حطام الدنيا الفانية إلى المساس بجوهر الرسالة المحمدية بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , وتعطيل أحكام الشريعة المقدسة ولم يمضى على وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أو يومين, والجرح لما يندمل.
فتوجهت بإذن من زوجها إلى مسجد أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله سلم لتلقي خطابا تاريخيا أمام جمهور المهاجرين, والأنصار, وسائر الناس لإقامة الحجة على عصابة قريش وعلى كافة المسلمين.
36- رواية أبي بكر (لا نورث)
أخرج البخاري في صححيه, عن عائشة أنها قالت: أن فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله سلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر فقال أبو بكر إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا نرث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المال, وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأعمل فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا, فوجدت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر, فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها(1)...
قلت: قد وردت هذه الرواية بألفاظ مختلفة, منها: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا
____________
(1)البخاري ج:3 ص38 باب: غزوة خيبر.
أرضا ولا دارا, ولكنا نورث الإيمان والحكمة والعلم والسنة. فقد عملت بما أمرني ونصحت له)(1).
وفي لفظ, قال: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا, وإنما نورث الكتاب والعلم والنبوة(2)...
ومن المعلوم الذي لا شك فيه أنا أبا بكر قد تفرد بهذه الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم , وقد حاول أنصاره وضع بعض الأخبار في الدفاع عنه, على الرغم من أن روايته ظاهرة البطلان, ومخالفة لمحكم الكتاب المجيد والسنة المطهرة, لكنها محاولات يائسة, دلت على جهلهم بأبسط الثوابت الشرعية, والمسلمات العقلية.
وقد اعترفت عائشة بأنه لم يسمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أبيها, حيث قالت: واختلفوا في ميراثه فما وجدوا عند أحد من ذلك علما, فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة(3).
فأحكام الإرث في كتاب الله عامة تشمل كل مسلم بما فيهم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم يرثوا كبقية المسلمين, والمقصود من قول عائشة: فما وجدوا عند أحد من ذلك علما...
أي لم يجدوا علما يخصص أحكم الإرث العامة إلا عند أبيها, ولو لا الرواية التي رواها أبيها, لأخذ أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التركة بدون منازع.
____________
(1)شرح نهج البلاغة ج:16 ص251. (2)الاحتجاج للشيخ الطبرسي ج:1 ص97 . (3)تاريخ مدينة دمشق ج:30 ص311 ح6442.
ومن هنا نعلم أن المستمسك الوحيد الذي تعلق به أبو بكر لحرمان أهل البيت عليهم السلام من الميراث الذي تركه رسول صلى الله عليه وآله وسلم الرواية التي انفرد بها.
ونجد بأن تلك الرواية قد رواها بعد اغتصاب الخلاف والإعراض عن نصوصها الشرعية, وعند انتصابه لمحاكمة فاطمة عليها السلام, وقد جعل نفسه قاضيا وخصما, ولم ينصب غيره من الصحابة, ولا هو استشارهم في ذلك, حتى يبعد عن نفسه أي اتهام , في محاكمة خطيرة كهذه, لو كان يريد الإنصاف والنزهة وما إلى ذلك.
وحسب الموازين الشرعية والضوابط العقلية, فإن روايته هذه لا تقبل بحال, لأن قبولها يستلزم تكذيب أصحاب الكساء عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا, وطهارتهم من المسلمات المقطوع بها, بحكم الكتاب والسنة وإجماع الأمة, فما قيمة تلك الرواية التي رواها أبو بكر في ظل أجواء خصومة ومشاحنة, وهي خبر آحاد لا تتعدى الظن, أمام شهادة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لهم بالطهارة؟؟
وهل نكذب أصحاب الكساء عليهم السلام ونصدق غيرهم؟؟
فإنه من أوضح مصاديق الرجس, الكذب, ورفع الدعاوى الباطلة.
وهل يمكن الجمع بين ما عليه أصحاب الكساء عليهم السلام من أن ميراثهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثابت في الشريعة الإسلامية, والرواية التي انفرد بها أبي بكر تنفي ثبوت إرثهم؟؟
والمنصف يقطع أن دوافع أبي بكر السياسية هي التي اضطرته للاختلاق على صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم, لحرمان عترته عليهم السلام من
حقهم المشروع, ومحاصرتهم اقتصاديا كما سنبين ذلك فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
37- رأي علماءنا في رواية أبي بكر التي انفرد بها
قال السيد المرتضى في رده على قاضي القضاة أحد علماء أهل السنة: نحن تبين أولا ما يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم يورث المال, ونرتب الكلام في ذلك الترتيب الصحيح, ثم نعطف على ما أورده, ونتكلم عليه.
قال رضي الله عنه: والذي يدل على ما ذكرنا قوله تعالى مخيرا عن زكريا عليه السلام: (وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا, يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا), فخبر أنه خاف من بني عمه, لأن الموالي هاهنا بنو العم بلا شبهة, وإنما خافهم أن يرثوا ماله فينفقوه في الفساد, لأنه كان يعرف ذلك من خلائقهم, فسأل ربه ولدا يكون أحق بميراثه منهم.
والذي يدل على أن المراد بالميراث المذكور ميراث المال دون العلم والنبوة على ما يقولون أن لفظة الميراث في اللغة والشريعة لا يفيد إطلاقها إلا على ما يجوز أن ينتقل على الحقيقة من الموروث إلى الوارث, كالأموال وما في معناها, ولا يستعمل في غير المال إلا تجوزا واتساعا, ولهذا لا يفهم من قول القائل: لا وارث لفلا إلا فلان , وفلان يرث مع فلان بالظاهر والإطلاق إلا ميراث الأموال والأعراض دون العلوم وغيرها.
وليس لنا أن نعدل عن ظاهر الكلام وحقيقته إلى مجازه بغير دلالة.
وأيضا فإنه تعالى خبر عن نبيه أنه اشترط في وارثه أن يكون رضيا, ومتى لم يحمل الميراث في الآية على المال دون العلم والنبوة لم يكن للاشتراط معنى, وكان لغوا وعبثا, لأنه إذا كان إنما سأل من يقوم مقامه, ويرث مكانه فقد
دخل الرضا وما هو عظم من الرضا في جملة كلامه وسؤاله, فلا مقتضى لاشتراطه, ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول: اللهم ابعث إلينا نبيا واجعله عاقلا, ومكلفا, فإذا ثبتت هذه الجملة ص أن زكريا موروث ماله.
وصح أيضا لصحتها أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ممن يورث المال, لأن الإجماع واقع على حال نبينا عليه السلام لا يخالف حال الأنبياء المتقدمين في ميراث المال, فمن مثبت للأمرين وناف للأمرين.
ومما يقوي ما قدمناه أن زكريا عليه السلام خاف بني عمه, فطلب وارثا لأجل خوفه, ولا يليق خوفه منهم إلا بالمال دون العلم والنبوة, لأنه عليه السلام كان أعلم بالله تعالى من أن يخاف أن يبعث نبيا ليس بأهل للنبوة, وأن يورث علمه وحكمه من ليس أهلا لهما, ولأنه إنما بعث لإذاعة العلم ونشره في الناس, فلا يجوز أن يخاف من الأمر الذي هو الغرض في البعثة.
فإن قيل: هذا يرجع عليكم في الخوف عن إرث المال لأن ذلك غاية الظن والبخل.
قلنا: معاذ الله أن يستوي الحال, لأن المال قد يصح أن يرزقه الله تعالى المؤمن والكافر والعدو والولي, ولا يصح ذلك في النبوة علومها.
وليس من الظن أن يأسى على بني عمه - وهم من أهل الفساد - أن يظفروا بماله فينفقوه على المعاصي, ويصرفوه في غير وجوهه المحبوبة, بل ذلك غاية الحكمة وحسن التدبير في الدين, لأن الدين يحظر تقوية الفساد وإمدادهم بمتع يعينهم على طرائقهم المذمومة, وما يعد ذلك شحا ولا بخلا إلا من لا تأمل له.
ومما يدل على أن الأنبياء يورثون قوله تعالى: (وورث سليمان داو ود), الظاهر من إطلاق لفظة (الميراث) يقتضي الأموال وما في معناها على ما دللنا به من قبل.
ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين...) الآية.
وقد أجمعت الأمة على عموم هذه اللفظة إلا من أخرجه الدليل , فيجب أن يتمسك بهمومها, لمكان هذه الدلالة, ولا يخرج عن حكمها إلا من أخرجه دليل قاطع(1).
وعلق العلامة الشيخ الأميني رضوان الله تعالى عليه على رواية أبي بكر فقال متسائلا: وهذا الحكم مطرد بين الأنبياء جميعا؟
أو أنه من خاصة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم؟
والأول ينقضه الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وورث سليمان داو ود), وقوله سبحانه عن زكريا: (فهب لي من لدينك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب).
ومن المعلوم أن حقيقة الميراث انتقال ملك الموروث إلى ورثته بعد موته بحكم المولى سبحانه, فحمل الآية الكريمة على العلم والنبوة كما فعله القوم خلاف الظاهر لأن النبوة والعلم لا يورثان, والنبوة تابعة للمصلحة العامة, مقدرة لأهلها من أول يومها كما لا أثر للدعاء والمسألة في اختيار الله تعالى أحدا من عباده نبيا, والعلم موقوف على من يتعرض له ويتعلمه.
على أن زكريا سلام الله عليه إنما سأل وليا من ولده يحجب مواليه (كما هو صريح الآية) من بني عمه وعصبته من الميراث, وذلك لا يليق إلا بالمال, ولا معنى لحجب الموالي عن النبوة والعلم.
ثم إن اشتراطه صلى الله عليه وسلم في وليه الوارث كونه رضيا بقوله: (واجعله رب رضيا).
____________
(1)شرح النهج , ابن أبي الحديد المعتزلي ج:16 ص241 و242 و243 و2444, الفصل الثاني في النظر في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل يورث أم لا؟.
لا يليق بالنبوة, إذ العصمة والقداسة في النفسيات والملكات لا تفارق الأنبياء, ولا محصل عندئذ لمسألة ذلك.
نعم يتم هذا في المال ومن يرثه فأن وارثه قد يكون رضيا وقد لا يكون.
وأما كون الحكم من خاصة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالقول به يستلزم تخصيص عموم آي الإرث مثل قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين), وقوله سبحانه: (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله), وقوله العزيز: (إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف), ولا يسوغ تخصيص الكتاب إلا بدليل ثابت مقطوع عليه لا بالخبر الواحد الذي لم يصح الأخذ بعموم ظاهره لمخالفته ما ثبت من سيرة الأنبياء الماضين صلوات الله على نبينا وآله وعليهم.
لا بالخبر الواحد الذي لم يخبت إليه صديقة الأمة وصديقها الذي ورث علم نبيها الأقدس, وعده المولى سبحانه في الكتاب نفسا لنبيه صلى الله عليهما وآلهما.
لا بالخبر الواحد الذي لم ينبأ عنه قط خبير من الأمة وفلي مقدمها العترة الظاهرة وقد اختص الحكم بهم وهم الذين زحزحوا به عن حكم الكتاب والسنة الشريفة, وحرموا من وراثة أبيهم الطاهر, وكان حقا عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخبرهم بذلك, ولا يؤخر بيانه عن وقت حاجتهم, ولا يكتمه في نفسه عن كل أهله وذويه وصاحبته وأمته إلى آخر نفس لفظه.
لا بالخبر الواحد الذي جر على الأمة كل هذه المحن والإحن, وفتح عليها باب العداء المحتدم بمصراعيه, وأجج فيها نيران البغضاء والشحناء في قرونها الخالية, وشق عصا المسلمين من أول يومهم , وأقلق من بينهم السلام والوئام وتوحيد الكلمة.
جزى الله محدثه عن الأمة خيرا.
ثم إن كان أبو بكر على ثقة من حديثه فلم ناقضه بكتاب كتبه لفاطمة الصديقة سلام الله عليها , بفدك؟
غير أن عمر بن الخطاب دخل عليه فقال: ما هذا؟
فقال: كتاب كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها.
فقال: مما ذا تنفق على المسلمين, وقد حاربتك العرب كما ترى؟
ثم أخذ عمر الكتاب فشقه.
ذكره سبط ابن الجوزي في السيرة الحلبية جك3 ص391(1).
وقال الشيخ المفيد: لحق الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى مخلفا من الورثة بنته الو حيدة (فاطمة الزهراء) سلام الله عليها وزوجات عدة. وكانت (فدك) مما أفاء الله به على رسوله من قرى خيبر، نحلها الرسول ابنته الزهراء، وكانت يدها على فدك يوم وفاة الرسول أبيها. ولما استولى أبو بكر على أريكة الخلافة، ابتز (فدكا) من فاطمة عليها السلام، واستولى عليها، أيضا. فادعت فاطمة عليها السلام على أبي بكر، وطالبت نحلة أبيها لها، و أشهدت زوجها أمير المؤمنين عليا عليه السلام، وابنيها الحسن والحسين سبطي رسول الله وسيدي شباب أهل الجنة، وأم أيمن زوجة رسول الله على أن أباها نحلها (فدكا). فرد أبو بكر دعواها، ورد شهاداتهم لها. فأعادت الزهراء عليها السلام على أبي بكر دعوى ثانية، وطالبت بإرثها من أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من تلك الأرض التي كانت لرسول الله بنص القرآن، لأنها مما أفاء الله على رسوله. ورد أبو بكر دعواها هذه أيضا بحديث رواه هو وحده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة). فادعى أن النبي لم يترك ميراثا و لا تركة ، وأن كل مخلفاته صدقة. ومع أن هذا خبر واحد، لم
____________
(1)كتاب الغدير ج:7 ص 219.
يعرفه ولم يسمعه ولم يروه يوم ذاك غير أبي بكر. ومع أن الأولى بسماعه وروايته - لو كان النبي صلى الله عليه وآله قاله- هم أهل بيته وابنته الزهراء بالأخص، لأنهم هم محل ابتلاء مؤداه، وهم بحاجة إلى معرفة حكمه، فكان على النبي أن يبلغهم به، لا أن يقوله لأبي بكر الذي لا يرث من النبي شيئا! مع هذا فقد فرض أبو بكر رأيه على الزهراء عليها السلام وأخذ منها (فدكا) وقد احتجت الزهراء على أبي بكر في هذا الرأي المنافي لصريح القرآن حيث نص على توريث الأنبياء لورثتهم، مما يدل على اختلاق هذا الخبر الذي ينسب عدم الإرث إلى الأنبياء. ولقد انقضى التاريخ على ظلمه وجوره، إلا أن البحوث العلمية حول هذا الخبر الواحد لم تنقض بعد: فالمفارقة المعروفة حتى عند المبتدئين أن كلمة (صدقة) هل تقرأ بالنصب على أنها توضيح لكلمة (ما) الذي هو مفعول لقوله (لا نورث) فالمعنى: إنا لا نورث المتروكات التي كانت صدقة ، فغير الصدقات مما تركه النبي صلى الله عليه وآله من ممتلكاته يكون إرثا لوارثيه. وان كانت أسانيده كثرت - بعد ذلك - حتى صار من المتوترات في عهد معاوية!!! أو هي تقرأ بالرفع على أنها خبر لكلمة (ما) فتكون جملة (ما تركناه صدقة) مستأنفة. والرفع يناسب مذهب أبي بكر والعامة، والنصب يوافق رأي الشيعة الذين يلتزمون بأن الأنبياء حالهم كسائر الناس، في توريث ما يخلفون، إلا ما كان عندهم من الصدقات، فإنها لأصحابها من المستحقين. وقد ذكر العلماء هذا الخلاف في إعراب (صدقة) فانظر الالماع للقاضي عياض (ص:151)(1).
____________
(1)رسالة حول الحديث نحن معاشر الأنبياء لا نورث ص:3 الطبعة: الثانية 1414 هجري - 1993 ميلادي, طباعة ونشر: دارالمفيد - بيروت لبنان.
38- رأي علماء أهل السنة في توريث الأنبياء عليهم السلام
أما علماء أهل السنة والجماعة فلا تكاد تقف لهم على رأي موحد في إرث الأنبياء عليهم السلام, قد ذهبوا فيه مذاهب وتفرقوا أيادي قدد.
والسبب في ذلك خبر أبي بكر الذي انفرد بسماعه, وقد اختلفوا في معناه هل المقصود منه جميع الأنبياء لا يورثون, أم المقصود منه نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فقط لا يورث.
وقد ورووا الخبر بألفاظ مختلفة, كما أشرنا إليه فيما سبق, أهمها لفظين, الأول: أخرجه البخاري ومسلم, من كلام عمر بن الخطاب لرهط عنده من الصحابة, قال لهم: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عيه وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه؟
فقال الرهط: قد قال ذلك(1)...
واللفظ الثاني: (إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تكنا صدقة)(2).
وقد فسر ابن حجر العسقلاني اللفظ الأول فقال: في قول عمر: (يريد نفيه) إشارة إلى أن النون في قوله: (نورث) للمتكلم خاصة لا للجمع, وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) فقد أنكره جماعة من الأئمة, وهو كذلك بالنسبة لخصوص لفظ (نحن) لكن أخرجه النسائي من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد بلفظ (إنا معاشر الأنبياء لا نورث) الحديث أخرجه عن
____________
(1)فتح الباري صحيح البخاري ج:12 ص9 ح6728 كتاب: الفرائض باب:3, وصحيح مسلم ج:5 ص151. (2)فتح الباري شرح صحيح البخاري ج:12 ص6 كتاب: الفرائض, باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث ما تركنا صدقة.
محمد بن منصور عن ابن عيينة عنه, وهو كذلك في مسند الحميدي عن ابن عيينة وهو من أتقن أصحاب ابن عيينة فيه(1).
قلت: إن قالوا بصحة الخبر بلفظه الأول: فمشكل, وإن قالوا بصحة الثاني فمشكل أيضا, ولا يمكن الجمع بينها بحال, لأن أبا بكر إما أن يكون قد عنى من الخبر الذي أسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن الأنبياء عليهم السلام جميعهم لا يورثون, وإما خصوص نبينا الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يورث, والذي أحرج أوليائه المعنى الأول لأنه مخالف لنص الكتاب المجيد في كون الأنبياء عليهم السلام جميعهم يورثون.
ولو كانوا منصفين, لرجعوا إلى أصل حكم الكتاب العزيز, فإنه أولى بهم وبنا, لكنهم رأوا ذلك موجبا لتكذيب أبي بكر وبالتالي فساد مذهبهم.
ونحن نقول: إن أبا بكر قد عنى من روايته بأن جميع الأنبياء عليهم السلام لا يورثون, سواء كان قد رواه بلفظ: (نحن معاشر الأنبياء...), أو بلفظ: (إنا معاشر الأنبياء...), أو بلفظ: (إن الأنبياء لا يورثون...) والذليل على ذلك احتجاج فاطمة عليها السلام بما جاء في الكتاب المجيد (وورث سليمان داود...) إذ أنها فهمت من روايته بأنه عنى جميع الأنبياء عليهم السلام بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ولا معنى أن تحتج عليه بهذه الآيات.
وثانيا: إن كل من تعرض لشرح هذا الخبر من العلماء فهم أيضا من ألفاظ رواية أبي بكر بأن جميع الأنبياء عليهم السلام لا يورثون, عداء اللفظ الذي ورد في القصة التي رواها الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان التي أخرجا البخاري ومسلم (لا نورث ما تركنا صدقة, يريد رسول الله صلى الله عيه وسلم نفسه) وهذا الإدراج (يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه) لم يرد على لسان أبي بكر
____________
(1)أنظر: المصدر السابق.
وإنما هو من صنع الرواة بلا شك, وقد تعلق به من عرف استحالة معارضة الخبر الذي انفرد به أبو بكر للآيات الدالة على أن جميع الأنبياء عليهم السلام يورثون, وهذا ما أشار إليه ابن حجر بقوله: وأما ما اشتهر في كتب أهل الأصول وغيرهم بلفظ: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) فقد أنكره جماعة من الأئمة.
على أن أبا بكر كان قد حرم فاطمة الزهراء عليها السلام من الإرث بلفظ الخبر الثاني (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) والذي ينفي التوارث بين مطلق الأنبياء عليهم السلام, والدليل على ذلك أن هذا المعنى هو الذي فهمته فاطمة عليها السلام من رواية أبي بكر ولذلك عارضته بالقرآن الذي نص على توارث جميع الأنبياء عليهم السلام في قوله سبحانه وتعالى : (وورث سليمان داود), (فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب), وعارضته أيضا بعموم قوله عز وجل: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله), يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين لدخوله صلى الله عليه وآله وسلم في عموم هذا الخطاب, فترثه باعتبارها ابنته ومن أمة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم داخلة في هذا العموم أيضا, وقد بينا هذا فيما سبق وأعدناه هاهنا تأكيدا على بيان هذا الأمر.
ثم نلاحظ: أن مؤدى روايته التي انفرد بها نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تكناه صدقة, وأمرهما إلى من ولي الأمر.
هذا من أعجب العجاب, يعني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يورث وكل تركته تكون لمن ولي الأمر من بعده يصرفها كيف شاء فإذا مات ولي الأمر ورثها أبنائه, والنتيجة حرمان ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كل التركة ليتمتع بها أولاد الأمراء من بعده, فهل هناك طامة أكبر من هذا الحرمان والظلم لأبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, حاش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشرعه المقدس من هذا الظلم القبيح.
هذا بالإضافة إلى أنه قد وردت عند أهل السنة والجماعة أخبرا تنصوا على أن الأنبياء يورثون المال.
قال ابن حجر: وقوله تعالى: (وورث سليمان داود) حمله أهل العلم بالتأويل على العلم والحكمة, وكذا قول زكريا (فهب لي من لدنك وليا يرثني) وقد حكي ابن عبد البر أن للعلماء في ذلك قولين وأن الأكثر على أن الأنبياء لا يورثون, وذكر أن ممن قال بذلك من الفقهاء إبراهيم بن إسماعيل بن علية, ونقله عن الحسن البصري عياض في (شرح مسلم) وأخرجه الطبري من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله تعالى حكاية عن زكريا (وأني خفت الموالي) قال: العصبة.
ومن قوله: (وهب لي من لدنك وليا يرثني) قال: يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة, ومن طريق قتادة عن الحسن نحوه لكن لم يذكر المال, ومن طريق مبارك بن فضالة عن السن رفعه مرسلا (رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من يرث ماله) .
إلى أن قال ابن حجر: وعلى تقدير تسليم القول المذكور فلا معارض من القرآن لقول نبينا صلى الله عليه وآله سلم (لا نورث ما تركنا صدقة) فيكون ذلك من خصائصه التي أكرم بها, بل قول عمر (يريد نفسه) يؤيد اختصاصه بذلك, وأما عموم قوله تعالى: (يوصيكم الله في أولاكم), فأجيب عنها بأنها عامة فيمن ترك شيئا كان يملكه, وإذا ثبت أنه وقفه قبل موته فلم يخلف ما يورث عنه فلم يورث, وعلى تقدير أنه خلف شيئا مما كان يملكه فدخوله في الخطاب قابل للتخصيص لما
عرف من كثرة خصائصه, وقد اشتهر أنه لا يورث فظهر تخصيصه بذلك دون الناس(1).
قلت: هذا ما عند القوم من بضاعة, تأويلات مبنية: على الظنون , والتقدي , وإذا, والمشهور.
كل ذلك من أجل الدفاع عن رواية أبي بكر (لا نورث...) وبسقوطها يسقط كل ما أسسوه وبنوه على شفى جرف هار.
أما كونه من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم التي أكرم بها وليس ذلك معارض للخبر, هذا تمويه لأن التخصيص بعد العموم يحتاج إلى دليل كائن من كان , ورواية أبي بكر أحاد هيهات لا تخصص عام القرآن المجيد لتنازع الأمة في خبر الواحد هل يخصص أو لا يخصص, وفي صدق الخبر الذي انفرد به أبي بكر, فيرجع حينئذ إلى الأصل وهو عموم الحكم في آية المواريث.
ويمكن أن يعترض على ابن حجر فيما غفل عنه , فيقال لـه: النزاع ليس فيما أوقفه صلى الله عليه وآله وسلم صدقة, وإنما هل يورث كبقية المسلمين لو كان يملك مالا أم لا يورث, فأن ظهر أنه يورث على فرض أنه أوقف جميع ما يملكه, فقد سقطت رواية أبي بكر وسقط إدعاء ما أوقفه لأن كل ذلك مبتنيا عليها.
وقد أثبتنا بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة زيف مدعاهم (لا نورث...) فيما سبق وفيما يأتي مزيدا من البيان بمشيئة الله سبحانه وتعالى.
39- بحث ومناقشة في مسألة الإرث
نقول: فالذي فعله أبو بكر من تظليل في حق فاطمة الزهراء بنت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان تشويها لسيرة نبينا الأعظم صلى الله عليه
____________
(1)فتح الباري شرح صحيح البخاري ج:12 ص12 كتاب: الفرائض باب: 3.
وآله وسلم ولأهل بيته الأطهار عليهم السلام, وقلبا وتحريفا لحقيقة النصوص الشرعية الثابتة.
وقد تحير أنصار أبي بكر وأوليائه فيما انفرد به عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون غير من المسلمين بأمر خطير يتعلق بكل التركة, فراحوا يمينا وشمالا كما أشرنا إليه, ولم يرجعوا إلى جادة الصواب والحق, لأنهم رأوا ذلك موجبا لتكذيب وتفسيق إمامهم الخليفة الأول, والطعن في سيرته وما نقل عنه, على أن الأمة الإسلامية قد أجمعت على اختلاف مذاهبها ومشاربها بأن كتاب الله سبحانه وتعالى هو المعيار للسنة المحمدية, والمرجع العام عند التنازع والاختلاف, أو الشك والشبه وما إلى ذلك, فما وافق القرآن الكريم أخذ به, وما خالفه ضرب به عرض الجدار.
ومن عجيب جهل أولياء أبي بكر تخصيصهم لعام الذكر الحكيم بخبر الواحد المروي عن أبي بكر, مع وجود الارتياب بوجود المعارض وهم أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام, وشدة غضبهم حتى ماتت فاطمة عليها السلام وهي غاضبة, وطول الخصومة واستمرارها إلى ما شاء الله عز وجل.
40- بلغ الرسول صلى الله عليه وآله ما تحتاجه الأمة
إن مناصرة أهل السنة لأبي بكر فيما انفرد به من خبر خطير حرم بموجبه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تركة أبيها, يجر إلى الظن: بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مقصرا في تبليغ وبيان ما انزل إليه من ربه عز وجل, أو أنه غير حكيم ولا يخشى على أمته الضلال والافتراق نعوذ بالله من هذه الظنون.
وقد قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه المجيد: (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم)(1).
وقال تبارك اسمه: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون )(2).
وقال عز قائل: (انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون)(3). وقال جل شأنه: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه)(4).
وقال جل جلاله: (الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب)(5).
هذه الآيات المحكمات تنص على أن جميع الشرائع السماوية بما فيها شريعة الإسلام العزيز قد جاءت بالبيينات (البيان والتبيين) فالله سبحانه وتعالى قد بين لرسله صلوات الله عليهم ما يريده من خلقه, من الأمر بالطاعة, والنهي عن المعصية, وما يستحقون به الثواب والعقاب.
والرسل صلوات الله عليهم بموجب وضيفتهم قد بينونه للخلق ولم يكتموا منه شيئا, ومضامين هذه الآيات تشهد بذلك.
قال الشيخ الطوسي رضوان الله تعالى عليه في تفسير قول الله عز وجل: ( وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم إنا (ما أنزلنا عليك الكتاب) يعني القرآن (إلا) وأردنا منك أن تبين (لهم) وتكشف لهم (الذي اختلفوا فيه)
____________
(1)التوبة:آية115. (2)النحل:آية64. (3)المائدة :آية 75. (4)آل عمران: آية187. (5)البقرة:آية159.
من دلالة التوحيد والعدل وصدق الرسل وما أوجبت فيه من الحلال والحرام (وهدى )ورحمة أي أنزلته هدى ودلالة على الحق لقوم يؤمنون(1).
وقال ابن جرير الطبري في تفسير قول الله سبحانه وتعالى: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون): يقول تعالى ذكره لنبيه (صلى الله عليه وآله): وما أنزلنا يا محمد عليك كتابنا وبعثناك رسولا إلى خلقنا إلا لتبين لهم ما اختلفوا فيه من دين الله، فتعرفهم الصواب منه والحق من الباطل، وتقيم عليهم بالصواب منه حجة الله الذي بعثك بها.
وقوله: (وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) يقول: وهدى بيانا من الضلالة, يعني بذلك الكتاب, ورحمة لقوم يؤمنون به, فيصدقون بما فيه, ويقرون بما تضمن من أمر الله ونهيه, ويعملون به. وعطف بالهدى على موضع ليبين, لأن موضعها نصب. وإنما معنى الكلام: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا بيانا للناس فيما اختلفوا فيه هدى ورحمة(2).
وقال القرطبي: قوله تعالى: (وما أنزلنا الكتاب) أي القرآن (إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) من الدين والأحكام فتقوم الحجة عليهم ببيانك. وعطفك (هدى ورحمة) على موضع قوله: (لتبين) لان محله نصب. ومجاز الكلام: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا تبيانا للناس. (وهدى) أي رشدا (ورحمة) للمؤمنين(3).
وبما أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب على الأئمة والعلماء نشر ما علموه من الشريعة, ولعن من كتم شيئا منها, دل على أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بين جميع ما تحتاج إليه الأمة من الأحكام كبيرها وصغيرها, وحسم مادة الخلاف والاختلاف وتركهم على الصراط المستقيم, وإلا قبل البيان لم يجب شيئا من
____________
(1)التبيان في تفسير القرآن ج:6 ص 398 تفسير الآية64 من سورة النحل. (2)جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج:14 ص171 تفسير الآية64 من سورة النحل. (3)الجامع لأحكام القرآن ج:10 ص122 تفسير الآية65 من سورة النحل.
نشر العلم (سالبة بانتفاء الموضوع), وقد قيده بقوله تعالى: (من بعد ما بيناه للناس في الكتاب...)
وقد ورد في الأخبار الصحيحة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان بعد أن يبن أي شيء من الحلال والحرام وغير ذلك يقول: ألا هل بلغت؟ فيقولون لـه: نعم, فيقول: اللهم أشهد ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع...
وروى الحاكم النيسابوري بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار هذا إسناد صحيح من حديث المصريين على شرط الشيخين وليس له علة(1).
وقد روي هذا الحديث بألفاظ متقاربة عن كل من ابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمر راجع مجمع الزوائد وغيره(2).
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا(3).
قد يعترض معترض بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أبا بكر: بأن الأنبياء لا يورثون, فيكون قد بين ذلك للأمة؟؟
نقول: نحن لا نسلم بصدق أبي بكر في هذا الخبر الذي انفرد به, فكيف نصدقه وقد كذبته فاطمة وأمير المؤمنين عليهما السلام, والعباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى ماتت فاطمة عليها السلام وهي غاضبة عليه, وتظلم أولاد فاطمة عليهم السلام على مر الأزمان لم يكن خافيا على أحد.
____________
(1)المستدرك ج:1 ص102 كتاب: العلم, من سئل عن علم فكتمه جيء يوم القيامة وقد ألجم بلجام من نار. (2)مجمع الزوائد للهيثمي ج:1 ص164 باب: فيمن كتم علما. (3)شرح نهج البلاغة ج:20 ص247 الكلمات القصار(486), وأنظر: زاد المسير لابن الجوزي ج:2 ص68 تفسير الآية187 من سورة آل عمران, وتفسير القرطبي ج:4 ص305 تفسير قوله تعالى: (لا تحسبن الذين يفرحوا بما أتوا...).
وقد أشرنا إلى أن اقتصار النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إعلان أبي بكر بهذه المسألة التي تتعلق بحرمان ابنته صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته من جهة, ويعود نفعها على سائر المسلمين من جهة أخرى, هو أمر خلاف الحكمة والبيان والبلاغ , فلا بد أن يعلن ذلك على رؤوس الأشهاد حتى تتم إقامة الحجة على من لـه حق أو نصيب في ذلك, واستئصال بذرة الاختلاف (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة).
ولما علمنا أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يذكر ذلك على رؤوس الأشهاد مع عدم المانع, ومع أهمية هذه المسألة فيدعى نسخها أو تخصيصها بخبر آحاد فنبقى على حكم البيان الأول الذي ثبت بالعلم القطعي, ولا نتحول إلى الظن كما هو مقرر في محله في أصول الفقه عند الفريقين.
ولأننا نفرق بحمد الله بين المسائل المشتركة بين أفراد الأمة, وبين المسائل الخاصة ببعض أفرادها, فلو كانت مسألة خاصة, تخص آحاد الأمة فبينها صلى الله عليه وآله وسلم لـه ولم يطلع غيره عليها, فليس في ذلك مخالفة للبيان أو الحكمة, ويعد ذلك بيانا وبلاغا, لكنه بيانا وبلاغا خاص.
ثم إن أحكام الإرث يجب أن يكون العلم بها قطعيا ويقينيا, ولا يجوز فيها الاجتهاد البتة, وقد بينا ذلك في محله من هذا الكتاب, وإنما خبر الآحاد يأخذ دليله بالاجتهاد لأنه ظني الصدور.
فهل يعقل بعد هذا كله يا أولي الألباب أن يترك رسول صلى الله عليه وآله وسلم عشيرته الأقربين يجهلون أهم حكم من أحكام الإرث يتعلق بما تركه, وابنته فاطمة عليها السلام من أقرب الأقربين إليه صلى الله عليه وآله وسلم يهمها أن تعرف حكم ما تركه أبيها صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك محل ابتلاء لها, ولعشيرته الأقربين فلا ينذرها ولا ينذر عشيرته الأقربين؟؟!!
والله سبحانه وتعالى يقول: (وأنذر عشيرتك الأقربين)(1).
بلى قد أنذر صلى الله عليه وآله سلم عشيرته الأقربين, وهذا الخطاب الإلهي سيال لا يخص بإنذار شيء دون شيء, وإنما يتوجب عليه صلى الله عليه وآله سلم إنذار عشيرته الأقربين في كل ما يقربهم إلى الطاعة ويبعدهم عن المعصية, وعلى منوال عشيرته صلى الله عليه وآله وسلم فقد أنذر كل قريب وبعيد من أمته, وبين لهم كل كبيرة وصغيرة حتى بلغ أقصى غاية في النصح والبيان, وتركهم على المحجة البيضاء في وضوح نهارها من ليلها.
والحق كما قال الله عز وجل: (كتاب فصلت آياته قرءانا عربيا لقوم يعلمون, بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون)(2).
ثم هل فاجأه صلى الله عليه وآله وسلم الموت حتى يقال: بأنه كان يتحين الوقت المناسب حتى يبن لابنته ولأهله أنه لا يورث فلا حق لهم في التركة؟؟
والأمة بقضها وقضيضها تعلم بأنه لم يكن هناك مانع حال بينه وبين أن يبين ذلك لابنته وأهله كما أشرنا إلى ذلك, كيف وقد بين ما هو أعظم وأخطر, بل لقد بين ما هو دون مسألة التركة, مثل: آداب الدخول إلى بيت الخلاء.
والله عز وجل يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
أمآ كان صلى الله عليه وآله سلم يأمر أمته بالوصية قبل الممات, فكيف لا يوصي أهله, خاصة ما كان فيه ابتلائهم؟؟!!
وقد أخرج البخاري: عن عائشة أنها قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحبا
____________
(1)الشعراء: آية214. (2)فصلت: آية3 و4 .
بابنتي, ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله, ثم أسر إليها حديثا فبكت فقلت لها: لم تبكين؟
ثم أسر إليها حديثا فضحكت , فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن؟!
فسألتها عما قال, فقالت: ما كنت لأفشي شر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم, فسألتها فقالت: أسر إلي إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين, ولا أراه إلا حضر أجلي, وإنك أول أهل بيتي لحاقا بي, فبكيت فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء العالمين , فضحكت لذلك(1).
قلت: فكيف لم يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبنته فاطمة عليها السلام بأن الأنبياء عليهم السلام لا يورثون, وأنه لا يحق لها أن ترث أباها صلى الله عليه وآله وسلم, كما يتوارث أرحام المسلمين بعضهم بعض بعد الموت الأقرب فالأقرب؟؟!!
وأن ميراثه صلى الله عليه وآله وسلم محرم على أهل بيته عليهم السلام, كما بين لهم حرمة الصدقة, وحتى لا يترك صلى الله عليه وآله وسلم ابنته من بعده للخصومة والمشاجرة, والغضب والأذية مع خليفة المسلمين أو مع أحد من الناس.
ثم لماذا همس على حد زعمهم لأبي بكر, فأخبره بأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يورثون, والأمر حقيقة يتعلق بأهل بيته عليهم السلام!!
مع العلم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أسر لابنته بوفاته, دون أبي بكر, وهو سر عظيم وخطير يتعلق بكل الأمة.
____________
(1)صحيح البخاري ج:4 ص248.
ويمكن أن يقال لأولياء أبي بكر: لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسم حريصا على منزلة أبي بكر بين الأمة لأخبر ابنته وأهل بيته وعشيرته وسائر المسلمين بأنه لا يورث, حتى لا يترك أبا بكر عرضة للنقض والتكذيب وهو قادر على فعل ذلك فيتركه؟!!
ومن هنا نعلم بأن رواية أبي بكر التي انفرد بها وزعم سماعها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مختلقة وغير صحيحة, وأن علوم وأسرار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلوم النبيين عليهم السلام وأسراهم عند أهل بيته الطاهرين عليهم السلام لا عند غيرهم .
41- فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله أعلم من أبي بكر
قلت: لا نريد أن نحتج بفضائل مولاتنا فاطمة بنت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وبأعلميتها على أبي بكر بن أبي قحافة, لأن ذلك يقتضي المقايسة بينه وبين آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وهو لا يرقي إلى أدنى مرتبة من مراتب المقايسة.
وقد يعترض بعض أوليائه علينا, ويقولون: لماذا؟؟
فنقول لهم: إن طبقة أهل البيت عليهم السلام أعلى من طبقة الصحابة بكثير, فأهل البيت عليهم السلام يشاركون الصاحبة في صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أعلى مراتب الصحبة.
وأما الصحابة رضي الله عنهم فأعظمهم لا يشارك أهل البيت عليهم السلام في أدنى مرتبة من مراتبهم كما سبق بيان ذلك, قال الله سبحانه وتعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى).
ومما تناقله أهل الشيعة وأهل السنة وأجمعت عليه الأمة ما هو مروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, من أن الله عز وجل (يغضب لغضب فاطمة ورضى لرضاها).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبي فمن آذاها فقد آذاني)(1).
وقد قال محمد عبد الروؤف المناوي وغيره من علماء أهل السنة: استدل به السهيلي على أن من سبها كفر لأنه يغضبه, وأنها أفضل من الشيخين(2)...
وقال ابن حجر العسقلاني: وفي الحديث تحريم أذى من يتأذى النبي صلى الله عليه وسلم بتأذيه لان أذى النبي صلى الله عليه وسلم حرام اتفاقا قليله وكثيرة وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذي فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فهو يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة هذا الخبر الصحيح ولا شيء أعظم في إدخال الأذى عليها(3)...
قلت: كل مؤمنين ينزه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أن يقول ذلك في ابنته عليها السلام من باب العاطفة كما سلف بيانه, وإنما قال فيها ذلك من باب كونه مأمور من قبل الله عز وجل, بيانا لمنزلتها العظيمة , فهي عليها السلام أحد أصحاب الكساء عليهم السلام, وأحد أفراد الثقل الثاني بعد الكتاب المجيد, وأم الأئمة الطاهرين عليهم السلام, وسيدة نساء المؤمنين, وسيدة نساء أهل الجنة, وسيدة نساء العالمين.
فمنزلتها في الإسلام خطيرة, وقدرها في الأمة رفيع وعظيم.
____________
(1)راجع فضائل فاطمة عليها السلام من هذا الكتاب. (2)فيض القدير شرح الجامع الصغير ج:4 ص554 فصل في المحلى بأل من هذا الحرف حرف الفاء: 5833 فاطمة عليها السلام. (3)فتح الباري شرح صحيح البخاري ج:9 ص270 كتاب: النكاح, باب: ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف.
وقد ورثت بدون شك علم أبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنص حديث الثقلين وغيره من النصوص.
وكون الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم يغضبا لغضبها, ويرضيا لرضاها, فإنه يدل على عصمتها, وعلى أعلميتها بالضرورة.
ففاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحكم تلك النصوص وهذا النص المطلق تكون دائما عالمة, وصادقة في قولها, وفي فعلها, وفي ما تدعيه, ومحقة في غضبها إذا غضبت, ومحقة في رضاها إذا رضيت.
لأن الرضى والغضب في الله عز وجل من فاطمة عليها السلام يستلزم العلم اليقيني, وكفاء به دليلا على كونها عليها السلام أعلم من أبي بكر, قال الله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
42- أمير المؤمنين علي عليه السلام اتهم أبا بكر وعمر
فقد أخرج البخاري, ومسلم, وأحمد وغيرهم عن كل من عكرمة بن خالد, وأيوب بن خالد, ومحمد بن عمر بن عطاء, والزهري وغيرهم, واللفظ للأول: عن مالك بن أوس بن الحدثان أنه أخبر: فيما أنا جالس عنده (عند عمر) أتاه حاجبه يرفا, فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد ابن أبي وقاص يستأذنون؟
قال: نعم, فأذن لهم فدخلوا فسلموا وجلسوا, جلس يرفا يسيرا, ثم قال: هل لك في علي وعباس؟ قال: نعم.
فأذن لهما فدخلا فسلما فجلسا, فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا, وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من بني النضير, فقال الرهط: عثمان وأصحابه يا أمير المؤمنين اقض بينهما, وأرح
أحدهما من الآخر, قال عمر: تيدكم أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض, هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) يريد رسول الله صلى الله عيه وسلم نفسه, قال الرهط: قد قال ذلك, فأقبل على علي وعباس, فقال: هل أنشدكما الله أتعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك؟
قالا: قد قال ذلك.
قال عمر: فإني أحدثكم عن هذا الأمر, إن الله قد كان خص لرسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحد غيره, ثم قرأ: فقال: (ما أفاء الله على رسوله منهم) إلى قوله: (قدير).
فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله ما اجتازها دونكم, ولا استأثر بها عليكم.
قد أعطاكموه وبثها فيكم, حتى بقي منها هذا المال, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال, ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله فعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك حياته, أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟
قالوا: نعم , ثم قال لعلي وعباس أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك؟
قال عمر: ثم توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبضها أبو بكر فعمل بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم, والله يعلم إنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق.
ثم توفى الله أبا بكر , فكنت أنا ولي أبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما عمل فيها أبو بكر والله يعلم إني فيها لصادق بار راشد تابع للحق.
ثم جئتماني تكلماني, وكلمتكما واحدة , وأمركما واحد, جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك, وجاءني هذا (يعني: عليا) يريد نصيب امرأته من أبيها, فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركنا صدقة, فلما بدا لي أن أدفعه إليكما, قلت: إن شئتما دفعتها إليكما, على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل فيها أبو بكر وبما عملت فيها منذ وليتها, فقلتما ادفعها إلينا, فبذلك دفعتها إليكما, فأنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟
قال الرهط: نعم, ثم أقبل على علي وعباس, فقال أنشدكما هل دفعتها إليكما بذلك, قالا: نعم.
قال فتلتمسان مني قضاء غير ذلك, فإن عجزتما عنها فادعاها إلي, فإني أكفيكماها(1).
43- المناقشة الأولى : لهذا الخبر
أقول: إن شارحي صحيحي البخاري ومسلم تحيروا في شرح هذا الخبر.
فمن جهة صحة سنده لا يشك فيه, ويكفي أن الشيخين أخرجاه بكل ارتياح, ولم يطعنا لا في السند, ولا في المتن, إلا أن بعض العلماء قد تلقاه بالغرابة, وهذا لا يجدي نفعا مع وثاقة رجاله.
وأما من حيث الدلالة, فقد ذهب المفسرون فيه مذاهب.
فتحوا على أنفسه بنقله والتعرض لمدلوله أبوابا عجزوا عن سد فراجيها, وكما قال القائل: من فيك أدينك.
____________
(1)فتح الباري شرح صحيح البخاري ج:6 ص236, باب: فرض الخمس ح3094 وج:12 ص9, كتاب: الفرض, باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا نورث, ما تركنا صدقة, ح6728, الطبعة الأولى: دار الشام للنشر والتوزيع سنة:1421هجرية.
وأما نقلت هذا الخبر, فلا نريد أن نستعجل في الحكم عليهم, ولا على مرادهم من وراء نقله.
فأن ذلك موكول للمنصفين أهل الذكاء والفطنة.
فالبخاري بطل أصحاب الصحاح قد حذف أهم قطعة في الخبر, وهي المفتاح في التعرف على مدلوله وما يحيط به, وأبقى منه ما يخدم هواه.
ففضحه مسلم بإخراجها في صحيحه, إلا أن مسلم, وبطريقته الخاصة نقل زيادة أخرى لإرباك مدله وغير ذلك.
ففرط البخاري بما حذفه, وأفرط مسلم بما أضافه.
والمقطوعة التي جحدها البخاري وأظهرها مسلم, فأن مسلم نقل الخبر بأكمله وزاد فيه بعد قول عمر: فلما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجئتا تطلب ميراثك من ابن أخيك, يطلب هذا ميراث امرأته من أبيها, فقال أبو بكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نورث ما تركنا صدقة) فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا, والله يعلم أنه لصادق بار راشد تابع للحق, ثم توفى أبو بكر وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر, فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا والله يعلم إني لصادق بار راشد تابع للحق فوليتها ثم جئتني أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فقلتما أدفعها إلينا... إلى آخر الخبر(1).
ومن قرأ سياق هذا الخبر وتتبع جميع صوره, في جميع الكتب التي أخرجته, يجد بأن الذين أخرجوه قد تصرفوا فيه تصرفا جدا عجيبا, ملفت للانتباه.
____________
(1)صحيح مسلم ج:5 ص151, وأخرجه الترمذي في سننه ج:3 ص82 بعد أن أسقط ما أسقط منه قال: وفي الحديث قصة طويلة, هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث مالك بن أنس, وقد أخرجه أيضا البيهقي في سننه بمثل مسلم وذكر القطعة التي أسقطها البخاري وهي: فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا, والسنن الكبرى ج:7 ص298 و299, وغيرها من المصادر المعتبرة عند أهل السنة الجماعة.