الصفحة 110

وروى البخاري أيضا: أن عليا عليه السلام والعباس دخلا على عمر بن الخطاب وهما يختصمان في بني النضير فقال لهما وللرهط : فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

والله ما اجتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم .

لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال فكان الني صلى الله عليه وآله وسلم ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته, ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حياته, أنشدكم الله هل تعلمون ذلك؟

(يقول للرهط الذين عنده وهم: عثمان, والزبير, وعبد الرحمن, وسعد, ومالك بن أوس, ويرفا خادمه) فقالوا: نعم, ثم قال لعلي عليه السلام وعباس: أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟ قالا: نعم ...

سيأتي تمام هذا الخبر بجميع ألفاظه, ومناقشته إن شاء الله تعالى.

وقال أبو يعلى: الصدقة الثانية: أرضه من أموال بني النضير بالمدينة, وهي أول أرض أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فأجلاهم عنها وكف عن دمائهم... فكانت من صدقاته, يضعها حيث شاء, وينفق منها على أزواجه ثم سلمها عمر إلى العباس وعلي رضوان الله عليهما لقوما بمصرفها(1).

قلت: إذا تم عند أهل السنة والجماعة هذا كله, فقد تحصل بأن ما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم صار صدقة موقوفة, تصرف في مصالح المسلمين بعد إخراج نفقة نسائه, وحكم الوقف: أنه يحرم تناوله بالبيع, والشراء, والقسمة, والهبة, وغير ذلك فيبقى كما حبس.

____________

(1)الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسن الفراء الحنبلي المتوفى سنة:458 هجري, ص:299, تحقيق محمد حامد الفقي من جماعة الأزهر الشريف وجماعة أنصار السنة المحمدية, دار الكتب العلمية لبنان.


الصفحة 111

وتحصل أن بني النضير كانت حبسا لنوائبه صلى الله عليه وآله وسلم ينفق على أهله منها نفقة سنة, ويجعل ما فضل في مشتري السلاح والكراع.

وتحصل أنه صلى الله عليه وآله وسلم حبس نصيبه من خيبر على نوائبه, ونفقة أهله, وما فضل جعله في فقراء المهاجرين, ومشتري السلاح.

وتحصل أنه صلى الله عليه وآله وسلم حبس فدكا لأبناء السبيل لا غير.

والمتتبع يعلم علم اليقين بان هذا كله مبني على الرواية التي انفرد بها الخليفة الأول (لا نورث, ما تركنا صدقة).

فإن مصرف ما تركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يخرج عن أمرين لا ثالث لهما: إما أن يكون موقوفا على فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, وإما أن يكون موقوفا على اجتهاد الأئمة من بعده, ولا يمكن الجمع بينهما, اللهم أن يكون الحكم في بعضه على الوقف, وفي البعض الآخر على الاجتهاد, وكل ادعاء من هذا القبيل بحاجة إلى دليل شرعي.

وقد تناقض فعل أبي بكر وعمر وعثمان في صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله سلم, كما سيتضح من الأخبار التي رواه أوليائهم, فمتى صوبنا فعل أبي بكر, خطأنا فعل عمر وعثمان, ومتى صوبنا فعل عثمان خطأنا فعل أبي وعمر, بل قد تناقض فعل الواحد منهم في كل مرة, وهذا يدل على اغتصابهم تركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, وظلمهم لأهل البيت عليهم السلام.

27- أبو بكر وعمر وعثمان ومصرف الفيء والخمس

بعد أن تعرفنا على سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مصرف ما كان يمتلكه, نتعرف الآن على سيرة أبي بكر في ما تركه رسول الله صلى الله


الصفحة 112

عليه وآله, وهل كان يعمل بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم خالفه؟

فأبو بكر دفع فاطمة عليها السلام عن حقها في النحلة والخمس بزعمه: (فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ...).

لكنه لم يكن صادقا في زعمه, فتراه بعد ذلك يخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صراحة وبدون خجل, فخلط الفيء بالخمس وجعل مصرفه واحدا, ولم يكن يصرف على آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منه شيئا, وامتدت يداه إلى فدك فصرف منها على أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كانت وقفا على أبناء السبيل حسب زعمهم, بل لقد جعل أمرها راجعا للخليفة يعني نفسه يتصرف فيها بما يراه.

وقد كان رسول الله صلى عليه وآله وسلم يصرف على آله الطاهرين إما من حقوقهم الذي جعله الله لهم, وإما مما أفاء الله عليه وغير ذلك, مع العلم بأن لأهل البيت عليهم السلام حقوقهم الخاصة بهم من المغنم من أرض خيبر وقد قسمها لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبقي يعطيهم منها حتى التحق بالرفيق الأعلى, فلما قام أبو بكر اغتصب هذا الحق وحرمهم من خمس المغنم.

بيان ذلك ما رواه أهل السنة وأعترف به فقهائهم من أن أبا بكر خالف رسول الله في تقسيم الخمس ومصرفه ومصرف الصدقات.

وقد روى ابن جرير الطبري بسنده عن ابن عباس, قوله: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين...) قال ابن عباس: فكانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس, أربعة بين من قاتل عليها, وخمس واحد يقسم على أربعة: لله , وللرسول, ولذي القربى, يعني قرابة النبي


الصفحة 113

(صلى الله عليه وآله) فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبي (صلى الله عليه وآله), ولم يأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) من الخمس شيئا.

فلما قبض الله رسوله (صلى الله عليه وآله), رد أبو بكر رضي الله عنه نصيب القرابة في المسلمين, فجعل يحمل به في سبيل الله, لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله), قال: لا نورث, ما تركنا صدقة(1).

قلت: فهذه مخالفة صريحة وواضحة لا غبار عليها من أبي بكر لسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نصيب القرابة (رد نصيب القرابة وجعله والصفايا والفيء والأنفال شيئا واحدا وصرفه في ما يراه, عداء نصيب اليتامى والمساكين وابن السبيل حسب زعمهم).

وقال جلال الدين السيوطي: وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله:(وأعلموا أنما غنمتم من شيء) يعني: من المشركين (فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) يعني: قرابة النبي صلى الله عليه وسلم (واليتامى والمساكين وابن السبيل) يعني: الضيف, وكان المسلمون إذا غنموا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخرجوا خمسه فيجعلون ذلك الخمس الواحد أربعة أرباع, فربعه لله وللرسول ولقرابة النبي صلى الله عليه وسلم, فما كان لله فهو للرسول والقرابة, وكان للنبي صلى الله عليه وسلم نصيب رجل من القرابة, والربع الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم, والربع الثالث للمساكين, والربع الرابع لابن السبيل, ويعمدون إلى التي بقيت فيقسمونها على سهمانهم, فلما توفى النبي صلى الله عليه وسلم رد أبو بكر رضي الله تعالى عنه

____________

(1)جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج:10 ص11 ح12512 فأعلموا أنما غنتم من شيء, وأيضا ج:10 ص11 ح12512, فأعلموا أنما غنمتم من شيء, و أحكام القرآن للجصاص ج:3 ص62 باب: قسمة الخمس, ونصب الراية لجمال الدين الزبعلي ج:4 ص273 كتاب: السير, حديث في كيفية قسمة الغنيمة, وتخميسها, الطبعة الأولى :1415 هجري, الطابع والناشر: دار الحديث القاهرة.


الصفحة 114

نصيب القرابة فجعل يحمل به في سبيل الله تعالى, وبقى نصيب اليتامى والمساكين وابن السبيل(1).

وقال جبير بن مطعم: لم يكن يعطي أبو بكر قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطيهم(2).

وقد اعترف ابن حجر بأن أبا بكر وعمر كانا يقسمان جميع الخمس ولم يجعلا لذي القربى منه حقا مخصوصا(3).

وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: سهم ذوي القربى لقربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان عمر عرض من ذلك علينا عرضا فرأيناه دون حقنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله(4).

وروى عمر بن شبه النميري بسنده عن الحسن ابن محمد بن علي: أن أبا

بكر رضي الله عنه جعل سهم ذي القربى في سبيل الله, في الكراع والسلام(5).

وقال عبد الملك بن سلمة الأزدي: وقد قسم أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع الخمس فلم يريا لقرابة رسول الله صلى الله عليه سلم في ذلك حقا خلاف حق سائر المسلمين(6).

وقال ابن أبي الحديد المعتزلي: وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه إنه كان على ستة: لله وللرسل سهمان وسهم لأقاربه وثلاثة أسهم لثلاثة حتى قبض عليه السلام فاسقط أبو بكر ثلاثة أسهم وقسم الخمس كله على ثلاثة أسهم وكذلك

____________

(1)الدر المنثور ج: ص186 سورة الأنفال.

(2)مسند أحمد ج:4 ص83, مجمع الزوائد ج:5 ص341.

(3)فتح الباري شرح صحيح البخاري ج:6 ص259 و260, كاتب: فرض الخمس, باب: 6 ح3113.

(4)مسند أحمد ج:2 ص177, سنن البيهقي ج:6 ص344 و345.

(5)تاريخ المدينة المنورة ج:1 ص217 رسالة عمر بن عبد العزيز في شرح آية: (ما أفاء الله على رسوله) الناشر: دار الفكر.

(6)شرح معاني الآثار ج:3 ص 234 كتاب: السير, باب: سهم ذوي القربى.


الصفحة 115

فعل عمر, وروى أن أبا بكر منع بني هاشم الخمس وقال: إنما لكم أن نعطي فقيركم ونزوج أيمكم ونخدم من لا خادم لـه منكم وأما الغني منكم فهو بمنزلة ابن سبيل غنى لا يعطى شيئا ولا يتيم موسر.

قال: ويروون عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال: أيتامنا ومساكيننا فإن صح عنه ذلك فقوله عندنا أولى بالإتباع وإنما الكلام في صحته(1).

فهذه الأخبار تبين مخالفة أبي بكر لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا محالة, وتبين أيضا مخالفة فعله لقوله وتكذيب نفسه بزعمه عندما دفع فاطمة عليها السلام عن حقها (وإني والله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم...).

والمتتبع يجد بأن أبا بكر كان متناقضا في أقواله وأفعاله, فمرة يزعم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يورث ما تركه صدقة, ومرة يقول: من كان رسول الله يعوله فأنا أعوله لا أخالف رسول الله في ذلك, ومرة يقول: إنما يأكل آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذا المال (الذي تركه صلى الله عليه وآله وسلم) ليس لهم أن يزيدوا على المأكل, فمن أين أتى بهذا التحديد؟!

فهل كان صلى الله عليه وآله وسلم لا يتجاوز المأكل في إنفاقه على آله الكرام عليهم السلام, أم كان ينفق عليهم بهذا الشرط؟؟!!

وإنما هو اجتهاد ورأي رآه أبو بكر لم ينزل الله به من سلطان, ولا كان في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, ومن زعم ذلك فليأتي بديل من الكتاب المجيد أو السنة المقدسة.

____________

(1)شرح نهج البلاغة ج:12 ص219.


الصفحة 116

ثم إن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يورث وتصدق على المسلمين بما كان يملكه في حياته , فكيف جاز لأبي بكر أن يصرف منه لأهل البيت عليهم السلام وقد حرمت عليهم الصدقات؟؟!!

روى البخاري بسنده عن عائشة أن أبا بكر قال لفاطمة عليها السلام لما سألته ميراثها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتطلب صدقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر قال لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا فهو صدقة, إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل(1)...

هذا وقد روي عن أبي بكر أنه قال: إذا أطعم الله نبيا طعمة ثم قبضه فهو للذي يقوم بها من بعده وقد رأيت أن أرده على المسلمين(2).

قلت: فان هذا الزعم أخطر من ادعائه بأن الأنبياء لا يورثون ما تركوه صدقة, فصدقة جارية تكون للمسلمين أفضل من أن تكون طعمة, فالطعمة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تحولت لأبي بكر الذي قام بالأمر من بعده, فكانت خالصة وصافية له يصرفها على مصالحه ونوائبه التي تعوزه, فرأى أن يردها على المسلمين, فأخرج نسفه من قفص الاتهام إلى متفضل بما ورث من رسول الله صلى الله عليه وآله دون ابنته فاطمة عليها السلام يمن بذلك على جماعة المسلمين!!!

____________

(1)صحيح البخاري ج:4 ص210 كتاب: الخلق, باب: مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)مسند الإمام أحمد ج:1()ص4 مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وسنن أبي داود ج:2 ص34 كتاب: الخراج والإمارة والفيء, باب: في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم, والسنن الكبرى للبيه?ي ج:6 ص301 كتاب: قسم الفيء والغنيمة, باب: بيان مصرف أربعة أخماس الفيء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفتح الباري شرح صحيح البخاري ج:6 ص139 كتاب: فرض الخمس.


الصفحة 117

وإن كان أبو بكر قد رأى أن يتفضل بها على المسلمين وأتبعه في ذلك عمر بن الخطاب, إلا أن عثمان ابن عفان رأى أن ينتزعها من المسلمين ما دامت طعمة خالصة لولي الأمر فصرف منها على مصالحه ونوائبه, ولما استغنى عن تلك الطعمة قطع بعضها أعني أرض فدك إلى مروان ابن الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وتمرغ أبناء عثمان بن عفان في بقية تلك الطعمة.

قال البيهقي: إنما أقطع مروان فدكا في أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه وكأنه تأول في ذلك ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطعم الله نبيا طعمة فهي للذي يقوم من بعده وكان مستغنيا عنها بماله فجعلها لأقربائه ووصل بها رحمهم وكذلك تأويله عند كثير من أهل العلم...

وقال ابن حجر العسقلاني: قال الخطابي: إنما أقطع عثمان فدك لمروان لأنه تأول أن الذي يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون للخليفة بعده فاستغنى عثمان عنها بأمواله فوصل بها بعض قرابته(1).

قلت: وهل يبقى معنى لقول أبي بكر (فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ...) ما دامت التركة طعمة حكمها إلى من يقوم بالأمر بعده؟؟ فعلى هذا تركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحولت إلى أبي بكر باعتباره ولي الأمر من بعده, يتصرف بها كيف شاء فرأي أن يردها على المسلمين وهذا تبرير وتغطية على اغتصابه لحق أهل البيت عليهم السلام, ومخالفه أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, وتصرف عثمان بن عفان فيما تركه رسول الله صلى عليه وآله وسلم بما في ذلك أرض فدك الذي وهبها لمروان على أساس أنها طعمة يفسر معنى قول أبي بكر (إذا أطعم الله نبيا طعمة ثم قبضه فهو للذي يقوم بها من بعده...).

____________

(1)السنن الكبرى ج:6 ص 301 كتاب: قسم الفيء والغنيمة, باب: بيان مصرف أربعة أخماس الفيء بعد رسول الله صلى الله وسلم, وفتح الباري شرح صحيح البخاري ج: ص141, كتاب: فرض الخمس, أنظر: معجم ما استعجم للبكري الأندلسي ج: ص1275, تحقيق: مصطفى السقا, الطبعة الثالثة: 1403 هجرية, الناشر: عالم الكتب - بيروت.


الصفحة 118

قال ابن حجر العسقلاني: وأما خيبر أي الذي كان يخص النبي صلى الله عليه وسلم منها وفدك فامسكها عمر أي لم يدفعها لغيره وبين سبب ذلك وقد ظهر بهذا أن صدقة النبي صلى الله على وسلم تختص بما كان من بني النضير وأما سهمه من خيبر وفدك فكان حكمه إلى من يقوم بالأمر بعده وكان أبو بكر يقدم نفقة نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها مما كان يصرفه فيصرفه من خيبر وفدك وما فضل من ذلك جعله في المصالح وعمل عمر بعده بذلك فلما كان عثمان تصرف في فدك بحسب ما رآه فروى أبو داود من طريق مغيرة بن مقسم قال جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفق من فدك على بني هاشم ويزوج أيمهم وأن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى وكانت كذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ثم أقطعها مروان يعني في أيام عثمان قال الخطابي إنما أقطع عثمان فدك لمروان لأنه تأول أن الذي يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون للخليفة بعده فاستغنى عثمان عنها بأمواله فوصل بها بعض قرابته(1)...

وبين عمر بن الخطاب أيضا أن ما تركه الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكون لولي الأمر من بعده , وبهذا يكون الخلفاء والأمراء هم ورثت النبي الله عليه وآله وسلم فيما تركه لا ابنته وأهله!!!!

وقد روى مسلم بإسناده عن الزهري عن مالك بن أوس, أن الأمام علي عليه السلام وعمه العباس رضي الله تعالى عنه دخلا على عمر بن الخطاب يطلبنان منه حقهما مما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, والخبر طويل, قال عمر لهما: فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى عليه وسلم فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك, ويطلب هذا ميراث امرأته من

____________

(1)فتح الباري شرح صحيح البخاري ج:6 ص141 كتاب: فرض الخمس.


الصفحة 119

أبيها فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى عليه وسلم: ما نورث ما تركنا صدقة, فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا, والله يعلم أنه لصادق بار راشد تابع للحق, ثم فوفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر, فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق فوليتها(1)...

فهذا الخبر الصحيح يبن بأن أبا بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب استوليا على تركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنهما كانا يريا أن ذلك من حق وليه القائم بالأمر من بعده, ويبن الخبر بأن أمير المؤمنين علي عليه السلام وعمه العباس رضي الله تعالى عنه كانا يخالفان هذا الرأي مخالفة شديدة إلى حد أنهما كانا يعتقان بكذب وإثم وغدر وخيانة قائله... سنتعرض لبيان هذا الخبر فيما يأتي إن شاء الله عز وجل.

ومخالفة أبي بكر لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التصرف في حق القرابة بلغ من الشهرة بحيث لم يتمكن فقهاء أهل السنة والجماعة إخفائه أو قبوله, بل لقد خالف أكثرهم فعل أبي بكر المخالف لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, قال عبد الله بن قدامة : وأما حمل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على سهم ذي القربى في سبيل الله فقد ذكر لأحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه ورأى أن قول ابن عباس ومن وافقه أولى لموافقته كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فان ابن عباس لما سئل عن سهم ذي القربى فقال إنا كنا نزعم انه لنا فأبى ذلك علينا قومنا، ولعله أراد بقوله أبى ذلك علينا قومنا فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في حملهما عليه في سبيل الله ومن تبعهما على ذلك، ومتى اختلف الصحابة وكان قول بعضهم يوافق الكتاب والسنة كان أولى وقول ابن عباس موافق للكتاب والسنة فان جبير بن مطعم روى أن رسول الله صلى الله عليه

____________

(1)صحيح مسلم ج:5 ص: 152 كتاب: الجهاد والسيرة, باب: حكم الفيء.


الصفحة 120

وسلم لم يقسم لبنى عبد شمس ولا بني نوفل من الخمس شيئا كما كان يقسم لبني هاشم ولبنى المطلب، وان أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير انه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يعطيهم(1).

وروى ابن جرير الطبري بإسناده عن المنهال بن عمرو, قال: سألت عبد الله بن محمد بن علي وعلي بن الحسين عن الخمس، فقالا: هو لنا. فقلت لعلي: إن الله يقول: واليتامى والمساكين وابن السبيل فقال: يتامانا ومساكيننا.

والصواب من القول في ذلك عندنا، أن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس، والخمس مقسوم على أربعة أسهم على ما روي عن ابن عباس: للقرابة سهم، ولليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم لان الله أوجب الخمس لأقوام موصوفين بصفات، كما أوجب الأربعة الأخماس الآخرين.

وقد أجمعوا أن حق الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم، فكذلك حق أهل الخمس لن يستحقه غيرهم، فغير جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم، كما غير جائز أن تخرج بعض السهمان التي جعلها الله لمن سماه في كتابه بفقد بعض من يستحقه إلى غير أهل السهمان الآخر(2).

قول ابن جرير الطبري: كما غير جائز أن تخرج بعض السهمان, يقصد سهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسهم ذي القربى الذي أسقطهما أبو بكر وعمر وخالفا نص الآية وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وروى ابن شبة النميري بإسناده عن محمد بن إسحاق قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي: أرأيت حين ولي علي العراقين وما ولي من أمر الناس, كيف

____________

(1)المغني ج:7 ص 301 كتاب: قسمة الفيء والغنيمة والصدقة , تقسيم خمس الفيء والغنيمة على خمسة أسهم .

(2)جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج:10 ص: 11 ح12516 تفسير سورة الأنفال.


الصفحة 121

صنع في سهم ذي القربى؟ قال: سلك به طريق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. قال: وكيف؟ ولما؟ وأنتم تقولون؟ قال: أم والله ما كان أهله يصدون إلا عن رأيه . قلت فما منعه ؟ قال : كان والله يكره أن يدعى عليه خلاف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما(1).

قلت: فأئمة أهل البيت عليهم السلام بشهادة علماء أهل السنة بما جاء في هذا الخبر وغير أنهم كانوا يعتقدون بمخالفة أبي بكر وعمر لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تقسم الخمس على ثلاثة وإسقاطهما سهم الرسول وقرابته عليهم الصلاة والسلام, والشاهد قوله: وكيف؟ ولما؟ وأنتم تقولون؟ أي تقولون بخلاف ما ذهب إليه أبو بكر وعمر, وكذلك جدهم أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: فما منعه؟ أي ما منه أن يظهر مخالفه لأبي بكر وعمر ويسترد حق أهل بيته, لأنه عليه السلام كان يكره أن يدعى عليه خلاف الشيخين, ولم يكن في خلافة أمير المؤمنين عليه السلام فتحات ولا باشر ذلك, وإنما الكلام حول حق الرسول وقرابته عليهم الصلاة والسلام التي بقيت في أيدي الناس إلى عهد خلافة أمير المؤمنين عليه السلام.

ولما قام عليه السلام بالأمر بعد قتل عثمان بن عفان خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة, فقال: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان, وكل مال أعطاه من مال الله, فهو مردود في بيت المال, فإن الحق القديم لا يبطله شيء, ولو وجدته وقد تزوج به النساء, وفرق في البلدان, لرددته إلى حاله, فإن في العدل سعة, ومن ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق(2).

____________

(1)وتاريخ المدينة ابن شبة النميري ج:1 ص217 رسالة عمر بن عبد العزيز في شرح آية: (ما أفاء الله على رسوله), والسنن الكبرى للبيهقي ج:6 ص343 جامع أبواب تفريق الخمس, باب: سهم الله وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خمس الفيء والغنيمة.

(2)نهج البلاغة خطب الإمام علي عليه السلام ج:1 ص46 من كلام له لما بيوع بالمدينة وفيه يكون من أمر الناس وكلامه في الوصية بلزوم الوسط, تحقيق الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية سابقا, طباعة وناشر: دار المعرفة - بيروت, ونهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد المعتزلي ج1 ص269 تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم, الناشر: دار إحياء الكتب العربية.


الصفحة 122

ولم يتعرض عليه السلام لحق الرسول والقرابة عليهم الصلاة والسلام التي أخذها أبو بكر وعمر ووضعاها في غير مواضعها , فتركها في أيدي الناس ورأى الوقت غير مناسب, لتقديم الأمر الأهم على المهم عند التزاحم, وقد فتحت ضده ثلاث حروب حرب الجمل, وحرب صفين, وحرب النهروان, والأعداء يتربصون به الدوائر, فما أحب أن يدعى عليه مخالف أبي بكر وعمر في تلك المحن.

فإن قيل: إنه عليه السلام قد انتزع ما أقطعه عثمان ورده في بيت المال ولم يكره أن يدعى خلافه؟ قلنا: لم يكره أن يدعى عليه خلاف عثمان لأن الناس كانت ناقمة على عثمان للاستئثار بفيء المسلمين... فسهل عليه انتزاعه ورده إلى بيت المال, وأيضا فإن الذين ثاروا على عثمان كانوا مع أمير المؤمنين عيه السلام حارب بهم الناكثين, والقاسطين, والمارقين(1).

وقال الإمام الشافعي: وأخبرنا عن جعفر بن محمد عن أبيه أن حسنا وحسينا وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر سألوا عليا رضي الله عنه وعنهم نصيبهم من الخمس فقال: هو لكم حق ولكني محارب معاوية فإن شئتم تركتم حقكم منه, فأخبرت بهذا الحديث عبد العزيز بن محمد فقال: صدق: هكذا كان جعفر يحدثه أفما حديثه عن أبيه عن جده؟ قلت: لا, قال: ما أحسبه إلا عن جده, قال: فقلت له أجعفر أوثق وأعرف بحديث أبيه أم ابن إسحاق؟ قال: بل جعفر(2).

وأما مخالفة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في ذلك فلا تحصى, لطول المدة التي حكما فيها, وقد أعيت أرباب أهل السنة والجماعة مخالفة عمر وعثمان

____________

(1)شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد المعتزلي ج:1 ص267 خطبة رقم:15.

(2)كتاب الأم ج:4 ص155 كتاب: الوصايا, سنن تفريق القسم).


الصفحة 123

لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مصرف الفيء والخمس, حتى قالوا: إن مصرف الفيء والخمس راجع لاجتهاد الأئمة!!

بل قال بعضهم: هو للإمام يضعه حيث شاء, قال ابن رشد: واختلفوا في الخمس على أربعة مذاهب مشهورة: أحدها: أن الخمس يقسم على خمسة أقسام على نص الآية وبه قال الشافعي.

والقول الثاني أنه يقسم على أربعة أخماس.

والقول الثالث: أنه يقسم اليوم ثلاثة أقسام, وأن سهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذي القربى سقطا بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

والقول الرابع: أن الخمس بمنزلة الفيء يعطى منه الغني والفقير.

والذين قالوا يقسم أربعة أخماس أو خمسة اختلفوا فيما يفعل بسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسهم القرابة بعد موته, فقال قوم: يرد على سائر الأصناف الذين لهم الخمس, وقال قوم: بل يرد على باقي الجيش, وقال قوم: بل يجعلا ن في السلاح والعدة.

واختلفوا في القرابة من هم؟(1)

وقال ابن قدامة في المغني بعدما روى أن أبا بكر قسم الخمس على ثلاثة أسهم: وهو قول أصحاب الرأي - أبي حنيفة وجماعته- قالوا: يقسم الخمس على ثلاثة: اليتامى والمساكين وابن السبيل وأسقطوا سهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بموته وسهم قرابته أيضا.

وقال مالك: الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال.

وقال الثوري والحسن يضعه الإمام حيث أراه الله عز وجل.

____________

(1)بداية المجتهد ج:1 ص407, الفصل الأول في حكم الخمس.


الصفحة 124

وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية فإن الله تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئا وجعل لهما في الخمس حقا كما سمى الثلاثة الأصناف الباقية فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب , وأما حمل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على سهم ذي القربى في سبيل الله فقد ذكر لأحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه, ورأى أن قول ابن عباس ومن وافقه أولى, لموافقته كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله وآله وسلم(1).

وقال القاضي أبو يعلى: وفى أموال الفيء والغنيمة ما يقف مصرفه على اجتهاد الأئمة(2).

وقال المارودي: أن تعيين مصرف الخمس منوط باجتهاد الخلفاء(3).

وقال ابن حجر: وأما سهمه من خيبر وفدك فكان حكمه إلى من يقوم بالأمر بعده...

فلما كان عثمان تصرف في فدك بحسب ما رآه.

قال الخطابي: إنما أقطع عثمان فدك لمروان لأنه تأول أن الذي يقتص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يكنون للخليفة بعده, فاستغنى عثمان عنها بأمواله فوصل بها بعض قرابته(4).

انظر بالله عليك, كيف تلاعبت بهم الأهواء في نصرت الأباطيل. فعندما كان الأمر يتعلق بصد فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حقها , وتعذير أبا بكر, قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوقف ما يملكه, ومصرفه راجع إليه صلى الله عليه وآله سلم, ليس للأئمة فيه اجتهاد.

____________

(1)المغني ج:7 ص301 باب: تسمية الفيء والغنيمة.

(2)الأحكام السلطانية ص:136 قسم في قسمة الفيء والغنيمة.

(3)الأحكام السلطانية ص:126.

(4)فتح الباري شرح صحيح البخاري ج:6 ص 244, كاب: فرض الخمس, باب: 1 ?3091 و3094.


الصفحة 125

وأكثروا في ذل من نقل الأخبار وتصحيحها واستحسانها, وأسسوا عليها فتاوى.

ولما وقفوا على تصرف أبي بكر, وعمر, وعثمان في صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووجدوا تصرفهم مخالفا لتصرفه صلى الله عليه وآله وسلم , قالوا: فإن الفيء والغنيمة شيئا واحدا, مصرفه راجع لاجتهاد الأئمة, وقد أكثروا في ذلك من نقل الأخبار وتصحيحها واستحسانها, وأسسوا عليها فتاوى لتصحيح فعل أبي بكر وعمر وعثمان في مخالفتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ومخالفة بعضهم بعض.

وقد اعترف ابن حجر بهذا الإخلاف, فقال: واختلف العلماء في مصرف الفيء فقال: مالك: الفيء والخمس سواء, يجعلان في بيت المال ويعطي الإمام أقارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحسب اجتهاده, وفرق الجمهور بين خمس الغنيمة وبين الفيء فقال: الخمس موضوع فيما عينه الله فيه من الأصناف المسمين في آية الخمس من سورة الأنفال لا يتعدى به إلى غيرهم, وأما الفيء فهو الذي يرجع النظر في مصرفه إلى رأي الإمام بحسب المصلحة(1).

وأخرج البخاري : وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال: هما صدقة رسول الله كانتا لحقوقه التي تعروه ونائبه وأمرهما إلى من ولى الأمر, قال: فهما على ذلك إلى اليوم(2).

وفي كتاب الخارج لأبي يوسف, عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال: اختلف الناس بعد وفاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذين السهمين:

____________

(1)أنظر: المصدر السابق ص: 249 كتاب: فرض الخمس باب: 2ح3095.

(2)فتح الباري شرح صحيح البخاري ج:6 ص236 كتاب: فرض الخمس, باب: 1 ح3091 و3094, صحيح مسلم ج: ص5 كتاب: الجهاد, تاريخ الإسلام للذهبي ج:1 ص: 346, تاريخ ابن كثير ج:7 ص285 باب: بيان أنه عليه السلام قال لا نورث, سنن البيهقي ج:6 ص300, مسند أحمد ج:1 ص6, طبقات ابن سعد ج:8 ص18.


الصفحة 126

سهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسهم ذوي القربى, فقال قوم: سهم الرسول للخليفة من بعده.

وقال آخرون: سهم ذوي القربى لقرابة الرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت طائفة: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة من بعده, فأجمعوا على أن جعلوا هذين السهمين في الكراع والسلاح!!(1)

وفي منع أبو بكر حق آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم , قال ابن حجر : واستدل به على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يملك شيئا من الفيء ولا خمس الغنيمة إلا قدر حاجته وحاجة من يمونه , وما زاد على ذلك كان له فيه التصرف بالقسم والعطية.

وقال آخرون لم يجعل الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ملك رقبة ما غنمه, وإما ملكه منافعه وجعل له منه قدر حاجته, وكذلك القائم بالأمر(2).

قلت: فإن هذه الأخبار والفتاوى المتناقضة ترمي إلى أن الذي كان يملكه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو للذي من بعده (الأمراء) يعمل فيه برأيه, إن شاء جعل بعضه أو كله في بيت المال, وإن شاء تصدق به, أو قطعه, أو وهبه, أو صرفه على قرابته إلى غير ذلك التصرفات الباطلة.

قال ابن حجر: وأما ما أخرجه أحمد وأبو داود من طريق أبي الطفيل قال: أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم أهله؟

قال: لا, بل أهله, قالت: فأين سهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

____________

(1)كتاب الخراج ص:24 و25, راجع: سنن النسائي, وكتاب الأموال لأبي عبيد, وسنن البيهقي, وتفسير الطبري, وأحكام القرآن للجصاص, وفتح البري شرح صحيح البخاري ج:6 ص144 كتاب: فرض الخمس, باب : 1 و3091 و3094, قد ذكرنا قسما من هذه الأخبار فيما سبق.

(2)أنظر: المصدر السابق ج:6 ص250, باب: 2, ح3095.


الصفحة 127

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعلها للذي من بعده, فرأيت أن أرده على المسلمين(1).

28- نتيجة البحث والمناقشة

الحقيقة: فإن تركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي اصطلح عليها أهل السنة والجماعة: (صدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, لقول أبي بكر: (لا نورث, ما تركنا صدقة) قد استولت عليها عصابة قريش, كاستيلائها على الخلافة, فأصبح أمرها تبعا لسياسة الحكام.

وقد تبين من نفس الأخبار التي رواها أنصار أبي بكر, أنه لم يكن صادق القول, عندما قال: لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعمل به إلا عملت به...

لأنه خالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مصرف الفيء, وقسم الخمس وغير ذلك.

وقد تبين من أخبار الطائفة الأولى: أن الذي تركه رسول الله صلى الله عليه وآله سلم صار وقفا على مصالح المسلمين.

وتبين من أخبار الطائفة الثانية: التأكيد على أن مصرف الصدقات راجع إلى رسول الله صلى الله وآله وسلم, وليس للأئمة فيه اجتهاد.

وتبين من أخبار الطائفة الثالثة: كيف كان رسول الله صلى عليه وآله يصرف أموال بني النضير , وخيبر, وفدك.

____________

(1)المصدر السابق: ج:6 ص242, باب: 1 ح 091 و3094, سبق وأن ذكرناه.


الصفحة 128

وتبين من أخبار الطائفة الرابعة: كيف كان أبو بكر, وعمر, وعثمان يتصرفون في الصدقات خلافا لسنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم , وخالف مخالفة بعضهم سيرة بعض.

وتبين من أخبار الطائفة الخامسة: بأن صدقات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم راجعة إلى الأئمة من بعده صلى الله عليه وآله وسلم, يجتهدون في أصلها, وفي مصرف منفعتها كيف شاءوا.

فتجد بأن: أخبار الطائفة الخامسة, تناقض أخبار الطائفة الأولى والثانية تماما.

وأخبار الطائفة الرابعة, تناقض أخبار الطائفة الثالثة تماما, فلا يمكن الجمع بينها بحال من الأحوال.

ولا أدري كيف تتحمل عقول أبناء أهل السنة والجماعة هذه الأخبار والفتاوى المتناقضة (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا).

ويكفيك في معرفة الحق, وتمييزه عن الباطل, أن تتعرف على مصير فدك على أرض الواقع, فإذا كان أبو بكر انتزعها من فاطمة عليها السلام, وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أوقفها على أبناء السبيل (راجع تحت عنوان: كيف كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصرف الفيء ص:...), فكيف جاز لأبي بكر أن يضم مصرفها لمصرف خيبر, ومصرف خيبر يختلف عن مصرف فدك؟؟!!


الصفحة 129

قال ابن حجر: وكان أبو بكر يقدم نفقة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرها مما كان يصرفه من خيبر وفدك, وما فضل من ذلك جعله في المصالح, وعمل عمر بعده بذلك(1).

قلت: لعل عمر عمل بسيرة صاحبه مدة سنتين وخالفه بعد ذلك, وقد أخرج البخاري: وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال: هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانتا لحقوقه التي تعزوه ونوائبه وأمرهما إلى من ولي الأمر(2).

وأما نفقة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوائل خلافة عمر كانت من بني النضير, وعندما وضع الديوان خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وفضل في القسم, ولم يسوي بين المسلمين في العطاء, وقد فرض لعائشة اثني عشر ألف درهما, ولابنته حفصة عشرة آلاف وقيل اثني عشر ألف.

فضل عائشة وحفصة وأم حبيب على سائر أمهات المؤمنين, وكان يفرض لجويرة وصفية لكل واحدة ستة آلاف درهما, ويفرض لأهل بدر خمسة آلاف درهما وو... حتى أنهى المسلمين إلى عشرين طبقة(3).

وقد تكلم الناس في القسمة على أساس التفضيل لأن ذلك مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ومخالف أيضا لسيرة أبي بكر(4).

وقال نسوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفضلنا عليهن في القسمة, فسوي بيننا(1)...

____________

(1)فتح الباري شرح صحيح البخاري ج:6 ص 244, كتاب: فرض الخمس, باب:1 ح3091 و3094 .

(2)راج سيرة: المشايخ الثلاث ومصرف الفيء والخمس, من هذا الكتاب.

(3)تاريخ الطبري ج:3 ص613, الكامل في التاريخ لابن الأثير ج:2 ص502.

(4)صحيح البخاري ج:2 ص131 بحاشية السندي, فتوح البلدان ص: 437, الفتحات الإسلامية ج:2 ص455, الكامل في التاريخ لابن كثير ج:2 ص 502, كنز العمال ج:4 ص526, شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد المعتزلي جتم:12 ص223, الرياض النضرة ج:1 ص336, مناقب عمر لابن الجوزي ص: 155.


الصفحة 130

ومخالفة عمر لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , وسيرة صاحبه في الأموال بلغت من الشهرة مما لا يمكن لأحد إنكاره, سيتضح لك هذا الأمر أكثر فأكثر في الأبحاث الآتية إنشاء الله تعالى.

وأما مخالفة عثمان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ولعمر وأبي بكر أشهر من نار على علم , فقد قسم أرض فدك على أقاربه, وكأنه ورثها عن أبيه, وهي من صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي أوقفها على أبناء السبيل حسب زعمهم, وقد دفعوا بذلك سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حقها.

فإذا كانت فدك ليس وقفا على أبناء السبيل ويملكها الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فلماذا لم يهبها أبو بكر لفاطمة عليها السلام ويطيب بها خاطر بنت أفضل الأنبياء المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم لو كان يحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويحب أبنه, كما وهبها عثمان لمحبه مروان طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحبه مروان؟؟!!

وإذا كان أبو بكر همه التعلق بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وأنه لا يريد أن يخالفها بحال, لأنه يخشى أن يزيغ.

ألا توجد دعوى النحلة عنده علما بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نحل ابنته فاطمة عليها السلام فدكا؟؟!!

لأن فاطمة عليها السلام قد أخبرته عن أبيها صلى الله عليه وآله وسلم بذلك, فإما أن تكون صادقة عنده, أو تكون كاذبة, فإذا لم تكن كاذبة, فهي بدون شك صادقة, وصدقها يقدح في نفسه علما, وإن كان بحسب الظاهر في الشريعة لا

____________

(1)الكامل في التاريخ لابن كثير ج:2 ص502, تاريخ عمر لابن الجوزي ص:57.


الصفحة 131

بد من الاستظهار عليها بالشاهد أو اليمين حسب زعمهم, لكن الحاكم يحكم بعلمه كما هو مقرر عندهم إلا في الحدود خاصة(1).

فلماذا لم يحكم لها بفدك؟؟

ولتعلم أن ليس لهم إلا المكر والخديعة, أن أبا بكر منع فاطمة عليها السلام من تركة أبيها بالخبر الذي انفرد هو به عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فقد رتبوا على دعوى أبي بكر منع الإرث, ولم يرتبوا على دعوى فاطمة عليها السلام النحلة؟؟

مع أن فاطمة عليها السلام قد شهد الله لها في كتابه بالطهارة, وشهد معها أمير المؤمنين عليه السلام وأم أيمن ورباح , وأما أبو بكر لم يشهد معه أحدا من الأمة على الخبر الذي ادعاه.

على أن الذي ادعته فاطمة عليها السلام من الهبة, لا يعارض الذي ادعاه أبو بكر من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يورث.

ففاطمة ادعت أن أباها صلى الله عليه وآله وسلم وهبها فدك, وأبو بكر ادعى أن النبي صلى الله عليه وآله لا يورث.

ثم إن أبا بكر لم يتعرض للهبات والقطائع التي قطعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه, فمالكم كيف تحكمون!!

والحاصل أن تركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورثها الحكام كما يرثوا آبائهم, وحرم ذلك على ولده وآله الكرام عليهم السلام كما حرم عليهم الصدقة!!

____________

(1)المحلى لابن حزم الأندلسي ج:9 ص: مسألة: 1796 وفرض على الحاكم أن يحكم بعلمه في الدماء, والقصاص.


الصفحة 132

فإذا كان آل الرسل صلى الله عليه وآله وسلم قد حرمت عليهم الصدقات, وحرمهم أبو بكر إرثهم, وحرمهم سهم القرابة, وحرمهم الخمس فإنه لم يبقى لهم أي حظ في الإسلام, وأصبح حالهم أسوى من حال أهل الذمة!!

لأن الشيخ الذي لا يجد ما ينفق وكانت تأخذ منه الجزية, والضعفاء من الأيتام , والإماء, والأرامل الذين ليس لهم مال ولا كفيل.

يصرف عليهم الخليفة من بيت المال كما هو مقرر عند أهل القبلة, لوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أهل الذمة.

29- اعتراف الشافعي بأن الشيخين أسقطا حق القرابة

لقد خالف الإمام الشافعي اجتهاد بأبي بكر وعمر في مقابل نص الكتاب المجيد والسنة المطهرة الذي اسقطا به حق القرابة من خمس الغنائم, وشك في الأخبار المزعومة بأن أبا بكر وعمر كانا يعطيان أهل البيت عليهم السلام من خمس الغنائم, وخلص إلى الشيء إذا كان منصوصا في كتاب الله مبينا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أو فعله أن عليهم قبوله, وقد دافع عن الحق وأثبت حق القرابة في مناقشة المنازع بكلام طويل ننقل منه لنثبت للموالي والمخالف وجه الحق والصواب.

قال الإمام الشافعي للمنازع في حق القرابة: وقد ثبت سهمهم في آيتين من كتاب الله تعالى وفى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر الثقة لا معارض له في إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم غنيا لا دين عليه في إعطائه العباس بن عبد المطلب وهو في كثرة ماله يعول عامة بنى المطلب دليل على أنهم استحقوا بالقرابة لا بالحاجة كما أعطى الغنيمة من حضرها لا بالحاجة وكذلك من استحق الميراث بالقرابة لا بالحاجة وكيف جاز لك أن تريد إبطال اليمين مع الشاهد بأن


الصفحة 133

تقول هي بخلاف ظاهر القرآن وليست مخالفة له ثم تجد سهم ذي القربى منصوصا في آيتين من كتاب الله تعالى ومعهما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فترده ؟ أرأيت لو عارضك معارض فأثبت سهم ذي القربى وأسقط اليتامى والمساكين وابن السبيل ما حجتك عليه إلا كهى عليك.

وقال بعض الناس بقولنا في سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل وزاد سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى: فقلت له أعطيت بعض من قسم الله عز وجل له ماله وزدته ومنعت بعض من قسم الله له ماله فخالفت الكتاب والسنة فيما أعطيت ومنعت ، فقال ليس لذي القربى منه شيء.

قال: الإمام الشافعي: وكلمونا فيه بضروب من الكلام قد حكيت ما حضرني منها وأسأل الله التوفيق. فقال بعضهم ما حجتكم فيه؟ قلت الحجة الثابتة من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه. وذكرت له القرآن والسنة فيه قال: فإن سفيان بن عيينة روى عن محمد بن إسحق قال سألت أبا جعفر محمد بن على ما صنع على رحمه الله في الخمس؟ فقال سلك به طريق أبى بكر وعمر وكان يكره أن يؤخذ عليه خلافهما، وكان هذا يدل على أنه كان يرى فيه رأيا خلاف رأيهما فاتبعهما، فقلت له هل علمت أن أبا بكر قسم على العبد والحر وسوى بين الناس وقسم عمر فلم يجعل للعبيد شيئا وفضل بعض الناس على بعض وقسم على فلم يجعل للعبيد شيئا وسوى بين الناس؟ قال: نعم, قلت: أفتعلمه خالفهما معا؟ قال: نعم, قلت أو تعلم عمر قال لا تباع أمهات الأولاد وخالفه على؟ قال: نعم, قلت وتعلم أن عليا خالف أبا بكر في الجد؟ قال: نعم, قلت فكيف جاز لك أن يكون هذا الحديث عندك على ما وصفت من أن عليا رأى غير رأيهما فاتبعهما وبين عندك أنه قد يخالفهما فيما وصفنا وفي غيره؟ قال: فما قوله سلك به طريق أبى بكر وعمر، قلت: هذا كلام


الصفحة 134

جملة يحتمل معاني فإن قلت كيف صنع فيه على؟ فذلك يدلني على ما صنع فيه أبو بكر وعمر.

قال الإمام الشافعي: وأخبرنا عن جعفر بن محمد عن أبيه أن حسنا وحسينا و عبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر سألوا عليا رضي الله عنه وعنهم نصيبهم من الخمس فقال هو لكم حق ولكني محارب معاوية فإن شئتم تركتم حقكم منه.

قال الشافعي: فأخبرت بهذا الحديث عبد العزيز بن محمد فقال: صدق, هكذا كان جعفر يحدثه أفما حدثكه عن أبيه عن جده؟ قلت: لا قال: ما أحسبه إلا عن جده: قال فقلت له أجعفر أوثق وأعرف بحديث أبيه أم ابن إسحق؟ قال: بل جعفر، فقلت له: هذا بين لك إن كان ثابتا أن ما ذهبت إليه من ذلك على غير ما ذهبت إليه فينبغي أن يستدل أن أبا بكر وعمر أعطياه أهله.

قال الإمام الشافعي: محمد بن على مرسل عن أبى بكر وعمر وعلى لا أدرى كيف كان هذا الحديث، قلت: وكيف احتججت به إن كان حجة فهو عليك وإن لم يكن حجة فلا تحتج بما ليس بحجة واجعله كما لم يكن, قال: فهل في حديث جعفر أعطاهموه؟ قلت: أيجوز على علي أو على رجل دونه أن يقول هو لكم حق ثم يمنعهم؟ قال: نعم إن طابت أنفسهم قلنا: وهم إن طابت أنفسهم عما في أيديهم من مواريث آبائهم وأكسابهم حل له أخذه، قال: فإن الكوفيين قد رووا فيه عن أبى بكر وعمر شيئا أفعلمته؟ قلت: نعم ورووا ذلك عن أبى بكر وعمر مثل قولنا، قال: وما ذاك؟ قلت: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن مطر الوراق ورجل لم يسمه كلاهما عن الحكم بن عيينة عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، قال: لقيت عليا عند أحجار الزيت، فقلت له: بأبى وأمى ما فعل أبو بكر وعمر في حقكم أهل البيت من الخمس؟ فقال: على أما أبو بكر فلم يكن في زمانه أخماس وما كان فقد أوفاناه, وأما عمر فلم يزل


الصفحة 135

يعطيناه حتى جاء مال السوس والأهواز، أو قال فارس (قال الربيع: أنا أشك ظظ) فقال: في حديث مطر أو حديث الآخر، فقال: في المسلمين خلة فإن أحببتم تركتم حقكم فجعلناه في خلة المسلمين حتى يأتينا مال فأوفيكم حقكم منه, فقال العباس لعلى: لا نطمعه في حقنا, فقلت: يا أبا الفضل ألسنا أحق من أجاب أمير المؤمنين ورفع خلة المسلمين فتوفى عمر قبل أن يأتيه مال فيقضيناه، وقال الحكم في حديث مطر أو الآخر: إن عمر قال: لكم حق ولا يبلغ علمي إذ كثر أن يكون لكم كله فإن شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم فأبينا عليه إلا كله فأبى أن يعطينا كله، فقال: فإن الحكم يحكى عن أبى بكر وعمر أنهما أعطيا ذوى القربى حقهم ثم تختلف الرواة عنه في عمر فتقول: مره أعطاهم حتى جاءهم مال السوس ثم استسلفه منهم للمسلمين وهذا تمام على إعطاءهم القليل والكثير منه وتقول: مرة أعطاهموه حتى كثر ثم عرض عليهم حين كثر أن يعطيهم بعض ما يراه لهم حقا لا كله وهذا أعطاهم بعضه دون بعض، وقد روى الزهري عن ابن هرمز عن ابن عباس عن عمر قريبا من هذا المعنى قال: فكيف يقسم سهم ذي قربى وليست الرواية فيه عن أبى بكر وعمر متواطئة؟ وكيف يجوز أن يكون حقا لقوم ولا يثبت عنهما من كل وجه أنهما أعطياه عطاء بينا مشهورا؟ فقلت له: قولك: هذا قول من لا علم له، قال وكيف؟ قلت هذا الحديث يثبت عن أبى بكر أنه أعطاهموه في هذا الحديث وعمر حتى كثر المال، ثم اختلف عنه في الكثرة وقلت: أرأيت مذهب أهل العلم في القديم والحديث إذا كان الشيء منصوصا في كتاب الله عز وجل مبينا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أو فعله أليس يستغنى به عن أن يسأل عما بعده ويعلم أن فرض الله عز وجل على أهل العلم إتباعه؟ قال بلى: قلت: قلت أفتجد سهم ذي القربى مفروضا في آيتين من كتاب الله تبارك وتعالى مبينا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفعله ثابت بما يكون من أخبار الناس من وجهين، أحدهما ثقة


الصفحة 136

المخبرين به واتصاله وأنهم كلهم أهل قرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم الزهري من أخواله, وابن المسيب من أخوال أبيه, وجبير بن مطعم ابن عمه وكلهم قريب منه في جذم النسب وهم يخبرونك مع قرابتهم وشرفهم أنهم مخرجون منه وأن غيرهم مخصوص به دونه ويخبرك أنه طلبه هو وعثمان فمنعاه وقرابتهما في حد النسب قرابة بنى المطلب الذين أعطوه. قال نعم: قلت: فمتى تجد سنة أبدا أثبتت بفرض الكتاب وصحة الخبر وهذه الدلالات من هذه السنة لم يعارضها عن النبي صلى الله عليه وسلم معارض بخلافها وكيف تريد إبطال اليمين مع الشاهد بأن تقول: ظاهر الكتاب يخالفهما وهو لا يخالفهما ثم نجد الكتاب بينا في حكمين منه بسهم ذي القربى من الخمس معه السنة فتريد إبطال الكتاب والسنة هل تعلم قولا أولى بأن يكون مردودا من قولك هذا وقول من قال قولك؟

قال الإمام الشافعي له: أرأيت لو عارضك معارض بمثل حجتك فقال أراك قد أبطلت سهم ذي القربى من الخمس، فأنا أبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال ليس ذلك له قلنا فإن قال فأثبت لي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهموه أو أن أبا بكر وعمر أعطاهموه أو أحدهما. قال ما فيه خبر ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عمن بعده. غير أن الذي يجب علينا أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه من أعطى الله إياه، وأن أبا بكر وعمر عملا بذلك بعده إن شاء الله تعالى. قلنا أفرأيت لو قال فأراك تقول نعطى اليتامى والمساكين وابن السبيل سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى فإن جاز لك أن يكون الله عز وجل قسمه على خمسة فجعلته لثلاثة فأنا أجعله كله لذوي القربى لأنهم مبدءون في الآية على اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعرفون معرفتهم ولان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ذوي القربى ولا أجد خبرا مثل الخبر الذي يحكى أنه عليه الصلاة والسلام أعطى ذوي القرى سهمهم واليتامى والمساكين وابن