الصفحة 2

مقدمة المؤلف:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه وأستهدي الله الهدى وأعوذ به من الضلالة والردى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات الله عليه وآله الطيبين الطاهرين, أرسله الله عز وجل رحمة للعالمين داعيا إلى الحق وشاهدا على الخلق, فبلغ رسالات ربه كما أمره لا متعديا ولا مقصرا, وجاهد في الله أعداءه لا وانيا ولا ناكلا ونصح له في عباده صابرا محتسبا حتى أنار الإسلام ووضحت الأحكام وترك أمته المرحومة على المحجة البيضاء (ليهلك من هلك عن بينة ويحي من حي عن بينة).

أما بعد: فإن كثرة الشبهات التي يبثها المخالفون لولاية أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضد التشيع قديما وحديثا جعلت معظم الأمة الإسلامية تجهل الكثير من الحقائق الواردة في الكتاب المجيد والسنة المطهرة في شأن النبي وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم, وخاصة فيما يتعلق بتركة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم, إلى درجة أنها أضحت تعتقد بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد ارتحل عن هذه الدنيا ولم يترك دارا ولا عقارا ولا دينارا ولا درهما, وترك درعه (آلته الحربية التي أعدها لجاهد أعداء الله) مرهونة عند رجل يهودي!!

مع العلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقود ويرعى دولة الإسلام العزيز التي كانت تغطي معظم أنحاء الجزيرة العربية بما فيها من جيوش وعمال وقضاة ودعاة وكتاب وسفراء ووفود وما يستلزم من حسن الضيافة والكرم وغير ذلك من ذوي الحاجات من الضعفاء والمحرومين من أرامل وأيتام, والأمة بأكملها عياله وأيتامه وهو صلى الله عليه وآله وسلم وليها أولى بها من نفسها, بالإضافة إلى عول أزواجه التسع وأهل بيته ومواليه وخدمه وغير ذلك.


الصفحة 3

أيعقل أن يتصرف حكيم بمثل هاكذا تصرف فيتصدق بكل ما كان يملكه على حد زعمهم ولا يدخر شيئا من المال لمئونة عياله ونوائبه التي تعوزه؟! وقد كان محاط بالأعداء من الداخل والخارج مهددا بالإخطار في كل آن؟!

كيف يعقل أن يفعل ذلك في الوقت الذي كان صلى الله عليه وآله وسلم ينهى أصحابه أن يتصدق أحدهم بجميع ماله ويأمره أن يمسك بعضه, ويقول لهم: اليد العليا خير من اليد السفلى وأبدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر عنى(1)...

كيف يكون منه ذلك وقد قال الله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم), وقال الله عز وجل: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا).

1- مدخل إلى تركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

إن من تأمل في سيرة النبي الأعظم وأهل بيته الكرام صلوات الله وسلامه عليهم, وسبر أثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم, ونظر في المراحل السياسية والتشريعية للتاريخ الإسلامي بعيدا عن كل هوى وتعصب, يجد بأن عصابة قريش المتمثلة في حزب سقيفة بني ساعدة برئاسة أبي بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب لم يكتفوا بانتزاع الخلافة من الأنصار واغتصابها من صاحبها الشرعي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام, والهجوم بالنار والسلاح على بيت زوجته فاطمة الزهراء وهتك حرمتها وترويعها هي وبنيها سلام الله عليهم وإخراج من كان في بيتها بالقوة وغير ذلك من الأفاعيل المنكرة لأجل مبايعة ابن أبي قحافة, وقد تعدوا إلى أبعد من ذلك باستيلائهم على تركة رسول الله صلى الله عليه وآله

____________

(1)صحيح البخاري ج:2 ص117 كتاب: الكسوف, باب: وجوب الزكاة.

الصفحة 4

الضخمة, والتي هي من الحقوق الشرعية لأهل البيت عليهم السلام, وبذلك تكون عصابة قريش قد حققت مبتغاها في الحصول على المال والسلطان, وفرضت على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله سلم حصارا اقتصاديا, لإضعاف سيد العترة أمير المؤمنين علي عليه السلام حتى لا يميل إليه الناس, ولا يتقوى على المنازعة لاسترداد حقه المغتصب وما إلى ذلك.

وقد قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: (إن الله تعالى قبض نبيه صلى الله عليه وآله, وأنا يوم قبضه (كنت) أولى الناس مني بقميصي هذا!! وقد كان من نبي الله صلى الله عليه وآله إلي عهدا لو خزمتموني بأنفي لأقررت سمعا لله وطاعة وإن أول ما انتقضاه إبطال حقنا في الخمس فلما رق أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا(1)...)

قال الشيخ محمد باقر المحمودي تعليقا على هذا الكلام: لعل أولية أبطال الخمس لما لـه من الأثر الكبير في تقاعد الناس عنهم وعدم إقبالهم إليهم وإلا أبطلوا حقهم في فدك قبل إبطال الخمس.

أو يقال: إن فدكا كانت خاصة لفاطمة صلوات الله عليها بلغة لأبنائها -على ما هو المستفاد من الأخبار- ولم يكن لولي الأمر أو لبني هاشم عموما, فإذا إبطال حقهم في الخمس يكون أولا.

نحاول بعون الله سبحانه وتعالى في بداية بحثنا هذا استعراض طائفة من أدلة الكتاب المجيد والسنة المحمدية المطهرة عن مصادر تكون ثروة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وما كان يملكه وملكه في حياته , وما تركه بعد رحيله صلوات الله عليه وآله وسلم, مقتصرين على ما نقله أهل السنة والجماعة في

____________

(1)نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ج:1 ص485 من كلام له عليه السلام أجاب به عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه.

الصفحة 5

كتبهم وما أفتى به علمائهم إلا عند الاقتضاء لوجهة نظر أهل البيت عليهم السلام وعلماء شيعتهم, محاولين بعون الله عز وجل إظهارا ما خفيا من أمر التركة عن السواد الأعظم من أبناء العامة, بسبب ظلم المستبدين, وجور الجاحدين, وعناد المبغضين, وتحريف الضالين, وتأويل المبطلين, ودس الوضاعين, وتزوير المبتدعين, وانحراف المتعصبين, وجهل الجاهلين, والله ولي التوفيق.

2 - التعرف على تركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

قال إسماعيل بن حماد الجوهري: وتركة الميت: تراثه المتروك(1).

وقال جار الله الزمخشري: والتركة اسم للمتروك, كما أن الطلبة اسم للمطلوب, ومنها: تركة الميت(2).

وقال الراغب الأصفهاني في ترك: ترك الشيء رفضه قصدا واختيارا أو قهرا واضطرارا, فمن الأول:( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض) وقوله: (واترك البحر رهوا) ومن الثاني: (كم تركوا من جنات) ومنه تركة فلان لما يخلفه بعد موته(3).

ولا يختلف اثنان في عرف الشرع من أن تركة الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله سلم: هو ما تركه من حقه الشرعي الذي كان يملكه من الأنفال, وخمس الغنائم, وما أفاءه الله تعالى عليه مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب, والصوافي من مال منقول وغير منقول من أرض وعقار وغير ذلك, وكل أرض انجلى عنها أهلها بغير حرب, والأرضين الموات, والآجام, وقطائع الملوك

____________

(1)الصحاح ج:4 ص1577 مادة: ترك, تحقيق: أحمد بن عبد الغفور عطار, الطبعة: 1407 هجري, طبع ونشر: دار العلم للملايين.

(2)الفايق في غريب الحديث ج:3 ص322 النون مع الفاء.

(3)مفردات غريب القرآن ص: 74 كتاب: التاء وما يتصل بها.


الصفحة 6

وغيرها, بالإضافة إلى مسكنه ومتاعه وسلاحه ومركبه وغير ذلك مما كان يملكه صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد اصطلح حزب قريش ومن والاهم وتأثر بمنهاجهم على مجموع ما تركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسموها (صدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم) بناء على الخبر الذي انفرد به أبو بكر (لا نورث ما تركنا فهو صدقة) وهذا الاصطلاح فيه ما فيه من التمويه والتظليل لحجب الحقيقة عن معرفة تركة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم, سنبين ذلك بمشيئة الله عز وجل فيما يأتي.

3- خمس الغنائم حق مفروض في القرآن الكريم

قال الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم اتقى الجمعان, والله على كل شيء قدير)(1).

قد أوجبت هذه الآية المباركة على كافة المسلمين أداء خمس ما غنموه, وإن كانت الآية قد نزلت في مورد خاص في غزوة بدر الكبرى, إلا أن الحكم في (ما غنمتم) عام يشمل كل غنيمة, بحكم القاعدة المقررة عند علماء الفقه والأصول ( بأن المورد لا يخصص العام ولا يقيد المطلق)(2), و(أن القرآن حي لم يمت, وأنه يجري كما يجري الليل والنهار, وكما تجري الشمس والقمر, ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا) قد نقل ذلك عن أهل البيت عليهم السلام(3).

____________

(1)الأنفال: آية41.

(2)أصول الفقه الشيخ محمد رضا المظفر ج:2 ص259 الطبعة: الخامسة 1408 هجري, الناشر مكتبة بصيرتي- قم إيران.

(3)محاضرات في أصول الفقه - تقرير بحث السيد الخوئي للشيخ محمد اسحاق للفياض ج:1 ص240 ما هو المراد من الحال في عنوان المسألة؟ الطبعة: الثالثة 1410 هجري, الناشر: دار الهادي للمطبوعات - قم إيران.


الصفحة 7

ومعنى الغنيمة في مصطلح أئمة اللغة: مطلق الفائدة المكتسبة وما يفوز به الإنسان في الدينة والآخرة, وذكر: الغنم: الفوز بالشيء من غير مشقة.

قال عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري: والغنيمة ما غنمه المسلمون من أرض العدو عن حرب تكون بينهم فهي لمن غنمها إلا الخمس وأصل الغنيمة والغنم في اللغة الربح والفضل ومنه قيل في الرهن: له غنمه وعليه غرمه أي فضله للراهن ونقصانه عليه(1).

وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: والغنم: الفوز بالشيء في غير مشقة. والاغتنام: انتهاب الغنم. والغنيمة الفيء(2).

وقال ابن منظور: الغنم: الفوز بالشيء من غير مشقة. والاغتنام: انتهاز الغنم. والغنم والغنيمة والمغنم: الفيء. يقال: غنم القوم غنما, بالضم. وفي الحديث: الرهن لمن رعنه له غنمه وعليه غرمه, غنمه: زيادته ونماؤه وفاضل قيمته(3).

وقال الشيخ فخر الدين الطريحي: الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة, ولكن اصطلح جماعة على أن ما أخذ من الكفار. إن كان من غير قتال فهو فيء, وإن كان مع القتال فهو غنيمة, وإليه ذهب الإمامية, وهو مروي عن أئمة الهدى عليهم السلام كذا قيل(4). وقد تكفلت السنة المحمدية التي تناقلها المسلمون ودونوها في أمهات كتبهم المعتبرة ببيان موارد الغنيمة وتوضيح أحكام الخمس ولله الحمد.

____________

(1)كتاب العين ج:4 ص426 باب: الغين والنون والميم, الطبعة: الثانية 1409 هجري, الناشر: مؤسسة دار الهجرة.

(2)غريب الحديث ج:1 ص46 ألفاظ تعرض في أبواب الفقه مختلفة, الغنيمة, الطبعة: الأولى 1408 هجري, الناشر: دار الكتب العلمية.

(3)لسان العرب ج:12 ص445 فصل في الغين المعجمة, الطبعة: الأولى 1405 هجري, المطبعة: دار إحياء التراث العربي, وانظر: تاج العروس لمحمد مرتضى الزبيدي ج:9 ص7 الناشر: مكتبة الحياة - بيروت.

(4)مجمع البحرين ج:3 ص الطبعة: الثانية 1408 هجرية, الناشر: مكتب نشر الثقافة الإسلامية.


الصفحة 8

4- وجوب خمس الغنائم في السنة المحمدية

لقد ذكر المحدثون والفقهاء والمؤرخون وأصحاب السير أن رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم أمر بإخراج الخمس من غنائم الحرب, وما يستخرج من الأرض من ذهب وفضة سواء كان كنزا أو معدنا وغيرها من الأرباح والمكاسب, وعلى هذا الأساس قد أفتى الفقهاء بوجوب إخراج الخمس مما يغنم طبقا لما فهموه من نصوص الكتاب المجيد والسنة المطهرة.

فقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين ومالك في الموطأ عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العجماء جبار, والمعدن جبار, وفي الركاز الخمس(1).

وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السائمة جبار, والجب جبار, والمعدن جبار, وفي الركاز الخمس(2).

وأخرج أحمد في مسنده أيضا عن ابن عباس قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركاز الخمس(3).

وأخرج أحمد في مسنده والترمذي في سننه: سأل رجلا من مزينة رسول الله صلى الله عليه وآله مسائل جاء فيها: فالكنز نجده في الخرب والآرام؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فيه وفي الركاز الخمس(4).

وقال الإمام مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا, والذي سمعت أهل العلم يقولون: إن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية, ما لم يطلب بمال,

____________

(1)صحيح البخاري ج:2 ص159 باب: في الركاز والخمس, وصحيح مسلم ج:5 ص127 باب: جرح العجماء والمعدن والبئر جبار, وموطأ مالك ج:1 ص244 باب: زكاة الشركاء.

(2)مسند الإمام أحمد ج:3()ص335 ومجمع الزوائد ج:3 ص78 باب: في الزكاة والمعادن.

(3)مسند الإمام أحمد ج:1 ص314.

(4)مسند الإمام أحمد ج:2 ص186 و202 و207, وسنن الترمذي ج:1 ص219.


الصفحة 9

ولم يتكلف فيه نفقة, ولا كبير عمل, ولا مؤونة, فأما ما طلب بمال, وتكلف فيه كبير عمل, فأصيب مرة, وأخطئ مرة, فليس بركاز.

وفي المدونة الكبرى قال: وقال مالك: ما نيل من دفن الجاهلية بعمل أو بغير عمل فهو سواء وفيه الخمس, وقال: قال مالك: أكره حفر قبور الجاهلية والطلب فيها ولست أراه حراما فما نيل فيها من أموال الجاهلية ففيه الخمس, قال: وقد بلغني عن مالك أنه قال: إنما الركاز ما أصيب في أرض العرب مثل الحجاز واليمن وفي البلدان من دفن الجاهلية فهو ركاز وفيه الخمس ولم يجعله مثل ما أصيب في الأرض التي صالح عليها أهلها وأخذت عنوة, قلت: أرأيت ما أصيب في أرض العرب أليس إنما فيه الخمس في قول مالك ويأخذ الذين أصابوه أربعة أخماس؟ قال: نعم. قلت: أليس الركاز في قول مالك ما قل منه أو كثر من دفن الجاهلية فهو ركاز كله وان كان أقل من مائتي درهم؟ قال: نعم. قلت: ويخرج خمسه وان كان فقيرا؟ قال: نعم. قلت: وإن كان فقيرا وكان الركاز قليلا أيسعه أن يذهب به جميعه لمكان فقره؟ فقال لا(1).

وقال الإمام الشافعي: وإذا وجد رجل ركازا في بلاد الحرب في أرض موات ليس بملك كموات أرض العرب فهو لمن وجده وعليه فيه الخمس, وإن وجده في أرض عامرة يملكها رجل من العدو فهو كالغنيمة وما أخذ من بيوتهم.

وقال أيضا: لا أشك إذا وجد الرجل ركاز ذهبا أو رقا وبلغ ما يجد منه ما تجب فيه الزكاة أن زكاته الخمس(2).

____________

(1)الموطأ ج:1 ص250 باب: زكاة الركاز, والمدونة الكبرى ج:1 ص290 في معادن أرض الصلح وأرض العنوة, ما جاء في الركاز.

(2)كتاب الأم ج:2 ص48 كتاب: الزكاة, باب: زكاة الركاز, وباب: ما وجد من الركاز.


الصفحة 10

وقال أبو يوسف: في كل ما أصيب من المعادن الخمس, ولو أن رجلا أصاب في معدن أقل من وزن مائتي درهم فضة أو أقل من وزن عشرين ذهبا, فإن فيه الخمس.

ليس هذا موضع الزكاة, وإنما هو على موضع الغنائم وليس في تراب ذلك شيء إنما الخمس في الذهب الخالص, والفضة الخالصة, والحديد, والنحاس والرصاص, ولا يحسب لمن استخرج ذلك من نفقته عليه شيء, قد تكون النفقة تستغرق ذلك كله, فلا يجب إذن فيه خمس عليه, وفيه الخمس حين يفرغ من تصفيته قليلا كان أو كثيرا, ولا يحسب له من نفقته شيء من ذلك...

قال: ولو أن الذي أصاب شيئا من الذهب أو الفضة أو الحديد أو الرصاص أو النحاس, كان عليه دين فادح لم يبطل ذلك الخمس عنه.

ألا ترى لو أن جندا من الأجناد , أصابوا غنيمة من أهل الحرب, خمست ولم ينظر أعليهم دين أم لا.

ولو كان عليهم دين, لم يمنع ذلك من الخمس.

وقال: وأما الركاز فهو الذهب والفضة الذي خلقه الله عز وجل في الأرض يوم خلقت, فيه أيضا الخمس, من أصاب كنزا عاديا في غير ملك أحد فيه ذهب أو فضة أو جوهر أو ثياب, فإن في ذلك الخمس وأربعة أخماسه للذي أصابه, وهو بمنزلة الغنيمة يغنمها القوم فتخمس وما بقي فلهم.

وقال في جوابه للخليفة هارون الرشيد: وسألت يا أمير المؤمنين عما يخرج من البحر فإن في ما يخرج من البحر من حليه والعنبر الخمس(1).

وقال عبد الله بن قدامة: (وما كان من الركاز وهو دفن الجاهلية قل أو كثر ففيه الخمس لأهل الصدقات وباقيه له) الدفن بكسر الدال المدفون والركاز المدفون

____________

(1)كتاب الخراج لأبي يوسف ص:25 و27 و73.


الصفحة 11

في الأرض واشتقاقه من ركز يركز مثل غرز يغرز إذا خفي يقال: ركز الرمح إذا غرز أسفله في الأرض ومنه الركز وهو الصوت الخفي, قال الله تعالى: (أو تسمع لهم ركزا) والأصل في صدقة الركاز ما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العجماء جبار وفي الركاز الخمس) متفق عليه, وهو أيضا مجمع عليه.

قال: قال أبو المنذر: لا نعلم أحدا خالف هذا الحديث إلا الحسن فإنه فرق بين ما يوجد في أرض الحرب وأرض العرب فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس وفيها يوجد في أرض العرب الزكاة.

وقال: وأوجب الخمس في الجميع الزهري, والشافعي, وأبو حنيفة, وأصحابه, أبو ثور, وابن منذر وغيرهم.

وقال أيضا: في صفة الركاز الذي فيه الخمس وهو كل ما كان مالا على اختلاف أنواعه من الذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر والنحاس والآنية وغير ذلك وهو وقول: إسحاق وأبي عبيد وابن المنذر وأصحاب الرأي وإحدى الروايتين عن مالك وأحد قولي الشافعي, والقول الآخر لا تجب إلا في الأثمان ولنا عموم قوله عليه السلام: (وفي الركاز الخمس) ولأنه مال مظهور عليه من مال الكفار فوجب فيه الخمس مع اختلاف أنواعه كالغنيمة. إذا ثبت هذا فإن الخمس يجب في قليله وكثيره في قول: أمامنا ومالك وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في القديم(1).

وقال محي الدين النووي: ويجب في الركاز الخمس لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وفي الركاز الخمس) ولأنه اتصل إليه من غير تعب ولا مؤنة فاحتمل فيه الخمس ولا يجب ذلك إلا على من

____________

(1)المغني ج:2 ص613 و615 زكاة الذهب والفضة: أقسام المدفون في الأرض وأحكامها.


الصفحة 12

تجب عليه الزكاة لأنه زكاة... قال في شرح الحديث: حديث أبي هريرة رواه البخاري ومسلم والركاز هو المركوز بمعنى المكتوب ومعناه في اللغة المثبوت ومنه ركز رمحه يركزه بضم الكاف إذا غوره وأثبته وهو في الشرع دفن الجاهلية ويجب فيه الخمس بلا خلاف عندنا قال: المنذر وبه قال: جميع العلماء قال: ولا نعلم أحدا خالف فيه إلا الحسن البصري(1)...

وقال عبد الكريم الرافعي: وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال: (في الركاز الخمس وفي المعدن الصدقة) وبه قال أبو حنيفة, ويحكى عن المزني أيضا أن الواجب الخمس لما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: (وفي الركاز الخمس قيل يا رسول الله وما الركاز؟ قال: هو الذهب والفضة المخلوقان في الأرض يوم خلق الله السموات والأرض) أن ما ناله من غير تعب ومؤنة فيه الخمس وما ناله بالتعب والمؤنة ففيه ربع العشر جمعا بين الأخبار(2)...

وقال القرطبي: وقال ابن القاسم: كان مالك يقول في الفروض والجواهر والحديد والرصاص ونحوه يوجد ركازا: إن فيه الخمس ثم رجع فقال: لا أرى فيه شيئا , ثم آخر ما فارقناه أن قال: فيه الخمس. وهو الصحيح لعموم الحديث وعليه جمهور الفقهاء. وقال أبو حنيفة ومحمد في الركاز يوجد في الدار: إنه لصاحب الدار دون الواجد وفيه الخمس. وخالفه أبو يوسف فقال: إنه للواجد دون صاحب الدار, وهو قول الثوري: وإن وجد في الفلاة فهو للواجد في قولهم جميعا وفيه الخمس. ولا فرق عندهم بين أرض الصلح وأرض العنوة, سواء عندهم أرض العرب وغيرها, وجائز عندهم لواجده أن يحتبس الخمس لنفسه إذا محتاجا وله أن يعطيه للمساكين. ومن أهل المدينة وأصحاب مالك من لا يفرق بين شيء من ذلك

____________

(1)المجموع ج:6 ص91 باب: زكاة المعدن والركاز, الدليل على أن الواجب في الزكاة الخمس.

(2)فتح العزيز ج:6 ص89 النوع الخامس زكاة المعادن والركاز.


الصفحة 13

وقالوا: سواء وجد الركاز في أرض العنوة أو في أرض الصلح أو أرض العرب أو أرض الحرب إذا لم يكن ملكا لأحد ولم يدعه أحد فهو لواجه وفيه الخمس على معوم ظاهر الحديث, وهو قول الليث وعبد الله بن نافع والشافعي وأكثر أهل العلم(1).

وروى ابن أبي عاصم بإسناده عن الضحاك بن النعمان بن سعد أن مسروق بن وائل رضي الله تعالى عنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم العقيق فحسن إسلامه وقال إني أحب أن تبعث إلى قومي رجالا يدعونهم إلى الإسلام وأن تكتب إلى قومي كتابا عسى الله عز وجل أن يهديهم به فقال لمعاوية رضي الله تعالى عنه اكتب له, فقال يا رسول الله كيف أكتب له؟ قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإقبال من حضرموت بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصدقة على التبعة ولصاحبها التيمة وفي السيوب الخمس...(2).

قال ابن الأثير: السيوب: الركاز. قال أبو عبيد: ولا أراه أخذ إلا من السب, وهو العطاء وقيل السيوب عروق من الذهب والفضة تسيب في المعدن: أي تتكون فيه وتظهر. وقال: قال الزمخشري: السيوب: (الركاز) جمع سيب, يريد به المال المدفون في الجاهلية, أو المعدن ( وهو العطاء) لأنه من فضل الله تعالى وعطائه لمن أصابه. وفي الحديث الاستسقاء (واجعله سيبا نافعا) أي عطاء(3).

____________

(1)تفسير القرطبي ج:3 ص323 تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات... ) الآية.

(2)الآحاد والمثاني ج:5 ص173 ح:2708 الضحاك بن النعمان بن يوسف, والمعجم الكبير للطبراني ج:20 ص336 من اسمه مخمر الطبعة: الثانية, الناشر: مكتبة ابن تيمية - القاهرة, تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج:62 ص393 ذكر من اسمه وائل, وائل بن حجر بن سعد..., وأسد الغابة لابن الأثير ج:3 ص37 (ب د ع الضحاك), و .

(3)النهاية في غريب الحديث ج:2 ص432 حرف السين, باب: حرف السين مع الياء.


الصفحة 14

قال شمس الدين السرخسي: روي أن رجلا أتى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بألف وخمسمائة درهم وجدها في خربة فقال علي: إن وجدتها في أرض يؤدي خراجها قوم فهم أحق بها منك وإن وجدتها في أرض لا يؤدي خراجها أحد فخمسها لنا وأربعة أخماسها لك(1).

قلت: فتبين من هذه النصوص والأخبار وفتاوى جمهور الفقهاء وأئمة اللغة أن خمس الغنائم ليس هو خاص بما يغنم من الحرب بل يعم ما يغنم من غير حرب أيضا, وهذا ما عليه شيعة أهل البيت عليهم السلام من أن الخمس في كل مغنم على تفصيل في كتب أتباع العترة الطاهرة عليهم السلام نورد نموذجا منها.

قال الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضوان الله تعالى عنه في تهذيب الأحكام: (والخمس واجب في كل مغنم ثم قال: والغنائم كل ما استفيد بالحرب من الأموال والسلاح والأثواب والرقيق وما استفيد من المعادن والغوص والكنوز والعنبر وكل ما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات من المؤنة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد).

وروى بإسناده عن حكيم مؤذن بني عبس عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ( وأعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسة وللرسول) قال: هي والله الإفادة يوما بيوم. لأن أبي عليه السلام جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا.

وروى أيضا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص فقال: عليها الخمس جميعا.

وروى عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ فقال: عليه الخمس.

____________

(1)المبسوط ج:2 ص214 كتاب: الزكاة, باب: المعادن وغيرها.


الصفحة 15

قال: وسألته عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس، وعن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس، وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان بالمعادن كم فيها؟ قال: يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة.

وروى عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كلما كان ركازا ففيه الخمس، وقال: ما عالجته بمالك ففيه مما اخرج الله منه من حجارته مصفى الخمس.

وروى عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة عليها السلام ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤا إذ حرم عليهم الصدقة ، حتى الخياط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منها دانق إلا من أحللنا من شعيتنا لتطيب لهم به الولادة، إنه ليس من شئ عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا إنه ليقوم صاحب الخمس فيقول يا رب سل هؤلاء بما أبيحوا.

وروى عن محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضة هل عليه زكاتها؟ فقال: إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس.

وروى عن الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رجلا أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني أصبت مالا لا اعرف حلاله من حرامه؟ فقال: اخرج الخمس من ذلك المال فان الله تعالى قد رضي من المال بالخمس واجتنب ما كان صاحبه يعمل(1).

____________

(1)تهذيب الأحكام ج:4 ص121و122 و124 ح:144- 1 وح:345- 2 وح:346- 3 وح:347- 4 وح:348- 5 و356- 13 وح:358- 15, (35)- باب: الخمس والغنائم.


الصفحة 16

وقال الشيخ علي بن بابويه رضوان الله تعالى عنه: وكل ما أفاده الناس فهو غنيمة، لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ومال الفيء الذي لم يختلف فيه، وهو ما ادعي فيه الرخصة، وهو ربح التجارة وغلة الضيعة، وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها، لأن الجميع غنيمة وفائدة من رزق الله تعالى.

فإنه روي أن الخمس على الخياط من إبرته، والصانع من صناعته، فعلى كل من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس، فإن أخرجه فقد أدى حق الله عليه، وتعرض للمزيد، وحاله الباقي من ماله وطاب، وكان الله أقدر على إنجاز ما وعده العباد من المزيد والتطهير من البخل، على أن يغني نفسه مما في يديه عن الحرام الذي يحل فيه، بل قد خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، فاتقوا الله وأخرجوا حق الله مما في أيديكم، يبارك الله لكم في باقيه وتزكوا، فإن الله تعالى الغني ونحن الفقراء.

وقد قال الله تعالى: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) فلا تدعوا التقرب إلى الله بالقليل والكثير على حسب الإمكان وبادروا بذلك الحوادث، واحذروا عواقب التسويف فيها، فإنما هلك من هلك من الأمم السالفة بذلك، وبالله الاعتصام(1).

وقال الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عنه : والخمس واجب في كل مغنم ، قال الله عز وجل: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله). والغنائم كل ما استفيد بالحرب من الأموال، والسلاح، والثياب، والرقيق، وما استفيد من المعادن،

____________

(1)فقه الرضا (ع) ص:294 باب: الغنائم والخمس.


الصفحة 17
والغوص، والكنوز، والعنبر، وكل ما فضل من أرباح التجارات، والزراعات، والصناعات عن المؤنة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد(1).

وقال الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى في (المسألة 138): المعادن كلها يجب فيها الخمس من الذهب, والفضة, والحديد, والصفر, والنحاس, والرصاص, ونحوها مما لا ينطبع ومما لا ينطبع, كالياقوت, والزبرجد, والفيروزج ونحوها, وكذلك القير, والموميا, والملح , والزجاج وغيره. وقال الشافعي: لا يجب في المعادن شيء إلا الذهب والفضة فأن فيهما الزكاة, وما عداهما ليس فيه شيء, انطبع أو لم ينطبع. وقال أبو حنيفة: كلما ينطبع مثل الحديد, الرصاص, والذهب, والفضة ففيه الخمس. وما لا ينطبع فليس فيه شيء مثل الياقوت, والزمرد, والفيروزج فلا زكاة فيه لأنه حجارة. وقال أبو حنيفة ومحمد: في الزيبق الخمس. وقال أبو يوسف: لا شيء فيه, ورواه عن أبي حنيفة. وقال أبو يوسف: قلت: قلت لأبي حنيفة: هو كالرصاص, فقال: فيه الخمس. وقال أبو يوسف سألته عن الزيبق بعد ذلك فقال: إنه يخالف الرصاص, فلم أر فيه شيئا. فروايته عن أبي حنيفة ومذهبه الذي مات عليه أنه يخمس. دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم, وأيضا قوله تعالى: (وأعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه) وهذه كلها مما غنمه الإنسان. وأيضا الأخبار التي وردت عنهم عليهم السلام في أن الأرض خمسها لنا, وإن لنا خمس الأشياء حتى أرباح التجارات تتناول ذلك. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله قال:(في الركاز الخمس) والمعادن ركاز.

وقال في (المسألة 139): يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات , والغلات , والثمار على اختلاف أجناسها بعد إخراج حقوقها ومؤنتها, وإخراج مؤنة الرجل لنفسه ومؤنة عياله سنة. ولم يوافقنا على ذلك أحد من

____________

(1)المقنعة ص:276 باب: الخمس والغنائم.


الصفحة 18
الفقهاء. دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم, وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك, لأنه إذا أخرج الخمس عما ذكرناه كانت ذمته بريئة بيقين, وإن لم يخرج ففي براءة ذمته خلاف(1).

5- الرسول صلى الله عليه وآله يأمر في كتبه بإخراج الخمس

قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم لوفد عبد القيس لما قالوا لـه: إن بيننا وبينك المشركين من مضر, وإنا لا نصل إليك إلا في أشهر الحرم, فمرنا بجمل من الأمر إن عملنا به دخلنا الجنة, وندعو إليه من وراءنا.

قال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع , آمركم بالإيمان بالله, وهل تدرون ما الإيمان بالله, شهادة أن لا إله إلا الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وتعطوا الخمس من المغنم(2)...

فقوله صلوات الله عليه وآله وسلم: وتعطوا الخمس من المغنم, ليس مقصوده غنائم الحرب فحسب كما قد يتوهم, وإنما مطلق الغنائم, وعبد القيس لا تصل إلى رسول الله في كل وقت تحصل فيه على غنيمة لإبراء ذمتها إلا في أشهر الحرم بسبب المشركين, وأما الحرب فقد كانت بيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقسم مغنمها بنفسه إذا كان مباشرا لها, أو من أمره عليها يأتيه بخمسها, وأما

____________

(1)كتاب: الخلاف ج:2 ص 116 كتاب: الزكاة, ما يجب فيه الخمس وجوب الخمس في المعادن كلها.

(2)مسند أحمد بن حنبل ج:2 ص23 مسند أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه, وصحيح البخاري ج:2 ص109 كتاب: الكسوف, باب: وجوب الزكاة, وأيضا ج:5 ص116 كتاب: المغازي, غزاة أوطاس, باب: وفد عبد القيس, وأيضا ج:8 ص137 كتاب: التمني, باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق..., وأيضا ص217 باب: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه, وصحيح مسلم ج:1 ص35 و36 كتاب: الإيمان, باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس, والمعجم الكبير للطبراني ج:12 ص172 و173 و174 أبو جحره عن بن عباس, والسنن الكبرى للبيهقي ج:6 ص294 كتاب: قسم الفيء والغنيمة, باب: وجوب الخمس في الغنيمة والفيء, والسنن الكبرى للنسائي ج:1 ص: 143 ح:324 كتاب: الصلاة, فضل الصلوات الخمس, ومسند أبي داود الطيالسي ص: 359 سعيد بن يسار عن أبي هريرة, والمنتقى من السنن المسندة لابن جارود النيسابوري ج:277 باب: ذكر ما يوجف عليه والخمس والصفايا. ج:277 باب: ذكر ما يوجف عليه والخمس والصفايا.


الصفحة 19
الغنائم من غير الحرب فعلى المسلمين أن يأتوا بأخماسها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو إلى عامله كما يستفاد من كتابه صلى الله عليه وآله لوفد عبد القيس.

وقد كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: بسم الله الرحمن الرحيم, هذا بيان من الله ورسوله, (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) عهد من محمد النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن.

أمره بتقوى الله في أمره كله, وأن يأخذ من المغانم خمس الله, وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البعل وسقت السماء, ونصف العشر مما سقى الغرب(1).

وفي كتابه صلى الله عليه وآله وسلم لبني زهير العكليين: إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأديتم الخمس من المغنم وسهم النبي وسهم الصفي. أنتم أمنون بأمان الله ورسوله(2).

ويمكن لمن أراد التعرف على موارد الخمس أن يراجع كتب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (ما كتب لسعد هذيم من قضاعة(3), وما كتب لمالك بن أحمر

____________

(1)فتوح البلدان للبلاذري ج: 1 ص 84 ح218 الطبعة سنة 1379 هجرية الناشر: مكتبة النهضة المصرية - القاهرة, مستدر الصحيحين ج:4 ص265, وكتاب الخراج لأبي يوسف ص:85, وكنز العمال ج:5 ص518.

(2)مسند الأمام أحمد ج:5 ص77 و78 و363, وسنن أبي داود ج:2 ص32 ح2999 كتاب: الخراج والإمارة والفيء, باب: ما جاء في سهم الصفي, والسنن الكبرى ج:7 ص:58 كتاب: النكاح, باب: ما أبيح له من سهم الصفي, وتفسير ابن كثير ج:2 ص324 تفسير سورة الأنفال, حث المؤمنين على قتال الكفار, والمغني لابن عبد الله بن قدامة ج:7 ص 303 باب: قسمة الفيء الغنيمة والصدقة, تقسيم سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح والمصالح, ونصب الراية لأحاديث الهداية ج:6 ص560 كتاب: الخنثى, بيان أن الكتابة حجة مثل العبارة.

(3)( راجع: الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ج:1 ص 270 ذكر بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم, الرسل بكتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وما كتب به رسول الله صلى الله عليه وسلم لناس من العرب وغيرهم, والبداية النهاية لابن كثير ج:3 ص201 باب: بدء إسلام الأنصار رضي الله عنهم, قصة بيعة العقبة الثانية, وتاريخ ابن خلدون ج:2 ص53 الطبعة الرابعة, دار: إحياء التراث العربي, الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات- بيروت, ولب اللباب في تحرير الأنساب لجلال الدين السيوطي ص:278 الناشر: دار سادر- بيروت.


الصفحة 20
الجذامي(1), وما كتب للفجيع ومن تبعه(2), وما كتب للمنذر ابن ساوي صاحب هجر من الأسبذيين(3), وما كتب لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه(4), وما كتب لبني معاوية بن جرول الطائيين(5), وما كتب لجهينة بن زيد(6)...).

وقد جاء ذلك في كتب كثيرة جدا ذكرنا منها نموذجا ومن أراد التوسع لأجل التعرف أكثر على كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعليه أن يطالع المراجع المطولة في هذا الخصوص.

وقد تبين مما قدمناه أن خمس الغنائم عام ولا يختص بغنائم الحرب, وليس كما ذهب إليه بعض الجهلة من أنه خاص بغنائم الحرب أو ما وجد في بلاد أهل الكفر من دون حرب لأسباب تتعلق بحرمان أهل البيت عليه السلام من

____________

(1)المعجم الكبير للطبراني ج:19 باب: الميم, مالك بن أحمر الجذامي, والثقات لابن حبان ج:3 ص379 الطبعة الأولى: سنة 1393 هجرية, المطبعة: مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند, الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية, والإصابة لابن حجر ج:5 ص523 ح7607 مالك بن أحمر.

(2)السنن لأبي داود ج:2 ص211 ح3817 كاب: الأطعمة, باب: في المضطر إلى الميتة, والمعجم الكبير للطبراني ج:18 ص321 فجيع العامري, والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم الضحاك ج:3 ص173 ح1504, وأسد الغابة لابن الأثير ج:4 ص174 ب د ع الفجيع, والإصابة لابن حجر ج:5 ص270 ح6974 الفجيع.

(3)معجم البلدان لياقوت الحموي ج:1 ص172 الناشر: دار التراث العربي- بيروت, والطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ج:4 ص360 العلاء بن الحضرمي, والثقات لابن حبان ج:2 ص30, وأسد الغابة لابن الأثير ج:4 ص417 ب د ع المنذر, وتاريخ الطبري ج:2 ص312 السنة الثامنة من الهجرة, والأنساب للسمعاني ج:1 ص128 الطبعة الأولى سنة: 1408 دار: الجنان بيروت, والإصابة لابن حجر ج:6 ص170 ح8234 المنذر بن ساوي, وعيون الأثر لابن سيد الناس ج:2 ص333 كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوي العبدي مع العلاء بن الحضرمي.

(4)الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ج:1 ص270 ذكر بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم الرسل بكتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام وما كتب به رسول صلى الله عليه وسلم لناس من العرب وغيرهم, وأسد الغابة لابن الأثير ج:1 ص300 ب جنادة, الإصابة لابن حجر ج:1 ص610 ح1211, سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي ج:11 ص376 جماع أبواب ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم, الباب الثاني: في استكتابه صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب.

(5)الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ج:1 ص269 ما كتب به رسول الله صلى الله عليه وسلم لناس من العرب وغيرهم, تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج:4 ص331 كتابه صلى الله عليه وسلم, والبداية والنهاية ج:5 ص366 سنة إحدى عشرة من الهجرة, كتاب الوحي وغيره بين يديه صلوات الله وسلامه عليه.

(6)دلائل النبوة لإسماعيل الأصفهاني ص: 123 الطبعة الأولى: سنة() 1409, الناشر دار: طيبة- الرياض, والبداية النهاية لابن الأثير ج:2 ص391 قصة عمرو بن مرة الجهني , ومجمع الزوائد للهيثمي ج:8 ص245, وكنز العمال للمتقي الهندي ج:13 ص498 ح37292.


الصفحة 21
الأخماس , وتبرير فعل أبي بكر وعمر لمصادرتهما تركة رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم ومنعهما أهل بيته الطاهرين خمس المغانم إلى غير ذك.

6- كيف كان النبي صلى الله عيه وآله يقسم الخمس

أخرج الماوردي: قال ابن عباس رضي الله عنه: يقسم الخمس على ستة أسهم: سهم لله تعالى يصرف في مصالح الكعبة(1)...

وعن أبي العالية الرياحي: كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- يؤتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها, ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة وهو سهم الله, ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل(2).

وفي رواية: كان يقسم- الخمس- على ستة: لله وللرسول سهمان، وسهم لأقاربه حتى قبض(3).

علق السيد مرتضى العسكري على هاتين الروايتين قائلا: تصرح هاتان الروايتان أن الخمس كان يقسم ستة أسهم وهذا هو الصواب لموافقته لنص آية الخمس.

وما رواية أبي العالية بأن الرسول كان يجعل سهم الله للكعبة لعله وقع ذلك مرة واحد, وأرى الصواب في ذلك ما رواه عطاء بن أبي رباح قال: خمس

____________

(1)الأحكام السلطانية للماوردي ص:139.

(2)الأموال لأبي عبيد ص: 14 و325, وتفسير الطبري ج:10 ص4, وأحكام القرآن للجصاص ج:3 ص60 و61.

(3)تفسير النيشابوي بهامش الطبري ج:10 ص4.


الصفحة 22
الله وخمس رسوله واحد وكان رسول الله يحمل منه ويعطي منه ويضعه حيث شاء ويضع به ما شاء(1).

وقال: ومثلها ما رواه ابن جرير قال: أربعة أخماس لمن حضر البأس والخمس الباقي لله ولرسوله خمسه يضعه حيث شاء وحمس لذوي القربى الحديث(2).

وقد روى ابن أبي شيبة الكوفي بسنده عن عطاء قال: خمس الله وخمس الرسول واحد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع ذلك الخمس حيث أحب ويصنع ما شاء ويحمل فيه من شاء.

وروى عن الشعبي:(وأعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه) قال: سهم الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم واحد(3).

وقال محيي الدين النووي: وذكر النسائي عن عطاء قال: خمس الله وخمس رسوله واحد , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل منه ويعطي منه ويضعه حيث شاء ويصنع به ما شاء.

قال: وروى ابن حزم عن قتادة قال: تقسم الغنائم خمسة أخماس, فأربعة أخماس لمن قاتل عليها ثم يقسم الباقي على خمسة أخماس, فخمس منها لله تعالى وللرسول, وخمس لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وخمس لليتامى, وخمس لابن السبيل, وخمس للمساكين, ثم قال وهو قول الأوزاعي, وسفيان الثوري, والشافعي, وأبي ثور, وإسحاق, وأبي سليمان, والنسائي, وجمهور أصحاب الحديث, وآخر قولي أبي يوسف القاضي الذي رجع إليه, إلا أن الشافعي

____________

(1)الأموال لأبي عبيد ص:14.

(2)معالم المدرستين ج:2 ص156, والرواية الأخيرة التي ذكرها تجدها في تفسير الطبري ج:10 ص5 بسندين.

(3)المصنف ج:7 ص679 كتاب: الجهاد ما جاء في طاعة الإمام والخلاف عنه, في الغنيمة كيف يقسم.


الصفحة 23
قال: للذكر من ذوي القربى مثل حظ الأنثيين, وهذا خطأ لأنه لم يأت به نص أصلا وليس ميراثا فيقسم كذلك, وإما هي عطية من الله تعالى فهم فيها سواء(1).

وقال عبد الله بن قدامة (الفصل الرابع): أن الخمس يقسم على خمسة أسهم وبهذا قال: عطاء, ومجاهد والشعبي, والنخعي, وقتادة, وابن جريج, والشافعي وقيل: يقسم على ستة: سهم لله وسهم لرسوله لظاهر قوله تعالى: (وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فعد ستة وجعل الله تعالى لنفسه سهما سادسا وهو مردود على عباد الله أهل الحاجة, وقال أبو العالية: سهم الله عز وجل هو أنه إذا خمس ضرب بيده فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة فهو الذي سمي لله لا تجعلوا له نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة أسهم(2).

وروى ابن جرير الطبري بسنده عن عطاء: (وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول) قال: خمس الله وخمس رسوله واحد, كان النبي (صلى الله عليه وآله سلم) يحمل منه ويصنع فيه ما شاء.

وروى بسنده أيضا عن إبراهيم: (وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) قال: كل شيء لله, الخمس للرسول, والذي القربى, واليتامى, والمساكين, وابن السبيل.

وروى عن أبي العالية الرياحي, قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤتى بالغنيمة , فيقسمها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها, ثم يأخذ الخمس, فيضرب بيده فيه, فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة, وهو

____________

(1)المجموع ج:19 ص 374 كتاب: السيرة والجهاد, باب: قسم الخمس سهم ذي القربى سهم اليتامى سهم المساكين سهم ابن السبيل.

(2)المغني ج:7 ص300 كتاب: الفرائض, باب: ميراث ذوي الأرحام وعددهم, ونحوه في الشرح الكبير ج:6 ص228 كتاب: الوقوف والعطايا, لا يجوز غرس شجرة في المسجد.


الصفحة 24
سهم الله, ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول, وسهم لذي القربى, وسهم لليتامى, وسهم للمساكين, وسهم لابن السبيل.

وعن أبي العالية أيضا قال: فكان يجاء بالغنيمة فتوضع, فيقسمها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خمسة أسهم, فيجعل أربعة بين الناس يأخذ سهما, ثم يضرب بيده في جميع ذلك السهم, فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة, فهو الذي سمي لله, ويقول: لا تجعلوا لله نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة, ثم يقسم بقيته على خمسة أسهم: سهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم), وسهم لذوي القربى, وسهم لليتامى, وسهم للمساكين, وسهم لابن السبيل.

وعن ابن عباس, قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس, فأربعة منها لمن قاتل عليها, وخمس واحد يقسم على أربع فربع الله والرسول ولذي القربى يعني قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم), ولم يأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخمس شيئا, والربع الثاني لليتامى, والربع الثالث للمساكين, والربع الرابع لابن السبيل(1).

أما عند شيعة أهل البيت عليهم السلام فإن الخمس يقسم على ستة سهام كما نصت عليه الآية المباركة, كله للقرابة, قال ابن إدريس الحلي قدس الله سره: أفتى السيد المرتضى رضي الله عنه في المسائل الموصليات الثانية الفقهية، وهي المسألة الثلاثون فقال: والخمس ستة أسهم، ثلاثة منها للإمام القائم بخلافة الرسول، وهي سهم الله، وسهم رسوله، وسهم الإمام، والثلاثة الباقية، ليتامى آل الرسول ومساكينهم، وأبناء سبيلهم، خاصة، دون الخلق أجمعين. وتحقيق هذه

____________

(1)جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج:10 ص6 ح12494 و12495 و12496 تفسير سورة الأنفال.


الصفحة 25
المسألة، إن إخراج الخمس واجب، في جميع الغنائم، والمكاسب، وكل ما استفيد بالحرب وما استخرج أيضا من المعادن، والغوص، والكنوز، وما فضل من أرباح التجارات، والزراعات، والصناعات، عن المؤونة والكفاية، وقسمة هذا الخمس، وتمييز أهله، هو أن يقسم على ستة سهام ثلاثة منها للإمام القائم مقام الرسول عليهما السلام وهي سهم الله، وسهم رسوله، وسهم ذي القربى، لأن إضافة الله تعالى ذلك إلى نفسه، هي في المعنى للرسول عليه السلام، إنما أضافها إلى نفسه، تفخيما لشأن الرسول، وتعظيما، كإضافة طاعة الرسول عليه السلام إليه تعالى، وكما أضاف رضاه عليه السلام وأذاه إليه، جلت عظمته.

والسهم الثاني المذكور المضاف إلى الرسول عليه السلام، له بصريح الكلام، وهذان السهمان معا للرسول عليه السلام في حياته، ولخليفته القائم مقامه بعده. فأما المضاف إلى ذي القربى، فإنما عني به ولي الأمر من بعده، لأنه القريب إليه، الخصيص به. والثلاثة أسهم الباقية، ليتامى آل محمد عليهم السلام ومساكينهم، وأبناء سبيلهم، وهم بنو هاشم خاصة، دون غيرهم. وإذا غنم المسلمون شيئا من دار الكفر ، بالسيف ، قسمه الإمام على خمسة أسهم، فجعل أربعة منها بين من قاتل عليه، وجعل السهم الخامس على ستة أسهم، وهي التي قدمنا بيانها، ثلاثة منها، له عليه السلام، وثلاثة للثلاثة الأصناف من أهله، من أيتامهم ، ومساكينهم، وأبناء سبيلهم، والحجة في ذلك إجماع الفرقة المحقة عليه، وعملهم به. فإن قيل: هذا تخصيص لعموم الكتاب، لأن الله تعالى يقول: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) فأطلق، وعم، وأنتم جعلتم المراد بذي القربى واحدا، ثم قال: (واليتامى والمساكين وابن السبيل) وهذا عموم، فكيف خصصتموه ببني هاشم خاصة؟ فالجواب عن ذلك، أن العموم قد يخص بالدليل القاطع، وإذا كانت الفرقة المحقة، قد أجمعت على الحكم الذي ذكرناه

الصفحة 26
خصصنا بإجماعهم، الذي هو غير محتمل الظاهر المحتمل، على أنه لا خلاف بين الأمة، في تخصيص هذه الظواهر، لأن إطلاق قوله تعالى: (ذي القربى) يقتضي عمومه، قرابة النبي عليه السلام، وغيره، فإذا خص به قرابة النبي عليه السلام، فقد عدل عن الظاهر، وكذلك إطلاق لفظة اليتامى، والمساكين، وابن السبيل تقتضي دخول من كان بهذه الصفة، من مسلم وذمي، وغني، وفقير، ولا خلاف في أن عموم ذلك، غير مراد، وأنه مخصوص على كل حال هذا آخر كلام السيد المرتضى لا زيادة فيه ولا نقصان(1).

قلت: وقد دل ما استعرضناه من هذه النصوص والأخبار من أن أهل الحديث والفقه والتفسير أجمعوا على قسم الخمس حسب الآية على ستة على قول من فرق بين سهم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان سهم الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم يضعه حيث أراه, ويقسم على خمسة على قول من جعل السهمين واحدا , وسوف يأتي المزيد من الأخبار والتفصيل حول كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم الخمس وكيف كانت سيرته فيه, وتحليل ومناقشة ذلك فيما تركه إن شاء الله.

7- الخمس خاص بمن حرم الصدقة

من المتفق عليه بين علماء الأمة عند كل المسلمين من أن المقصود بذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل في آية الخمس إنما هم بنو هاشم, وقد حرمت عليهم الصدقة , وأغناهم الله عنها وأكرهم عن أوساخ الناس بخمس الغنائم, وحق ذوي القربى.

____________

(1)السرائر ج:1 ص 502 باب: في ذكر الأنفال ومن يستحقها, الأنفال معناها ومصاديقها وأحكامها.


الصفحة 27

فعن المنهال بن عمرو قال: سألت عبد الله بن محمد بن علي, وعلي بن الحسين عن الخمس فقالا: هو لنا.

فقلت لعلي: إن الله يقول: (واليتامى والمساكين وابن السبيل).

فقالا: يتامانا ومساكيننا(1).

قلت: فان الله عز وجل جعل لعامة المسلمين من غير بني هاشم سهما في الصدقات عندما عين مورد الصدقة ومستحقيها في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم )(2).

قلت: وأما آية الخمس فقد ذكرت بالترتيب, سهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , وسهم قرابته, وسهم يتامى القرابة, وسهم مساكينهم, وسهم ابن سبيلهم, عينت هذه السهام بعد سهم الله عز وجل تعظيما وتشريفا لهم, وقد شاركهم الله في الخمس وكله من عند الله, وجعل سهمه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم, وقصر خمس الغنائم عليهم, تمييزا لهم عن غيرهم, وتنزيها لهم عن أوساخ الناس.

قال القاضي أبو يعلى: ولا يجوز دفع الزكاة إلى كافر.

ولا يجوز دفعها إلى ذوي القربى من بني هاشم وبني المطلب, تنزيها لهم عن أوساخ الذنوب.

ولا يجوز دفعها إلى عبد, ولا مدبر, ولا أم ولد(3).

____________

(1)جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري ج:10 ص12 ح12516 تفسير سورة الأنفال, وتفسير ابن كثير ج:2 ص324 تفسير سورة الأنفال, حث المؤمنين على قتال الكفار, وفتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني ج:2 ص310 تفسير سورة الأنفال, كيف تقسم الغنائم؟.

(2)التوبة:آية60.

(3)الأحكام السلطانية ص:133.


الصفحة 28

ونقل أيضا, عن الخرقي: ولا تدفع الصدقة لبني هاشم, ولا لكافر, ولا لعبد, إلا أن يكونوا من العاملين عليها فيعطون بحق ما عملوا(1).

قلت: فالكافر قد منعه من الصدقة كفره, والعبد منعه الرق فهو كل على مولاه, أما ذوي القربى فقد منعهم من الصدقة أنها جعلت طهارة من الذنوب لدافعيها, فأكرم الله رسوله محمدا وآله الطاهرين صلوات الله عليهم عن أوساخ ذنوب الناس فحرمها عليهم.

فعن أبي هريرة قال: أخذ الحسن ابن علي رضي الله عنهما تمر من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كخ كخ ليطرحها ثم قال: أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة(2).

وروى الطبري عن مجاهد أنه قال: كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس.

وقال: قد علم الله أن في بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة(3).

وكان النبي صلى الله عله وآله وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه فإن قيل هدية أكل منها وإن قيل صدقة لم يأكل منها(4).

وقد قال النبي صلى الله عليه وآله سلم لأصحابه وهو عند زينب بنت جحش: إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد, إنما هي أوساخ الناس(1)...

____________

(1)الأحكام السلطانية ص:115.

(2)صحيح البخاري ج:2 ص157 باب: ما يذكر في الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم, وصحيح مسلم ج:3 ص117 كتاب: الزكاة, باب: تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله, ومسند الإمام أحمد بن حنبل ج:2 ص409 مسند أبي هريرة.

(3)جامع البيان عن تأويل آي القرآن ابن جرير الطبري ج:10 ص8 ح12497 و12498 و12499 و12500 و12501 و12502 و12503 و12504 و12505 و12506 و12507 و12508 و12509 و12510 و12511 و12512 تفسير سورة الأنفال.

(4)صحيح مسلم ج:3 ص121 باب: قبول النبي صلى الله عليه سلم الهدية ورده الصدقة, وسنن النسائي ج:5 ص107 كتاب: الزكاة, باب: استعمال آل النبي صلى الله عليه وسلم, والسنن الكبرى للبيهقي ج:6 ص185 كتاب: اللقطة, التاريخ الكبير للبخاري ج:7 ص329 ح1408.