السبيل ولا أجد ذلك عن أبى بكر ولا عمر فقال ليس ذلك له, قلنا: ولم ؟ قال: لأن الله تعالى إذ قسم لخمسة لم يجز أن يعطاها واحد، قلت: فكيف جاز لك؟ وقد قسم الله عز وجل لخمسة أن أعطيته ثلاثة وذوو القربى موجودون؟
قال الشافعي رحمه الله تعالى: فقال لعل هذا إنما كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لمكانهم منه فلما توفى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لهم قلت له أيجوز لأحد نظر في العلم أن يحتج بمثل هذا ؟ قال ولم لا يجوز إذا كان يحتمل وإن لم يكن ذلك في الخبر ولا شيء يدل عليه؟ قلت: فإن عارضك جاهل بمثل حجتك فقال ليس لليتامى والمساكين وابن السبيل بعد النبي صلى الله عليه وسلم شيء لأنه يحتمل أن يكون ذلك حقا ليتامى المهاجرين والأنصار الذين جاهدوا في سبيل الله مع رسوله وكانوا قليلا في مشركين كثير ونابذوا الأبناء والعشائر وقعطوا الذمم وصاروا حزب الله فهذا لأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فإذا مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار الناس مسلمين ورأينا ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن لآبائه سابقة معه من حسن اليقين والفضل أكثر ممن يرى أخذوا وصار الأمر واحدا فلا يكون لليتامى والمساكين وابن السبيل شيء إذا استوى في الإسلام، قال ليس ذلك له قلت ولم؟ قال لان الله عز وجل إذا قسم شيئا فهو نافذ لمن كان في ذلك المعنى إلى يوم القيامة قلت له فقد قسم الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم لذوي القربى فلم لم تره نافذا لهم إلى يوم القيامة؟ قال فما منعك أن أعطيت ذوى القربى أن تعطيهم على معنى الحاجة فيقضى دين ذي الدين ويزوج العزب ويخدم من لا خادم له ولا يعطى الغنى شيئا, قلت له: معنى أنى وجدت كتاب الله عز وجل ذكره في قسم الفيء وسنة النبي صلى الله عليه وسلم المبينة عن كتاب الله عز وجل على غير هذا المعنى الذي دعوت إليه، وأنت أيضا تخالف ما دعوت إليه. فتقول: لا شيء لذوي القربى، قال: إني أفعل فهلم الدلالة
على ما قلت, قلت: قول الله عز وجل: (وللرسول ولذي القربى) فهل تراه أعطاهم بغير القرابة؟ قال لا وقد يحتمل أن يكون أعطاهم باسم القرابة ومعنى الحاجة, قلت: فإن وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى من ذوي القربى غنيا لا دين عليه ولا حاجة به بل يعول عامة أهل بيته ويتفضل على غيره لكثرة ماله، وما من الله عز وجل به عليه من سعة خلقه، قال إذا يبطل المعنى الذي ذهبت إليه، قلت: فقد أعطى أبا الفضل العباس ابن عبد المطلب وهو كما وصفت في كثرة المال يعول عامة بنى المطلب ويتفضل على غيرهم، قال: فليس لما قلت :من أن يعطوا على الحاجة معنى إذا أعطيه الغنى، وقلت له: أرأيت لو عارضك معارض أيضا فقال: قال الله عز وجل في الغنيمة: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه) الآية، فاستدللنا أن الأربعة الأخماس لغير أهل الخمس فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها من حضر القتال وقد يحتمل أن يكون أعطاهموها على احد معنين أو عليهما فيكون أعطاها أهل الحاجة ممن حضر دون أهل الغنى عنه أو قال: قد يجوز إذا كان بالغلبة لعله ( في اليتامى والمساكين الخ) تأمل أعطاهموه أن يكون أعطاه أهل البأس والنجدة دون أهل العجز عن الغناء أو أعطاه من جمع الحاجة والغناء ما تقول له؟ قال أقول ليس ذلك له قد أعطى الفارس ثلاثة أسهم والراجل سهما, قلت: أفيجوز أن يكون أعطى الفارس والراجل ممن هو بهذه الصفة؟ قال: إذ حكى أنه أعطى الفارس والراجل فهو عام حتى تأتى دلالة بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه خاص وهو على الغنى والفقير والعاجز والشجاع لانا نستدل أنهم أعطوه لمعنى الحضو، فقلت له: فالدلالة على أن ذوي القربى أعطوا سهم ذوي القربى بمعنى القرابة مثله أو أبين قلت فيمن حضر أرأيت لو قال قائل: ما غنم في زمان النبي صلى الله عليه وسلم؟ ليس بالكثير فلو غزا قوم فغنموا غنائم كثيرة أعطيناهم بقدر ما كانوا يأخذون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم, قال: ليس ذلك له قد
علم الله أن يستغنموا القليل والكثير فإذا بين النبي صلى الله عليه وسلم أن لهم أربعة أخماس فسواء قلت أو كثرت أو قلوا أو كثروا أو استغنوا أو افتقروا, قلت: فلم لا تقول هذا في سهم ذي القربى؟
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وقلت له: أرأيت لو غزا نفر يسير بلاد الروم فغنموا ما يكون السهم فيه مائة ألف وغزا آخرون الترك فلم يغنموا درهما ولقوا قتالا شديدا أيجوز أن تصرف من التكثير الذي غنمه القليل بلا قتال من الروم شيئا إلى إخوانهم المسلمين الكثير الذين لقوا القتال الشديد من الترك ولم يغنموا شيئا؟ قال لا قلت ولم وكل يقاتل لتكون كملة الله هي العليا؟ قال: لا يغير شيء عن موضعه الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بمعنى ولا علة، قلت: وكذلك قلت: في الفرائض التي أنزلها الله عز وجل وفيما جاء منها عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وما ذلك؟ قلت: أرأيت لو قال لك: قد يكون ورثوا لمعنى منفعتهم للميت كانت في حياته وحفظه بعد وفاته ومنفعة كانت لهم ومكانهم كان منه وما يكون منهم مما يتخلى منه غيرهم فأنظر فأيهم كان أحب إليه وخيرا له في حياته وبعد وفاته وأحوج إلى تركته وأعظم مصيبة به بعد موته فأجعل لهم سهم من خالف هذا ممن كان يسئ إليه في حياته وإلى تركته بعد موته وهو غنى عن ميراثه, قال: ليس له ذلك بل ينفل ما جعله الله عز وجل لمن جعله قلت: وقسم الغنيمة والفيء والمواريث والوصايا على الأسماء دون الحاجة؟ قال: نعم, قلت له: بل قد يعطى أيضا من الفيء الغنى والفقير, قال: نعم، قد أخذ عثمان وعبد الرحمن عطاءهما ولهما غنى مشهور فلم يمنعاه من الغنى, قلت: فما بال سهم ذوى القربى وفيه الكتاب والسنة وهو أثبت ممن قسم له ممن معه من اليتامى وابن السبيل وكثير مما ذكرنا أدخلت فيه ما لا يجوز أن يدخل في مثله اضعف منه؟ قال: فأعاد هو وبعض من يذهب مذهبه قالوا: أردنا أن يكون ثابتا عن أبى بكر وعمر, قلت له:
أو ما يكتفى بالكتاب والسنة؟! قال: بلى ,قلت: فقد أعدت هذا أفرأيت إذا لم يثبت بخبر صحيح عن أبى بكر ولا عمر إعطاء اليتامى والمساكين وابن السبيل أطرحتم؟ قال: لا, قلت: أو رأيت إذا لم يثبت عن أبى بكر أنه أعطى المبارز السلب ويثبت عن عمر أنه أعطاه أخرى وخمسه فكيف قلت فيه وكيف استخرجت تثبيت السلب إذا قال الإمام هو لمن قتل وليس يثبت عن أبى بكر وخالفت عمر في الكثير منه وخالفت ابن عباس وهو يقول السلب من الغنيمة وفى السلب الخمس لقول الله عز وجل: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) الآية، قال: إذا ثبت الشيء عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوهنه أن لا يثبت عمن بعده ولا من خالفه من بعده قلت وإن كان معهم التأويل؟ قال: وإن, لأن الحجة في رسول الله صلى الله عليه وسلم, قلت له: قد ثبت حكم الله عز وجل وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذوي القربى بسهمهم فكيف أبطلته وقلت: وقد قال الله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فيما سقى بالسماء العشر) لم يخص مال دون مال في كتاب الله عز وجل ولا في هذا الحديث. وقال إبراهيم النخعي فيما أنبتت الأرض: فكيف قلت: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة؟ قال فإن أبا سعيد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم, فقلت له: هل تعلم أحدا رواه تثبت روايته غير أبى سعيد؟ قال: لا, قلت: أفالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى لذي القربى سهمهم أثبت رجالا وأعرف وأفضل أم من روى دون أبى سعيد عن أبى سعيد هذا الحديث؟ قال: بل من روى منهم ذي القربى قلت: وقد قرأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عهود عهده لابن سعيد بن العاص على البحرين, وعهده لعمرو بن حزم على نجران, وعهدا ثالثا ولأبي بكر عهدا, ولعمر عهودا, ولعثمان عهودا, فما وجدت في واحد منها قط (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) وقد عهدوا في العهود التي قرأت على العمال ما يحتاجون إليه من
أخذ الصدقة وغيرها ولا وجدنا أحدا قط يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ثابت (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) غير أبي سعيد ولا وجدنا أحدا قط يروى ذلك عن أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا على فهل وجدته؟ قال: لا, قلت: أفهذا لأنهم يأخذون صدقات الناس من الطعام في جميع البلدان وفى السنة مرارا لاختلاف زروع البلدان وثمارها أولى أن يؤخذ عنهم مشهورا معروفا أم سهم ذي القربى الذي هو لنفر بعدد وفى وقت واحد من السنة؟ قال: كلاهما مما كان ينبغى أن يكون مشهورا قلت: أفتطرح حديث أبى سعيد (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) لأنه ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من وجه واحد, وأن إبراهيم النخعي تأول ظاهر الكتاب وحديثا مثله ويخالفه هو ظاهر القرآن لأن المال يقع على ما دون خمسة أوسق وأنه غير موجود عن أبى بكر ولا عمر ولا عثمان ولا على؟ قال: لا, ولكني أكتفي بالسنة من هذا كله, فقلت له: قال الله عز وجل: (قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه) الآية وقد قال ابن عباس وعائشة وعبيد بن عمير: لا بأس بأكل سوى ما سمى الله عز وجل أنه حرام واحتجوا بالقرآن وهم كما تعلم في العلم والفضل وروى أبو إدريس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ووافقه الزهري فيما يقول قال كل ذي ناب من السباع حرام والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم بمعنى ما أراد الله عز وجل وذكره من خالف شيئا مما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس في قوله حجة ولو علم الذي قال قولا يخالف ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله رجع إليه وقد يعزب عن الطويل الصحبة السنة ويعلمها بعيد الدار قليل الصحبة وقلت له: جعل أبو بكر وابن عباس وعائشة وابن الزبير وعبد الله بن أبي عتبة وغيرهم الجد أبا وتأولوا القرآن فخالفته لقول زيد وابن مسعود قال: نعم, وخالفت أبا بكر في إعطاء المماليك, فقلت: لا يعطون, قال: نعم, وخالفت
عمر في امرأة المفقود والبتة وفى التي تنكح في عدتها وفى أن ضعف الغرم على سراق ناقة المزني وفى أن قضى في القسامة بشطر الدية وفى أن جلد في التعريض الحد وجلد في ريح الشراب الحد وفي أن جلد وليدة حاطب وهى ثيب حد الزنا حد البكر وفى شيء كثير منه ما تخالفه لقول غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومنه ما تخالفه ولا مخالف له منهم, قال: نعم أخالفه لقول: غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, قلت له: وسعد بن عبادة قسم ماله صحيحا بين ورثته ثم مات فجاء أبو بكر وعمر قيسا فقالا: نرى أن تردوا عليه فقال قيس بن سعد: لا أرد شيئا قضاه سعد ووهب لهم نصيبه وأنت تزعم أن ليس عليهم رد شيء أعطوه وليس لأبي بكر وعمر في هذا مخالف من أصحابهما فترد قولهما مجتمعين ولا مخالف لهما وترد قولهما مجتمعين في قطع يد السارق بعد يده ورجله لا مخالف لهما إلا ما لا يثبت مثله عن على رضوان الله تعالى عليه.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: ثم عددت عليه ثلاث عشرة قضية لعمر بن الخطاب لم يخالفه فيها غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحديث يثبت مثله نأخذ بها نحن ويدعها هو منها أن عمر قال في التي نكحت في عدتها فأصيبت تعتد عدتين وقاله على ومنها أن عمر قضى في الذي لا يجد ما ينفق على امرأته أن يفرق بينهما, ومنها أن عمر رأى أن الإيمان في القسامة على قوم ثم حولها على آخرين فقال إنما ألزمنا الله عز وجل قول رسوله صلى الله عليه وسلم وفرض علينا أن نأخذ به أفيجوز أن تخالف شيئا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو خالفه مائة وأكثر ما كانت فيهم حجة, قلت: فقد خالفت كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في سهم ذي القربى ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه خالفه, قال: فقد روى عن ابن عباس كنا نراه لنا فأبى ذلك علينا قومنا قلت هذا كلام عربي يخرج عاما وهو يزاد به الخاص, قال: ومثل ماذا ؟ قلت:
مثل قول الله عز وجل: (الذين قال لهم الناس) الآية فنحن وأنت نعلم أن لم يقل ذلك إلا بعض الناس والذين قالوه أربعة نفر وأن لم يجمع لهم الناس كلهم إنما جمعت لهم عصابة انصرفت عنهم من أحد قال هذا كله هكذا؟ قلت: فإذا لم يسم ابن عباس أحدا من قومه ألم تره كلاما من كلهم وابن عباس يراه لهم؟ فكيف لم تحتج بأن ابن عباس لا يراه لهم إلا حقا عنده واحتججت بحرف جملة خبر فيه أن غيره قد خالفه فيه مع أن الكتاب والسنة فيه أثبت من أن يحتاج معهما إلى شيء, قال: أفيجوز أن قول ابن عباس: فأبى ذلك علينا قومنا يعنى غير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, قلت: نعم يجوز أن يكون عنى به يزيد بن معاوية وأهله قال فكيف لم يعطهم عمر بن عبد العزيز سهم ذي القربى؟ قلت: فأعطى عمر بن عبد العزيز سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل؟ قال لا أراه إلا قد فعل, قلت: أفيجوز أن تقول أراه قد فعل في سهم ذي القربى؟ قال: أراه ليس بيقين قلت أفتبطل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل حتى تتيقن أن قد أعطاهموه عمر بن عبد العزيز قال: لا, قلت: ولو قال: عمر بن عبد العزيز في سهم ذي القربى لا أعطيهموه وليس لهم كان علينا أن نعطيهموه إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطاهموه قال: نعم, قلت: وتخالف عمر بن عبد العزيز في حكم لو حكم به لم يخالفه فيه غيره؟ قال: نعم وهو رجل من التابعين لا يلزمنا قوله وإنما هو كأحدنا قلت فكيف احتججت بالتوهم عنه وهو عندك هكذا؟ قال: فعرضت بعض ما حكيت مما كلمت به من كلمني في سهم ذي القربى على عدد من أهل العلم من أصحابنا وغيرهم فكلهم قال إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فالفرض من الله عز وجل على خلقه إتباعه والحجة الثابتة فيه ومن عارضه بشيء يخالفه عن غير رسول الله صلى الله عليه
وسلم فهو مخطئ, ثم إذا كان معه كتاب الله عز وجل فذلك ألزم له وأولى أن لا يحتج احد معه وسهم ذي القربى ثابت في الكتاب والسنة(1).
30- نهاية المطاف
قلت: وقد انتهى أمر فدك إلى ملوك بني أمية يقبضونها ويبسطونها كيف شاءوا, وقد تداولوها فيما بينهم, بالتوارث والإقطاع والهبة, والبيع والشراء والغلبة, فمرة هنا, ومرة هناك, إلا عمر بن عبد العزيز فإنه مسك الأصل ورد المنفعة على أبناء فاطمة عليها السلام.
قال ياقوت: لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى عامله بالمدينة يأمره برد فدك إلى ولد فاطمة عليها السلام(2).
فنقمت بنو أمية ذلك على عمر بن عبد العزيز وعابوه فيه وقالوا: هجنت فعل الشيخين وخرج إليه جماعة من أهل الكوفة فلما عاتبوه على فعله قال: إنكم جهلتم وعلمت ونسيتم وذكرت أن أبا بكر بن عمر بن حزم حدثني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: فاطمة بضعة مني يسخطها ما يسخطها , ويرضيني ما أرضاها , وإن فدك كانت صافية على عهد أبي بكر وعمر ثم صار أمرها إلى مروان, فوهبها لعبد العزيز أبي فورثتها أنا وإخوتي عنه فسألتهم أن يبيعوني حصتهم منها فمن بائع وواهب حتى استجمعت لي فرأيت أن أردها على ولد فاطمة -عليها السلام-.
قالوا: فإن أبيت إلا هذا , فأمسك الأصل وأقسم الغلة ففعل(3).
____________
(1)كتاب الأم ج:4 ص155 كتاب: الوصايا, سنن تفريق القسم, وأنظر: مختصر المزني إسماعيل بن يحيى المزني ص:151 كتاب: الخمس والأنفال. (2)بمادة فدك: من معجم البلدان. (3)شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد المعتزلي ج:4 ص81.
قال ياقوت: لما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم فصارت في أيدي بني مروان كما كانت, يتداو لونها حتى انتقلت الخلافة عنهم , فلما ولي أبو العباس السفاح ردها على عبد الله بن الحسن بن الحسن, ثم قبضها أبو جعفر لما حديث من بني حسن ما حدث, ثم ردها المهدي ابنه على ولد فاطمة عليها السلام, ثم قبضها موسى بن المهدي وهارون أخوه, فلما تزل في أيديهم حتى ولي المأمون فردها على الفاطميين.
قال أبو بكر: حدثني محمد بن زكريا, قال: حدثني مهدي بن سابق قال: جلس المأمون للمظالم فأول رقعة وقعت في يده نظر فيها وبكى وقال للذي على رأسه, ناد: أين وكيل فاطمة؟
فقام شيخ عليه دراعة وعمامة وخف ثغري فتقدم فجعل يناظره في فدك والمؤمون يحتج عليه وهو يحتج على المؤمنين, ثم أمر أن يسجل بها فكتب السجل وقرئ عليه فأنفذه.
ونص الكتاب في فتوح البلدان, قال: ولما كانت سنة عشر ومائتين أمر أمير المؤمنين المؤمون عبد الله بن هارون الرشيد, فدفعها إلى ولد فاطمة - عليها السلام - وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة: أما بعد فإن أمير المؤمنين بمكانة من دين الله وخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقرابة به, أولى من استن ?نته ونفذ أمره وسلم منحه ومنحة وتصدق عليه بصدقة منحته وصدقته وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته وإليه في العمل بما يقربه إليه رغبته.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطى فاطمة بنت رسول الله عليه وآله وسلم فدك وتصدق بها عليها وكان ذلك أمرا ظاهرا معروفا لا اختلاف فيه بين آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم تزل تدعى منه ما هو
أولى به من صدق عليه فرأى أمير المؤمنين أن يردها إلى ورثتها ويسلمها إليهم تقربا إلى الله تعالى بإقامة حقه وعدله وإلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتنفيذ أمره وصدقته فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إلى عماله.
فلئن كان ينادي في كل موسم - بعد أن قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم - أن يذكر كل من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته, إن فاطمة رضي الله عنها لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل صلى الله عليه وآله وسلم لها وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره برد فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها وما فيها من الرقيق والغلات وغير ذلك وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب, ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لتولية أمير المؤمنين إياهما القيام بها لأهلها.
فأعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين وما ألهمه الله من قبلك وعامل محمد بن يحيى ومحمد ابن عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري, وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاتها إن شاء الله, والسلام.
وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلت من ذي القعدة سنة عشر ومائتين: فلما استخلف المتوكل على الله رحمه الله أمر بردها على ما كانت عليه قبل المأمون رحمه الله(1).
31- مخالفة عمر للسنة في الغنيمة والفيء
____________
(1)خبر فدك في فتوح البلدان ص:37 و38, راجع معالم المدرستين للسيد المرتضى العسكري ج:2 ص210, أمر فدك.
من المعلوم ضرورة أن أموال الغنيمة, تخمس, فيكون خمسها لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
تقسم على ستة أسهم, ويقسم الباقي بين الغانمين, لنص الآية المحكمة (وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم ءامنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان وا?له على كل شيء قدير)(1).
وقد تقدم بحثها (كيف كان صلى الله عليه وآله وسلم يقسم الخمس).
وهنا فوائد أخرى: قال عبادة بن الصامت: أنزل الله عز وجل بعد بدر قوله تعالى: (وأعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) فتولى الله سبحانه قسمة الغنائم, كما تولى قسمة الصدقات, فكان أول غنيمة خمسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد بدر: غنيمة بني قينقاع(2).
وعن أبي موسى قال: قدمنا على النبي صلى الله عيه وآله سلم بعد أن افتتح خيبر فقسم لنا ولم يقسم لأحد لم يشهد الفتح غيرنا(3).
وعن أبي هريرة, قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها, وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ولرسوله ثم هي لكم(4).
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الغنيمة لمن شهد الواقعة(5).
____________
(1)الأنفال:آية41. (2)الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص:150, انظر الهامش, نقل عن الأحكام السلطانية للماوردي ص:139. (3)صحيح البخاري ج:5 ص175 باب: غزوة خيبر. (4)الأموال لأبي عبيد ج:1 ص62. (5)الأحكام السلطانية ص: 151أنظر الهامش أيضا.
قال أبو يعلى: فأما الأرضون: إذا استولى عليها المسلمون فتنقسم ثلاثة أقسام: أحدهما: ما ملكت عليهم عنوة وقهرا, حتى فارقوها بقتل أو أسر أو جلاء, ففيها روايتان, نقلهما عبد الله.
إحداهما: أنها تكون غنيمة, كالأموال تقسم بين الغانمين, إلا أن يطيبوا نفسا بتركها فتوقف على مصالح المسلمين.
ولفظ كلام أحمد رحمه الله تعالى قال: كل أرض تؤخذ عنوة فهي لمن قاتل عليها بمنزلة الأموال: أربعة أسهم لمن قاتل عليها , وسهم لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين, بمنزلة الأموال (نقلها أبو بكر الخلال في الأموال)(1).
وقال أبو يعلى في قسمتها: فإذا فرغ من إعطاء السلب, فإنه يبدأ بعد السلب بإخراج الخمس من جميع الغنيمة, فيقسمه بين أهل الخمس على خمسة أسهم , وهذا لا تختلف الرواية فيه, إنما اختلفت في مال الفيء هل يخمس؟
ثم تقسم الغنيمة, بعد إخراج الخمس والرضخ منها, بين من شهد الوقعة من أهل الجهاد...
وقسمة الغنيمة بينهم قسمة استحقاق, لا يرجع فيها إلى اختيار القاسم, ووالي الجهاد, ولا يجوز أن يشترك معهم غيرهم ممن لم يشهد الواقعة(2).
قلت: قد تبين من هذه الأخبار كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم الخمس, كان يقسمه على ستة أسهم, ومن روى قسمه على خمسة أسهم , إنما يجعل سهم الله ورسوله صلى الله عليه وآله واحدا, وعلى ذلك أفتى معظم علماء أهل السنة.
____________
(1)الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص:146. (2)الأحكام السلطانية ص:150 و151.
لكن عمر بن الخطاب اجتهد في مقابل النص فقسم عين المال بين الغانمين, وحبس الأرضين بدون رضى ولا طيب خاطر أهل الجهاد , ولم يقسم الخمس كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص (يوم فتح العراق) أما بعد, فقد بلغني كتابك أن الناس قد سألوا أن تقسم بينهم غنائمهم, وما أفاء الله عليهم, فانظر ما اجلبوا به عليكم في العسكر, من كراع أو مال: فاقسمه بين من حضر من المسلمين, وأترك الأرضين والأنهار لعمالها, ليكون ذلك في أعطيات المسلمين فإنا لو قسمناها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء(1).
فأعترض المجاهدون على عمر في تقسيم الغنيمة.
فعن إبراهيم التيمي قال: لما افتتح المسلمون السواد قالوا لعمر: اقسمه بيننا فإنا افتتحناه عنوة.
قال: فأبى, وقال: فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟
أخاف إن قسمته أن تفا سدوا بينكم في المياه...
قال: أقر أهل السواد في أرضيهم, وضرب على رؤوسهم الجزية, وعلى أراضيهم الخراج, ولم يقسم بينهم(2).
وقال بلال لعمر, في القرى التي افتتحها عنوة: اقسمها بيننا, وخذ خمسها, فقال عمر: لا, هذا عين المال, ولكني احبسه فيما يجري عليهم على المسلمين فقال بلال وأصحابه: اقسمها بيننا فقال عمر: اللهم اكفني بلالا وذويه.
قال: فما حال الحول ومنهم عين تطرف(3).
____________
(1)الأموال لأبي عبيد ج:1 ص65. (2)الأموال لأبي عبيد ج:1 ص65. (3)المصدر السابق.
وأنت ترى التعليقة في ذيل الخبر مبالغ فيها, وهي من وحي التعصب لسيرة عمر بن الخطاب في مخالفته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولما افتتحت مصر بغير عهد قام الزبير, فقال: يا عمرو بن العاص, اقسمها, فقال عمرو: لا اقسمها فقال الزبير: لنقسمنها, كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر, فقال عمرو:لا أقسمها, حتى أكتب إلى أمير المؤمنين, فكتب إلى عمر, فكتب إليه عمر: أن دعها حتى يغزو منها حبل الحبلة (أي أن تكون فيئا موقوفا للمسلمين).
قال أبو عبيد: فقد تواترت الآثار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين.
أما الأول منها: فحكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر, وذلك أنه جعلها غنيمة, فخمسها, وقسمها, وبهذا الرأي أشار بلال على عمر في بلاد الشام, وأشار به الزبير ابن العوام على عمرو بن العاص في أرض مصر(1)...
قلت: فإن مخالفة العالم للعالم, وترجيح الفقيه لاجتهاد أحد العلماء على الآخر في الشرعيات, والدفاع عن مخالفة أحدهم للآخر لعله يكون أمر غير منكر إذا لم يخرج عن القواعد الشرعية.
أما الطامة الكبرى والمصيبة العظمى والتي لا مثلها مصيبة أن يصل الأمر إلى ترجيح فعل عمر بن الخطاب على السنة والسيرة المحمدية, ولا يكتف أولياء عمر بذلك, بل يدافعون عن مخالفته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ويجعلون سيرته سنة متبعة بقولهم: وليس فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم براد لفعل عمر؟؟!!
____________
(1)المصدر السابق.
قلت: في بطلان زعمهم : وأن في الحكمين المختلفين (يعني: في الأرضين التي فتحت عنوة) قد ورد آيتان محكمتان, فيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل بآية في كتاب الله, واتبع عمر آية أخرى فعمل بها.
فالآية التي عمل به رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم: ( وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى... الأنفال:41), والآية التي عمل بها عمر على حد زعمهم: ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما ءاتكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب)(1).
قلت: إن هذا التلفيق بين الآيتين الكريمتين إنما هو تمويه مكشوف أردوا به التستر على مخالفة عمر لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, مع أن عمر قد خالف سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صراحة ولم يخفي ذلك على الإطلاق.
ومن تدبر في هذا الأمر يعلم علم اليقين بأنهم قد تجنوا على أحكام الكتاب المجيد والسنة المقدسة ظلما وعدوانا.
وإلا كيف يكون عمل عمر بن الخطاب في أموال الغنيمة مطابقا للعمل في أموال الفيء, والآيتان الشريفتان لهما مصاديق وأحكام مختلفة؟؟!!
فإن الآية الأولى: حكمها يتعلق بما يحوزه المسلمون من أموال الكفار عنوة وغير ذلك من المعادن والغوص والكنوز وأرباح المكاسب...
والآية الثانية: حكمها يتعلق بأموال الفيء (والفيء ليس كالخمس) وهو ما أخذ من الكفار صلحا أو الذي إنجلا عنه أهله.
____________
(1)الحشر: آية 7 .
وللتستر على من خالف السنة, والدفاع عن سياسة أبي بكر, وعمر, وعثمان في مخالفتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلطوا بين أموال الغنيمة والفيء, وجلوهما شيئا واحدا.
قال ابن كثير: فمن يفرق بين معنى الفيء والغنيمة , يقول تلك نزلت في أموال الفيء, وهذه في الغنائم, ومن يجعل أمر الغنائم والفيء راجعا إلى رأي الإمام, يقول لا منافاة بين آية الحشر وبين التخميس, إذا رآه الإمام والله أعلم(1).
تأمل بالله عليك في قولهم: (ومن يجعل أمر الغنائم والفيء راجعا إلى رأي الإمام) يتبين لك الحق.
وقد زعم بعضهم أن أية الخمس ناسخة لآية الفيء!!
نقل ابن كثير عن قتادة في تفسير آية الخمس, ثم قال: وهذا الذي قاله بعيد, لأن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر, وتلك نزلت في بني النضير, ولا خلاف بين علماء السير والمغازي قاطبة, أن بني النضير بعد بدر, وهذا أمر لا يشك فيه ولا يرتاب.
وقد أشار إلى اختلافهم (المتعمد) أبو عبيد في الأرض التي افتتحت عنوة, قال: فهي التي اختلف المسلمون فيها.
فقال بعضهم: سبيلها سبيل الغنيمة, فتخمس وتقسم, فيكون أربعة أخماسها خططا بين الذين افتتحوها خاصة.
ويكون الخمس الباقي لمن سمى الله تبارك وتعالى.
وقال بعضهم: بل حكمها والنظر فيها إلى الإمام, إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمسها ويقسمها كما فعل رسول اله صلى الله عليه وسلم بخيبر فذلك له.
____________
(1)تفسير ابن كثير ج:4 ص506.
وإن رأى أن يجعلها فيئا فلا يخمسها ولا يقسمها, ولكن تكون موقوفة على المسلمين عامة ما بقوا, كما فعل عمر بالسواد(1)...
فاتضح مما نقله أبو عبيد أن الذين جعلوا الخمس والفيء شيئا واحد , استنبطوا ذلك من سيرة عمر بن الخطاب المناقضة والمخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال الماوردي: قال مالك: مال الغنيمة موقوف على رأي الإمام, إن شاء قسمه بين الغانمين تسوية وتفضيلا , وإن شاء أشرك معهم غيرهم من لم يشهدوا الوقعة.
قال: وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : الغنيمة لمن شهد الوقعة .
ما يدفع هذا المذهب وهذا الحديث ذكره ابن قدامة في الشرح الكبير وابن القيم في الطرق الحكيمة, موقوفا على عمر رضي الله عنه(2).
قلت: وبما أن الأمر يدور بين سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, واجتهاد عمر بن الخطاب الذين لا يمكن الجمع بينهما بحال, فقد اشتد الاختلاف والتناقض بين المنحازين لرأي واجتهاد عمر, وبين المعتدلين من فقهاء أهل السنة والجماعة الذين تركوا العمل في هذه المسألة برأي واجتهاد عمر وأخذوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وهذا الأمر لا يخفى على المتتبع.
قال أبو يعلى في من وجد كنزا مدفونا: يكون لواجده وعليه الخمس, يصرف مصرف الزكاة.
وقال في موضع آخر: أن مصرف الصدقات منصوص عليه, ليس للأئمة اجتهاد فيه.
____________
(1)الأموال ص:55. (2)الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص:151, والأحكام السلطانية للماوردي ص:140.
وفي أموال الفيء والغنيمة ما يقف مصرفه على اجتهاد الأئمة.
وقال في الخراج: وإذا ثبت أن حكمه حكم الفيء, فهل يخمس ذلك أم لا؟
المنصوص عنه, أنه لا يخمس, ويصرف جميعه في المصالح في العامة.
ونقل قول أحمد في رواية أبي طالب (في قوم حملتهم الريح فألقتهم في بعض السواحل, فقالوا جئنا للتجارة, فإن لم يعرفوا بالتجارة ولا يشبهون التجار لم يصدقوا ولا يخمس مالهم, إنما الخمس في الغنيمة وما قاتلوا عليه, وهذا لم يقاتلوا عليه, فلا يكون غنيمة ولا فيه خمس) وذكر الخرقي أن فيه الخمس لأهل الخمس, مقسوما على خمسة أسهم متساوية(1).
قلت: وأظن أن هذا النموذج يبين مدى اختلافهم في حكم الغنيمة والفيء, ومن يتتبع كتب الفقه عند أهل السنة والجماعة سوف يجد الشيء الكثير من هذا القبيل.
وسبب هذا الاختلاف, والتكلف والجمع بين المتناقضات كما هو واضح , يعود إلى مخالفة عمر بن الخطاب لسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أموال الغنيمة والفيء.
فإن أبا بكر وعمر قد عزلا سهم الله, وسهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, وسهم ذي القربى في الخمس, فجعلاه شيئا واحدا, ووضعاه في غير محله, وكانا يقسمان خمس الغنيمة على ثلاثة أسهم.
نص على ذلك أهل الأخبار والسير والحديث والفقه...
قال ابن عباس : فلما قبض الله رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - رد أبو بكر نصيب القرابة في المسلمين فجعل يحمل به في سبيل الله.
____________
(1)الأحكام السلطانية لأبي عبيد ص:127 و136 و137.
وقال أيضا: جعل سهم الله وسهم رسوله واحدا ولذي القربى فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح , وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يعطى غيرهم(1).
وقد توهم من قال: إن عمر أرجع الخمس لبني هاشم, والصحيح أنه عرض عليهم شيئا من الخمس فأبوا إلا أن يأخذوا كله فأبى عليهم.
قال ابن عباس: سهم ذي القربى لقربى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وقد كان عمر عرض من ذلك علينا عرضا فرأيناه دون حقنا فرددناه عليه وأبينا أن نقبله(2).
وأما ما نقله البخاري وغيره, فإن عمر بعد استخلافه بسنتين أعطى الإمام علي عليه السلام والعباس ما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أموال بني النضير يتوليا قسمته, ولم يستمرا على ذلك كما يشعر من الرواية ومن تتبع الأخبار(3).
وعند استخلافه زاد عثمان بن عفان في الطين بلة, فأعطى خمس فتوح إفريقيا لعبد الله بن سعد بن أبي سرح(4).
وأقطع مروان فدك وهي التي سلبها أبو بكر من فاطمة عليها السلام, وأعطاه خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع أفريقيا.
وكان مروان قد صفق على الخمس بخمسمائة ألف فوضعها عنه عثمان(5)...
____________
(1)قد مر ذكر هاتين الروايتين في بحث ما سبق. (2)وقد مر نقل ذلك أيضا. (3)صحيح البخاري ج:8 ص: 185 كتاب: الفرائض باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نورث, ما تركنا صدقة). (4)تاريخ الذهبي ج:2 ص79. (5)تاريخ أبي الفداء ج: 11 ص232 في ذكر حوادث:34 و العقد الفريد ج:4 ص373.
قلت: وقد أعرضت عن ذكر مخالفة عثمان بن عفان لسنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما تركه, واكتفيت بالإشارة إلى ذلك لاشتهار حاله, ورأيت أن التعرض لذلك يحتاج إلى مؤلف مستقل, وهل ذبح عثمان في تلك الفتنة إلا لمخالفته الكتاب والسنة في أمر التركة وما أفاء الله على عباده وغير ذلك, وقد سلط عثمان بني أمية ومبني الحكم على رقاب المسلمين وعلى أموالهم.
32- الخلاصة في مخالفة أبي بكر وعمر للسنة
أقول: إن الله سبحانه وتعالى قد تولى قسمة الغنائم كما تولى قسمة الصدقات كما جاء في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وليس ذلك فيه اجتهاد لأحد البتة.
وإنما أموال الفيء خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل فيها ما يشاء (كما شهد بذلك عمر بن الخطاب) وهي لأئمة أهل البيت عليهم السلام من بعده صلى الله عليه وآله وسلم, ورثوها عن أمهم فاطمة عليهم السلام, الوارثة الوحيدة لأبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, لأن الفيء من جملة ما تركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وقد كان ذلك خالصا له على نحو التمليك.
وأن الأرضين المفتوحة عنوة لا اختلاف فيها عند شيعة أهل البيت عليهم السلام كونها وقفا على المسلمين بعد التخميس, يرجع النظر فيها للمعصوم بما أراه الله عز وجل.
وأما ما قاله بعض أهل السنة والجماعة: عمل رسول الله صلى عليه وآله وسلم بأية محكمة, واتبعه عمر فعمل بأية أخرى محكمة, وأن مصرف الصدقات منصوص عليه, ومصرف الفيء والغنيمة راجع إلى اجتهاد الإمام.
فإنه لا دليل عليه لا من الكتاب الله عز وجل, ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وإنما قد استدلوا بسيرة الشيخين, وقد خالفا الكتاب المجيد والسنة المحمدية صراحة كما أسلفنا بيانه.
وهنا تتمة للفائدة: روى البخاري عن مالك بن أنس, وزيد بن أسلم عن أبيه أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك أخر الناس بيانا ليس لهم شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر, ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها(1).
وقد صرح عمر في هذا الخبر بمخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرأي رآه وعلله بقوله: فإنا لو قسمناها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء ...
أخاف إن قسمته أن تفا سدوا بينكم في المياه...
ولكن أحبسه فيما يجري عليهم على المسلمين...
إلى غير ذلك من هذه الألفاظ الصريحة في اجتهاده مقابل النص.
ولما قال المجاهدون لعمر: أقسم لنا غنائمنا كما قسم لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , لم يقل لهم عمر: إني أتبعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, أو عملت بأية أخرى محكمة كما زعم أوليائهم, بل لقد كان صريح في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد قال بلال وأصحابه في ذلك, وكانوا من أشد المعارضين لسياسة عمر المخالفة لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وقد وقع بينهم وبينه من الاختلاف حتى قال: اللهم اكفني بلالا وذويه...
____________
(1)صحيح البخاري ج: ص 176 باب: غزوة خيبر.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخمسه ويقسمه فجاء رجل من ذلك برمام من شعر, فقال: يا رسول الله هذا ما كنا أصبنا من الغنيمة, فقال: (أسمعت بلالا نادى ثلاثا) قال: نعم, قال: (ما منعك أن تجيء به؟) فاعتذر فقال: (كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك)(1).
قلت: وهذا الخبر يدل على تفقه بلال وأصحابه في أموال الفيء والغنيمة وإنما عارض فعل عمر بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فأبى عمر إلا الإصرار على رأيه ومخالفة رسول الله صلى الله عله وآله, فأين الآية المحكمة التي اتبعها عمر يا أولي الألباب؟؟
33 - عمر يصفي لنفيه أموال كسرى
قال أبو يعلى: فقد اصطفى عمر من أرض السواد أموال كسرى وأهل بيته, وما هرب عنه أربابه أو هلكوا.
فكان مبلغ غلته تسعة آلاف أف دهم, كان يصرفها في مصالح المسلمين (حسب اجتهاده رأيه), ولم يقطع شيئا منها.
ثم إن عثمان أقطعها لأنه رأى قطاعها أوفر لغلتها من تعطيلها.
وشرط على من أقطعها إياه أن يأخذ منه حق الفيء, فكان ذلك منه إقطاع إجارة لا إقطاع تمليك فتوفرت غلتها حتى بلغت ما قيل خمسين ألف ألف دهم, فكان منها صلاته وعطاياه, ثم تناقلها الخلفاء بعده.
فلما كان عام الجماجم سنة اثنتين وثمانين في فتنة ابن الأشعث أحرق الديوان, وأخذ كل قوم ما يليهم.
____________
(1)سنن أبي داود ج:2 ص13 باب: الغلول من كتاب: الجهاد.
وقال ابن عابدين: إن عمر اصطفى أموال كسرى, وأهل كسرى, وكل من فر عن أرضه أو قتل في المعركة, وكل مفيض ماء أو أجمة, فكان عمر يقطع من هذا لمن أقطع(1).
وروى الهيثمي, عن أبي حمزة عن أبيه قال: أصفى عمر بن الخطاب من هذا السواد عشرة أصناف أصفى أرض من قتل في الحرب, ومن هرب من المسلمين يعني إليهم, وكل أرض لكسرى, كل أرض كانت لأحد من أهله, وكل مغيض ماء, وكل دير بريد, قال: ونسيت أربعا قال: وكان خراج من أصفى سبعة آلاف ألف فلما كانت الجماجم احرق الناس الديوان وأخذ كل قوم ما يليهم(2).
وقد نقل ابن جرير الطبري: وكان في بيوت أموال كسرى (يعني ما وجدوه في خزائنه من الأموال) ثلاثة آلاف ألف ثلاث مرات(3).
قلت: فإن هذه الأخبار قد دلت على أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان اصطفيا مالا جما, إلا أنا أوليائهم حاولوا تنزيه الشيخين, لكن الواقع غير ذلك, لأن عمر وعثمان جعلا الصفايا من أملاكهم الخاصة, ولم يجعلاها في مصالح المسلمين, وتعليلهم بأن صلات عثمان تعود على المسلمين بالمصلحة, فإنه من التمويه المكشوف, فمن ذا الذي لا يعرف سيرة ابن عفان في الأموال؟؟!!
وهل قتل إلا من أجل الجمع والادخار, وتسليطه أغلمة بني أمية وبني الحكم على رقاب المسلمين وعلى أموالهم يخضمونها خضمة الإبل نبتة الربيع ...
فإقطاع ابن عفان الصفايا لقرابته دون عامة المسلمين , إنما كان قصده نفع المعطى خاصة.
____________
(1)الأحكام السلطانية ص:230 و231, الضرب الثاني من العامر, وحاشية رد المحتار ج:4 ص375 كتاب: الجهاد, مطلب في أحكام الإقطاع من بيت المال, والمجموع لمحيي الدين النووي ج:15 ص230 باب: الإقطاع والحمى... (2)السنن الكرى ج:9 ص 134. (3)تاريخ الطبري ج:3 ص 121 السنة السادسة عشرة, حديث المدائن القصوى التي كان فيها منزل كسرى, وانظر الصفحة التي بعدها:124, ذكر ما جمع من فيء أهل المدائن.
والصفايا كما هو معلوم خالصة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخاصة به, بنص الكتاب المجيد والسنة المطهرة(1).
وقد زعم فقهاء أهل السنة بأن الصفايا قد سقطت بموته صلى الله عليه وآله وسلم , كما أسلفنا نقل ذلك عنهم, ومن هنا قد وقع التباس حول مسألة الصفايا , وتداخلها مع الأنفال والفيء والغنيمة, وتصرف الحكام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدل على أنهم كانوا يتعاطونها, وإلا فما معنى: اصطفى عمر أموال كسرى؟؟
وهذا أمر واضح وصريح بأن عمر اصطفى الصفايا التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وتصرف فيها على أنها حق من حقوق الحاكم الخاصة به يضعها حيث يشاء.
أما أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يصرفان الصفايا في مصالح المسلمين إلى غير ذلك من التبريرات المكشوفة.
فنقول: إن الكلام عن الصفايا التي أخذها عمر من بلاد فارس بعد فتحها وغير ذلك, إنما يتعلق بملكيتها, لا بالجهة التي تنفق عليها, وهل هي حق لجميع المسلمين أم حق للخليفة؟؟ والأخبار تدل على أنهم جعلوها من حقوق الخليفة وليست من حقوق المسلمين, أم كون عمر وعثمان كان يصرفانها على مصالح المسلمين فهذا أمر آخر, ألا تراهم كيف قالوا: فكان منها صلاته وعطاياه, ثم تناقلها الخلفاء بعده فهذا يدل على أنهما كانا يتصرفا فيها على أساس أنها من حقوق الخليفة لا من حقوق المسلمين.
____________
(1)الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص:230 و231 وقد مر ذلك في بيان التركة.
ويدل على ذلك ما أخرجه البخاري: وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال: هما صدقة رسول الله كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه وأمرهما إلى من ولى الأمر, قال: فهما على ذلك إلى اليوم.
ونقل أبو يوسف في كتاب الخراج: اختلف الناس بعد وفاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذين السهمين: سهم الرسول صلى الله عليه وآله, وسهم ذوي القربى, فقال قوم: سهم الرسول للخليفة من بعده...
وقالت طائفة: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة من بعده, فأجمعوا على أن جعلوا هذين السهمين في الكراع والسلاح(1)...
وقد قالوا: ما كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو للخليفة, وقد تقدم ذكر ذلك.
وحسب سيرة أبي بكر وعمر وعثمان لا يستطيع أوليائهم إخفاء كون الخليفة هو الوارث الوحيد لتركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون أهله, وهذه هي النتيجة المرة التي انتهى إليها أمر التركة , صدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما اصطلحوا على تسميتها بذلك.
وفي النهاية أقول: كيف جاز لعمر أن يتصرف في صفايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برأيه على نحول التمليك, ثم يهبها عثمان لقرابته؟؟!!
والمتتبع لصفايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتب السيرة والتاريخ وغيرها يجدها قد تداولتها أيادي السلاطين بالإنفاق والإقطاع لمن شاءوا, وبالصلات والهبة لمن أحبوا وأرادوا, وجرت هذه السنة المخالفة لسنة وسيرة الحبيب المصطفى صلوات الله عليه وآله سلم , فتمزقت تلك الصفايا بالإقطاع
____________
(1)وقد ذكرنا هذه الأخبار فيما سبق.
والهبة والصلات وغير ذلك, وأنتهب الناس ما تبقى منها مما يليهم, كما في الخبر, فإن لله وإنا إليه راجعون, (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).
34- وقفة قصيرة
إن التاريخ والسيرة والأحاديث النبوية لم تدون في ظل أجواء نقية, فقد دونت بعد أن خاضت الأمة الإسلامية في أمواج الفتن المظلمة وتمزقت إلى فرق ومذاهب, وبعد أن استولى عليها شرارها وعم الظلم والجور.
ولم يكن لأصحاب تلك الصناعة الحرية الكاملة في إبداء كل الحقائق, خاصة فيما كان يتعلق بأهل البيت عليهم السلام, وقد أسست أركان السلطان في صدر الإسلام على اغتصاب الخلافة, وسلب حقوق أهل البيت عليهم السلام المالية, ومحاصرتهم, ومخالفتهم, ومحاربتهم.
فعلى الرغم من ذلك كله فإن المتتبع لأهم مصادر السيرة والتاريخ والحديث عند جمهور المسلمين يعثر على الكثير من الحقائق الحلوة والمرة, التي شقت طريقا إلى النور, لتكشف لنا عن الواقع , وبتالي عن الحق.
أضف إلى ذلك تراث أهل البيت عليهم السلام, الحافل بالحقائق الناصعة والثابتة, وقد دونها شيعتهم وأولياءهم المخلصين بكل أمانة.
أبو بكر ينازع فاطمة عليها السلام في ميراثها
35- منع إرث فاطمة عليها السلام تعطيلا لإحكام الشريعة
وأما ميراث فاطمة الزهراء عليها السلام فقد مر عليك أنها ذهبت هي وزوجها أمير المؤمنين عليه السلام لأبي بكر للمطالبة به , وفي رواية عن عمر
بن الخطاب قال: لما كان اليوم الذي توفى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بويع لأبي بكر في ذلك اليوم, فلما كان من الغد جاءت فاطمة لأب بكر معها علي عليهما السلام فقالت: ميراثي من رسول الله أبي صلى الله عليه وآله وسلم, فقال أبو بكر: من الرثة أو من العقد؟
قالت: فدك وخيبر, وصدقاته بالمدينة أرثها كما ترثك بناتك إذا مت, فقال أبو بكر: أبوك والله خير مني, وأنت خير من ابنتي, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا نورث, ما تركنا صدقة, يعني هذه الأموال القائمة(1).
أقول: لقد كان أبو بكر في كل مرة يتعلل بشيء لصرف فاطمة عليه السلام عن حقها, فأرادت عليها السلام أن تحسم أمر الخصومة والشجار بينها وبينه, وتضع النقاط على الحروف بتركيزها على المطالبة بإرثها من أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله سلم, لأن كل ما كانت تطالب به وتخاصم من أجله داخل فيما تركه أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فتأخذه بالإرث.
وقد ألزمت الصديقة الطاهرة عليها السلام أبا بكر الحجة القوية من الكتاب والسنة, فوجد نفسه عاجزا عن دفع بيناتها, ومخاصمتها فيما ترثه من أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وتحير عند ذلك ووقع في حرج شديد , فطلع عليها بدعوى لم تكن تخطر على بال أحد من الناس, ولم تسمعها فاطمة عليها السلام من قبل ولا واحد من المسلمين, قد انفرد بسماعها وحده, قال لها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لا نورث, ما تركناه صدقة, إنما يأكل آل محمد من هذا المال).
فعندها شعرت الزهراء عليها السلام باليأس من الحصول على حقها , ورأت أن المسألة أصبحت لها أبعاد جدا خطيرة , تتجاوز الحصول على شيء من
____________