ورواه من أئمّة المذاهب:
1 ـ أبو حنيفة.
2 ـ أحمد بن حنبل.
3 ـ مالك بن أنس.
4 ـ الإمام الأوزاعي، ذلك الفقيه الكبير الذي كان يعدّ مذهبه مذهباً مستقلاً من بين المذاهب، إلى أن حصروا المذاهب في الأربعة المشهورة.
ومن رواته جماعة كبيرة من مشايخ البخاري ومسلم.
وكثير من رواته من رجال الصحاح الستّة عند أهل السنّة.
ولنذكر أسماء أشهر مشاهير رواة هذا الحديث من أئمّة الحديث وكبار الحفّاظ في القرون المختلفة:
1 ـ شعبة بن الحجّاج، أمير المؤمنين في الحديث، كما يلقّبونه.
2 ـ الأوزاعي، الإمام المعروف.
3 ـ مالك بن أنس، إمام المذهب.
4 ـ أبو حنيفة، صاحب المذهب.
5 ـ أحمد بن حنبل، صاحب المذهب.
6 ـ أبو عاصم النبيل، شيخ البخاري.
7 ـ أحمد بن حنبل.
8 ـ عبد الرزاق الصنعاني، شيخ البخاري.
9 ـ البخاري نفسه، يروي هذا الحديث، لكن لا في صحيحه، بل في تاريخه الكبير، وسنذكر نصّ حديثه فيما بعد.
10 ـ البلاذري، صاحب أنساب الأشراف.
11 ـ أبو حاتم الرازي، الذي هو من أقران البخاري ومسلم.
13 ـ أبو بكر البزّار، صاحب المسند.
14 ـ النسائي، صاحب الصحيح.
15 ـ أبو يعلى الموصلي، صاحب المسند.
16 ـ محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ والتفسير المعروفين.
17 ـ ابن أبي حاتم، صاحب التفسير، والمحدّث الكبير الذي يعدّونه من الأبدال.
18 ـ ابن عبد ربّه، في العقد الفريد.
19 ـ أبو الحسين المحاملي، صاحب الأمالي.
20 ـ أبو العباس ابن عُقدة، له كتاب في حديث الطير.
21 ـ المسعودي المؤرخ، صاحب مروج الذهب.
22 ـ أبو القاسم الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة.
23 ـ أبو الشيخ الاصفهاني، صاحب كتاب طبقات المحدّثين بإصفهان.
24 ـ ابن السقا الواسطي، هذا الحافظ الكبير من علماء القرن الرابع، سنذكر قصّته في حديث الطير.
25 ـ أبو حفص ابن شاهين، له كتاب في حديث الطير.
26 ـ أبو الحسن الدارقطني، صاحب كتاب العلل.
27 ـ أبو عبدالله الحاكم النيشابوري، صاحب المستدرك، وله كتاب بطرق حديث الطير.
28 ـ أبو بكر ابن مردويه، له كتاب في طرق حديث الطير.
29 ـ أبو نعيم الأصفهاني، صاحب حلية الأولياء وغيره من الكتب، له كتاب في طرق حديث الطير.
30 ـ أبو طاهر ابن حمدان الخراساني، المحدّث الكبير، له كتاب في طرق حديث الطير.
32 ـ ابن عبد البر، صاحب الإستيعاب.
33 ـ الخطيب البغدادي، صاحب تاريخ بغداد.
34 ـ محي السنّة البغوي، صاحب مصابيح السنّة.
35 ـ رزين العبدري، صاحب الجمع بين الصحاح الستّة.
36 ـ أبو القاسم ابن عساكر، صاحب تاريخ دمشق.
37 ـ ابن الأثير الجزري، صاحب جامع الأُصول.
38 ـ وأيضاً أخوه ابن الأثير الآخر، صاحب أُسد الغابة.
39 ـ الخطيب التبريزي، صاحب مشكاة المصابيح.
40 ـ أبو الحجّاج المزّي، صاحب تهذيب الكمال وكتاب تحفة الأشراف.
41 ـ شمس الدين الذهبي، صاحب المؤلفات المعروفة المشهورة.
42 ـ ابن كثير الدمشقي، صاحب التفسير والتاريخ.
43 ـ أبو بكر الهيثمي، صاحب مجمع الزوائد.
44 ـ شمس الدين ابن الجزري، صاحب المؤلفات.
45 ـ ابن حجر العسقلاني، صاحب المؤلفات، شيخ الإسلام، والفقيه المحدث الرجالي المعروف.
46 ـ جلال الدين السيوطي، أيضاً صاحب المؤلفات المشهورة.
47 ـ ابن حجر المكي، صاحب الصواعق.
48 ـ شاه ولي الله الدهلوي، محدّث الهند.
وكما عرفتم في خلال ذكر أسماء الرواة هؤلاء: إنّ جماعة من الأعلام ومن كبار المحدّثين ألّفوا كتباً خاصة تتعلّق بطرق حديث الطير، وهؤلاء هم:
1 ـ الطبري، صاحب التفسير والتاريخ.
2 ـ ابن عقدة.
4 ـ ابن مردويه.
5 ـ أبو نعيم.
6 ـ أبو طاهر ابن حمدان.
7 ـ الذهبي نفسه يذكر في كتابه تذكرة الحفّاظ بترجمة الحاكم النيسابوري: أنّ له كتاباً ـ أي الذهبي نفسه ـ في طرق حديث الطير(1).
فهؤلاء رواة هذا الحديث بنحو الإجمال من الصحابة، وأشرنا إلى أنّ عدد التابعين الرواة لهذا الحديث من أنس بن مالك وحده يبلغون حدود التسعين رجلا، وذكرنا أشهر مشاهير علماء الحديث في القرون المختلفة الرواة لحديث الطير، وذكرنا من ألّف في خصوص حديث الطير كتاباً.
وحديث الطير موجود في عدّة من الصحاح، كصحيح الترمذي، وصحيح النسائي، وصحيح ابن حبّان، وأيضاً موجود في المختارة للضياء المقدسي، وفي المستدرك للحاكم، وفي الجمع بين الصحيحين، وفي الجمع بين الصحاح.
كما أنّ لهذا الحديث أسانيد صحيحة هي أكثر من عشرين سند موجودة في خارج الصحاح.
ولا أظن أنّ من يقف على هذه الأسامي، وهذه الأسانيد، يشك في صدور هذا الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، هذا الحديث المتفق عليه بين المسلمين، وحينئذ ننتقل إلى الجهة الثانية.
____________
1- تذكرة الحفّاظ 3/1042 ـ 1043 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
الجهة الثانية
دلالة حديث الطير على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)
إنّ حديث الطير يدلّ على إمامة أمير المؤمنين بالقطع واليقين، وذلك، لأنّ القضيّة التي تتعلّق بحديث الطير، هذه القضية قد أسفرت عن كون علي (عليه السلام) أحبّ الناس إلى الله وإلى الرسول، فكأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد انتهز فرصة إهداء طير إليه ليأكله، انتهز هذه الفرصة للإعلان عن مقام أمير المؤمنين وعن شأنه عند الله والرسول، هذا الشأن الذي سنرى أنّ عائشة تمنّت أن يكون لأبيها، وحفصة تمنّت لأن يكون لأبيها، وأنس بن مالك ـ صاحب القصّة ـ حال دون أن تكون هذه المرتبة وأن يكون هذا الشأن والمقام لأمير المؤمنين، زاعماً أنّه أراد أن يكون لأحد من الأنصار، وربّما سعد ابن عبادة بالخصوص، بل سنقرأ في بعض ألفاظ هذا الحديث أنّ الشيخين، وفي سند أنّ عثمان أيضاً، جاؤوا إلى الباب ولم يتشرّفوا بالدخول على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلك اللحظة التي كان يدعو الله أن يأتي إليه بأحبّ الخلق إلى الله وإلى الرسول.
فلنذكر ـ إذن ـ طائفةً من ألفاظ القصّة، لنقف على واقع الأمر أوّلاً، ولنطّلع على تصرّفات القوم في نقل هذا الحديث، وكيفيّة تصرّفهم في الحديث، إمّا إختصاراً له وإمّا نقلاً له بنحو يقلّل من أهميّة القضية فيما يتعلّق بأمير المؤمنين (عليه السلام) .
يقول الترمذي في صحيحه(1) عن أنس بن مالك: كان عند النبي (صلى الله عليه وسلم) طير فقال: " اللهمّ
____________
1- صحيح الترمذي 5 / 595 باب مناقب علي بن أبي طالب.
هذا لفظ الحديث بهذا المقدار في صحيح الترمذي، فلا يذكر فيه دور أنس في القضيّة هذه كما سنقرأ، ولا يذكر مجيء غير علي ورجوعه من باب رسول الله.
وجاء في كتاب مناقب علي لأحمد بن حنبل(1) ما نصّه: عن سفينة خادم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي هو أحد رواة هذا الحديث يقول: أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله طيرين بين رغيفين، فقدّمت إليه الطيرين، فقال (صلى الله عليه وسلم) : " اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك "، ورفع صوته، فقال رسول الله: " من هذا؟ " فقال: علي.
لاحظوا نصّ الحديث الذي يرويه أحمد بن حنبل، وقارنوا بينه وبين رواية الآخرين.
ولكم أن تقولوا: لعلّ الآخرين تصرّفوا في لفظ الحديث بإسقاط كلمة " ورفع صوته " فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : " اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ورفع صوته "، إنّ معنى " رفع صوته " أنّه عندما كان يدعو كان يدعو بصوت عال، لنفرض أنّ هذا معنى الحديث إلى هنا " اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك ورفع صوته " لكن الحقيقة إنّ لفظ أحمد محرّف، لأنّا سنقرأ في بعض الألفاظ: إنّ عليّاً عندما جاء في المرّة الأُولى فأرجعه أنس ولم يأذن له بالدخول، وفي المرّة الثانية كذلك، في المرّة الثالثة لمّا جاء علي رفع صوته فقال رسول الله: من هذا؟
فمن هنا يظهر معنى " ورفع صوته " ويتبيّن التحريف، وإلاّ فأيّ علاقة بين قوله: " اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإلى رسولك ورفع صوته "، وقوله: فقال رسول الله من هذا؟ فقال: علي، أي: قال سفينة: الذي خلف الباب هو علي، قال: افتح له، ففتحت، فأكل مع رسول الله من الطيرين حتّى فنيا.
____________
1- فضائل الإمام علي (عليه السلام) لابن حنبل: 42 رقم 68، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي.
أمّا الهيثمي صاحب مجمع الزوائد، فيروي هذا الحديث باللفظ التالي(1):
عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فقُدّم فرخاً مشويّاً أو فَقدّم فرخاً مشويّاً [ يقتضي أنْ يكون: فقُدّم فرخ مشويّ، أو فقدّم رسول الله فرخاً مشويّاً ]فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ " فجاء علي ودقّ الباب، فقال أنس: من هذا؟ قال: علي، فقلت ـ أي أنس ـ يقول: النبي على حاجة، وفي بعض الألفاظ: النبي مشغول، أي لا مجال للدخول عليه، والحال أنّ النبيّ كان مازال يدعو: " اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك "، قال: النبي على حاجة، فانصرف علي. عاد رسول الله مرّة أُخرى يقول: " اللهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك وإليّ يأكل معي من هذا الفرخ "، فجاء علي فدقّ الباب دقّاً شديداً، فسمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فقال: " يا أنس من هذا؟ " قال: علي، قال: " أدخله "، فدخل فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " لقد سألت الله ثلاثاً أنْ يأتيني بأحبّ الخلق إليه وإليّ يأكل معي هذا الفرخ "، فقال علي: وأنا يا رسول الله، لقد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس، فقال رسول الله: " يا أنس، ما حملك على ما صنعت؟ " قال: أحببت أن تدرك الدعوة رجلاً من قومي، فقال رسول الله: " لا يلام الرجل على حبّ قومه ".
في هذا الحديث جاء علي مرّتين فردّه أنس قائلاً: رسول الله على حاجة، في المرّة الثالثة دقّ علي الباب دقّاً شديداً.
وفي بعض الألفاظ: رفع صوته فسمع رسول الله صوت علي وقال لأنس: " إفتح الباب ليدخل علي "، ثمّ اعترض عليه رسول الله، أي على أنس، واعتذر أنس كما في
____________
1- مجمع الزوائد 9/125 ـ دار الكتب العربي ـ بيروت ـ 1402 هـ.
لكن الحديث في مسند أبي يعلى كما يلي: حدّثنا قطن بن نسير، حدّثنا جعفر بن سليمان الضبعي، حدّثنا عبدالله بن مثنّى، حدّثنا عبدالله بن أنس عن أنس قال: أُهدي لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) حجل مشويّ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام "، فقالت عائشة: اللهمّ اجعله أبي، وقالت حفصة: اللهمّ اجعله أبي، قال أنس: فقلت أنا: اللهمّ اجعله سعد بن عبادة، قال أنس: سمعت حركة الباب، فإذا علي، فسلّم، فقلت: إنّ رسول الله على حاجة، فانصرف، ثمّ سمعت حركة الباب فسلّم علي، فسمع رسول الله صوته، أي رفع علي صوته [ أُريد أنْ أؤكّد أنّ لفظ أحمد محرّف ] فسمع رسول الله صوته فقال: " أُنظر من هذا؟ " فخرجت، فإذا علي، فجئت إلى رسول الله فأخبرته، فقال: " ائذن له "، فأذنت له، فدخل، فقال رسول الله: " اللهمّ وإليّ اللهمّ وإليّ ".
هذا لفظ أبي يعلى.
ولاحظوا الفوارق بين هذا اللفظ ولفظ الهيثمي، ثمّ لفظ الترمذي، ولفظ أحمد بن حنبل.
أمّا في الخصائص للنسائي(1) [ الذي نصّ الحافظ الذهبي على أنّ كتاب الخصائص داخل في السنن، راجعوا سير أعلام النبلاء(2) وكذا راجعوا مقدمة تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني ] فيروي النسائي هذا الحديث بسند صحيح، مضافاً إلى أنّ كتابه داخل في السنن الكبرى للنسائي الذي يقولون بأنّ له شرطاً في هذا الكتاب أشدّ من شرط الشيخين:
عن أنس بن مالك: إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) كان عنده طائر، فقال: " اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطائر "، فجاء أبو بكر فردّه، ثمّ جاء عمر فردّه، ثمّ جاء علي فأذن له.
____________
1- الخصائص للنسائي: 29 رقم 10 ـ مكتبة المعلا ـ الكويت ـ 1406 هـ.
2- سير أعلام النبلاء 14/133 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1404 هـ.
لاحظوا الفوارق بين الألفاظ، وقد تعمّدت التدرج في النقل حتّى تلتفتوا إلى أنّهم إذا أرادوا أن ينقلوا القضيّة الواحدة وهي ليست في صالحهم، كيف يتلاعبون باللفظ، وكيف ينقصون من القصة، وكيف يسقطون تلك النقاط الحساسة التي يحتاج إليها الباحث الحر المنصف في تحقيقه عن سنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وفي فحصه عن القول الحق من بين الأقوال.
أقول: سند النسائي كما أكّدت سند صحيح، وهو نفس السند في مسند أبي يعلى، لكنّ بعضهم يحاول أن يناقش في سند هذا الحديث الأخير الذي نقلته عن النسائي وأبي يعلى، يحاول أنْ يناقش في هذا السند، ونحن نرحّب بالمناقشة، وأيّ مانع لو كانت المناقشة مناقشة علميّة، على كلّ منصف أن يسلّم، وأيّ مانع لو كانت المناقشة واردة، وحينئذ لرفعنا اليد عن هذا الحديث وتمسّكنا بغيره من الألفاظ، أو تمسّكنا بغير هذا الحديث من الأحاديث، وأيّ مانع؟ لكن كيف لو كانت المناقشة ظاهرة البطلان، واضحة التعصّب!!
يحاول بعضهم أنْ يناقش في وثاقة أحد رجال هذا السند، وهو السُدي، والسُدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن، ربّما يناقش فيه بعض، لكنّه من رجال مسلم، من رجال الترمذي، من رجال النسائي، من رجال أبي داود، ومن رجال ابن ماجة.
ويقول أحمد بترجمته: ثقة.
ويقول غيره من كبار الرجاليين: ثقة.
____________
1- مسند أبي يعلى 7/105 رقم 4052 ـ دار المأمون للتراث ـ دمشق ـ 1406 هـ.
وقد ذكرنا أنّ شعبة أمير المؤمنين عندهم، وهو لا يروي إلاّ عن ثقة هكذا يقولون، يقولون شعبة بن الحجّاج لا يروي إلاّ عن ثقة، وممّن يعترف بهذا المعنى أو يدّعي هذا المعنى هو ابن تيميّة، وينقل السبكي كلامه في كتابه شفاء الأسقام(1).
فإذا كان الرجل من رجال خمسة من الصحاح الستّة، ويوثّقه أحمد، ويوثّقه العجلي، ويوثّقه ابن عدي، ويوثّقه الآخرون من كبار الرجاليين(2)، فأيّ مناقشة تبقى في السُدي ليطعن الطاعن عن هذا الطريق في هذا الحديث الذي هو في نفس الوقت الذي يدلّ على فضيلة لأمير المؤمنين، يدلّ على ما يقابل الفضيلة لمن يقابل أمير المؤمنين؟
وهناك قرائن داخل الحديث وقرائن في خارج الحديث لا نحتاج إلى ذكرها كلّها، بل نكتفي بالإشارة إلى بعض القرائن الداخليّة وبعض القرائن الخارجيّة فقط.
في بعض ألفاظ هذا الحديث يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) : " اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وأوجههم عندك "، وهذه الإضافة موجودة في بعض الألفاظ.
وفي بعض الألفاظ: " اللهمّ أدخل عَلَيّ أحبّ خلقك إليّ من الأوّلين والآخرين ".
وربّما يدلّ هذا الحديث بهذا اللفظ على أفضليّة أمير المؤمنين من الأوّلين والآخرين، أمّا الآخرون فالأمر فيهم سهل. أمّا الأوّلون فإنّه يشمل الأنبياء أيضاً، يشمل حتّى أُولي العزم منهم، ويكون هذا الحديث بهذا اللفظ من أدلّتنا على أفضليّة أمير المؤمنين من جميع الأنبياء إلاّ النبي والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وفي بعض ألفاظ الحديث يقول أنس: فإذا علي ـ أي فتحت الباب فإذا علي ـ فلمّا رأيته حسدته.
____________
1- شفاء الأسقام في زيارة خير الأنام: 10.
2- تهذيب التهذيب 1 / 313.
وفي لفظ آخر بعد تلك العبارات: " ما أبطأ بك يا علي؟ " قال: يا رسول الله قد جئت ثلاثاً كلّ ذلك يردّني أنس، قال أنس: فرأيت الغضب في وجه رسول الله، وقال: " يا أنس ما حملك على ردّه؟ " قلت: يا رسول الله سمعتك تدعو، فأحببت أن تكون الدعوة في الأنصار.
وكأنّ بهذا العذر زال غضب رسول الله!! ذلك الغضب الشديد الذي رآه أنس في وجهه، زال بمجرّد اعتذاره بهذا العذر، حتى أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا اعتذر هذا العذر قال: لست بأوّل رجل أحبّ قومه!!
وإنّي أعتقد أنّ هذا الكلام من رسول الله مفتعل عليه في حديث الطير: " لا يلام الرجل على حبّ قومه " أو " لست بأوّل رجل أحبّ قومه "، أعتقد أنّ هذه إضافة من المحدّثين.
لكنْ لو سألتم بأيّ دليل تعتقد؟
ليس عندي الآن دليل، وإنّما أقول: كيف غضب رسول الله ذلك الغضب ثمّ زال غضبه بمجرّد اعتذار أنس بهذا العذر الواهي؟ بل يعتذر له رسول الله مرّةً أُخرى، ويبدي له عذراً!! ألم يكن يعلم رسول الله بهذا: لا يلام الرجل على حبّ قومه؟ فلماذا غضب عليه إذن؟ بل قاله له رسول الله وكأنّه يلاطفه بعد ذاك الغضب الشديد، كما في هذا الحديث: " لست بأوّل رجل أحبّ قومه، أبى الله يا أنس إلاّ أنْ يكون ابن أبي طالب ".
وهذه قرائن داخليّة في الألفاظ، ولو أردت أن أُعيد عليكم الألفاظ بكاملها من أوّلها إلى آخرها لطال بنا المجلس، لكن تلك المقاطع التي نحتاج إليها ـ كقرائن داخليّة تؤيّد ما نريد أنْ نستدلّ به من هذا الحديث ـ هذه القرائن انتخبتها واستخرجتها بهذا الشكل.
ولماذا احتجّ؟ وعلى من احتجّ؟
احتجّ على كبار الصحابة الذين انتخبهم عمر، لأنْ يستشيروا فيما بينهم، فيتعيّن الخليفة في ذلك المجلس، هؤلاء أعلام القوم وأهل الحلّ والعقد.
إذن، احتجّ علي على هؤلاء، ومن المحتج؟ علي أمير المؤمنين، وهل يحتج علي بما ليس له أصل؟ وهل يحتج علي بما هو ضعيف سنداً أو كذب أو موضوع؟ فالمحتج علي، والمحتج عليه أُولئك الأصحاب المنتخبون من قبل عمر لأن يعيَّن من بينهم خليفة عمر، واحتجّ علي في ذلك المجلس بحديث الطير.
وأيضاً: سعد بن أبي وقّاص الذي أمره معاوية بن أبي سفيان بسبّ علي، فأبى سعد من أن يسب، وسأله معاوية عن السبب، فاعتذر بأنّه سمع من رسول الله خلالاً أو خصالاً لعلي، ومادام يذكر تلك الخصال فلن يسب عليّاً، هذا الحديث الذي قرأناه من قبل، وفيه تحريفات كثيرة كما ذكرت لكم في ذلك المجلس.
في بعض ألفاظ هذا الحديث: إنّ سعداً اعتذر من أنْ يسبّ عليّاً بخصال، فذكر الخصال ومنها حديث الطير، الخصال التي اعتذر بها سعد في هذه الرواية هي: حديث الراية، وحديث الطير، وحديث الغدير، وهذه الرواية موجودة في حلية الأولياء لأبي نعيم، ومن شاء فليراجع(1).
هذا، والشواهد والقرائن الخارجيّة الدالّة على أنّ عليّاً أحبّ الخلق إلى الله وإلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) دون غيره، تلك القرائن كثيرة لا تحصى، والله يشهد على ما أقول، وأنتم أيضاً تعلمون، فلا نطيل المجلس بذكر تلك الشواهد.
بل في الأحاديث التي بحثنا عنها، والآيات التي درسناها فيما سبق، والتي
____________
1- حلية الأولياء 4 / 356.
وما معنى الأحبيّة إلى الله وإلى الرسول؟ وأيّ علاقة بين الأحبيّة وبين الإمامة والولاية؟ أي إرتباط بين الأمرين؟
أتتصوّرون أنْ تكون الأحبيّة إلى الله وإلى الرسول، أن يكون الشيء أحب الأشياء إلى الله والرسول، أو يكون شخص الأحب إلى الله وإلى الرسول، أن تكون الأحبيّة اعتباطيّة ليس لها معيار، ليس لها ملاك، ليس لها ضابط، أيمكن هذا؟ أتتصوّرون هذا؟ أتحتملون هذا؟ وأنتم بأنفسكم، كلّ واحد منكم إذا أحبّ شيئاً، وجعله أحبّ الأشياء إلى نفسه، أو أحبّ شخصاً واتّخذه أحبّ الناس إلى نفسه، يُسأل لماذا؟ ولابدّ وأن يكون له ضابط، قطعاً يكون له سبب، فالأحبيّة ليست أمراً اعتباطيّاً، الإنسان لا يحب كلّ صوت، لا يحبّ كلّ صورة، لا يحب كلّ شيء، لابدّ وأن يكون هناك ضوابط للحب فكيف الأحبيّة؟ أن يكون شيء أحبّ الأشياء إلى الإنسان من كلّ الأشياء في العالم، أن يكون شخص أحبّ الأشخاص إلى الإنسان من كلّ أفراد الإنسان وبني آدم، ويكون هذا بلا حساب وبلا سبب من الأسباب؟ أيمكن هذا ويعقل؟
نحن لكوننا أفراداً من البشر وذي عقول، ونحاول أن تكون أعمالنا وتروكنا عن حكمة، عن سبب، عن علّة، لا نذر شيئاً ولا نختار شيئاً إلاّ لعلّة، إلاّ لحساب، إلاّ لسبب، أيعقل أن تقول بأنّي أُحبّ الكتاب الفلاني وهو أحبّ إليّ من بين جميع كتب العالم، فإذا سئلت عن السبب لا يكون عندك سبب، لا يكون عندك جواب معقول.
الله سبحانه وتعالى يجعل فرداً من أفراد البشر، وواحداً من خلائقه أحبّ الخلائق إلى نفسه، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتّخذ أحداً ويجعله أحبّ الخلق إليه، أترى يكون هذا بلا حساب وهل يعقل؟
وجميع التصرّفات التي صدرت من المحدّثين والمؤلّفين في هذا الحديث، وما سنقرأ أيضاً ممّا يحاولونه أمام الإماميّة في استدلالهم بهذا الحديث، كلّ تلك القضايا أدلة
ثمّ إنّ الأحبيّة إلى الله والرسول لمّا لا تكون اعتباطاً، ولابدّ من سبب، والمفروض أنّ تلك الأحبيّة إلى رسول الله لم تكن لميول نفسانيّة ولم تكن لأغراض شخصيّة، لأنّ رسول الله أعلى وأجلّ وأسمى من أن يحب شخصاً ويجعله أحبّ الخلق إليه لمجرّد ميل نفساني، فما هي تلك الضوابط التي أشرنا إليها؟
نحن لا علم لنا بتلك الضوابط على نحو الدقّة، لا نعلم بها، الأمر أدقّ من هذا، أدقّ من أن تتوصّل إليه عقولنا وأفهامنا، الأمر أدقّ من أن نفهم أنّ النبيّ أيّ معيار كان عنده لأنْ يتّخذ أحداً أحبّ الخلق إليه، نحن لسنا في ذلك المستوى لأنْ نعرف ذلك المعيار، لأنْ نعرف ملكات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، حتّى نتمكّن من تعيين من هو أحبّ، اللهمّ إلاّ عن طريق تلك الأحاديث الواردة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، عن طريق الأحاديث المتواترة القطعيّة، عن طريق الأحاديث المتفق عليها بين الطرفين.
فأحبيّة شخص إلى رسول الله لا يمكن أن تكون لميل نفساني ولشهوة خاصّة، ولغرض شخصي عند رسول الله، فيجعل أحداً أحبّ الخلق إليه ولا يجعل الآخر والآخرين، بل هناك ضوابط، وهي التي تقرّب إليه أبعد الناس وتبعّد عنه أقرب الناس، تلك الضوابط لابدّ وأن تكون هكذا، وإلاّ فليس بنبي مرسل من قبل الله سبحانه وتعالى، يفعل ويترك وما يفعل وما يترك إلاّ عن وحي من الله سبحانه وتعالى ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )(1).
فإذا كانت الأحبيّة بملاك، بسبب، وبحساب، تلك الأحبيّة تنتهي إلى الأقربيّة
____________
1- سورة النجم: 3 ـ 4.
وإليكم عبارة الحافظ النووي في شرح صحيح مسلم، وهذا حافظ كبير من حفّاظهم، وكتابه في شرح صحيح مسلم ومن أشهر كتبهم وأكثرها اعتباراً وشهرة، يقول في معنى محبّة الله تعالى لعبده ـ والمراد من هذه الكلمة في النصوص الإسلاميّة كتاباً وسنّةً ـ فيشرح قائلاً:
محبّة الله سبحانه وتعالى لعبده تمكينه من طاعته، وعصمته، وتوفيقه، وتيسير ألطافه وهدايته، وإفاضة رحمته عليه، هذه مباديها، وأمّا غايتها فكشف الحجب عن قلبه، حتّى يراه [ أي يرى الله تعالى ] ببصيرته فيكون [ هذا الشخص المحبوب لله سبحانه وتعالى ] كما قال في الحديث الصحيح: فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره(1).
هذه عبارته، وما ألطفها من عبارة.
فهل من شك حينئذ في استلزام الأحبية للإمامة؟ إنّ من كان محبوباً لله تعالى يكون له هذه المنزلة، فكيف من كان أحب الخلق إليه، عبارة النووي كانت في محبّة الله لأحد، أمّا كون هذا الشخص وحده هو الأحبّ من كلّ الخلائق إلى الله سبحانه وتعالى فحدّث ولا حرج، هذا الذي قلت بأنّ أفهامنا تقصر عن درك مثل هذه القضايا، إلاّ أنّنا نتكلّم بقدر ما نفهم.
إذن، لا شكّ ولا ريب في استلزام الأحبيّة للإمامة والخلافة والولاية.
هذا على ضوء الحديث الذي قرأناه برواته وأسانيده وألفاظه، وبعض العبارات المتعلّقة بالمطلب ذكرتها لكم.
فتمّ البحث إلى الآن عن دلالة حديث الطير على الإمامة واستلزام الأحبيّة
____________
1- المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 15/151.
ملاك الأحبية على صعيد الواقع التاريخي
وأمّا على صعيد الواقع التاريخي، أذكر لكم شاهدين فقط على صعيد الواقع التاريخي، حتّى تعرفوا أنّ استدلالنا بحديث الطير على إمامة أمير المؤمنين لا مجال لأيّ خدشة فيه من أيّ أحد من الأوّلين والآخرين.
الشاهد الأوّل:
إنّهم يروون عن عمر بن الخطّاب أنّه قيل له لمّا طعن: لو استخلفت، فقال: لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته.
يقول: لو كان أبو عبيدة الجرّاح حيّاً لاستخلفته، لا أُريد أنْ أخرج عن موضوع البحث، وإلاّ فعندي تعليق هنا، يقول: لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته.
فإنْ سأله الله: لماذا وبأيّ ملاك استخلفت أبا عبيدة؟
يقول: وقلت لربّي إنْ سألني: سمعت نبيّك يقول: أبو عبيدة أمين هذه الأُمّة.
ولي تعليق على هذا الحديث أتركه إلى وقت آخر.
ويقول عمر أيضاً: ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً استخلفته.
وعندي تعليق هنا، أتركه لوقته.
يقول: فقلت لربّي إنْ سألني: سمعت نبيّك يقول: إنّ سالماً شديد الحبّ لله.
يقول عمر بن الخطّاب: لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً لاستخلفته، هذا الشخص المولى، ولاعتذرت إلى الله بأنّي سمعت نبيّك يقول: إنّ سالماً شديد الحبّ لله.
إذن، أصبح الحب ملاكاً ومعياراً للخلافة، وهو مولى، وقد أجمعوا على أنّ الإمام يجب أن يكون من قريش، لكنْ لماذا كان سالم مولى أبي حذيفة بهذه المثابة في نظر عمر بن الخطّاب؟ نتركه لوقته. هذا هو الشاهد الأوّل.
الشاهد الثاني:
والأهم من هذا هو الشاهد الثاني، تجدونه في صحيح البخاري في قضيّة السقيفة نفسها، في بيعة أبي بكر بالذات، يقول الراوي والعبارة هكذا:
اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقال أبو بكر: نحن الأُمراء وأنتم الوزراء، فقال عمر: نبايعك أنت، فأنت سيّدنا وخيّرنا وأحبّنا إلى رسول الله، فبايعه عمر وبايعه الناس(3).
فأصبحت الأحبية إلى رسول الله هي الملاك على صعيد الواقع، دعنا عن البحث الصغروي فله مجال آخر، نستدلّ الآن بهذا الحديث على ما هو في صحيح البخاري صدقاً أو كذباً، حجة عليهم ونحن نلزمهم بهذه الحجة، عمر بن الخطّاب يدّعي لأبي بكر إنّه كان أحبّ الخلق إلى النبي، ولذا ـ أمام الأنصار وغيرهم ـ نادى بأنّ أبا بكر هو المتعيَّن للخلافة، بأيّ دليل؟ لأنّه أحبّ الخلق إلى رسول الله.
لكن حديثنا حديث متواتر قطعي الصدور عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، مقبول بين الطرفين، وقد ذكرت لكم رواة هذا الحديث، وذكرت لكم كيفيّة الإستدلال به، وفقه هذا الحديث.
الحسد لأمير المؤمنين (عليه السلام) :
ومن فوائد حديث الطير أنّه كان هناك بين أصحاب رسول الله حتّى المقرّبين منهم،
____________
1- تاريخ الطبري 2/580 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1408 هـ.
2- الكامل في التاريخ 3/65 ـ دار صادر ـ بيروت ـ 1399 هـ.
3- صحيح البخاري 5 / 7 ـ 8.
إنّه لابدّ أنْ نعرف حقائق الأشخاص من خلال السنّة النبويّة، قبل أن نقرأ تراجمهم وأحوالهم في كتب التراجم، ففي السنّة وفي الأحاديث الواردة في المصادر المعتبرة ما يستكشف به حقائق حالات الأشخاص أكثر بكثير، وهذا ممّا لا يخفى على المتضلّعين بمثل هذه البحوث.
الجهة الثالثة
محاولات القوم في ردّ حديث الطير
فننتقل الآن إلى محاولات القوم في ردّ هذا الحديث وإبطاله، وفي المنع عن نقله وانتشاره وما صنعوا.
تتلخّص محاولاتهم في وجوه:
الأول: المناقشة في سند الحديث
فإذا راجعتم كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لأبي الفرج ابن الجوزي، تجدونه يذكر هذا الحديث بسند أو ببعض أسانيده ويضعّفه ويسكت عن بعض الأسانيد الأُخرى(1).
لكن ابن الجوزي أبا الفرج الحنبلي المتوفى سنة 597 هـ معروف بالتسرّع بالحكم، لا بالتضعيف فقط بل حتّى الحكم بالوضع، ولربّما ضعّف أو كذّب في كتبه أحاديث موجودة في الصحاح، وهذا ما دعا كبار المحدّثين من المحققين من أهل السنّة إلى التحذير من الإعتماد على حكم ابن الجوزي، في أي حديث من الأحاديث، وأنّه لابدّ من التثبّت.
والعجيب أنّهم ربّما ينسبون إلى ابن الجوزي أنّه أدرج حديث الطير في كتاب
____________
1- العلل المتناهية 1/228 من رقم 360 ـ 377.
والحال أنّه غير موجود في كتاب الموضوعات، نعم، موجود في كتاب العلل المتناهية، لكنّه ببعض أسناده، وإنّما يتكلّم على بعض رجال هذا الحديث في بعض الأسانيد ـ ونحن لا ندّعي أنّ كلّ أسانيده صحيحة ـ ويسكت عن البعض الآخر.
ويأتي من بعده ابن كثير، فيذكر في تاريخه(2) حديث الطير، ويرويه عن عدّة من الأئمّة الأعلام، يرويه عن الترمذي، وعن أبي يعلى، وعن الحاكم، وعن الخطيب البغدادي، وعن ابن عساكر، وعن الذهبي، وعن غيرهم، إلى أنْ قال:
وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنّفات مفردة منهم: أبو بكر ابن مردويه، والحافظ أبو طاهر محمّد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبدالله الذهبي يقول: ورأيت مجلداً في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر ابن جرير الطبري المفسّر صاحب التاريخ، ثمّ وقفت على مجلّد كبير في ردّه وتضعيفه سنداً ومتناً للقاضي أبي بكر الباقلانيّ المتكلّم.
ثمّ يذكر ابن كثير رأيه في هذا الحديث قائلاً: وبالجملة، ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه.
أقول: فدليل ابن كثير على ضعف هذا الحديث أنّ قلبه لا يساعد، قلب ابن كثير لا يساعد على قبول هذا الحديث، كما أنّ قلب أبي جهل لم يساعد على قبول القرآن والإسلام، فليكنْ، وأيّ مانع؟ قلبه لا يساعد، لا يقول: إنّه موضوع، لا يقول: إنّه حديث مكذوب، لا يقول: في سنده كذا وكذا، لا يقول: الراوي ضعيف لقول فلان، لنصّ فلان
____________
1- مرقاة المفاتيح 10/465 رقم 6094 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1414 هـ.
2- البداية والنهاية المجلد الرابع الجزء السابع: 350 ـ دارالفكر ـ بيروت.
الرجوع إلى القلب من جملة أساليبهم في ردّ بعض الأحاديث، أذكر لكم شاهداً واحداً فقط، وإلاّ لطال بنا المجلس.
عندما يريدون أنْ يردّوا حديثاً وقد أعيتهم السبل، فلم يمكنهم المناقشة في سنده بشكل من الأشكال، يلجأون إلى القَسَم أحياناً، كقولهم: والله إنّه موضوع، وأيّ دليل أقوى من هذا؟! أوْ يلتجئون إلى قلوبهم: والقلب يشهد بأنّ هذا الحديث موضوع، أذكر لكم شاهداً واحداً فقط.
في مستدرك الحاكم حديث عن علي (عليه السلام) : أخبرني رسول الله: " إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين "، قلت: يا رسول الله فمحبّونا؟ قال: "من ورائكم". يقول الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه(1).
هذا حديث الحاكم، وما ذنبنا إنْ كان الحاكم كاذباً بنقل هذا الحديث وفي حكمه بصحّته، نحن المحبّون لأهل البيت ندخل الجنّة وراء أهل البيت، هم يدخلون ونحن وراءهم، لأنّنا نحبّ أهل البيت، وهذا لا يمكن لأحد إنكاره.
فيقول الذهبي في تلخيصه للمستدرك في ذيل هذا الحديث: الحديث منكر من القول يشهد القلب بوضعه(2).
ليته ناقش في سند الحديث، بضعف راو من رواته، يشهد القلب بوضعه!! ولماذا يشهد قلب الذهبي بوضع هذا الحديث؟ الحديث يقول: إنّ أوّل من يدخل الجنّة رسول الله وعلي وفاطمة والحسن ومحبّوهم من وراءهم، أيّ مانع من هذا؟ وأيّ ضير على
____________
1- مستدرك الحاكم 3/151 وذيل الصفحة.
2- مستدرك الحاكم 3/151 وذيل الصفحة.