كما أن الأصوليين يستندون في حجية أخبار الآحاد إلى روايات مستفيضة مفادها مثل أن السائل يسأل الإمام (عليه السلام) فلان ثقة آخذ عنه معالم ديني؟ فيجيب الامام (عليه السلام) بالايجاب.
واخذ معالم الدين شامل للفروع والاصول.
اما بالنسبة لحجية الظواهر:
فقد اشار الكثير إلى ان حجية الظواهر ليس امرا متنازعاً فيه، وهذا يعني ان الدليل على حجيتها هو القطع بتقريب ان الشارع لم ترد له طريقة أخرى في التعامل مع المكلفين غير الطريقة القائمة فيما بينهم وهو الاعتماد على الظواهر. وأن كثيراً من المعارف الالهية وتفاصيلها قد ورد في القرآن الكريم ولم تكن للشارع في تفهيم القرآن طريقة غير طريقة أهل المحاورة فهذا يثبت حجية الظواهر في المعارف أيضا.
وقبل ان نختم البحث في هذه المقدمة نشير إلى نكات مهمة:-
1 ـ ان هذه المقدمة والتي تليها تبرز أهمية ان البصيرة في هذه المباحث توجب حصول بصيرة في كثير من المجالات والعديد من المخاصمات في تفاصيل الاعتقادات.
2 ـ من المقرر في علم الاصول ان حجية خبر الواحد والظواهر منوطة بالفحص عن المعارض، والأمر هنا كذلك بل الفحص عن المعارض في تفاصيل الاعتقادات يكون أشد واخطر واهم لكثرة القرائن المنفصلة في هذا الباب ومنها
3 ـ ان الاحكام الشرعية الواردة في التفاصيل حكمها على وزان الفروع فما كان منها ضروري فإن عدم الايمان به وردّه حكمه حكم الارتداد، وغيره قد يوجب الفسق في حالة التقصير.
المقدمة الثانية
ونتناول فيها البحث حول الميزان واصول الادلة في علم العقائد.
ونستعرض فيها العلاقة القائمة بين العلوم وما يرتبط منها في بحث العقائد.
فما هي اصول العقائد؟
يطلق الاصل على معان عدة فقد يطلق ويراد به الاساس للشيء، وتارة يطلق ويراد به ما هو السبب للمسبب. وفي الاصطلاح عندما يطلق على ما يعتبر اصلا لعلم اخر فانه يقصد به العلم الذي يتكفل ايضاح منهجية علم آخر وتهيئة قواعد لا تدخل نفسها كمواد في قياس ذلك العلم. ومن هنا تفترق القواعد الفقهية عن القواعد الاصولية بالنسبة لعلم الفقه فإن القاعدة الفقهية بنفسها تدخل في استنباط الحكم الشرعي فيستفاد منها في باب التطبيق، بينما القاعدة الاصولية لا تحضر بنفسها في الفقة بل هي تحدد المنهج الذي يجب اتباعه في الاستنباط.
وبالنسبة للعقائد يمكن القول ان القواعد العامة التي تذكر في علم الكلام أو الفلسفة يتم تطبيقها في الالهيات فتكون من قبيل القواعد الفقهية، ويمكن التعبير عن التطبيق بالقول "ان المحمول بنفسه يأتي في النتيجة".
وعلى كل ففي اصطلاح أهل الفن يطلق الاصل ويراد به احد هذين المعنيين.
والغرض هنا هو البحث حول اطلاق اصول ادلة العقائد
والجواب عن هذا التساؤل:
1 ـ إنه اذا اطلق الاصل هنا واُريد المعنى الأول فالعلم الباحث عن منهجية الاستدلال في العقائد هو علم اُصول الفقة.
والسر في ذلك اننا ذكرنا فيما سبق ان المقصود بالاحكام الشرعية لا يخص الفرعية (عبادات ومعاملات) بل يعم ويشمل العقائد اُصولا وتفاصيلا طبقا للتصوير السابق ذكره. وعلم اصول الفقة هو الباحث عن معيار الحجة في استنباط الاحكام الشرعية وبالتالي يتدخل في العقائد. ويشهد لذلك ان المتكلمين "حتى ان القيصري في مقدمات شرح الفصوص بحث مفصلاً بالملائمة بين الكتاب والسنة والكشف. وهو بحث اصولي محض" عندما يتطرقون في بعض مسائلهم إلى كيفية الاحتجاج لحجة معينة يستعينون بما تم تصويره وتحريره في علم الاصول. بل ان صدر المتألهين مبتكر الحكمة المتعالية كثيرا ما يتعرض لمنهجة الملائمة بين الوحي والعقل ومتى يقدم كل واحد منها وما هو مدى كل منها.
أصول الفقه والمنطق: من الضروري جداً بيان الفارق بين العلمين وأن لا تعارض بينهما، ولا يكون علم الاصول بديلاً عنه بل يظل علم المنطق هو الباحث عن حجية الادلة العقلية فقط ويعتبر اصولا للفلسفة ويمكن التمييز بينهما.
أ ـ ان علم الاصول يبحث عن منهجة المعارف القلبية.
ب ـ إن في علم المنطق لا يبحث عن اساس حجية الدليل العقلي من حيث المواد وإنما يوصلها إلى البداهة أو اليقين، بينما يبحث عنه في علم الاصول.
ج ـ في المنطق لايبحث إلا عن الدليل العقلي بينما في الاصول يبحث عن الملائمة بين العقل والنقل والكشف.
فعلم الأصول له دخالة في كل معرفة دينية وعملية استنباط يسعى اليها الإنسان لاستكشاف المجهول.
ـ ثم اننا عندما نذكر تقدم علم على آخر لا نلتزم بذلك مطلقا، بل نقول أن من المتسالم عليه هو قاعدة التعاون بين العلوم فقد يكون علم مقدما على آخر من حيثية، ويكون العلم الثاني مقدما على الأول من حيثية اُخرى.
2 ـ وان اريد بالاصول القواعد الفقهية وهو المعنى الثاني فيعتبر علم الفلسفة هو اصول العقائد - هكذا قيل -.
لكن الصحيح ان جميع القواعد العامة التي حررت في علم الكلام، وفي مقدمات التفسير، وروايات المعارف والبحث فيه كلها تكون اصلا لعلم العقائد.
ومن هنا نشأت مدارس مختلفة في ارساء وتحرير القواعد العامة التي يحتاج اليها الباحث في علم العقائد. وهي عديدة:-
منها مدرسة المشائين: والتي اعتمدت العقل كأساس لتفسير العقائد والايمان بها ولا يوجد منبعا آخر لا نقلا ولا كشفا، واساس هذه المدرسة الفلسفة اليونانية وتبناها منهم ارسطو.
ومنها مدرسة الاشراقيين: وهي أيضا متأثرة بالفلسفة اليونانية والتي ترى ان نيل المعارف الربوبية يكون عن طريق الاشراق والكشف الذي يتنزل إلى العقل. وبهذا تتميز هذه المدرسة عن المدرسة العرفانية اذ لاتشترط ان تتنزل المعارف القلبية على العقل، بينما تشترطه الأولى واشتهر قول شيخ الاشراق لولا العقل والقلب لما
ومنها المدرسة العرفانية: والتي ترى عجز العقل عن الوصول إلى المعارف العالية تماماً بل يصل الإنسان إلى المعارف عن طريق المجاهدات وتصفية القلب، فينجلي امامه المجهول وتنكشف امامه الحقائق.
ومنها مدرسة المتكلمين: الذين حاولوا الربط بين العقل والنقل، لكنه يركز فيه على ما ورد في الشريعة ويحاول بعدئذ اقامة الدليل العقلي عليه، ويحرص على موافقة الحكم المستنتج من العقل لما عليه الشرع.
ومنها مدرسة الحكمة المتعالية: وهي قمة ما وصل اليه متأخرو الفلاسفة وقد ظهرت من تحقيقات صدر المتألهين الذي حاول الجمع بين المدارس المختلفة لتظهر خلاصة تحقيقات المتقدمين، فوافق بين العقل والعرفان وجعل محورهما هو الوحي وحاول الملائمة بينها.
ومنها مدرسة المفسرين: حيث انها ترجع إلى ظواهر القرآن لاستلهام مجموعة من القواعد في المعارف الالهية.
ومنها مدرسة التفكيك: والتي ظهرت على يد الميرزا مهدي الأصفهاني حيث قامت بالتفكيك بين العقل المحدود والعقل اللامحدود وهو الوحي والاعتماد اساساً على القرآن.
ومنها مدرسة المحدثين: وهذه استقت معارفها الالهية من الاحاديث والروايات فحرروا مسائل كثيرة لم تذكرها المدارس السابقة وقد برز منها المجلسيان وصاحب الوسائل(قدس سرهما)وصاحب تفسير البرهان...
فهذه المدارس كلها وغيرها مما ظهر وانتشر كان هدفها ابتكار ارفع الأساليب وأسلم المناهج للوصول إلى المعارف الإلهية.
ولا يمكن القول بالاقتصار على لغة مدرسة منها والاكتفاء بها بل كل مدرسة
المبحث الأول
حجية الكتاب الكريم
من بديهيات الفكر الإسلامي حجية الكتاب وأنّه المعجزة الخالدة وخاتم الرسالات الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقد أسهب الاصوليون في هذا البحث ورد الشبهات ومناقشة الاخباريين وغيرهم ممن فصل في حجيته فلا نعيد الكلام فيه وانما نتعرض إلى نقطتين:
1 ـ نظرية تفسير القرآن بالقران والتي نادى بها العامة وبعض الخاصة، وآخرهم العلامة الطباطبائي.
2 ـ كيفية الملائمة بين حجية الكتاب والسنة والعقل.
اما النقطة الاولى: تفسير القرآن بالقران..
وتعتبر هذه النظرية في الطرف المقابل لنظرية المحدثين والتي تقضي بعدم امكان التفيسر إلا بالرجوع إلى الروايات والاحاديث.
اما العلامة الطباطبائي فانه يرى ان القرآن فيه بيان كل شيء، وفي تفسير كل آية يجب الرجوع إلى الآيات الأخرى التي توضح المراد والمقصود، فمثلا قوله تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(1) يشتبه المراد من كيفية الاستواء لكن اذا رجع إلى قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(2) علم ان المراد من الاستواء هو التسلط
____________
1- طه 5.
2- الشورى 11.
ولم يكن العلامة في نظريته منفرداً بل متبعاً لطريقة أهل البيت:فإنهم قلما يفسرون آية من دون ذكر اية أخرى توضح المراد منها. وكأنهم يرشدون أتباعهم إلى كيفية تفسير القرآن والتدبر في آياته بالاستفادة من الآيات الأخرى في تفسير ما اُبهم من المعاني.
ويضيف أن ما ورد في تقسيم آيات القرآن إلى المحكمات والمتشابهات لا يعني أن الاية في نفسها مبهمة ولا يتضح منها معنى البتة، بل ان التشابه هو بلحاظ فهم السامع والقارىء وتردده بين معنى وآخر بحيث لايتعين المراد منها إلا بالرجوع إلى آية محكمة والتي هي بمنزلة الأصل الواجب الرجوع اليه عند تردد المعاني في المتشابهات.
وحصول التشابه لدى السامع او القارئ امر طبيعي، ومرجعه اُنس الإنسان بالامثلة المادية المحسوسة فيحمل الالفاظ لا على معانيها بحدها الماهوي بل يخلط بها المصداق المألوف لديه فيختلط عليه المراد، اما اذا التفت إلى أن الألفاظ موضوعة لروح المعاني دون النظر إلى المصاديق التي هي عرضة للتبدل والتغير، ارتفع لديه الاختلاط، فمثلا السجود موضوع لمنتهى الخضوع والخشوع وليس موضوعا للهيئة الخاصة المتداولة وعندها يمكن فهم امر الحق تعالى ملائكته بالسجود لادم.
وقد يشكل عليه بأن هذه الطريقة من التفسير هي ضرب القرآن بعضه ببعض، وقد نُهي عنها صراحة في قول الصادق (عليه السلام) ما ضرب رجل من القرآن بعضه ببعض
ويجيب عن ذلك بأن المقصود بالضرب هو التفسير بالرأي الذي يؤدي إلى اختلاط الآيات بعضها ببعض ببطلان ترتيبها ودفع مقاصد بعضها ببعض.
ويستدل العلامة على نظريته بأدلة وشواهد عدة:
منها: ان القرآن وُصف بأوصاف متعددة منها إنه نور، وهدى، ومبين، وفرقان، وان فيه بيان لكل شيء وهذه كلها تدل على عدم اغلاقه وإنه لا يحتاج إلى مفسر خارج عنه.
ومنها: أن القرآن هو المعجزة الخالدة التي تحدى به الرسول (صلى الله عليه وآله) كافة الناس ان يأتوا بسورة أو آية مثله، ومقتضى التحدي كونه واضحاً غير مبهم فهو يبين نفسه بنفسه.
ومنها: وردت روايات عديدة ترشد إلى كيفية تمييز الحجة عن اللاحجة من الروايات بالعرض على كتاب الله، فهذا يعني ان في كتاب الله البرهان الواضح والمفاهيم الساطعة التي يمكن فهمها وعرض الروايات عليها.
ومنها: قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}(2) تدل على امكانية نيل المعارف القرآنية وأنه لا معنى لارجاع ذلك إلى بيان السنة لان ما بَيّنه إما أن يكون معنى يوافق ظاهر الكلام أو ان يكون معنى لا يوافق الظاهر، فإن كان الأول فهو مما يؤدي اليه اللفظ ويمكن التوصل اليه ولو بعد التدبر، وإن كان الثاني فهو مما لا يلائم التحدي.
ومنها: ما ورد من الروايات التي كالنص في ذلك كرواية الباقر (عليه السلام) فمن زعم ان
____________
1- بحار الأنوار 92: 39 / ح 1.
2- النساء 4: 82.
ومنها: ما ذكره في حاشيته على الكفاية.
- ان حجية السنة منبثقة عن حجية الكتاب فبينهما طولية حيث قد ورد في القرآن حجية السنة {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ...}(2){وَلَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}(3).
ـ ويرى ان قوله: {إِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيم حَمِيد}(4): يعني أنه لا يبطله شيء وبالتالي لا ينسخ القرآن إلا بالقران أما ما اتفق عليه العامة والخاصة من امكانية النسخ بالسنة القطعية فمدفوع بهذه الاية.
تقييم نظرية العلامة:-
إن أصل ما ذكره العلامة متين ونوافقه عليه، لكن النتائج التي رتبها على ذلك من استقلال الإنسان في تفسير القرآن بالقرآن بعد معرفة طريقة أهل البيت هذا غير صحيح، حتى أنه رضوان الله عليه لم يتبع ذلك في تفسيره.
وما ندعيه هو أننا دائما في تفسيرنا للقرآن نحتاج إلى الرجوع إلى السنة الشريفة، لأن المعصوم هو القيّم والحافظ للقران بدليل حديث الثقلين(5)، والرجوع اليهم لا يعني نقصاً أو تقليلا من حجية القرآن، فلقد قُرر في علم الاصول
____________
1- بحار الأنوار 92: 90 / 34.
2- الحشر 59: 7.
3- الاحزاب 33: 25.
4- فصلت 41: 42.
5- وسوف يأتي مزيد تفصيل في الفصل الثالث عند البحث في فقه الحديث.
ولتقريب الفكرة نضرب مثالاً في علم الرياضيات ; حيث أنه من العلوم المستقلة التي لا تعتمد على علوم أخرى، ويحتوي على بديهات ونظريات ومعادلات، لكن هل الجميع على حد سواء في هذا العلم؟ بالطبع لا، فالأفهام تتفاوت والعقول تختلف ودرجات الادراك ليست على حد سواء، فيحتاج إلى قيّم وحافظ يدرك كل شيء ولا تستعصي عليه مسألة ولا يكون هذا القيم إلا من اتصل بعالم الغيب ونهل معرفته من العقل المحيط، كما نرى في أجوبة مسائل امير المؤمنين في باب الارث.
وعليه فإنا نقول إن الافهام بما انها متفاوتة في فهم القرآن واستظهار معانيه لذلك يحتاج إلى قيّم وحافظ، فهمُه محيط بكل معاني القرآن فيُسترشد بفهمه دائما واما ما استدل به العلامة:-
من الدعوة إلى التدبر الواردة في القرآن فيجاب عليها: بأن التدبر المشروط لا ينافي التدبر، والشرط هو الاسترشاد بروايات أهل بيت العصمة، بل ان العلامة كما ينقل من سيرته لم يبدأ التفسير حتى قرأ بحار الأنوار قراءة دقيقة بتفحص ثم بدأ في تفسير القرآن وما ذاك إلا من أجل مراعاة خط أهل البيت وفهمهم في تفسير القرآن.
نعم الدعوة إلى التدبر تقع في قبال السلب الكلي الذي ادعاه الاخباريون من عدم امكانية فهم القرآن إلا من خلال الروايات.
واما الاعجاز والتحدي فهو ممكن لكنه غير مشروط بأن يصل فهم الكافرين إلى كل بطون وأسرار القرآن بل مع الفهم البسيط إلى بعض أسرار القرآن وعجزهم
وما ذكره من أن جميع الحجج منبثقة من الكتاب أمر لا ينكر لكنه لا يعني انحصار حجية السنة بالكتاب، وذلك لأن المعجزات الاخرى للرسول (صلى الله عليه وآله) تثبت رسالته وحجيته كما هو الحال في بدء الدعوة، بل إن في بعض الآيات ما يشير إلى حجية الكتاب وصدق ما أنزل بتوسط صفات النبي (صلى الله عليه وآله) من الصدق والإمانة {..أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنِكِرُونَ..}(1){..فَقَدْ لَبِثْتُ فُيكُمْ عُمُراً..}(2)، وكذلك حجية كلام الائمة (عليهم السلام) يعلم بمعجزاتهم وبليغ خطابهم واخبارهم عما هو مجهول في ذلك العصر، وإلى قرون متمادية لاحقة.
أما ما ذكره من روايات عرض السنة على الكتاب، فقد تقرر في علم الأصول بان السنة بعضها قطعي ولا معنى للعرض، اما الخبر الظني الصحيح فمعنى عرضه هو عدم مباينته للكتاب وليس المراد الموافقة التفصيلية وكذلك يعرض على السنة القطعية.
واما حديث النسخ وامتناعه فهو غريب منه لأن القرآن قد صرح بصدق الرسول وحجية خبره فما المانع من النسخ.
ونورد عليه نقضا بأن القائلين بهذه النظرية متعددون من العامة والخاصة، ومع ذلك لا نراهم يتفقون في تفسير الايات، وهذا الاختلاف إما راجع إلى الخطأ في
____________
1- المؤمنون 23: 69.
2- يونس 10: 16.
وقد أرشد القرآن الكريم إلى حَفَظَته بقوله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ}(1) فهم الحافظون للكتاب المطلعون على أسراره وبدونهم لا يمكن الاهتداء إلى بطونه ولا يمكن التدبر في آياته.
تنبيه:- يجب التفرقة بين طائفتين من الروايات احداهما هي الروايات المبينة لتفسير الآيات فمعها لا يمكن الاعتماد على الظاهر القراني، والاخرى هي الروايات المتعرضة للتأويل التي لا تمنع من حجية الظاهر بل يبقى الظهور على حجيته.
النقطة الثانية: في الملائمة بين الحجج وقد ذكرت في ذلك نظريات متعددة، والذي نراه أن الكتاب والسنة والعقل حجج متكافلة متضامنة فيما بينها تشير جميعها إلى حقائق واحدة، ويجب الرجوع في كل منها إلى المحكم منها لا المتشابه، ويجب الابتداء بالعقل لأن اليه ترجع كل الحجج وليكون هو الاساس. والاسترشاد بالادلة الواردة في القرآن الكريم في باب التوحيد. والسر في ذلك ان العقل مع كونه هو المبدأ في حركة الارادة إلا إنه ليس بالعقل المحيط ولا المرتبط بالوحي، فيجب حتى يأمن الخطأ ويسير في الجادة الصحيحة أن يرتبط بالوحي وهو على نحوين احدهما القرآن الكريم والاخر هو السنة النبوية والمعصومة.
وسوف يأتي مزيد بيان لهذه النقطة.
____________
1- العنكبوت 29: 49.