ثم العجب منك أنك تنصحني الآن.. ألم تدرك ذلك عندما كتبت حول هذا الموضوع باسم أحمد الكاتب، أو غيره الذي يكتب بهذا الموضوع..
والآن تقول لي بأن العدو لم يفرق بين سني وشيعي، ثم قبل أن تجعل فاصلا للاستراحة حتى نستوعب نصيحتك بدأت بعرض عضلاتك وطرحت أمورا أكل الدهر عليها وشرب.. (تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)!
إنني لا أسب ولا أشتم.. وقد قلت في المقدمة أيضا أنني لا أتهم إخواننا السنة بالتحريف كما أنتم تفعلون بنا..
ولكن إحمل أخاك على سبعين محملا حسنا. وأنت بالذات آخر من يتكلم..
لأن أساليبك في طرح المواضيع غير أخلاقية ولا علمية. انتهى.
(قال (العاملي):
منهج الدراسة في الحوزات العلمية الشيعية
لا بد من هذه الكلمة الموجزة عن المعاهد والحواضر العلمية الدينية عند الشيعة التي غلب عليها اسم (الحوزات العلمية)، لأن هذا الموضوع الذي طرحوه في شبكات النت يرتبط بمحاولات لتحديث مناهج الدراسة فيها، وجعلها مثل كليات الجامعات العصرية.
يعرف الجميع أن الحوزات العلمية الشيعية تمتاز عن مثيلاتها بأمرين جوهريين:
استقلالها المالي والسياسي. ومنهج الدراسة فيها.
فماليتها من الأخماس والزكوات والتبرعات، التي يدفعها الشيعة في العالم إلى مرجع التقليد الذي يعتقدون بأنه الأعلم بالفقه، والأتقى في العلماء المعاصرين.
أما مناهج الدراسة في الحوزات العلمية، فهي تختلف عن مناهج الجامعات والكليات، لأنها تقوم على نظام الإجازات الإسلامي، الذي يحفظ إلى حد كبير حرية اختيار الأستاذ والتلاميذ، ويعتمد على الإجازات العلمية (الشهادات) من مرجع التقليد وكبار العلماء، مثل إجازة الاجتهاد، وإجازة الرواية.. كما يعتمد على الإجازات الوظيفية، مثل إجازة القضاء، وإجازة الوكالة عن المرجع، وإجازة التبليغ، وإمامة الجماعة.. الخ.
والوضع السائد في الحوزات أن الطالب بعد أن يقبل في إحدى مدارس الحوزة، يدرس كتب المنهج المقررة التي تبدأ بالنحو والصرف ثم البلاغة، والمنطق، والفقه، وأصول الفقه.
وتسمى هاتان المرحلتان مرحلة المقدمات، ومرحلة سطوح الكتب، وتستغرقان نحو تسع سنوات..
ثم يواصل الطالب بعدها مرحلة البحوث العالية في الفقه والأصول، حتى يصل إلى درجة الاجتهاد.
وبعضهم يكتفي بدراسة السطوح، ويتجه إلى الخطابة، أو التفسير، أو الحديث، أو إلى فروع أخرى من فروع المعرفة والعمل. وبعضهم يدرس الكلام والفلسفة.. الخ.
وسلسلة السلف الصالح من علمائنا.
ولأنها تضمن حرية الطالب والأستاذ، وتؤصل في الطلبة التعمق في فهم النصوص الشرعية.. الخ.
وفي المقابل طرح عديدون من داخل الحوزات العلمية وخارجها، مشاريع في المنهج الدراسي والإدارة لتحديث الحوزة وتطويرها، وكانت كلها تواجه بالتحفظ أو الرفض من المراجع وكبار العلماء.. وأسباب ذلك عندهم:
أولا: خوفهم من مصادرة الدولة للحوزة، وتحويلها إلى كليات عادية تابعة للدولة كما حدث لحوزة الأزهر في مصر، والزيتونة في تونس، والقرويين في المغرب، حيث تم تحويلها إلى كليات باسم أصول الدين والشريعة.. الخ.
ثانيا: خوفهم من استبدال العمق العلمي الحوزوي، إلى سطحية المعاهد والكليات المنتشرة في العالم الإسلامي.
ثالثا: خوفهم من تسييس الحوزة وسيطرة الدولة عليها، أي دولة، حتى لو كانت دولة شيعية.
رابعا: يعتبر الفقهاء أن مهمة الحوزات وهدفها الأساسي هو ضمان وجود مبلغين للدين من خطباء وعلماء مناطق، ووجود مجتهدين على مستويات عالية يقومون بدور التدريس والتوجيه ويكون من بينهم مرجع التقليد أو مراجع التقليد حسب قناعة عموم الشيعة.
خامسا: أنهم يرون أن مواد المناهج الدراسية المقترحة مواد ضعيفة، لا تصل إلى مستوى المواد المقررة في الحوزة، سواء في أدبيات اللغة العربية، أو في المنطق والبلاغة، أو في الفقه والأصول.. وهذه المواد من شأنها أن تربي طلابا سطحيين، لا يمكن أن تكون لهم أهلية الاجتهاد، ولا الكفاءات العلمية الأخرى.
فالمتن الدرسي الحوزوي له مواصفات خاصة في عبارته ومطلبه العلمي، لا يمكن للكراسات المعدة، والكتب المقترحة أن تسد مسده.
في هذا الجو طرحت بعد الثورة الإسلامية في إيران عدة مشاريع لتطوير الحوزات العلمية الشيعية، ولم تلق قبولا من العلماء، للأسباب المتقدمة كلا أو بعضا.. وكان من المبررات التي طرحها أصحاب مشاريع التحديث:
كما طبق الجانب الإداري منه بشكل جزئي على الطلبة الإيرانيين..
وقد رافق هذا الطرح انتقادات مبالغ فيها لمناهج الحوزة، نشرت منها الصحف الإيرانية عدة مقالات، وقام الدكتور جعفر باقري المتحمس للمشروع بنشرها في كتاب، أملا أن يكون عونا لإقناع الحوزة بتطبيق مشروع آية الله خامنئي، الذي تحفظ عليه المراجع، للأسباب المتقدمة.
وقد نسب الباقري في كتابه كلاما شديدا إلى آية الله خامنئي ضد منهج الحوزة، لا نعرف مدى دقة ترجمته عن الفارسية، فرفعه بعض السلفيين النواصب قميص عثمان، باعتبار أنه إقرار من الشيعة بعدم اهتمامهم بالقرآن الكريم وعلومه!!!
مع أن القضية المطروحة بين السيد الخامنئي ومراجع الحوزة أمر آخر كليا!
وكتاب الدكتور الباقري ليس كتابا علميا بل كتاب إعلامي استعمل المبالغة مع الأسف وذم المنهج العلمي ومواد الدراسة في الحوزة العلمية لإثبات ضرورة المشروع الذي يدعو إليه!! كالذي يقول إن برنامج هذه المدرسة خراب وطلبتها فاشلون، فسلموها لي لكي أطبق فيها برنامجا يحييها!!
مع أن المؤلف والجميع يعرفون أن الحوزة العلمية الشيعية مفخرة المسلمين، في صمودها وحرصها على استقلالها عبر القرون.. وفي عمقها العلمي وتخريجها للنوابغ الأفذاذ.
الفصل الرابع عشر
زعمهم أن علماء الشيعة ضعفاء في علم التفسير
زعمهم أن علماء الشيعة ضعفاء في علم التفسير
كتب (مشارك) في شبكة أنا العربي، بتاريخ 21 - 6 - 1999، التاسعة صباحا، موضوعا بعنوان (نقاش في بضاعة الرافضة في التفسير) قال فيه:
العجيب والغريب في تفاسير الرافضة للقرآن، تفسيرهم لأغلب الآيات القرآنية وكأنها نزلت لإقرار مذهبهم في الإمامة، أو ذم الصحابة، وخاصة أبي بكر وعمر
وهنا نريد أن نعرف بضاعة الرافضة في التفسير من خلال تفسيرهم لآية (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى).
فحبذا لو يأتوا (كذا) بما عندهم من التفسير لهذه الآية من كتبهم المعتمدة.
راجع تفسير الميزان للسيد الطباطبائي عليه الرحمة الجزء 18 ص 42، وما بعدها.
هل يمكن أن تنقل لي شيئا مما ورد فيه؟
نقلا عن تفسير القرطبي:
الأول: قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه عليه أجرا)، أي قل يا محمد:
لا أسألكم على تبليغ الرسالة جعلا. إلا المودة في القربى... الخ.
الزميل أبو عمار.
كنت أريد تفسير الآية من كتبكم لا من القرطبي، وآسف إن كنت فهمتني خطأ.
هل بضاعتكم في التفسير خاصة بأصحاب الطينة المقدسة أم أنها بضاعة مزجاة؟!
الأخ مشارك:
ألم تقرأ قول الله تعالى.. وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون.
أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون ما يعلنون. ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون.
وألم تقرأ قوله تعالى.. ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أو يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم.
ولذلك لا تجد من يدلك على المواقع التي تنشر المعتمد من كتبهم أو يذكروا (كذا) لنا عقائدهم.
كلا. حتى تكتشف ذلك بنفسك، فإذا كشفت عقيدتهم انهالت عليك الردود بأن ما وقعت عليه هو الحق، وأصبحوا يؤولون الضلال، والله المستعان. وهذه طريقتهم الملتوية.
قد كشفتم لنا بضاعتكم في الحديث عند ذكركم لحديث الكذب: (لعن الله من تخلف عن جيش أسامة)، فهل بضاعتكم في التفسير من نفس النوع؟
اطمئنوا فأنا أريد الظاهر والباطن الأول فقط، ولا أريد بقية الأبطن السبعة.
(ثم كتب (مشارك) بتاريخ 22 - 6 - 1999، التاسعة مساء:
صحيح أنكم روافض، وصدقوني لم أجد لكم أفضل من هذا الاسم الذين تزعمون أن الله سماكم به، فكل يوم ويوم أجد لكم سببا في التسمية بهذا الاسم ولنحصر ما عندنا حتى الآن:
1 - رفضتم زيد بن علي بن الحسين.
2 - ترفضون ما جاء عن الصحابة من أحاديث.
3 - ترفضون السنة.
4 - ترفضون عرض عقيدتكم.
6 - ترفضون أن تعرضوا بضاعتكم في التفسير.
7 - ترفضون أن تقولوا أن من الاثني عشرية من يكفر بعضهم بعضا.
8 - ترفضون الكلام على ما حدث بين الحسن ومعاوية.
9 - ترفضون الكلام على ما حدث بين الخميني والخوئي.
10 - ترفضون الكلام عن عصمة الأئمة.
11 - ترفضون الكلام عن طينتكم المقدسة. من يزيد؟!!!
(ثم كتب (مشارك) بتاريخ 24 - 6 - 1999، الحادية عشرة ليلا:
أنحن من نفر أيها التلميذ الحصيف!!!!!
حسب طلبك يا مشارك، وضعت في هذا الموقع بحثا حول مصطلح أهل البيت في الإسلام، وفيه تفسير ثلاث آيات منها آية المودة في القربى، فأرجو أن تقرأه وتخبرني.
وعندي نموذج من تفسير الشيعة لآية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)، إن أردت أرسلته لك.
ولكن أخبرك أنه كله مناقشة لرأي الخليفة عمر.. لأنه يقول إن يوم نزولها يستحق أن يكون عيدا، ولكنها نزلت في يوم عيد فاصطدم العيد النازل بالموجود وحصل ما حصل! فإن تحملت أن يناقش أحد إمامك عمر بالدليل، أرسلت لك تفسير الآية، إن شاء الله تعالى.
أنا أريد النقاش من خلال هذه الآية، لأني حسب طلبكم لم أكتف بما جاء عند ابن تيمية بل قرأت لغيره أيضا.
(ونشر (العاملي) في شبكة أنا العربي، بتاريخ 25 - 6 - 99 -، عدة بحوث في تفسير آية التطهير وآية المباهلة وآية المودة في القربى، بعنوان (عمليات علماء البلاط على آيات أهل البيت عليهم السلام).
كما نشر الأخ الأشتر وغيره من كتاب الشيعة مواضيع في تفسير هذه الآيات أيضا وناقش مشارك وغيره في بعضها، وفروا من أكثرها!!
وسنوردها في باب مصطلح أهل البيت في الإسلام، وموضوع صيغة الصلاة الشرعية على النبي وآله، صلى الله عليه وعليهم.
أول وآخر ما نزل من القرآن
ليس من العجيب أن يختلف المسلمون في أول آيات نزلت على النبي صلى الله عليه وآله، لأنهم لم يكونوا مسلمين آنذاك..
ثم إنهم باستثناء القلة، لم يكتبوا ما سمعوه من نبيهم في حياته، فاختلفوا بعده في أحاديثه وسيرته. ولهذا لا نعجب إذا وجدنا أربعة أقوال في تعيين أول ما أنزله الله تعالى من كتابه: أنه سورة اقرأ. وأنه سورة المدثر. وأنه سورة الفاتحة. وأنه البسملة.. كما في الإتقان للسيوطي 1 / 91.
فلماذا اختلفوا في آخر آية، أو سورة نزلت عليه صلى الله عليه وآله؟!!
الجواب: إن الأغراض الشخصية والسياسية لم تدخل في مسألة أول ما نزل من القرآن، كما دخلت في مسألة آخر ما نزل منه.. كما سوف ترى!!
سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن:
يصل الباحث في مصادر الحديث والفقه والتفسير إلى أن سورة المائدة آخر سورة نزلت من القرآن.. وأن آية (اليوم أكملت لكم دينكم) الواقعة فيها، نزلت بعد إكمال نزول جميع الفرائض.. وأن بعض الصحابة حاول أن يجعل بدل سورة المائدة سورا أخرى!!
رأي أهل البيت عليهم السلام:
- قال العياشي في تفسيره 1 / 288: عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام قال: كان القرآن ينسخ بعضه بعضا، وإنما كان يؤخذ من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بآخره، فكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة، فنسخت ما قبلها ولم ينسخها شئ.
لقد نزلت عليه وهو على بغلته الشهباء، وثقل عليه الوحي، حتى وقفت وتدلى بطنها، حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض، وأغمي على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وضع يده على ذؤابة شيبة بن وهب الجمحي، ثم رفع ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله، فقرأ علينا سورة المائدة، فعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وعملنا. انتهى.
- وفي الكافي 1 / 289: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود، جميعا عن أبي جعفر عليه السلام قال:
أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي وأنزل عليه: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي؟
فأمر الله محمدا صلى الله عليه وآله أن يفسر لهم الولاية، كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج، فلما أتاه ذلك من الله، ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وتخوف أن يرتدوا عن دينهم، وأن يكذبوه، فضاق صدره وراجع ربه عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس)، فصدع بأمر الله تعالى ذكره، فقام بولاية علي عليه السلام يوم غدير خم، فنادى الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب.
قال عمر بن أذنية: قالوا جميعا غير أبي الجارود - وقال أبو جعفر عليه السلام: وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر
قال أبو جعفر عليه السلام: يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض.
وفي تاريخ اليعقوبي 2 / 43: وقد قيل إن آخر ما نزل عليه: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا، وهي الرواية الصحيحة، الثابتة الصريحة.
مصادر السنيين الموافقة لرأي أهل البيت عليهم السلام
- الدر المنثور 2 / 252: وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، عن أبي ميسرة قال: آخر سورة أنزلت سورة المائدة، وإن فيها لسبع عشرة فريضة.
- المحلى 9 / 407: روينا من طريق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما أن سورة المائدة آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها حلالا فحللوه، وما وجدتم فيها حراما فحرموه. وهذه الآية في المائدة فبطل أنها منسوخة، وصح أنها محكمة.
- المحلى 7 / 389:
فإن هذا قد عارضه ما رويناه عنها من طريق ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن جري بن كليب، عن جبير بن نفير قال: قالت لي عائشة أم المؤمنين: هل تقرأ سورة المائدة؟ قلت: نعم؟ قالت: أما إنها آخر سورة نزلت، فما وجدتم فيها حراما فحرموه. انتهى. ورواه أحمد في مسنده 6 / 188،
ورواه الحاكم 2 / 311 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ثم روى عن عبد الله بن عمرو، أن آخر سورة نزلت سورة المائدة، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.
وسوف تعرف أنهما لم يخرجاه مراعاة لعمر حيث ادعى أن آخر ما نزل من القرآن غير المائدة. - وفي مجمع الزوائد 1 / 256: وعن ابن عباس أنه قال: ذكر المسح على الخفين، وعند عمر سعد وعبد الله بن عمر، فقال عمر: سعد أفقه منك، فقال عبد الله بن عباس: يا سعد إنا لا ننكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح، ولكن هل مسح منذ نزلت المائدة، فإنها أحكمت كل شئ، وكانت آخر سورة نزلت من القرآن، ألا تراه قال... فلم يتكلم أحد. رواه الطبراني في الأوسط، وروى ابن ماجة طرفا منه، وفيه عبيد بن عبيدة التمار وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يغرب. انتهى.
يقصد الهيثمي أن الرواية ضعيفة بهذا الراوي، الذي هو ثقة عند ابن حبان، ولكنه يروي روايات غريبة، أي مخالفة لمقررات المذهب الرسمي الذي يقول إن الواجب هو غسل الرجلين في الوضوء، ويقول إن المائدة ليست آخر سورة نزلت!
- وفي الدر المنثور 2 / 252: وأخرج أبو عبيد عن ضمرة بن حبيب وعطية بن قيس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المائدة من آخر القرآن تنزيلا، فأحلوا حلالها وحرموا حرامها. انتهى.
وفي تفسير التبيان 3 / 413 وقال عبد الله بن عمر: آخر سورة نزلت المائدة.
وفي الغدير 1 / 228: ونقل ابن كثير من طريق أحمد والحاكم والنسائي عن عايشة: أن المائدة آخر سورة نزلت. انتهى.
ويتضح من مجموع ذلك أن المتسالم عليه عند عند أهل البيت عليهم السلام أن آخر ما نزل من القرآن سورة المائدة.. وأنه مؤيد بروايات صحيحة وكثيرة، في مصادر إخواننا.. بل يمكن القول بأن آية اليوم أكملت لكم دينكم وحدها تكفي دليلا على أنها آخر سورة نزلت في آخر ما نزل من كتاب الله تعالى، لأنها تنص على أن نزول الفرائض قد تمت بها، فلا يصح القول بأنه نزل بعدها فريضة، على أنه وردت نصوص بذلك كما تقدم عن الإمام الباقر عليه السلام، وكما سيأتي من رواية الطبري والبيهقي وقول السدي.
وعليه، فكل ما نزل بعدها من القرآن، لا بد أن يكون خاليا من الفرائض والأحكام، لأن التشريع قد تم بنزولها، فلا حكم بعدها!
الآراء المخالفة والمتناقضة:
ولكن هذا الأمر المحدد الواضح، صار غير واضح ولا محدد عندهم!!
وكثرت فيه الروايات وتناقضت! وزاد في الطين بلة أن المتناقض منها صحيح بمقاييسهم! وأنها آراء صحابة كبار لا يجرؤون على ردهم!
1 - أن آخر آية هي آية الربا، وهي الآية 278 من سورة البقرة.
2 - أن آخر آية هي آية الكلالة، أي الورثة من الأقرباء غير المباشرين، وهي الآية 176 من سورة النساء.
3 - أنها آية (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله).. البقرة - 281.
4 - أنها آية (لقد جاءكم رسول من أنفسكم).. التوبة - 128.
5 - أنها آية (وما أرسلنا من قبلك من رسول) الأنبياء - 25.
6 - أنها آية (فمن كان يرجو لقاء ربه)... الكهف - 110.
7 - أنها آية (ومن يقتل مؤمنا متعمدا)... النساء - 93.
8 - أن آخر سورة نزلت هي: سورة التوبة.
9 - أن آخر سورة نزلت هي: سورة النصر.
هذا ما جاء فقط في إتقان السيوطي 1 / 101، وقد تبلغ أقوالهم ورواياتهم ضعف هذا العدد، لمن يتتبع المصادر!!
كيف نشأت هذه الآراء المتناقضة؟!:
القصة التالية تعطينا ضوءا على نشأة هذا الاضطراب والضياع:
سئل الخليفة عمر ذات يوم عن تفسير آية الربا وأحكام الربا، فلم يعرفها!
1 فتأسف لأن هذه الآية آخر آية نزلت وأن النبي (ص) توفي ولم يفسرها لنا!
ومن يومها دخلت آيات الربا على الخط، وشوشت على سورة المائدة، وصار ختام ما نزل من القرآن مرددا بين المائدة، وبين آيات الربا!
وتبرع المتبرعون وقالوا إن مقصوده الآية 278 من سورة البقرة!
فصار مذهبهم أن آخر آية نزلت من القرآن وضعت في سورة البقرة، التي نزلت في أول الهجرة! وصار مذهبهم أن تحريم الربا تشريع إضافي، لأنه نزل بعد آية إكمال الدين!
ولعلهم يتصورون أنه لا بأس بهذه المفارقة في نزول القرآن والوحي، ما دام هدفهم هدفا شرعيا صحيحا هو الدفاع عن الخليفة عمر بن الخطاب!!
- قال السرخسي في المبسوط 2 / 51 و 12 / 114: فقد قال عمر رضي الله عنه: إن آية الربا آخر ما نزل، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبين لنا شأنها!
- وقال الإمام أحمد في مسنده: 1 / 36: عن سعيد بن المسيب قال:
قال عمر رضي الله عنه: إن آخر ما نزل من القرآن آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض ولم يفسرها، فدعوا الربا والريبة!! ورواه في كنز العمال 4 / 186 عن ش وابن راهويه حم - وابن الضريس، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل.
- وقال السيوطي في الإتقان 1 / 101: وأخرج البخاري عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت آية الربا. وروى البيهقي عن عمر مثله... وعند أحمد وابن ماجة عن عمر: (من) آخر ما نزل آية الربا. انتهى.
قصة ثانية:
وذات يوم سئل الخليفة عمر عن معنى الكلالة فتحير فيها، واستعصى عليه فهمها. والكلالة هم ورثة الميت غير القريبين. فقال الخليفة: إنها آخر آية نزلت، وتوفي النبي قبل أن يبينها له، أو بينها له بيانا ناقصا!
- ففي البخاري 5 / 115: عن البراء رضي الله عنه قال: آخر سورة نزلت كاملة براءة، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة... ونحوه في 5 / 185.
- وقال السيوطي في الإتقان 1 / 101: فروى الشيخان عن البراء بن عازب قال: آخر آية نزلت: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، وآخر سورة نزلت براءة.
- وفي مسند أحمد 4 / 298: عن البراء قال: آخر سورة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم كاملة براءة، وآخر آية نزلت خاتمة سورة النساء:
يستفتونك... إلى آخر السورة... إلى آخره!
ومن يومها دخلت آية الكلالة على الخط، وشاركت في التشويش على سورة المائدة! وصار ختام ما نزل من القرآن مرددا بين آيات الربا والكلالة، وبقية المائدة بما فيها آيتا العصمة من الناس، وإكمال الدين!
وقد راجعت ما تيسر لي من مصادر إخواننا في مسألة الربا والكلالة، فهالتني مشكلة الخليفة معهما، خاصة مسألة الكلالة، حتى أنه جعلها من
ففي صحيح البخاري 6 / 242: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل.
والخمر ما خامر العقل. وثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهدا: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا.
انتهى. ورواه مسلم في 2 / 81، بتفصيل أكثر، وروى نحوه في 5 / 61 و 8 / 245، ورواه ابن ماجة في 2 / 910، وقال عنه السيوطي في الدر المنثور 2 / 249: وأخرج عبد الرزاق والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر عن عمر... ويدل هذا الصحيح المؤكد، على أن عمر لم يسأل النبي صلى الله عليه وآله عن الكلالة.
وقد صرح بذلك صحيح الحاكم الذي رواه في المستدرك 2 / 303، فقال: محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة يحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث أحب إلي من حمر النعم: عن الخليفة بعده، وعن قوم قالوا نقر بالزكاة في أموالنا ولا نؤديها إليك، أيحل قتالهم؟ وعن الكلالة. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.
ولكن في صحيح مسلم أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وآله عنها مرارا!!
- قال مسلم في 5 / 61: عن معدان بن أبي طلحة أن عمر بن الخطاب خطب يوم جمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أبا بكر ثم قال:
يعني أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله عنها مرارا فوضحها له مرارا، ولكنه كرر سؤاله حتى غضب عليه النبي صلى الله عليه وآله لعدم فهمه لشرحه إياها!
بل يدل الصحيحان التاليان على أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر عمر أنه سوف لن يفهم الكلالة طول عمره، أو دعا عليه بذلك!
- ففي الدر المنثور 2 / 250: وأخرج العدني والبزار في مسنديهما، وأبو الشيخ في الفرائض، بسند صحيح عن حذيفة قال:
نزلت آية الكلالة على النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو بحذيفة فلقاها إياه، فنظر حذيفة فإذا عمر فلقاها إياه.
فلما كان في خلافة عمر، نظر عمر في الكلالة فدعا حذيفة فسأله عنها، فقال حذيفة: لقد لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيتك كما لقاني، والله لا أزيدك على ذلك شيئا أبدا. انتهى.
- وفي كنز العمال 11 / 80: حديث 30688، عن سعيد بن المسيب أن عمر سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف يورث الكلالة؟
قال: أوليس قد بين الله ذلك، ثم قرأ: وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة... إلى آخر الآية، فكأن عمر لم يفهم! فأنزل الله: يستفتونك قل
إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب نفس، فاسأليه عنها.
فقال (رسول الله): أبوك ذكر لك هذا؟ ما أرى أباك يعلمها أبدا!!
فكان يقول: ما أراني أعلمها أبدا، وقد قال رسول الله ما قال!!
وذكر في مصدره أنه صححه ابن راهويه أو ابن مردويه.
- بل روى السيوطي في الدر المنثور 2 / 249: أن النبي صلى الله عليه وآله قد كتبها لعمر في كتف! قال: وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن مردويه عن طاوس، أن عمر أمر حفصة أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة، فسألته فأملاها عليها في كتف، وقال: من أمرك بهذا؟
أعمر؟ ما أراه يقيمها!!
أو ما تكفيه آية الصيف؟!! قال سفيان: وآية الصيف التي في النساء (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة). فلما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت الآية التي في خاتمة النساء. انتهى.
فانظر إلى هذه التناقضات في أحاديث عمر والكلالة، وكلها صحيحة!!
ولاحظ أن الكلالة هي إحدى المسائل الثلاث التي قال البخاري إن النبي صلى الله عليه وآله لم يبينها للأمة، ولا سأل عمر النبي عنها!
مع أن روايتهم الصحيحة تقول إن النبي صلى الله عليه وآله قد بينها مرات وكتبها في كتف، والكتابة على الكتف كانت لما يهتم به أكثر لأن الكتف هو الجلد، وهو أدوم من القرطاس!
وأما المسألة الثانية التي هي الخلافة، فقد روى البخاري نفسه أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله دعا بدواة وكتف ليكتب للأمة الإسلامية كتابا لا تضل
وأما المسألة الثالثة، وهي أبواب الربا، فيستحيل أن لا يكون النبي صلى الله عليه وآله قد بينها وشرحها للمسلمين أيضا، وقد يكون كتبها لعمر أو غيره في كتف أيضا!!
إن الإنسان هنا يقف بين أن يتهم النبي صلى الله عليه وآله بأنه قصر في بيان ما أنزل الله إليه، وبين أن يتهم الله تعالى بأنه أخذ نبيه قبل أن يكمل مهمة البيان التي أمره بها، وبين أن يتهم عمر.. بالنسيان مثلا..
ولا يمكن لمسلم أن يجرأ على تهمة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله!!
دلالة هاتين القصتين:
تدل هاتان القصتان على أن صحاح إخواننا فيها متناقضات لا يمكن لباحث أن يقبلها جميعا، بل لا بد له أن يرجح بعضها ويرد بعضها! فكيف يمكن لعاقل أن يقبل في موضوعنا أن عمر لم يسأل النبي صلى الله عليه وآله عن الآية لأنها آخر آية نزلت.. وأنه سأله عنها مرارا! حتى دفعه بإصبعه في صدره، وغضب منه، الخ.!!
وكيف يقبل أن الكلالة آخر آية، وآيات الربا آخر آيات.. إلى آخر المصائب التي ذكرناها، والتي لم نذكرها!
وتدل القصتان في موضوعنا على أن آيات الربا وإرث الكلالة، وربما غيرهما، حسب رأي الخليفة قد نزلت بعد آية إكمال الدين!
ومعنى ذلك أن الله تعالى قال للمسلمين: اليوم أكملت لكم دينكم، ولكنه لم يكن أكمل أحكام الإرث والربا وأحكام القتل!! فهل يقبل أحد ذلك؟!!