(وإنك لعلى خلق عظيم). ثم إنه نفي عنه العبوس ونحوه بقوله:
(ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك).
ثم إنه وصفه بأنه يتصدى للأغنياء ويتلهى بالفقراء! وهذا مما لا يوصف به النبي (ص) لأنه كان متعطفا متحننا، وقد أمره الله تعالى بقوله: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.
وكيف يقول: وما عليك ألا يزكى، وهو مبعوث للدعاء والتنبيه، وكيف يجوز ذلك عليه، وكان هذا القول إغراء بترك حرصه على إيمان قومه، وإنما عبس صحابي ذكرنا شرحه في المثالب. (كتاب لابن شهرآشوب غير مطبوع، وقد بلغني أن إحدى المؤسسات مشغولة بتحقيقه وأرجو أن يكون ما سمعته صحيحا). وللحديث بقية.
أحسنت أيتها الأخت المتثبتة..
وما ذكرته هو منهج علمائنا رضوان الله عليهم وهو يقوم على إدراك المقام السامي لأشرف الموجودات وأكمل البشر، صاحب الخلق العظيم، والقلب الرحيم، والمسدد من صغره بملائكة الله المرافقين، والمؤيد بروح القدس من رب العالمين، صلى الله عليه وآله الذين هم من طينته ونوره..
ومنهج التعاطي مع مثل هؤلاء العظماء، يجب أن أن يكون باحتياط تام، وحذر من التسرع في نسبة نقص ولو صغير إلى حضراتهم المقدسة، ومقامهم السامي.. إلا ما ثبت بيقين لا شك فيه.
ثم.. وها نحن نرى في هذه الساحة من يدافعون بالمستحيل لكي يبعدوا العيوب والنقائص عمن يحبون من رؤساء قبائل قريش..
ويعملون المستحيل لتأويل شهادات النبي المعصوم ضدهم، وحتى لعنه إياهم! فما بالهم يتسرعون ولا يحتاطون في نسبة العبوس في وجه الأعمى والتودد إلى الأغنياء، إلى صاحب الخلق العظيم، صلى الله عليه وآله؟!!
إنه والله أمر عجيب، نشأ من التلقين وعدم التأمل في الآيات، أو من الهوى لمن تسرع، أو افترى!!
في البداية.. أود أن أشكر الأخوة الذين أشبعوا الموضوع بحثا وتفصيلا، لا سيما الأخ الفاضل العاملي، والأخت الفاضلة إيمان، على الطرح الراقي في الحوار وتوخي الحقيقة، ولا يخفي عليكم أن هناك كثير من اللفتات والنكات التي تستحق أن يقف عندها الإنسان المؤمن متأملا وباحثا عن الحقيقة بعيدا عن كل المؤثرات التي تحول بينه وبين الحقيقة.
ونحن نعلم كما أنكم تعلمون أن التفسير التجزيئي اعتمد في التفسير على الروايات الواردة في كتب الحديث خضع لكثير من المؤثرات الخارجية، وهذه المؤثرات قد تكون مذهبيه وقد تكون أحيانا التشبث برأي المشهور، دون أدنى بحث أو تفكير بموضوعيه، وقد يكون للمفسر تبريراته في ذلك، وأضعف الايمان في ذلك أن يلقي المسؤليه على عاتق التاريخ وما حمله لنا من أخبار وروايات.
والأمثلة على ذلك كثيرة عند السنة والشيعة ولا أريد التعرض لها أو ذكرها خوفا من عواقب الأمور!
وقبل أن أبدأ بالشروع في تكملة الموضوع أود أن أجيب على تساؤلات الأخت الكريمة الفاضلة طبيعي:
السؤال الأول: هل توجد رواية صحت عندك أخي عن طريق آل البيت أئمتنا عليهم السلام بأن الآية تنسب حتما إلى نبينا صلى الله عليه وآله؟
الجواب: نعم وهي التي أشرت إليها في مقدمة الموضوع وهناك من علماء الطائفة اعتمدوا عليها في تفاسيرهم مثل الطبرسي في تفسيره مجمع البيان والشيخ مغنية في تفسيره التفسير المبين، وسماحة العلامة فضل الله في وحي القرآن.
السؤال الثاني: هل الرواية الصحيحة عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام بنسبة العبوس إلى رجل من بني أمية هي غير صحيحة سندا عندك؟؟؟
الجواب: أنا لست محققا حتى أتمكن من صحة الرواية أو عدم صحتها، ولكن أميل إلى الرأي الذي يقول إن الرجل المعاتب ليس من بني أمية.
أما بالنسبة إلى السؤال الثالث، فالإجابة واضحه من خلال ما طرحناه في الموضوع المتقدم في أن مسألة العبوس لا تتنافى مع عصمته (ص) أو أخلاقه عليه السلام، لأن النبي كان في مقام المهم والأهم، وهذا ماسنقوم به من تكمله للموضوع.
الرسول بين المهم والأهم:
عبس وتولى: أي واجه الموقف بالعبوس الذي يتمثل في تقلص عضلات الوجه وقسوة النظرة، والإعراض عن هذا السائل الملحاح.
أن جاءه الأعمى: الذي عاش مسؤولية الإيمان في مسؤولية المعرفة، كما عاش مسؤولية الدعوة في حاجتها إلى الوعي الرسالي في كل مفردات الرسالة في العقيدة والشريعة، فأراد أن ينتهز فرصة وجود النبي (ص) مع المسلمين ليأخذ من علمه، مما أنزله الله عليه من كتاب، وما ألهمه من علم الشريعة والمنهج والحياة.
ولكن النبي) ص) لم يستجب له لأن هناك حالة مهمة يعالجها في دوره الرسالي المسؤول، في محاولة لتزكية هؤلاء الكفار من وجهاء المشركين، طمعا في أن يسلموا ليتسع الإسلام في اتباع جماعتهم لهم، لأنهم يقفون كحاجز بين الناس وبين الدعوة، ولذلك أجل النبي (ص) الحديث مع هذا الأعمى إلى وقت آخر، إذ كانت الفرص الكثيرة تتسع للقاء به أكثر من مرة، فتكون له الحرية في إغناء معلوماته بما يحب في جو هادئ ملائم، بينما لا تحصل فرصة اللقاء بهؤلاء دائما، فكانت المسألة دائرة - في وعيه الرسالي - بين المهم في دور هذا الأعمى، وبين الأهم في دور هؤلاء الصناديد. ولكن الله يوجه المسألة إلى ما هو الأعمق في قضية الأهمية في مصلحة الرسالة، باعتبار أن هذا الأعمى قد يتحول إلى داعية إسلامي كبير (وما يدريك لعله يزكى) فيما يمكن أن يستلهمه من آيات القرآن التي يسمعها، مما يغني له روحه، فتصفو أفكاره، وترق مشاعره، وتتسع آفاقه، وتتعمق معرفته بربه، فيؤدي ذلك إلى عمق في الفكر، وسعة في الأفق، وغنى في الشخصية، وحيوية في
أو يذكر فتنفعه الذكرى: في ما يمكن أن يعيشه من غفلة عن بعض الحقائق، أو جهل ببعض القضايا، فتأتي الكلمات القرآنية لترفع عنه حجاب الجهل، فإذا حدث له ذلك..
أمكن لهذا التطور في شخصيته أن يحقق النفع للخط الإسلامي المستقيم على مستوى الالتزام والدعوة والحركة.
أما من استغنى: فلم تكن لديه أية ميزة إلا غناه، وكان يعتبر أن الغنى يمثل عمق القيمة التي تمنحه موقعا اجتماعيا متقدما، وتغريه - دائما - بأن يضع كل فكره وعمله وعلاقاته بالناس في خدمة غناه، حتى أن انتماءه إلى أي دين أو مذهب يتحرك في جهة الدين الذي يخدم غناه، والمذهب الذي يدعم ثروته.
فأنت له تصدى: لتحاول بجهدك الرسالي أن تمنحه زكاة الروح وطهارة الفكر، فيما تحسبه من النتائج الكبيرة لذلك على مستوى امتداد الإسلام في قريش.
وما عليك ألا يزكى: فلن تتحمل أية مسؤولية من خلال ابتعاده عن الخط المستقيم، وتمرده على تطلعات الروح إلى آفاق الطهارة وسماوات الصفاء، لأنك لم تقصر في الإبلاغ، ولم تدخر أي جهد فيما حركته من الوسائل التي تملكها، وفيما استخدمته من الأساليب التي تحركها في اتجاه التزكية للناس جميعا..
وقد سمعوا ذلك كله، وأصروا على الاستكبار والتمرد، لا من موقع شبهة، ولكن من موقع القرار الذي أصدروه مع جماعتهم، في عدم الاستجابة إليك..
وأما من جاءك يسعى: للحصول على المعرفة، وهو يخشى، الله في نفسه وفي مسؤوليته في الدعوة، وفي المهمات الأخرى الموكلة إليه مما قد يتوقف على سعة المعرفة.
فأنت عنه تلهى: لأنك تحسب أن إيمان هؤلاء الصناديد قد ينفع الإسلام أكثر من نمو إيمان هذا الأعمى، الذي يمكن أن يؤجل السؤال لوقت آخر..
ولكن المسألة ليست كذلك، لأن هذا الأعمى وأمثاله، قد يمثلون مسؤوليتك المباشرة كرسول يعمل على تنمية خط الدعوة بتنمية الدعاة من حوله، من أجل أن يوفروا عليك بعض الجهد، أو يوسعوا ساحة الدعوة في مواقع جديدة.
وهذا ما يريد الله أن يفتح قلبك عليه، فيما يريد لك من تكامل الوعي، وسعة الأفق وعمق النظرة للأمور.. ولا مانع من أن يربي الله رسوله تدريجيا، ويثبت قلبه بطريقة متحركة، في حركة الدعوة تبعا لحاجتها إلى ذلك، تماما كما كان إنزال القرآن تدريجيا من أجل الوصول إلى هذه النتائج.
والحمد لله رب العالمين.
الأخ الراصد، المستند الشرعي لبعض الشيعة الذين خالفوا جمهور مفسريهم ونسبوا صفة العبوس والصفات الأخرى في السورة إلى نبينا صلى الله عليه وآله.. إنما هو الرواية التي لم يصححها أحد من العلماء عن الإمام الصادق عليه السلام!! ولا بد أنك رأيت أنه توجد مقابلها روايات عن الإمام الصادق وغيره، تبناها علماؤنا، وهي تعارض الرواية المذكورة، وتسقطها عن الحجية.
كما رأيت عدم صحة ما نسبوه إلى صاحب مجمع البيان وقولهم إنه تبناها، فقد تبنى ضدها، وأوردها في آخر تفسيره، باعتبار أن بعضهم رواها.
والقاعدة في البحوث العلمية أن الأصل عدم جواز نسبة شئ إلى شخص عادي إلا بدليل، وعند الشك في ثبوت الدليل، فالأصل عدم جواز النسبة.
وقد أتوفق لتتبع الرواية المذكورة.. وشكرا.
بارك الله فيك أخي الراصد، وللحق أن إجابتك أخي على تساؤلاتي أوجدت أسئلة أخرى، أرجو أن يسع صدرك للإجابة عنها:
1. ذكرت أخي الكريم أنك لست محققا حتى تتمكن من صحة الرواية أو عدم صحتها، فكيف أمكن أن يصح عندك الحديث الأول بالمعنى الذي أردته أخي ولا يصح عندك الحديث الثاني، بأن نبينا ليس هو المقصود بالعبوس؟؟.
2. ذكرت أخي بأنك لا تميل لكون الرجل العابس هو من بني أمية فهل تميل أخي لكونه رسول الله صلى الله عليه وآله من باب صحة الرواية الأولى
اللهم صل على محمد وآل محمد.
أخي الفاضل العاملي، السلام عليكم ورحمة الله.
أنت تقول: (الأخ الراصد، مستندك الشرعي لنسبة العبوس والصفات السيئة في السورة إلى نبينا صلى الله عليه وآله، إنما هو الرواية التي لم يصححها أحد من العلماء عن الإمام الصادق عليه السلام!!) وأقول لك يا سيدي الفاضل أنا لم أتطرق أبدا إلى مسألة الصفات السيئة - والعياذ بالله - لكي أنسبها إلى مقام النبي الأعظم (ص) وحتى صفة العبوس أو الإعراض على قول بعض التفاسير، فلا يعد ذلك ذنبا أو شيئا آخر يعد خدشا في أخلاق النبي والعياذ بالله.
ولك الحق في مراجعة الموضوع والردود، لكي يتبين لك أنني لم أذكر هذه العبارة البتة.
أما مسألة الرواية الواردة عن الإمام الصادق لقد اعتمد عليها بعض العلماء في تفاسيرهم، ومع ذلك لا بأس للمؤمن أن يسأل ويبحث في ذلك توخيا للحقيقة.
فأرجو منك يا صديقي أن لا تنسب إلي كلاما أنا ليس بقائله!
وأن تتكرم بحذف عبارة (الصفات السيئة) من باب الموضوعية في الحوار والأمانة في النقل، كما عودتنا على ذلك. وأنا لكم من الشاكرين.
الأخ الراصد المحترم، صفات سورة عبس للشخص المخاطب مترابطة..
وفيها أسوأ من صفة العبوس، ولكن العبوس أظهر منها للعرف!!
فالذي يثبت صفة العبوس لسيد البشر وصاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وآله، فقد أثبت له البقية! ومع ذلك، فسأغير عبارتي بما لا يسئ إليك.
أما الرواية التي ذكر صاحب مجمع البيان رحمه الله نسبتها إلى الإمام الصادق عليه السلام ولم يعتمد عليها، فقد تتبعتها فلم أجد لها أصلا في أي مصدر من مصادرنا، ولا في مصادر السنة منسوبة للإمام الصادق عليه السلام!!
فهي إذن رواية مرسلة لا سند لها فهي ساقطة..
ولم يذكر الطبرسي من أين أخذها، ومن عادته أن يأخذ من مصادر العامة كثيرا.
وقد وجدت أصلا في مصادر العامة، شبيها بها منسوبا إلى سفيان الثوري، ولعله هو أصل مأخذ الطبرسي!!
- ففي تفسير الثعالبي ج 5 ص 551:
قال سفيان الثوري: فكان بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم قال: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي عز وجل، وبسط له رداءه.
- وفي أنساب السمعاني ج 1 ص 191: دخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، وروى: مرحبا برجل عاتبني فيه ربي.. انتهى. ونحوه في أسباب النزول للواحدي ص 297. وكل هؤلاء متقدمون على الطبرسي، وكانت كتبهم معروفة..
ومما ينبغي ذكره هنا أن العامة أكثروا الوضع على لسان الإمام الصادق عليه السلام، لاشتهاره من جهة، ولتأييد مقولاتهم من جهة أخرى!
ويكفيك أن تقرأ كتب تفسير المنام، وكتب صنعة الكيميا الشعبية، وقصص تحضير الجان والأرواح.. وأمثالها، لترى كمية المكذوب المنسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام، من طرق العامة!!
الأخ الكريم الراصد، هذه مناقشة سريعة للنقاط الستة التي ذكرها فضل الله في تفسيره:
النقطة الأولى: القول بأن الصلة وثيقة، مجرد ادعاء، ودخوله على النبي (ص) لا يمكن أن يدل على وجود علاقة خاصة، فالنبي (ص) كان بيته مفتوحا للجميع بما فيهم عبد الله بن أم مكتوم.
كما أن استخلافه على المدينة - على فرض التسليم به - يدل على الصلة فقط ولا يدل على عمقها، ولا على عمقها من البداية!!
أما القول (لا سيما إذا سلمنا بالرواية) فهذا أسلوب ألفناه!
فهل يسلم بالرواية أم لا؟. وعلى فرض التسليم فغاية ما تدل عليه هو حرصه على اكتساب العلم، وهل يمكن أن نعتبر كل سائل عن مسألة أو طالب معرفة آية ذا علاقة وطيدة بالنبي (ص)؟؟
والحاصل: أن التفريع بالقول (وبذلك يكون إعراض النبي (ص) عنه كإعراضه عن أحد أفراد أصحابه أو عائلته، اتكالا على ما بينهما من صلات
وكان بالإمكان إخبار ابن أم مكتوم من دون ذلك العبوس، والعبوس والإعراض يناسب الفظاظة التي نزه الله تعالى نبيه عنها.
هل يتصور في النبي (ص) الذي كان يستحيي أن يطلب المؤمنين بالخروج من بيته كما في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق) أن يعبس في وجه أعمى)؟
أما العبوس فسواء كان عبوس احتقار أو عبوس مضايقة فهو صفة غير لائقة عندما يكون الطرف الآخر مؤمنا، ويشتد الأمر عندما يكون أعمى وما يقتضيه العمى من الرفق والحنان.
نعم قد يكون للأمر تبريره إذا كان العبوس مع كافر يتعدى على حرمات الله فيكون العبوس غضبا لله عز وجل، أما عندما يكون مع مؤمن من أجل كافر فالتبرير ساقط.
أما التنافي مع أخلاقه العظيمة فهو حاصل بالعبوس لأنه يتنافى مع قوله تعالى:
(وبالمؤمنين رؤوف رحيم).
النقطة الثالثة: لا مانع أن تكون السورة في مقام توجيه النبي (ص) إلى الاهتمام بالفئة المستضعفة التي تخشى الله وعدم الانشغال بالأغنياء ولكن لا يعني ذلك أن تكون السورة نازلة في النبي (ص) بل التوجيه يمكن القول به أيضا لو قلنا أن السورة نزلت في غير النبي (ص). فلا مشكلة في التوجيه المذكور في النقطة بل في المحاذير الحاصلة لو قلنا: بأن المقصود من العابس هو النبي (ص).
والخلاصة: أنه لا ينبغي الخلط بين ما تهدف إليه السورة وبين من نزلت فيه السورة.
النقطة الرابعة: آيات سورة الحاقة في مقام بيان صدق النبي (ص) فيما ينسبه إلى الله عز وجل، بحيث أنه لو تقول وافترى على الله شيئا لوقع عليه العذاب، وهل يعقل في أي نبي من الأنبياء فضلا عن الصادق الأمين وأفضل الأنبياء أن يفتري ويكذب شيئا على الله؟؟!!
يقول العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان ج 19 ص 405:
فالآيات في معنى قوله: لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا، إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا. الإسراء:
أما ما قاله عن آيات سورة الإسراء فهو ما يلي:
(والمعنى: لولا أن ثبتناك بعصمتنا دنوت من أن تميل إليهم قليلا، لكنا ثبتناك فلم تدن من أدنى الميل إليهم فضلا من أن تجيبهم إلى ما سألوا فهو (ص) لم يجبهم إلى ما سألوا ولا مال إليهم شيئا قليلا ولا كاد أن يميل. الميزان ج 13 ص 173).
وبما مر يتبين حكم آية حبط العمل المعلق على الشرك، وقد قال السيد المرتضى في تنزيه الأنبياء ص 119: (مسألة: فإن قيل: فما معنى قوله تعالى مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وآله (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.
وكيف يوجه هذا الخطاب إلى من لا يجوز عليه الشرك ولا شئ من المعاصي؟
الجواب: قد قلنا في هذه الآية أن الخطاب للنبي (ص) والمراد به أمته، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة. والأمر هنا في سورة عبس ليس على نحو (لو) وعلى نحو (لئن) وعلى نحو (الافتراض) بل هو على نحو الحكاية والإخبار، وبالتالي المقارنة بين التحقق والافتراض غير صحيحة.
النقطة الخامسة: تأديب الله لنبيه يعني التزام النبي بما أدبه الله لا المخالفة، ومهما يكن هدف الآية فحاشا النبي (ص) أن (تترك الأجواء الضاغطة تأثيرها الخفي على نفسه بطريقة لا شعورية، فيلتفت إلى الأغنياء رغبة في الامتيازات الحاصلة عندهم، فهل نحن نتحدث عن زيد وعمر حتى تؤثر فيه بعض الأمور بطريقة لا شعورية أم عن سيد الأنبياء والمرسلين (ص)؟
فيكون العابس هو شخص آخر ويتوجه الخطاب للنبي في بعض الآيات من باب الطريقة التي ذكرها.
وبهذا التوجيه يكون قد عالج بنفسه ما جعله معضلة في النقطة السادسة!!
النقطة السادسة: إن توجيه الخطاب إلى النبي (ص) في بعض الآيات التي فيها الكلام على نحو الحضور لا يعني أنه هو العابس في الآيات التي على نحو الغيبة، وكما أشار بنفسه في النقطة الخامسة فمن الجائز أن يكون الخطاب للنبي (ص) من باب إياك أعني واسمعي يا جارة، وكون التزكية من أعظم المسؤوليات التي يضطلع بها النبي (ص) لا يعني أن هذه المسؤولية مرتفعة عن غير النبي (ص) ولو بدرجة متدنية. للحديث بقية.
الأخت الفاضلة إيمان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعتذر في البداية عن التأخر في الرد بسبب بعض الانشغالات وهذه بعض الملاحظات، أرجو أن يتسع لها صدرك.
قلت: (إن من العار على مسلم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وآله ويؤمن بعصمته أن يضع نفسه في موقع الحكم على ما يخرج الرسول صلى الله عليه وآله من العصمة).
قلت: (ومن قال بأن الآية أنزلت في الرسول صلى الله عليه وآله فلم يجرم في شئ إذ ظاهر الآية فيه والروايات اختلفت في التأويل).
أقول: من أين استكشفت أنه ظاهر؟.
وهل مجرد وجود الروايات كاف للأخذ بها؟. وهل يمكن أن تذكري رواية شيعية واحدة تصرح بأن العابس هو النبي (ص). نعم روايات أهل السنة ذكرت أنه النبي) ص)!!!
قلت: (قد يكون هناك أيضا تأويلات أخرى لم تكشف لنا بعد ترفع هذا اللبس نهائيا..
ومن الخطأ تأويل كل آية لما يخالف ظاهرها لمجرد أن هناك أمور غامضة لم نفهمها بعد!!).
أقول: إن اكتشفت شيئا من تلك الوجوه فنحن مصغون لها ولكن حسب ما جاء في القرآن من خلق النبي (ص) فإننا نرفض ما قيل في سبب نزولها بالنبي (ص).
قلت: (وأما الحديث الذي تذكره ويبدو أنك تعتقد بأني علقت على الموضوع سابقا ولم أفعل!!) فإن حجية الأحاديث غير حجية آية صريحة من القرآن..
(صدقت أو كذبت).. وأزيد عليه أن إثارته لا يدل على أن الحق عند أي من الطرفين!!).
أقول: إن الحديث الذي أوردته (والذي يفيد بول النبي قائما والعياذ بالله) قد جاء من طرق أهل السنة وأنا أنزه النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك، وقد أوردته من جهة أنه مروي ومستنكر والجهة في استنكاره موجودة في العبوس، ولكنني أسألك هل تعتقدين بما نسبوه إلى النبي من البول قائما؟.
هل ترين فيه ما يشين النبي (ص)؟. ولماذا؟.
أظن أن الإجابة على هذا السؤال ستعين على حل اللبس الحاصل في الآية.
قلت: (وأكرر بأني لست في صدد الترجيح لأحد القولين ولكن كما تعلمون بأن المفسرين اختلفوا في تأويل الكثير من الآيات والآية لها وجوه محتملة وما لم يكن الوجه الذي يقول به الطرف الآخر مخالفا للعقل والشرع فعلينا أن نحتمله ولا نرفضه قطعيا دون دليل).
أقول: ميلك إلى أحد الرأيين واضح ولكن كما بينا فإن رفضنا للقول الآخر مستند إلى الدليل لمنافاة العبوس والتصدي للأغنياء والتلهي عن المؤمنين مع ظواهر الأدلة في القرآن والحديث من خلق النبي العظيم.
قلت: (ونعلم يقينا أن الأولى الأخذ بظاهر القرآن إلا إذا امتنع ذلك قطعيا.. والأخ الراصد ذكر وجوه منطقية لا يبقى هذا الامتناع لا عقليا ولا نقليا).
والوجوه المذكورة قد تمت الإجابة عليها.
وللعلم فإن هذه الوجوه ليست للأخ الكريم الراصد بل هي لفضل الله!!!
قلت: (ويحتمل أن بعض المفسرين المتقدمين غفلوا عن هذه الوجوه لذلك وجهوا الآية لغير ظاهرها، لذلك فلا مانع من إعادة النظر والبحث في مثل هذه الآيات مرة أخرى بغرض الوصول إلى الحقيقة، والحقيقة مهما كانت فلن تكون ضد العصمة الثابتة عقلا ونقلا).
فلماذا التكلف والإصرار على ما ألفناه من تأويل للآيات؟!!).
أقول: أولا: لا تأويل في الآيات، لأن التأويل حينما يكون هناك ظاهر لا يمكن قبوله، وهنا الظهور غير معلوم.
ثانيا: هناك روايات تصرح بأن العابس هو غير النبي (ص) فليست المسألة مجرد تفسير بغض النظر عن سبب النزول.
ومن ثم فلا تكلف بل نقل للاستظهار الناشئ من القرآن والحديث.
قلت: (تذكر بعض التفاسير المؤيدة بأن الآية أنزلت في غير النبي صلى الله عليه وآله بأن الشخص المقصود كان كافرا (أو منافقا) حاضرا في مجلس الرسول صلى الله عليه وآله..
ألا ترون أن آية تنزل في عتاب (كافر) لأنه عبس أمر عجيب!!).
أقول: لم يقل أحد أن من نزلت فيه الآية كان كافرا وجميع كلامك الباقي مبتن على هذا الأصل، وهو إما غير ثابت أو ثابت خلافه.
السلام عليكم، الأخوة العاملي والموسوي..
شكرا على ردودكم..
ذكرت سابقا أني أكره أن أخوض في مثل هذا الحوار عن عصمة الرسول صلى الله عليه وآله، وذلك لأني أرى أنه من العار لمن يعرف عظمة الرسول صلى الله عليه وآله ورفعة مقامه أن يقيم عصمته وما يخرج منها..
فالخوف كل الخوف أن يقدح أحد منا في هذه العصمة، من حيث لا أدري..
فمثلا لنفترض - جدلا - أن تكون الآية نزلت في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) في علم الله تعالى) وقمنا بالإصرار على نفي ذلك بدعوى أنها تنافي العصمة (بغير علم) ألا يكون قولنا هذا طعنا وقدحا في عصمة الرسول صلى الله عليه وآله لو تبين أنه غير ذلك؟!!
فالقول باحتمالية - وليس القطع بدون أدلة ثابتة - بأنها أنزلت في الرسول صلى الله عليه وآله ولكن بمفهوم أنها لا تطعن في عصمته (بأي وجه من الوجوه المتقبلة عقلا وشرعا)، هو أكثر أمنا إذ لن يطعن في العصمة لو ثبت غير ذلك من أي طريق!! فتأملوا إخواني في هذا!!
ولقد ذكرت أن ظاهر الآيات تدل على أن المقصود هو الرسول صلى الله عليه وآله لعدة أسباب أشير إليها موجزة هنا:
1 - الروايات التي تنكر أن الآية نزلت في الرسول صلى الله عليه وآله كان رجلا من بني أمية، وبعضها تصرح باسم أحدهم وعلى هذا فقد احتملت أن يكون الشخص المقصود إما كافرا أو منافقا..
2 - الآية تذكر (وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى)، فهل جاء الشخص للرسول صلى الله عليه وآله أو للرجل المقصود بالعبوس؟!!
فإن قلنا للرسول صلى الله عليه وآله فيعني ذلك أن ضمير المخاطب يعود للرسول صلى الله عليه وآله في كل الآيات، إذ أن تنقل الخطاب من الرسول صلى الله عليه وآله إلى غيره في الآيات لا دليل عليه..
وأما إن قلنا بأنه جاء غير الرسول صلى الله عليه وآله فإنه لا معنى لخشية الأعمى وسعيه من أجل التذكر..
3 - الآية تذكر: وما عليك ألا يزكى، أي: لن تحاسب إن لم يزكى من استغنى. والتزكية كانت مسؤولية الرسول صلى الله عليه وآله خاصة دون غيره من المسلمين.. وكذلك الآية التي تذكر: وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى..
4 - الآية تستخدم أسلوب الخطاب المباشر للرسول صلى الله عليه وآله وبأسلوب المفرد وفي قضية محددة المعالم ولها سبب نزول واضح، ونحن نعلم يقينا أن القرآن الكريم جاء لهداية البشر لأفتنتهم، فلا بد من سبب وجيه لاستخدام الأسلوب الخطابي المباشر غير (إياك أعني واسمعي يا جارة) وهذا ما لم يفسره أحد بصورة منطقية ومفهومة!!
5 - الآية استخدمت أسلوب الغائب في الآية الأولى) عبس وتولى) رغم أن الآيات اللاحقة تستخدم أسلوب المخاطب، ولا بد من سبب وجيه أيضا
بمن جاءك يسعى وهو يخشى فلا يجب أن تلتهي عنهم بغيرهم.. هذا مجرد احتمال ولكنه وارد ويرفع الإشكال..
واحتمال آخر أن يكون الابهام مراده عدم إلفات المسلمين للعبوس (لأنه غير ما يعرفون مما يقدح كمال الخلق) بل ما يعتبه هو تصديه لمن هو مستغن عن الهداية (بقصد إعلاء الدين لا لماله!!).. هذا آخر ما لدي في الموضوع.
وأرجو العذر إذ أنني سأتوقف عن مواصلة الحوار في هذه المسألة إذ أن لا جديد لي فيها ولا أحب المواصلة من منطلق الجدل وإثبات الرأي..
وفقكم الله تعالى وتقبل أعمالنا جميعا..
في تفسير تقريب الأذهان ج 30 ص 43، للسيد محمد الشيرازي: قد نزلت هذه السورة في عثمان بن عفان، حيث كان عند الرسول (ص) مع جملة من أصحابه، فجاء أعمى وجلس قرب عثمان، فعبس عثمان وجهه وتولى عنه وجمع ثيابه وأقبل على بعض الجالسين الآخرين الذين كان لهم ثراء، فنزلت الآيات. ومن غريب الأمر أن بعض بني أمية المبغضين للرسول (ص) نسب هذا الأمر إلى الرسول لتبرئة ساحة قريبهم عثمان، وقال: إن الرسول
ثم جاء جماعة من الوهابيين فأخذوا يلحسون قصاع الأمويين في نسبة هذه السبة إلى الرسول بتزويقات وزخارف من القول، وقد صار ذلك حرابا في أيدي الصليبيين في الهجوم على الرسول (ص) حتى أن بعض كراريسهم كتبت أيهما خير المسيح أو محمد، فإن الأول: كان يبرئ الأعمى بنص كتابكم (يبرئ الأكمه والأبرص)، والثاني: كان يعبس ويتولى إذا جاءه الأعمى بنص كتابكم.
للحديث بقية.
من عجائب ما وصلت إليه في البحث عن الأصل الذي اعتمد عليه مفسرو العامة في زعمهم أن المخاطب بسورة عبس هو سيد البشر، وصاحب الخلق العظيم صلى الله عليه وآله، واعتمدوا عليه نسبتهم الصفات السيئة في السورة إلى مقامه السامي..
أني لم أجد أي أصل مسند على الإطلاق لروايتهم التي تزعم أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول إذا جاءه الأعمى ابن أم مكتوم:
(مرحبا مرحبا بالذي عاتبني فيه ربي)!!
وكذلك لا أصل مسندا لها في مصادر السنيين على الإطلاق، في أكثر من ألف مجلد من مصادر الحديث التي فتشت فيها!!!
- فابن الجوزي نسب هذا القول في زاد المسير إلى المفسرين بدون تعيين!
قال في ج 8 ص 179: قال المفسرون كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، وأمية وأبيا ابني خلف، ويدعوهم إلى الله تعالى، ويرجو إسلامهم فجاء ابن أم مكتوم الأعمى، فقال: علمني يا رسول الله مما علمك الله وجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل بكلام غيره حتى ظهرت الكراهية في وجهه صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل على القوم يكلمهم، فنزلت هذه الآيات، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه بعد ذلك ويقول: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي. وذهب قوم منهم مقاتل إلى أنه: إنما جاء ليؤمن فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم اشتغالا بالرؤساء فنزلت فيه...
- والقرطبي نسبه في تفسيره ج 19 ص 213، إلى سفيان الثوري، قال:
قال سفيان الثوري: فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يبسط له رداءه ويقول: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، ويقول:
هل من حاجة؟
وكذلك قال الثعالبي في تفسيره: 5 - 551: