فأنا الآن مقتنع بأن هذه الأحاديث عمل وقائي من السلطة، حتى لا يستجير علي وفاطمة والحسن والحسين بقبر النبي صلى الله عليه وآله، ويعلنوا مطالبتهم بحقهم الذي نص عليه النبي!!!
وتقول لي: هذا مستحيل!! وهل يمكن أن يقوم الصحابة بذلك؟
فأقول: الذين قاموا بأعظم منه فمنعوا نبيهم من كتابة وصيته التي تضمن عدم ضلال الأمة إلى يوم القيامة، والتي تضمن عزتها إلى يوم القيامة.. يمكن أن يقوموا بهذا العمل المتعلق بقبره، وغيره.. فكل شئ ممكن على الذين قاموا بمواجهة الرسول والرد عليه في حياته وفي وجهه، ومنعوه من ممارسة حقه الطبيعي الذي لا يملك أحد أن يمنع منه حتى المحكوم عليه بالإعدام..
وكل شئ يصبح صغيرا، ويصبح من تفاصيل ذلك الانقلاب الضخم الضخم، الذي غير مسيرة الأمة الإسلامية مئة وثمانين درجة، إلى أن يظهر المهدي الموعود ويصحح المسار من جديد!!! ولكن قلت لكم يا أخي إن البحث على هذا المستوى صعب ثقيل، فدعه عنك، وأخبرني: لقد كانت أحاديث النهي عن شد الرحال موجودة عند المسلمين، وفهموا كلهم صحابة وتابعين وتابعي التابعين إلى القرن الثامن، أنها لا تنافي قصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله، وكانوا يقومون بذلك.. حتى جاء ابن تيمية فخطأ فهمهم جميعا!!
فأي الفهمين أحق بالاتباع؟!!
المكرم العاملي: لقد أغلقت باب الحوار بكلامك هذا: (وكل الأحاديث التي تخالف ذلك، لا أعتقد بها مهما كانت درجة صحتها، لأن أهل بيت نبيي صلى الله عليه وآله قد ردوها!).
وأظن ألا تلاقي، فلديك قناعات راسخة، ولا تلام على ذلك، وقد جئت بكلام عام لا يصلح مجالا للاستشهاد، ومثل هذه التعميمات لا تصلح إذا أردت النقاش الجاد.
فبالله عليك، هل يصلح الاستشهاد بما فعله العرب في جاهليتهم حتى تأتي بهذا المثال: (وقد تتبعت ذلك في تاريخ العرب فوجدت نموذجه في قبر غالب جد الفرزدق). هداك الباري.
وهاك أنموذجا آخر من تعميماتك التي لا تستند إلى دليل: (لم يوجد فيها مخالف من أهل الأديان والشعوب!! والإسلام لم ينسخ هذا الحكم بل زاده احتراما وتأكيدا!!) (وقد كنت مدة أبحث عن سبب هذه الأحاديث التي لا يوجد مثلها عند أمة من الأمم، ولا في صحابة نبي من الأنبياء، ولا حول قبر نبي من الأنبياء!!).
ثم رجعت إلى فعل العرب في جاهليتهم، والتي حاربها الإسلام وجعلت ذلك دليلا على دعواك فقلت: (عادات العرب كغيرهم من الشعوب أن يحترموا القبور احتراما خاصا، وأن من عاداتهم أن صاحب المشكلة والظلامة والحاجة يستجير بقبر رئيس القبيلة، أو الشخص العزيز عليهم).
هل تصلح دليلا؟ إذا لماذا جاء الإسلام؟!!
وانتهيت أخيرا - هديت للحق - إلى هذا التعميم الجائر الذي لا يستند إلى دليل: (لقد كانت أحاديث النهي عن شد الرحال موجودة عند المسلمين، وفهموا كلهم صحابة وتابعين وتابعي التابعين إلى القرن الثامن، أنها لا تنافي قصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله، وكانوا يقومون بذلك.. حتى جاء ابن تيمية فخطأ فهمهم جميعا!!).
وكيف لي بالرد على قولك، وقد آمنت بأحاديث الأئمة المعصومين، وسددت باب الحوار من أول مقالك؟
كما قلت فكر بعقلك لا بعاطفتك، وستهتدي بإذن الله. وأعيد سؤالي الذي لم أجد له إجابة شافية إلى الآن:
لماذا تشد الرحال إلى القبور؟ أرجو أن أجد جوابا مختصرا كافيا شافيا.
ولكم تحياتي.
حديث شد الرحال لم يصح عند أهل البيت عليهم السلام. وقد صح عند بقية المذاهب، وفهموا منه عدم شموله لشد الرحال إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله، بدليل أنهم كانوا يمارسون ذلك.
وفهم هؤلاء حجة على من يعتقد بالحديث وبفهم الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب، لأنهم عنده الأصل والأقرب إلى عصر النص ومعناه.
وقد ألف عدد من العلماء قبل ابن تيمية، رسائل في تفسير الحديث، ورد عليه عدد آخر واتفقوا على أن فهمه للحديث مخالف لإجماع علماء المسلمين، وسيرتهم لمدة ثمانية قرون، بل إلى يومنا هذا!!
الأول: أنه لو ثبت عن نبي الله موسى أو سليمان على نبينا وعليهما السلام أنه قال: (إني تارك فيكم الثقلين التوراة وعترتي وسوف توافوني يوم القيامة وأسألكم عنهما). فإنا نحتج على من تبع القضاة بعد موسى، أو تبع غير ذرية سليمان بعده، بأنكم انحرفتم عن وصية نبيكم وخطه الذي أمركم به، فذمتكم غير بريئة عند ربكم إلا باتباع من عينهم لكم!!
والثاني: أن منهج الحديث في البحث لا يلغي غيره من وسائل الإثبات، فجوهر هذا المنهج هو الوثاقة الشرعية بالصدور عن النبي أو من نثق به.
وكل دليل تاريخي أو عقلي تحصل منه الوثاقة بوجود موضوع، فهو محترم شرعا ودليل إثبات في المحكمة الشرعية، وفي البحث العلمي.
فحتى المتشددين في المنهج الحديثي ترى أحدهم قد يرجع إلى لغوي ثقة أو طبيب ثقة، فيأخذ بكلامه.
فالمهم هو: حصول الثقة بينك وبين الله تعالى بالموضوع، وأن تتم الحجة عندك أمام الله تعالى.
وهو ما يسمى في علم الأصول (المعذرية من العقاب والمنجزية للتكليف)!
إن تبني المنهج الحديثي لا يعني رفض المنهج العقلي، لأنه نفسه من نتائج التفكير العقلي، بل يعني رفض النتائج الظنية والاحتمالية للعقل، والتمسك بالنتائج القطعية والاطمئنانية.. فكل يقين عقلي قطعي أو اطمئناني هو حجة في البحث والشرع، بشروطه المذكورة في علم الأصول. وهو يحصل بعد
السلام عليكم.
لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاث مساجد. لا وإلا أدوات حصر.
1 - إذا أردت أشد الرحال لطلب العلم، فهل ذلك حرام؟
2 - شد الرحال لغرض التجارة، حرام؟
فإما يكون شد الرحال لكل مسجد محرم (كذا) وغير حلال إلا هذه المساجد وإما مطلق شد الرحال حرام... وهذا لا يمكن لأنه النقط 1 و 2 تجوز.
إذا بقيت لدينا شد الرحال إلى المساجد، فلماذا ذلك حرام؟؟؟؟؟
إذا ذهب الشخص للمسجد فماذا يفعل هناك؟ يرقص ويسكر ويغني مثلا؟
أم نذهب للمساجد للصلاة ولذكر الله وقراءة القرآن، وعلى أقل تقدير التبرك بالمسجد لأن الجلوس فيه عبادة، فلماذا هذا حرام، وهل يلتقي هذا مع الخطوط العامة؟
في رأيي أن الرواية كلها مخترعة، ومبتكرها هو عبد الملك بن مروان!
لماذا؟ في أيامه كان الفرد يذهب إلى مكة، وهناك كان عبد الله بن الزبير يحكم على الحجاز وإذا يأتي الواحد من المسلمين هناك يستلمه ابن الزبير ويغسل دماغه، ويبقى الفرد عنده ولا يرجع إلى الشام، ويكون من أتباع ابن الزبير ويصبح ضد الأمويين!! فأرادوا قطع هذا من أصله فابتكروا هذه الرواية
وإذا كان الحديث فإنه يعني أن الذهاب إلى هذه المساجد أفضل من غيرها.. وإلا لا يحرم الذهاب إلى مسجد آخر أو مشهد أو عتبة مقدسة، لأنه الذهاب إلى القبر وزيارته يذكر بالآخرة. (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب). والسلام عليكم.
عجيب أمركم جد عجيب، سؤالي واضح لا لبس فيه ولا غموض، فلم الحيدة؟ والخروج عن مسار الموضوع؟
سؤالي واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار.
وأقول للمكرم عمار: وهل يصلح أن تقول: وفي رأي؟!! هل وصلنا إلى مرحلة الاجتهاد حتى يكون لنا رأي؟!! والسؤال مرة ثالثة ورابعة وعاشرة:
لماذا تشدون الرحال إلى القبور؟!!
إن لم يكن هناك جواب فلن يكتمل الحوار، وشكرا.
لقد أجبتك، فنحن نشد الرحال إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله، وقبور الأئمة المعصومين عليهم السلام، لأن زيارة قبورهم مستحبة عندنا، ومن أفضل القربات إلى الله تعالى. ولم يثبت عندنا أن النبي صلى الله عليه وآله نهي عن ذلك، بل ثبت أنه دعا إليه، وحث عليه، وكان يزور القبور المباركة لتكون سنة من بعده.
أحسنت يا عاملي، وهذا ما أريده منك بالضبط، فقد شفيت غليلي بهذه الإجابة الشافية الكافية. ولعل صدرك يتسع لأسئلتي. وسؤالي الآن:
لماذا تستشفع بهم؟ لم لا تتجه في طلبك إلى الله مباشرة؟
لماذا تجعلهم واسطة بينك وبين الله؟ ألم تعلم أن الجاهليين كانوا يعبدون الأصنام يستشفعون بها؟ ويجعلونها واسطة بينهم وبين الله؟!
وقد ناقضت نفسك حينما قلت: (وأن النبي وآله لا يملكون من عندهم شيئا، بل هم عباد مكرمون، نزورهم ونستشفع بهم إلى الله تعالى، كما أمرنا).
كيف تستشفع بهم وهم (لا يملكون من عندهم شيئا، بل هم عباد مكرمون) لقد خالفت المنهج الرباني وسنة المصطفى من وجهين:
الوجه الأول: من مخالفة السنة، لأن الأموات لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، فما بالك بامتلاك النفع لغيرهم؟!
الوجه الثاني: مشابهة الكفار، وقد نهينا عن مشابهتهم!
فهل بعد هذا تستشفع بهم؟! أرجو للجميع الهداية.
نعم يترافق التوسل والاستشفاع عادة مع الزيارة.
لا بأس.. سؤالك في أصله وجيه، فلو كان الأمر لنا لقلنا: لنطلب كل شئ من الله تعالى مباشرة، ولا نجعل بيننا وبينه واسطة من المخلوقين؟! ولكن الأمر له عز وجل وليس لنا، وقد قال لنا (اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة).
وقال (أولئك يبتغون إليه الوسيلة أيهم أقرب). وقال (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول)، ولا حاجة إلى مجيئهم واستغفارهم عند الرسول واستغفار الرسول لهم.. وهذا يعني أنه تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وآله: كن موحدا بلا شروط، ومهما قلت لك فأطعني، وحتى لو قلت لك عندي ولد فاعبده فافعل!! وقل لهم (قل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين) ولكنه سبحانه أخبرنا أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا!!
فالمسألة إذن، ثبوت مبدأ التوسل في الإسلام في حدوده التي أمر بها الله تعالى أو سمح بها، وهو يختلف عن زعم التوسل عند المشركين سواء في طبيعته أم في نيته... فهل تقبل أصل مبدأ التوسل والاستشفاع الذي قبله إمامك ابن تيمية؟
أم أنك أشد في هذا الأمر من إمامك؟!
إلى العاملي هدانا الله وإياه إلى الصواب:
قلت عن التوسل: (ثبوت مبدأ التوسل في الإسلام في حدوده التي أمر بها الله تعالى أو سمح بها). هل لي أن أعرف هذه الحدود التي أمر أو سمح بها؟
يعجبني أنك تحب الكلام ضمن الموضوع وباختصار، فهو أسلوب مفيد في التركيز وبلورة الأفكار، لكن ليس كل الموضوعات يمكن اختصارها..
وكنت كتبت هذا الموضوع حول التوسل، أرجو أن يكون جوابا لسؤالك..
وبما أنه طويل فسوف أضع خلاصته في آخره، لتكون محور أسئلتك إن شئت.
شبهة على أصل التوسل
أثار بعضهم إشكالا على مبدأ التوسل في الإسلام، شبيها بالإشكال على الشفاعة.. والسبب في ذلك أنهم يرون الشفاعات والوساطات والمحسوبيات السيئة عند الرؤساء والمسؤولين في دار الدنيا، وما فيها من محاباة وإعطاء بغير حق ولا جهد من المشفوع لهم أو المتوسط لهم.
وبما أن الله تعالى يستحيل عليه أن يحابى كما يحابي حكام الدنيا، وإنما يعطي جنته وثوابه بالإيمان والعمل الصالح.. فلذلك صعب عليهم قبول الشفاعة والوساطة والوسيلة إلى الله تعالى!
ولكنه فات هؤلاء أنه في الأصل لا استحقاق لمخلوق على الله تعالى، وأن عطاءه كله تفضل.. وأن المنشأ الحقوقي الوحيد لحق المخلوق على ربه هو وعده سبحانه إياه بالعطاء، فهو حق مكتسب بالوعد لأن الله تعالى رحيم صادق، وليس حقا أصليا للعبد.
وفاتهم أيضا أن الاستشفاع والتوسل إليه تعالى عمل صالح، لأنه تعالى أمرنا أن نبتغي إليه الوسيلة، والوسيلة هي العمل الصالح والارتباط بأنبيائه وأوصيائه عليهم السلام.
فاتهم أن الحكمة من جعله تعالى الأنبياء والأوصياء الوسيلة إليه تعالى:
أولا: أن يعالج مشكلة التكبر في البشر، لأن البشر لا يمكنهم الانتصار على تكبرهم والخضوع لعبودية الله تعالى، إلا إذا انتصروا على ذاتيتهم في مقابل الأنبياء والأوصياء، واعترفوا لهم بالفضل والمكانة المميزة والاختيار الإلهي، وأنهم المبلغون عن الله تعالى. فهذا الاعتراف مطلوب، لأنه مقدمة
كان من المكن أن يقول الله تعالى للناس: آمنوا بي ولا شغل لكم برسلي وأوليائي، فإنما هم مبلغون لما أرسلتهم به، وإنما (الرسول طارش) كما قال بعضهم. ولكن ذلك لا يعالج مشكلة الإنسان في التكبر على عباد الله!!
وإذا لم تنحل مشكلته هذه فلا تنحل مشكلة تكبره على ربه وادعاءاته الفارغة بقربه منه وتكريمه له، كما نشاهد في المجتمعات الغربية واليهودية!
إن الخضوع العملي للمخلوقين الربانيين الممتازين هو الطريق الطبيعي الوحيد للخضوع للخالق سبحانه!
وهما نوعان مختلفان من الخضوع، لأن حق الخضوع لله ذاتي، ولأوليائه تبعي جعلي. كما أنهما في الحقيقة النهائية نوع واحد، لأن الخضوع للأولياء بأمر الله تعالى إنما هو خضوع لله تعالى.
وثانيا: أن جعل الأنبياء والأوصياء وسيلة إلى تعالى ضرورة ذهنية للبشر..
ذلك أن الفاصلة بين ذهن الإنسان المحدود الميال إلى المادية والمحدودية، وبين التوحيد المطلق المطلوب والضروري، فاصلة كبيرة، فهي تحتاج إلى نموذج ذهني حاضر من نوع الإنسان، يمارس التوحيد أمامه ويكون قدوة له.
وبدون هذا النموذج القدوة، يبقى الإنسان في معرض الجنوح في تصوره للتوحيد وممارسته، والجنوح في هذا الموضوع الخطير أخطر أنواع جنوح الضلال!!
والنتيجة:
أن وجود الوسيلة بين العباد والله تعالى لو كان أمره يرجع إلينا لصح لنا أن نقول يا ربنا نريد أن تجعل كل أنواع ارتباطنا بك مباشرا، فلا تجعل بيننا وبينك واسطة في شئ! كما ما يميل إليه أهل الإشكال على الشفاعة والتوسل ولكن الأمر ليس بيدنا، فالأفضل أن يكون منطقنا أرقى من ذلك فنقول: اللهم لا نقترح عليك، فأنت أعلم بما يصلحنا، وإن أردت أن تجعل أنبياءك وأوصياءك واسطة بيننا وبينك، وحججا علينا عندك، فنحن مطيعون لك ولهم ولا اعتراض عندنا..
وهذا هو التوحيد العالي، والتسليم المطلق لإرادته تعالى، في إطاعة حججه، وقد عبر عنه سبحانه بقوله لرسوله صلى الله عليه وآله: في سورة الزخرف - 81 (قل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين). ومعناه: أيها الرسول وحد لله تعالى توحيدا بلا شرط، وأقبل معه كل شرط حتى لو اتخذ ولدا وأمرك بعبادته!
ثم بين تعالى أن الواقع أنه لم يتخذ ولدا فقال (سبحان الله رب السماوات والأرض، رب العرش عما يصفون)...
مسألة التوسل دقيقة وحساسة
فهي مسألة ذات حدين، لا بد فيها التوازن والحذر من الافراط والتفريط!
فلا هؤلاء الوسائط يملكون شيئا مع الله تعالى..
لأنهم مخلوقون فقراء إليه تعالى. كما أنه لا غنى للناس عن وساطتهم إلى الله.. لأنهم عباد مكرمون عنده تعالى.
والتعادل المطلوب فيها تعادل فكري وعملي.. لأن أقل حركة غير منطقية ذهنية أو عملية فيها توجب الضلال!!
فالذين ينقصون من دور أنبياء الله وأوصيائه ومقامهم عند الله تعالى، بحجة توحيده وإبعاد الشركاء عن ساحته المقدسة، يقعون في الضلال والبعد عن الطريق الذي عينه الله لتوحيده والذي هو محصور بطاعتهم، واحترامهم، والارتباط بهم، والتوسل إلى الله بهم!
والذين يزيدون على دورهم المحدد من الله تعالى، ويجعلون لهم معه شراكة في ملكه أو حكمه أو عبادته، ولو ذرة واحدة، بحجة أنه جعلهم وسيلة إليه..
يقعون في الضلال والبعد عن الطريق الذي عينه الله تعالى وهو توحيده المطلق!
وبسبب هذه دقة العقيدة الإسلامية في الأنبياء والأوصياء نجد أن الآيات والأحاديث الشريفة تؤكد على الجانبين معا!
على أن طاعته تعالى إنما تكون بطاعتهم وابتغاء الوسيلة إليه عن طريقهم من ناحية. ومن ناحية أخرى تؤكد على بشريتهم، وأن الذين جعلوهم آلهة أو شركاء لله قد ضلوا وكفروا.
التوسل والتوجه في مصادر السنيين
تعليم النبي (ص) المسلمين التوسل به إلى الله تعالى:
- روى الترمذي ج: 5 ص 229 برقم 3649:
حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا شعبة، عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف: أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أدع الله أن يعافيني، قال إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك. قال فادعه. قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة.
يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي، اللهم فشفعه في.
هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي. انتهى.
- ورواه ابن ماجة في ج 1 ص 441، وقال: قال أبو إسحاق هذا حديث صحيح. انتهى. ورواه أحمد ج 4 ص 138، بروايتين. - ورواه الحاكم في المستدرك: 1 / 313، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى. ورواه في: 1 / 519، بسندين آخرين، وقال بعدهما: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ورواه في ج 1 ص 526، وقال: تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد والقول... وقال أيضا: هذا حديث صحيح على
روى الترمذي وابن ماجة طرفا من آخره خاليا عن القصة، وقد قال الطبراني عقبه: والحديث صحيح، بعد ذكر طرقه التي روى بها.
ورواه في كنز العمال ج 2 ص 181، و ج 6 ص 521 (ت ه ك عن عثمان بن حنيف). (حم ت: حسن صحيح غريب هك وابن السني عن عثمان بن حنيف) ورواه ابن خزيمة في صحيحه: 2 / 225 - وفي السنن الكبرى للنسائي: 6 / 168:
(10494) أخبرنا محمد بن معمر، قال حدثنا حبان، قال حدثنا حماد، قال أخبرنا جعفر، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف أن رجلا أعمى أتى النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل أعمى، فادع الله أن يشفيني، قال بل أدعك، قال: أدع الله لي مرتين أو ثلاثا. قال: توضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله أن يقضي حاجتي، أو حاجتي إلى فلان، أو حاجتي في كذا وكذا. اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي. انتهى. ثم رواه النسائي بروايتين أخريتين.
توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي
- روى الحاكم في المستدرك ج: 3 - 34: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، ثنا الحسن بن على بن نصر، ثنا الزبير بن بكار، حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني، عن داود بن عطاء المدني، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، أنه قال: استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فقال (اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه إليك به فاسقنا).
فما برحوا حتى سقاهم الله. قال فخطب عمر الناس فقال: أيها الناس إن رسول الله كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده، يعظمه ويفخمه ويبر قسمه، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس، واتخذوه وسيلة إلى الله عز وجل فيما نزل بكم! انتهى... إلى آخر البحث.
الخلاصة:
أن العقل لا يمنع أن أن يجعل الله تعالى نبيه وسيلة لنا، ويأمرنا أن نتوسل به وتطلب له درجة الوسيلة في الجنة عند ربه. فقد تكون الحكمة والمصلحة للعباد توجب ذلك. والنقل يقول إنه تعالى جعل ذلك وأمر به، في ثلاث آيات على الأقل، وفي أحاديث كثيرة.
وأن مسألة التوسل حساسة لأنها ذات حدين، فيجب توعية المسلمين حتى لا ينحرفوا فيها إفراطا أو تفريطا. وأن قسما من عوام المسلمين وجماهيرهم أساؤوا تطبيق عقيدة التوسل، فسبب ذلك ردة فعل عند ابن تيمية ومن تبعه، ولكنها كانت ردة فعل عنيفة رجعوا فيها كثيرا عن حافة السطح حتى وقعوا من الجهة الثانية!! وكثير من ردات الفعل على الافراط تكون تفريطا مع الأسف!!
إلى العاملي: كلامك طويل. وفيه نسبة من الصحة، إضافة إلى بعض الشبه التي تحتاج إلى رد، فلو كان مقالا قصيرا لرددت على كل نقطة تذكرها وتخالف ما أعتقده، لذا أرجو مرة أخرى أن يكون جوابك مختصرا دقيقا ، وعموما فأجيبك باختصار:
الآيات التي استدللت بها في الأمر بطاعة الرسول عليه السلام عليك لا لك، لأنه أمرنا بالتوحيد الخالص النقي من شوائب الشرك. ومن طاعته تنقية التوحيد مما يفضي إلى الشرك أعاذنا الله وإياك من مضلات الفتن.
ثم إنك استدللت في الاستشفاع بدعاء النبي للأعمى، وهذا لا إشكال فيه لأنه طلب من حي فيما يستطيعه، لذا لجأ عمر رضي الله عنه في استدلالك الثاني إلى عم النبي، ولو كان الاستشفاع فيما ذكرته صحيحا، للجأ الناس إلى النبي عليه السلام وهو في قبره وهذا ما لم يحصل إطلاقا. وأعود وأسأل مرة أخرى ما الذي يستطيع عمله الميت حينما تستشفع به؟ أرجو الإجابة وكما ذكرت باختصار حتى لا يتشعب الحوار. ولك تحيات الصارم.
سأماشيك بأسلوب النقاش الذي تحبه..
فمن أسباب الخطأ عند المخالف للتوسل: أنه يتصور أن المتوسل يطلب من النبي صلى الله عليه وآله، أو من الولي.. بينما هو يطلب من الله تعالى ويتوسل إليه بمقام النبي، أو يطلب من النبي التوسط له عند الله تعالى. فلا طلب إلا من الله تعالى. وأما شبهة أن الرسول ميت فكيف تصح مخاطبته؟
فجوابه: أنه حي عند ربه ولذا تسلم عليه في صلاتك (السلام عليك أيها
وتطبيق الصحابي الثقة حجة لأنه معاصر للنص. وقد أجاز ابن تيمية التوسل بالنبي بعد موته، فلا تكن ملكيا أكثر من الملك!! بل ورد عندكم التوسل إلى الله تعالى بالممشى إلى الصلاة والحج! (أتوسل إليك بممشاي)!
إلى العاملي هداه الله: إن كنت طالب حق فلا تحد عن الجواب ولا تراوغ!! وإن كنت طالب جدل، فأنا أعلن انسحابي من هذا الحوار الجدلي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع إنما هو مضيعة لوقتي ووقتك. هذه الصفحة الطويلة التي كتبناها ألخصها بما يلي:
قلت يا عاملي: أنتم تحرمون زيارة القبور.
فقلت لك: نحن نحرم شد الرحال إليها منعا لجناب التوحيد أن تشوبه شوائب الشرك. ثم سألتك لم تشدون الرحال؟ فقلت: للاستشفاع!! ثم سألتك كيف تستشفعون بهم؟ فأتيتني بجواب فيه حيدة وتهرب، وأنا أريد جوابا صريحا، فإن أردت أن تسير معي هكذا تتهرب من الجواب المباشر فلن أكمل، وإن أردت أن تجيبني على قدر السؤال، فهذا سؤالي: لماذا تستشفعون بالأموات؟ وكيف؟
ختاما، أرجو ألا تلجأ لمثل هذه الأساليب، التي لا تليق.
من مثل قولك: (فلا تكن ملكيا أكثر من الملك!!). ولك تحيات الصارم.
إلى الآن ما زلت تتصور أن الزيارة لا بد أن يرافقها استشفاع، فمن أين جئت بهذا؟! فقد يزور مسلم نبيه ويؤدي واجب احترامه ولا يتوسل ولا يستشفع به! وقد يتوسل المسلم بنبيه في بيته ولا يذهب لزيارته، فالزيارة شئ والتوسل شئ آخر!!
وإلى الآن تتصور أن شد الرحال لا يكون إلا للاستشفاع! مع أن شد الرحال قد يكون للزيارة وحدها، أو مع نية الاستشفاع والتوسل!
وقد أجبتك بأن النبي صلى الله عليه وآله حي عند ربه، وأنك تسلم عليه في صلاتك، فلا مانع أن يخاطبه المتوسل. على أن المتوسل لا يطلب من النبي بل من الله، ولا يحتاج إلى مخاطبة النبي بل يخاطب ربه ويسأله بحق رسوله ومقامه ومعزته عنده!! وقلت لك: لقد أجاز ابن تيمية التوسل والاستشفاع بالنبي (الميت)!! صلى الله عليه وآله، فهل تريد نص كلامه؟!!
وتعود وتسألني: لا إذا تشدون الرحال للاستشفاع، ولماذا تستشفعون بالميت؟ أرجو أن تتأمل في كلامي أكثر.
إلى العاملي: لقد تأملت في كلامك جيدا وتوصلت لما يلي: قلت في معرض كلامك: (وإلى الآن تتصور أن شد الرحال لا يكون إلا للاستشفاع! مع أن شد الرحال قد يكون للزيارة وحدها، أو مع نية الاستشفاع والتوسل!).
النتيجة واحدة وهو وجود التوسل والاستشفاع، وهذا ما أريده وأسأل عنه.
وسؤالي كيف يتوسل به؟ وسؤالي الثاني كيف يستشفع به؟ هل أجد عندك إجابة مختصرة في حدود السؤالين السابقين؟ ولك تحيات الصارم.
توسل به إلى الله، واستشفع به، وتوجه به، وتجوه به، وسأله به، واستغاث به، وأقسم عليه به.. كلها بمعنى واحد، أي توسط به إلى الله تعالى.
ومعنى توسلنا واستشفاعنا بالرسول صلى الله عليه وآله أننا نقول: اللهم إن كنت أنا غير مرضي عندك ولا تسمع دعائي بسبب ذنوبي، فإني أسألك بحرمة عبدك ورسولك محمد، الذي له هو نبيي ومبلغي أحكامك، وخير خلقك، وصاحب المقام الأول عندك.. أن تقبل دعائي وتستجيبه.
وهذا يا أخ صارم أمر طبيعي صحيح، ليس فيه عبادة للنبي، ولا ادعاء شراكة له مع الله تعالى، بل فيه تأكيد لمقام عبوديته وإطاعته لربه الذي وصل به إلى مقامه المحمود عند الله تعالى. وهو مشروع لورود النص به.
العاملي: أعوذ بالله من غضب الله ما هذه الجرأة على الله؟ كيف تقول:
(ولا تسمع دعائي بسبب ذنوبي)!!!! هل تعتقد أن الله لا يسمع؟!
نعوذ بالله من الخذلان. هل تعتقد أن الله يخفى عليه شئ في الأرض وفي السماء؟ سبحانك هذا بهتان عظيم. أفق يا رجل فوالله إن الذي قلته ليزلزل الجبال. هداك الله. أرجو أن تستغفر الله بلا واسطة عن هذا الذنب العظيم.
تركت كل الموضوع، وأخذت كلمة (تسمع دعائي) وفسرتها بأنا نعتقد أن الله تعالى لا يسمع!! ما هذا الأسلوب يا صارم؟!!
العبارة: إن كنت لا تسمع دعائي بسبب ذنوبي، يعني لا تستجيب..
وسماع الدعاء بمعنى استجابته عربي فصيح، أيها العربي!!
العاملي: قد أخرج الموضوع عن مساره قليلا، هل لك أن تدلني على أن السماع بمعنى الاستجابة من لغة العرب، وقبل ذلك القرآن؟. ولك تحياتي.
فعلا لا تحضرني مصادر، لكن يستحب للمصلي أن يقول سمع الله لمن حمده، ومعناها استجاب وليس مجرد السماع. ويكفي استعمالها عند العرب بقولهم:
هل يسمع فلان منك أم لا؟ وهو ليس سؤالا عن حالة أذنيه وطرشه!!
- في سنن النسائي: 8 - 263: عن أبي هريرة يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسمل يقول: اللهم إني أعوذ بك من الأربع: من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع. انتهى.
وفي هذا كفاية، فأجب على ما ذكرته في موضوعنا.
لتعذر حمل السمع هنا على معناه اللغوي؟؟!!!
إلى العاملي: أشكرك على إحالتك وبيانك. وسؤالي وأرجو ألا تتذمر لم تلجؤون إلى الواسطة بينكم وبين الله؟ ألم يخلقنا؟ ألم يرزقنا؟ أليس سبحانه هو المتكفل بنا؟ ألم يقل لنا (ادعوني أستجب لكم) بلا واسطة؟ ألا تعلم أن العبد أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد؟ ألا تعلم أن كل وازرة لا تزر وزر أخرى؟ ألا تعلم أن الإنسان مهما بلغ من الكمال فهو عبد ضعيف مربوب لله تعالى لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا؟ فأي فرق بيننا وبين الأموات؟
وقد ذكرت لك أن عمر رضي الله عنه استشفع بعم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يلجأ إلى قبر النبي عليه السلام! فلم لم يفعل ذلك؟!!
أتراه غفل عما تدعون إليه؟!!
نعم للإنسان أن يطلب من آخر حي أن يدعو له، أما من الميت فإن الميت لا حول له ولا قوة!! ولو كان بيده شئ لدفع الموت عن نفسه.
وسؤالي مرة أخرى لم تجعلون الميت واسطة؟
حسب فهمنا المحدود وإدراك عقولنا القاصرة، الأمر كما تقول.