والاعتداء على الحرمات ، في مثل هذه الأُمور يعبّر القرآن الكريم: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الاَْلْبَابِ}(1) ، باعتبار أنّ ردع الجاني يهييء الجو لسيادة الأمن وقطع دابر الجرائم ، وهناك العديد من الاعتراضات على الحدود والتعزيرات الإسلامية .
مفهوم الإرهاب
مفهوم الإرهاب الدولي وموقف الإسلام منه ، ومتى يستخدم ومتى لايستخدم ، وسيكون البحث في الليالي القادمة حول مفهوم الإرهاب في مقابل السلم ، ومتى يسوغ وقوعه ومتى لا يسوغ وقوعه ، وسنختم هذه المراحل الثلاث بموقف الإمام الحسين(عليه السلام) باعتبار قرآناً متجسداً ناطقاً ، لا سيّما أنّ واقعة عاشوراء اجتمعت فيها عدّة ظروف عديدة شملت الكثير من المواقف والموضوعات والمحاور ، وكأنّها نقطة لاستقطاب معرفة المواقف من خلال منطلقات الإمام الحسين(عليه السلام)الذي انطلق منها .
تعريف الأُمم المتّحدة للإرهاب
ذكر في النصوص القانونية لبعض المجاميع البشرية ، لا سيّما في الأُمم المتّحدة ، أَنّ الإرهاب هو "استخدام الرعب كعمل رمزي للتأثير على السلوك السياسي بوسائل غير معتادة مهدّدة عنيفة"(2) ، وقولهم عمل رمزي يشير إلى الفرق بين الإرهاب والحرب ، فالإرهاب ليس حرباً ، فالحرب تعتمد على التوسّع الجغرافي والغنائم المادّية ، أمّا الإرهاب فليس من أهدافه تحقيق مكاسب مادّية ،
____________
1- البقرة (2): 179 . 2- الإرهاب الدولي ، تأليف : أحمد محمد رفعت وصالح بكر الطيّار ـ إصدار مركز الدراسات العربي الاوروبي .
وقد يكون للإرهاب دور يفوق دور الحروب أحياناً في تحقيق بعض الأهداف .
النصر بالرعب
وعندنا روايات تشير إلى أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قد نصر بالرعب(1) ، حيث يكون الرعب أنجح وأنجع من الحرب الميدانية ، وقد أشار الإمام الخميني(رحمه الله) في معرض حديثه عن القوى الكبرى : أنّ هذه القوى تستخدم الإرهاب أكثر من الحروب الميدانية لتحقيق أهدافها .
وهناك قواسم مشتركة بين الحرب وبين الإرهاب ، وهذا التعريف صحيح في بعض أجزائه ، وسنستعرض تعاريف أُخرى للإرهاب ، ولكن هذا التعريف يغفل نقاطاً مهمّة من أجل أن يتّهموا جهات معيّنة بالإرهاب ، كالشعوب التي تنشد الحرية وغيرها ، لأنّ هؤلاء المقننين يخدمون الاستكبار العالمي لكي تتهيّأ له الأجواء القانونية في استكباره ، ولكي تلقى خططه العدوانية تأييداً تحت مسمّيات مزوّرة .
____________
1- الخصال: 201 ، باب الأربعة، الحديث 14 .
المحاضرة الثامنة
مناقشة تعريفات الإرهاب وتطبيقاتها
محاور المحاضرة :
أوّلا : العمليات الإرهابية لا تستهدف الحصول على مكاسب مادّية .
ثانياً: العمليات الإرهابية ترتبط بالأهداف السياسية وتستهدف الضغط النفسي .
ثالثاً: الإرهاب هو العنف المتطرف .
رابعاً: لابد من وجود ضوابط للقوّة .
خامساً : أقسام الإرهاب .
سادساً : ارتباط ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) بالشرع والمُثل والمبادىء والقيم في كل مراحلها .
سابعاً : الحكم ليس إلاّ وسيلة لإقامة العدل .
ثامناً : أهل البيت(عليهم السلام) يرفضون قاعدة "دفع الأفسد بالفاسد" .
تاسعاً : الفرق بين جيش الإمام على وجيش الإمام الحسن(عليهم السلام) .
عاشراً : المرجعية الشيعية تعتبر شبه دولة .
العمليات الإرهابية لا تستهدف الحصول على مكاسب مادّية
مرّ علينا أحد تعريفات الإرهاب وهو. "استخدام الرعب كعمل رمزي للتأثير على العمل السياسي بوسائل مهدّدة عنفية غير معتادة" .
قد تستخدم الآلات العسكرية في الحرب ، وفي العمليات الإرهابية ، ولكن في العمليات الإرهابية لا ترتبط ـ غالباً ـ هذه العمليات بالحصول على مكاسب مادّية أو توسيع الرقعة الجغرافية ، ولا يكون استخدام هذه الآلات بشكل متواصل ودائم ، بينما تكون للحرب ـ غالباً ـ أهداف مادّية ، وتستهدف التوسع الجغرافي ، وتستخدم الآلات الحربية بشكل دائم .
العمليات الإرهابية ترتبط بالأهداف السياسية وتستهدف الضغط النفسي
وتمثّل العمليات الإرهابية عاملا مادّياً آلياً يستهدف الضغط النفسي على الطرف الآخر الذي قد يكون دولة أو شعباً أو طائفة أو حزباً منافساً أو فرداً معيّناً ، وفي الغالب تكون العمليات الإرهابية مرتبطة بالأغراض السياسية ، وهناك بعض العمليات الإرهابية مرتبطة بالحصول على مبالغ مالية ، والهدف منها مادي ، كما هو حال المافيا الدولية التي تمارس الإرهاب في العالم من أجل هذا الغرض
الإرهاب هو العنف المتطرف
التعريف الثاني للإرهاب هو : "العنف المتطرف لأهداف سياسية الذي تنتهك به المعتقدات الإنسانية والأخلاقية" ، والتعبير هنا بـ"المتطرف" إشارة إلى أنّ استخدام القوّة شيءٌ حسن إذا خضع للضوابط ، ولكن في التعريف أشار بكلمة "المتطرف" لكي يشير إلى أنّ استخدام القوّة في العمليات الإرهابية أمر غير صحيح ، وغير خاضع للضوابط .
ضوابط المبارزة العسكرية
في حروب العرب السابقة ، وكذلك الأُمم المعاصرة لها ، كان الجيشان يلتقيان ، ويبرز من كل جيش منهما أفراد من أجل المبارزة العسكرية ، وكانت هناك أُصول
قانونية تحكم كيفية القتال بين هذين الفارسين المبارزين ، أو يخرج من كل جيش مجموعة وتبارز المجموعة التي خرجت من الجيش الآخر ، وفي هذه الحالة يصح أن يعين كل محارب من هو في جيشه ، كما أعان الإمام علي (عليه السلام) عمّه الحمزة في غزوة بدر ، والإمام علي(عليه السلام) قد قتل ابن عتبة ، ثمّ أعان عمّه الحمزة على قتل عتبة ، كما شارك في قتل شيبة أيضاً ، فنلاحظ أنّ المبارزة لها قوانين وضوابط ، وما كان يصح أن يأتي من جيش المسلمين أو جيش المشركين غير هؤلاء الستة قبل انتهاء المبارزة العسكرية .
لابدّ من وجود ضوابط للقوّة
وهذا حصل مع عبيد الله بن زياد حيث نهاه بعض جلسائه عن استخدام لغة القوّة مع السبايا لأنّهنّ نسوة ، وهذا يدل على وجود ضوابط لاستخدام القوّة منذ الزمن الإسلامي القديم ، بل حتّى في زمن الجاهلية كانت توجد أعراف قانونية يتقيّد بها ، وقد ذكر القرآن لفظ الجاهلية الأُولى في قوله تعالى: {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاُْولَى}(1) ، والبعض يقول : إنّ القرآن قد تتبّأ بوجود جاهلية ثانية(2) ، ويبدو أنّ الجاهلية الأُولى كانت لها ضوابط أكثر من الجاهلية الثانية التي تمارس الفحشاء بلا حدود ، وتقنّن قوانينها بالخداع واللعب بالمصطلحات وتفسيرها تفسيراً مخادعاً .
قتل المدنيين في الحروب مخالف لقوانين الحرب
النتيجة هي أنّه لو احتجنا لاستخدام القوّة فنستخدمها ، ولكن ضمن ضوابط وحدود وأُطر تنظّم استخدام هذه القوّة ، فمثلا : يجب أن لا يقتل المدنيّون في
____________
1- الأحزاب (33) : 33 . 2- تفسير القمي 2: 168 ، ذيل هذه الآية مسنداً عن أبي عبد الله عن أبيه(عليهما السلام) .
الحروب التي تكون بين دولة ودولة أُخرى أو بين دولة وفئة معارضة داخل تلك الدولة أو خارجها ، يجب أن لا يُقتل المدنيّون الأبرياء في هذه الحرب ، كما هو منصوص في القوانين الدولية ، ولا يقتل في هذه الحرب إلاّ العسكريون ، ومن أمثلة هذه الضوابط إذا أرادت دولة مّا أن تلقي القبض على إرهابيين فالقانون يرفض أن يكون المدنيّون من النسوة والأطفال والشيوخ وغيرهم ضحيّة في هذه العملية ، هذا ما يقوله القانون وإن كان حبراً على ورق ، أمّا الواقع فالأمر مختلف .
استخدام الأسلحة الكيمياوية والجرثومية
أو استخدام الأسلحة الكيمياوية أو الجرثومية أو استخدام اليورانيوم المخصّب أو استخدام الأسلحة التي تكون لها انعكاسات سلبية على البيئة والحالة الصحّية للمجتمع ، فممارسة جميع هذه الأُمور تندرج تحت عنوان الإرهاب وليس تحت عنوان الحرب ; لأنّ الحرب لها أخلاقياتها وأُصولها وقوانينها ، وهي تستهدف ردع القوّة الغضبية عند الطرف الآخر .
الآثار السلبية للانتقام
ومن الخطأ مواجهة العدوان بعدوان أكبر ، والإرهاب بإرهاب أكثر ، ولهذا نجد أنّ الانتقام يحمل في طيّاته الكثير من السلبيات ; لأنّه يؤدّي إلى هذه النتيجة ، ومن هنا كان العفو أقرب للتقوى في الموارد التي يمكن فيها العفو ; لأنّ القوّة الغضبية كثيراً مّا تكون في حالة الانفلات ، وعدم السيطرة عند الانتقام .
أقسام الإرهاب
التعريف الثالث للإرهاب هو: "الإرهاب الحربي والثوري والقمعي والمالي" ، وكأنّهم بصدد بيان أقسام الإرهاب .
معنى الإرهاب الحربي
فالإرهاب الحربي ، يعني : استخدام ورقة الإرهاب ضمن تلك الحرب ، كإسقاط طائرة مدنيّة تابعة للدولة التي نحاربها بهدف الضغط النفسي ، وإضعاف القرار الإداري على تلك الدولة ، إذن الحرب قد تتضمّن الإرهاب ، مع الالتفات إلى الفرق بين الحرب والإرهاب .
معنى الإرهاب القمعي
والقسم الثاني هو الإرهاب القمعي : وهو الإرهاب الذي تمارسه الدول والأنظمة الحاكمة ضدّ رعاياها أو ضدّ المعارضين لها ، من أحزاب وأفراد ، والإرهاب في هذا القسم ، يعني : تجاوز القوانين الدولية والعرفية التي تنظّم علاقة الحاكم بالمحكوم ، كأن تعتقل مجموعة من الأبرياء وتعذّبهم من أجل إخافة المعارضين الحقيقيين الذين ربما لم ينكشفوا بعد ، وهي بهذا تختصر الطريق بتخويف المعارضين ، ولكن يدفع ثمن هذا الاختصار مجموعة من الضحايا الأبرياء ، وهذا أمر مُدان من التشريع الإسلامي والتقنين الدولي .
معنى الإرهاب الثوري
أمّا الإرهاب الثوري : وهو إرهاب مجموعة لديها مطالب معيّنة تقوم بعمليات إرهابية من أجل تحقيق هذه المطالب ، كما كانت المجموعات اليسارية تمارس هذه العمليات تحت شعار "أنّ الغاية تبرّر الوسيلة" فيتعرضون للأبرياء أو المؤسسات أو المصالح العامة أو الخاصّة
ارتباط ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) بالشرع والمُثل والمبادىء والقيم في كل مراحلها
والإمام الحسين(عليه السلام) رغم أنّه قام بهذه الثورة المقدّسة العظيمة إلاّ أنّها لم تنفك عن أخلاقه وقيمه ومبادئه العظيمة ، بل كانت ملتزمة بحذافير التشريع الإسلامي ، والمُثل العُليا للدين ، وهذا ما يتجلّى في سلوكه وسلوك أصحاب وأهل بيته وسفرائه ، كمسلم بن عقيل الذي رفض أن يغدر بعبيد الله بن زياد ، مع أنّ هذا الأمر كان أمراً مهمّاً ، وربما يغيّر مجرى التاريخ ، مع ذلك رفضه مسلم بن عقيل ; لأنّه يتنافى مع مبادئه ، وقد أثنى الإمام الحسين(عليه السلام) على مسلم بن عقيل ، فمع حرصهم على الهدف الذي يجاهدون من أجله ، وهو وصول المعصوم إلى الحكم الذي هو حقّه ، ومع سموّ هدفهم ، إلاّ أنّهم ما تجاوزوا حدودهم أبداً هذا مع رعونة الطرف الآخر وعدم تقيّده لا بالدين ولا بقيم العرب ولا بالأعراف الإنسانية ، مع ذلك كله إلاّ أنّه لا يُدفع الفساد بالفساد ، وإنّما يدفع الفساد بالصلاح .
الحكم ليس إلاّ وسيلة لإقامة العدل
قال الإمام علي(عليه السلام) : "... والله لَهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلاّ أقيم حقاً أو أدفع باطلا"(1) فالحكم في منطق القرآن وأهل البيت(عليهم السلام) ليس إلاّ وسيلة من وسائل الوصول إلى الحق ، أمّا إذا كان الحكم بنفسه غاية أو هدفاً نهائياً فلا قيمة لهذا الحكم في ميزان القرآن وأهل البيت(عليهم السلام) .
أهل البيت(عليهم السلام) يرفضون قاعدة "ادفع الأفسد بالفاسد"
وعند مذهب أهل البيت(عليهم السلام) لا تصح القاعدة التي تقول: "ينبغي دفع الأفسد بالفاسد" ، وربما تبنّى هذا الرأي بعض المذاهب الإسلامية ، ولكن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) لا يوافق عليه ، لأنّ الأفسد قد فعله غيرك ، وهو مسؤول عنه ، وهذا لا
____________
1- ميزان الحكمة 2: 900 ، الحديث 5855 .
يسقط عنك الحساب على فعل الفساد ، ولا يبرّر لك أن تفعل الفاسد وإن كان من أجل دفع الأفسد .
إذا وصلت التقيّة إلى الدم فلا تقيّة
ونحن عندنا في مذهب أهل البيت(عليهم السلام) أنّ التقيّة شرّعت من أجل حقن الدماء ، أمّا إذا وصلت التقيّة إلى الدم فلا تقيّة ، بمعنى أنّه لو قيل لك : اقتل زيداً وإن لم تقتله بأنّ ذلك الطاغي سيقتل عشرة ، فهنا التقيّة لا تجوز ، لأنّه لو قتل الطاغي العشرة فهو محاسب أمام الله ، أمّا أنت فستكون محاسب أمام الله إذا قتلت زيداً حتّى لو كان ذلك بحجّة بعنوان حفظ النفس ، لأنّها مرتبطة بقتل نفس أُخرى ، نعم هناك بعض المسائل الشرعية المنصوص عليها بنصوص خاصّة ، ومثالها : لو تترّس المشركون ببعض المسلمين ، وكانت الضرورة تقتضي الهجوم على المشركين ، حينئذ يجوز الهجوم عليهم وحربهم حتّى لو كان أولئك المسلمون الذين تترّس بهم المشركون من بين الضحايا .
العمليات الاستشهادية لا تتدرج تحت عنوان ارتكاب المحرم
بعض علماء الأزهر يُدرج العمليات الاستشهادية التي يقوم بها الفلسطينيّون أو اللبنانيّون ضدّ العدو الصهيوني تحت عنوان ارتكاب المحرم من أجل الوصول إلى النصر ، وهذا الرأي خاطىء وسيأتي الردّ عليهم ، ثمّ أنّ تحديد الأفسد والفاسد ، فيه قيل وقال حتّى بين الفقهاء أنفسهم
فصل الإمام الحسين(عليه السلام) عن القبائل الموالية له
ولا تستبعد أنّ الإمام الحسين(عليه السلام) قد اجتمع عليه سبعون ألفاً ، لأنّ الغرض من هذا العدد ليس مقاتلة الحسين(عليه السلام) قتالا ميدانياً ، وإنّما تطويق الإمام الحسين(عليه السلام)بحيث لا يستطيع الالتقاء بالقبائل المجاورة وكسبها إلى جانبه ، ولكي يعرقل هذا
العدد الهائل قدوم القبائل التي كانت توالي الإمام الحسين(عليه السلام) ، ولكي يضمن الحكم الأموي عدم قيام ثورة أو انتفاضة من قبل شيعة الكوفة الموالين للإمام الحسين(عليه السلام) ، فلولم يكن هذا العدد الضخم موجود لأتت القبائل الموالية للحسين(عليه السلام) بهدف نصرته ، وقتال جيش بني أُمية
معنى الإرهاب المالي
أمّا الإرهاب المالي فمن أمثلة : عصابات المافيا التي تتمتع بقدرات هائلة تهدد الدول والحكومات من أجل الحصول على مكاسب مالية ، ومن الإرهاب المالي : ضغط أمريكا على پاكستان من أجل إخضاع پاكستان للموافقة على التواجد الأمريكي في المنطقة ، كما صرّح بذلك الرئيس الپاكستاني الذي قال : "إنّ بلاده هُدّدت بضرب مفاعلها النووي في حال معارضتها للوجود الأمريكي في المنطقة" ، وقال: "إنّ احتفاظنا بالقنبلة النووية مصدر عزّ لپاكستان والدول الإسلامية" ، فصارت القنبلة النووية محفوظة بدل أن تكون حافظة ، وصارت موجبة للذلّ بدل أن تكون موجبة للعزّ ، وهذا هو الإرهاب المالي الذي مارسته أمريكا بتهديدها للپاكستان باعتبار أنّ الأعيان التي تقوِّم الجانب الاقتصادي أو الجانب العسكري وما شابهه تكون تحت سياط التهديد بالنسف والتدمير ، ومن ثمّ تخضع للجانب القوي .
أسباب صلح الإمام الحسن(عليه السلام)
وممّا يتصل ببحث الإرهاب أنّ الكثير ممن كانوا في ركب الإمام الحسن(عليه السلام) ، ومنهم بعض أصحابه المخلصين حلّلوا ظاهرة الصلح التي أقدم عليها ، أنّه(عليه السلام) إنّما أقدم على الصلح ; لأنّه قد وقع تحت ضغط الإرهاب والتهديدات الأموية ، وكانت مكاتبات معاوية تستخدم لغة الإرهاب والتخويف بشكل مكثّف ، وقال المسيب بن نجبة الفزاري وسليمان بن صرد الخزاعي للحسن بن علي(عليه السلام) :
ما ينقض تعجبنا منك ، بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز!(1) . ظنّا منهم أنّ الإمام الحسن(عليه السلام) وقع تحت ضغط الإرهاب الأموي ، وهذا التحليل خاطىء ; لأنّ الأرقام التاريخيّة تدلّل أنّ قبائل العراق التي كان أغلبها مهاجر من الجزيرة العربية ، ومنها : ربيعة ومضر وكندة كانت تقع تحت الإغراء الذي يقدّمه معاوية لكي تقف هذه القبائل مع معاوية وتتخلّى عن الإمام الحسن(عليه السلام) ، يضاف إلى ذلك وجود خيانات لدى بعض قوّاد الإمام الحسن(عليه السلام)كعبيد الله بن العباس وغيره .
الفرق بين جيش الإمام علي وجيش الإمام الحسن(عليهما السلام)
وهناك فرق بين جيش الإمام الحسن وجيش الإمام علي(عليهما السلام) في نهاية أيامه ; لأنّ جيش الإمام علي(عليه السلام) كان معدّا لضرب معاوية ضربة نهائية بعد شهر رمضان ، حيث كان جيشه هائلا وقويّاً لولا أنّ الله تعالى اختار الإمام علي(عليه السلام)واستشهد ، أمّا جيش الإمام الحسن(عليه السلام) فهو جيش منخور تكثر فيه الخيانة والميل لإغراءات معاوية ، بالإضافة إلى اختلاف موقع الإمام علي(عليه السلام) عن موقع الإمام الحسن(عليه السلام)في عيون الناس .
الدولة تتكوّن من مجموعة من القوى
الآن في الدراسات الأكاديمية السياسية يقول الباحثون في هذا العلم : أنّ أيّ دولة في العالم تتكوّن من مجموعة من النظم والدويلات داخل هذه الدولة فمثلا : الولايات المتّحدة الأمريكية تتكوّن من العديد من الولايات ، وكلها تجتمع في دولة واحدة اسمها الولايات المتّحدة الأمريكية ، وتسمى فيدرالية ، والواقع أنّ كل الدول تتكوّن من مجموعة من الأنظمة تكوّن الدولة ; لأنّ الدولة تشتمل على
____________
1- مناقب آل أبي طالب 4 : 40 .
الأنظمة الأُسرية أو القبلية أو الحزبية أو المذهبية وخصوصاً النظام المذهبي الذي له ضرائب خاصّة به ، وله تجمّعات وتكتّلات وآراء وأعراف اجتماعية ومواقف معيّنة وثقافة خاصّة ، وكل هذه الأنظمة تساهم بشكل أو بآخر في مجريات الأحداث في تلك الدولة .
المرجعية الشيعية تعتبر شبه دولة
ولذلك فالسياسيون الغربيون يعتبرون المرجعية الشيعية شبه دولة باعتبار أنّ لها نظامها المالي الخاص ، ولها توجيهات معيّنة ، وجماهير تتبعها ، ونفوذ في القرار السياسي والاقتصادي والعسكري والأُمور الأُخرى ، وهذا ينطبق على المرجعيات السنيّة إذا كانت لها قواعد جماهيرية أيضاً ، وبعبارة أُخرى : إنّ النظام السياسي ما هو إلاّ توازن لمجموعة من القوى والأنظمة في المجتمع .
نفوذ الأئمة وقواعدهم الجماهيرية
وما نريد أن نبيّنه في ضوء هذا الكلام أنّ الأئمة(عليهم السلام) وإن لم يتسلّموا زمام الحكم إلاّ أنّ لهم نفوذ واسع في القواعد الجماهيرية في العديد من الفترات التي عاشوها ، كما كان نفوذ واسع للإمام علي(عليه السلام) خلال الخمسة وعشرين سنة التي أعقبت وفاة النبي ، وقبل أن يستلّم الخلافة كان له شيعة وأنصار وأتباع ونفوذ ، وكان هؤلاء الأتباع والشيعة تحت نظام الإمام علي(عليه السلام) العقائدي والمالي والفكري والثقافي الخاص به .
وقد قال محمد بن إسماعيل لهارون الرشيد : "ما ظننت أنّ في الأرض خليفتين حتى رأيت عمّي موسى بن جعفر يسلّم عليه بالخلافة ، فأرسل هارون إليه بمائة ألف درهم.."(1) .
____________
1- الكافي 1: 486 ، الحديث 8 ، باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر .
وكلام صحيح ، كما يذهب إلى ذلك السياسيون في زماننا باعتبار أنّ وجود قواعد جماهيرية للإمام موسى الكاظم (عليه السلام) يشكّل شبه دولة لها قوّتها وتأثيرها ، وكان هذا النفوذ يشكّل هاجس وقلق في الدولة الأموية والدولة العباسية اتجاه الإمام المعصوم الذي عاصرها .
من أهداف الإمام الحسن(عليه السلام) من الصلح الإبقاء على نفوذه في أتباعه
فالإمام الحسن كان يدرك أنّ له نفوذ معيّن في شيعته ، وكان حريصاً على المحافظة عليه ، والذي فعله في صلح معاوية هو أمر شبيه بالكرّ والفرّ الذي تقرضه التوازنات السياسية ، وأنّه لو حارب معاوية لهزم وفقد هذا النفوذ .
أحاديث نبويّة في فضل الإمام الحسن(عليه السلام)
ومع ما تميّز به الإمام علي عن الإمام الحسن(عليهما السلام) من أنّ الإمام علي(عليه السلام)أوّل من أسلم بالإضافة لقتاله مع النبي ومنزلته وقربه منه إلاّ أنّ الإمام الحسن(عليه السلام)له مميّزات لم تكن علي(عليه السلام) ، لأنّه سبط النبي والسبطيّة لها مدلولاتها ومؤداها الخاص ، بمعنى الامتداد الشرعي لذلك النبي ، وهذا حديث عقائدي لا أريد الخوض فيه .
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) "ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا"(1) ، وقال(صلى الله عليه وآله): "الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة"(2) ، وهذا الحديث رواه الترمذي(3) وأحمد بن حنبل(4) والحاكم الذي قال : "قد صحّ من أوجه كثيرة ، وأنا أتعجب أنّهما ـ أيّ :
____________
1- ميزان الحكمة 1: 153 ، الحديث 1117 . 2- ميزان الحكمة 1: 152 ، الحديث 1108 . 3- الجامع الكبير 6 : 113 ، الحديث 3768 ، باب مناقب أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب والحسين بن علي . 4- مسند الإمام أحمد بن حنبل 17: 31 ، الحديث 10999 .
البخاري ومسلم ـ لم يخرجاه"(1) ، وقال الألباني في تصحيحاته الأخيرة : "فالحديث صحيح بلا ريب ، بل هو متواتر"(2) ، والألباني من العلماء المعتمدين عند إخواننا أهل السنّة .
وقال(صلى الله عليه وآله): "هما ريحانتاي من الدنيا" رواه البخاري(3) ، وقال(صلى الله عليه وآله): "اللّهمّ إنّي أُحبّهما فأحبّهما" رواه البخاري(4) ، وقال(صلى الله عليه وآله): "ابني هذا سيّد ، ولعل الله أنّ يصلح به بين فئتين من المسلمين" رواه البخاري(5) ، وقبل ذلك آية المباهلة(6) التي خصّ بها أهل البيت(عليهم السلام) .
ظروف الإمام الحسن(عليه السلام) تختلف عن ظروف الإمام علي(عليه السلام)
وكان الإمام الحسن(عليه السلام) في الكوفة يطعن في شرعيّة معاوية ، وما كان الإمام الحسن(عليه السلام) ليفعل ذلك لولا نفوذه وقواعدة الجماهيرية ، وكان معاوية يحذر من الدخول في تصعيد سياسي مع الإمام الحسن(عليه السلام) ، وما أتيح للإمام الحسن(عليه السلام)من فرصة في الطعن في شرعيّة معاوية لم يتح للإمام علي(عليه السلام) ، مع أنّه لم يكن يرى شرعيّة الخلفاء بعد الني(صلى الله عليه وآله) إلاّ أنّ المصلحة العامّة للمسلمين لم تسمح له بإعلان المعارضة لحكم من سبقه من الخلفاء ، فلم يكن المعارضة إلاّ في فترات قصيرة
____________
1- المستدرك على الصحيحين 3: 376 ، الحديث 4839 ، ومن مناقب الحسن والحسين ابني بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) . 2- سلسلة الأحاديث الصحيحة 2: 431 ، الحديث 796 . 3- صحيح البخاري 4: 86 ، الحديث 5994 ، باب رحمة الولد وتقبيلة، كتاب الأدب . 4- صحيح البخاري 2: 476 ، الحديث 3747 ، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما ، كتاب فضائل أصحاب النبي . 5- صحيح البخاري 2: 476 ، الحديث 3746 ، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما ، كتاب فضائل النبي . 6- آل عمران (3) : 61 .
ومحدودة حسب ما سنحت له الفرصة كاحتجاجه(عليه السلام) مع الزهراء بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) أمام الصحابة(1) ، إذن صلح الإمام الحسن(عليه السلام) كان فيه حفاظ على نفوذه في قواعده الجماهيرية من خلال الصلح الذي أقدم عليه حتى يحافظ على التوازن بينه وبين معاوية .
____________
1- الامامة والسياسة 1: 28 .
المحاضرة التاسعة
من يقف وراء مخططات الإرهاب ؟
محاور المحاضرة :
أوّلا : إرهاب الدولة
ثانياً : الإرهاب والإيدلوجية .
ثالثاً : الإرهاب الصهيوني .
رابعاً : اتهام الإسلام بالإرهاب .
خامساً : القوى الخفيّة وراء عمليات الإرهاب العالمية .
سادساً : تسليط الأضواء الإعلامية من أجل تمرير مخططات شيطانية .
سابعاً : دور الإعلام الخطير والمشبوه .
ثامناً : إغفال عنصر الخفاء .
تاسعاً : ما هو الميزان والفيصل في تحديد الإرهاب؟
عاشراً : القوى السامية في أعلى الإنسان .
إرهاب الدولة
التعريف الرابع للإرهاب هو: "إعمال العنف المسلّح لأهداف سياسية أو أيدلوجية أو دينية باستخدام قنوات العنف المسلّح للتهديد بها" ، وبحسب هذا التعريف المفروض أن يدخل عنف الدولة . والإرهاب قد قسّم إلى أقسام : إرهاب فردي وإرهاب جماعة أو تنظيم ، وحاول البعض أن يقصر التقسيم على هذين
القسمين إلاّ أنّ العديد من المحافل والدول أصرّت على وجود إرهاب الدولة ، ويتضمّن إرهاب دولة لدولة أُخرى أو إرهابها لشعبها ، والمعسكر الغربي يصرّ على حذف هذا النوع من الإرهاب ، والسبب واضح ، وهو أنّهم يمارسون هذا النوع من الإرهاب بشكل خفي ، ويرفضون أن يدرج إرهاب الدولة في تعريف الإرهاب ; لكي لا يدانوا بالإرهاب ، ولكن حسب التعريف السابق يندرج إرهاب الدولة في تعريف الإرهاب ; لأنّهم لم يقيّدوا ، ولم يستثنوا من هذا التعريف إرهاب الدولة .
الإرهاب والإيدلوجية
التعريف الخامس للإرهاب هو : "أيدلوجية وقناعات تبرّر العنف الفتّاك لردع المعارض السياسي" ، هذا التعريف التحيّز فيه واضح من قبل واضع القانون ; لأنّه يصف عقيدة مّا بأنّها إرهاب ، كأن يعتقد قوم أنّ دولة أُخرى أو قوميّة أُخرى يجب أن تباد ، فهذا التعريف يعتبر نفس هذه العقيدة قنبلة ملغومة أو سلاح فتّاك قد ينطلق في أيّ وقت لإبادة الطرف الآخر ، ومن ثمّ فإنّ هذه الأيدلوجية التي تبرّر العنف تجاه الطرف الآخر يطلق عليها إرهاب ، فإذا كان المقصود من الأيدلوجية في هذا التعريف الدين ، فسنبيّن في ما يأتي ، ما هي ضابطة الإرهاب ، وما هو ميزان الإرهاب ؟
وهناك نقاش محتدم بين الدول حول تحديد الأُسس القانونية لمفهوم الإرهاب ، وهناك الكثير من المزايدات والمغالطات في أروقة الأُمم المتّحدة أو في الفضائيات أو غيرها من وسائل الإعلام التي تعمل على إضفاء أجواء غائمة قاتمة حول مفهوم الإرهاب ، وعدم وضع النقاط على الحروف في ما هو غائم في مفهوم الإرهاب .
الإرهاب الصهيوني
ولو أردنا أن نحكم على أيدلوجية معيّنة بأنّها إرهاب ، لكانت الأيدلوجية اليهودية الصهيونية هي أكثر الأيدلوجيات إرهاباً في العالم ، وقد تمّ بيان هذا المطلب في المؤتمر الذي عُقد مؤخّراً في جنوب أفريقيا حول موضوع العنصريّة ، وهذا جلّي وواضح من خلال البروتوكولات الصهيونية ، أو حتّى في التوراة المحرّفة ، والتي تدعو اليهود إلى إشاعة الرذيلة والاضطراب والفوضى والاستعباد في المجتمع البشري ، أي : ينبغي للناس أن يكونوا عبيداً للعنصر اليهودي باعتبارهم شعب الله المختار ، والذي يقرأ بروتوكولات الصهيونية يستشف وجود نفسيّة معقّدة حاقدة تقف وراء هذه البروتوكولات ، وأنّها ليست مبنيّة على أُسس عقليّة ومنطقيّة صحيحة ، وهم يسعون بشتّى الطرق والوسائل لنشر التحلّل الخلقي ، وهم يقفون وراء التحلّل الأخلاقي في أمريكا وأوروبا .
وقد سجّلت الإحصائيات أنّ أكثر دولة ينتشر فيها السطو المسلّح هي فرنسا ، وقد حاولت بعض الدراسات التعرّف على الأسباب ، فكانت النتيجة هي تأثير أفلام الجريمة الأمريكية في هذا المجال .
الهندوس والبوذيّون والثقافة المنحلّة
وحتّى الهندوس والبوذيين في الهند واليابان أيضاً ضجّوا خوفاً من اختراق هذه الثقاقة المنحلّة إلى مجتمعهم ، وهذه الثقافة تقف وراءها أصابع صهيونية وبصمات إسرائيلية التي تهدف إلى ترويج الشذوذ الجنسي والإجرام وعبادة الشيطان واختراع الأديان الزائفة وتدمير الأديان الأُخرى غير الدين اليهودي .
لماذا غضّ النظر عن الإرهاب الصهيوني
نحن نقول لمن وضع هذا التعريف : لماذا لا تحارب العقيدة اليهودية التي تحمل
هذه الأفكار الهدّامة؟! ومع هذا وقفت الدول الأروبية لمساندة الكيان الصهيوني بكل وقاحة وصلافة وقلّة حياء ، فلماذا يتنكّرون للمبادىء التي يعتقدونها ، والشعارات التي يرفعونها؟! بحيث انسحبوا من المؤتمر الذي يدين العنصريّة ، والذي اعتبر الكيان الصهيوني كياناً عنصرياً .
إذن الأقوياء في العالم يتلاعبون في القوانين من أجل أن يستبّدوا بالضعفاء ، لا سيّما إذا كان هؤلاء الضعفاء لا يمتلكون وعياً سياسياً وثقافة قانونية .
اتهام الإسلام بالإرهاب
ولماذا تمتد أصابع الاتهام للإسلام بأنّه يؤيّد الإرهاب ، ولا تمتد هذه الأصابع للرأسمالية ودول الاستكبار بأنّها مدمّرة لسلام وأمن العالم على المستوى الاقتصادي والمالي والخُلقي ، وتهدّد هويّات الدول والقوميات المختلفة؟! فهم يكيلون بمكيالين بحيث يطبّقون مصداق التعريف على الإسلام ، وينكرون انطباقه على الصهيونية والأنظمة الغربية .
القوى الخفيّة وراء عمليات الإرهاب العالمية
التعريف السادس للإرهاب هو: "العمل الإجرامي المصحوب بالرعب والفزع لغاية مّا" ، وهذا تعريف عام يشمل إرهاب الدولة .
الآن المافيا الأمنيّة ، وهم مجموعة من المرتزقة الدوليين أو أشرار العالم ، الذين لا يحملون هويّة ولا مبدأ ، نتساءل : من الذي يُؤسس هذه المافيا؟ فإن كانت غائبة عن الجهاز الأمني فكيف تدّعي أجهزة الأمن الغربية أنّها مسيطرة على الوضع الأمني العالمي ، وإذا كانت مطّلعة ومتمكّنة من اختراق هذه المجموعات فلماذا لا تخترقها؟
هناك مافيا اغتيالات ، ومافيا إجرام لزعزعة الأمن في الدول الأُخرى بواسطة
مافيا إعلامية تربك الوضع الأمني عبر إذاعة أو فضائية أو برنامج معيّن يضرب على أوتار حسّاسة.
تسليط الأضواء الإعلامية من أجل تمرير مخططات شيطانية
فمثلا : هناك روابط بين ضرب العراق والاعتراف بإسرائيل ، ولذلك فهم يسلّطون الأضواء على جانب معيّن من أجل أن يمرّروا مخططاتهم الشيطانية في جانب آخر ، والضجّة الإعلامية هنا قد تخدم أغراضاً معيّنة هناك ، قال تعالى: {وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مّـِنَ الاَْمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الاَْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}(1) .
دور الإعلام الخطير والمشبوه
الإعلام الآن مرتبط بالتاريخ وبعلم النفس والسياسة والأمن والجانب المالي والجانب الاجتماعي ، ويعمل على إجراء غسيل لأدمغة الشعوب وغيرها ، كأن يقوم الإعلام بعملية تلقين لشعب مّا أنّه شعب متخلّف ، وعندما يقتنع بأنّه شعب متخلّف سوف يبحث عن التحضّر والتقدّم ، ولكن أين يجد هذا التحضّر؟ يجده عند الجهة التي كانت تستخدم الإعلام لإقناع هذا الشعب بأنّه متخلّف ، وتكون النتيجة تبعيّة هذا الشعب لتلك الجهة فيعيش حالة التقهقر والانكسار والتراجع وعدم الثقة في النفس .
نشر أخبار كاذبة لخدمة جهات معيّنة
أو خبر واحد يقلّب الأسعار في سوق النفط والأسهم وغيرها ، ولا يستند هذا الخبر إلى حقائق ، بل إلى إشاعات وأوهام ، والقرآن الكريم يقول : {وَالْفِتْنَةُ
____________
1- النساء (4) : 83 .
أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ}(1) ، فتكون الفتنة الإعلامية أشدّ وقعاً من السلاح الحربي ، وذلك لأنّ البشر موجود ذو شعور وإدراك ، ويتأثّر بالفكر ، وعن طريق الفكر تستطيع أن تغيّر اتجاهات ، وتثير حروب أو توقف حروب ، وأن تقلب الموازين هنا وهناك .
العالم الغربي يحتكر التطوّر ولا يكشف أسراره ، ولكن يصدّر الرذيلة والتلوّث البيئي والتلوّث الأخلاقي والتلوّث النفسي ، والبعض من المتأثّرين بالفكر الغربي يعيب على الفقه الإسلامي بأنّه يحلّل ويحرّم ويتكلّم عن الطهارة والنجاسة وغيرها ، والآن تبيّن أنّ التشريع الإسلامي له دور كبير في حفظ المسلمين من الأمراض ، وأنّ أحكامه تحافظ على البيئة وصحة المجتمع .
التعريف السابع للإرهاب هو : "العنف الشديد ضدّ الأبرياء والمسالمين" ، وهذا تعريف صحيح ، وقد تكلّمنا عنه آنفاً.
التعريف الثامن للإرهاب هو : "الاستعمال غير المشروع للقوّة والعنف والعدوان على الأرواح والأموال العامّة والخاصّة ، وأنّه منهد نزاع عنيف يقصد الفاعل بمقتضاه ، وبواسطته الرغبة الناجمة إلى تغليب رأيه السياسي ، وسيطرته على الطرف الآخر من مجتمع أو دولة" .
هذا التعريف لا بأس به إلاّ أنّه لا يبيّن مناط الشرعية وعدم الشرعية ، ومن هي الجهة التي تحدّد هذه الشرعية؟ وعلى أيّ أُسس تحدّد هذه الممارسة أو تلك بأنّها شرعية أو ليست شرعية؟ وهل هي سلمية ومنطقية ودفاعية أو أنّها إرهابية وعدوانية؟
في الإرهاب الإعلامي تحاول الجهة القائمة عليه أن تمارس ضغوطاً معيّنة من أجل استمالة أطراف معيّنة ، وقد يحدث هذا في الطائفة الواحدة من أجل
____________
1- البقرة (2) : 191 .
تغيير بعض الموازين .
وهناك مؤاخذتان على هذه التعاريف التي ذكرناها :
المؤاخذة الأولى : إغفال عنصر الخفاء.
أنّ هذه التعاريف أغفلت عنصر الخفاء ، مع أنّ العمليات الإرهابية تقوم بها عناصر خفيّة وغير معروفة ، ووراءها أصابع مشبوهة ، وليست كالحرب التي يُعرف الطرفان المتنازعان فيها ، وإغفال عنصر الخفاء جاء متعمّداً حتّى لا تسلّط الأضواء على القوى الكبرى التي تعمل وتقف وراء العمليات الإرهابية في هذا البلد أو ذاك ، فمثلا : الفتنة الطائفية في پاكستان من الواضح أنّ هناك أصابع استكبارية تعمل من تحت الستار ، على إذكاء هذه الفتنة الطائفية التي لا طائل منها سوى تشويه الدين الإسلامي ، وإظهاره بصورة وحشيّة ، بل هم يعملون على زرع ، وتأسيس الفكر المتطرّف ، كتأسيس حكومة طالبان ، وإمدادها بالسلاح لتشويه الإسلام ، والتشويش على التجربة المشرقة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تطبيق الإسلام ، وقد انقلب السحر على الساحر ، وتضرّرت أمريكا في نهاية الأمر من تأسيس حركة طالبان وحلفائها .
ومن الأمثلة على هذا الموضوع : إثارة النعرات القوميّة للبربر في المغرب العربي ، فنلاحظ أنّ إذاعة الـ "بي بي سي" تفتح ملفّات قديمة عن البربر ، وعن تعليم لغتهم ، والضرب على أوتار حسّاسة حتّى لو جنوا الثمار بعد سنين متمادية وهذا ما يحدث بالنسبة لنزاع الأقباط في مصر مع المسلمين ، وفي كل بلد يشعلون فتنة مدمّرة ; لكي يضغطوا على جهات معيّنة مستفيدين من تلك الفتنة التي حصلت هنا أو هناك ، وهذا هو إرهاب الدولة بعينه .
إذن إغفال عنصر الخفاء يمثّل ممالئة من قبل القانونيين إلى الدول التي تمارس الإرهاب .
المؤاخذة الثانية : ما هو الميزان والفيصل في تحديد الإرهاب؟
من الواضح أنّه لابد من استخدام القوّة في بعض الموارد ، وأنّ وجود القوّة الغضبية لها حكمة إلهيّة ، وهي ردع العدوان الذي يحصل من الطرف الآخر ، ولذلك يثني القرآن الكريم على الإرهاب الذي يكون هدفه صدّ الاعتداء ، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمْ}(1) ، وكذلك مدح القرآن الكريم الرهبان ، قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ}(2) ، والراهب إنّما سمّي راهباً ; لأنّه يعيش الرهبة والخوف والخشية من الله تعالى ، كما هو أحد وجوه التسمية .
ومن المسلّم به أنّ هدف القانون الجنائي والجزائي أو تشريع فقه الحدود والقصاص هو ردع المتعدّي ، ومن ثم السيطرة على شروره ، وقطع الطريق أمام أهدافه المدمّرة ، فهذا كله إرهاب محمود ، ويقبله العقل والشرع .
أمّا الإرهاب المذموم فهو إرهاب العدوان والاستغلال والاستئصال وتجاوز الحدود ، وليس منه ما يفعله الآن مجاهدو فلسطين ولبنان الذين يرهبون العدوان الصهيوني ، ويوقفون عدوان العدو .
____________
1- الأنفال (8) : 60 . 2- المائدة (5) : 82 .
الضابطة في قبول الإرهاب
الضابطة في قبول الإرهاب أو رفضه هو تجاوزه للحدود فإذا كان الإرهاب متجاوزاً للحدود وعدوانياً كان إرهاباً غير شرعي ومُداناً ، ويجب التصدي له ، أمّا إذا كان الإرهاب لردع العدوان فهو إرهاب إيجابي ، وردّ العدوان بالإرهاب الإعلامي أفضل من الحرب ; لأنّ الحرب تكون نتيجتها الضحايا والقتلى والخسائر المادية والبشرية .
وإذا كان الإرهاب لنيل الحقوق بدون التعدّي على حقوق الآخرين فهو إرهاب ممدوح ، أمّا إذا كان الإرهاب للتعدّي على الحقوق فهو إرهاب سلبي ، والشهيد محمد باقر الصدر(قدس سره) له كلام في قبح الظلم وحسن العدل ، أي : كيف نعرّف الظلم؟ الظلم هو تجاوز حدود الآخرين ، والعدل هو أن تستوفي حقوقك من دون أن تتعدّى على حقوق الآخرين .
الخلفيّة الحقوقية والأخلاقية والعقائدية للقوانين
والحقّ يقنّنه المشرّع ، وهنا نرجع إلى البحوث الأولى في سلسلة بحوثنا هذه التي بيّنا فيها أنّ القانون يستند إلى خلفيّة حقوقية ، والحقوق تستند إلى خلفيّة أخلاقية ، والأخلاق تستند إلى رؤية كونية عقائدية .
فلا يمكن فرض الحقوق التي تستند إلى رؤية أخلاقية ترجع إلى رؤية عقائدية مادية على من يعتقد بالرؤية الكونية والعقائدية الإلهية ; لأنّ المؤمن بالله يعتقد بأنّ الله هو خالق الكون ، وهو أعلم به من غيره ، قال تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(1) ، وهؤلاء الماديين لا يعترفون بالخالق ، وإنّما يجعلون الفرد هو المحور ، ويركّزون على حريّته التي تطلق العنان لغرائزه وشهواته ونزواته ، وهكذا
____________
1- الملك (67) : 14 .
شعار تحرير المرأة ، حيث تكون النتيجة أن تصبح المرأة سلعة تباع وتشترى ، وفي أحد خطاباته ، قال الرئيس الأمريكي: "سنحرّر العالم الإسلامي من البرقع ، وسنطلق الحقوق الجنسية" ، ومن قال إنّ ما يسمّيه الحقوق الجنسية هي حقوق؟! بل هي مجموعة من الرذائل والسقوط الأخلاقي .
القوى السامية في أعلى الإنسان
وهنا لفتة لطيفة ، وهي : أنّ الله قد جعل القوى السامية في الإنسان في أعلاه ، وجعل القوى السافلة في أسفله فجعل القوى العقليّة والبصر والسمع والنطق في أعلاه ، والقوى الشهوية في أسفله ، وهؤلاء يريدون أن يقلبوا الموازين بحيث يجعلون أسفله أعلاه وأعلاه أسفله .
وحتّى لو قلنا أنّ الفرد هو المحور فلماذا لا نركّز على القوى السامية في هذا الفرد؟!
والواقع إنّهم يركّزون على القوى الشهوية والغضبية لا القوى العقليّة .
لا للعبوديّة للاستكبار
قال الله تعالى : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}(1) ، أي : إنّنا نسلّم أنّ الكبرياء لله ، والعظمة لله ، والحاكمية لله ، والتشريع لله ، وأنّ الملك لله ، والخلق عبيده ، ولا يمكن تحقيق العدالة في كل جوانبها الاقتصادية والقانونية والسياسية إلاّ إذا جعلنا المحور هو الله تعالى ، وأمّا إذا أصبحت الربوبيّة والألوهية والملك والعظمة للجانب البشري فهنا تقع الكارثة
____________
1- آل عمران (3) : 64 .
وتدبّ الفتن بين الناس ، وإذا تركنا الأمر لتحديد الحدود بيد البشر فإنّ كل جهة ستعمل على تحقيق مصالحها ، كما هو حاصل الآن ، حيث يستخدم مصطلح الإرهاب لمحاربة جهات تجاهد من أجل تحرير أراضيها ، ولا يستخدم ضدّ المحتل العدواني ، فهذا منطق تعسّفي .
المحاضرة العاشرة
الإمام الحسين(عليه السلام) اختار الشهادة ، ولم يرضخ للإرهاب
محاور المحاضرة :
أوّلا : من رضي بعمل قوم أشرك معهم .
ثانياً : لابد من وضوح الموقف تجاه الحق والباطل .
ثالثاً : أسباب الإرهاب في النصوص الدولية .
رابعاً : معالجة أسباب الإرهاب .
خامساً : عدم الرضوخ للإرهاب .
سادساً : مقارنة بين موقف النبي(صلى الله عليه وآله) وموقف الإمام الحسين(عليه السلام) .
سابعاً : هل اختبرت نيّة أصحابك ؟
من رضي بعمل قوم أشرك معهم
نعزّي سيد المرسلين(صلى الله عليه وآله) في مصيبة ولده الإمام الحسين(عليه السلام) ، ونتبرّأ ممّن قتله وظلمه وانتهك حرمته.
وبعد فإنّ هناك حقيقة قرآنية يخاطب بها الله اليهود الذين عاصروا النبي(صلى الله عليه وآله) ، ويحمّلهم ما اقترفه آباؤهم قبل عدّة قرون ، فنلاحظ ذلك في سورة البقرة (1) ، ومن ذلك قتل الأنبياء وتحريف الكتاب وإعانة الظالمين ، وقد علّل المفسرون هذا الخطاب بأنّ الجيل الذي عاصر النبي(صلى الله عليه وآله) كان مقرّاً وراض . عمّا فعله أسلافه في
____________
1- البقرة (2) : 51 ، آل عمران (3) : 183 .
تلك القرون ، فلذلك فإنّ الغضب الإلهي الشديد لليهود الذين عاصروا النبي(صلى الله عليه وآله)وكأنهم هم أولئك الذين اقترفوا تلك الجرائم في تلك العهود .
لابد من وضوح الموقف تجاه الحق والباطل
ونحن نتعلّم من هذا درس أن نقف مع الحق وأن نتبرّأ من الباطل ، ويجب أن نوالي الحق ونسانده ونحبّه ، ومن هذا المنطلق يجب على الأُمة الإسلامية أن نتبرّأ مما فعله بنو أمية من جرائم وفظائع وظلم لأهل البيت(عليهم السلام) ، وأن توالي سيد الشهداء(عليه السلام) ; لأنّ موقفها هذا هو بمثابة الحضور في ساحة كربلاء لنصرة الحسين(عليه السلام) ، أمّا الراضون بقتله فهم بمثابة الذين حضروا كربلاء لكي يقتلون سيد الشهداء(عليه السلام) .
في النصوص الدولية يذكرون عدّة أسباب للإرهاب وهي :
1 ـ عدم احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية .
2 ـ عدم احترام حقوق الطوائف والأقليات .
3 ـ عدم الإقرار بحق الشعوب في تقرير مصيرها .
4 ـ التمييز العنصري والطائفي .
5 ـ العدوان على شعوب العالم الثالث .
6 ـ التدخّل في الشؤون الداخلية للدول المتحرّرة من قبل الدول العظمى .
7 ـ احتلال الأراضي .
معالجة أسباب الإرهاب
ولقد أحسنت إحدى الدول الإسلامية عندما نصحت الدول الكبرى بأنّ معالجة الإرهاب إنّما تتم بمعالجة أسبابه لا بالتصدّي لآثاره فإنّ هذا لن يحلّ المشكلة ، والحلّ يكمن في إعطاء كل ذي حق حقه .
عدم الرضوخ للإرهاب
ولقد أعطانا الإمام الحسين(عليه السلام) درساً في الصمود في ميدان المطالبة بالحق مهما بلغ بطش الطغاة ، قال(عليه السلام) : "ألا وإنّ الدعي ابن الدعي قد ركّز بين اثنتين بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة يأبى الله لنا ذلك ورسوله..."(1) ، والطاغي إنّما جعل له خيارين : إمّا الخضوع والذل والاستسلام ، وإمّا القتال والاستشهاد فاختار الإمام(عليه السلام)لغة القوّة وان لم يبتدء بها ، ولكنّه رفض الخضوع أمام القوّة والتهديد ، وهذا هو الدرس المستفاد من عاشوراء ، وهو عدم الاستسلام لبغي وبطش الدول الكبرى على حساب المبادىء والقيم والالتزام بالخط الإلهي العظيم .
وحينئذ تكون مجابهة القوّة بالقوّة مجابهة مشروعة ، وكان الإمام الحسين(عليه السلام)له حدود لا يخرج عنها ، وله موازين لا يتعدّاها ، وهي الموازين الشرعية الإسلامية .
مقارنة بين موقف النبي(صلى الله عليه وآله) وموقف الإمام الحسين(عليه السلام)
هل كان أصحاب الحسين(عليه السلام) في ليلة عاشوراء مستعدّين لتلك المواجهة الصعبة؟ ولماذا استمرّوا في نصرة سيد الشهداء ، مع أنّ الحسين(عليه السلام) قد برّأ ذمّتهم ، وجوّز لهم الانصراف؟ وحينها سيكون وحده يواجه هذا الجيش الجرّار ، وقد أمر الله النبي أن يجاهد الكفار حتّى لو وصل به الأمر أن يبقى لوحده في الميدان ، قال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ}(2) ، فالحسين مستعدّ للقتال حتّى لو كان ويحداً ، وهذا يدلّل على أنّ موقف الحسين(عليه السلام) في قتال بني أمية يضاهي ويماثل موقف النبي(صلى الله عليه وآله) في قتال الكفار ، وهذا لم يكن للإمام علي(عليه السلام) ; لأنّ وظيفة
____________
1- الملهوف على قتلى الطفوف : 156 ، المسلك الثاني في وصف حال القتال ، خطبة الامام الحسين(عليه السلام) أمام معسكر ابن سعد . 2- النساء (4): 84 .
الإمام علي (عليه السلام) ، وكذلك الإمام الحسن(عليه السلام) أن يستنصر المسلمين في قتال أعدائه فإن نصروه جاهدهم وإن لم يفعلوا فلا يبقى لوحده في الميدان ويسقط عنه التكليف ، أمّا الإمام الحسين(عليه السلام) فوظيفته الشرعية أن يبقى ولو كان وحده ، كما أمر الله نبيّه(صلى الله عليه وآله) في الآية الآنفة الذكر .
هل اختبرت نيّة أصحابك؟
وهكذا ثبت الإمام الحسين(عليه السلام) ، وثبت معه أهل بيته وأصحابه ، وكان الإمام(عليه السلام)قد ورث الشجاعة من جدّه(صلى الله عليه وآله) الذي كان الإمام علي(عليه السلام) يقول عنه : "لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله(صلى الله عليه وآله).."(1) وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "أمّا الحسن فإنّ له هيبتي وسؤددي ، وأمّا الحسين فإنّ له شجاعتي وجودي"(2) . والملفت في سيرة سيد الشهداء(عليه السلام) أن غربل وصفّى واختبر أصحابه منذ خروجه من مكة المكرمة ، وهذا ما كان يثير قلقاً عند الحوراء زينب(عليها السلام) حين قالت له في كربلاء : "أخي ، هل استعملت من أصحابك نياتهم فإنّي أخشى أن يسلّموك عند الوثبة واصطكاك الألسنة!"(3) ، ولكن الحسين(عليه السلام) كان مطمئناً من وقوف هؤلاء الأبطال في هذا الزلزال الرهيب وقوف الجبال الرواسي ، وكانت المهمة صعبة ، وكربلاء لا ترضى أن يكون أبطالها إلاّ عمالقة في الإنسانية ، وقمم في الفضيلة .
ولذلك لا تجد باحثاً أخلاقياً ، ولا باحثاً قانونياً يستطيع أن يسجّل مخالفة أخلاقية أو قانونية ارتكبها أصحاب الإمام الحسين(عليه السلام) رغم صعوبة الظروف وشدّة الموقف .
____________
1- ميزان الحكمة 5: 224 ، الحديث 14886 . 2- ميزان الحكمة 1: 153 ، الحديث 1114 . 3- موسوعة كلمات الامام الحسين : 493 ، علاج سيفه وكلامه مع اخته .