فالإنسان يعبد الله تعالى مباشرة، فينبغي أن يطلب منه مباشرة.. والله تعالى سميع بصير عليم، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، فلا يحتاج إلى واسطة من شخص حي ولا ميت ولا أي مخلوق..
هذا حسب إدراك عقولنا.. ولكنه سبحانه بنى هذا الكون، وخلق الإنسان وأقام حياته في الأرض على أساس الأسباب والمسببات في أمور الطبيعة..
وأخبرنا أن عبادته والطلب منه لها أصول وأسباب، وأن علينا أن نتعامل معه حسب هذه الأصول. مثلا: لماذا يجب الإيمان بالرسول؟ فإذا أردنا أن ننفي الواسطة نقول: إن المطلوب هو الإيمان بالله وحده، والرسول مبلغ وقد بلغ ذلك وانتهى الأمر، فلماذا نجعل الإيمان به مقرونا بالإيمان بالله تعالى؟!
لماذا قال الله تعالى: أطيعوني وأطيعوا الرسول، ولم يقل أطيعوني فقط، كما بلغكم الرسول؟!! وهذا المثل قد يكون صعبا..
مثل آخر: الكعبة..
لماذا أمر الله تعالى ببناء غرفة، وقال توجهوا إليها وحجوا إليها وتمسحوا بها؟ هل يفرق عليه في عبادتنا له أن نصلي له إلى هذه الجهة أو تلك؟ أو تحج تلك المنطقة أو لا تحج؟ فلماذا جعلها واسطة بيننا وبينه؟!
بل إن الصلاة أيضا نوع من التوسل، وقد يسأل إنسان: هل تحتاج عبادة الله إلى صلاى له؟ بل إن الدعاء أيضا توسل.. فالله تعالى مطلع على الضمائر والحاجات، فلماذا يطلب أن نقول له؟
بل يمكن لهذا التفكير العقلي أن يوصل الإنسان إلى القول: لماذا خلق الله الإنسان بحيث تكون له حاجات وقال له: ادعني حتى أستجيب لك..
والتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله ثابت في حياته وبعد موته بدون فرق، لأنه حي عند ربه، وحياته أقوى من حياة أحدنا! وقد قلت لك إن التوسل لا يحتاج إلى مخاطبة، فهو سؤال لله تعالى بمقام النبي وجهاده في سبيله وشفاعته عنده. وأخبرتك أن ابن تيمية أجاز التوسل بالأموات ولعله حصره بالنبي صلى الله عليه وآله.
العاملي: أولا: أوافقك القول على أن العقل قاصر، وهذا لا مرية فيه.
أما تمثيلك بالكعبة فقياس مع الفارق، لوجود الدليل الذي أمرنا الله من خلاله أن نتوجه إلى الكعبة إذ الكعبة ليست واسطة. ولك أن تتصور أن شخصا يتحدث معك وقد التفت عنك وأعطاك ظهره!! هل تقبل عليه وتتحدث معه؟ وكذلك وضعت الكعبة ليتجه إليها المسلمون جميعا في صلاتهم، لا أنها واسطة...
إلى غير ذلك من الحكم.
ثانيا: قلت (أن ابن تيمية أجاز التوسل بالأموات ولعله حصره بالنبي صلى الله عليه وآله). كلامك متناقض كيف تقول أجاز ثم ترجع وتقول:
لعله؟!!
هذا لا يستقيم.
ثالثا: أريد الدليل من القرآن، ومن القرآن، على قولك.
راجيا الاختصار ما أمكن، وشكرا لك.
- قال ابن تيمية في رسالة لشيخ الإسلام من سجنه ص 16: (وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء.
كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم شخصا أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها.
اللهم فشفعه في. فهذا التوسل به حسن، وأما دعاؤه والاستغاثة به فحرام!
والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين.
المتوسل إنما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا على سبيل استحضاره لا على سبيل الطلب منه. وأما الداعي والمستغيث فهو الذي يسأل ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه. انتهى.
فقد أفتى ابن تيمية بجواز العمل بحديث الضرير وفيه خطاب للنبي صلى الله عليه وآله، وهو ميت! ولا حظ يا صارم أن الميزان عند ابن تيمية أن تطلب من الله أو من المتوسل منه. وهذا هو كلام علماء المسلمين كلهم.
وتفريقه بين المتوسل والداعي والمستغيث غير صحيح، لأنه لا يوجد مسلم يدعو النبي ويطلب منه من دون الله أو يستغيث به من دون الله!!
فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة، وقال له ما حاجتك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا. ثم إن الرجل خرج من عنده فلقى عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلى حتى كلمته في! فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أو تصبر؟
فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق على. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إئت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات.
قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر، قط!
إلى العاملي: إليك الجواب عما أثرته وأعتذر عن الإطالة:
أولا: لم تحلني على مرجع، وقولك: (ال ابن تيمية في: رسالة لشيخ الإسلام من سجنه ص 16)، أتعد هذا إحالة؟!!
ما رأيك لو قلت لك: قال صاحب الكافي في رسالة له. أتقبل ذلك مني؟!
ثانيا: إما أنك لا تجيد النقل، وتأخذ ما يوافق هواك!!
وأعيذك بالله أن تكون كذلك، وإما أنك أسأت فهم كلام ابن تيمية، أو نقلت شبهة كان يريد الرد عليها، لأن أقواله في هذه المسألة - التوسل بالنبي - مشهورة مبثوثة في ثنايا كتبه رحمه الله. وحتى أزيدك إيضاحا حول هذه المسألة عند أهل السنة والجماعة أقول: التوسل بالرسول عليه السلام ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يتوسل بالإيمان به واتباعه وهذا جائز في حياته وبعد مماته.
القسم الثاني: أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو له فهذا جائز في حياته، أما بعد مماته فلا لتعذره.
القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله فهذا لا يجوز لا في حياته ولا بعد مماته.
ثالثا: قلت يا عاملي: (فقد أفتى ابن تيمية بجواز العمل بحديث الضرير وفيه خطاب للنبي صلى الله عليه وآله، وهو ميت!).
ولا أدري من أين استنبطت قولك: وهو ميت؟!!!
وإن قلت إن للميت تأثيرا، أو من أجل حصول البركة، قلنا: كيف يؤثر وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا؟ ومن هنا جاء النهي عن شد الرحال للقبور منعا لجناب التوحيد من شوائب الشرك.
ولو تنزلنا معك ووافقناك في قولك أنا لا أستغيث بها، قلنا: لك لكن عوام الناس ممن لا فقه عنده سيظن أن للميت تأثيرا وإلا لما شدت إليه الرحال، فيلجأ في دعائه إلى الميت، وهذا ما يحصل عند غالب القبوريين. فلما كانت هنالك مفسدة مترتبة على ذلك وقع النهي.
خامسا: أما حديث الطبراني فيحتاج إلى مراجعة، فلم يسعفني الوقت للوقوف عليه، وعلى صحته.
آمل أن تتأمل جوابي جيدا ليتضح لك الحق بإذن الله. ولك تحياتي.
أرجو أن تصحح ما هو المركوز في ذهنك من أن الزيارة تلازم التوسل والاستغاثة، وأن شد الرحال يكون للاستغاثة، فلا تلازم بينها أبدا..
وإذا أكملنا البحث في التوسل آتي لك بنصوص الزيارة بلا توسل.
العبادات عند القبور، وزيارة القبور، والتوسل والوسيلة، واقتضاء الصراط المستقيم. ورسالة من سجنه.
وخلاصة رأيه: أنه يفسر حديث الأعمى بأنه توسل بدعاء الرسول صلى الله عليه وآله، لا بذاته، وفي حياته لا بعد مماته.
- قال في التوسل والوسيلة ص 265: وفي الجملة فقد نقل عن بعض السلف والعلماء السؤال به بخلاف دعاء الموتى والغائبين من الأنبياء والملائكة والصالحين والاستغاثة بهم والشكوى إليهم فهذا مما لم يفعله أحد من السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا رخص فيه أحد من أئمة المسلمين.
وحديث الأعمى الذي رواه الترمذي هو من القسم الثاني من التوسل بدعائه.
وقال في ص 268: وفيه قصة قد يحتج بها من توسل به بعد موته إن كانت صحيحة، رواه من حديث إسماعيل بن شبيب بن سعيد الحبطي، عن شبيب بن سعيد، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المديني، عن أبي أمامة سهل بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقى الرجل عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة. يا محمد، إني أتوجه بك إلى ربي.... الخ. قال البيهقي ورواه أحمد بن شبيب بن سعيد عن أبيه بطوله، وساقه من رواية يعقوب بن سفيان عن
ثم ناقش ابن تيمية في سند الحديث، ولم يفت بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته.
- أما رسالته من سجنه: فهي مطبوعة ضمن مجموعة رسائله وتبدأ من ص 248، وهي من سجنه في مصر، وأنقل لك منها فقرات، والأخيرة فيها يجيز فيها التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله، فقد قال به، ولم يقل بدعائه!!
قال في ص 250: فجاء الفتاح أولا فقال: يسلم عليك النائب وقال:
إلى متى يكون المقام في الحبس، أما تخرج؟ هل أنت مقيم على تلك الكلمة أم لا؟ وعلمت أن الفتاح ليس في استقلاله بالرسالة مصلحة لأمور لا تخفى، فقلت له: سلم على النائب وقل له أنا ما أدري ما هذه الكلمة، وإلى الساعة لم أدر على أي شئ حبست، ولا علمت ذنبي، وأن جواب هذه الرسالة لا يكون مع خدمتك، بل يرسل من ثقاته الذين يفهمون ويصدقون أربعة أمراء، ليكون الكلام معهم مضبوطا عن الزيادة والنقصان، فأنا قد علمت ما وقع في هذه القصة من الأكاذيب.
فجاء بعد ذلك الفتاح ومعه شخص ما عرفته، لكن ذكر لي أنه يقال له علاء الدين الطيبرسي، ورأيت الذين عرفوه أثنوا عليه بعد ذلك خيرا وذكروه بالحسنى لكنه لم يقل ابتداء من الكلام ما يحتمل الجواب بالحسنى، فلم يقل الكلمة التي أنكرت كيت وكيت ولا استفهم: هل أنت مجيب إلى كيت وكيت؟!
(ولعله يقصد أنه عرضوا عليه أن يتوب ويسلم).
فقلت: أنا ما قلت إلا ما يوافق المذاهب الأربعة..
وقال في ص 256: وقال لي في أثناء كلامه فقد قال بعض القضاة إنهم أنزلوك عن الكرسي، فقلت هذا من أظهر الكذب الذي يعلمه جميع الناس، ما أنزلت من الكرسي قط، ولا استتابني أحد قط عن شئ، ولا استرجعني.
وقلت: قد وصل إليكم المحضر الذي فيه خطوط مشائخ الشام وسادات الإسلام، والكتاب الذي فيه كلام الحكام الذين هم خصومي كجمال الدين المالكي وجلال الدين الحنفي...
وقال في ص 265: فقال: فاكتب هذه الساعة أو قال: اكتب هذا، أو نحو هذا، فقلت: هذا هو مكتوب بهذا اللفظ في العقيدة التي عندكم، التي بحثت بدمشق واتفق عليها المسلمون فأي شئ هو الذي تريده؟ وقلت له: أنا قد أحضرت أكثر من خمسين كتابا من كتب أهل الحديث والتصوف والمتكلمين والفقهاء الأربعة الحنيفة والمالكية والشافعية والحنبلية وتوافق ما قلت...
وقال في ص 266: فراح ثم عاد وطلب أن أكتب بخطي أي شئ كان.
فقلت فما الذي أكتبه؟ قال: مثل العفو وألا تتعرض لأحد!!
فقلت: نعم هذا أنا مجيب إليه...!!
وقال في ص 272: وهذا الذي يخافه من قيام العدو ونحوه في المحضر الذي قدم به من الشام إلى ابن مخلوف فيما يتعلق بالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، إن أظهروه وكان وباله عليهم، ودل على أنهم مشركون لا يفرقون بين دين المسلمين ودين النصارى...
وأنت تلاحظ أنه عبر هنا بالتوسل به، وليس بدعائه، كما أنه لم يخصصه بحال حياته، بل ذكر ذلك من حقوقه والاعتقاد به فعلا!!
إلى العاملي: هنالك نقطة اختلاف بيني وبينك، ولعلها لم تظهر بعد، فأنت حينما تسافر وتقطع مئات الأميال من أجل أن تزور القبر الفلاني، لم أقدمت على هذا العمل؟ وكيف لا يكون هناك تلازم بين التوسل والاستغاثة والزيارة وهذا ما قصدته فيما كتبته لك. وهو ما أسأل عنه لم تشد الرحل للقبر؟ فقلت بعظمة لسانك (نزورهم ونستشفع بهم إلى الله تعالى). ثم تقول: لا تلازم أي تناقض هذا؟!!
قولك: (ولعله يقصد أنه عرضوا عليه أن يتوب ويسلم). لا داعي له، فما وقع الاختلاف بيننا إلا بمثل هذه (اللعلات) التي لا تستند إلى دليل، اللهم إلا البحث عن العيوب، وتسقط العثرات.
أخيرا قولك فيما نقلته عن الشيخ: (... أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها اللهم فشفعه في. فهذا التوسل به حسن. وأما دعاؤه والاستغاثة به فحرام، والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين).
ثم قلت: (وأنت تلاحظ أنه عبر هنا بالتوسل به، وليس بدعائه) أقول لك: إرجع إلى تقسيم التوسل الذي ذكرته لك آنفا، وستعرف المقصود بكلام الشيخ رحمه الله فلا حجة لك عليه، وكيف تفسر الكلام بهواك بلا دليل؟
وقولك: (كما أنه لم يخصصه بحال حياته، بل ذكر ذلك من حقوقه والاعتقاد به فعلا!!) من أين لك هذا الاستنباط؟!! فلو كان هذا فهم السلف، لما لجؤوا إلى عم النبي العباس رضي الله عنه في الاستسقاء. وإلا فقلي (كذا) بربك ما تفسير توسلهم بدعاء عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يلجؤوا إلى قبره؟!!!
أرجو أن أجد جوابا شافيا مختصرا على جميع أسئلتي. ولك تحيات الصارم.
الأخ صارم، اسمح لي أن أفهرس نقاشنا:
أولا، مسائله ثلاث: فأصل موضوعنا زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله.
وهناك موضوعان يتصلان بها: الأول: شد الرحال إليها يعني السفر إلى المدينة المنورة بقصد الزيارة. والثاني: التوسل والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وآله.
وثانيا، كان موضوعنا الحكم الشرعي لذلك، سواء من الأحاديث الصحيحة على حسب موازين علماء المذاهب.. ووصلنا إلى رأي ابن تيمية في ذلك.
لقد قرأت اليوم رأيه في زيارة القبور وشد الرحال إليها من بضعة كتب وكتيبات له وهي: فتيا في نية السفر - زيارة بيت المقدس - رسالة في الدعاء عند القبور - رده على الأخنائي - إبطاله لفتاوي قضاة مصر - الجواب الباهر في زوار المقابر - شرح حديث لعن الله زوارات القبور - بيان مختصر لمناسك الحج مضافا إلى ما ذكره حول المسألة في - تفسير سورة الإخلاص - الحديث وعلومه.
والنتيجة التي خلصت إليها: أنه يحرم شد الرحال إلى زيارة أي قبر، حتى قبر النبي صلى الله عليه وآله، ويحلله إلى مسجده. كما أنه يحلل زيارته بمعنى السلام عليه بدون شد رحال وبدون توسل به. ووصلت إلى نتيجة أن فتواه
لا بأس.. لو سألك شخص من مصر وهو ناو للحج، فقال لك: أنا ذاهب إلى مكة والمدينة، فدلني كيف أنوي، وكيف أزور قبر النبي وشهداء أحد زيارة شرعية وليست بدعية حسب فتوى ابن تيمية، ما هو الحلال وما هو الحرام؟
فبماذا تجيبه؟
الرد على العاملي:
كنت أتابع كلام أخي الصارم مع العاملي، وكانت لي ملاحظات كثيرة لأن الحوار قد تفرع كثيرا. والذي أعجبني من أخي الصارم أنه يحددة بسؤال سؤال دون إطاله، وها تسهيلا للقراء، أما العاملي فأقول لك لا بأس من الإطالة في البداية، ولكن بعد أن تعرض كل كلامك ويعرض أخي صارم كل كلامه، بعدها تأخذون الحوار نقطة نقطة من ما عرضتموه ولا تنتقلون لما بعده من النقاط حتى تنتهوا من تلك النقطة، لأن تنقلاتك يا عاملي لما بعد النقطة التي يسألك عنها الأخ صارم لا تفيدكم ولا تفيد القراء.
بما أني لا أداخل أخي صارم بملاحظاتي الكثيرة على كلام العاملي، لأن الأخ صارم إنشاء الله ما زال يجيبه، فأنا أسأل العاملي فقط نفس السؤال الذي سأله أخي صارم ولكن بأسلوب آخر.
يا عاملي قد سألك أخي صارم: لماذا تستشفعون بالأموات؟ وكيف؟
كيف يتوسل به؟ كيف يستشفع به؟
بالطبع ستقول لا. طيب:
السؤال 1: هل ممكن أن تشرح لي ما معنى عبادتهم لهم وكيف كانوا يعبدونهم لكي نحذر مما كفرهم الله به؟
السؤال 2: إن قلت لي إنكم تتوسطون بأهل القبور ليقربوكم إلى الله زلفى لأن لهم جاها وأنتم لكم ذنوب لا يستجيب الله دعائكم. قلت لك وكذلك المشركون، كانوا يفعلون مع القبور تماما كما قلت بنص هذه الآية لأنهم يعتقدون أن اللات والعزى ومناة صالحون وهم قد ماتوا فهم يأتون قبورهم أو آثارهم المجسمة كأصنامهم ليتوسطوا لهم عند الله بنص هذه الآية.
وإن قلت لي ثبت عندنا أن صلاح الرسول صلى الله عليه وسلم ثابت لا ينكر أما اللات والعزى وو فلم يثبت عنكم صلاحهم. فأقول لك: ولكن الله عز وجل سمى الفعل هذا عبادة لهم وشركا ولم يشترط الله صلاح الذين يعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى كما أنكر الله عبادة الملائكة في القرآن مثلا رغم صلاحهم. فإن قلت لي: هم كفروا لأنهم كانوا يعبدون اللات والعزى
فما هو الفرق بين عملكم وبين عملهم؟؟؟؟؟؟؟
الأخ العزيز الإماراتي:
أشكرك كثيرا على هذه المداخلة، وكما يقولون القلوب عند بعضها، وهذا ما كنت أنوي فعله مع العاملي، بإرجاع الموضوع إلى أساسه، حتى لا يتشعب الحوار، وكان سبب تأخري في ذلك حدوث خلل منعني من الدخول للساحة، وقد راسلت الفاضل: العلي وأرشدني إلى طريقة دخلت من خلالها، فلك وله الشكر.
أما العاملي فيشكر أيضا على رجوعه للحق، حينما قرأ بعض كتب ابن تيمية وقرر، ما قررته من أن ابن تيمية لا يجيز الاستشفاع بالأموات، أما التوسل بهم فكما ذكرت في تقسيمي أعلاه. وبالرغم من ذلك فلي عتب عليه حينما قال: (ووصلت إلى نتيجة أن فتواه من السجن كانت مداراة بتعبيركم، وتقية بتعبيرنا، وقد استعمل فيها أسلوب التعميم والإجمال ليرضي القضاة والسلطان ويخلص نفسه منهم) لأن ذلك موضوع آخر ليس هذا مجال نقاشه، وأنا أرد قوله عليه لأن هذا الإمام الجهبذ قد وقف نفسه لله، ولا يمكن أن يفعل ذلك.
هدانا الله وإياك إلى المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا سألت كريما حاجة فدعه يفكر، فإنه لا يفكر إلا في خير.
نعم، لقد تشعب الموضوع.
ولكن سؤال الأخ راشد عن التوسل والاستشفاع، وسؤالك عن شد الرحال والتوسل والاستشفاع. وقد سألتك عن شد الرحال لأثبت لك تناقض فتاوى ابن تيمية فيها.
وسأترك مطالبتك بالجواب فعلا، وأجيبكما عن التوسل والاستشفاع، ومعناهما عندنا وعندكم واحد. فالتوسل الجائز عند إمامكم هو التوسل بدعاء النبي في حياته فقط، ومعناه أنه الآن لا يجوز، لا حتى بدعائه، كما لا تجوز مخاطبته لأنه ميت. أما عندنا فالتوسل جائز ومستحب بالنبي وآله صلى الله عليه وآله، بذاته الشريفة وكل صفاته الربانية ومقامه المحمود، وكذا مخاطبته والطلب منه أن يدعو لنا ربه، أو يشفع إلى ربه في الحاجة أو الجنة.. كل ذلك جائز، وبعضه مستحب.
ولا فرق عندنا في ذلك بين حياته وبعد وفاته، لأنه حي عند ربه، يسمع كلامنا بإذن ربه، إلا أن يحجب الله كلام أحد عنه.
وهذا التوسل ليس فيه أي شائبة شرك، لأنا نعتقد أنه عبد الله ورسوله، ليس له من الأمر شئ إلا ما أعطاه الله، ولا يملك شيئا من دون الله، بل كل
ودليلنا على ذلك: الآيات والأحاديث الصحيحة التي أجازته وحثت عليه.. وقد أشرت لك إلى أننا لم نخترع ذلك من عندنا، ولا عندنا هواية لأن نضم إلى الطلب من الله مباشرة، الطلب منه تعالى بواسطة..
ولا الأمر إلينا حتى نختار هذا الأسلوب في دعائنا وعبادتنا أو ذاك!!
بل الأمر كله له عز وجل، وقد قال لنا (اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة).
وقال (أولئك يبتغون إليه الوسيلة أيهم أقرب) وقال (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول) وقال عن أبناء يعقوب (يا أبانا استغفر لنا). كما روينا ورويتم الأحاديث الصحيحة الدالة عند علماء المذاهب على ما ذهبنا إليه.
فهل إشكالكم علينا لأنا نطيع ربنا ونتبع الواسطة والوسيلة التي أمرنا بها..
ولا نتفلسف عليه ونقول له نريد أن ندعوك مباشرة، فلا تجعل بيننا وبينك واسطة!! لقد أمر عز وجل رسوله صلى الله عليه وآله أن يكون موحدا بلا شروط، ويطيعه مهما أمره حتى لو قال له لقد اتخدت ولدا لي فاعبده! (قل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين) ولكنه سبحانه أخبرنا أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا!!
لكن أخبرنا أنه جعل رسوله وآله شفعاء إليه، وأمرنا أن نتوسل بهم ونستشفع بهم في الدنيا والآخرة.
ولا أقول إن هؤلاء العلماء قد افتروا عليه فهم من أهل البحث والدقة..
ولكنهم اعتمدوا على تلك العبارة المجملة التي كتبها في السجن! ونحن الشيعة حساسون من كل ما يكتب بالإكراه أو شبه الاكراه، ولا نقول بصحة نسبة الرأي الصادر من صاحبه في ظروف الاكراه وشبهه.. ونفتي ببطلان البيع المكره عليه، وكذا البيعة. لذلك بعد قراءتي الشاملة لما كتبه في الموضوع، قلت إن ابن تيمية لم يجوز التوسل رغم عبارته المذكورة. ولكني لا أوافقه على رأيه، لأن دليل علماء المذاهب أقوى من دليله.
ثم دليلنا في اعتقادي أقوى من أدلة علماء المذاهب.. وشكرا.
أعيد السؤال للعاملي:
يا عاملي أليس 1 + 1 = 2؟؟؟ سؤالي وطلبي كان في منتهى الوضوح:
أليس الله تعالى يقول (ولتستبين سبيل المجرمين)؟؟ والمشركون هم يسلكون هذا السبيل بلا شك ومن سبيلهم الذي كفرهم الله به هو أنهم يقولون (وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى).
(السؤال 1) هل ممكن أن تشرح لي ما معنى عبادتهم لهم وكيف كانوا يعبدونهم لكي نحذر مما كفرهم الله به ونحذر سبيلهم؟؟؟؟؟؟؟
إن قلت لي: إنكم تتوسطون بأهل القبور ليقربوكم إلى الله زلفى لأن لهم جاها وأنتم لكم ذنوب لا يستجيب الله دعائكم إلا من طريقهم كما قلت بسبب الذنوب. قلت لك: وكذلك المشركين كانوا يفعلون مع أهل القبور تماما كما قلت بنص هذه الآية لأنهم يعتقدون أن اللات والعزى ومناة صالحون..
فما هو الفرق بين عملكم وبين عملهم؟؟؟؟؟؟؟
أجب على هذه الأسئلة فقط، ولا تقول (كذا) قال السبكي وقال شيخ الإسلام وهناك رواية وووو. أجب أولا ثم انتقل مع الأخ صارم خطوة خطوة، لكي لا يتشعب الكلام، لأننا نحن نستطيع أن ننسخ لك كتاب التوحيد ونلصقه كاملا.
في البدء أتلو اعتذاري على الأخوين العاملي، والصارم على هذه المداخلة التي ما كنت أرجوها لأن طريقة البحث كانت هادئة ومصيبة في غالب الأحايين، بيد أن أريد أن أضع مفارقة بسيطة لولا غيابها عن ذهن (الأماراتي) لما أدلى باستفساراته هنا..
أولا: وكما قال الأخ العاملي وقلتم أن التوسل وإن كان له مدخلية وارتباط عضوي بأصل البحث غير أنه من غير المبتغى أن يبدء ببحثه الآن...
ثانيا: وهذا للإماراتي خاصة إن جميع كلامك يعتمد على قضية المشركين وما هنالك من الشباهة المتوهمة بين مقامهم ومقام الأولياء الصالحين. كما جاء عن الشيخين ابن تيمية وسليل فكره ابن عبد الوهاب النجدي.
وهناك كلام بدا لي أن أخلفه فيما يتخلف...
أثار الأخ راشد في مداخلته عدة موضوعات، وإذا أراد الأخ صارم أن أحول الموضوع إلى نقاش مع الأخ راشد فبها، وإلا فيمكن فتح موضوع من الموضوعات التي طرحها راشد، ومنها مفهوم العبادة عند المشركين وعند المسلمين، والفرق بينهما، لأثبت له أن الشفاعة والتوسل وغيرها من عقائد الإسلام لا تنافي التوحيد كما تصور.
حرصا على هدوء الحوار كما سميته أنت وجميل 50، فأنا أترك الكلام الآن لك مع صارم لانشغالي بأمور أخرى، رغم أنه لا يحق لك أن تشترط النقاش مع واحد فقط، لأني كنت أناقش 7 مناظرون (كذا) لي وأنا وحدي في عدة صفحات، وأنت كنت منهم، فلم أقل للجميع لا تتدخلوا واتركوني مع واحد منكم. ولكني أطلب من أخي الحبيب صارم أن يعتبر
وأنا لم أسال إلا عن نفس الذي سأله أخي صارم، ولكن بأسلوبي الخاص.
لك أن تجيب يا عاملي ولك أن تتجاهل، وهذا يسمي تهرب غير مرغوب فيه، ومن حق الأخ صارم أن يلح عليك بالإجابة على هذا السؤال، لأن من حق المناظر أن تجيبه، وإلا فما العبرة من النقاش إن كنت تتجاهل السؤال ونتجاهل أسئلتك؟!؟!؟! ما هو هدف النقاش؟!؟! أليس الوصول للحق طبعا، والوصول للحق يكون بسؤال وعرض وإجابة وتحاور وو...
أخي صارم هذا طلبي منك، ولك المشورة فيما تشور والصدر رحب للأحباب من أمثالك الموحدين.
أخي راشد حفظه الله ورعاه، وجعل الجنة مثوانا ومثواه:
سواء سألت أنت أم أنا، لنا منهج واحد بحمد الله. لذا لا تثريب عليك أن تطرح ما تشاء باسمي، ولك أن ترد عني. هدفنا إظهار الحق وبيانه للناس، ودلالتهم على الخير، لا الانتصار لأنفسنا وأهوائنا، وإلا لن نصل إلى نتيجة.
وبإمكاننا أن نغادر الساحة، ونتركها لهم، ولن يضيرنا ذلك شئ، لكن عندنا رسالة يجب أن نؤديها ونبلغها للناس، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فعليه السخط والسلام.
ملحوظة: سأعود للعاملي، في الغد بإذن الله.