الصفحة 230
الذهبي حتّى يشهد قلبه بأنّ هذا الحديث موضوع؟ ولماذا؟ هل حبّ أهل البيت مانع من دخول الجنّة فيكون قلبه يشهد بوضع هذا الحديث؟ أو يشُك في أنّ رسول الله وعليّاً وفاطمة والحسنين أوّل من يدخل الجنّة؟ أيشُك في هذا؟ لماذا قلبه يشهد بوضعه؟ فتأمّلوا في هذا.

إذن، كانت المحاولة الأُولى، المناقشة في سند الحديث والحكم بضعف الحديث، لكن الحديث في الصحاح كما ذكرنا، وله أسانيد صحيحة، وقسم كبير من أسانيده أنا بنفسي صحّحتها على ضوء كلمات كبار علماء الحديث وأئمّة الجرح والتعديل وهي في خارج الصحاح.

الثاني: تحريف اللفظ

وهذا هو الطريق الثاني لردّ هذا الحديث، قد قرأنا بعض الألفاظ، وعرفتم كيف يكون التحريف.

أمّا أحمد بن حنبل، فقد قرأنا لفظ الحديث من كتاب فضائله أو مناقبه، فلنقرأ لفظ الحديث في مسنده فلاحظوا:

قال: سمعت أنس بن مالك وهو يقول: أُهديت لرسول الله ثلاثة طوائر، فأطعم خادمه طائراً، فلمّا كان من الغد أتت به ـ كلمة الخادم تطلق على المرأة والرجل ـ فقال لها (صلى الله عليه وسلم) : " ألم أنهك أن ترفعي شيئاً، فإنّ الله عزّوجلّ يأتي برزق كلّ غد ".

هذا هو الحديث في مسند أحمد(1).

ولك أن تقول: لعلّ هذا الحديث في قضيّة أُخرى لا علاقة لها بحديث الطير.

لكنْ عندما نراجع ألفاظ الحديث نجد بعض ألفاظه بنفس هذا اللفظ وبنفس السند الذي أتى به أحمد، وفيه ما يتعلّق بعليّ (عليه السلام) وكونه أحبّ الخلق إلى الله إلى آخره، نعم،

____________

1- مسند أحمد 4/52 رقم 12631.


الصفحة 231
كنت أتصوّر أنّ هذا الحديث وارد في قضيّة لا علاقة لها بحديث الطير الذي نحن نبحث عنه، هذا تبادر إلى ذهني لأوّل وهلة، لكنّني دقّقت النظر في الأحاديث فوجدت الحديث حديث الطير، إلاّ أنّه جاء به بهذا الشكل، وهل الذي جاء في مسند أحمد من أحمد نفسه أو النسّاخ أو الطابعين لكتابه؟ الله أعلم.

وأبو الشيخ الإصفهاني الذي ذكرناه مراراً، يروي هذا الحديث وفيه ما يتعلّق بأمير المؤمنين (عليه السلام) ، إلاّ أنّ ما يتعلّق بأنس، وكذب أنس، وخيانة أنس، هذا محذوف ومحرّف، لاحظوا:

عن أنس بن مالك قال: أُهدي لرسول الله طير فقال: " اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير "، فجاء علي فأكل معه، ثمّ هو يقول: فذكر الحديث انتهى(1). وكأنّه يريد أنْ يحفظ الأمانة فلا يخون يضع كلمة: فذكر الحديث.

ومن العجيب إسقاط بعضهم كلا الفقرتين، ما يتعلّق بعلي وما يتعلّق بأنس، فأسقط كلتا الفقرتين وجاء فقط بذلك العذر الذي ذكر أنس في آخر القضية:

عن أنس عن النبي قال: " لا يلام الرجل على حبّ قومه ".

حينئذ يقول ابن حجر العسقلاني: هذا طرف من حديث الطير(2).

الثالث: تأويل الحديث وحمل مدلوله على خلاف ما هو ظاهر فيه

فيحملون أوّلاً لفظ الحديث الذي يقول: " اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك "، يحملونه على أنّ المراد اللهمّ ائتني بمن هو من أحبّ خلقك إليك وإلى رسولك، فحينئذ لا اشكال، لأنّ مشايخ القوم أحبّ الخلق إليه أيضاً، فيكون علي أيضاً من أحبّ الخلق إليه. " اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك "، أي اللهمّ ائتني بمن

____________

1- طبقات المحدّثين باصبهان 3 / 454.

2- لسان الميزان 5 / 58.


الصفحة 232
هو من أحبّ خلقك إليك وإلى رسولك.

راجعوا شروح مصابيح السنّة، راجعوا شروح المشكاة(1) وكتاب التحفة الإثنا عشرية(2) لوجدتم هذا التأويل موجوداً في كتبهم حول هذا الحديث.

وهل توافقون عليه؟ وهل هناك مجال لقبول هذاالتأويل بلا أيّ دليل؟

وقال صاحب التحفة الإثني عشرية: إنّ القضيّة إنّما كانت في وقت كان الشيخان في خارج المدينة المنوّرة، فلذا لم يحضرا فحضر علي.

راجعوا كتاب التحفة الإثنا عشرية(3)، وهذا الكتاب عندهم من أحسن الكتب في باب الإمامة، أو في أبواب العقائد كلّها، وطبع مراراً وتكراراً طبعات مختلفة، وطبعوا خلاصته باللغة العربية مع تعاليق ذلك العدو من أعداء الدين، مراراً وتكراراً في البلاد المختلفة.

أقول: هل كانت هذه القضية في وقت كان أبو بكر وعمر في خارج المدينة المنوّرة؟ والله لو كانا في خارج المدينة المنوّرة لما كان عندنا أي كلام، فنحن ما عندنا أي غرض في إثبات شيء أو في نفي شيء، لكنْ ماذا نفعل مع حديث النسائي، مع حديث أبي يعلى: إنّه جاء أبو بكر فردّه، جاء عمر فردّه، وأضاف صاحب المسند فقال: بأنّ عثمان أيضاً جاء وردّه؟! فهؤلاء كانوا في المدينة المنوّرة، وأيّ ذنب لنا لو كان النسائي وغيره ورواة خبر حضورهم في المدينة كاذبين عليهم؟!

الرابع: المعارضة

المعارضة لها وجه علمي، نحن نوافق على هذا، لأنّ المعارضة هي الإتيان بحديث معتبر ليعارض به حديث معتبر آخر في مدلوله، فتلاحظ بينهما قواعد الجرح والتعديل

____________

1- المرقاة في شرح المشكاة: 212.

2- التحفة الإثنا عشرية: 212.

3- التحفة الإثنا عشرية: 212.


الصفحة 233
لتقديم البعض على البعض الآخر، تلك القواعد المقررة في كتب السنّة، فهذا أُسلوب علمي للبحث والمناظرة، وأيُّ مانع من هذا، المعارضة وإلقاء التعارض بين الحديثين، ثمّ دراسة الحديثين بالسند والدلالة وإلى آخره عمل جميل وعلى القاعدة، وله وِجهةٌ علمية، ونحن مستعدون لدراسة ما يذكرونه معارضاً لحديث الطير بلا أيّ تعصّب، لكنْ أيّ شيء ذكروا ليعارضوا به حديث الطير؟

في كتاب التحفة الإثنا عشرية استند إلى حديث: " إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " في مقابلة حديث الطير.

فوالله لو تمّ هذا الحديث سنداً ودلالة، حتّى لو ثبت اعتباره عندهم واتّفقوا على صحّته، فنحن نغضّ النظر عن انفراد القوم به، وقد قلنا منذ الأوّل أنّ الحديث الذي يريد كلّ طرف من الطرفين أن يستند إليه لابدّ وأن يكون مقبولاً عند الجانبين، نحن نغضّ النظر عن هذه الناحية، وندرس الحديث على ضوء كتبهم وأقوال علمائهم هم فقط، ولو تمّ لوافقنا ولرفعنا اليد عن حديث الطير المقبول بين الطرفين بواسطة حديث: " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ".

ولكنْ ماذا نفعل وهم لا يقبلون بحديث الإقتداء بالشيخين، وسنقرأ ما يقولونه حول هذا الحديث بالتفصيل في موضعه إن شاء الله تعالى.

الخامس:

بعد أنْ أعيتهم السبل العلمية في الظاهر وهي: المناقشات في السند أو الدلالة، يلجأون إلى طريقة أُخرى، وماذا نسمّي هذه الطريقة؟ لا أدري الآن، لأقرأ لكم ما وجدته تحت هذا العنوان الذي عنونته أنا، فأنتم سمّوا ما فعلوا بأيّ تسمية تريدون!!

أذكر لكم قضيّة الحافظ ابن السقا الواسطي المتوفى سنة 373 هـ:


الصفحة 234
يقول الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء(1) بعد أن يصف ابن السقا بما يلي: الحافظ الإمام محدّث واسط، بعد أن يلقّبه بهذه الألقاب ينقل عن الحافظ السلفي يقول:

سألت الحافظ خميساً الجوزي عن ابن السقا؟ فقال: هو من مزينة مضر ولم يكن سقّاءً بل لقب له، من وجوه الواسطيين وذي الثروة والحفظ، رحل به أبوه فأسمعه من أبي خليفة وأبي يعلى وفلان وفلان وبارك الله في سنّه وعلمه، واتفق أنّه أملى حديث الطائر فلم تحتمله نفوسهم، فوثبوا عليه فأقاموه وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته لا يحدّث أحداً من الواسطيين، فلهذا قلّ حديثه عندهم.

أقول: ولم يذكر الراوي كلّ ما وقع على هذا المحدّث من ضرب وشتم وإهانة وغير ذلك، يكتفي بهذه العبارة: وثبوا عليه فأقاموه عن مجلسه وغسلوا موضعه، كأنّ الموضع الذي كان جالساً فيه تنجّس لإملائه طرق حديث الطير، وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته ولم يخرج.

فماذا تسمّون هذه الطريقة؟ لا أدري.

هذا ما ذكره الذهبي في ترجمة هذا الرجل في سير أعلام النبلاء، وفي كتاب تذكرة الحفّاظ(2).

أمّا الحاكم النيسابوري، فقد كان مصرّاً على صحّة حديث الطير، وعلى تصحيح حديث الطير.

يقول في كتابه علوم الحديث(3): حديث الطير من مشهورات الأحاديث، وكان على أصحاب الصحاح أن يخرّجوه في الصحاح.

ويقول: ذاكرت به كثيراً من المحدثين.

ويقول: كتبت فيه كتاباً، أي كتب في جمع طرقه كتاباً.

____________

1- سير أعلام النبلاء 16/351 ـ 352 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1404 هـ.

2- تذكرة الحفاظ 3/966 ـ دار احياء التراث العربي ـ بيروت.

3- معرفة علوم الحديث: 93 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1397.


الصفحة 235
ثمّ إنّه في المستدرك(1) يروي هذا الحديث ويقول: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً.

وقد قلت لكم أنّ الرواة عن أنس هم أكثر من ثمانين شخصاً لا ثلاثين شخصاً.

يقول: ثمّ صحّت الرواية عن علي وأبي سعيد الخدري وسفينة.

واضطرب القوم تجاه تصحيح الحاكم، وإخراج الحاكم هذا الحديث في مستدركه، وإصراره على صحّة هذا الحديث، وأصبحت قضيّة حديث الطير والحاكم قضيّة تذكر في أكثر الكتب المتعلّقة بالحاكم وبحديث الطير، أي حدثت هناك ضجّة من فعل الحاكم هذا، وقام القوم عليه وقامت قيامتهم، ولأجل هذا الحديث رماه بعضهم بالرفض فقال: الحاكم رافضي. لكن الذهبي وابن حجر العسقلاني يقولان: الله يحبّ الإنصاف، ما الرجل برافضي. فراجعوا لسان الميزان، وراجعوا سير أعلام النبلاء، وغير هذين الكتابين(2).

ثمّ جاء بعضهم وجعل يرمي كتاب المستدرك بأنّ هذا الكتاب ليس فيه ولا حديث واحد على شرط الشيخين.

وحينئذ يقول الذهبي: هذه مكابرة وغلو (3).

ثمّ نسبوا إلى الدارقطني أنّه لمّا بلغه أنّ الحاكم قد أخرج حديث الطير في المستدرك انتقد فعل الحاكم هذا.

لكن الذهبي يقول: إنّ الحاكم إنّما ألّف المستدرك بعد وفاة الدارقطني بمدة(4).

____________

1- مستدرك الحاكم 3/131.

2- سير أعلام النبلاء 17/174، وفيه: قلت: كلاّ ليس هو رافضياً، بل يتشيّع.

لسان الميزان 6/251 وفيه: قلت: إنّ الله يحبّ الإنصاف، ما الرجل برافضي بل شيعي فقط.

3- سير أعلام النبلاء 17/175.

4- نفس المصدر 17/176.


الصفحة 236
وحينئذ، إذا راجعتم كتاب طبقات الشافعية للسبكي(1) رأيتموه ينقل عن الذهبي إنّ الحاكم سُئل عن حديث الطير فقال: لا يصحّ ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول الله. ثمّ قال شيخنا: وهذه الحكاية سندها صحيح، فما باله أخرج حديث الطير في المستدرك. يعني: إذا كان الحاكم يعتقد بأنّ الشيخين أفضل من علي، فلماذا أخرج الحديث في المستدرك؟ ولماذا صحّحه؟

حينئذ يقول السبكي: قد جوّزت أنْ يكون زيد في كتابه.

يعني: حديث الطير زيد في كتاب المستدرك!! لاحظوا إلى أي حدٍّ يحاولون إسقاط حديث من الأحاديث، قد جوّزتُ أن يكون زيد في كتابه، أنْ لا يكون من روايات الحاكم.

يقول السبكي: وبحثت عن نسخ قديمة من المستدرك فلم أجد ما ينشرح الصدر بعدمه [ أي وجدت الحديث في كلّ النسخ ] وتذكّرت الدارقطني إنّه يستدرك حديث الطير، فغلب على ظنّي إنّه لم يوضع عليه [ أي إنّ الحديث لم يوضع على الحاكم، ولم يزده أحد في المستدرك ] ثمّ تأمّلت قول من قال: إنّه [ أي الحاكم ]أخرجه من الكتاب، فإنْ ثبت هذا صحّت الحكايات، ويكون خرّجه في الكتاب قبل أن يظهر له بطلانه، ثمّ أخرجه منه لاعتقاده عدم صحّته كما في هذه الحكاية التي صحّح الذهبي سندها، ولكنّه بقي [ أي الحديث ] في بعض النسخ، إمّا لإنتشار النسخ بالكتاب، أو لإدخال بعض الطاعنين في الشيخين إيّاه [ أي الحديث ] فيه [ أي في المستدرك ] فكلّ هذا جائز، والعلم عند الله تعالى.

هذا نصّ عبارة السبكي.

أقول: هذه نماذج من محاولات القوم لإسقاط الحديث، ولإثبات أنّ الحاكم لم يروه في مستدركه، وذلك يكشف عن اضطراب القوم أمام تصحيح الحاكم وإخراجه هذا

____________

1- طبقات الشافعية 4/168 ـ 169 ـ دار إحياء الكتب العربية ـ القاهرة ـ 1418 هـ.


الصفحة 237
الحديث في كتابه.

وهل اكتفوا بهذا؟ لا، وهل استفادوا من هذه الأساليب شيئاً؟ لا.

فما كان عليهم إلاّ أنْ يهجموا على الحاكم داره فيضربوه ويكسروا منبره الذي كان يجلس عليه ويحدّث، ويمنعوه من الخروج من داره.

وهلاّ فعلوا هذا من أوّل يوم، وقبل أن يتعبوا أنفسهم في التحقيق عن كتاب المستدرك باحتمال أنْ يكون هذا الحديث قد أدرجه بعض الطاعنين، فما أحسن هذا الطريق لإثبات الخلافة لأسيادهم!!

وهكذا فعلوا مع غير الحاكم، مع كثير من أئمّتهم!! أما فعلوا مع النسائي في دمشق؟ أما بقروا بطن الحافظ الكنجي في داخل المسجد لأنّه كان يملي فضائل علي؟ وأما فعلوا؟ وأما فعلوا؟ أمّا بعلماء الطائفة الشيعيّة، وبالأئمّة الإثني عشر، فأيّ شيء فعلوا؟ وكيف عاملوا؟

وهكذا ثبتت الإمامة والخلافة للشيخين وللمشايخ.

فأيّ داع لكلّ ما قاموا به من المناقشة في السند، من المناقشة في الدلالة، من المعارضة، من تحريف اللفظ؟ من ضرب وهتك لابن السقا والحاكم؟ لماذا لا يقلّدون إمامهم وشيخ إسلامهم الذي قال: حديث الطير من الموضوعات المكذوبات(1). فأراح نفسه من كلّ هذا التعب؟

وهذه فتوى ابن تيميّة، وتلك فتوى ابن كثير، وتلك أفعالهم وأعمالهم مع أئمّتهم كالحاكم وغيره، وتلك تحريفاتهم لألفاظ الحديث النبوي، وتلك خياناتهم تبعاً لخيانة صاحبهم أنس بن مالك، وتلك إمامة مشايخهم التي يريدون أن يثبتوها بهذه السبل!!

وعلى كلّ منصف، كلّ محقّق، وكلّ حرّ أنْ يستمع القول فيتّبع أحسنه، والله على ما نقول شهيد، ونعم الحكم الله، والخصيم محمّد، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.

____________

1- منهاج السنة 7 / 371.


الصفحة 238

الصفحة 239



حديث المنزلة





الصفحة 240

الصفحة 241

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

موضوع بحثنا الليلة حديث المنزلة، قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : " أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى "، وقوله في بعض الألفاظ: " أنت منّي بمنزلة هارون من موسى "، أو " علي منّي بمنزلة هارون من موسى ".

يمتاز هذا الحديث عن كثير من الأحاديث في أنّه حديث أخرجه البخاري ومسلم أيضاً، إلى جنب سائر المحدّثين الذين أخرجوا هذا الحديث الشريف، وهو حديث اتّفق عليه الشيخان باصطلاحهم.

ومن جهة أُخرى يستدلّ بهذا الحديث على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) من جهات عديدة، لوجود دلالات متعدّدة في هذا الحديث.

لذلك اهتمّ بهذا الحديث علماؤنا منذ قديم الأيام، كما اهتمّ به الآخرون أيضاً في مجال رواية هذا الحديث بأسانيدهم، وفي مجال الجواب عن هذا الحديث بطرقهم المختلفة.


الصفحة 242

الصفحة 243

رواة حديث المنزلة

قبل كلّ شيء نذكر أسامي عدة من الصحابة الرواة لهذا الحديث، وأسماء أشهر مشاهير الرواة له، من محدّثين ومفسّرين ومؤرخين في القرون المختلفة.

على رأس الرواة لهذا الحديث من الصحابة:

1 ـ أمير المؤمنين (عليه السلام) .

ويرويه أيضاً:

2 ـ عبدالله بن العباس.

3 ـ جابر بن عبدالله الأنصاري.

4 ـ عبدالله بن مسعود.

5 ـ سعد بن أبي وقّاص.

6 ـ عمر بن الخطّاب.

7 ـ أبو سعيد الخدري.

8 ـ البراء بن عازب.

9 ـ جابر بن سمرة.

10 ـ أبو هريرة.

11 ـ مالك بن الحويرث.

12 ـ زيد بن أرقم.

13 ـ أبو رافع.


الصفحة 244
14 ـ حذيفة بن أسيد.

15 ـ أنس بن مالك.

16 ـ عبدالله بن أبي أوفى.

17 ـ أبو أيّوب الأنصاري.

18 ـ عقيل بن أبي طالب.

19 ـ حُبشي بن جنادة.

20 ـ معاوية بن أبي سفيان.

ومن جملة رواة هذا الحديث من الصحابيات:

1 ـ أُم سلمة أُمّ المؤمنين رضي الله عنها.

2 ـ أسماء بنت عميس.

رواة هذا الحديث من الصحابة أكثر من ثلاثين، وربّما يبلغون الأربعين رجل وامرأة.

يقول ابن عبد البر في الإستيعاب عن هذا الحديث: هو من أثبت الأخبار وأصحّها.

قال: وطرق حديث سعد بن أبي وقاص كثيرة جدّاً.

فذكر عدّة من الصحابة الذين رووا هذا الحديث، ثمّ قال: وجماعة يطول ذكرهم(1).

وهكذا ترون المزي يقول بترجمة أمير المؤمنين (عليه السلام) في تهذيب الكمال(2).

وذكر الحافظ ابن عساكر بترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق كثيراً من طرق هذا الحديث وأسانيده من عشرين من الصحابة تقريباً(3).

ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري بعد أن يذكر أسامي عدّة من الصحابة، ويروي نصوص روايات جمع منهم يقول: وقد استوعب طرقه ابن عساكر في

____________

1- الإستيعاب 3/1097 ـ دار الجيل ـ بيروت ـ 1412 هـ.

2- تهذيب الكمال 2/483 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1413 هـ.

3- انظر ترجمة الإمام علي (عليه السلام) 1/306 ـ 393.


الصفحة 245
ترجمة علي(1).

فهذا الحديث مضافاً إلى أنّه متواتر عند أصحابنا من الإماميّة، من الأحاديث الصحيحة المعروفة المشهورة عند أهل السنّة، بل هو من الأحاديث المتواترة عندهم كذلك.

يقول الحاكم النيسابوري: هذا حديث دخل في حدّ التواتر(2).

كما أنّ الحافظ السيوطي أورد هذا الحديث في كتابه الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة(3)، وتبعه الشيخ علي المتقي في كتابه قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة.

وممّن اعترف بتواتر هذا الحديث شاه ولي الله الدهلوي محدّث الهند في كتابه إزالة الخفاء في سيرة الخلفاء.

ولنذكر أسماء عدة من أشهر مشاهير القوم الرواة لهذا الحديث في القرون المختلفة، منهم:

1 ـ محمّد بن إسحاق، صاحب السيرة.

2 ـ سليمان بن داود الطيالسي أبو داود الطيالسي، في مسنده.

3 ـ محمّد بن سعد، صاحب الطبقات.

4 ـ أبو بكر ابن أبي شيبة، صاحب المصنف.

5 ـ أحمد بن حنبل، صاحب المسند.

6 ـ البخاري، في صحيحه.

7 ـ مسلم، في صحيحه.

8 ـ ابن ماجة، في صحيحه.

____________

1- فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7/60 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

2- كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للحافظ الكنجي: 283.

3- الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة: حرف الألف.


الصفحة 246
9 ـ أبو حاتم بن حبّان، في صحيحه.

10 ـ الترمذي، في صحيحه.

11 ـ عبدالله بن أحمد بن حنبل، هذا الإمام الكبير الذي ربّما يقدّمه بعضهم على والده، يروي هذا الحديث في زيادات مسند أحمد وزيادات مناقب أحمد.

12 ـ أبو بكر البزّار، صاحب المسند.

13 ـ النسائي، صاحب الصحيح.

14 ـ أبو يعلى الموصلي، صاحب المسند.

15 ـ محمّد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ والتفسير.

16 ـ أبو عوانة، صاحب الصحيح.

17 ـ أبو الشيخ الإصفهاني، صاحب طبقات المحدثين.

18 ـ أبو القاسم الطبراني، صاحب المعاجم الثلاثة.

19 ـ أبو عبدالله الحاكم النيسابوري، صاحب المستدرك على الصحيحين.

20 ـ أبو بكر الشيرازي، صاحب كتاب الألقاب.

21 ـ أبو بكر بن مردويه الإصفهاني، صاحب التفسير.

22 ـ أبو نعيم الإصفهاني، صاحب حلية الأولياء.

23 ـ أبو القاسم التنوخي، له كتاب في طرق أحاديث المنزلة.

24 ـ أبو بكر الخطيب، صاحب تاريخ بغداد.

25 ـ ابن عبد البر، صاحب الإستيعاب.

26 ـ البغوي، الملقّب عندهم بمحي السنّة، صاحب مصابيح السنّة.

27 ـ رزين العبدري، صاحب الجمع بين الصّحاح.

28 ـ ابن عساكر، صاحب تاريخ دمشق.

29 ـ الفخر الرازي، صاحب التفسير الكبير.

30 ـ ابن الأثير الجزري، صاحب جامع الأُصول.


الصفحة 247
31 ـ أخوه ابن الأثير، صاحب أُسد الغابة.

32 ـ ابن النجّار البغدادي، صاحب تاريخ بغداد.

33 ـ النووي، صاحب شرح صحيح مسلم.

34 ـ أبو العباس محب الدين الطبري، صاحب الرياض النضرة في مناقب العشرة المبشرة.

35 ـ ابن سيّد الناس، في سيرته.

36 ـ ابن قيّم الجوزية، في سيرته.

37 ـ اليافعي، صاحب مرآة الجنان.

38 ـ ابن كثير الدمشقي، صاحب التاريخ والتفسير.

39 ـ الخطيب التبريزي، صاحب مشكاة المصابيح.

40 ـ جمال الدين المزّي، صاحب تهذيب الكمال.

41 ـ ابن الشحنة، صاحب التاريخ المعروف.

42 ـ زين الدين العراقي المحدّث المعروف، صاحب المؤلفات، صاحب الألفية في علوم الحديث.

43 ـ ابن حجر العسقلاني، صاحب المؤلفات.

44 ـ السيوطي، صاحب المؤلفات كالدر المنثور وغيره.

45 ـ الدياربكري، صاحب تاريخ الخميس.

46 ـ ابن حجر المكّي، صاحب الصواعق المحرقة.

47 ـ المتقي الهندي، صاحب كنز العمّال.

48 ـ المناوي، صاحب فيض القدير في شرح الجامع الصغير.

49 ـ ولي الله الدهلوي، صاحب المؤلفات ككتاب حجة الله البالغة وإزالة الخفاء.

50 ـ أحمد زيني دحلان، صاحب السيرة الدحلانيّة.

وغير هؤلاء من المحدّثين والمؤرّخين والمفسّرين من مختلف القرون والطبقات.