ليلة القدر
في روايات أهل سنّة الخلافة
دوام ليلة القدر في كلّ عام إلى يوم القيامة:
1 ـ فقد روى عبد الرزّاق الصنعاني في (المصنّف)، بسنده عن مولى معاوية، قال: (قلت لأبي هريرة: زعموا أنّ ليلة القدر قد رُفعت، قال: كذّب من قال كذلك، قلت: فهي كلّ شهر رمضان استقبله؟ قال: نعم.. الحديث)(1)، ورواه عنه بطريق آخر(2)، ورواه كنز العمّال أيضاً(3).
2 ـ وروى عبد الرزّاق الصنعاني في المصنّف بسنده عن ابن عبّاس، قال: "ليلة في كلّ رمضان يأتي، قال: وحدّثني يزيد بن عبدالله بن الهاد: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) سُئِل عن ليلة القدر، فقيل له: كانت مع النبيّين ثم رُفعت حين قُبضوا، أو هي في كلّ سنة؟ قال: بل
____________
1- المصنّف 3 / 216 ح 5586.
2- المصنّف 4 / 255 ح 7707.
3- كنز العمّال 8 / 634 ح 24490.
3 ـ وروي عن ابن جرير، قال: "حُدّثت: أنّ شيخاً من أهل المدينة سأل أباذر بمنى، فقال: رُفعت ليلة القدر أم هي في كلّ رمضان؟ فقال أبوذر: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقلت: يا رسول الله رُفعت ليلة القدر؟ قال: بل هي كلّ رمضان"(2).
4 ـ وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف في باب ليلة القدر، بسنده إلى ابن أبي مرثد عن أبيه، قال: "كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: كان أسأل الناس عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء فإذا ذهبوا رُفعت؟ قال: لا ولكن تكون إلى يوم القيامة"(3).
5 ـ أخرج السيوطي في الدرّ المنثور: "عن محمّد بن نصر، عن سعيد بن المسيب أنّه سُئل عن ليلة القدر، أهي شيء كان فذهب، أم هي في كلّ عام؟ فقال: بل هي لأُمّة محمّد ما بقي منهم اثنان"(4).
أقول وفي هذه الرواية وإن كانت مقطوعة دلالة على أن لو بقي في الأرض رجلٌ واحد لكان الثاني هو الحجّة وخليفة الله في الأرض، الذي تنزّل عليه ليلة القدر بمقادير الأُمور، وأنّ ليلة القدر هي من حقائق وخصائص روح الحجّة في الأرض.
6 ـ وروى الطبري بسنده عن ربيعة بن كلثوم، قال: "قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي؟ قال: نعم، والله الذي لا إله إلاّ هو أنّها لفي كلّ رمضان، وأنّها ليلة القدر فيها يُفرق كلّ أمر حكيم، فيها يقضي الله كلّ أجل وعمل ورزق
____________
1- المصنّف 4 / 255 ح 7708.
2- المصنّف 4 / 255 ح 7709، وأخرجه هق 4 / 307، والطحاوي 2 / 50.
3- المصنّف لابن أبي شيبة 2 / 394 ح 5 باب 341.
4- الدرّ المنثور 6 / 371 في ذيل سورة القدر.
النزول في ليلة القدر وحي للأنبياء، واستمراره بعد الأنبياء:
قال ابن خزيمة في صحيحه(2): باب ذكر أبواب ليلة القدر والتأليف بين الأخبار المأثورة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فيها ما يحسب كثيراً من حملة العلم ممّن لا يفهم صناعة العلم أنّها متهاترة متنافية وليس كذلك، هي عندنا بحمد الله ونعمته، بل هي مختلفة الألفاظ متّفقة المعنى على ما سأبيّنه إن شاء الله.
قال أيضاً: باب ذكر دوام ليلة القدر في كلّ رمضان إلى قيام الساعة، ونفي انقطاعها بنفي الأنبياء.
7 ـ وروى بسنده إلى أبي مرثد، قال: "قال: لقينا أباذر وهو عند الجمرة الوسطى فسألته عن ليلة القدر، فقال: ما كان أحد بأسأل لها منّي، قلت: يارسول الله ليلة القدر أُنزلت على الأنبياء بوحي إليهم فيها ثمّ ترجع؟ فقال: بل هي إلى يوم القيامة.. الحديث"(3)، ورواه بطريق آخر أيضا في باب أنّ ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان(4).
8 ـ وروى النسائي، والقسطلاني، والهيثمي، وابن حجر في فتح الباري، وابن كثير في تفسيره حديث أبي ذر في ليلة القدر قال: "يا رسول الله أتكون مع الأنبياء فإذا ماتوا رُفعت؟ قال: بل هي باقية".
____________
1- جامع البيان 25 / 139 ح 24000.
2- صحيح ابن خزيمة 3 / 320.
3- صحيح ابن خزيمة 3 / 320.
4- صحيح ابن خزيمة 3 / 321.
10 ـ وفي صحيح ابن حبان، قال في باب ذكر البيان بأنّ ليلة القدر تكون في العشر الأواخر كلّ سنة إلى أن تقوم الساعة، ثمّ روى بسند متّصل رواية أبي ذر المتقّدمة واللفظ فيها.. "تكون في زمان الأنبياء ينزل عليهم الوحي، فإذا قُبضوا رُفعت؟ فقال (صلى الله عليه وآله): بل هي إلى يوم القيامة"(2).
وروى البيهقي في فضائل الأوقات رواية أبي ذر المتقدّمة بإسناده(3)، وقال قبل تلك الرواية: وليلة القدر التي ورد القرآن بفضيلتها إلى يوم القيامة وهي في كلّ رمضان... ثمّ نقل الخبر المزبور. وروى الهيثمي في موارد الظمآن رواية أبي ذر بسنده(4).
11 ـ وروى أحمد بن محمّد بن سلمة في معاني الآثار، في باب الرجل يقول لامرأته أنت طالق ليلة القدر، متى يقع الطلاق؟ بسنده إلى سعيد بن جبير عن ابن عمر، قال: "سُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أسمع عن ليلة القدر؟ فقال: في كلّ رمضان". ففي هذا الحديث أنّها في كلّ رمضان، فقال قوم هذا دليل على أنّها تكون في أوّله وفي وسطه، كما قد تكون في آخره. وقد يحتمل قوله (صلى الله عليه وآله) في كلّ رمضان هذا المعنى،
____________
1- شرح معاني الآثار 3 / 85.
2- صحيح ابن حيان 8 / 438.
3- البيهقي: 219.
4- موارد الظمآن: 231.
أقول: هذه الروايات عند العامّة مطابقة لما يأتي من الروايات عند أهل البيت (عليهم السلام)، من عدّة وجوه، أهمّها:
أوّلاً: ليلة القدر كانت من لَدُن آدم (عليه السلام)، واستمرّت إلى النبيّ الخاتم (صلى الله عليه وآله)، وهي مستمرّة إلى يوم القيامة نزولاً على خلفاء النبيّ الاثني عشر.
وثانياً: إنّ هذا الروح النازل في ليلة القدر هو قناة ارتباط الأنبياء والأوصياء مع الغيب.
وثالثاً: ممّا يدلّل على عموم الخلافة الإلهية: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَْرْضِ خَلِيفَةً}(2) من لدن آدم وفي أوصياء كلّ نبيّ حتّى أوصياء النبيّ الخاتم، وأنّ هذه السفارة الإلهية لم تزل متّصلة ما استمرّ بنو آدم في العيش على الأرض.
استمرار نزول باطن القرآن في ليلة القدر إلى يوم القيامة:
12 ـ وروى الطبراني في المعجم الكبير بسنده: (حدّثنا أحمد بن رشدين، ثنا أبوصالح الحراني سنة ثلاثة وعشرين ومئتين، حدّثنا حيان بن عبيدالله بن زهير المصري أبو زهير منذ ستّين سنة، قال: سألت الضحاك بن مزاحم عن قوله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَة فِي الاَْرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَاب مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(3)، وعن قوله: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(4)، وعن قوله: {إِنَا
____________
1- شرح معاني الحديث 3 / 84.
2- سورة البقرة 2: 30.
3- سورة الحديد 57: 22.
4- سورة الجاثية 45: 29.
أقول: في تفسير ابن عبّاس لهذه الآيات عدّة أُمور:
الأوّل: كلّ ما كان وما يكون وما هو كائن فهو مستطرّ مكتوب في الكتاب المكنون، الذي هو الوجود الغيبي للقرآن الكريم.
والثاني: إنّه يتنزّل منه ليلة القدر ما يتعلّق بكلّ سنة، وهذا يقتضي احتواء القرآن الكريم، وكذا ما ينزل منه ليلة القدر لكلّ تقدير في الخلق، وقدر كلّ كائن وتكوين.
والثالث: إنّ ما يتنزّل ليلة في كلّ عام هو ما وراء لفظ التنزيل، فلا تقتصر حقيقة القرآن وباطنه وتأويله على ظاهر لفظ المصحف.
والرابع: إنّ عشية كلّ خميس أي ليلة الجمعة هناك معارضة الكتبة الحفظة على العباد من أعمال، وبين ما نزل من الكتاب المكنون من القرآن في ليلة القدر.
____________
1- سورة القمر 54: 49.
2- المعجم الكبير للطبراني 10 / 247 ح 10595.
فيتحصّل من كلامه:
الخامس: اشتمال القرآن لكلّ علم وجميع العلوم.
السادس: إنّ ما ينزل في ليلة القدر من كلّ عام إلى يوم القيامة هو من باطن القرآن.
السابع: فباطن القرآن لا زال يتنزّل في كلّ عام إلى يوم القيامة، وقد ذُكر كلّ ذلك في روايات أهل البيت (عليهم السلام).
الثامن: إنّه يتمّ معارضة أي مطابقة ما ينزل منه ليلة القدر في كلّ أُسبوع، كما قد حصل للنبيّ (صلى الله عليه وآله) معارضة ظاهرة التنزيل كلّ عام مع جبرئيل (عليه السلام).
13 ـ وروى البيهقي في فضائل الأوقات بسند متّصل إلى أبي نظير، قال: يفرّق أمر السنة كلّها في ليلة القدر، بلائها ورخائها ومعاشها إلى مثلها من السنة(1).
تباين حقيقة النازل من القرآن في المرتين
تكرّر نزول جملة القرآن مرّتين بل أكثر إلى يوم القيامة:
14 ـ روى الطبراني في المعجم الكبير، بسند متّصل إلى ابن عبّاس في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، قال: أُنزل القرآن جملة واحدة حتّى وضع في
____________
1- فضائل الأوقات للبيهقي: 219.
15 ـ وروى ابن أبي شيبة الكوفي في المصنّف في باب القرآن متى نزل، بسند متّصل عن ابن عبّاس في قوله {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}، قال: رفع إلى جبرئيل في ليلة القدر جملة، فرفع إلى بيت العزّة، جعل ينزل تنزيلاً(2).
16 ـ وروى النسائي في السنن الكبرى بسند متّصل عن ابن عبّاس، قال: نزل القرآن في رمضان في ليلة القدر إلى السماء الدنيا، فكان إذا أراد الله أن يحدث شيئاً نزل، فكان بين أوّله إلى آخره عشرين.
وروى مثله بخمسة طرق أُخرى كلّها عن ابن عبّاس، وزاد في بعضها، قال: {وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَل إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}(3)، وقرأ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْث وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً}(4).
وفي طريق آخر منها زاد، وذلك {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}(5).(6)
17 ـ وروى الطبراني في المعجم الأوسط، قال: روي نزول القرآن في ليلة القدر في شهر رمضان إلى السماء الدنيا جملة ثمّ أُنزل نجوماً، ورواه بطرق أُخرى متعدّدة(7).
____________
1- المعجم الكبير 12 / 26.
2- المصنّف لأبي شيبة الكوفي 75 / 191 ح 4 الباب 46.
3- سورة الفرقان 25: 33.
4- سورة الإسراء 17: 106.
5- سورة الواقعة 56: 75.
6- السنن الكبرى للنسائي 5/6 ح 7989 وح 7990 وح 7991 وح 11372 وح 11565 وح 11689.
7- المعجم الأوسط للطبراني 2/231 وفي المعجم الكبير 11/247 و 31، و 12/26.
ومن ذلك يُعلم الاختلاف النوعي في حقيقة التنزيلين، وأنّ النوعية الأُولى من النزول وهي نزول القرآن جملة ـ هو المستمرّ في ليلة القدر إلى يوم القيامة، وهو يرتبط بتأويل الكتاب، وتقدير كلّ شيء يقع من المقادير في الخلق.
نزول القرآن ليلة القدر على آل محمّد عوض غصب الخلافة:
18 ـ وروى البيهقي في كتاب فضائل الأوقات بسند متّصل إلى يوسف بن مازن، قال: "قام رجل إلى الحسن بن عليّ (رضي الله عنه) فقال: يا مسوّد وجه المؤمنين. قال الحسن بن عليّ (رضي الله عنه): لا تؤنّبني رحمك الله; فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد رأى بني أُميّة يخطبون على منبره رجلاً فرجلاً فساءه ذلك، فنزلت {إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ}(2) نهر في الجنّة، ونزلت {إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر}(3) تملكه
____________
1- سورة النحل 16: 2.
2- سورة الكوثر 108: 1.
3- سورة القدر 97: 1 - 3.
19 ـ وروى ابن أبي الحديد، قال: "وقد جاء في الأخبار الشائعة المستفيضة في كتب المحدّثين، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أُخبر أنّ بني أُمية تملك الخلافة بعده مع ذمّ منه (صلى الله عليه وآله) لهم. نحو ما روي عنه في تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}(2)، فإنّ المفسّرين قالوا: إنّه رأى بني أُمية ينزون على منبره نزو القردة، هذا لفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي فسّر لهم الآية به، فساءه ذلك، ثمّ قال: الشجرة الملعونة بني أُمية وبني المغيرة. ونحوه قوله (صلى الله عليه وآله): إذا بلغ بنو العاص ثلاثون رجلاً اتّخذوا مال الله دولاً وعباده خولاً. ونحوه قوله (صلى الله عليه وآله) في تفسير قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر}(3) قال: ألف شهر يملك بها بنو أُمية". وورد عنه (صلى الله عليه وآله) في ذمّهم الكثير المشهور نحوه.. وروى المدائني عن دخول سفيان بن أبي ليلى النهدي، رواية عن الحسن بن عليّ (عليه السلام) في تفسير الآية، وهي التي قد تقدّم ذكرها(4).
20 ـ وروى الطبري في سورة القدر بسنده المتّصل عن عيسى بن مازن، قال: "قلت للحسن بن عليّ (رضي الله عنه): يا مسوّد وجوه المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل فبايعت له يعني معاوية بن أبي سفيان فقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أُري في منامه بني أُمية يعلون منبره خليفة خليفة فشقّ ذلك عليه، فأنزل الله: {إنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ}، و {إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر}، يعني ملك بني أُمية". قال القاسم: حسبنا ملك بني أُمية فإذا هو ألف شهر".
21 ـ وروى الترمذي في سننه، والحاكم بسند متّصل إلى الحسن بن عليّ (عليه السلام):
____________
1- كتاب فضائل الأوقات: 211.
2- سورة الاسراء 17: 60.
3- سورة القدر 97: 3.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 9 / 219.
ورواه السيوطي في الدرّ المنثور عن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من رواية يوسف بن سعد، وأخرج الخطيب عن ابن عبّاس نحوه، وكذا عن ابن نسيب، عنه (صلى الله عليه وآله): "أُريت بني أُمية يصعدون منبري فشقّ ذلك عليّ، فاُنزلت {إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ".
أقول: ومقتضى هذه الروايات أنّ الله تعالى قد عوّض النبيّ وأهل بيته عن غصب الخلافة الظاهرية بإعطائهم ليلة القدر، أن تكون معهم كما كانت مع الأنبياء السابقين; إذ مقتضى جواب الإمام الحسن بن عليّ (عليه السلام) عن غصب معاوية الخلافة منه، هو أنّ الله تعالى قد عوّض النبيّ وأهل بيته أصحاب الكساء والأئمّة الاثني عشر سلام الله عليهم بنزول الروح عليهم والملائكة في ليلة القدر ينبّئونهم بكلّ أمر، وإلاّ لما صحّ جواب الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) في قبال اعتراض السائل، بل ولما كان تعويض للنبيّ (صلى الله عليه وآله)، فإنّ مساءة النبيّ من نزو بني أُمية على خلافته وغصبهم لها ليس في زمانه، وإنّما بعد رحيله (صلى الله عليه وآله) حيث وقعت الفتنة بنصّ الآية الكريمة: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ}(2)، وبنصّ الروايات الواردة في ذيل الآية عن النبيّ من طريقهم فضلاً من طرقنا، فهذه الروايات المستفيضة عندهم وعندنا في ذيل الآية مع نفس مضمون الآية هي أحد ملامح الأدلّة على إمامة أهل البيت (عليهم السلام) وغصب أهل السقيفة وبنو أُمية للخلافة.
كما أنّها دالّة على أنّ ليلة القدر وما يتنزّل فيها والروح النازل، كلّ ذلك يرتبط
____________
1- سنن الترمذي، مستدرك الحاكم.
2- سورة الاسراء 17: 60.