أما أني أتحامل على بعض الصحابة المبغضين لأهل البيت النبوي، لأمر في نفسي.. فهذا صحيح. لكن يعلم الله تعالى أنه لا يوجد لي دافع على ذلك إلا أني اكتشفت أنهم تحالفوا وتآمروا في حياة النبي صلى الله عليه وآله، لسرقة خلافته، وعزل عترته الذين أمر الله الأمة بإطاعتهم بعد نبيه!!
ثم اكتشفت أنهم مشروع يهودي كامل، عمل في حياة النبي وبعد وفاته!!
فلو كانت هذه رؤيتك، فهل تبقى تحبهم؟!!
إلى العاملي والجواد: لكم هذا الحديث من كتبكم الذي يصف أخلاقكم ونتائج أفعالكم: قد يستحلي البعض تلفيق الأكاذيب الساخرة، للتندر على الناس، والسخرية بهم، وهو لهو عابث خطير، ينتج الأحقاد والآثام. قال الصادق عليه السلام من روى على مؤمن رواية، يريد بها شينه، وهدم مروته ليسقط من أعين الناس، أخرجه الله تعالى من ولايته إلى ولاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان.
العاملي يقول: هذه الرواية من الكافي الشريف ضعفها بعض علمائنا، ولكني أعتقد أنها لم تولد من عدم!! سبحان الله. لأنها في صالحك. ما رأيك أن تعمل بهذا أيضا في جميع ما تدعون أنه ضعيف عندكم. اتباع الهوى يعمي ويصم.
الفصل الحادي عشر
تشكيك ابن تيمية وأتباعه في مكان قبر أمير المؤمنين عليه السلام
تشكيك ابن تيمية وأتباعه في مكان قبر أمير المؤمنين عليه السلام
التشبه بأهل الكتاب:
مع أن الله قد حذرنا سبيل اليهود والنصارى، فقضاؤه نافذ بما أخبر به رسوله مما سبق في علمه، حيث قال فيما أخرجاه في الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه. قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟
وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون شبرا بشبر وذراعا بذراع. فقيل يا رسول الله كفارس والروم؟ قال ومن الناس إلا أولئك؟!
فأخبر أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى وهم أهل الكتاب ومضاهاة لفارس والروم وهم الأعاجم، وقد كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التشبه بهؤلاء وهؤلاء.
ومن الأمور التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها وحذر أمتها من فعلها إقامة المساجد على القبور، وبين أن ذلك من فعل أهل الكتب مثل قوله الذي رواه مسلم في صحيحه عن جندب بن عبد الله، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك.
وقال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
وقد اتفق أئمة الإسلام على أنه لا يشرع بناء هذه المشاهد على القبور، ولا يشرع اتخاذها مساجد ولا يشرع الصلاة عندها ولا يشرع قصدها لأجل التعبد عندها بصلاة أو اعتكاف أو استغاثة أو ابتهال أو نحو ذلك...
وإنما دين الله تعظيم بيوت الله وحده لا شريك له، وهي المساجد التي تشرع فيها الصلاة جماعة وغير جماعة والاعتكاف وسائر العبادات البدنية والقلبية من القراءة والذكر والدعاء لله...
متى ظهر في المسلمين بناء المشاهد على القبور:
وأما اتخاذ القبور أوثانا فهو دين المشركين الذي نهى عنه سيد المرسلين، ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شئ في بلاد الإسلام لا في الحجاز ولا اليمن ولا الشام ولا العراق ولا مصر ولا خراسان ولا المغرب. ولم يكن قد أحدث مشهد لا على قبر نبي ولا صاحب ولا أحد من أهل البيت، ولا صالح أصلا. بل عامة هذه المشاهد محدثة بعد ذلك، وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس وتفرقت الأمة وكثر فيهم
متى ظهر المشهد الذي على قبر علي رضي الله عنه ومن الذي أظهره:
وفي دولة بني بويه أظهر المشهد المنسوب إلى علي رضي الله عنه بناحية النجف، وإلا قبل ذلك لم يكن أحد يقول إن قبر علي هناك، وإنما دفن علي رضي الله عنه بقصر الإمارة بالكوفة.
الرافضة يقدسون قبر المغيرة بن شعبة ظنا منهم أنه قبر علي:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما مشهد علي فعامة العلماء على أنه ليس قبره بل قد قيل إنه قبر المغيرة بن شعبة، وذلك أنه إنما أظهر بعد نحو ثلاثمائة سنة من موت علي في إمارة بني بويه. وذكروا أن أصل ذلك حكاية بلغتهم عن الرشيد أنه أتى إلى ذلك المكان وجعل يعتذر إلى من فيه مما جرى بينه وبين ذرية علي.
وبمثل هذه الحكاية لا يقوم شئ فالرشيد أيضا لا علم له بذلك، ولعل هذه الحكاية إن صحت عنه فقد قيل له ذلك كما قيل لغيره. وجمهور أهل المعرفة يقولون إن عليا إنما دفن في قصر الإمارة بالكوفة أو قريبا منه، وهكذا هو السنة، فإن حمل ميت من الكوفة إلى مكان بعيد ليس فيه فضيلة وأمر غير مشروع، فلا يظن بآل علي رضي الله عنه أنهم فعلوا به ذلك، ولا يظن أيضا أن ذلك خفي على أهل بيته والمسلمين ثلاثمائة سنة حتى أظهره قوم من الأعاجم الجهال ذوي الأهواء. أين دفن علي رضي الله عنه، ولماذا.
1 - لماذا أقيم المشهد في النجف مع أن المشهور، والمعلوم أن عليا قتل في الكوفة؟
2 - لماذا لم عرف هذا المشهد ولم يقام (كذا) إلى في القرن الثالث الهجري؟
المعروف أن قبر أمير المؤمنين علي غير معروف أصلا، ودفن سرا ولم يعرف مكان قبره، خوفا من الخوارج من نبش قبره الطاهر، وإن كان ما قلت يا محب السنة هو الصحيح، وإن أجابوك أجابوك بكلام بلا سند ولا دليل.
نسيتوا (كذا) هناك من يعلم الغيب عندهم... على حسب افتراءاتهم ... فهم عرفوا القبر بهذه الطريقة...
نعم قد نسيت العصمة، ولكن ما داموا معصومين، لماذا ينسبون الخطأ إلى أئمتهم؟
أولا: نعم أخبر النبي صلى الله عليه وآله أن أمته ستتبع سنن اليهود، وأن طائفة منها لا تزال على الحق حتى يظهر المهدي وينزل عيسى عليهما السلام.
أما الطائفة الثابتة على الحق فهي تعني القلة، بينما أنت تريد تفسيرها بالكثرة!
ثانيا: حديث النهي عن البناء على القبور والتجمع والصلاة عندها.. لم يظهر إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، وقد حكم أهل البيت عليهم السلام بأنه موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله.. فقد خافت السلطة أن يقيم أهل البيت مراسم، أو يستجير علي أو فاطمة بقبر الرسول لرفع ظلامتهم، ومن عادة العرب أنهم لا بد أن يستجيبوا للمستجير بالقبر!! فظهرت هذه الأحاديث!! وقد كان النبي صلى الله عليه وآله والزهراء وعلي وكل أهل البيت عليهم السلام، يزورون القبور، ويبنونها، ويصلون عندها.. وأحاديث قبر حمزة شاهدة!! ولو تتبعت موقف أهل البيت عليهم السلام من أحاديث النهي عن بناء القبور، لعرفت كثيرا من الحقائق، إن كنت تريد أن تعرف! ولكنك مع الأسف تعرض عن أهل بيت نبيك الذين أمرك بأخذ دينك عنهم وتأخذه من فلان وفلان!
ثالثا: أين الإثبات على كلامك أن زيارة القبور وبناءها ظهر متأخرا..
هل نسيت ما ورد في قبر حمزة وغيره؟!
جزاك الله يا عاملي خير الجزاء. وأسمح لي أن أضيف إشكال بسيط (كذا):
إن علي بن أبي طالب عليه السلام لم يسكن في حياته بقصر الإمارة. فهل تراه يدفن فيه؟! ثم من هؤلاء المسلمون الذين اتفقوا على حرمة بناء المساجد على قبور الأنبياء والأولياء؟ وها نحن نرى المسلمين في كل الوطن الإسلامي، في مصر قبر رأس الحسين وقبور أهل البيت عليهم السلام وقبور الأولياء كلها مساجد. وهذي الشام وذاك المسجد الأموي فيه قبر يحيى عليه السلام.
وهكذا في كل مكان إلا اللهم الوهابية، فقد هدموا قبور الأولياء من أهل البيت وغيرهم وذلك قبل (100 عام).
1300 سنة والمشاهد موجودة!! 1300 كانت المسلمون في حالة شرك، وأسلموا بالسيف قبل مئة سنة فقط؟!!! من أين حرمتم والقرآن في حديث أهل الكهف يقول كما قال المؤمنون (اتخذوا عليهم مسجدا)؟!!
وبالنسبة لقبر سيد الكائنات بعد رسول الله صلى الله عليهما وآلهما، أعتقد أن أهل البيت أدرى بالذي فيه، أو هذه تريدون أن تسحبوها من أهل البيت أيضا؟!
(قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى).
عن عائشة أم المؤمنين أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة. رواه البخاري ومسلم.
وعن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه.
فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا...
وعن جندب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك. رواه مسلم.
وهذه الأحاديث قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قبل ظهور التشيع، وقبل محمد بن عبد الوهاب، فكيف ينسب القول بالنهي عن اتخاذ القبور مساجد إلى الوهابية.
ثم ما مصلحة الصحابة من رواية مثل هذه الأحاديث؟ إن قلتم لعداوتهم لآل البيت؟ قلنا: ما وجه العداوة هنا، ولم يكن في ذلك الوقت بناء على
أما ما من يعترض على كون علي رضي الله عنه دفن بقصر الإمارة، فنقول له لا يذهب خيالك بعيدا، ولا تظن أن القصر مثل قصور الأمراء الآن، فقد كان يسمى مكان الأمير بهذا الاسم قبل علي، عندما كان أمير الكوفة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. ونحن لا ننكر زيارة القبور، ولكن ننكر البناء عليها، وعبادتها التي تعدونها تعظيما لآل البيت ومحبة لهم.
ثم إنكم لم تجيبوا على الإشكال المهم وهو: لماذا نقل قبر علي إلى النجف، مع أنه مات في الكوفة. ثم لماذا لم يعرف مكانه إلى بعد موته بقرابة ثلاثة قرون؟ وابحثوا في مصادركم التي ألفت في بداية القرن الثالث الهجري، فهل تجدون فيها ذكر قبر لعلي في النجف؟
أما قبر الحسين وكونه في مصر فهذه من الأدلة الكبيرة على خطأ عباد القبور، فالحسين قتل عام 61 ه والقاهرة بنيت عام 540، والقبر نقل من عسقلان في عام 540 بعد قتل الحسن ب 470 سنة، ومن المعلوم تاريخيا أن الحسين لم يقبر في عسقلان. ثم الذين بنوا المشهد الحسيني هم القرامطة الذين تسموا بالفاطميين.
ما دام المهدي قد ظهر من 1200 سنة، لماذا لم يظهر سيدنا عيسى بعد؟
خلطت الموضوعات يا محب السنة، ولم تجب على ما ذكرته أنا ومالك الأشتر.
فما رأيك بحديث رده الصادقون المطهرون الذين أمرنا النبي بالتمسك بهم؟!!
وما أكثر النصوص في ذلك، ومنها نصوص من عصر بني أمية!!
وإنما هو مشهد رأس الحسين الذي حملوه لإمامك يزيد! وقالت رواية إنه حفظه في خزائن بني أمية، ثم أخذوه ودفنوه في عسقلان، وله مزار هناك. ثم نقله الفاطميون، الذين سميتهم القرامطة ظلما، إلى مصر! فما الذي يغيظك من ذلك؟ ولماذا أضفته إلى الموضوع؟!!!
يبدو أنك يا عاملي لم تقرأ كلام صاحبك مالك الأشتر. ثم إن كلامك ليس علمي (كذا) وإنما مبني على أماني وظنون، وأنا أعلم علم اليقين أن ذرية علي رضي الله عنه لم يكونوا روافض، بل كانوا من أئمة أهل السنة والجماعة، ولذلك فهم أحرص الناس على اتباع أمر النبي صلى الله عليه وسلم. وأنا قد بنيت كلامي على أدلة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أعتقد أنها حق وصدق. أما أنت فلم تذكر أدلة على ما تقول.
أما القرامطة العبيديون أبناء عبيد الله بن ميمون القداح، الذين سموا أنفسهم الفاطميين، فهل تقول إنهم منكم وإنهم إمامية، وتعتقد عقيدتهم وتؤيد أفعالهم؟ وللمعلومية منهم الحاكم بأمر الله، والمعز لدين الله الفاطمي.
إذا كانت الأحاديث التي ذكرتها أنت صحيحة فلماذا لم يتقيد بها المسلمون؟
أم أن الشيعة كانت تحكمهم؟! هذه الشام وهذا المسجد الأموي لماذا اتخذ الأمويون قبر يحيى عليه السلام مسجدا؟! ألا تأتني بهذه الرواية التي تقول بأن الفاطميين قرامطة مع سندها واسم الكتاب ومؤلفه لو سمحت.
كل كتب التاريخ التي كتبت عن تاريخ العبيديين، ذكرت ذلك.
ثم إننا أهل السنة مع خلافنا مع الشيعة نفرق بين الشيعة والمتسمين بالفاطميين ونعتقد أن معتقدات العبيديين لا تمت للإسلام بصلة، ولو أنك قرأت في تاريخ العبيديين وعرفت معتقداتهم الباطنية لتبرأت منهم ولم تدافع عنهم.
أما المسجد الأموي فقد كان كنيسة قبل فتح المسلمين لدمشق، وليس مؤكدا أن يحيى عليه السلام مدفون فيه، ومن المعلوم أن يحيى قد عاش في فلسطين وليس دمشق. ثم إن عمل الأمويين ليس عندنا حجة. الحجة قال الله، قال رسوله فقط.
أنا لا أدافع عن الفاطميين، ولكن أريد أن أعرف من أن لك هذه الرواية وكلمة (كل كتب) لا تجزي في النقاش!
وأنا حينما استشهد بالأمويين لأنكم تعتبرونهم خلفاء صالحين، وهم أقرب إلى عهد الرسول صلى الله عليه وآله، فلو كانوا يعلمون هذا (أي حرمة البناء على قبور الأنبياء) أليس من الأجدر أن لا يبنوا على القبر مسجدا؟!
ثم هذا قبر يحيى أو غير يحيى (وطبعا هو قبر يحيى) فقد بنوا عليه مسجدا.
أما إنه كان كنيسة فنحن نعلم ذلك، ولكن كان بإمكانهم هدم الكنيسة وبناء المسجد في مكان ثاني (كذا)، لكنهم جعلوا المسجد في هذا المكان، وهذا
وغاب محب السنة ليفتح نفس الموضوع من جديد!!
طلبت مني نصوصا من مصادرنا في تعيين مكان قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام، وهي كثيرة في الأصول المؤلفة عندنا من معاصرين للأئمة عليهم السلام، ثم في زمن الغيبة.. وقد نصت على أنه دفن ليلا خارج الكوفة بوصية منه، حتى لا تعرف بنو أمية فقبره فتنبشه! وأن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، المتوفى 94، قد زار قبر جده في نجفة الكوفة، وكذا ولده محمد بن علي الباقر عليه السلام، المتوفى سنة 114، وكذلك الإمام جعفر الصادق عليه السلام المتوفى سنة 148، وكان القبر معروفا للأئمة، وجملة من الشيعة، إلى أن أظهره هارون الرشيد... ففي كامل الزيارات ص 92:
عن أبي علي مهدي بن صدقة الرقي، قال حدثني علي بن موسى، قال حدثني أبي موسى بن جعفر عليهما السلام، عن أبيه جعفر عليه السلام، قال زار زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ووقف على القبر، فبكى ثم قال:
أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده، وعملت بكتابه، واتبعت سنن نبيه صلى الله عليه وآله، حتى دعاك الله إلى جواره، وقبضك إليه باختياره، وألزم أعداءك الحجة في قتلهم إياك، مع ما لك من الحجج البالغة على جميع خلقه.
اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك، راضية بقضائك، مولعة بذكرك ودعائك، محبة لصفوة أوليائك، شاكرة لفواضل نعمائك، ذاكرة لسوابغ آلائك، مشتاقة إلى فرحة لقائك، متزودة التقوي ليوم جزائك، مفارقة لأخلاق أعدائك، مشغولة عن الدنيا بحمدك وثنائك.
ثم وضع خده على القبر وقال: اللهم إن قلوب المخبتين إليك والهة، وأعلام القاصدين إليك واضحة، وأفئدة العارفين منك فازعة...
وفي هامش نظم درر السمطين ص 138: أجمع المؤرخون في تعين قبر الإمام أنه دفن بالحيرة أو في موقع يقال له: النجف الغري، كما ذكره ابن سعد في الطبقات والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 42 ص 2، والمسعودي في مروج الذهب 106 ونور الأبصار ص 25، والمحب الطبري 189 ص 2، واليعقوبي في تاريخه 118، والشبلنجي في ص 114، وفي ذخاير العقبى ص 247 ص 2، وفي الرياض النضرة، وغيرهم من أئمة التاريخ والسير.
وهناك مؤلفات في تعيين قبر أمير المؤمنين وأنه مدفون في النجف. أما ما أشاعه النواصب من أن قبره هو قبر المغيرة بن شعبة، فاسمع ما قاله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 6 ص 121: قال أبو الفرج وحدثني أحمد بن
قلت: وهذه الرواية هي الحق وعليها العمل، وقد قلنا فيما تقدم أن أبناء الناس أعرف بقبور آبائهم من غيرهم من الأجانب، وهذا القبر الذي بالغري، هو الذي كان بنو علي يزورونه قديما وحديثا، ويقولون: هذا قبر أبينا، لا يشك أحد في ذلك من الشيعة ولا من غيرهم، أعني بني علي من ظهر الحسن والحسين وغيرهما من سلالته المتقدمين منهم والمتأخرين، ما زاروا ولا وقفوا إلا على هذا القبر بعينه.
وفي الكافي: 1 / 456 بسند صحيح: أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن القاسم بن محمد، عن عبد الله بن سنان قال: أتاني عمر بن يزيد فقال لي: اركب فركبت معه، فمضينا حتى أتينا منزل حفص الكناسي فاستخرجته فركب معنا، ثم مضينا حتى أتينا الغري فانتهينا إلى قبر، فقال: انزلوا هذا قبر أمير المؤمنين عليه السلام. فقلنا: من أين علمت؟ فقال: أتيته مع أبي عبد الله عليه السلام حيث كان بالحيرة غير مرة وخبرني أنه قبره!
- ومما يؤيد أنه ليس في الكوفة، ما ذكره في عون المعبود: 8 / 310:
وقال العيني وأما نقل الميت من موضع إلى موضع فكرهه جماعة وجوزه آخرون. وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء في خلافة علي قال شريك: نقله ابنه الحسن إلى المدينة.
ثم استشار معاوية في نبش قبر علي عليه السلام عبد الله بن عامر بن كريز ، فقال: ما أحب أن تعلم مكان قبره، ولا أن تسأل عنه، ولا أحب أن تكون هذه العقوبة بيننا وبين قومنا، فقبل معاوية من عبد الله ما أشار به عليه، وأعرض عن رأي مروان فيما أشار به من نبش قبر علي!!!
أما رواية محمد بن يعقوب الكليني فلا يعتمد عليها لتأخر وفاته، فقد توفي عام 329 ه، وما ذكر في عون المعبود وتاريخ الخلفاء ليس فيه دليل على ما تريد، وإنما هو خبر ظني وغاية ما يفيد لو صح أن القبر في المدينة، وهو دليل على عدم التيقن من مكان القبر.
وقولك: وهذه الروايات تشير إلى أنه ليس في الكوفة، كما تشير إلى إخفاء الإمام الحسن لقبره، محافظة عليه لما كان يعلمه من تسلط بني أمية، اعتراف منك ببعض الحق، وهو عدم معرفة مكانه بسبب إخفاء الحسن له.
فما أنكر معاوية شيئا مما سمع، بل أقر ضرارا وترحم على علي.
- وقال ابن كثير في البداية والنهاية الجزء: 5 الصفحة: 436: والمقصود أن عليا رضي الله عنه لما مات صلى عليه ابنه الحسن فكبر عليه تسع تكبيرات، ودفن بدار الإمارة بالكوفة خوفا عليه من الخوارج أن ينبشوا عن جثته، هذا هو المشهور. ومن قال إنه حمل على راحلته فذهبت به فلا يدري أين ذهب فقد أخطأ وتكلف ما لا علم له به، ولا يسيغه عقل ولا شرع.
وما يعتقده كثير من جهلة الروافض من أن قبره بمشهد النجف فلا دليل على ذلك ولا أصل له، ويقال إنما ذلك قبر المغيرة بن شعبة، حكاه الخطيب البغدادي عن أبي نعيم الحافظ عن أبي بكر الطلحي عن محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ عن مطر أنه قال: لو علمت الشيعة قبر هذا الذي يعظمونه بالنجف لرجموه بالحجارة، هذا قبر المغيرة بن شعبة.
قال الواقدي: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن إسحاق بن أبي فروة قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر كم كان سن علي يوم قتل؟
قال: ثلاثا وستين سنة. قلت: أين دفن؟ قال: دفن بالكوفة ليلا وقد غبي عني دفنه، وفي رواية عن جعفر الصادق أنه كان عمره ثمانيا وخمسين سنة، وقد قيل إن عليا دفن قبلي المسجد الجامع من الكوفة، قاله الواقدي، والمشهور بدار الإمارة، وقيل بحائط جامع الكوفة...
وقد حكي الخطيب البغدادي عن أبي نعيم الفضل بن دكين أن الحسن والحسين حولاه فنقلاه إلى المدينة فدفناه بالبقيع عند قبر فاطمة. وقيل إنهم لما
دفنت عليا في حجرة من دور آل جعدة. وعن عبد الملك بن عمير قال: لما حفر خالد بن عبد الله أساس دار ابنه يزيد استخرجوا شيخا مدفونا أبيض الرأس واللحية كأنما دفن بالأمس فهم بإحراقه ثم صرفه الله عن ذلك، فاستدعى بقباطي فلفه فيها وطيبه وتركه مكانه. قالوا وذلك المكان بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد في بيت إسكاف. وما يكاد يقر في ذلك الموضع أحد إلا انتقل منه.
وعن جعفر بن محمد الصادق قال: صلى على علي ليلا ودفن بالكوفة، وعمي موضع قبره، ولكنه عند قصر الإمارة.
وقال ابن الكلبي: شهد دفنه في الليل الحسن والحسين وابن الحنيفة وعبد الله بن جعفر وغيرهم من أهل بيتهم، فدفنوه في ظاهر الكوفة، وعموا قبره خيفة عليه من الخوارج وغيرهم.
أنا أسأل إن كان علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام دفن في هذا المكان أو غيره، فهل هذا يغير موضوع أنه على حق أو على باطل؟ هل يغير هذا أن علي ظلم أم لم يظلم؟ هل يغير أن الذين ظلموا عليا سيدخلون الجنة أو النار؟ هل يغير واقع من مظلومية الرسول وأهل بيته أو عدم مظلوميتهم؟
يعني إذا دفن في هذا المكان أو غيره تغير من شهادة لا إله إلا الله؟
واتركوا الشيعة وغالبية سنة العراق يزورون قبر علي بن أبي طالب في النجف، لأنهم يعتقدون هذا هو قبر علي بن أبي طالب! واذهبوا أنتم وزوروا قبر معاوية في الشام، وإنكم ترون أن زيارة القبور حرام (كذا) فهذا كلام (مأخوذ خيره)! فالمهم هل سرقت الخلافة أم لا؟ وهل ظلموا أهل الكساء عليهم السلام أم لا؟
أولا، إن الوضع الطبيعي أن يدفن المغيرة بن شعبة في مقبرة ثقيف في حي ثقيف لأنه ثقفي، وقد أتيت لك بنص في ذلك.. ومقبرة ثقيف في الكوفة وليست في النجف، والمسافة بينهما نحو عشرة كيلو متر.
ثانيا، الروايات في مكان قبره في مصادركم متعارضة لا يمكن قبولها؟!
على أن منها الضعيف ومنها المغرض! ومتى كنتم أنتم، تثقون أنتم بابن الكلبي والواقدي ومطر؟! إلا عند الإشكال على الشيعة؟!!
ثالثا، رواياتكم المتعارضة لا تنهض لمعارضة روايات أهل البيت المتفق عليها والصحيحة السند، والكثيرة إلى حد التواتر، في أن قبره عليه السلام في ظهر الكوفة عند الغري أو الغريين. وظهر الكوفة اسم للنجف الفعلية. وفي رواياتكم ما يوافق ما قاله الأئمة من أهل البيت عليهم السلام.
ورابعا، كما ذكر لك الأخ الأشتر، أهل البيت وشيعتهم متفقون قديما وحديثا على مكان قبر أمير المؤمنين عليه السلام، وأنت تعتقد أنه في مسجد الكوفة أو في جانب قصر الإمارة.. فإذا ذهبت إلى هناك فزره هناك.. ولكن المهم مكانة علي الشرعية التي جعلها الله له ورسوله، وظلم تحالف قبائل قريش له، ولأهل بيته ومعصيتهم لنبيهم فيهم!! والمهم لنا اليوم: عمن نأخذ معالم ديننا؟!
ها نأخذه عن تحالف القبائل ضد أهل البيت، ومن رواتهم وعلماء دولهم، أم من الذين أوصانا بهم نبينا صلى الله عليه وآله وجعلهم عدل القرآن؟!
لم نتحدث عن مكانة علي وفضله. ويعلم الله أني أحب عليا أكثر مما تحبونه وأفديه بنفسي وأهلي. ولكني أوردت هذا مثالا على تخبطكم وبناء دينكم على الظنون، دون مستند من عقل أو شرع، وقد حاول التدليس كعادته ليثبت صحة مكان القبر ولكنه لم يستطع.
عندما يقرر محب السنة الإعراض عن عمد عن كل ما روي عن أهل البيت وشيعتهم عليهم السلام في مكان قبر علي عليه السلام.. ولا يحب أن يرى شيئا منه، ولا يسألني كم عدد هذه الآثار ومدى صحتها..
إلى الأخ محب السنة. من أدلتنا على أن قبر علي عليه السلام في نجفة الكوفة: خلاصة من كتاب (فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي) تأليف السيد عبد الكريم بن طاووس الحسني - المتوفى سنة 693 هجرية.
ونشر منه العاملي مقدمة الكتاب، وفهرس فصوله.. تركناها اختصارا.
يا عاملي لا شك عندي أنك باحث مطلع، ولكني ألمس مما تنقله وتتوصل
إليه من نتائج أنك لا تستطيع التخلص من موروثاتك العقدية، فأنت أسير لها
دوما وهذا مشكلة يشاركك فيها كثير من الباحثين وما نقلته من كتاب فرحة
الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي تأليف السيد عبد الكريم بن طاووس
الحسني - المتوفى سنة 693 هجرية يخالف الشرط الذي ذكرته سابقا، وهو
ذكر مصادر متقدمة ترجع إلى بداية القرن الثالث الهجري، وتسبق وقت