتم بهذا تميلون إلى جمع الحقائق من كلّ الأطراف ، وأنّكم ترفضون أن تتوقعوا في جزء من الحقيقة عند هذا الشخص أو ذاك ، وعند هذه الجهة أو تلك ، وأنّ الإنسان بطبيعته يسير نحو الكمال المطلق ، والبحث عن الحقيقة والكمال المطلق هو الله تعالى ، قال تعالى: {قُلْ ادْعُوا اللهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَِ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الاَْسْمَاءُ الْحُسْنَى}(1) ، فكلّ اسم من أسماء الله يمثّل كمالا من الكمالات الإلهية .

والمنطلق الذي عند القوم هو أنّه إذا ادّعى شخص أنّ الحقيقة كلّ الحقيقة عنده ، والصحيح أنّ عنده بعضها وبعضها الآخر عند الآخرين ، فستكون النتيجة أنّه سيلغي وينفي جزء الحقيقة عند الآخرين ، وبهذه الطريقة ستضيع الحقيقة أو سيضيع جزؤها الذي عند الآخرين ، وهم في حذر شديد من ضياع بعض الحقيقة عند هذا الطرف أو ذاك ، وأنّه ينبغي على الإنسان أن يبحث عن الحقيقة عند كلّ الأطراف ; لكلي يحصل على صورتها الكاملة ، إذاً هم يتّجهون للبحث عن الحقيقة بصورة كاملة من حيث يشعرون أو لا يشعرون ، ونحن نتّفق معهم في أنّنا يجب أن

____________

1- الإسراء (17): 110 .


الصفحة 45

نبحث عن الحقيقة بصورة كاملة .

ونحن أتباع الطرح الإلهي المقابل للطرح المادي نقول لهم : إنّ بعض الحقيقة التي يمتلكها هذا الشخص أو ذاك ، وهذه الفئة أو تلك ، غير كافية للوصول إلى الحقيقة بشكل كامل ، والنتيجة هي أنّنا لابدّ لنا من طريقة تجمع لنا الحقيقة بقدر ما يستطيع الإنسان أن يدركها ، لا الحقيقة المطلقة والعلم المطلق الذي يمتلكه الله تعالى ; لأنّ ذلك مختص به تبارك وتعالى ، وبالتالي فإذا أردنا أن نحافظ على الحقيقة يجب أن لا نبعّضها وأن لا نوزّعها في هذا الطرف وذاك ; كي نحتفظ بها ، ولا تضيع بين هذه الأطراف ، وأنّه لابدّ من صيغة عقلية ذهنية فكرية تضمن لنا حفظ الحقيقة من الضياع عندما تقسّم عند عدّة أشخاص أو فئات ، وأنّ الطرح الذي يطرحونه من توزّع الحقيقة عند الفئات أو الأشخاص لا يؤمّن لنا الوصول إلى الحقيقة.

وقد ورد في الدعاء: "يا دائم الفضل على البرية، يا باسط اليدين بالعطيّة ، يا صاحب المواهب السنيّة"(1) ، وصاحب المواهب السنيّة هو صاحب الحقيقة المطلقة التي تفيض الكمالات على الإنسان .

ومن ضمن ما يطرحه العلمانيون الغربيون ، وتبعهم العلمانيون من العرب والمسلمين هو عدم نفي وإلغاء الطرف الآخر باعتبار أنّه يمتلك جزءاً من الحقيقة ، ولكنّنا نقول لهم : إلى أيّ مدى نعترف بالآخر ، هل نصحّح آراءه بشكل مطلق؟ أم نصحّحها بشكل نسبي؟ وعندما نصحّحها بشكل نسبي ، ما هي النسبة التي نصحّحها بها ، هل هي نسبة التسعين في المئة أم العشرة في المئة؟ ثم ماذا نفعل عندما تكون آراء الآخر آراء سراب وليست آراء صواب ، هل نعترف بها بحجّة عدم إلغاء

____________

1- المصباح للكفعمي: 647، الفصل السادس والأربعون فيما يعمل في شهر شوال .


الصفحة 46

الآخر؟ إذاً فنحن بحاجة إلى وضع ضوابط وأدوات للاعتراف بالآخر .

صحيح إنّني لا أستطيع أن أدّعي امتلاك الحقيقة باعتباري إنسان عادي غير معصوم ، والقرآن الكريم والمذهب الإمامي يدعو إلى العقل الجماعي ، قال علي(عليه السلام): "حق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء، ويضمّ إلى علمه علوم الحكماء"(1) ، هذا صحيح لوجود لفظ حق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء الناس ، والحديث لم يقل أعقل الناس من جمع أهواء الناس إلى هواه ، ولم يقل أعقل الناس من جمع سفاهات الناس إلى سفاهته ، ولذلك من المفيد أن نضيف إلى علمنا علم الغربيين من حيث التكنلوجيا والتقنيات الحديثة والدراسات العلمية والتعدّدية السياسية ، ولكن ينبغي علينا أن نترك ما يعتبر من التخلّف في المجتمعات الغربية من الانحلال الخلقي والتفسّخ والرقص والمجون التي تضجّ منها أوروبا والهند واليابان مع كونهم غير مسلمين إلاّ أنّهم يخشون على أنفسهم من شراسة الجنس والإغراء والتحلّل والمجون الذي تصدره أمريكا .

والعقل الجماعي الذي تكلّمنا عنه هو الشورى في المفهوم الإسلامي ، العقل الجماعي وليس الإرادة الجماعية ، ونحن نحترم التعدّدية في هذا الإطار ، وهي جيّدة ومفيدة ، ولكن المهم هو انتقاء الفكر الصحيح عند الآخر ، لا قبوله بشكل مطلق بحجّة قبول الآخر والتعدّدية ، وإذا لم يكن فيه شيء صحيح لا نقبل منه شيء ، وإذا كان يحتوي على نسبة ضئيلة من الصحة لا نقبل غير هذه النسبة الضئيلة ، ونرفض الفكر الخاطىء منها .

ومن الأخطاء الشائعة في هذا الزمان اقتحام الحوار من قبل أشخاص لا يعلمون من التخصّص الذي يدور حوله الحوار شيئاً ، فليس من المعقول أن يدير

____________

1- ميزان الحكمة 4: 1525، الحديث 9863.


الصفحة 47

الحوار الطبي مهندس ميكانيكي ، وينصب هذا المهندس الميكانيكي نفسه حكماً على ذلك الحوار الطبي ، وهو لا يعرف من الطب حتّى أبجديّاته .

صحيح أنّه من المهم أن لا يستبدّ الإنسان برأيه ، وأنّ من استبدّ برأيه هلك(1) ، وهذه هي ثقافة الإسلام التي سبق بها التعددية "البلوري ألسم" وإن كانت هذه الثقافة قد شوّهتها وجود الحكومات الظالمة المستبدّة التي كانت تحكم باسم الإسلام من حيث المظهر والشكل .

والسعي للحصول على تمام الحقيقة يدعونا إلى الانفتاح على الآخرين ، وأنّ البحث عن الحقيقة يحتاج إلى سلسلة من تجارب البشر حتّى يصلون إلى الحقيقة ، ونحن نعتقد أنّ الله قد بعث محمّداً(صلى الله عليه وآله) قبل أربعة عشر قرناً ، وقد جعله سيّد البشرية من حيث الروح والأخلاق والعقل، وقد أعطاه الله مالم يعط غيره ، فقال تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم}(2)، ويتجلّى لطف اللّه بمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) في سورة الشرح والضحى وغيرهما .

والله قد أعطى محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم) قواعد العلوم ، وقد زقّة العلم زقّاً ، والله تعالى يحيط بالحقيقة بصورة غير قابلة للخطأ إطلاقاً ، وبكم وكيف لا يصل إليه البشر في سيرهم العلمي القائم على التجربة في العلوم السياسية والإنسانية والحقوقية وغيرها .

قال تعالى {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(3) ، الله يعلم ما خلق من الذرّة إلى المجرّة ، وهو اللطيف الخبير الذي لا يخفى عليه شيء ، وهذا ليس ادّعاءً منّا لكي نرفع من شأن محمّد(صلى الله عليه وآله) ، بل هذا هو ما أخبر به الله تعالى حيث قال تعالى

____________

1- ميزان الحكمة 8 : 3464، الحديث 21272 .

2- القلم (68) : 4 .

3- الملك (67): 14.


الصفحة 48

{وَمَا مِنْ غَائِبَة فِي السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين}(1) ، وفي هذه الآية لا يقتصر الأمر على التشريع في الكرة الأرضية ، بل يتجاوز إلى الغائبة في السماء والأرض ، حيث توجد في الكتاب المبين وهو القرآن ولكن ليس القرآن النازل ، بل هو القرآن في اللوح المحفوظ.

وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّة فِي ظُلُمَاتِ الاَْرْضِ وَلاَ رَطْب وَلاَ يَابِس إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين}(2).

{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّة فِي الاَْرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين}(3).

{وَكُلَّ شَيْء أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَام مُبِين}(4).

{حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ}(5).

وسنورد معنى الكتاب المبين بصورة مقتضبة ، حيث يقول تعالى {إنّا أنزلناه }والتنزيل تخفيف ، كما لو قلنا سننزّل هذا المطلب ، أي: سنخفّفه ، لأنّ حقيقة الكتاب المبين لا تستوعبه الدنيا ، أُصول المطالب الموجودة في الكتاب المبين موجودة في القرآن الكريم المقدّس العظيم ، والكتاب المبين هو حقيقة القرآن وعلومه الغيبية بنص سورة الدخان ، ونستدل بها وليس بالرويات ; لكي لا تبقى حجّة لمن يتّهمنا بالباطنية.

____________

1- النمل (27): 75 .

2- الانعام (6) : 59.

3- يونس (10): 61.

4- يس (36): 12.

5- الدخان (44) : 1 ـ 3.


الصفحة 49

{حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}(1) ، أي: جَعْلا مُخَفّفاً يتحمّله الوجود الأرضي ، وإلاّ فإنّه في حقيقته ليس عربياً ولا فارسياً ولا إنجليزياً ، وهذا ما نستفيده من كلمة "جعلناه" الواردة في الآية ، وإنّما هو وجود تكويني وحقيقة من الحقائق ، وأمّا ما هي هذه الحقيقة فهذه بحث آخر لسنا في صدد الخوض فيه .

وقال تعالى {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَاب مَكْنُون* لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ* تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ* أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ}(2).

القرآن يقول هل أنتم مرتابون بهذه الحقيقة ولا تصدّقونها .

وهذا القرآن الذي هو تنزيل ونزول ، والنزول هو مقابل الصعود كما هو معروف في اللغة .

والقرآن الكريم ينبئنا أنّ كثيراً من المغيّبات والحقائق موجودة في الكتاب المبين، يقول تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(3) .

إنّ هذا ادّعاءٌ كبير ، ومن يستطع في هذا العصر أن يثبت هذا الادّعاء أنّ القرآن فيه كلّ شيء؟

بالله عليكم لولم يكن للقرآن قريناً آخر وهم أهل البيت(عليهم السلام) ، كيف يمكننا أن نثبت هذه الحقيقة أمام الأُمم الأخرى؟

وقد حاول بنو أمية وبنو العباس أن يُحرجوا أهل البيت(عليهم السلام) ، كيف يمكننا أن

____________

1- الزخرف (43): 1 ـ 3.

2- الواقعة (56): 75 ـ 81 .

3- النحل (16): 89 .


الصفحة 50

نثبت هذه الحقيقة أمام الأُمم الأخرى؟

وقد حاول بنو أمية وبنو العباس أن يُحرجوا أهل البيت(عليهم السلام) ، فكانوا يأتون بالعلماء لكي يناقشوا أهل البيت ، وبالتالي ينتصرون عليهم فتقلّ منزلة أهل البيت(عليهم السلام) عند الجماهير ، ولكنّهم فشلوا في هذا الأمر ، وانتصر أهل البيت(عليهم السلام)على جميع المستويات العلمية بما فيها الطب ، والتاريخ يشهد للإمام الصادق والإمام الرضا ، والمقام العالي للإمام الرضا(عليه السلام) هو الذي جعل المأمون ينجذب إلى الإمام الرضا ويجعله ولي العهد ، ولو قرأنا كتاب المجروحين لابن حبان وهو من علماء العامة في ترجمة علي بن موسى الرضا(عليه السلام) لرأيناه يقول: "يروي عن أبيه العجائب"(1) ، وهذا المقام العالي لأهل البيت(عليهم السلام) جعلهم القرين الآخر للكتاب .

____________

1- كتاب المجروحين 2: 106 .


الصفحة 51

المحاضرة الخامسة
مناقشة مدرسة العلمانية
"السكولارزم"

محاور المحاضرة:

أوّلا : التطوّر الذي طرأ على المجتمعات الإنسانية.

ثانياً : كيف يبقى الدين ثابتاً مع التطوّر العلمي والعملي الهائل؟

ثالثاً : ما هي نسبة الثابت والمتغيّر في حياة الإنسان؟

رابعاً : الباحث العلمي يبحث عن القوانين الثابتة وليست المتغيّرة .

قلنا في الحديث السابق إنّنا لا نرفض مدرسة التعددية "البلوري ألسم" بشكل مطلق ، وأشرنا إلى الجوانب الإيجابية ، وذكرنا أنّنا نستنتج من آراء هذه المدرسة استنتاجات تصبّ في ضرورة النبوّة والرسالة ووصاية السماء ، وليست هي ضدّ هذه المفاهيم كما يتراءى للمطلّع عليها من أوّل وهلة ، وسنشير إلى تطبيقات هذه المدرسة في المجال السياسي فيما بعد إن شاء الله .

وفي هذا اليوم سنناقش مدرسة العلمانية "السكولارزم" ، وهي أقدم المدارس الثلاث ، ولازالت تتطوّر وتتبلور بصياغات فكرية جديدة وإضافات علمية متعدّدة . ملخّص إثارات هذه المدرسة ـ وإن كنّا لسنا في مقام استقصاء هذه الإثارات ـ يرتكز على الجانب المتغيّر في النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو


الصفحة 52

العسكري أو السياسي أو المالي أو الإداري في حياة البشر ، هذا بالإضافة إلى نظام الأُسرة والفرد ، وطبيعة المعيشة وتطوّرها من السكن في الكهف ثم الصحراء ثم الغابات ثم الأودية ثم القرية ثم المدينة ، فلو قارنّا معيشتنا في هذا الزمان مع من عاشوا قبل خمسين سنة ـ فضلا عمّن عاشوا لقرون ـ لوجدنا أنّ طبيعة الأُسرة تختلف من حيث المتطلّبات والتعقيدات الحضارية ، وأنّ طبيعة المشاركة بين الزوج والزوجة اختلفت .

وفي الزمان الماضي لم يكن المال هو الوسيط الاقتصادي ، وإنّما كان عن طريق المقايضة والمبادلة بين بضاعة وأُخرى في فترة من فترات الزمن ، وكان في فترة من الفترات البضاعة السائدة هي النقد ، فمثلا: البلد الذي يكون فيه الشاي هو البضاعة السائدة يكون الشاي هو النقد في ذلك المجتمع ، ثم تحوّلت هذه الحالة إلى وضعية النقد المالي الذي بدأ بالنحاس ثم بالفضة والذهب ثم النقد الورقي ، والآن تحوّل النقد الورقي إلى النقد الاعتباري بالشيكات والحوالات وبطاقات الائتمان أو الفيزاكارد كما تسمّى ، والنقد الورقي آخدٌ في الاضمحلال شيئاً فشيئاً .

وهكذا في الجانب السياسي الذي بدأ بصورة قبلية بسيطة ثم تطوّر إلى نظام الديوان والكتّاب والشرطة والجيش العسكري التقليدي بأسلحته التقليدية ، ولكن هناك فرق شاسع بين هذه الحالة وحالة الحكومات في زماننا المعاصر ، وتشكيل الوزارات والانتخابات والتطوّر الإلكتروني الذي دخل كلّ المجالات ، وأدوات النظام كذلك فلم يكن في الماضي الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية ، ولم تكن القوانين في الأزمنة الغابرة على ما هي عليه في هذا الزمان من التشريعات الثابتة أو الدستور أو التشريعات المتغيّرة أو مصوّبات المجالس النيابية وغيرها .

والقوى التشريعية تضاهي القوّة الفكرية عند الإنسان ، والقوى العسكرية