الديمقراطيّة
على ضوء نظريّة الإمامة والشورى
حوار أجراه مركز الأبحاث العقائديّة
مع سماحة العلاّمة الشيخ محمّد سند (حفظه اللّه)
استضاف مركز الأبحاث العقائديّة سماحة العلاّمة الشيخ محمّد سند، في مقرّ المركز في مدينة قم المقدّسة، وطرح على سماحته عدّة أسئلة، وكان موضوع البحث «الديمقراطيّة على ضوء نظريّة الإمامة والشورى».
هذا من جهة، ومن جهة أُخرى نحن كإسلاميّين واجهنا هذا المفهوم كواقع سياسي حي، وسبّبت هذه المواجهة نزاعاً بين الإسلاميين أنفسهم في قبولها أو رفضها، فما هو تعريفكم سماحة الشيخ للديمقراطيّة؟ وما هي الأُسس التي تعتمد عليها؟
|
وأُطلق عليها عند عدّة من أصحاب فلسفة القانون أو علم الاجتماع بـ «العقد الاجتماعي»، كما ذكر ذلك جان جاك روسو وغيره من القانونيين والحقوقيّين، إلاّ أنّ هذه النظريّة أخذت في مراحل وأطوار عديدة، وصيغت بصياغات أيضاً متعدّدة، وفي بعض الصياغات قد تكون هي تلفيقيّة مع الأنظمة البائدة السابقة، فمثلاً قضيّة مشاركة الناس في الحكم أخذت صوراً وصياغات مختلفة: بأن تنتخب القاعدة الشعبية النخبة والنخبة هي التي تنتخب الرئيس، أو أنّ القاعدة هي مباشرة تنتخب الرئيس.
وبعبارة أُخرى، هناك جدل قانوني على قدم وساق الآن، ولا يزال موجوداً، عن دور النخبة مع دور القاعدة العامّة، وكيف يؤمّن مشاركة عامّة الناس مع التحفّظ على سلامة المسار، سواء القانوني، أو الإداري، أو التدبيري بتوسط النخبة، وهناك صياغات متعدّدة أُخرى.
|
الشيخ السند: نعم، العنصر الأصلي هو في مشاركة الناس في الحكم، وماهيّة المشاركة أيضاً اُثير حولها وصيغت بعدّة صياغات، واُثيرت عدّة جدليّات قانونيّة وحقوقيّة فيها، والجدل قائم لازال حول حقيقة الانتخاب، هل هو تولية ونيابة؟ أو هو استكشاف واستصواب؟ وطبعاً تترتّب على كلّ مفهوم من هذه المفاهيم آثار قانونيّة مختلفة.
|
الشيخ السند: نعم، قد قيل وكُتب ونُشر وقُرّر: أنّ نظريّة الشورى المتبعة عند أهل السنّة، ولو على الصعيد النظري عندهم ـ وإلاّ على الصعيد العملي قلّما شاهدنا عند أبناء الطوائف الإسلاميّة السنيّة في
لكن الجوانب المتّفقة، وهي نحو مشاركة الأكثريّة، أو حاكميّة الأكثريّة في إدارة الحكم في جانب القوّة التنفيذيّة، أو اختيار الحاكم الوالي، فنظريّة الشورى شأنها شأن بقيّة المدارس الديمقراطيّة أيضاً، أخذت في الاختلاف في التصوير والصياغة: أنّه هل الشورى بمعنى مشاركة كلّ الناس، أو بمعنى أنّ الناس ينتخبون أهل الحلّ والعقد، وأهل الحلّ والعقد ـ يعني النخبة ـ هم ينتخبون الحاكم، أو أنّه لا دور للناس؟
ولعلّ الأشهر عند علماء أهل سنّة الجماعة أنّ الشورى هي المشورة عند النخبة، عند أهل الحلّ والعقد، ونخبويّة هذه النخبة ليست بانتخاب وباستصواب عامّة الناس، بل الشور والشورى يدور في دائرة النخبة، والنخبة تتّصف بهذه الصفة بتبع تحلّيها بصفات معيّنة، وكفاءات معيّنة مؤهلة لها علميّة، ثمّ حينئذ يقوم الانتخاب في تلك الدائرة الضيقة، وبعبارة أُخرى هي تنتخب الحاكم.
طبعاً هذا الطرح من نظريّة الشورى لا نستطيع حينئذ أن نطابقه
والمهم أنّ المؤشّر المميّز لنظريّة الشورى لا أقل في عدّة من أقوالها وصياغاتها، أنّها تتقارب مع نظريّة الديمقراطيّة الغربيّة المطروحة الآن من جهة مشاركة الأكثريّة، ولكن فيها مفارقات عديدة كما ذكرنا:
منها: أنّ الحاكم عندما يُنتخب لا تجوز معارضته أو خلعه، بينما في النظريّة الديمقراطيّة ليس هناك تنصيب مطلق غير قابل للزوال.
ومن الاختلافات الأُخرى أيضاً: أنّ في النظريّة الديمقراطيّة هناك ربما مجال للمعارضة بشكل أوسع لأشكالها المختلفة، بينما في نظريّة الشورى لدى العامّة فإنّ باب المعارضة والرقابة الشعبيّة على الحاكم تكاد تكون ضئيلة جدّاً، ويكاد يرسم للفرد أو للجماعات في ظلّ حكومة الحاكم دور ضئيل خجول، يضيّقون مجال المعارضة أو النقد أو الرقابة بشكل ضئيل جدّاً.
فمن ثمّ نستطيع أن نقول: إنّ هناك مفارقات كثيرة بين الديمقراطيّة الغربيّة المطروحة، ونظريّة الشورى بالشكل المرسوم عند العامّة، حتى على القول بأنّ القاعدة الشعبيّة لها دور في الانتخاب.
وقبل أن أُبيّن أنّ في النظريّة الإماميّة يتمّ مراعاة تمام الأُسس التي انطلقت منها الديمقراطيّة، ومراعاة تمام التوصيّات القرآنيّة في الشورى.
وقبل أن أبدأ في رسم نظريّة الإمامة عند الاماميّة، من أنّها ليست وراثة ملكيّة نسبيّة بالمعنى الترابي القبلي المطروح في عهود الأنظمة الملكيّة الاستبدادية البائدة ـ وإن كان الكثير عن عمد أو قصد أو جدل أو دجل يحاول أن يصرّ في رسم النظريّة الإماميّة في هذه الصورة ـ فإنّ القرآن الكريم يطرح نظريّة وراثة نوريّة اصطفائيّة ليست هي ترابيّة، حيث يقول اللّه تعالى: {إنّ اللّه اصطَفَى آدَمَ ونُوحاً وَآلَ ِابراهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ * ذُرِّيةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض...}(1).
وهنا القرآن الكريم يطرح أنّ آل إبراهيم وآل عمران ليست هي هذه الآل والأهليّة والنسبة القرابيّة، على غرار النظريّة الكسرويّة أو القيصريّة أو الملوكيّة البائدة، أو التي لا زالت الآن قائمة في بعض بلدان المجتمع البشري، بل إنّ القرآن الكريم يُريد أن يقول بأنّ أرضيّة الاصطفاء للمصطفى تحتاج إلى بيئة مؤهّلة وصالحة أيضاً، وإنّ النسل
____________
1- آل عمران (3): 33 ـ 34.
مع أنّ فكرة القيادة والحاكميّة في القرآن الكريم والنظريّة الإسلاميّة ليست هي بمعنى التنفّع، أو نفعيّة القائد والحاكم من منصبه، بل بمعنى خدمته لبقيّة الطوائف، فهو كافل لأن يوصل بقيّة الطوائف من النسل البشري إلى كمالاتهم وحقوقهم الطبيعيّة أو التشريعيّة بشكل آمن أكثر من غيره، فهي ليست إلاّ فكرة أنّ المؤهل والكفوء يوضع في المكان المناسب لكي يخدم، لا أنّه لكي يتجبّر أو يستبدّ.
فإذاً هناك مفارقات بين النظريّة النسبيّة الاصطفائيّة في القرآن الكريم، وبين نظريّة الملوكيّة الاستبداديّة البائدة، أو التي لا زالت نماذجها في المجتمع البشري.
وفكرة الاماميّة تقوم على أنّ هناك نسل مُصطفى مُجتبى يضعه القرآن الكريم في أهليّة القيادة، ومن ثمّ خصّ القرآن الكريم قربي النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للمودّة، وهذه ليست من باب الطبقيّة أو الارستقراطيّة أو البرجوازيّة أو ما شابه ذلك، وإنّما هي تكمن في طيّاتها أنّ قربى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتميّزون بصفات آهلة بعيدة عن البطر، وبعيدة عن النخوة والشهوة والنزاعات الشخصيّة والذاتيّة، بل
فحينئذ تخصيص القرآن الكريم ذوي القربى بالمودّة أو بالخمس، أو تخصيصهم بكلّ الأموال العامّة في سورة الأنفال وفي سورة الحشر بإدارة الفيء وهو ثروات الأرض {ما أَفآءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَللّه وَلِلرّسُولِ وَلِذِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابنِ السَّبِيلِ كَي لا يَكُونَ دَولَة بَيْنَ الأَغْنِيآء مِنكُم}(1).
الحكمة في ذلك أنّ هؤلاء حيث قد تميّزوا واتصفوا بالعصمة العلميّة والعمليّة، فهم المؤهّلون الكفوؤن لإرساء العدالة بين المسلمين، لكي لا تكون الثروات العامّة متداولة في فئة وطبقة الأغنياء {كَي َلا يَكُونَ دَولَة بَيْنَ الأَغْنِياء مِنكُم} أي كي لا تحتكر الطبقة الغنيّة القويّة الثروة العامة فيما بينها، وترسو العدالة وتتوزّع المنابع العامّة من الأموال والمنابع الطبيعيّة الأُخرى على المجتمع بشكل متكافى عادل، إذاً لابدّ أنّ يتسلّم ذوي القربى هذا المنصب.
وهذه ملحمة قرآنيّة يتنبّأ بها القرآن الكريم، يعني لن تستتبّ العدالة الماليّة في الأُمّة الإسلاميّة، بل في البشريّة، ما لم يصل هذا النسل الخاصّ المطهّر إلى سدّة الحكم، ووصوله لا لأجل بطر هذه الذريّة والعياذ بالله، أو نزعة هذا النسل إلى مآربه الشخصيّة، وإنّما هي لأجل
____________
1- الحشر (59): 7.
فالمقصود أنّ أصل نظريّة الإمامة وإن كان هو النسل الخاصّ ولكن ليس نسلاً ترابيّاً، أو لأجل نسبة اللحم والدم الخاصّ البشري، وإنّما هو لأجل تنسيل اصطفائي نوري مطهّر خاصّ مُجتبى، فإذاً هناك مفارقة شاسعة بين الطرح الملكي ونظريّة الإمامة، هذا كبادئ ذي بدء.
وأمّا كيف أنّ النظريّة الإماميّة هي تحافظ على أُسس الديمقراطيّة بأكثر ممّا تحافظ نفس أغراض الديمقراطيّة على الأُسس التي انطلقت منها، والمبادى التي انطلقت منها؟ فذلك كما يلي:
الأول:
أنّ هناك جدل كبير في النظريّة الديمقراطيّة، وهي أنّ الأقليّة كيف تُلغى أصواتهم ومشاركتهم. وهذا الجدل إلى يومنا هذا لم يُحّل في النظريّة الديمقراطيّة، ربما تكون الأقليّة الثلث، قد تكون ما يقلّ على النصف بيسير، كما شاهدنا الآن في الانتخابات الأمريكيّة في هذه الحقبة، حيث إنّ الأقليّة هي مادون النصف بقليل، بل قد تكون الأكثريّة ليست أكثريّة حقيقيّة، بل أكثريّة نسبيّة، يعني ربما الثلث يزيد على الربع، والثلث والربع هم الذين شاركوا في الانتخابات، وما عدا ذلك من أجزاء المجتمع كان لديه موقفاً سلبيّاً حياديّاً، حينئذ الثلث ليس أكثريّة حقيقيّة، ومع ذلك لأنّه يزيد على الربع مثلاً فهو يتحكّم في مصير الثلثين.
هم انطلقوا من أساس برّاق جذّاب ـ وهو مشاركة الكلّ ـ إلاّ أنّه في
الأمر الثاني الذي تواجهه النظريّة الديمقراطيّة الآن:
هو أنّ أصحاب الثروة والقدرة قد يصادرون آراء العامّة بتغفيلهم، وبوضعهم في سبات فكري، أو في جوّ مخادع، سواء في جانب انتخاب الفرد، أو في جانب انتخاب القانون الصالح، أو في مجالات المشاركة، باعتبار أنّ الطبقة الغنيّة عندها وسائل إعلام، عندها وسائل التحكّم في الفكر أو ما شابه ذلك.
فحينئذ كيف يمكن أن تؤمن المشاركة الحقيقيّة بشكل صادق، مع أنّ أسباب القوّة في التحكّم في عقول الأكثريّة وافتعال الجوّ العامّ، يكون بيد الأقليّة ذوات الثروة والقوّة من وسائل الإعلام، فعناصر التلاعب بالرأي العامّ بأساليب شيطانيّة دجليّة خلاّبة خادعة هي كثيرة، وتستطيع حينئذ القوى الماليّة ذات الثراء أن تتلاعب بالرأي العامّ، فكيف نؤمن حينئذ سلامة بالرأي العامّ وانطلاقه من وعي وصحوة؟
فهذه عقدة لا زالت الديمقراطيّة تواجهها.
الإشكال الثالث:
كيف نوازن بين عامل وعنصر الكفاءة والنخبة، وبين مشاركة الناس؟
إنّ مشاركة الناس من الأُمور الفطريّة، ودور النخبة أيضاً فطري، فهل يطغى هذا الجانب ويكون الوصاية للخبرة على مشاركة الأُمة، أو يطغى دور مشاركة الأُمة على النخبة، فقد تختار الأُمة ما لا ترتضيه النخبة، وتختار النخبة مالا ترتضيه الأُمة، فأىّ يحكّم من الاثنين؟
ومن ثمّ اختلفت صياغة الديمقراطيّة في كيفيّة المشاركة:
منها: ما يقول بأنّ الأُمة تنتخب النخبة، والنخبة تنتخب الحاكم.
ومنهم من يقول: إنّ الأُمة هي مباشرة تنتخب الحاكم، لكن بإشراف النخبة.
ومنهم من يقول: إنّ الانتخاب والمنتخب له شرائط، فليس للمنتخب أن ينتخب ويجري عمليّة الانتخاب على صعيد مطلق ويفتح الباب على مصراعية، بل هناك شروط في المنتخب لابدَّ أن يحدّدها القانون.
فمن ثمّ انثار جدل قانوني وحقوقي واسع لديهم أيضاً، يشير إليه الدكتور السنهوري في مقدّمة كتابه «الوسيط» وكتابه الآخر «الحقّ
إنّ الفرد تطلق له الحريّات ولو على حساب العقل.
هذا الجدل لم يحسم إلى الآن في النظريّة الديمقراطيّة، يعني دور العقل والعلم ودور الفرد، مرادهم من الفرد في الواقع هو الغرائز والشهوات والنزعات الفرديّة، والحلول التي تطرح ليست حلولاً كاملة تامة.
وطبعاً هناك مشاكل عديدة في التقنين الغربي الديمقراطي، ولكن هذه أهمها حاولتُ أن أُشير إليها، وإلا فمسألة الديانة مثلاً بعد ما رفضوها، شاهدوا اليوم أنّ عدم التقيّد بالديانة يجرّ المجتمع إلى نكبات كثيرة، ورأوا أنّ الصرح الأخلاقي في التزام الديانة تخدم النظام الاجتماعي.
هذا وسنبيّن كيف أنّ النظريّة الإماميّة تتلافى هذه المشاكل بأتمّ ما يمكن من تلافي ذلك، وبشكل إعجاز تقنيني الهي غريب عجيب.
وقبل ذلك أودّ أن أُبيّن بشكل إجمالي أنّ في النظريّة الإماميّة، مع أنّ أصل الحاكميّة من اللّه عزّ وجلّ ثمّ للرسول ثمّ للأئمة ـ وهذا معنى قد يطلقه القانونيّون الوضعيّون بأنّه استبداد الهي ـ لكنّه في حقيقته يؤمّن
أولها وأهمها:
أنّ مسؤوليّة إقامة النظام العادل، وقلع النظام الجائر، وإبقاء النظام العادل، ومراقبة النظام على مسيرة العدالة، هذه المسؤوليّة في النظريّة الاماميّة ملقاة على الأُمّة، بدليل قوله تعالى {وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِناتُ بَعْضُهُم أَولِيَاءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ}(1).
وقد جسّد ذلك الإمام الحسين عليه السلام حينما قال: «وَإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي صلّى اللّه عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»(2).
فزعزعة المنكر السياسي أو القضائي أو المالي أو الأخلاقي أو الحقوقي، أو في أيّ مجال من المجالات العامّة أو الخاصّة، إنّما هو من مسؤوليّة الأُمّة، أولاً وبالذات.
وعندما نقول: مسؤوليّة الأُمّة، سواء الأكثريّة التزمت أو لم تلتزم، بل الكلّ لو لم يلتزم يبقى فرد واحد وهو الحسين سلام اللّه عليه لابدّ عليه أن يقوم بذلك.
وهذا نوع من إعطاء الصلاحيّة للأُمّة بشكل كبير، لا نشاهده في
____________
1- التوبة (9): 71.
2- بحار الأنوار 44: 329، أبواب ما يختص بتاريخ الحسين بن علي صلوات اللّه عليهما، باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية.
فالقاعدة حيث لا تستجيب، فليس بإمكان المدبّر الكفوء الصالح أن يدبّر ويقود.
ومن لطائف النظريّة الإماميّة، أنّ هذه الرقابة ليست مخصوصة على النظام الذي يرأسه، أو على الحكومة التي يرأسها غير المعصوم، كالفقيه مثلاً الذي هو نائب المعصوم أو عدول صالحي المؤمنين، بل حتى على نظام المعصوم، والسرّ في ذلك أنّ المعصوم من الرسول أو الإمام ـ وهو وصيّ الرسول ـ وإن كان معصوماً، إلاّ أنّ جهازه ليس بمعصوم، ومن ثمّ احتاج المعصوم إلى معاونة وإعانة ونصيحة من الأُمّة له، بأن يراقبوا ولاته ووزراءه وشرطته وكلّ أفراد وأعضاء حكومته.
وهذا هو الذي يفسر كثيراً من تعابير أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: «فإنّي لست بفوق ما أن أخطئ»(1) عندما تولّى السلطة بعد مقتل عثمان، يشير إلى خطأ الدولة، لا خطأه عليه السلام وهو معصوم منزّه عن الخطأ.
____________
1- مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) 2: 69.