المهم الذي أُريد أن انبّه عليه، وهو أنّ هذا الرافد ـ وهو رقابة الأُمّة على الجهاز الحاكم ـ لا يختصّ بالولاية أو الحكومة والمحافظة التي يرأسها غير المعصوم، بل حتى في جهاز المعصوم، وهي ليست بمعنى تتصادم مع العصمة.
إنّ كثيراً من الكُتّاب القانونيين أو الحقوقيين أو المؤرّخين أو المفكّرين غير الشيعة من أبناء السنّة أو من كُتّاب المستشرقين، يظنّون أنّ النظريّة الإماميّة، حيث تشترط العصمة، تعني إلغاء دور الأُمّة ورقابة الأُمّة.
وهذا خاطىء جداً، بل إنّ رقابة الأُمّة ـ كما قلنا ـ تكون حتى في زمن المعصوم، وهي من الوظائف اللازمة، وقد شاهدنا في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام في حكومته وسيرة الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، أنّه كان يحرّض الأُمّة على مراقبة الولاة، ومراقبة أُمراء الجيوش، ومراقبة القضاة.
بل في قضيّة المراقبة والرقابة في النظريّة الإماميّة والنظريّة
إذاً ليس هناك نوع من تشطيب للعقل البشري أبداً، ولا للوعي البشري، ولا لليقظة البشريّة، ولا للدور الفاعل البشري في نظريّة الإمامة.
وكما ذكرتُ إنّ هذا باب يفتح منه أبواب عديدة، وبحوث وبنود عديدة، وهذا اُسّ من أُسس النظريّة الإماميّة، في حين كون الولاية من الإمام، إلاّ أنّه تبقى الأُمّة لها المراقبة والمشاركة في إقامة كلّ معروف، وزعزعة كلّ منكر ولو بالمشاركة والرقابة، هذا هو الباب الأوّل لمشاركة الناس الموجودة في النظريّة الاماميّة.
النافذة الثانية المهمة لمشاركة الناس في النظريّة الإماميّة:
دور أهل الخبرة، فمن مسلّمات فقه الإماميّة حجيّة قول أهل الخبرة، وهذا نوع من الدور إلى أهل الخبرة، وسنبيّن أنّ هذا نوع من تحكيم دور العلم والكفاءة والأعلميّة والخبرويّة.
وهذا نوع من الرافد الذي يفسح المجال لدور مشاركة الناس حتى في حكومة المعصوم; لأنّه في حكومة المعصوم ليس كلّ الأعمال يقوم
ودور آخر للأُمّة وهو: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان قد ينشعب من الدور الأول، لكن قد يجعل قسماً بإزاء القسم الأول قائماً مستقلاًّ بحياله، يعني من الواجب على كلّ فرد فرد أن يحافظ على وعي المجتمع وثقافة المجتمع الصالحة، فلا يسمح لكلّ فرد أن يصادر الوعي العام، وأن لا يقلب المعروف منكراً والمنكر معروفاً، ولا ريب أنّ هذا الفكر هو إرادة اجتماعيّة ضاغطة على نظام الحكم، أنّه نوع من الحكومة بشكل آخر، وهي حكومة المجتمع أيضاً، بحيث هي تحكم على النظام الحاكم، أو تحكم على الأفراد، أو تحكم على بقيّة مرافق القوّة في المجتمع.
وهذا رافد مهم جدّاً «لتأمرون بالمعروف وتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم»(1)، فإذا كانت البيئة الفكريّة والنفسيّة الاجتماعيّة سالمة، تكون صائنة ومعقّمة عن وصول موجود خبيث في رأس نظام الحكم، بل أمان عن أيّ انحراف جائر في المجتمع، وهذا
____________
1- الكافي 5: 56، كتاب الجهاد، باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحديث 3.
ودور آخر للمجتمع للمشاركة في تقرير المصير، وهو دور أصل إقامة الحكم أو زعزعته ـ كما ذكرنا ـ أو مناصرة الحكم أو المقاومة، وبعبارة أُخرى: يكون لهم في كلّ فعل حكومي صالح المشاركة بشكل إيجابي، ويكون لهم في كلّ فعل حكومي نظامي المعاوقة بشكل سلبي دور سلبي باتجاهه. فهذه أدوار أربعة أو أكثر للمجتمع في المشاركة لا تخلو عن أهميّة كبرى.
وهناك دور آخر وهو: دور الانتخاب في النظريّة الإماميّة في عهد الغيبة الكبرى، فالولاية تنشعّب من اللّه إلى الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وتنشعّب من ولاية الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى ولاية الإمام المعصوم عليه السلام، وهو يولي حينئذ قيادة المجتمع أيضاً بالنيابة إلى الفقهاء.
فصلاحيّة الفقيه نيابة عن المعصوم عليه السلام متشعّبة من ولاية المعصومين عليهم السلام، وولاية الأمر مركزها هو المعصوم سلام اللّه عليه حتى في العصر الحالي، وهذه من أبجديّات ألف باء النظريّة الإماميّة، أنّ الولاية بالفعل هي للمعصوم الحىّ الغائب، وإن كان غائباً في الهويّة لكن ليس غائباً في الحضور والوجود، وهو الذي له الولاية بالفعل، وتنشعب من هذه الولاية النيابة للفقيه التي أعطاها المعصوم عليه السلام، وسمح للمجتمع أيضاً في المشاركة في تعيين الفقيه، حيث
ومن ثمّ اشترط جملة من الفقهاء في مشروعيّة الولاية النيابيّة للفقيه أن تكون الأُمّة قد تابعتة وقلّدته المرجعيّة وقلّدته الحاكميّة، ويعبّر عنه ببسط اليد، وإلاّ فلا تكون حينئذ ولايته النيابيّة مشروعة، كأنّما يستفاد من تولية المعصوم أنّه قد اشترط هو عجّل اللّه فرجه الشريف تقليد الأُمّة له، وهذا ليس معناه تولية الأُمّة للفقيه، التولية هي من المعصوم، لكن هي نوع من الانتخاب، بمعنى استكشاف المواصفات، لا الانتخاب بمعنى التولية أو النيابة كما هو في الطرح الغربي، سواء على صعيد المرجعيّة، أو على صعيد القاضي، أو على صعيد الحاكم السياسي، وهلم جرا.
إذاً للأُمّة بأن تنتخب، بمعنى تستكشف وتحرز، لا أنّها تنتخب بمعنى تولّي وتنيب، وهذا الدور قد كان في عهد الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وفي عهد الأئمة عليهم السلام، حتى في عهد الصادق، حيث قال عليه السلام: «ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا
____________
1- وسائل الشيعة 27: 140، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضي به، باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى الى رواة الحديث من الشيعة، الحديث 9.
فإذاً طبيعة النظام الاجتماعي الذي يرسمه القرآن وأهل البيت عليهم السلام، أنّه هناك نوع من الانتخاب للأُمّة إلى قادتها المتوسّطين، أو في سلسلة الهرم التي تنشعب من رأسه وهو المعصوم، لهم دور في انتخاب تلك القاعدة بنحو الاستكشاف.
فمن ثمّ لو استكشفوا بأنّ المواصفات قد اختلّت، فلهم حينئذ أن يسحبوا ثقتهم أو تقليدهم هذا المنصب لذلك الفرد وعزله وجعل شخص آخر، وهذا دور ليس بالهيّن، بل دور مهم يشاهد في النظريّة الشيعيّة.
إذاً في النظريّة الشيعيّة هناك عدّة قنوات لمشاركة الناس، كلّها لا تتصادم ولا تتنافى مع كون الامامة هي نصب إلهيّ، وأنّ كلّ ولاية تنشعب من الإمامة، بعد أن كانت ولاية الإمام عليه السلام منشعبة من ولاية الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وولاية الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من ولاية اللّه عزّ وجلّ، وأصل نظريّة الإمامة ليست تحكيم لنسل ترابي من باب النزعات الترابيّة واللحم والدم الترابي، ونزعات بطر إقطاع أو استبداد، لا، وإنّما هي تحكيم للنور الإلهي على
____________
1- بحار الأنوار 101: 262، كتاب الأحكام، أبواب القضايا والأحكام، باب أصناف القضاة وحال قضاة الجور والترافع اليهم، الحديث 1.
إنّ فكرة الحكم في النظريّة الشيعيّة ليست فكرة سلطة وتغلّب ومنافع شخصيّة، وإنّما هي استتباب الحقيقة وتحكيم العدل، وهي مشاركة من طرفين: من طرف الحاكم كخادم (سيّد القوم خادمهم)، ومن طرف آخر قيام الأُمّة بجانب المسؤوليّة الملقاة على عاتقها، فهذا بالنسبة إلى البند الأول، وأنّ النظرية الشيعيّة كيف تلافته، والحال أنّه كان عائقاً حرجاً في التقنين الديمقراطي.
وننطلق من ذلك الأساس بالنسبة إلى الأمر الثاني الذي ذكرنا من الأُمور الأربعة، وهو دور مصادرة الوعي بتوسّط القوى الظالمة، وهذا يؤمن تجنّبه في النظريّة الإماميّة الشيعيّة، باعتبار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس هو من وظائف الدولة فقط، أو مخصوص بالدولة، أو أنّ المنكر ما أنكره الحاكم، والمعروف ما أقرّ بمعروفيّته الحاكم، المنكر له واقعيّة حقيقيّة، والمعروف له واقعيّة حقيقيّة، واقعيّة عقليّة فطريّة وشرعيّة، هي في الجوانب التي يدرك العقل فيها المعروف، لذلك ذهبت الطائفة الإماميّة إلى أنّ الحسن والقبح عقلّيان ذاتيّان، ليس بتوافق الأكثريّة أو المجتمع، ليس هو بشي يقرّر ويتواضع عليه، وهذا ينسجم حتى مع نظريّة الحقوقيين الذين يقولون بأنّ بنية الحقوق مثلاً ناشئة من الحقوق الطبيعيّة، أو نظريّة الحقوق العقليّة، أو نظريّة المدارس الأُخرى الحقوقيّة.
الأمر الثالث الذي لم تستطع أن تتلافاه الديمقراطيّة، وبينما المشاهد تلافيه في النظريّة الإماميّة:
هو الموازنة بين دور العقل والعلم مع دور الأُمّة، نعم في النظريّة الإماميّة ليس هناك قيمة للأكثريّة بما هي أكثريّة، بل هناك قيمة للصواب بما هو صواب، وحتى في معنى قاعدة الشورى، فإنّ دور الشور في النظريّة الإماميّة ليست المشورة لأجل تحصيل رأي الأكثريّة، بل لأجل جمع العلوم وجمع العقول ـ العقل الجمعي والعلم الجمعي ـ للوصول إلى الحقيقة والواقعيّة.
الواقعيّة هي التي لها قدسيّة، الحسن الذاتي للأشياء والقبح الذاتي للأشياء أصابته ووصلت إلى ذلك الأكثريّة وأدركت الأكثريّة ذلك أو لم تدرك، إرتأته أم لا، فانّه لا يتغيّر عمّا هو عليه.
لكن هذا لا يتقاطع مع مراعاة أهمّية حقوق الأكثريّة، فمجال الحقوق يغاير مجال الإصلاح والإرشاد والتعليم والتثقيف.
يبقى المحور الآخر الذي ذكرناه طبعاً هو ليس بأخير، وإلاّ فالمحاور عديدة ونحن تعرّضنا لأهمها، وهي قضية دور الديانة، ومن الواضح أنّ في النظريّة الشيعيّة تحكيم للديانة والتبعيّة للديانة، بخلاف الديمقراطيّة الغربيّة بوضوح.
أمّا بالنسبة إلى نظريّة الشورى عند العامّة، فقبل أن نتعرّض إلى التأملاّت التي أُحيطت بها، فإنّه في عدّة زوايا لابدّ للإنسان أن يمعن النظر فيها، والنقاط التي مرّت علينا أنّ الشورى لديهم مثلاً ابتداءً لا بقاءً، ومن ثمّ الحاكم لا يعزل ولا يخلع إلاّ أنّ هو يخلع نفسه، فهذه النقطة كما قلنا: لا تتوافق مع نظريّة المشاركة الشعبيّة، أو الديمقراطيّة المطروحة حالياً بتمام المعنى، حيث إنّ الشعب له عزل الحاكم متى شاء
وهناك نقطة أُخرى أيضاً، وهي أنّهم لا يبنون على أنّ الشورى هي مشاركة للناس ككل، وإنّما هي فقط مشاركة لأهل الحلّ والعقد، سواءً أقرّ بهم عامّة الناس أو لم يقرّ بهم، هذه نقطة أُخرى أيضاً يذهبون إليها، وهذه أيضاً لا تتطابق تماماً مع ما هو مطروح من قضيّة الديمقراطيّة.
النقطة الثالثة عند العامّة: أنّ الحاكم وإن جار يبقى على صلاحيّته، ومهما بلغ جوره، ما لم يبلغ جوره أو زيفه أو انحرافه إلى الكفر البواح، والمراد بالكفر البواح الكفر المعلن، وإلاّ الكفر المبطّن عندهم إيمان، وهذا لا يتوافق مع مذاهب الديمقراطيّة الموجودة حديثاً، ولا أتوقّع أنّه يوافق مع أقلّ مستوى العدالة في عرف كلّ ملّة أو قوم بحسبها.
النقطة الرابعة: المفارقة الملحوظة في نظرية الشورى، هي أنّ الوصول لسدّة الحكم لديهم ليس منحصراً بالشورى والانتخاب، بل يمكن الوصول لسدّة الحكم لديهم بالتغلّب والقهر والقوّة، ولا يبحثون عن مبرّرها الشرعي.
فهذه النقطة الرابعة لعلّها متسالم عليها بينهم ومشهورة ومعروفة بينهم، أنّه يسوغ للمتغلّب بالقوّة أن تكون له مشروعيّة الحكم، والديمقراطيّة الحديثة بلا شكّ لا تقرّ هذا ولا تبني عليه، وبعباره ملخّصة لهذه النقطة الرابعة: هم لا يرون انحصار الوصول إلى السلطة ولمشروعيّة السلطة بتوسّط الشورى، فهذه مفارقة أُخرى بينهم وبين
أما بالنسبة إلى الشورى فانّ المطروح قرآنياً: {وَأَمْرُهُم شُوَرى بَيْنَهُمْ}(1) أو {وشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}(2)، فالشورى في اللغة ماهية ولغةً ومعنىً هي: المداولة الفكريّة، وعبارة عن الفحص الفكري، وعبارة عن عمليّة فكريّة للفحص، أشبه ما يمكن أن نسمّيها في العرف الحديث ببنك المعلومات أو بنك الخبرات، أو نسميها بالعقل الجمعي أو العلم الجمعي، يعني جمع الخبرات، يعني نوع من فحص الواقع على أساس خبروي علمي، فالمداريّة هي على الواقع، وليس المداريّة للجمع ولا للأكثريّة; لأنّ ربما في فحصنا هذا لعقول ولعلوم الجمع ولخبرات الجمع نضفي على رأي واحد منهم هو الأنضج والأمتن، وهو الأكثر سداداً فيتبع، ولذلك سمّي المشتري مشترياً; لأنّه يختبر المبيع، واشتقاقات هذه المادة لغةً لا تساعد على أنّها بمعنى الإرادة الجمعيّة الجماعيّة، أو الحاكميّة الجماعيّة، أو القدرة الجماعيّة.
الشور والشورى ليست إلاّ بمعنى المداولة وبعد ذلك حجيّة النتيجة، إنّما يبتني على أدلّة وراء الشور، الشور ليس إلاّ الوقوف والوصول إلى الأدلّة المفضية إلى النتيجة الصائبة. فالشورى إذاً كيفيّة فحص، كيفيّة تنقيب عن الواقع، عن الصحة والصواب والحقّ، وليست
____________
1- الشورى (42): 38.
2- آل عمران (3): 159.
فما يرفع من شعار في الحضارة الحديثة، وهي حضارة المعلومات أو حضارة الاتصالات، هذا الشعار في الواقع هو نفسه مفاد الشورى بتفسير الإماميّة مطابق لمعناها لغة، لا المعنى الذي مسخ عن المعنى اللغوي الذي ذهب إليه علماء السنّة والجماعة. فإذاً الشورى عند الإماميّة تتقارب مع الإطارات المطروحة حديثاً في الحضارة الحديثة أو التمدّن الحديث: من أنّ كلّ شي يجب أن يبنى على أساس علمي، ومن ثمّ شأن المؤمنين {وَأَمْرُهُم شُورَى بَيْنَهُم}(2) شأنهم أن يبنوا كلّ شيء على الخبرويّة وعلى العلم، لا على العنجهيّة والجهالات والعماية.
ويمكن أن يقرب تقريب آخر لنظريّة الشورى عند الإماميّة بأنّها عبارة عن حجيّة قول أهل الخبرة، بمعنى تقديم الجانب الكيفي على
____________
1- روضة الواعظين 1: 46، باب الكلام في ماهية العلوم وفضلها، الحديث 25.
2- الشورى (42): 38.
فهي إذاً عبارة عن حجيّة قول أهل الخبرة، ومن ثمّ نجد أنّ العامّة أيضاً ألجأوا أنفسهم إلى جعل الشورى في نطاق أهل الحلّ والعقد، ولم يجعلوها في كثير من أقوالهم، أو المشهور من أقوالهم لم يجعلوها في نطاق عامّة الناس، ممّا يدلّ على أنّ الحديث الخبروي هو المهم وليس جانب الكثرة.
فعادت أُسس نظريّة الشورى عند علماء سنّة الجماعة في منطلقاتها تصبّ في نفس مصبّ النظريّة الإماميّة، وإن كانوا هم لم يوافقوا ويلائموا بين الأُسس التي انطلقوا منها والصياغات التي طرحوها للشورى، فروح الشورى التي لديهم، وهي حاكميّة الإرادة الأكثريّة، لا يتوافق مع الأساس الذي انطلقوا منه، من أنّ الشورى تختصّ في أهل الحلّ والعقد، وأخذ مواصفات خاصة في أهل الحلّ والعقد.
وهذا ممّا يدلّل على أنّ الجهة جهة منهجة علميّة وجهة استكشاف، وليس بجهة تحكيم إرادة، أو جهة قوّة، وإلاّ فلو كان من جهة إرادة وقوّة، فعامّة الناس أكثر قوّة وإرادة من الأقليّة التي هي أهل الحلّ والعقد.
مضافاً إلى آيات أُخرى دالّة على الولاية، نظير آية التطهير(2)، ونظير آية المودّة(3) وهي وإن كانت ظاهرها المودّة، لكن بقرينة ما ذكر {إنْ كُنتُم تُحِبّونَ اللّهَ فَاتّبِعُونِي يُحبِبْكُمُ اللّهُ}(4)، يدلّل على أنّ المودّة المرادة هنا، وبقرينة جعلها في كفّة خطيرة، معادلة إلى التوحيد والنبوّة وما شابه ذلك، فيكون المراد منها المودّة بمعنى التولّي والمتابعة.
وغيرها من الآيات والأحاديث النبويّة المتواترة، كحديث
____________
1- المائدة (5): 55.
2- الاحزاب (33): 33.
3- الشورى (42): 23.
4- آل عمران (3): 31.
وبهذا المقدار من السرد، ربما اتضحت فوارق عديدة بين النظريّة الإماميّة ونظريّة الشورى المطروحة عند العامّة.
وبعبارة أُخرى مهمة: إنّ موقف عموم الناس ومشاركتهم لا يشطب ابتداءً وبقاءً وفي أىّ عرصة من عرصات الحكم في النظريّة الإماميّة، بل دوماً يجعلون المراقب الناقد الناظر المطلع، ولا يخفى شي أمام عامّة الناس إلاّ بما يرجع إلى نظم الأمر وما شابه ذلك، بحيث لو وقع في أيدي الأعداء لسبّب زعزعة النظام الإسلامي، ففي حين أنّ الولاية والصلاحيّة تنشعب من الإمامة إلى بقية المناصب والنوّاب في إدارة الحكم، إلاّ أنّ للناس موقفاً فاعلاً مشاركاً في إقامة ما هو الصحيح والعدل، وفي زعزعة ما هو خاطئ حتى في جهاز ومرافق حكومة المعصوم، كما بيّنا بلحاظ فقرات جهاز الحكم الذي هو بيد عناصر غير معصومة، فكيف بك في حكومة غير المعصوم؟!
فليس هناك من تشطيب أو إلغاء أو ازواء لدور الناس في الحكم،
____________
1- كنز العمال 1: 107، الحديث 954، مجمع الزوائد 9: 88، الحديث 14610.
2- مسند أحمد 2: 165، الحديث 883، مجمع الزوائد 9: 102، الحديث 14668.
3- مسند أحمد 3: 50، الحديث 1490، مجمع الزوائد 9: 99، الحديث 14642 وبعده.
|
الشيخ السند: في الواقع بعض الأُمور الموجودة في الديمقراطيّة الغربيّة المطروحة لا تتوافق معها النظريّة الإماميّة، وهي إطلاق عنان الحريّات الفرديّة بمعنى الغرائز الشهويّة، أو الحريّة الدينيّة بمعنى أنّه يمكن للفئة أن تمارس التضليل الفكري والعقائدي، وتخادع عقول كثير من الناس، طبعاً البحث الحرّ والسجال العلمي مفتوح حتى في نظام
بعبارة أُخرى: بعض ما هو موجود متسيّب في النظريّة الديمقراطيّة الغربيّة، من إطلاق العنان للجانب الفردي على حساب مثل المجتمع، والتي الآن هم آخذون في التراجع عنها شيئاً فشيئاً، هذه لا نجدها في النظريّة الإماميّة.
نعم، النظريّة الإماميّة تتبنّى حريّة العقل، أو حريّة النموّ العلمي، وحريّة مراقبة الناس ووصاية الناس على النظام الإسلامي والحكومة الاسلاميّة، نعم هذه الوصاية موجودة، لكن للأسف نجدها أنّها ليست بالنحو المركّز في الديمقراطيّة الغربيّة، كما تقدّم نقل مقال الدكتور عبد الرزاق السنهوري حيث يقول: عندهم تضارب، هل المذهب العقلي يحكّم أو المذهب الفردي، هذه أوجه مفارقة موجودة بين النظريّة الإماميّة والديمقراطيّة.
|