الصفحة 117



حديث الغدير





الصفحة 118

الصفحة 119

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

كلامنا في هذه الليلة حول حديث الغدير، هذا الحديث العظيم الذي اهتمّ به الله سبحانه وتعالى، واهتمّ به رسوله، والأئمّة الأطهار، وكبار الصحابة، والعلماء عبر القرون، وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ )(1) هذه الآية المباركة من الآيات المتعلقة بيوم الغدير، إلاّ أنّها وردت في القرآن الكريم في سياق آيات يخاطب بها الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب: ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلاََدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوْا التَّوْرَاةَ وَالاْنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لاََكَلُوْا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ )(2)، ثمّ بعد الآية أيضاً: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيْمُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيْراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْرَاً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )(3).

____________

1- سورة المائدة: 67.

2- سورة المائدة: 65 ـ 66.

3- سورة المائدة: 68.


الصفحة 120
المخاطب في هذه الآيات وإنْ كان أهل الكتاب، لكنّ الآيات هذه منطبقة على أُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً تمام الإنطباق، إذ يجوز أن يقال: ولو أنّ الأُمّة الإسلاميّة آمنت، ولو أنّهم آمنوا واتّقوا، لكفّرنا عنهم سيّئاتهم ولأدخلناهم جنّات النعيم، ولو أنّهم أقاموا الكتاب والسنّة، وما أُنزل إليهم من ربّهم في أمير المؤمنين وأهل البيت الأطهار، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، والأُمّة الإسلاميّة أيضاً منهم أُمّة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون.

مرّة أُخرى يعود ويقول: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيْمُوا التَّوْرَاةَ وَالاْنجِيلَ )، فقبل ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) كانت الآية ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالاْنْجِيلَ )، وبعدها أيضاً ( لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالاْنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) ومع ذلك ( لَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ) من هذه الأُمّة (مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ).

كما أنّ أهل الكتاب أُمروا بالعمل بكتبهم، أي اليهود مأمورون بالعمل بالتوراة، والنصارى مأمورون بالعمل بالإنجيل، فالمسلمون مأمورون بالعمل بالكتاب والسنّة، فإذا عملوا بالكتاب والسنّة وما أُنزل إليهم من ربّهم، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنْ ليزيدنّ كثيراً منهم ما أُنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً.

وحديث الغدير من أظهر مصاديق ما أُنزل إلى رسول الله، وأتمّ به الله سبحانه وتعالى الحجّة على الأُمّة، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ).

وقد قرأنا في حديث الدار في يوم الإنذار: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " أمرني ربّي بأنْ أُبلّغ القوم ما أُمرت به، فضقت بذلك ذرعاً حتّى نزل جبرئيل وقال: إن لم تفعل لم تبلّغ ما اُرسلت به ".

فكانت الدعوة وكان إبلاغ إمامة أمير المؤمنين وخلافة إمامنا (عليه السلام) من جملة ما أمر به رسول الله منذ بدء الدعوة، وإلى أواخر أيّام حياته الشريفة المباركة، لأنّ هذه الآية في سورة المائدة، وسورة المائدة آخر ما نزل من القرآن بإجماع المسلمين.


الصفحة 121
أتذكّر في تفسير القرطبي يذكر الإجماع بصراحة على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن، كما أنّا في رواياتنا أيضاً يوجد عندنا نصّ على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن.

فكان النبي مبلِّغاً خلافة علي من بعده وداعياً الناس إلى الإيمان بها إلى جنب الإيمان بالله والرسول... في جميع أدوار رسالته المباركة.

وحديث الغدير حديث عظيم جليل لجهات عديدة:

منها: تلك الظروف الخاصة التي خطب فيها رسول الله هذه الخطبة.

ومنها: كون اللفظ الوارد عن رسول الله في هذه الخطبة لفظاً لا مرية فيه ولا ارتياب في دلالته على إمامة أمير المؤمنين.

ومنها: نزول الآيات من القرآن الكريم.

ولقد بذلت جهود كثيرة في إبقاء هذا الحديث ونقله ونشره، كما بذلت جهود في ردّه وكتمانه والتعتيم عليه.


الصفحة 122

الصفحة 123

نصّ حديث الغدير

وقبل الورود في البحث، لابدّ من ذكر نصّ أو نصّين من حديث الغدير عن بعض المصادر المعتبرة:

أخرج أحمد بن حنبل بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال:

نزلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بواد يقال له: وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاّها بهجير، قال: فخطبنا، وظلّل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال رسول الله: " ألستم تعلمون؟ ألستم تشهدون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ " قالوا: بلى، قال: " فمن كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه، اللهمّ عاد من عاداه ووال من والاه "(1).

وأخرج النسائي بسند صحيح عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال:

لمّا رجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن ـ أي فكنسن ـ ثمّ قال: " كأنّي قد دعيت فأجبت، وإنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض "، ثمّ قال: " إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن "، ثمّ إنّه أخذ بيد علي (رضي الله عنه) وقال: " من كنت وليّه فهذا وليّه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ".

يقول أبو الطفيل: فقلت لزيد: سمعته من رسول الله؟ فقال: إنّه ـ وفي بعض الألفاظ:

____________

1- مسند أحمد 5/501 رقم 18838 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ 1414 هـ.


الصفحة 124
والله، بدل إنّه ـ ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه وسمعه بأُذنيه(1).

فهذان لفظان بسندين معتبرين عن زيد بن أرقم.

وهنا ملاحظات لابدّ من الإشارة إليها:

الملاحظة الأُولى:

في حديث الغدير في صحيح مسلم(2)، وفي المسند(3)، وفي غيرهما يقول الراوي: فخطبنا أو يقول قام فينا خطيباً، لكنْ في المستدرك(4): فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ فقال ما شاء الله أن يقول، وفي مجمع الزوائد لأبي بكر الهيثمي الحافظ(5): فوالله ما من شيء يكون إلى يوم الساعة إلاّ قد أخبرنا به يومئذ.

أليس من حقّنا أن نسأل الرواة، أن نسأل المحدّثين، أن نسأل الأُمناء على سنّة رسول الله: أين هذه الخطبة، خطبة الغدير التي لم يترك رسول الله يوم الغدير شيئاً يكون إلى يوم القيامة إلاّ قد أخبرنا به؟ لماذا لم ينقلوه؟

إنّه أثنى على الله، وذكّر ووعظ فقال ما شاء الله أن يقول، أين وعظ رسول الله يوم الغدير؟ وأين ما ذكّر به رسول الله في يوم الغدير؟ وأين تلك الخطبة؟ لماذا لم يرووها؟ أليسوا هؤلاء حفّاظ سنّة رسول الله؟ أليس من وظيفتهم أن ينقلوا لنا ما قال رسول الله كما قال؟ لماذا لم ينقلوا؟

هذه هي الملاحظة الأُولى، ألهم جواب على هذا؟

____________

1- فضائل الصحابة: 15 رقم 45 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

خصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) : 96 رقم 79 ـ مكتبة المعلاّ ـ الكويت ـ 1406 هـ.

2- صحيح مسلم 4/1873 رقم 36 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1398 هـ.

3- مسند أحمد 5/498 رقم 18815.

4- مستدرك الحاكم 3/533 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1398 هـ.

5- مجمع الزوائد 9/104 ـ 105 ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ 1402 هـ.


الصفحة 125

الملاحظة الثانية:

هناك قاعدة في علم الحديث يعبّرون عنها بقاعدة الحديث يفسّر بعضه بعضاً، إنّ الحديث كالقرآن يفسّر بعضه بعضاً، ونحن في هذين اللفظين المذكورين المرويين بسندين صحيحين، نرى أحدهما يقول: " من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه "، والآخر يقول: " من كنت وليّه فهذا وليّه "، فلو كان هناك إبهام في معنى كلمة المولى ومجيء هذه الكلمة بمعنى الولي، ومجيء هذه الكلمة بمعنى الأولى، لو كان هناك إبهام، فإنّ اللفظ الثاني يفسّر اللفظ الأوّل.

وكم من شواهد من هذا القبيل عندنا في الحديث، هذه الشواهد الكثيرة الصحيحة سنداً تأتي مفسرة للفظ المولى لو كان هناك حاجة إلى تفسير هذه الكلمة.

الملاحظة الثالثة:

إنّ مسلم بن الحجّاج يروي هذا الحديث في صحيحه إلى حدّ حديث الثقلين، وذلك لأنّه كان عندنا في لفظ النسائي أنّه قال: " كأنّي دعيت فأجبت وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي " إلى آخر هذا الحديث، ثمّ قال: " إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن " إلى آخره(1).

ومسلم يروي هذا الحديث إلى حدّ الحديث الأوّل وهو حديث إنّي تارك فيكم الثقلين، مع تغيير في الألفاظ، ولا يروي بقية الحديث ممّا يتعلّق بـ " من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه "، ونحن مع ذلك شاكرون لمسلم، حيث روى هذا الحديث بهذا المقدار، لأنّ البخاري لم يرو منه شيئاً أبداً، نشكر مسلم على أمانته بهذا المقدار.

وربّ قائل يقول: بأنّ مشايخ مسلم ورواة الحديث لم يرووا له أكثر من هذا، أو أنّ مسلماً على أساس الضوابط والشروط التي تبنّاها في صحيحه لم يجد سنداً آخر من أسانيد هذا الحديث متوفرة فيه تلك الشروط إلاّ هذا الحديث الذي نقله وأورده بهذا

____________

1- خصائص أمير المؤمنين: 93، ط الغري.


الصفحة 126
الشكل المبتور.

ولكن كلّ هذا لا يمكننا قبوله، مع ذلك نشكره على نقله بهذا المقدار.

انتهت الملاحظات.

نحن لو أردنا أن نبحث عن حديث الغدير، أنتم جميعاً أهل الفضل والفضيلة والإطّلاع، خاصّةً على مثل حديث الغدير، هذا الحديث المهم الذي اهتمّ به الكل من مخالفين وموافقين.

إنّه ليس عندي شيء جديد أُبيّنه لكم في هذه الليلة حول حديث الغدير، والليلة الواحدة لا تكفي بل الليلتان أيضاً، لكنّي أذكر لكم رؤوس المطالب والنقاط المهمّة التي سجّلتها مع شيء من التوضيح وإبداء بعض الملاحظات فقط.

نحن عندما نريد أن نجعل لبحثنا منهجاً فلابدّ وأن يكون المنهج على الشكل التالي، أنْ نبحث عن حديث الغدير في جهتين.

الجهة الأُولى في الجهود التي بذلت في سبيل هذا الحديث إثباتاً وروايةً وتصحيحاً ونشراً، وإلى آخره.

والجهة الثانية: الجهود التي بذلت في سبيل إبطال هذا الحديث، في سبيل ردّ هذا الحديث، وكتم هذا الحديث والتعتيم عليه، وتحريفه بأيّ شكل من الأشكال.


الصفحة 127

الجهة الأُولى
الجهود التي بذلت في سبيل إثبات هذا الحديث

وهذه الجهة تشتمل على نقاط:

النقطة الأُولى:

لقد نزلت في قضية الغدير، وفي يوم الغدير، آيات من القرآن الكريم، نزلت آية قبل خطبة الغدير هي قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُوْلُ بَلِّغْ... ) إلى آخر الآية، ونزلت آية بعد خطبة الغدير هي قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِْسْلاَمَ دِيناً )(1) ونزل قوله تعالى: ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع )(2) عندما اعترض ذلك الأعرابي على ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، سائلاً النبي بأنّك أمرتنا بالصلاة فصلّينا، أمرتنا بالزكاة فأدّينا، وإلى آخره، واليوم جئت وأخذت بعضد ابن عمّك ونصبته علينا وليّاً، أهذا أمر من الله أو شيء من عندك؟ تقريباً بهذا اللفظ، فنزل قوله تعالى: ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع ) إلى آخره.

فهذه آيات متعلّقة بقضية الغدير، ولكلّ آية بحث مستقل، أي لو أردنا أنْ نذكر الروايات في شأن نزول هذه الآيات لاحتجنا إلى مجال أكثر، وكما أشرت من قبل، فالليلة الواحدة لا تكفي للإحاطة بجميع جوانب قضية الغدير.

____________

1- سورة المائدة: 3.

2- سورة المعارج: 1.


الصفحة 128
إذن، نكتفي بهذا المقدار، وعليكم أن تراجعوا المصادر.

النقطة الثانية:

الرواة لحديث الغدير من الصحابة، يبلغ عددهم أكثر من مائة وعشرين رجل وامرأة، هؤلاء يروون حديث الغدير، وطرق أهل السنّة إلى هؤلاء الصحابة موجودة في الكتب، والروايات الواردة عن هؤلاء أو الرواية الواردة عن كلّ واحد من هؤلاء تلك الرواية موجودة في الكتب المعنيّة بحديث الغدير.

واختلف القوم في عدد الحاضرين في يوم الغدير عند خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهناك قول بأنّهم كانوا مائة وعشرين ألف شخص، فإذا كان كذلك فقد وصلنا حديث الغدير من10001 من الحاضرين.

النقطة الثالثة:

الرواة لحديث الغدير من التابعين عددهم أضعاف عدد الصحابة، وهذا واضح، لأنّ كلاًّ من الصحابة قد سمع الحديث منه أكثر من تابعي، والتابعون أيضاً نقلوا الحديث إلى أصحابهم وهكذا.

فكان العلماء الرواة لحديث الغدير من أعلام السنّة في القرون المختلفة يبلغ عددهم المئات.

النقطة الرابعة:

الأسانيد التي نروي بها حديث الغدير لا تحصى كثرة، وهي فوق حد التواتر بكثير، ويشهد بذلك:

أوّلاً: كثرة الكتب المؤلفة في جمع طرق حديث الغدير وأسانيده، وهذا لو أردنا أن نشرحه لاحتاج إلى وقت إضافي، أي أسامي المؤلفين في حديث الغدير من كبار العلماء السابقين.

ثانياً: ذكر حديث الغدير في الكتب المختصة بجمع الأحاديث المتواترة:

فللسيوطي أكثر من كتاب ألّفه في الأحاديث المتواترة وأدرج فيها حديث الغدير.


الصفحة 129
والزبيدي صاحب تاج العروس له كتاب خاص بالأحاديث المتواترة وفيه حديث الغدير.

والكتّاني له كتاب في الأحاديث المتواترة وحديث الغدير موجود فيه.

والشيخ علي المتقي الهندي صاحب كنز العمّال له كتاب خاص بالأحاديث المتواترة وفيه حديث الغدير.

والشيخ علي القاري الهروي له أيضاً كتاب في الأحاديث المتواترة وحديث الغدير موجود فيه.

فالكتب المختصة بالأحاديث المتواترة مشتملة على حديث الغدير.

ثالثاً: وجدنا تنصيص عدّة كبيرة من أعلام الحفّاظ والمحدّثين على تواتر هذا الحديث:

كالذهبي مثلاً يقول هذا الحديث متواتر أتيقّن أنّ رسول الله قاله. والقائل من؟ الذهبي، والذهبي متشدّد ومتعصّب.

وممّن يعترف بتواتر حديث الغدير: ابن كثير الدمشقي(1).

وممّن يعترف بتواتر حديث الغدير: ابن الجزري شمس الدين(2)، وهذا حافظ كبير من حفّاظهم.

فهذه نقاط، وكلّ نقطة، وكلّ واحدة من هذه الأُمور تحتاج إلى بحث مستقل، ونحن ليس عندنا ذلك المجال الكافي للتفصيل في هذه الأمور.

رواة حديث الغدير:

ولا بأس الآن بأنْ نذكر أسامي أشهر مشاهير رواة حديث الغدير في القرون

____________

1- البداية والنهاية 5 / 213.

2- أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 3 ـ 4.


الصفحة 130
المختلفة، فأشهر مشاهيرهم في القرون المختلفة هم:

1 ـ محمّد بن إسحاق، صاحب السيرة.

2 ـ معمر بن راشد.

3 ـ محمّد بن إدريس الشافعي، إمام الشافعية.

4 ـ عبد الرزاق بن همّام الصنعاني، شيخ البخاري.

5 ـ سعيد بن منصور، صاحب المسند.

6 ـ أحمد بن حنبل، إمام الحنابلة، صاحب المسند.

7 ـ ابن ماجة القزويني، صاحب أحد الصحاح الستة.

8 ـ الترمذي، صاحب الصحيح.

9 ـ أبو بكر البزّار، صاحب المسند.

10 ـ النسائي، صاحب الصحيح.

11 ـ أبو يعلى الموصلي، صاحب المسند.

12 ـ محمّد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ المشهورين المعروفين.

13 ـ أبو حاتم ابن حبّان، صاحب الصحيح.

14 ـ أبو القاسم الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة.

15 ـ الحافظ أبو الحسن الدارقطني، الذي كان إمام وقته في بغداد، ويلقّبونه بأمير المؤمنين في الحديث.

16 ـ الحاكم النيسابوري، صاحب المستدرك.

17 ـ ابن عبد البر، صاحب الإستيعاب.

18 ـ الخطيب البغدادي، صاحب تاريخ بغداد.

19 ـ أبو نعيم الإصفهاني، صاحب حلية الأولياء ودلائل النبوة وغيرهما من الكتب.

20 ـ أبو بكر البيهقي، صاحب السنن الكبرى.

21 ـ البغوي، صاحب مصابيح السنّة.


الصفحة 131
22 ـ جار الله الزمخشري، صاحب الكشّاف في التفسير.

23 ـ ابن عساكر الدمشقي، صاحب تاريخ دمشق.

24 ـ الفخر الرازي، صاحب التفسير المعروف.

25 ـ الضياء المقدسي، صاحب المختارة.

26 ـ ابن الأثير الجزري، صاحب أُسد الغابة.

27 ـ أبو بكر الهيثمي، الحافظ الكبير، صاحب مجمع الزوائد.

28 ـ الحافظ المزّي، صاحب كتاب تهذيب الكمال، وهو حافظ كبير من حفّاظهم.

29 ـ الحافظ الذهبي، صاحب تلخيص المستدرك وغيره من الكتب.

30 ـ الحافظ الخطيب التبريزي، صاحب مشكاة المصابيح.

31 ـ نظام الدين النيسابوري، صاحب التفسير المعروف.

32 ـ ابن كثير الدمشقي، صاحب التاريخ والتفسير.

33 ـ الحافظ ابن حجر العسقلاني، يلقّبونه بشيخ الإسلام، وهو إنصافاً عالم من علمائهم، يعتمد عليه في النقل وينظر إلى كلماته ككلمات عالم، أنا بنظري إنّ ابن حجر العسقلاني عالم محترم، هذا صاحب فتح الباري في شرح البخاري وغيره من الكتب.

34 ـ العيني الحنفي، صاحب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري.

35 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي، صاحب المؤلفات الكثيرة المعروفة.

36 ـ ابن حجر المكّي، صاحب الصواعق المحرقة في الردّ على الشيعة.

37 ـ الشيخ علي المتقي الهندي، صاحب كنز العمّال.

38 ـ الشيخ نور الدين الحلبي، صاحب السيرة الحلبية.

39 ـ شاه ولي الله الدهلوي، صاحب المؤلفات الكثيرة، هذا يسمّونه بعلاّمة الهند، ويعتمدون على مؤلّفاته وينقلون عنها.

40 ـ شهاب الدين الخفاجي، رجل محقق محدّث أديب، له شرح على الشفاء للقاضي عياض وله تعليقة على تفسير البيضاوي أيضاً وهما كتابان معتبران.


الصفحة 132
41 ـ الزبيدي، صاحب تاج العروس.

42 ـ أحمد زيني دحلان، صاحب السيرة الدحلانيّة المعروفة.

43 ـ الشيخ محمّد عبده المصري، صاحب التفسير وشرح نهج البلاغة والآثار الأُخرى.

هؤلاء أشهر مشاهير رواة حديث الغدير في القرون المختلفة.

دواعي عدم نقل الحديث:

وهنا فصلٌ لابدّ من التعرّض له بإيجاز، وذلك أنّه لو يراجع الباحث الحر المنصف أسانيد حديث الغدير وألفاظه، ومتون هذا الحديث، لوجد في متون الحديث قرائن كثيرة تدلّ على أنّ الدواعي إلى عدم نقله أو الموانع عن نقله كثيرة، فمثلاً:

يقول الراوي: رأيت ابن أبي أوفى وهو في دهليز له بعد ما ذهب بصره، فسألته عن حديث، فقال: إنّكم يا أهل الكوفة فيكم ما فيكم، قلت: أصلحك الله إنّي لست منهم، ليس عليك منّي عار، فلمّا اطمأنّ بي قال: أيّ حديث تريد؟ قال: قلت: حديث علي في غدير خم(1). هذا من الصحابة.

ويقول الراوي: أتيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّ خَتَناً لي [ أي صهراً ] حدّثني عنك بحديث في شأن علي يوم غدير خم، فأنا أُحبّ أنْ أسمعه منك، فقال: إنّكم معاشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له: ليس عليك منّي بأس، فقال: نعم، عندما اطمأنّ قال: نعم كنّا بالجحفة... إلى آخر الحديث، قال: فقلت له: هل قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: إنّما أُخبرك بما سمعت. هذا الحديث في المسند(2).

قارنوا هذا الحديث الوارد في المسند عن زيد بن أرقم، مع الحديث الذي قرأناه في

____________

1- مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي: 16.

2- مسند أحمد 4 / 368.


الصفحة 133
أوّل البحث عن زيد بن أرقم، إنّه لم يرو هنا هذه القطعة في ذيل الحديث، لكنْ هناك قال: نزلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بواد يقال له غدير خم... إلى آخره، قال: " فمن كنت مولاه، فإنّ عليّاً مولاه، اللهمّ عاد من عاداه ووال من والاه ". وهذا أيضاً في المسند(1).

فأحمد يروي الحديثين بفاصل أوراق معدودة، في أحدهما لا يذكر زيد بن أرقم هذه القطعة الأخيرة من الحديث لهذا الشخص، لكنْ هناك للشخص الآخر يروي هذه الجملة أيضاً.

وسأقرأ لكم حديثاً آخر عن المعجم الكبير للطبراني، سترون أنّ زيد بن أرقم يروي هذه القطعة أيضاً لذلك الراوي الآخر.

يقول الراوي أيضاً: قلت لسعد بن أبي وقّاص ـ الذي هو من رواة حديث الغدير، ومن كبار الصحابة، وأحد العشرة المبشرة كما يقولون ـ: إنّي أُريد أنْ أسألك عن شيء، وإنّي أتّقيك ـ يظهر التقيّة موجودة بينهم حتّى من أنفسهم هم ـ قال: سل عمّا بدا لك فإنّما أنا عمّك، قال: قلت مقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيكم يوم غدير خم، فجعل سعد يحدّثه بالحديث(2).

لكنّ الراوي عندما يريد أن يسأله يقول: اُريد أن أسألك عن شيء وإنّي أتّقيك.

أُنظر إلى الظروف المحيطة بقضيّة حديث الغدير، وكيف كانوا يريدون التوصّل إلى هذا الحديث بهذه الأساليب.

يقول الراوي عندما وقف شخص على حلقة فيها زيد بن أرقم قال: أفي القوم زيد؟ قالوا: نعم هذا زيد، فقال: أُنشدك بالله الذي لا إله إلاّ هو يا زيد، أسمعت رسول الله يقول لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: نعم، فانصرف الرجل.

وكأنّه عندما يريد أن يسأل زيداً لابدّ وأنْ يحلّفه حتّى يحكي له الواقع كما سمع من

____________

1- مسند أحمد 4 / 372.

2- كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 620.


الصفحة 134
رسول الله. هذا الحديث في المعجم الكبير للطبراني.

فإلى هنا انتهينا ممّا يتعلّق بسند حديث الغدير ومتن حديث الغدير.

إثبات التواتر اللفظي لحديث الغدير:

ورأينا أنّ هذا الحديث حديث متواتر، بل لقد تجاوز حدّ التواتر بأضعاف مضاعفة، والتواتر كما تعلمون على أقسام:

تارة التواتر لفظي.

وتارة التواتر إجمالي.

وتارة التواتر معنوي.

وبقرينة ذكر القوم هذا الحديث في كتبهم المتعلّقة بالأحاديث المتواترة يظهر أنّ هذا الحديث بهذا اللفظ متواتر، وهذا شيء مهم، لأنّهم في كتب الحديث وعلم دراية الحديث ـ إذا راجعتم ـ يقولون بأنّ التواتر اللفظي قليل جدّاً، حتّى أنّهم يحصرون التواتر اللفظي بحديث إنّما الأعمال بالنيّات فقط، وربّما أضافوا إلى هذا الحديث حديثاً آخر، هكذا يدّعون، ويقولون بأنّ الأحاديث الواصلة إلينا من رسول الله هي وإن كانت متواترة إلاّ أنّها متواترة معنى أو إجمالاً، هذا في أكثر الأحاديث الواصلة إلينا التي يمكننا أن ننسبها إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقطع واليقين.

إلاّ أنّ حديث الغدير بهذا اللفظ متواتر، وهذا شيء له أهميّته، ولابدّ من الدقّة في هذه النقطة فإنّها أمر مهم.

فانتهينا إذن، من لفظ الحديث ومتنه، وانتهينا من سنده، وأنّه متواتر قطعاً.

وقد نصّ الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب كتاب التحفة الإثنا عشرية. هذا الكتاب الذي طبع مختصره بالعربية بقلم الآلوسي البغدادي، ونشره بعض أعداء الدين مع تعاليق شحنها بالسباب والشتائم وبالشحناء والبغضاء لأهل البيت ولشيعتهم.

يقول المولوي عبد العزيز الدهلوي في كتابه التحفة الإثنا عشرية: إنّ الحديث إذا

الصفحة 135
وصل حدّ التواتر وأصبح قطعي الصدور عن رسول الله، كان بمنزلة آية قرآنيّة، فكما أنّ القرآن الكريم مقطوع الصدور من الله سبحانه وتعالى، ولا ريب في أنّ هذا القرآن مقطوع الصدور من الله سبحانه وتعالى، ولا ريب في هذا القرآن وفي ألفاظه ووصول القرآن الكريم إلينا بالتواتر القطعي، فكلّ حديث يروى عن رسول الله ويصل إلينا بأسانيد تفيد القطع واليقين يكون هذا الحديث بحكم الآية القرآنيّة وبمثابة القرآن الكريم.

إذن أصبح قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : " من كنت مولاه فهذا علي مولاه " بمثابة آية في القرآن الكريم من حيث أنّه مقطوع الصدور.

دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) :

حينئذ، لابدّ من بيان وجه الإستدلال بهذا الحديث المتواتر قطعاً على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) .

وجه الإستدلال بهذا الحديث يتلخّص في أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أنْ أخذ منهم الإقرار وأشهدهم على أنّه أولى بهم من أنفسهم، مشيراً إلى قوله تعالى: ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ )(1)، مقتضى هذه الآية المباركة كون النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم في كلّ مالهم الولاية عليه، فأخذ منهم الإقرار على هذا المعنى، ثمّ فرّع على ذلك بقوله: " فمن كنت وليّه " ويوجد في بعض الألفاظ " فمن كنت أميره " " فعليّ مولاه " " فعليّ وليّه " " فعليّ أميره " إلى آخره، فأثبت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي ما ثبت له من الأولويّة بالناس من الناس، أي من أنفسهم، ثمّ إنّهم جميعاً بايعوه على هذا وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، وهنّأوه، ونظمت فيه الأشعار.

ومحور الإستدلال بحديث الغدير كلمة " مولى "، ومجيء هذه الكلمة بمعنى " الأولى "، وذلك موجود في القرآن الكريم في سورة الحديد، موجود في الأحاديث

____________

1- سورة الأحزاب: 6.


الصفحة 136
النبوية المعتبرة حتّى في الصحيحين، موجود في الأشعار العربية والإستعمالات الفصيحة.

وحينئذ، يتمّ الإستدلال على ضوء الكتاب والسنّة والإستعمالات العربية الصحيحة الفصيحة.

وإذا كان أمير المؤمنين بمقتضى هذا الحديث أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فكلّ من عدا رسول الله، كلّ من كان مؤمناً عدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كان مؤمناً حقيقة أو ادّعي له الإيمان، فعليّ أولى به من نفسه، بما فيهم كبار الصحابة ومشايخ القوم و... إلى آخره.

هذا وجه الإستدلال.

لكن في مقام الإستدلال لابدّ وأنْ ننتظر، ولننظر ماذا يقولون في مقابل هذا الإستدلال، وتلك هي الجهة الثانية.

فتلخص إلى هنا: إنّ حديث الغدير له جذور في القرآن الكريم، جذور في السنّة النبويّة المعتبرة القطعيّة المتفق عليها بين الفريقين، وجذور أيضاً في الأخبار والآثار.

وما أكثر المناشدات والإحتجاجات بحديث الغدير، من أمير المؤمنين أوّلاً، ومن الزهراء البتول بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن الأئمّة الأطهار، ومن كبار الصحابة، والعلماء، وأيضاً في الأشعار الكثيرة، من كبار شعراء الصحابة أنفسهم وحتّى القرون المتأخّرة، فلحديث الغدير هكذا جذور.

ولو أردنا أن ندخل في هذا الباب لطال بنا المجلس، لأنّ المناشدات وحدها تحتاج إلى أكثر من مجلس في نظري، واحتجاج الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها بحديث الغدير وهي بضعة رسول الله، وكونها بضعة رسول الله ليس بالشيء الهيّن.

قول رسول الله: " فاطمة بضعة منّي " هذا الحديث موجود في الصحاح، ولأجل هذا الحديث نصّ غير واحد من أعلام القوم على أفضليّة الزهراء حتّى من الشيخين، تعلمون أنّهم يؤخّرون عليّاً عن عثمان، وعثمان متأخّر عن الشيخين، ويجعلون الفضيلة والأفضليّة بترتيب الخلافة، هذا هو المشهور بينهم، لكنّ الزهراء سلام الله عليها يفضّلها

الصفحة 137
بعضهم على الشيخين، بمقتضى حديث " فاطمة بضعة منّي " وعندما نصل إلى بحث الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها سأطرح لكم تلك الكلمات، لأنّها مهمّة للغاية.

فهي الأُخرى أيضاً احتجّت بحديث الغدير.

وهذا كلّه بغضّ النظر عن شواهد حديث الغدير، فلحديث الغدير شواهد كثيرة في السنّة القطعيّة، منها حديث الولاية الذي سنبحث عنه في ليلة وقد جعلناه موضوعاً مستقلاً، سنبحث عنه سنداً ودلالة إن شاء الله تعالى. فهذا هو الحديث.


الصفحة 138

الصفحة 139

الجهة الثانية
الجهود التي بذلت في سبيل إبطال هذا الحديث

وفي الجهة الثانية: تعلمون بأنّ علماء القوم يحاولون تبرير الواقع التاريخي، يحاولون توجيه ما وقع، يقول الله سبحانه وتعالى: ( وما محمّد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً ) لكن القوم يحاولون أنّ يبرّروا ما فعلوا، فكانوا مصاديق لهذه الآية المباركة، فلننظر ماذا يقولون تجاه حديث الغدير:

مسألة أن علياً (عليه السلام) لم يكن في حجة الوداع:

ولعلّكم تتعجّبون أو تضحكون ممّن يقول ـ قبل كلّ شيء ـ: بأنّ عليّاً لم يكن في حجة الوداع، كان عليّ في اليمن في ذلك الوقت، فكلّ حديث ورد فيه أنّه أخذ بيد عليّ وجعل يعرّفه إلى الناس ويقول: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، هذه الأحاديث كلّها كاذبة، لأنّ عليّاً كان باليمن، تستغربون لو قلت لكم أنّ القائل بهذا القول هو الفخر الرازي.

لكن من حسن الحظ أنّ مثل ابن حجر المكّي صاحب الصواعق(1) يردّ هذا الكلام، وكذا شرّاح الحديث الذين نرجع إليهم دائماً في فهم الأحاديث.

وهذا ديدني في بحوثي، أرجعُ إلى مثل المنّاوي صاحب فيض القدير الشارح

____________

1- الصواعق المحرقة: 25.