(3)
عاشوراء ومفهوم العولمة
المقدّمة
وصلّى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين .
أمّا بعد ،
فهذه عدّة محاضرات ألقاها سماحة العلاّمة الشيخ محمّد السند في مأتم السّماكين في المنامة عام 1425هـ في موسم عاشوراء ، وكانت بعنوان عاشوراء ومفهوم العولمة ، وقد كتبت هذه المحاضرات بعد أن سمعتها من قرص مدمج ، ولخّصت كل محاضرة على حدة ، ووضعت محاورها في عدّة نقاط ; لكي يتسنّى للقارىء معرفة المضامين التي تحتوي عليها المحاضرة .
وفي هذه المحاضرات شرح سماحته معنى العولمة ، وذكر تحقق هذا المعنى في الأُمم السابقة ، ووجود محاولات في هذا المجال في التاريخ البشري ، ثم قارن بين العولمة بالمفهوم الإسلامي ، والعولمة بالمفهوم غير الإسلامي ، وبيان الثغور الواقعة فيه ، كما أنّه وضّح أنّ العولمة ينبغي أن تُبنى على العامل الثقافي بالدرجة الأُولى ، وقد استشهد في محاضراته بنصوص من القرآن الكريم ومن سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) ، لا سيّما الإمام علي (عليه السلام) والإمام الحسين(عليه السلام) ، وقد تطرّق أيضاً إلى موضوع الأُمم المتّحدة ، وتقييم نموذجها من خلال مفهوم العولمة .
ثم طرح بعض الملاحظات على أفكار العاملين في مسيرة التقريب بين المذاهب الإسلامية ، وما ينبغي أن يكون عليه الحوار بين هذه الطائفة وتلك ، ونوّه إلى بعض جوانب النقص والخلل في هذه المسيرة ، كما أنّه أثنى على القائمين عليها على جهودهم لتوحيد الصفّ الإسلامي .
أتمنّى للقاريء العزيز أن يستفيد من هذه المحاضرات المكتوبة ، وأن يضيف إلى سلّة معلوماته باقة جميلة من العلم المفيد ، ولا يفوتني أن أشكر سماحة الشيخ على تكليفه لي بهذه المهمّة النبيلة ، وأسأل الله له ولنا التوفيق وصحبة محمّد وآله يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم .
سيد هاشم سيد حسن الموسوي
21 جمادى الأولى 1425هـ
9 / 7 / 2004م
عناوين المحاضرات
المحاضرة الأُولى: الموقف من أحداث التاريخ وشخصيّاته .
المحاضرة الثانية : إشكالات حول الشعائر الحسينية .
المحاضرة الثالثة : الحسين والخطاب العولمي ، والعولمة في العصور السابقة .
المحاضرة الرابعة : الوحدة الثقافية أوّلا .
المحاضرة الخامسة : الإسلام يعترف بالشعوب والقبائل ، ولكن لا يجعلها أساساً للمفاضلة .
المحاضرة السادسة : نتائج اهتمام المجتمع بقيمه ، ونتائج إهمالها .
المحاضرة السابعة : الحوار الحقيقي يوازن بين نقاط الاختلاف ونقاط الاتفاق .
المحاضرة الثامنة : الحفاظ على الوحدة الإسلامية مع وجود الخلاف في الأصول والفروع .
المحاضرة التاسعة : الحسين(عليه السلام) وتهمة شقّ عصا المسلمين .
المحاضرة الأُولى
الموقف من أحداث التاريخ وشخصيّاته
محاور المحاضرة :
أوّلا: القرآن الكريم يحاكم الشخصيّات التاريخية ، وكذلك السنّة المطهّرة والفطرة الإنسانية والعقل البشري .
ثانياً: سنّة الرثاء في القرآن الكريم .
ثالثاً: موقف القرآن الكريم من البدريين الذين كانوا مع النبي محمّد(صلى الله عليه وآله).
رابعاً: اللعن مفهوم قرآني يراد منه البراءة من الظالم ومساندة المظلوم .
خامساً: اتخاذ الموقف من أحداث التاريخ وشخصيّاته بناءً على مفهوم انكار المنكر .
سادساً: انكار المنكر التاريخي في القرآن الكريم .
سابعاً: ولعن الله أمّة رضيت بذلك .
ثامناً: البراءة على صعيد العلاقات الدولية .
القرآن الكريم يحاكم الشخصيّات التاريخية ، وكذلك السنّة المطهّرة والفطرة الإنسانية والعقل البشري
من الاُمور التي تثير الآخرين ، ويكثرون التساؤل عنها ، هي أنّ أتباع أهل البيت(عليهم السلام) يصرّون على التنقيب في التاريخ وعلى القضاء التاريخي ، أي: يتّخذون
مواقف قضائية تجاه الأحداث التاريخية ، وهم يعترضون على الشيعة بحجّة أنّ ذلك يوجب الشحناء والبغضاء في صفوف الاُمّة الإسلامية ، وإثارة النعرات الطائفية في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى تأليف القلوب وتوحيد الصفوف أمام التحدّيات الراهنة.
ونحن سنجيب على هذا الإشكال ، وذلك من خلال الآيات القرآنية الشريفة والسنّة المطهّرة والأدلة المتّفق عليها بين الفريقين والدليل العقلي والقانون البشري ، كل هذه الأُمور تحثّ الإنسان على نبش التاريخ والتنقيب عنه واتخاذ مواقف ممّا حدث في التاريخ .
سنّة الرثاء في القرآن الكريم
وقد تكلّمت في العالم الماضي عن سنّة قرآنية عظيمة، ولم أقف على من ذكر هذه السنّة القرآنية ـ في حدود استقصائي ـ ولم أقف على من آثار هذه الدلالة القرآنية من علمائنا ـ فضلا عن علماء المذاهب الاُخرى ـ ألا وهي استعراض القرآن الكريم للظلامات التاريخية ابتداءً من قصّة هابيل وقابيل(1) ومروراً بأصحاب الأُخدود(2) وقتل الأنبياء(3) ومظلومية النبي يوسف(4) وأصحاب الكهف الذين وحّدوا الله بفطرتهم(5) ، ولم يكونوا ينتسبون إلى دين من الأديان ، "كما هو أحد الآراء التفسيرية" ، وللأسف لم أسمع أحداً من الأُدباء من أتباع الإمامية من طرق هذا الباب، وهذا السبق سبق أدبي وسبق قرآني وسبق تربوي وسبق
____________
1- المائدة (5) : 27 ـ 31 . 2- البروج (85): 4 ـ 8 . 3- البقرة (2): 61 . 4- يوسف (12): 4 ـ 33 . 5- الكهف (18): 9 ـ 26 .
اجتماعي وسبق اعتقادي ، وهو وجود أدب الرثاء والندبة والعزاء في القرآن الكريم، وللأسف لم يثر مفسّروا الإمامية هذا الباب، وهو باب أدب الرثاء، مع أنّ القرآن الكريم يحمل الأُسلوب الرثائي بطريقة عاطفيّة جيّاشة، وهذا الباب ـ أدب الرثاء ـ يقف إلى جانب أدب الحكم والمواعظ والأمثال والوعيد والبشارة .
والرثاء في القرآن الكريم بأُسلوب عاطفي جيّاش يهدف إلى إيصال المستمع للقرآن إلى التضامن مع المظلوم، والتنديد بالظلم والظالمين، ولو حلّلنا سورة البروج في موضوع أصحاب الأُخدود، وحلّلنا قصّة هابيل وقابيل لرأينا أنّها في منتهى الإثارة العاطفيّة للقاريء ، وهذا ليس أدب رثاء فقط ، ولكن كل ختمة نختمها من القرآن الكريم تتطوي على العديد من المراثي والندب ، وهذا مطلب قرآني يهدف إلى فتح الملفّات التاريخية ، ومن الملفّات التي فتحها القرآن الكريم الملفّات التاريخية المتعلّقة بالنبي وأصحابه ، فنرى أنّ القرآن الكريم يفتح هذه الملفّات ويصنّف المحيطين بالنبي ، ويصفهم بأوصاف إيجابية وسلبية بدرجات مختلفة ، فيصف بعضهم بالمنافقين والمرجفين في المدينة(1) والمعوّقين والمبطئين والمتخلّفين(2) ، كما أنّ هناك أوصافاً إيجابية تصفهم بأنّهم أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم تراهم ركَّعاً سجَّداً يبتغون فضلا من ربّهم(3)
موقف القرآن الكريم من البدريين الذين كانوا مع النبي محمّد(صلى الله عليه وآله)
في هذا العام زرت مكان معركة بدر الكبرى ، والتي تبعد 150 كم عن المدينة المنورة ببركات النبي محمّد(صلى الله عليه وآله) وأئمة البقيع(عليهم السلام) والبضعة الطاهرة(عليها السلام) ، وهناك
____________
1- التوبة (9): 73 ـ 87 . 2- الأحزاب (33): 18 ، الفتح (48): 11 . 3- الفتح (48): 29 .
رأينا أحد المشايخ ، وقال لي : هل جئتم هنا إلى زيارة القبور؟ فقلت له : لا ، وإنّما أتيت هنا لأرى مسرح المعركة التي انتصر فيها المسلمون ، وكان لعلي(عليه السلام) دور أساسي ومحوري في هذا النصر ، وهناك فتحنا القرآن ، وحاولنا معرفة مكان العدوة الدنيا والعدوة القصوى ومكان الركب الموصوف في الآية بـ {أسفل منكم}(1) ، حيث كان الإمام الصادق(عليه السلام) يوصي ابن أبي يعفور ، ويقول: لا يفوتنّك مشهد من مشاهد النبي إلاّ واشهده(2) ، ولعلّ في بعض الروايات وصلّ فيه ركعتين(3) .
وهناك ، ونحن ننظر إلى ساحة المعركة ففتحنا القرآن ، وقرأنا في سورة الأنفال، وقرأنا هذه الآية أمام ذلك الشيخ الذي أنكر علينا زيارة القبور ، {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاَءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(4) .
واستنتجنا من الآية الكريمة أنّه كانت فئتان يذمّهما القرآن من بين البدريين أنفسهم ـ فضلا عن جميع الصحابة ـ وهاتان الفئتان هما : المنافقون والذين في قلوبهم مرض، وعندما واجهنا ذلك الشيخ بهذه الآية قال: إنّ بدر لم تكن مدينة مسكونة .
فقلت له: إنّ القرآن لا يتكلّم عن سكّان بدر ، وإنّما يتكلّم عن بعض الصحابة الذين كانوا مع النبي يحاربون ولكنّهم كانوا منافقين .
وعندها قال الشيخ : إنّي مرتبط بعمل وأريد الانصراف .
قلنا له: انصرف .
____________
1- الأحزاب (33): 10 . 2- كامل الزيارات: 66 ، الحديث 52 . 3- جامع أحاديث الشيعة 15: 70 ، الحديث 20598 . 4- الأنفال (8): 49 .
يقول السيد الطباطبائي في الميزان في ذيل هذه الآية: "أي: يقول المنافقون ، وهم الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ، والذين في قلوبهم مرض ، وهم الضعفاء في الإيمان ممّن لا يخلو نفسه من الشكّ والارتياب . يقولون ـ مشيرين إلى المؤمنين إشارة تحقير واستدلال ـ غرَّ هؤلاء دينهم إذ لولا غرور دينهم لم يقدموا على هذه المهلكة الظاهرة ، وهم شرذمة أذلاّء لا عدّة لهم ولا عُدّة ، وقريش على ما بهم من العدّة والقوّة والشوكة"(1) .
القرآن الكريم يندّد ببعض البدريين ، كما هو صريح الآية المذكورة ، و"... مع ذلك نرى بعض المسلمين يعتقدون أنّ كل أهل بدر مغفور لهم حتى لو ارتكبوا ما ارتكبوا ، ولعلّ الله عزّ وجلّ إطلع على أهل بدر ، فقال: إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم..."(2) ، والسيد الطباطبائي يردّ على هذه الرواية(3) ; لأنّها تخالف صريح القرآن الذي ندّد ببعض البدريين .
اللعن مفهوم قرآنى يراد منه البراءة من الظالم ومساندة المظلوم
ونحن نركّز على القرآن فضلا عن كتب التاريخ والسير والمراجع التي يعتمد عليها الفريقان ، القرآن يعلّمنا نبش التاريخ ومحاكمة الشخصيات التاريخية واتخاذ المواقف منها، ونحن هنا نعلن شرعية اللعن المتمثّل بالبراءة من الظالم والوقوف مع المظلوم ، واللعن ليس مفهوماً شيعياً عصبياً خرافياً أُسطورياً ناشئاً من العُقَد النفسيّة ، وإنّما هو مفهوم قرآني إسلامي أصيل ، وحتى في العرف القانوني الحديث فيها اللعن بتسميات أُخرى ، وهي الاستنكار والشجب والإدانة ، وفي
____________
1- الميزان 9: 99 . 2- صحيح البخاري 3: 300، الحديث 4890، كتاب التفسير 65، سورة الممتحنة 60، باب "لا تتخذوا عدوّي وعدوكم اولياء" . 3- الميزان 19: 236 .
مقابلها التضامن والمساندة والتأييد والدعم ، وهذا هو التبرّي والتولّي ، ولكن بمصطلحات حديثة ليس إلاّ .
القرآن لا يدعو إلى نصرة المظلومين والمصلحين الشرفاء فحسب ، وإنّما يدعو إلى شجب وإدانة واستنكار ولعن الظالمين الذين لوّثوا التاريخ البشري ، وتعدّوا على حق البشرية حتى لو صاروا رفاتاً وتراباً ، والاستنكار من صميم الوجدان البشري ، ومن فطرة الإنسان .
والبعض حتى من المثقفين يستوحشون من اللعن ، والمشكلة لا تكمن في حروف اللعن "ل ع ن" ، وإنّما في مضمون اللعن ، واتخاذ الموقف المضاد للظالمين ، ولهذا فاللعن الوارد في زيارة عاشوراء ينطلق من هذا المنطلق ، وهذا هو منطق القرآن الكريم .
اتخاذ الموقف من أحداث التاريخ وشخصيّاته بناءً على مفهوم انكار المنكر
وأضيف لما ذكرته في العام الماضي ـ وهو أنّ القرآن كتاب رثاء وندبة ـ أنّ القرآن الكريم يدعو إلى اتخاذ الموقف ، ومحاكمة الأحداث التاريخية وشخصيّاته ، ومن الضروريات الفقهية المتسالم عليها بين الفريقين هي إنكار المنكر ، ويشمل مفهوم إنكار المنكر إنكار المنكر التاريخي ، والذي مرّ عليه زمان طويل ، ومن المعروف أنّ مراتب إنكار المنكر هي الإنكار بالقلب ثمّ باللسان ثمّ باليد ، وحيث إنّنا لا نتمكن من إنكار المنكر التاريخي باليد واللسان إلاّ أنّنا نستطيع إنكاره بالقلب ، وأحداث التاريخ لها موضوع قائم فيجب إنكاره إنكاراً قلبيّاً ، نحن نقول: يجب ، ولا نقول : يجوز ; لأنّ اتخاذ الموقف من المنكر التاريخي ممكن بالقلب .
انكار المنكر التاريخي في القرآن الكريم
وهذا الكلام له شاهد من القرآن الكريم ، فالقرآن الكريم يعاتب ويؤنّب ويندّد باليهود المعاصرين للنبي محمّد(صلى الله عليه وآله) بما فعل أجدادهم قبل قرون عديدة ; لأنّهم متعاطفون مع أجدادهم ، والقرآن الكريم لا يخاطبهم مخاطبة المتعاطف مع الظالم ، وإنّما يخاطبهم مخاطبة الظالم والمرتكب للجريمة ، وله شواهد عديدة ، منها قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُول حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَان تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}(1) ، مع أنّ اليهود المعاصرين للنبي(صلى الله عليه وآله) لم يقتلوا رسل الله ، ولكن الله خاطبهم بهذا الخطاب ; لأنّ هؤلاء رضوا بفعلهم ولم ينكروا عليهم .
وكذلك قوله تعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}(2) ، مع أنّ اليهود المعاصرين للنبي ليسوا هم الذين عبدوا العجل .
ولعن الله اُمّة رضيت بذلك
ومن هذا المنطلق يحارب الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) أتباع بني أُمية باعتبار أنّهم رضوا بقتل الحسين(عليه السلام) ، وهذا ما فعله القرآن الكريم مع بني إسرائيل المعاصرين للنبي(صلى الله عليه وآله) ، وحملهم مسؤولية ما فعله أسلافهم .
وهناك حديث يقول : "بحشر المرء مع من أحب"(3) ، أمثال قابيل وقارون وفرعون؟!
وهناك دليل عقلي فطري يحسّن الحسن ويقبّح القبيح، فكيف نحارب فطرتنا ونطمسها؟!
____________
1- آل عمران (3) : 183 . 2- البقرة (2) : 51 . 3- بحار الأنوار 69: 81 ، كتاب الايمان والكفر، باب أنّ العمل جزء الايمان .
البراءة على صعيد العلاقات الدولية
أمّا على صعيد العلاقات الدولية ، ففي مطلع هذا العام الميلادي زار الرئيس الياباني قبور الجنرالات اليابانيين الذين شاركوا في الحرب العالمية فثارت ثائرة الصين وكوريا الجنوبية ، فلِمَ ثارت ثائرتهم ونبشوا التاريخ؟ ولِمَ ينبش الرئيس الياباني هذا التاريخ ؟
الصين تقول: أنّ هؤلاء الجنرالات قد قاموا بجرائم في حق الإنسانية ، ويجب اتخاذ موقف سلبي منهم والبراءة منهم ، ومن غير المناسب زيارة قبورهم ، بل طالب الصينيّون والكوريّون من الرئيس الياباني الاعتذار من هذا الفعل الذي يعدّ مساندة للمجرمين في حق الإنسانية ، وأنّ هذا الفعل يربّي الشعب الياباني على الإجرام ، ويرسّخ التجاوزات التي يقوم بها المجرمون في الأجيال القادمة .
إذن التاريخ يؤثّر في النفوس ، وهو مجموعة من العلوم التي يمكن تطبيقها في الواقع ، والتاريخ أبلغ تأثيراً في صياغة أفكار وعواطف المجتمع البشري من غيره .
وعندما يتساوى عند الإنسان الظلم والعدل ، ولم يتخذ المواقف المناسبة منهما فإنّه يصبح ظالماً بصورة تلقائية ، ولذلك يُرفض النازيّون والفاشيّون ، وتُرفض الإشادة بهتلر وموسيليني ; لأنّ التضامن مع مثل هذه النماذج السيئة يسبّب أزمة في المجتمع البشري ، ولهذا يركّز القرآن على الأحداث والسنن التاريخية والاستفادة منها .
التاريخ وعلم السيرة وتراجم الشخصيّات ليس تاريخاً قد مضى ، وإنّما هي عقيدة وعبرة وعظة وقراءة دينية ، وعدم الاعتبار من التاريخ يسبّب تكرار الخطأ الذي قام به الأوّلون .
إذن الإنسان الحضاري هوالذي يتمسك بالتاريخ ويستفيد منه في جوّ هاديء ، وفي جوّ الحوار العلمي الموضوعي ، وتكرار الأخطاء قد يُعطي إنطباعاً أنّها ليست أخطاء ; لأنَّ الناس يتفاعلون معها بشكل طبيعي ويعتادون عليها ولا ينظرون إلى الجانب السلبي منها .
المحاضرة الثانية
إشكالات حول الشعائر الحسينية
محاور المحاضرة:
أوّلا: إشكالات حول إحياء الشعائر الحسينية .
ثانياً: هذه الإشكالات لا تختص بالشعائر الحسينية .
ثالثاً: لا يمكن فرض ثقافة على الثقافات الأُخرى وإلغاء خصوصياتها .
رابعاً: خطورة طرح العولمة .
خامساً: من التقليد ما هو إيجابي ، ومنه ما هو سلبي .
سادساً : هل البكاء والحزن ظاهرة سلبية وهدّامة؟
إشكالات حول إحياء الشعائر الحسينية
الإشكال الأوّل:
إذا كانت الشعائر الحسينية عادات وتقاليد ، وتمثّل موروثاً بشريّاً ، فمن المعروف أنّ العادات والتقاليد قد تتغيّر أو تُلغى بحسب ما يمليه التطوّر البشري ; لأنّ العادات والتقاليد تتأثّر بالبيئة وبالحضارات الأُخرى.
والذين يطرحون هذه الإشكالات يطرحون بعض الشعائر الحسينية ، ويربطونها ببعض الطقوس التي كانت تمارسها الأُمم الأُخرى والحضارات الدينية والحضارات التي لا ترتبط بدين معيّن .
الإشكال الثاني :
البعض يرى أنّ الشعائر الحسينية تعتبر مجموعات أُسطورية ترسمها وتشكّلها وتنتجها وتخلقها المخيّلة الإنسانية المثاليّة أو النزعة في الإنسان التي تنزع لحب البطل المثالي أو الشخصيّة النموذجية المثاليّة التي تجذب الجمهور إليها .
وهم عندما يطرحون هذا الإشكال لا يطرحونه باعتباره أمراً سلبياً محضاً ، وإنّما يطرحونه باعتباره يحمل بعض الإيجابيات التي يتربّى من خلالها الجمهور الذي يستفيد من سلوكيات هذه الشخصية المثاليّة الأُسطورية ، ويتعلّم منها النبل والشجاعة والإيثار...
الإشكال الثالث :
ومن الإشكالات التي تطرحها مدارس علم النفس الحديث ، هي ظاهرة الحزن والبكاء واللطم ، وبقية المظاهر في الشعائر الحسينية ، حيث تقول: أنّ هذه الشعائر ظاهرة سلبية على المستوى الفكري والنفسي والاجتماعي ; لأنّها تكبت المجتمع وتسبّب العُقَد النفسيّة وتشلّ حيوية ونشاط النفس وتقتل روح الأمل وتشيع حالة اليأس والقنوط والإحباط في المجتمع ، ولها آثار سلبية على مستوى الروح العقل .
الإشكال الرابع :
نحن لدينا رسالة نشر الإسلام ، ونشر مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ، ومعارف الإسلام وأهل البيت(عليهم السلام) ، فإذا كانت هذه اللغة لغة غير موصلة لمعارف أهل البيت(عليهم السلام)بل هي لغة مشوّهة وغير مقبولة ، ولا يمكن أن يتفاعل معها الآخرون ، بل إنّهم ينفرون منها ويستوحشون ، فينبغي البحث عن وسائل ناجحة لنشر الإسلام ومعارف أهل البيت(عليهم السلام) ، وإجراء إصلاحات في الخطاب الديني وخطاب مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) .
الإشكال الخامس :
هذه الطقوس تعتبر نوع من العقوبة التي يوقعها الإنسان على نفسه ـ على نحو التكفير عن الذنب ـ لأنّ أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) يشعرون بالتقصير في نصرة الحسين(عليه السلام) وتخاذلهم في الوقوف معه ، ولذلك فهم يوقعون بأنفسهم العقوبات البدنيّة والنفسيّة المتمثّلة في إحياء الشعائر الحسينية ، ويستشهدون بثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي .
الإشكال السادس :
أنّ الشعائر الحسينية لا تواكب الزمان ولا تناسب العصر ، ولماذا لا يتم تجديد الطقوس ونبذ الأساليب القديمة ودفنها في مقابر التاريخ؟! وقد يطرح بعض أبنائنا هذا الإشكال .
وهناك اشكالات أُخرى ، ولكنّنا نقتصر على هذا المقدار .
هذه الإشكالات لا تختص بالشعائر الحسينية
هذه الإشكالات والتساؤلات ليست مطروحة على الشعائر الحسينية فحسب ، بل هي مطروحة على عموم الشعائر الدينية ، والآن يناقشها المفكّرون في إطار حوار الحضارات ، وفي قضايا العولمة ، ولذلك اخترت هذه الإشكالات لتوطئة بحث العولمة ، والكلام ليس في العادات والتقاليد ; لأنّ العادات والتقاليد آليات ، ولكن المهم هو الفكرة التي تتضمننها العادات والتقاليد .
لا يمكن فرض ثقافة على الثقافات الأُخرى وإلغاء خصوصياتها
ومن أهم ما يعترض مسألة العولمة هي قضية اختلاف العادات والتقاليد والهويات القومية واختلاف اللغة اللسانية واللغة غير اللسانية المتمثلة بأفعال معيّنة تحمل معان معيّنة ; لأنّ الإنسان يحمل العديد من اللغات ، وكل تصرف يعمله
يعتبر لغة توصل مفهوماً معيّناً ، فمثلا : القيام للشخص الآخر يدل على الاحترام ، مع أنّ القيام فعل وليس كلاماً، واختلاف الأعراف في المجتمعات المختلفة قد يصل إلى مرحلة النقيض ، فيكون الفعل حسناً عند أُمّة ويكون هذا الفعل نفسه قبيحاً عند أمّة أُخرى ، ولا يمكن تذويب اللغات المختلفة في لغة واحدة ، وتذويب الآداب المختلفة في أدب واحد ، وحمل الهويات المختلفة على هوية واحدة ، وقد واجه هذا الطرح العديد من الاعتراضات من قبل العديد من الأُمم التي تخاف على هويتها وعلى عاداتها وتقاليدها .
خطورة طرح العولمة
وطرح العولمة يهدّد هويتنا الوطنية والقومية والدينية والمذهبية والفكرية والروحية ; لأنّ لكل أُمّة عاداتها وتقاليدها بغض النظر عن إيجابية هذه العادات والتقاليد أو سلبيتها ، إلاّ أنّها موجودة عند كل أُمّة من الأُمم ، وتعتبر جزءاً من هوية هذه الأُمّة ، ومن المستحيل أن تعيش أُمّة من دون عادات وتقاليد ، ولا توجد أُمّة من الأُمم لم تتأثّر بأُمم أُخرى .
من التقليد ما هو إيجابي ، ومنه ما هو سلبي
إذن الأُمّة لابدّ لها من التقليد ، والتقليد لا يعتبر سلبياً في كل الأحوال ، بل هو إيجابي في بعض الأحوال ، بل هو ضروري ولازم في أحوال أُخرى ، كما في تقليد أهل التخصّص ، حيث لابدّ من توزيع التخصّصات والمهمّات وفق رؤية علمية صحيحة يستطيع الإنسان أن يركن إليها ، وذلك لأنّ الكائن البشري لا يستطيع أن يكون خبيراً في كل شيء .
وكلامنا هذا لا يقتصر على التقليد الفقهي ، وإنّما يعم جميع التخصّصات ; لأنّ التقليد منهج علمي شريطة أن يخضع لرؤية علمية سليمة ، وموازين صحيحة تعتمد
على كفاءة المقلَّد في تخصّصه ، وأن لا تدخل المحسوبيات في تقييم الشخصيّات المقلَّدة.
والذي يرفض التقليد بشكل تام يؤدّي رفضه إلى سدّ الطريق أمام العلم لكي لا يأخذ مجراه بشكل صحيح ، والقرآن إنّما ذمّ التقليد غير المبني على العلم ، قال تعالى {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَة مِنْ نَذِير إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّة وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}(1) .
والنزوع إلى التقليد أمر فطري ، والإنسان يقلّد مئات المرّات يومياً .
وإذا أخذ الشيعة بعض الآليات من الأُمم الأُخرى للتعبير عن حزنهم على سيد الشهداء وأهل البيت(عليهم السلام) ، فإنّ ذلك ليس عيباً مادامت تلك الآلية صحيحة وسليمة ، وهذا يقع في سياق التبادل الثقافي والحضاري بين الأُمم(2) .
إذن ليست المشكلة أنّ هذه الأساليب الحسينية مأخوذة من أُمم أُخرى أم أنّها مبتكرة من أبناء الطائفة ، وإنّما المناط هو صحة الأُسلوب وعدم صحته ، فكون هذا الطقس مأخوذ من الأتراك أو من الهنود أو من غيرهم لا يطعن في هذا الأُسلوب ، وكل الأُمم تتأثّر بالأُمم الأُخرى في أساليبها ، ولكن المهم هو أن تبقى المعاني والمُثُل والقيم والمباديء وإن اختلفت الأساليب .
____________
1- الزخرف (43) : 23 . 2- ومن شواهد كلام سماحة الشيخ (حفظه الله)، ما شهدته البحرين في السنوات الأخيرة من تطوير في إحياء الشعائر الحسينية، لا سيّما حملة الإمام الحسين(عليه السلام) للتبرع بالدم والموسم الحسيني ، حيث إنّ هذه الأساليب مأخوذة من أُمم أُخرى، وتمّ إدراجها في الشعائر الحسينية بنجاح ، حيث لاقت الكثير من الترحيب والتلقي الإيجابي من مختلف قطاعات المجتمع الذي نظر إليها على أنّها ظاهرة حضارية تعكس وعي المنتمين إلى ثقافة الإمام الحسين(عليه السلام)وخدمتهم لمجتمعهم .
هل البكاء والحزن ظاهرة سلبية وهدّامة؟
وأمّا الجواب عن الإشكال الذي يقول : إنّ الحزن ظاهرة هدّامة للمجتمع ، وتفتقد للحيوية والنشاط والهمم ، وتسبّب الكبت والتراجع النفسي والفكري والاجتماعي ، وأنّها عُقدة تكفير الذنب .
فالجواب : إذا كان من يطرح هذا الإشكال بعض أبناء المسلمين من المذاهب الأُخرى ، فنقول لهم : ـ كما قلنا في الليلة السابقة ـ أن ظاهرة الحزن والبكاء ظاهرة قرآنية يحث عليها القرآن ـ كما بيّنا ـ في سورة البروج وسورة يوسف وفي قصّة قابيل وهابيل ، بل إنّ القرآن الكريم يحثّ على البكاء ويمتدح النفس اللوّامة في بداية سورة القيامة المباركة ، ويذمّ الفرح حتى اعتقد البعض أنّ الفرح مذموم بصورة مطلقة ، وهذا ليس صحيحاً ; لأنّ القرآن يرفض الفرح في بعض الحالات ، كتلك التي تؤدّي إلى بطر الإنسان ونسيانه للآخرة ، فالفرح مذموم ، ولكن ليس بصورة مطلقة .
هذا ، ووجود المجتمع المتديّن يحدّ من الجريمة نتيجة وجود الحساب الداخلي والرقابة الذاتية وتهذيب شراسة الشهوات والغرائز ، وهذا الأمر يعتمد على التوازن بين الخوف والرجاء في النفس الإنسانية .
إذن من الخطأ رفض ظاهرة الحزن بشكل مطلق ، بل إنّنا في أمسّ الحاجة لظاهرة الحزن والبكاء بالمقدار المطلوب وبشكل متوازن ، ومن المعروف أنّ الطائفة الشيعية ، الاثنا عشرية لديها محطّات أفراح تتمثل في إحياء مواليد الأئمة (عليهم السلام) ، ونحن نفرح في هذه المحطّات ، ويتم تعليق الزينة ونشر مظاهر السرور في مقابل الأحزان المتمثّلة في البكاء والحزن في الأيام التي توفّي فيها الأئمة(عليهم السلام) .
الشعائر الدينية تمثّل الإعلام الديني ، والفرق بين الإعلام الديني والإعلام غير الديني هو أنّ الإعلام الديني إعلام مبدئي .
وإنّني أدعوا أبناءنا للتخصّص في المجال الإعلامي ; لأنّه يشهد إفتقاراً كبيراً في الطاقة البشرية ، في مجال الصحافة والأدب والقصّة والرواية والمسرح وغيرها ، ولا يخفى عليكم أنّ الإعلام هو السلطة الرابعة ، بل قد يكون هو السلطة الأولى الذي يقرر الحرب والسلم في كثير من الأحيان .
وما حدث في العراق في ذكرى الأربعين السابقة(1) بتوفيق من الله وببركات الأئمة(عليهم السلام) في المجتمع المليوني الكبير الذي أقل ما يقال عنه أنّه يضمّ ثلاثة إلى خمسة ملايين شخص لزيارة سيد الشهداء(عليه السلام) ، وكان تنظيمهم عجيب في ظلّ غياب السلطة والدولة والشرطة والكهرباء والخدمات المدنيّة بدون حدوث أيّ حوادث قتل أو سرقة أو تدافع ، وقد تعجبت المحطّات الفضائية من التنظيم العجيب لزّوار سيد الشهداء(عليه السلام) ، ونحن ننشر الإسلام عن طريق نشر مباديء وأهداف سيد الشهداء الحسين بن علي(عليه السلام) .
ونحن أحوج ما نكون إلى التقوِّي بالإعلام ، وأن يكون لنا إعلام قوي نستطيع من خلاله إيصال أفكارنا ، ونردّ على إشكالات المخالفين بصورة ناجحة ومؤثرة .
وأمّا دعوى الأُسطورية ، فيفنّدها حقيقة الوقائع الموثّقة في كتب السير والتاريخ والحديث عن عظائم أحداث كربلاء وما رافقها من وقائع وشدّة الهول والمصائب النفسية المقرحة صبغت منها أعظم حدث يقرح ضمير الفطرة الإنسانية لم ولن تشهد البشرية له مثيل ، والمصادر من الفريقين ، بل ومن غير المسلمين ببابك ، وعليك بالتتبع والتحرّي والفحص المضني .
____________
1- سنة 2003 .
المحاضرة الثالثة
الحسين والخطاب العولمي والعولمة في العصور السابقة
محاور المحاضرة :
أوّلا : الشعائر الحسينية في دائرة العولمة .
ثانياً : الشعائر الحسينية تدعو إلى التضحية والفداء لا إلى التقهقر واليأس .
ثالثاً : الحثّ على زيارة الحسين(عليه السلام) في أشدّ الظروف صعوبة .
رابعاً : الإمام الهادي(عليه السلام) يأمر أبا هاشم الجعفري بزيارة الحسين(عليه السلام) في عصر المتوكل .
خامساً: الأنبياء يحملون أرقى نماذج العولمة
سادساً: نزعة البشر للتوحّد ، ونزعتهم للتفرّق .
سابعاً: الأُمم المتحدة مظهر من مظاهر الوحدة .
ثامناً : العولمة في العصور السابقة وحكومة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) العالميّة .
تاسعاً: العولمة تصبّ في عدّة مجاري .
عاشراً: تعريف الأُمم المتّحدة للعولمة .
الشعائر الحسينية في دائرة العولمة
إذا أردنا أن ندرس الشعائر الحسينية دراسة شاملة : فلابدّ أن ندرسها في إطار بحث العولمة ، وذلك بسبب وجود حالة الانفتاح والحوار بين الأُمم ، ويمكننا أن ندرس الخطاب الحسيني في إطار العولمة باعتبار أنَّ الإمام الحسين(عليه السلام) إمام
معصوم ، وهو القرآن الناطق .
الشعائر الحسينية وخطاب العولمة
هل نستطيع أن نستخلص خطاباً حسينياً عولمياً يعطي حلولا للبشرية ككل في شتّى المجالات؟ وهل الكلمات الحسينية والخطب الحسينية تتضمّن الصفة العولمية ، وتخاطب العالم خطاباً يضع يده على الداء فيطيب؟
الشعائر الحسينية تدعو إلى التضحية والفداء لا إلى التقهقر واليأس
واستكمالا لحديث الليلة الماضية في الردّ على الإشكال الذي يقول: أنّ الشعائر الحسينية شعائر تتضمّن عُقدة الذنب ، وإيقاع العقوبة على النفس من أجل التكفير عن الذنب ، وأنّها نتيجة الفشل واليأس والتقهقر والانتكاس الذي يعيشه الشيعة ، وقد مرّ علينا أنّه لابدّ أن ندرس الشعائر الحسينية من حيث المضامين التي تنطوي عليها هذه الشعائر ، من الفداء والتضحية والإباء والتغيير الإيجابي ورفض الظلم ، وتحشيد الطاقات من أجل النهوض بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وعدم الركون للدنيا وزخرفها وزبرجها ، والثبات والصمود والاستبسال .
إذن الإعلام الحسيني ، مع أنّه ينطوي على الحزن والجزع إلاّ أنّه يضخّ في وجدان الأُمّة وفكرها وروحها ، ويعمل على تعبئة النفوس بمفاهيم التضحية والفداء ، وهذا ما لا يتناسب مع الكسل والخمول والفشل والتراجع واليأس والتقهقر كما يطرحه ، هذا الإشكال وحالة تعبئة المقاتلين بالحماس ، وبحبّ الوطن حالة متعارفة عند أصحاب القتال والعسكريين .
الحثّ على زيارة الحسين في أشدّ الظروف صعوبة
ونلاحظ أنّ الحسينيين ـ على مرّ التاريخ ـ يتميّزون بالتفاني واسترخاص النفس وبذل الغالي والنفيس، وهناك العديد من الفقهاء يفتون بجواز زيارة