الفصل التاسع
مصحفنا الفعلي مكتوب عن مصحف علي عليه السلام
مصحفنا الفعلي مكتوب عن مصحف علي عليه السلام
توجد أربعة احتمالات للنسخة الأم التي أملى منها سعيد بن العاص المصحف على زيد بن ثابت وغيره من الكتاب:
الاحتمال الأول: أن تكون صحف حفصة، أي نسخة الخليفة عمر التي جمعها هو وزيد في عهد أبي بكر ثم في عهده.. كما ذكرت أكثر الروايات في مصادر السنيين:
الاحتمال الثاني: أن تكون نسخة عائشة، كما ذكرت بعض الروايات.
الاحتمال الثالث: أن تكون نسخة علي عليه السلام، كما يفهم من صفات النسخة.
الاحتمال الرابع: أن يكون سعيد أو هو وبقية أعضاء اللجنة رأوا عدة نسخ وقايسوا بينها وناقشوا فروقاتها واستمعوا إلى شهودها، ثم راجعوا الخليفة عثمان وعليا عليه السلام وغيرهما من الصحابة الخبيرين بالقرآن، واختاروا الكلمة أو الصيغة الأكثر وثوقا عندهم. كما يفهم من بعض الروايات.. وفيما يلي نفحص ما يملكه كل واحد من هذه الاحتمالات.
لم يكتبوا المصحف الإمام عن صحف حفصة أو نسخة عمر
ينبغي الالتفات إلى أن توحيد الخليفة عثمان لنسخة القرآن كان عملية جراحية لمرض في الأمة هو اختلاف المسلمين في قراءات القرآن، وانقسامهم إلى أحزاب دينية متعارضة!!
وقد كان عدد كبير من الأشخاص يعيشون على هذه الاختلافات والتعصبات، فلما قام عثمان بجمع القرآن سحب البساط من تحت أقدامهم بضربة فنية، فأسقط في أيديهم، وفقدوا مكانتهم وجمهورهم!
لقد صارت قراءتهم مثل غيرها وصاروا هم مثل غيرهم.. وانتهى عهد الأحرف السبعة الذي بدأه الخليفة عمر، وصار على الجميع أن يقرؤوا بحرف واحد هو حرف الخليفة عثمان في المصحف الإمام!!
لهذا ارتفعت اعتراضات زعماء الأحرف السبعة أو الأحرف العشرين وجمهورهم، وكان سلاحهم ضد الخليفة عثمان وضد حذيفة، هو الأحرف السبعة التي سلحهم بها عمر!!
وكان الجواب المنطقي للدولة أن تقول لهم: إن الخليفة عمر أخطأ في طرح الأحرف السبعة، فهذا الواقع الخطير الذي نعانيه إنما هو ثمرتها، ولو تركناه بلا معالجة جذرية لاختلفت الأمة في كتابها إلى فرق ومذاهب متناحرة إلى يوم القيامة! ولكن الناس كانوا متعلقين بسياسة الخليفة عمر، وقد سجلوا نقاط ضعف على سياسة الخليفة عثمان.. لذلك لم يكن عثمان يستطيع أن يخطئ عمر، بل كان يرى نفسه محتاجا لإثبات (الشرعية) لأعماله بالاحتجاج بأعمال عمر وأقواله!!
وثانيا، بأنه كتب مصحفه الإمام عن نسخة الخليفة عمر أو الصحف التي عند بنته حفصة!
لذلك يجب أن ننظر إلى جميع الروايات التي تقول إنهم نسخوا المصحف الإمام عن صحف حفصة بأنها كلام سياسي للدفاع عن الخليفة عثمان، وليس بالضرورة أن يكون هو الذي حصل! وكذلك كثير من دفاعات الخليفة عثمان عن نفسه فيما خالف فيه عمر، كما يظهر للمتتبع!
قال ابن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 1136:
(حدثنا علي بن محمد، عن يزيد بن عياض، عن الوليد ابن سعيد، عن عروة بن الزبير قال: قدم المصريون فلقوا عثمان رضي الله عنه، فقال: ما الذي تنقمون؟ قالوا: تمزيق المصاحف.
قال: إن الناس لما اختلفوا في القراءة خشي عمر رضي الله عنه الفتنة، فقال: من أعرب الناس؟ فقالوا: سعيد بن العاص. قال: فمن أخطهم؟
قالوا: زيد بن ثابت. فأمر بمصحف فكتب بإعراب سعيد وخط زيد، فجمع الناس ثم قرأه عليهم بالموسم فلما كان حديثا كتب إلي حذيفة: إن الرجل يلقى الرجل فيقول قرآني أفضل من قرآنك حتى يكاد أحدهما يكفر صاحبه، فلما رأيت ذلك أمرت الناس بقراءة المصحف الذي كتبه عمر رضي الله عنه وهو هذا المصحف، وأمرتهم بترك ما سواه، وما صنع الله بكم خير مما أردتم لأنفسكم). انتهى.
والجميع يعرفون أن الخليفة عمر لم يقم بهذا العمل، ولم يقرأ على المسلمين قرآنا في موسم الحج!!
قال لأنه كتب القرآن على حرف زيد.
قال: أما أن أعطيه المصحف فلن أعطيكموه، ومن استطاع أن يغل شيئا فليفعل، والله لقد قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة، وإن زيدا لذو ذؤابتين يلعب بالمدينة!). انتهى.
ولم يدع أحد غير عثمان وخصم زيد ابن مسعود بأن قرآن عثمان كتب على حرف زيد، ولكن غرض ابن مسعود من ادعاء ذلك أن يبرر تمسكه بقراءته، وغرض عثمان من ذلك إن كان قاله، أن يسكت المعترضين لعمر، لأنهم يعرفون ثقة عمر بزيد!
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 426: (الواقدي: حدثنا الضحاك بن عثمان، عن الزهري، قال: قال ثعلبة ابن أبي مالك: سمعت عثمان يقول: من يعذرني من ابن مسعود؟ غضب إذ لم أوله نسخ المصاحف!
هلا غضب على أبي بكر وعمر إذ عزلاه عن ذلك ووليا زيدا، فاتبعت فعلهما!) انتهى.
والجميع يعرف أن أبا بكر وعمر لم يوليا ابن مسعود على نسخ المصاحف حتى يعزلاه، ولا وليا زيدا إلا على جمع القرآن مع الخليفة عمر وبرأيه، ولكن الخليفة عثمان يريد الدفاع عن نفسه وإثبات أن سياسته نفس سياسة الشيخين التي يريدها الناس! هذا هو الدليل الأول...
والدليل الثاني:
أن قراءات عمر التي كانت في نسخته التي عند حفصة لا توجد في المصحف الإمام.. ويكفي أن ترجع إلى ما قدمنا من قراءاته المروية عنه بأحاديث صحيحة، والتي كان يأمر بإثباتها في المصاحف ومحو ما عداها، مثل قراءة (وامضوا إلى ذكر الله) وغيرها، وغيرها.. فإنك لا تجد لها أثرا في قرآننا الفعلي الذي هو المصحف الإمام، والحمد لله.
والدليل الثالث:
إصرار الدولة على مصادرة مصحف حفصة وإحراقه، ولا يمكن أن يكون سبب ذلك إلا أن حفصة أو غيرها أشاعوا أن مصحف عثمان فيه نقص أو خلل.. الأمر الذي جعل الدولة تلح على أخذ النسخة، ولكن حفصة وقفت في وجه الدولة وقاومت إلى أن توفيت.. لكن الدولة ما أن فرغت من تشييع جنازة حفصة حتى وضعت يدها على النسخة و.. أحرقتها!!
فلو كان المصحف الإمام نسخة عن مصحف عمر، لما استطاعت حفصة أو غيرها أن تتكلم بكلمة، ولما كان معنى لإصرار الدولة وافتعالها أزمة طالت أكثر من عشرين سنة مع حفصة القوية بنت الخليفة القوي!!
قال في كنز العمال ج 2 ص 573: (عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله وخارجة أن أبا بكر الصديق كان جمع القرآن في قراطيس، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك، فأبى حتى استعان عليه بعمر ففعل، فكانت الكتب عند أبي بكر حتى توفي، ثم عند عمر حتى توفي، ثم كانت عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها، حتى عاهدها ليردنها إليها فبعثت بها إليه، فنسخها عثمان هذه
والمتأمل في هذه الرواية يطمئن بأن مصحف عمر كان فيه زيادة عن مصحفنا، كما صرح أبو موسى الأشعري عن مصحفه!
وقال عمر بن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 1003: (عن ابن شهاب قال، حدثني أنس رضي الله عنه قال، لما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة يسألها عن المصاحف ليمزقها وخشي أن يخالف الكتاب بعضه بعضا - فمنعتها إياه...
عن ابن شهاب، عن خارجة بن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: لما ماتت حفصة أرسل مروان إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بعزيمة، فأعطاه إياها، فغسلها غسلا.
قال الزهري: فحدثني سالم قال، لما توفيت حفصة أرسل مروان إلى ابن عمر رضي الله عنهما بعزيمة ليرسلن بها، فساعة رجعوا من جنازة حفصة أرسل بها ابن عمر رضي الله عنهما، فشققها ومزقها مخافة أن يكون في شئ من ذلك خلاف لما نسخ عثمان رضي الله عنه!!).
(باب ما جاء في المصحف) عن سالم بن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها عن المصحف الذي نسخ منه القرآن فتأبى حفصة أن تعطيه إياه، فلما دفنا حفصة أرسل مروان إلى ابن عمر أرسل إلي بذلك المصحف فأرسله إليه!
رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح). انتهى.
بل إن أزمة الدولة مع حفصة وإصرار حفصة الشديد! تجعلنا نشك في أنها أعطتهم النسخة أول الأمر، وإن كانت أعطتهم فلا بد أنهم رفضوا الكتابة منها لاختلافها عن القرآن المتداول!
ولذلك شاع في المدينة أن مصحف عثمان لم يكتبوه عن مصحف عمر، وأن في مصحف عمر زيادات لم يكتبوها في القرآن!
الدليل الرابع:
وهو من أدلة جمع القرآن من عهد النبي صلى الله عليه وآله، من أن حفصة نفسها لم تكن تقرأ بمصحف أبيها الذي هو عندها أو عنده لا فرق، بل استكتبت لنفسها مصحفا متداولا! كما في مجمع الزوائد ج 6 ص 320 و ج 7 ص 154.
إن كل المؤشرات بل والأدلة تدلنا على أن مصحف عمر كان مشروع مصحف يحمل اجتهادات الخليفة عمر المتجددة، وكان ينتظر أن يكتمل عمله فينشره.. ولكن الأجل عاجله، ثم عاجل مروان نسخته فأحرقها!.
ولم يكتبوا المصحف الإمام عن مصحف عائشة
تفاجئنا في روايات جمع القرآن وثيقة تاريخية مهمة وسارة، يقول فيها الخليفة عثمان إن لجنة جمع القرآن كتبت المصحف الإمام عن مصحف كتبه النبي صلى الله عليه وآله!! وقد أعلن الخليفة عثمان ذلك في رسالته إلى الأمصار التي أرسلها مع المصاحف!.
قال عمر بن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 997: (عن أبي محمد القرشي: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كتب إلى الأمصار: أما بعد فإن نفرا من أهل الأمصار اجتمعوا عندي فتدارسوا القرآن، فاختلفوا اختلافا شديدا، فقال بعضهم قرأت على أبي الدرداء، وقال بعضهم قرأت على حرف عبد الله بن مسعود، وقال بعضهم قرأت على حرف عبد الله بن قيس، فلما سمعت اختلافهم في القرآن - والعهد برسول الله صلى الله عليه وسلم حديث - ورأيت أمرا منكرا، فأشفقت على هذه الأمة من اختلافهم في القرآن، وخشيت أن يختلفوا في دينهم بعد ذهاب من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قرأوا القرآن على عهده وسمعوه من فيه، كما اختلفت النصارى في الإنجيل بعد ذهاب عيسى بن مريم، وأحببت أن نتدارك من ذلك، فأرسلت إلى عائشة أم المؤمنين أن ترسل إلي بالأدم الذي فيه القرآن الذي كتب عن فم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوحاه الله إلى جبريل، وأوحاه جبريل إلى محمد وأنزله عليه، وإذا القرآن غض، فأمرت زيد بن ثابت أن يقوم على ذلك، ولم أفرغ لذلك من أجل أمور الناس والقضاء بين الناس، وكان زيد بن ثابت أحفظنا للقرآن، ثم دعوت نفرا من
كما أكد على ذلك عبد الله بن الزبير الذي كان عضوا في لجنة جمع القرآن:
وقال عبد الله بن الزبير كما في ج 3 ص 991: (فجمع عثمان رضي الله عنه المصاحف، ثم بعثني إلى عائشة رضي الله عنها فجئت بالصحف التي كتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فعرضناها عليها حتى قومناها، ثم أمر بسائرها فشققت). انتهى.
فما عدا مما بدا، حتى صار القرآن مدونا في مصحف كامل من عهد النبي صلى الله عليه وآله؟؟!!
وأين وسائل الكتابة البدائية من (العسب والرقاق واللخاف وصدور الرجال) والمأساة التي يرويها البخاري؟!!.
وأين جلوس الاستعطاء على باب المسجد لتجميع الآيات والسور من المسلمين؟!
وأين قصة جمع القرآن على يد الخليفة أبي بكر وعمر؟!
وأين عشرات الروايات وعشرات النظريات؟!
والتاريخ الذي بنوه عليها.. إلى آخر الأسئلة الكبيرة؟!
على أي حال، إن الذي يهمنا الآن هو النتيجة التي تقول إن المصحف الإمام كتب عن نسخة مكتوبة في عهد النبي وتحت نظره صلى الله عليه وآله، وذلك نعمة عظيمة يجب أن نشكر الله تعالى عليها.. ولتسقط كل الروايات المخالفة لها، وليكن ما يكون!
قرآننا الفعلي هو نسخة علي بن أبي طالب عليه السلام
والحمد لله أن كل المؤشرات تدل على صحة ذلك.. من أولها أن أوصاف المصاحف التي كانت موجودة عند تدوين المصحف الإمام لا تنطبق عليه، لا مصحف عبد الله بن مسعود، ولا مصحف أبي بن كعب، ولا مصحف أبي موسى الأشعري، ولا مصحف عمر، ولا مصحف زيد بن ثابت، بل يكفي أن نرجع إلى عدد السور والقراءات التي ذكرت في مصاحفهم لنرى أنها تختلف عن عدد سور مصحفنا الفعلي... إلا مصحف علي عليه السلام!
وحتى قراءة عثمان لا تنطبق عليها النسخة الفعلية إذا صح أن عثمان كان له اعتراض على عدد من جمل أو كلمات المصحف الذي كتبته اللجنة..
فقد قال في كنز العمال ج 2 ص 586: (عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي قال: لما فرغ من المصحف أتي به عثمان فنظر فيه فقال: قد أحسنتم وأجملتم، أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها. ابن أبي داود وابن الأنباري.
عن قتادة أن عثمان لما رفع إليه المصحف قال: إن فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها - ابن أبي داود وابن الأنباري.
عن قتادة عن نصر بن عاصم الليثي عن عبد الله بن فطيمة عن يحيى بن يعمر قال: قال عثمان: إن في القرآن لحنا وستقيمه العرب بألسنتها - ابن أبي داود.
عن عكرمة قال: لما أتي عثمان بالمصحف رأى فيه شيئا من لحن فقال: لو كان المملي من هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا - ابن الأنباري وابن أبي داود). انتهى.
وما أقامت العرب (لحنه) بألسنتها!! بل قوم هو ألسنة العرب وأقام لحنها، لأنه كما وصفه الخليفة عثمان (القرآن الذي كتب عن فم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوحاه الله إلى جبريل، وأوحاه جبريل إلى محمد وأنزله عليه، وإذ القرآن غض...). انتهى، وانتهى الأمر!.
يبقى هنا سؤال هام، وهو أنه لم يعرف عن أم المؤمنين عائشة أنها كانت تملك هذه الثروة العظيمة.. ولو كانت عندها لحدثت عنها عشرات الأحاديث، قبل كتابة المصحف الإمام عنها وبعده، وهي التي تحدثت عن كل ما يرتبط بها من النبي صلى الله عليه وآله حتى في الأمور الشخصية، وافتخرت بكل ما يمكن أن يكون حظوة لها عند النبي صلى الله عليه وآله، أو أثرا منه عندها؟!
ولو كانت عندها لحلت بها مشكلة أبيها وعمر المزعومة، في البحث عن سور القرآن وجمعه!!
والجواب: نعم هذا صحيح، وأحاديث عائشة تنفي أن تكون عندها مثل هذه النسخة.. فلو كانت عندها لاشتهرت، ولاحتجت بها على نساء النبي صلى الله عليه وآله عندما خالفنها في مسألة رضاع الكبير، وفي مسألة كفاية خمس رضعات..
ثم لو كانت نسخة القرآن عند عائشة لما استكتبت نسخة من القرآن المتداول كما في رواية مسلم ج 2 ص 112: (عن أبي يونس مولى عائشة أنه قال أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا وقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني
ما الحقيقة إذن؟ هل نستطيع القول إن عثمان يكذب في ادعائه أن اللجنة كتبت المصحف الإمام عن مصحف غض كتب بإملاء النبي صلى الله عليه وآله؟!
كلا.. فليس للخليفة مصلحة في إخبار أهل الأمصار بذلك إلا أنه يريد أن يطمئنهم ويفتخر لهم بثقته بالنسخة التي كتب عنها القرآن.. وقرائن وصفه للنسخة وثقته بها تأبى أن يكون قوله افتراء!.
كل ما في الأمر أنها نسخة علي عليه السلام، وقد أراد عثمان أن يبتعد عن حساسيتهم من علي فنسبها إلى عائشة، ولعله أشرك عبد الله بن الزبير ابن أخت عائشة في اللجنة وأرسله إليها وأحضر نسخة مصحفها العادية، لكي ينسب التدوين إليها!!
أرانا ملزمين بهذه الفرضية، لأنها تملك مؤيدات كثيرة، ولأن كل فرضية أخرى للنسخة الأم تواجهها مضعفات كثيرة!!.
ولا بد أن نستذكر هنا أن وجود سعيد بن العاص في مشروع تدوين المصحف الإمام بصفته معربا وممليا للمصحف، وبصفته أمويا من أقارب الخليفة، ومن أسرة موالية لعلي بن أبي طالب عليه السلام.. ووجود حذيفة الذي له مكانة مميزة بين الصحابة بصفته رائد مشروع توحيد القرآن، ومن خاصة أصحاب علي عليه السلام.. يجعل لمصحف علي في اللجنة أسهما وافرة في أن تكون نسخته هي النسخة الأم التي كتب عنها المصحف الإمام.
روى ابن أبي شيبة في مصنفه ج 7 ص 197:
(حدثنا يزيد بن هارون قال أخبرنا ابن عون عن محمد قال: لما استخلف أبو بكر قعد علي في بيته فقيل لأبي بكر فأرسل إليه: أكرهت خلافتي؟ قال لا لم أكره خلافتك، ولكن كان القرآن يزاد فيه، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت علي أن لا أرتدي إلا إلى الصلاة حتى أجمعه للناس، فقال أبو بكر: نعم ما رأيت).
وروى في كنز العمال ج 13 ص 127:
(عن محمد بن سيرين قال لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أقسم علي أن لا يرتدي برداء إلا الجمعة حتى يجمع القرآن في مصحف، ففعل، وأرسل إليه أبو بكر بعد أيام: أكرهت إمارتي يا أبا الحسن؟ قال لا والله، إلا أني أقسمت أن لا أرتدي برداء إلا الجمعة! فبايعه ثم رجع - ابن أبي داود في المصاحف).
وقال ابن أبي شيبة في مصنفه ج 7 ص 204:
(عن ابن جريج وعن ابن سيرين عن عبيدة قال: القراءة التي عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه هي القراءة التي يقرأها الناس اليوم فيه). انتهى.
ومن الذي عرض على النبي صلى الله عليه وآله نسخته قبيل وفاته غير علي عليه السلام؟! بل لم يدع ذلك أحد من المسلمين غيره! وكفى بذلك دليلا شرعيا!
فهذا الكلام ولو كان ظنا من ابن سيرين، لكنه يدل على أن المسلمين بمن فيهم اللجنة كانوا يعرفون قيمة النص ممن سمع العرضة الأخيرة من النبي صلى الله عليه وآله.. ومن يكون ذلك غير علي عليه السلام!.
ثم إن من المعروف أن مصحفنا الفعلي الذي جمعه الخليفة عثمان، بقراءة عاصم، التي هي قراءة علي عليه السلام! قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 426: (حفص، عن عاصم، عن أبي عبد الرحمن قال: لم أخالف عليا في شئ من قراءته، وكنت أجمع حروف علي، فألقى بها زيدا في المواسم بالمدينة فما اختلفنا إلا في التابوت كان زيد يقرأ بالهاء وعلي بالتاء) انتهى.
وهذه الرواية تكشف أن الذي صحح التابوت وجعله بالتاء هو علي عليه السلام! وأن زيدا بقي يقرؤها بالهاء إلى آخر عمره!.
ليس في قرآننا الفعلي لحن ولا غلط
في مصادر إخواننا السنة روايات يفهم منها أن ترتيب القرآن الفعلي كان اجتهادا من الخليفة عثمان أو الصحابة الذين جمعوه، أو أنهم تدخلوا جزئيا في ترتيبه، كالذي رواه أبو داود في سننه ج 1 ص 182:
(عن يزيد الفارسي، قال: سمعت ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى براءة وهي من المئين وإلى الأنفال وهي من المثاني فجعلتموهما في السبع الطوال ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن
ورواه الترمذي في سننه ج 4 ص 336، وأحمد في مسنده ج 1 ص 57 و ص 69 وابن شبة في تاريخ المدينة المنورة ج 3 ص 1015 والحاكم ج 2 ص 230، و ص 221 وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) والبيهقي في سننه ج 2 ص 42 والهندي في كنز العمال ج 2 ص 579.
ولا يمكن قبول أمثال هذه الروايات، لأنها تنافي أوصاف النسخة المذكورة في رسالة الخليفة إلى الأمصار، وتنافي الروايات الأخرى التي تدل على أن الخليفة عثمان لم يتدخل فنيا في جمع القرآن، بل ترك الأمر للمملي الموثوق سعيد بن العاص.
كما وردت روايات أخرى تدعي أن الكتاب عندما جمعوا القرآن اشتبهوا في الكتابة ودخلت أغلاطهم في نسخة القرآن! كالتي رواها ابن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 1014:
(عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن (إن هذان لساحران) وقوله: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى) (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) وأشباه ذلك؟
فقالت: أي بني إن الكتاب يخطئون)!
وقد وجدت رواية يظهر أنها أصدق وصف لعملية التدوين، وأن كتاب القرآن كانوا مقيدين حرفيا بما يمليه المملي سعيد بن العاص.. وهي ما رواه ابن شبة في المكان نفسه عن أبان بن عثمان، قال: (عن الزبير أن خاله قال:
قلت لأبان بن عثمان وكان ممن حضر كتاب المصحف: كيف كتبتم والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة؟ فقال: كان الكاتب يكتب والمملي يملي، فقال اكتب، قال: ما أكتب؟ قال أكتب والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) انتهى. وإنما قال له المملي ذلك لأنه يملي من نسخة دقيقة ولا يتصرف فيها بحرف.
وينبغي الإشارة إلى أن تمييز أحد المعطوفات بإعراب عن المعطوفات الأخرى له دلالة في اللغة العربية، كما تضع تحت كلمة خطا أو تكتبها بحرف كبير.
كذلك لا يمكن لباحث مدقق أن يقبل الروايات التي تقدمت عن الخليفة عثمان، التي تدعي أن في القرآن خطأ أو لحنا، وأن العرب ستقومه بألسنتها!
سواء كانت صادرة عن الخليفة أو مكذوبة عليه.. لأنها تتنافى مع واقع القرآن الذي قرأه ملايين العرب بعد جمعه وفيهم الفصحاء والأدباء، وفيهم العدو الذي يبحث عن نقطة ضعف في القرآن، ولم يستطيعوا أن يأخذوا على نسخته التي بأيدينا غلطا أو لحنا.. ولأنها تتنافى مع ثقة الخليفة بالمملي والنسخة التي أملاها كما قدمنا.
ولا شك أن بعض هذه الروايات إن لم يكن كلها من مقولاتهم وموضوعاتهم!
وقد برأ ابن تيمية الخليفة عثمان من هذه الروايات ولكنه لم يبرئ أم المؤمنين عائشة! قال في تفسيره ج 5 ص 207:
(وهذا ما يبين غلط من قال في بعض الألفاظ إنه غلط من الكاتب...
قال الزجاج في قوله المقيمين الصلاة: قول من قال إنه خطأ بعيد جدا، لأن الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة والقدوة، فكيف يتركون شيئا يصلحه غيرهم فلا ينبغي أن ينسب هذا إليهم. وقال ابن الأنباري: حديث عثمان لا يصح لأنه غير متصل، ومحال أن يؤخر عثمان شيئا ليصلحه من بعده).
انتهى.
أنا لم أقرأ الموضوع بكامله ولكن لدي استفسار...
إن كان هذا المصحف الذي بين أيدينا هو مصحف علي فيا ترى ألا يكفر من قال بالتحريف، لأن في هذا طعن (كذا) في علي رضي الله عنه، ومن يطعن بأحد الأئمة فهو كمن طعن ببقية الأئمة... وأنت أعلم مني بحكم من طعن بالأئمة في مذهبكم... (أنا أقصد الذين قالوا بالتحريف وصرحوا به كالمجلسي والنوري الطبرسي والجزائري وغيرهم... ممن صرح بالتحريف).
ما حكمت به على عمر وأبي موسى الأشعري والبخاري وغيرهم، فاحكم به عليهم، لأن ما صح عندكم عن هؤلاء من طامات أضعاف ما ذهب إليهم اليه أولئك!
وإن أردت طرفا منه ذكرناه.
أعتقد أن الأخ شعاع ليس لديه موضوع سوى تحريف القرآن، فكان في الملتقى العربي يكرر هذا الموضوع، وفي هذه الساحة يعيد نفس الكلام، ويحكم على من قال بالتحريف بالضلالة الكفر والخروج عن الإسلام!!
فيا ليته يكون منصفا ويترك هذه المواضيع الفارغة، والتي أكل عليها الدهر وشرب..
فقرآننا هو قرآن المسلمين، واذهب إلى مساجد الشيعة لترى بعينيك ذلك...
لكن بعد جريان حكم التكفير على أمثال البخاري وعمر وأبي موسى الأشعري وغيرهم، فإنه سوف يتراجع عن هذا الحكم... والله العالم بحقائق الأمور...
والله إنكم الفرقة الوحيدة التي تطعن بالصحابة، ويكفي شذوذكم هذا لكي نعلم أين مضيع الحق.
نسختان من القرآن عند علي عليه السلام
ورد في مصادرنا ومصادر إخواننا حول مصحف علي عليه السلام، ما يدل على ذلك: فقد روى ابن سعد في الطبقات ج 2 ق 2 ص 101: (عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن عليا أبطأ عن بيعة أبي بكر فلقيه أبو بكر فقال أكرهت إمارتي؟ قال لا، ولكن آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن، قال فزعموا أنه كتبه على تنزيل قال محمد: فلو أصبت ذلك الكتاب كان فيه علم، قال ابن عون: فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فلم يعرفه). ورواه في كنز العمال ج 2 ص 588.
وقال ابن عبد البر في الإستيعاب ج 3 ص 974: (حدثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، قال: لما بويع أبو بكر الصديق أبطأ علي عن بيعته وجلس في بيته فبعث إليه أبو بكر: ما أبطأ بك عني، أكرهت إمارتي؟ قال علي: ما كرهت إمارتك، ولكني آليت ألا أرتدي ردائي إلا إلى صلاة حتى أجمع القرآن. قال ابن سيرين: فبلغني أنه كتب على تنزيله، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير).
ورواه عبد الرزاق في مصنفه ج 5 ص 450 وقال في هامشه: رواه البلاذري عن ابن سيرين موقوفا مختصرا، راجع أنساب الأشراف 1: 587 انتهى.
وقال عن تميز علي عن الصحابة في علمه بالقرآن ص 13: (واعلم أن المفسرين على طبقات فالطبقة الأولى الصحابة رضي الله عنهم وأكثرهم كلاما في التفسير ابن عباس، وكان علي بن أبي طالب رضي الله يثني على تفسير ابن عباس ويقول: كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق.
وقال ابن عباس: ما عندي من تفسير القرآن فهو من علي بن أبي طالب، ويتلوهما عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو بن العاص. وكلما جاء من التفسير من الصحابة فهو حسن).
وقال ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 319:
ومن عجب أمره في هذا الباب أنه لا شئ من العلوم إلا وأهله يجعلون عليا قدوة فصار قوله قبلة في الشريعة، فمنه سمع القرآن.
ذكر الشيرازي في نزول القرآن وأبو يوسف يعقوب في تفسيره عن ابن عباس في قوله لا تحرك به لسانك، كان النبي يحرك شفتيه عند الوحي ليحفظه وقيل له لا تحرك به لسانك يعني بالقرآن لتعجل به من قبل أن يفرغ به من قراءته عليك إن علينا جمعه وقرآنه، قال ضمن الله محمدا أن يجمع القرآن بعد رسول الله علي بن أبي طالب. قال ابن عباس: فجمع الله القرآن في قلب علي وجمعه علي بعد موت رسول الله بستة أشهر.
وحدثني أبو العلاء العطار والموفق خطيب خوارزم في كتابيهما بالإسناد عن علي بن رباح أن النبي صلى الله عليه وآله أمر عليا بتأليف القرآن فألفه وكتبه جبلة بن سحيم، عن أبيه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لو ثني لي الوسادة وعرف لي حقي لأخرجت لهم مصحفا كتبته وأملاه علي رسول الله صلى الله عليه وآله...
أبو نعيم في الحلية والخطيب في الأربعين بالإسناد عن السدي عن عبد خير عن علي عليه السلام قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله أقسمت أو حلفت أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي حتى جمعت القرآن.
وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام أنه آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه إلا للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه، فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه، ثم خرج إليهم به في إزار يحمله وهم مجتمعون في المسجد، فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع التيه، فقالوا: لأمر ما جاء أبو الحسن! فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وهذا الكتاب وأنا العترة، فقام إليه الثاني فقال له: إن يكن عندك قرآن فعندنا مثله، فلا حاجة لنا فيكما! فحمل عليه السلام الكتاب وعاد به بعد أن ألزمهم الحجة... الخ..
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمركم أن تقرؤوا كما علمتم، وهذا دليل على علم علي بوجوه القراءات المختلفة.
وروي أن زيدا لما قرأ (التابوه) قال علي عليه السلام اكتبه (التابوت) فكتبه كذلك.
والقراء السبعة إلى قراءته يرجعون، فأما حمزة والكسائي فيعولان على قراءة علي عليه السلام وابن مسعود، وليس مصحفهما مصحف ابن مسعود، فهما إنما يرجعان إلى علي ويوافقان ابن مسعود فيما يجري مجرى الإعراب، وقد قال ابن مسعود: ما رأيت أحدا أقرأ من علي بن أبي طالب للقرآن.
فأما نافع وابن كثير وأبو عمرو فمعظم قراءتهم ترجع إلى ابن عباس، وابن عباس قرأ على أبي بن كعب وعلي عليه السلام، والذي قرأه هؤلاء القراء يخالف قراءة أبي، فهو إذا مأخوذ عن علي عليه السلام.
وأما عاصم فقرأ على أبي عبد الرحمن السلمي، وقال أبو عبد الرحمن:
قرأت القرآن كله على علي بن أبي طالب عليه السلام، فقالوا أفصح القراءات قراءة عاصم، لأنه أتى بالأصل، وذلك أنه يظهر ما أدغمه غيره، ويحقق من الهمز ما لينه غيره، ويفتح من الألفات ما أماله غيره.
والعدد الكوفي في القرآن منسوب إلى علي عليه السلام ليس في الصحابة
من ينسب إليه العدد غيره، وإنما كتب عدد ذلك كل مصر عن بعض