من هذه الروايات نعرف أن النبي صلى الله عليه وآله كان يهتم اهتماما خاصا بولديه الحسن والحسين عليهما السلام وتعويذهما بكلمات الله تعالى لدفع الحسد والشر عنهما، وأنه كان يفعل ذلك عمدا أمام الناس لتركيز مكانتهما في الأمة والتأكيد على أنهما ذريته وامتداده.. كما كان إسحاق وإسماعيل بقية إبراهيم وامتداده عليهم السلام! وأنه بعد نزول المعوذتين كان يعوذهما دائما بهما! وبهذا ارتبطت السورتان في ذهن الأمة بالحسنين وسرى إليهما الحسد منهما أو الحب!!
وتحاول الروايات تصوير عبد الله بن مسعود بأنه حامل راية العداء للمعوذتين وتنقل إصراره على حذفهما من القرآن! ولكن توجد أمور توجب الشك في ذلك.
أتباع المذاهب يعتقدون أن المعوذتين من القرآن، والبخاري يشكك!!!
أمام هذه التشكيكات في المعوذتين في مصادر السنيين، يبقى عندهم عدد من الروايات التي تثبت جزئيتهما من القرآن الكريم، وعمدتها ما رووه عن عقبة بن عامر الجهني كما في مسلم ج 2 ص 200 فقال:
عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط، قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس...
عن عقبة بن عامر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل أو أنزلت علي آيات لم ير مثلهن قط، المعوذتين.
وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح، وحدثني محمد بن رافع حدثنا أبو أسامة، كلاهما عن إسماعيل بهذا الإسناد، مثله.
ثم كرر رواية ابن كعب. ورواه البيهقي في سننه ج 2 ص 394.
وقال الشافعي في كتاب الأم ج 7 ص 199:
أخبرنا وكيع، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: رأيت عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا به ما ليس منه - ثم قال عبد الرحمن - وهم يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في صلاة الصبح وهما مكتوبتان في المصحف الذي جمع على عهد أبي بكر ثم كان عند عمر ثم عند حفصة ثم جمع عثمان عليه الناس، وهما من كتاب الله عز وجل، وأنا أحب أن أقرأ بهما في صلاتي.
وروى الهيثمي في مجمع الزوائد ج 7 ص 148 عدة روايات في إثبات أن المعوذتين من القرآن.
أما البخاري فقد اختار أن يقف في صف المشككين في المعوذتين!
فقد كان روى رواية عقبة في تاريخه الكبير ج 3 ص 353 ثم تراجع عن روايتها في صحيحه، فلم يرو إلا روايات أبي ابن كعب المتزلزلة المشككة!
مع أنه عقد في صحيحه عنوانين للمعوذتين لكنه اكتفى بروايات التشكيك دون غيرها!
وقد ألف البخاري تاريخه قبل صحيحه كما في تذكرة الحفاظ ج 2 ص 555! قال في صحيحه ج 6 ص 96:
وحدثنا عاصم عن زر قال سألت أبي بن كعب قلت أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا. فقال أبي: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: قيل لي فقلت، قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى، فيكون البخاري متوقفا في أنهما من القرآن لعدم ثبوت دليل على ذلك عنده!!
عالم سني يحاول الدفاع عن البخاري!
كتب (محب السنة) في شبكة هجر الثقافية، بتاريخ 16 - 9 - 1999، الواحدة صباحا، موضوعا بعنوان (تدليس العاملي وافترائه على الإمام البخاري رحمه الله)، قال فيه:
روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب).
فيقول في كتاب القدر باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء وقوله تعالى قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق وهذا شرح ابن حجر قوله:
(باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء) تقدم شرح ذلك في أوائل الدعوات.
قوله: وقوله تعالى: (قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق) يشير بذكر الآية إلى الرد على من زعم أن العبد يخلق فعل نفسه: لأنه لو كان السوء المأمور بالاستعاذة بالله منه مخترعا لفاعله لما كان للاستعاذة بالله منه معنى، لأنه لا يصح التعوذ إلا بمن قدر على إزالة ما استعيذ به منه.
وفي كتاب الطب يقول: باب السحر وقول الله تعالى: ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق.
وقوله تعالى: ولا يفلح الساحر حيث أتى.
وقوله: يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى.
وقوله: ومن شر النفاثات في العقد والنفاثات السواحر تسحرون تعمون.
وفي كتاب الأدب: باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر وقوله تعالى: ومن شر حاسد إذا حسد.
قال ابن حجر قوله: (باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر). وقوله تعالى (ومن شر حاسد إذا حسد) أشار بذكر هذه الآية إلى أن النهي عن التحاسد ليس مقصورا على وقوعه بين اثنين فصاعدا، بل الحسد مذموم ومنهي عنه ولو وقع من جانب واحد، لأنه إذا ذم مع وقوعه مع المكافأة فهو مذموم مع الافراد بطريق الأولى.
وفي كتاب التوحيد:
باب قول الله تعالى: ملك الناس، فيه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:
وقال ابن حجر قوله (باب قول الله تعالى ملك الناس) قال البيهقي:
الملك والمالك هو الخاص الملك، ومعناه في حق الله تعالى القادر على الايجاد، وهي صفة يستحقها لذاته، وقال الراغب: الملك المتصف بالأمر والنهي وذلك يختص بالناطقين، ولهذا قال (ملك الناس) ولم يقل ملك الأشياء، قال: وأما قوله (ملك يوم الدين) فتقديره الملك في يوم الدين، لقوله (لمن الملك اليوم) انتهى. ويحتمل أن يكون خص الناس بالذكر في قوله تعالى (ملك الناس).
أما ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه من أنهما ليستا من القرآن، فقد قال عنه ابن كثير: وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء، وأن ابن
وقال البزار: ولم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة.
وقال ابن حجر: وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب (الإنتصار) وتبعه عياض وغيره ما حكي عن ابن مسعود فقال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن وإنما أنكر إثباتهما في المصحف، فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئا إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابته فيه، وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك، قال: فهذا تأويل منه وليس جحدا لكونهما قرآنا. وهو تأويل حسن إلا أن الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك حيث جاء فيها: ويقول إنهما ليستا من كتاب الله.
نعم يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور.
وقال غير القاضي: لم يكن اختلاف ابن مسعود مع غيره في قرآنيتهما، وإنما كان في صفة من صفاتهما. وغاية ما في هذا أنه أبهم ما بينه القاضي.
ومن تأمل سياق الطرق التي أوردتها للحديث استبعد هذا الجمع.
وأما قول النووي في شرح المهذب: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منهما شيئا كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح، ففيه نظر، وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم فقال في أوائل (المحلى): ما نقل عن ابن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين فهو كذب باطل. وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره:
الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل.
وقد قال ابن الصباغ في الكلام على مانعي الزكاة: وإنما قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة ولم يقل إنهم كفروا بذلك، وإنما لم يكفروا لأن الإجماع لم يكن يستقر. قال: ونحن الآن نكفر من جحدها.
قال: وكذلك ما نقل عن ابن مسعود في المعوذتين، يعني أنه لم يثبت عنده القطع بذلك، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك.
وقد استشكل هذا الموضع الفخر الرازي فقال: إن قلنا إن كونهما من القرآن كان متواترا في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرها، وإن قلنا إن كونهما من القرآن كان لم يتواتر في عصر ابن مسعود لزم أن بعض القرآن لم يتواتر. قال: وهذه عقدة صعبة. وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود لكن لم يتواتر عند ابن مسعود فانحلت العقدة بعون الله تعالى.
قوله: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قيل لي قل:
فقلت. قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) القائل فنحن نقول.. إلخ هو أبي بن كعب. ووقع عند الطبراني في الأوسط أن ابن مسعود أيضا قال مثل ذلك، لكن المشهور أنه من قول أبي بن كعب فلعله انقلب على راويه. وليس في جواب أبي تصريح بالمراد، إلا أن في الاجماع على كونهما من القرآن غنية عن تكلف الأسانيد بأخبار الآحاد، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
إن عذر ابن مسعود لا يكون لغيره حيث استقر الأمر فيما بعد، وأثبتت السور في المصاحف التي أرسلت إلى الأمصار ولم يكن لأحد عذر في الجهل بكونهما من القرآن. وإن هذه المقالة لا تقارن بوجه من الوجوه بقول كبار علماء الشيعة المتقدمين والمتأخرين الذين يصرحون بأن القرآن محرف.
وأخيرا. يظهر لكل منصف أن العاملي متحامل على الإمام البخاري رحمه الله، ولم يكن منصفا ولا متجردا للحق في مقالته، وقد تعمد التدليس ومخالفة الحق عن علم.
وكتب (شعاع) بتاريخ 16 - 9 - 1999، السادسة صباحا:
جزاك الله خير (كذا)، يقول الله تعالى (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه).
فماذا ننتظر من شيعة ابن سبأ؟؟
فأجاب (العاملي) بتاريخ 16 - 9 - 1999، الحادية عشرة ليلا:
ما ذكرته يا محب البخاري وهولت به، وفتحت له هذا الموضوع.. يدل على أنك: ظالم، أو غير مطلع على الاختلاف في مصادركم قبل البخاري وبعده، في أن المعوذتين هل هما من القرآن أم زائدتان؟!!
ويترك الروايات التي تثبت أنهما من القرآن، وقد ترك أحاديث صحيحة على شرطه روى بعضها الحاكم!! فأين أنت؟!!!
وإن كابرت، فانظر إلى ما قال ابن خزيمة وهو أستاذ البخاري، وقد درس عنده صحيحه!! قال ابن خزيمة في صحيحه: 1 - 266:
باب قراءة المعوذتين في الصلاة ضد قول من زعم أن المعوذتين ليستا من القرآن أخبرنا... وأورد الرواية التي تركها البخاري!!!
ثم... انظر ما قاله ابن نجيم المصري في البحر الرائق: 2 - 68:
وما وقع في السنن وغيرها من زيادة المعوذتين أنكرها الإمام أحمد وابن معين، ولم يخترها أكثر أهل العلم، كما ذكره الترمذي. كذا في شرح منية المصلي. انتهى.
فما هي السنن التي تقول بزيادة المعوذتين؟! إلا رواية البخاري التي رواها غيره أيضا؟! ولكن الفرق أن غيره روى معها ما يثبت أنهما من القرآن، بينما هو اقتصر على رواية التشكيك!!
ولماذا يحتاج إمامك أحمد أن ينكر القول بزيادتهما إن لم يكن له وجود؟!
وأين هو هذا القول إن لم يكن ما رواه البخاري يا محب البخاري؟!!
ثم.. تعال وانظر الفتوى التي نقلها ابن نجيم المصري في اختلاف فقهائكم في كفر من سخر بآيات المعوذتين!
قال في البحر الرائق: 5 صفحة 205:
ويكفر إذا أنكر آية من القرآن أو سخر بآية منه إلا المعوذتين ففي إنكارهما اختلاف!!
فمن هم هؤلاء الذين قالوا (لا يكفر من سخر بآياتهما) لأنهما لم يثبت أنهما من القرآن! وهل هم من الشيعة؟!!
ثم.. انظر إلى أن قراءة المعوذتين في الصلاة كانت عند أتباع الخلافة أمرا مستنكرا، وأن أول من جهر بقراءتهما عبيد الله بن زياد بعد نحو أربعين سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وآله!!.
قال ابن أبي شيبة في المصنف: 7 - 216: عن مغيرة عن إبراهيم قال أول من جهر بالمعوذتين في الصلاة عبيد الله بن زياد. انتهى.
فهل كانت هذه الأولية لابن زياد تؤرخ لولا أنه خالف العرف المسيطر؟!
ومن أين جاء هذا العرف عند عامة الناس، إلا من القول بزيادتهما، أو التشكيك فيهما؟!!
ثم.. انظر إلى ابن حبان وغيره من الذين وافقوا البخاري، فجوزوا أن يضم إلى قراءة المعوذتين سورة أخرى، لأنهما مشكوك في قرآنيتهما!!
قال ابن حبان في صحيحه: 6 - 201: ذكر الإباحة للمرء أن يضم قراءة المعوذتين إلى قراءة قل هو الله أحد في وتره الذي ذكرناه...
ثم.. انظر إلى مصيبة الرازي صاحب المحصول إذ يقول في: 4 - 480:
أنكر ابن مسعود كون المعوذتين من القرآن فكأنه ما شاهد قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم لهما ولم يهتد إلى ما فيهما من فصاحة المعجزة أو لم يصدق جماعة الأمة في كونهما من القرآن فإن كانت تلك الجماعة ليست حجة عليه فأولى أن لا تكون حجة علينا فنحن معذورون في أن لا نقبل قولهم.
وأخيرا.. فهذه عبارة فتح الباري التي نقلتها على طريقتك، وأنت تتهم الشيعة بالتدليس!! فاحذر أن تقع فيما تتهمنا فيه!!:
قال في فتح الباري: 8 - 570:
قوله سألت أبي بن كعب قلت أبا المنذر. هي كنية أبي بن كعب وله كنية أخرى أبو الطفيل قوله يقول كذا وكذا هكذا وقع هذا اللفظ مبهما وكان بعض الرواة أبهمه استعظاما له وأظن ذلك من سفيان فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإبهام.
وكنت أظن أولا أن الذي أبهمه البخاري لأنني رأيت التصريح به في رواية أحمد عن سفيان ولفظه: قلت: لأبي إن أخاك يحكها من المصحف.
وكذا أخرجه الحميدي عن سفيان ومن طريقه أبو نعيم في المستخرج.
وكأن سفيان كان تارة يصرح بذلك وتارة يبهمه.
وقد أخرجه أحمد أيضا وابن حبان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ أن عبد الله بن مسعود، كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه.
وأخرج أحمد عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بلفظ أن عبد الله يقول في المعوذتين: وهذا أيضا فيه إبهام.
وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال: كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول إنهما ليستا من كتاب الله.
قال البزار ولم يتابع بن مسعود على ذلك أحد من الصحابة وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأهما في الصلاة.
قلت: هو في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر وزاد فيه بن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر، فإن استطعت أن لا تفوتك قراءتهما في صلاة فافعل.
وأخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير عن رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه المعوذتين، وقال له إذا أنت صليت فأقرأ بهما.
وإسناده صحيح.
ولسعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فقرأ فيهما بالمعوذتين.
وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب الإنتصار وتبعه عياض وغيره ما حكى عن بن مسعود، فقال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن وإنما أنكر إثباتهما في المصحف فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئا إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابته فيه وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك، قال: فهذا تأويل منه وليس جحدا لكونهما قرآنا.
وهو تأويل حسن إلا أن الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك، حيث جاء فيها ويقول: أنهما ليستا من كتاب الله، نعم، يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف فيتمشى التأويل المذكور.
وغاية ما في هذا أنه أبهم ما بينه القاضي ومن تأمل سياق الطرق التي أوردتها للحديث استبعد هذا الجمع.
وأما قول النووي في شرح المهذب أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن وأن من جحد منهما شيئا كفر، وما نقل عن بن مسعود باطل ليس بصحيح ففيه نظر.
وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد بن حزم فقال في أوائل المحلي ما نقل عن بن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين فهو كذب باطل.
وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره الأغلب على الظن أن هذا النقل عن بن مسعود كذب باطل والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل والإجماع الذي نقله أم أراد شموله لكل عصر، فهو مخدوش وإن أراد استقراره فهو مقبول.
وقد قال ابن الصباغ في الكلام على مانعي الزكاة وإنما قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة، ولم يقل إنهم كفروا بذلك وإنما لم يكفروا لأن الإجماع لم يكن استقر. قال ونحن الآن نكفر من جحدها!
قال: وكذلك ما نقل عن بن مسعود في المعوذتين يعني أنه لم يثبت عنده القطع بذلك ثم حصل الاتفاق بعد ذلك.
وقد استشكل هذا الموضع الفخر الرازي فقال: إن قلنا إن كونهما من القرآن كان متواترا في عصر بن مسعود لزم تكفير من أنكرهما، وإن قلنا إن كونهما من القرآن كان لم يتواتر في عصر بن مسعود لزم أن بعض القرآن لم يتواتر.
قوله: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: قيل لي فقلت.
قال: فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. القائل: فنحن نقول الخ. هو أبي بن كعب.
ووقع عند الطبراني في الأوسط أن بن مسعود أيضا قال مثل ذلك.
لكن المشهور أنه من قول أبي بن كعب فلعله انقلب على راوية.
وليس في جواب أبي تصريح بالمراد إلا أن في الإجماع على كونهما من القرآن غنية عن تكلف الأسانيد بأخبار الآحاد. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.. انتهى.
فانظر كيف دلست في نقل شروح السنة! يا من يزعم أنه محب السنة!!
فكتب (محب السنة) في 17 - 9 - 1999 الحادية عشرة والنصف ليلا:
قد بينت لك يا عاملي بما لا يحتاج مزيد (كذا) بيان أن القول بأنهما ليستا من القرآن.
قد اشتهر عن ابن مسعود فقط وقد بينت لك أنه معذور في قوله في ذلك الوقت.
ولو أنك على علم بالقراءات وطرق الرواية للقرآن لما أوردت هذه الشبهات.
ثم إني قد أوردت لك من كلام البخاري رحمه الله تعالى ما يصرح به أنهما من القرآن وذلك حين يقول: قال الله تعالى: ثم يذكر الآية من إحدى السورتين، فهل بعد هذا البيان بيان.
نسأل الله الهداية السداد.
وكتب (الصارم) المسلول بتاريخ 17 - 9 - 1999، الثانية عشرة ليلا:
إلى محب السنة، ألا تعلم طريقة العاملي في المراوغة؟ واعلم أن قصده من ذلك هدم الإسلام، فهو يحاول إيجاد عذر لعلمائه القائلين بالتحريف عن طريق إثباته لدى أهل السنة، ولكن خيب ظنه وظن أسياده. والحمد لله رب العالمين.
فكتب (العاملي) بتاريخ 18 - 9 - 1999، الثامنة والنصف صباحا:
لو كان عندك إنصاف يا محب السنة لاعترفت بأن النصوص المتقدمة تدل على أنه يوجد عندكم قائلون بزيادة المعوذتين غير البخاري، وأنهم يتمسكون بالروايات التي اقتصر عليها البخاري..
وأن البخاري وقع في مفارقة حيث ظهر من بعض كلامه أنه يقول بجزئيتهما من القرآن، بينما اقتصر في روايته على ما تمسك به النافون لجزئيتهما!!
إلى الصارم المسلول:
هل الذي ينتقد خطأ وقع فيه معاوية أو البخاري يهدم الإسلام؟!
وهل الإسلام متوقف على عصمة البخاري؟!!
لا تخف على الإسلام يا صارم!! فقد كان قبل معاوية والبخاري وابن تيمية.. ويبقى بعدهم!!
الأخ الفاضل: العاملي.
أحسنت وجزاك الله خير ما يجزي به عباده الصالحين العاملين.
إن مجموع الكلام الذي نقلته في صدر الموضوع والتعليقة عليه، والمدعم بالمصادر، لا يمكن أن يجاب عليه.
فالخلاف كان متحققا بينهم في شأنها، وليس المسألة مسألة رواية فقط...
أضف إلى أن الروايات الأخرى في شأن طرو الزيادة والنقصان على كتاب الله الكريم أفضع بكثير من أن تتصور، لولا أنهم وجدوا لها دثارا وهو (اجتهد فلان) أو (هذا مما طاله النسخ)..
ولا يخفى أن فكرة النسخ والاجتهاد الذي يعذر معه الصحابة في مخالفتهم النصوص أكبر أكذوبة داخل حيز الروايات والتشريع، وما طعن الإسلام إلا بهذه الأفكار المفتراة من أولها إلا آخرها...
وهذه الموضوعات من الأسس والأصول التي أرى أهمية أن تبحث، ولا محالة سوف ينكسر القوم فيها؟!!
وكتب (الإماراتي راشد) بتاريخ 18 - 9 - 1999، الخامسة والنصف عصرا:
الرد على العاملي:
سبحان الله هذا العاملي له أبعاد نظر شيطانية، ولكن مع الأسف نسي هذا المسكين أن الشئ لا يثبت بدون برهان، فنحن عندنا شئ هو يعلمه جيدا، ولكنه عمدا يتناساه ألا وهم (كذا) (إجماع الصحابة) مثلا في عصرهم.
فليتك يا عاملي تقول لنا من هو سلفك في هذه المقولة من مراجع الشيعة، لكي لا نتهمك بالشذوذ عن ما هو معلوم لعلماء الشيعة عنا؟.
وسابقا سمعتك تفتري أن عمر ومعه تلاميذ جمة يذهبون لمدرسة يهودية ويتعلمون الكفر عندهم، وأنت تتكلم وتستنبط، والله كلام يضحك الذي لا يفكر بالضحك.
وأنت تسترسل وكأن عمر وأصحابه لهم جدول حصص ومدرسة، وهناك حضور وغياب، ولهم إجازة يوم الأحد!
وأنت كنت تتكلم وكأن اليهود يريدون أن يساعدهم عمر لإقناع الرسول صلى الله عليه وسلم بأفكارهم الكفرية.
وأنت افتريت وبينت أن عمر كل ما نهاه الرسول عن كتابة مقاطع وحكم من التوراة فهو ينافق بالانفاد للأمر، ولكنه قبض عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كذا مرة بعدها، وهو يعود لنفس الفعل!!!
مسكين يا عاملي.
هل من الممكن أن تقول لنا من هو سلفك من علمائك الشيعة الذين قالوا بهذا الكلام، لكي لا نزعم أنك تخترع كلاما لا يقول به الشيعة عنا؟!
سؤال بسيط للعاملي لكي لا يستهبل:
يا عاملي أنتم لا تكفرون أبي (كذا والصحيح أبيا) رضي الله عنه، وكان أبي من طرق أحاديثنا يرى أن المال الزائد عن الحاجة يجب أن ينفق في سبيل الله، لأنه يعتبره كنزا حرام إبقائه حتى ولو أخرجت زكاته.
هل تعلم أن الشيوعيين هم فقط الذين عملوا برأي أبي، لأنهم يعطون الناس حاجتهم ويأخذون كل ما فاض عن حاجتهم ويملكونها الدولة. أتى كاتب شيوعي ملحد وألف كتابا يؤيد فيه رأي أبي رضي الله عنه، وزعم أن الإسلام يؤيد الشيوعية، ولكن بين أن المسلمين وقفوا في وجه أبي، ومنعوه من هذا المبدأ الثوري، و و و إلخ الكتاب.
لماذا يا عاملي لا تتهمنا أيظا (كذا) أننا شيوعيين (كذا) بسبب أن من الصحابة من قال بمثل قولهم في عدم جواز إبقاء المال الزائد عن الحاجة، كما قال أبي. رغم أن شبهتك أهون من هذه الشبهة؟!؟!
ألم تسمع باختلاف وجهات النظر الاجتهادية؟!
ألم يقولوا لك إنه لم ينكر أنهما من القرآن، وإنما أراد إذنا ودليلا لإضافتهما في المصحف بين الدفتين.
ثم حتى لو لم يعتقد أنهما (ليستا) من القرآن اجتهادا منه، هل أنت تلزم كل الصحابة وتوجب عليهم وتشترط عليهم أن يعلموا كل حكم دفعة واحدة وفي نفس الوقت؟!
هل أنت توجب وتفرض على الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا يأمر ولا ينهى إلا إن جمع كل المسلمين 100 % ويسمعوا أمره في وقت واحد، ودفعة واحدة؟!
ألم يكن زيد رضي الله عنه يجمع القرآن مما كتب عليه ويقارنه بما في صدور الصحابة؟!
هل كان زيد رضي الله عنه يأخذ القرآن من صحابي واحد كابن مسعود رضي الله عنه أم من جمعهم الغفير من الحفاظ وممن كتبوه؟!
لو كان كلامك حقا لأخذ فقط من ابن مسعود رضي الله عنه، ولكن زيد (كذا) رضي الله عنه يعلم أن العصمة والقوة في التثبت هو في مقارنة حفظهم كلهم ومقارنة المكتوب كله.
ثم هل تعلم يا عاملي أن زيد (كذا) رضي الله عنه (أمره الصديق أن يكتب من المكتوب)؟ فزيد رضي الله عنه يحفظ القرآن وكان يستطيع أن يكتبه من صدره مباشرة، ولكنها أمانة يخاف أن يحملها لأنه لا يجمع كلام البشر بل كلام رب البشر، الذي سيبقى للأجيال القادمة، فأراد أن يجعل الموضوع نورا على نور، وأصبح إذا وجد المكتوب يقارنه بما في الصدور ويكتبه، لأن الأصل ما كتب لأنه أثبت، أما ما في الصدور فالإنسان قد ينسى كلمة أو يسهى (كذا).
وكان زيد رضي الله عنه يسمع بعض الآيات وهو يعلمها جيدا، ولكن لم يكتبها إلا بعد أن وجدها مكتوبة على جريد أو عظم مثلا، فهل يعني هذا أن زيد (كذا) رضي الله عنه جحد في البداية أن تلك الآيات من القرآن؟!
فابن مسعود رضي الله عنه أراد البينة على جواز ضم المعوذتين في المصحف، مع أنه يعلم أنهما من كلام الله عز وجل.
ومنهم من قال أنه ضنهما (كذا) دعاء وليس قرآنا، فهذا أيضا لا يعيبه إن صح، لأن المعصوم من عصمه الله والجهل جائز على البشر، وفوق كل ذي علم عليم، والعبرة بما أجمع عليه المسلمون وإن جهل منهم أحد، لأن ذاك النقص يكمله غيره من الكثرة الكاثرة.
وهنا أنا أضيف شيئا آخر مهما ألا وهو: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا قد كتبوا على المكتوب من الأشياء آيات منسوخة اللفظ كآية الرجم مثلا، ولكنهم لم يضيفوا هذه الآيات لكتاب الله بين الدفتين، فهل هذا يعني أننا ننكر أن الآيات المنسوخة هي من كلام الله عز وجل؟!
لا والله بل هي من كلامه، ولكننا أمرنا أن لا نضمها لكتاب الله، لأنه عز وجل بين لنا نسخ تلاوتها وإبقاء حكمها.
وكثير من الصحابة كان يقرؤوها وهو لا يعلم نسخ تلاوتها حتى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن عندما بلغه أقلع. فهل أنت تفرض عليهم جميعا أن يعلموا حكم الله من بداية الأمر؟!
هل أنت يا عاملي تريد أن تكلف الناس فوق ما يطيقون؟!
أما أنت يا جميل 50 فأقول لك:
العجيب أنك تهاجمنا بموضوع الاجتهاد، ونسيت أن من علماء الشيعة من كفر الخميني لأنه اجتهد بما لم يفعله الشيعة من قبله قاطبة وأتى بما يسمى
ولماذا لم تنكر على علماء التفسير عندك في قولهم بنسخ التلاوة وتكفرهم؟!
إبدأ بقومك لأن الأقربون (كذا) أولى بالتطهير من هذا الكلام، إن كان حقا كما زعمت.
فكتب (العاملي) بتاريخ 18 - 9 - 1999، العاشرة ليلا:
الأخ راشد، موضوعنا هنا محدد هو هل أن البخاري أو غيره منكم قالوا بتحريف القرآن.. وأن سورتي المعوذتين زائدتان، أو شككوا في كونهما من القرآن؟
والنصوص التي أتينا بها من البخاري وغيره تدل بوضوح على وجود مشككين فيهما منكم.
فإن كنت تستطيع البقاء في الموضوع وعدم الخروج عنه، فاكتب رأيك في حدود هذا الموضوع. وإلا فلا تتعب نفسك بأمور خارجة عنه!
وكتب (شعاع) بتاريخ 18 - 9 - 1999، العاشرة والنصف ليلا:
ذكرنا لك يالعاملي أنه وضع باب (كذا) اسمه (تفسير سورة قل أعوذ برب الفلق) وآخر (باب تفسير سورة قل أعوذ برب الناس) وأورد تفسيرات لهذه الآيات، وادعيت أن هذا الكلام ليس من كلام البخاري!
فأنا أطلب منك طلب بسيط (كذا) أثبت ما قلت؟؟
فكتب (العاملي) بتاريخ 18 - 9 - 1999، الحادية عشرة ليلا:
نعم يا شعاع، كلامك في هذه النقطة صحيح، فالظاهر أن البخاري وقع في تناقض!
وروى بدله الأحاديث التي تقول بأنهما وحي علمه جبريل للنبي صلى الله عليه وآله ليتعوذ بهما ويعوذ الحسنين، ولكن جبرئيل لم يقل له إنهما من القرآن!!!
ألا يكفيك أن البخاري اقتصر على هذه الروايات النافية لجزئيتهما؟!
مع علمه بوجود خلاف فيهما وأحاديث تثبت جزئيتهما؟!!
وهل لا تدرك أن أقل تشكيك في جزئية سورة من القرآن نفي لقرآنيتها؟!!
فكتب (محب السنة) في 19 - 9 - 1999، الثانية عشرة والنصف صباحا:
قد قلت لك يا عاملي قبل هذا إن المجمل يبينه المفصل، ولكنك لا تريد أن تعترف بالحقيقة وذلك حتى لا ينفرد أئمتكم بالقول بتحريف القرآن، وهيهات أن يتحقق لك ذلك.
فموقف البخاري رحمه الله واضح ليس فيه لبس ولا إشكال، ولكن لمن كان منصفا ومتجردا للحق، فهل تقارن موقفه بموقف علمائكم ممن ذكرت لك أسماءهم سابقا؟
وهل تريد أن نورد لك من سوركم المختلقة التي زعمتم أن الصحابة جحدوها حتى تقتنع؟
ولعلمك يا عاملي لم يعرف في الإسلام من ألف كلاما من عنده وزعم أنه من القرآن إلا علماء الشيعة ومسيلمة الكذاب، فلتقر أعينكم بموافقة مسيلمة.