الصفحة 601
كتبه، وقد تقرّر عندنا في الكتب العلمية أنّ الرواية أعمّ من الإعتقاد، ليس كلّ راو لحديث يعتقد بما دلّ عليه الحديث، يشهد بذلك عبارة الصدوق رحمة الله عليه الذي هو رئيس المحدّثين، فإنّه قد يروي بعض الروايات التي هي بظاهرها تدلّ على نقصان القرآن، لكنّه يقول: من نسب إلينا أنّا نقول بأنّ القرآن أكثر ممّا هو الآن بأيدينا فهو كاذب علينا.

إذن، لا يقول بمضامين هذه الروايات، فهذه نقطة أُخرى.

لقد تتبّعت كتبنا منذ القديم، كتبنا في الحديث، كتبنا في التفسير، كتبنا في علوم الحديث، وفي الأصول أيضاً، وفي الفقه أيضاً في أبواب القراءة حيث تطرح مسألة نقصان القرآن، فلم أجد من علمائنا الكبار الذين يُرجع إليهم ويعتمد عليهم في المذهب من يقول بنقصان القرآن بعدد أصابع اليد الواحدة.

إلاّ أنّك إذا راجعت كتاب البخاري الذي التزم فيه بالصحة، وإذا راجعت كتاب مسلم الذي التزم فيه بالصحة، والكتب الأُخرى، ككتاب مسند أحمد وغيره وغيره... بل لقد ذكرت في كتابي في هذا الموضوع اسم أربعين عالماً من كبار علماء القوم، في مختلف القرون، يروون أحاديث التحريف، ومن بينهم أكثر من عشرة يلتزمون بصحّة تلك الأحاديث التي رووها في كتبهم، فلو أردنا أن ننسب هذا القول إلى قوم من المسلمين فبالأحرى أن ينسب إلى...

أمّا نحن، فلا نقول هكذا، لأنّه قد قلنا إنّ البحث على صعيد الأقوال يجب أن لا يختلط بالبحث على صعيد الأحاديث، ففي الأقوال نجدهم أيضاً يدّعون الإجماع على عدم نقصان القرآن.

إذن، القرآن غير ناقص، لا عندنا ولا عندهم، ولو كان هناك قول فهو قول شاذّ منّا ومنهم، لكن الروايات عندهم كثيرة، وهي عندهم صحيحة، أكثرها عن عمر بن الخطّاب، وعن عائشة، وعن أبي موسى الأشعري، وعن زيد بن ثابت، وعن عبدالله بن العباس، وعن جماعة آخرين من كبار القرّاء عندهم، من أُبي بن كعب، وعبدالله بن

الصفحة 602
مسعود، هم يروون تلك الأحاديث، ولا يوجد عُشر أعشارها في كتبنا.

إلاّ أنّ الطريق الصحيح أن نقول ببطلان هذه الأحاديث كما يقولون، ويبقى عليهم أن يرفعوا اليد عن صحّة الصحيحين والصحاح الستّة، فلو رفعوا اليد عن هذا المبنى المشتهر بينهم، وأيضاً رفعوا اليد عمّا اشتهر بينهم من عدالة الصحابة أجمعين، فلو أنّا وجدناهم لا يقولون بعدالة الصحابة، ووجدناهم لا يقولون بصحّة الصحيحين أو الصحاح، ارتفع النزاع بيننا وبينهم، لأنّ النزاع سيبقى في دائرة الروايات الموجودة في كتبهم، إذ المفروض أنّهم على صعيد الأقوال لا يقولون بتحريف القرآن، وإنْ كنت عثرت على أقوال أيضاً منهم صريحة في كون القرآن ناقصاً.

كتاب فصل الخطاب:

إلاّ أنّهم ما زالوا يواجهون الطائفة الشيعية بكتاب فصل الخطاب للميرزا النوري، صحيح أنّ الميرزا نوري من كبار المحدّثين، إنّنا نحترم الميرزا النوري، الميرزا النوري رجل من كبار علمائنا، ولا نتمكّن من الاعتداء عليه بأقل شيء، ولا يجوز، وهذا حرام، إنّه محدّث كبير من علمائنا، لكنّكم لم تقرأوا كتاب فصل الخطاب، لربّما قرأتم كتباً لبعض الهنود، أو الباكستانيين، أو بعض الخليجيين، أو بعض المصريين، الذين يتهجّمون على الشيعة، ولا يوجد عندهم في التهجّم إلاّ نقاط منها مسألة تحريف القرآن، وليس عندهم إلاّ الميرزا النوري وكتاب فصل الخطاب، هذا تقرؤونه، وما زالوا يكرّرون هذا، ما زالوا وحتّى يومنا هذا، بعضهم يحاول أن ينسب إلى الطائفة هذا القول من أجل كتاب فصل الخطاب، ولكنّكم لو قرأتم كتاب فصل الخطاب لوجدتم خمسين بالمائة من رواياته من أهل السنّة أو أكثر من خمسين بالمائة، ولوجدتم أنّ فصل الخطاب يشتمل على الروايات المختلفة التي تقبل الحمل على اختلاف القراءات، وتقبل الحمل على الحديث القدسي، وتقبل الحمل على الدعاء، ولا يبقى هناك إلاّ القليل الذي أشرت إليه من قبل، والذي يجب أن يدرس من الناحية السندية.


الصفحة 603
وحتّى أنّي وجدت كتاباً قد أُلّف من قبل بعضهم، نظير كتاب فصل الخطاب، إلاّ أنّ الحكومة المصريّة صادرت هذا الكتاب وأحرقته بأمر من مشيخة الأزهر، وحاولوا أن يغطّوا على هذا الأمر، فلا ينتشر ولا يسمع به أحد، إلاّ أنّ الكتاب موجود عندنا الآن في قم، كتاب صادرته الحكومة المصريّة.

والفرق بيننا وبينهم، أنّا إذا طبع عندنا كتاب فصل الخطاب مرّةً واحدة منذ كذا من السنين، ليست هناك حكومة تصادر هذا الكتاب، إلاّ أنّهم لو أنّ باحثاً كتب شيئاً يضرّ بمذهبهم بأيّ شكل من الأشكال حاربوه وطاردوه وصادروا كتابه وحرّقوه وحكموا عليه بالسجن، والكتاب الذي أشرت إليه موجود عندنا في قم ولا يجوز لي إظهاره لكم، وقد ذكرت لكم من قبل إنّا لا نريد أن نطرح المسألة بحيث تضرّ بالإسلام والقرآن.

وعلى الجملة، فإنّ هذا الموضوع يجب أن يبحث عنه في دائرة البحث العلمي الموضوعي، وعلى صعيدي الأقوال والروايات كلاًّ على حدة، بحيث يكون بحثاً موضوعيّاً خالصاً بحتاً، ولا يكون هناك تهجّم من أحد على أحد، ولو أنّ السنّي أراد أن يواجه شيعيّاً عالماً مطّلعاً على هذه القضايا لأفحم في أوّل لحظة، ولكنّهم ينشرون كتبهم على مختلف اللغات وبأشكال مختلفة، ولربّما حتّى في موسم الحجّ يوزّعون كتبهم على الحجّاج، حتّى ينتشر هذا الإفتراء منهم على هذه الطائفة، إلاّ أنّ واحداً منهم لا يستعد لأنْ يباحث في مثل هذا الموضوع الحسّاس الذي طالما حاولوا أن يخصموا به هذه الطائفة المظلومة منذ اليوم الأوّل.

إنّ الفرق بيننا وبينهم هو أنّهم دائماً يحاولون أن يغطّوا على مساويهم وسيّئاتهم، ثمّ يتهجّمون على الآخرين بالإفتراء والشتم، ولست بصدد التهجّم على أحد، وإنّما البحث ينجرّ أحياناً وينتهي إلى ما لا يقصده الإنسان.

فنرجع إلى ما كنّا فيه وحاصله: أمّا على صعيد الروايات، فروايات التحريف بمعنى نقصان القرآن في كتب أولئك القوم هي أكثر عدداً وأصحّ سنداً، ومن أراد البحث فأهلاً وسهلاً، أنا مستعد أن أُباحثه في هذا الموضوع.


الصفحة 604

الصفحة 605

التحريف بالنقصان حسب الأقوال

وأمّا على صعيد الأقوال، فنحن وهم متفقون على أنّ القرآن الكريم سالم من النقصان، وليس فيه أي تحريف بمعنى النقصان، ولم يقع فيه أي نقيصة، هذا متفق عليه بين الطائفتين، ولا يُعبأ بالشذوذ الموجود عندنا وعندهم.

فالقرآن مصون من التحريف، سالم من النقيصة، ليس بيننا وبين الفرق الأُخرى من المسلمين خلاف في أنّه القرآن العظيم الكريم الذي يجب أن يُتلى، يجب أن يتّبع، يجب أن يتحاكم إليه، يجب أن ينشر، يجب أن يُدرس، وإلى آخره، هذا هو القرآن.

إلاّ أنّ في ثنايا أحاديثهم ما يضرّ بهذا القرآن، ممّا نقل عن عثمان بسند صحيح أنّ فيه لحناً، وعن ابن عبّاس أنّ فيه خطأ، وعن آخر أنّ فيه غلطاً، وهذه الأشياء غير موجودة في رواياتنا أبداً، والمحققون من أهل السنّة يعرضون عن هذه النقول، وقول بعض الصحابة: حسبنا كتاب الله، فالغرض منه شيء آخر، كان الغرض من هذه المقولة عزل الأُمّة عن العترة الطاهرة، وعزل العترة عن الأُمّة، وعلى فرض صحّة الحديث القائل: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنّتي، فقد عزلوا السنّة عن الأُمّة والأُمّة عن السنّة أيضاً عندما قالوا: حسبنا كتاب الله، لكنّ قولهم حسبنا كتاب الله يقصد منه شيء آخر أيضاً، أليس الوليد قد رماه ومزّقه، ألم يقل:


إذا ما جئت ربّك يوم حشرفقل يا ربّ مزّقني الوليد

أليس عبد الملك بن مروان الذي هو خليفة المسلمين عندهم، عندما أُخبر أو بُشّر بالحكم وكان يقرأ القرآن قال: هذا فراق بيني وبينك؟!


الصفحة 606
إذن، لم يبق القرآن كما لم تبق العترة ولم تبق السنّة.

أكانت هذه الخطّة مدبّرة، أو لا عن عمد قال القائل كذا وانتهى الأمر إلى كذا، لكنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِب عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ )(1).

____________

1- سورة آل عمران 3/144.


الصفحة 607

ملحق البحث(1)

1 ـ حول قرآن علي (عليه السلام):

هذا الموضوع تعرّضت له في بحثي حول تحريف القرآن(2)، فهو يشكّل فصلاً من فصول الكتاب، أو شبهةً من شبهات تحريف القرآن، صحيح أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)جمع القرآن، وقد أشرت إلى هذا من قبل، فالإمام جاء بالقرآن إليهم، فرفضوه، وهذا أيضاً موجود، كان لعلي قرآن، هذا موجود والكل يذكره، علي جمع القرآن الكل يذكره، حتى جاء في فهرست النديم أيضاً أنّ قرآن علي كان موجوداً عند أحد علماء الشيعة الكبار في عصر النديم، أتذكر يقول: رأيته عند أبي يعلى الجعفري، فهذا القرآن الآن موجود عند الإمام الحجة عجّل الله تعالى فرجه كسائر المواريث الموجودة عنده.

ويختلف هذا القرآن عن القرآن الموجود الآن في الترتيب أوّلاً، ويختلف عن القرآن الموجود في أنّ عليّاً قد أضاف في هوامش الآيات بعض الفوائد التي سمعها من النبي والمتعلّقة بتلك الآيات، ذكرها في الهوامش.

أمّا أن يكون ذلك القرآن يختلف عن هذا القرآن في ألفاظه أي في سور القرآن ومتن القرآن، هذا غير ثابت عندنا، غاية ما هناك أنّه يختلف مع هذا القرآن الموجود في الترتيب، وفي أنّ فيه إضافات أمير المؤمنين تتعلّق بالآيات وقد سمعها من النبي، فكتبها

____________

1- يعقب المركز ندواته العقائدية بالإجابة على الأسئلة، وتتميماً للفائدة نذكر في هذا الملحق الإجابة على بعض الأسئلة مع الاختصار وحذف الأسئلة والاكتفاء بوضع عنوان لكل سؤال.

2- التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف: 89.


الصفحة 608
في هوامش تلك الآيات، إذن، هذا الموضوع لا علاقة له بمسألة نقصان القرآن.

وهذا القرآن موجود عند الإمام الثاني عشر (عليه السلام) كما في رواياتنا.

2 ـ موقف العلماء من الميرزا النوري وكتابه:

لقد ردّ عليه العلماء، وكتبت ردود كثيرة على كتابه، من المعاصرين له ومن كبار علمائنا المتأخرين عنه، هناك كتاب في الرد على فصل الخطاب، كتاب كبير وضخم، ردّ على روايات فصل الخطاب واحده واحدة، ونظر فيها واحداً واحداً، وهذا المؤلّف معاصر له، إلاّ أنّ هذا الكتاب غير مطبوع الآن.

ولاحظوا أنتم كتاب آلاء الرحمن في تفسير القرآن للشيخ البلاغي الذي هو معاصر للشيخ النوري، لاحظوا هذا الكتاب وانظروا كيف يردّ عليه بشدّة.

أمّا أنْ نكفّره ونطرده عن طائفتنا ونخرجه عن دائرتنا، كما يطالب بعض الكتّاب المعاصرين من أهل السنّة، فهذا غلط وغير ممكن أبداً، وهل يفعلون هذا مع كبار الصحابة القائلين بالنقصان، ومع كبار المحدّثين منهم الرواة لتلك الأقوال؟

هذا، وشيخنا الشيخ آقا بزرك الطهراني تلميذ المحدّث الميرزا النوري، في كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة، تحت عنوان فصل الخطاب، يصرُّ على أنّ الميرزا النوري لم يكن معتقداً بمضامين هذه الروايات، ولم يكن معتقداً بكون القرآن ناقصاً ومحرّفاً، فهذا ما يقوله شيخنا الشيخ الطهراني الذي هو أعرف بأحوال أُستاذه وبأقواله، وهذا كتاب الذريعة موجود، فراجعوه.

ولو سلّمنا أنّ الشيخ النوري يعتقد بنقصان القرآن، فهو قوله، لا قول الطائفة، قول الواحد لا ينسب إلى الطائفة، وكلّ بحثنا عن رأي الطائفة، ولم يكن بحثنا عن رأي الشيخ النوري، كنّا نبحث عن مسألة التحريف على ضوء الأقوال عند الطائفة كلّها، على ضوء الروايات عند الطائفة كلّها، لا على رأي واحد أو اثنين، وإلاّ لذكرت خمسين عالماً كبيراً هو أكبر من الشيخ النوري وينفي التحريف.


الصفحة 609

3 ـ حول جمع القرآن الموجود:

إنّه لم يكن لأئمّتنا عليهم السلام دور في جمع هذا القرآن الموجود، إلاّ أنّهم كانوا يحفظون هذا القرآن، ويتلون هذا القرآن، ويأمرون بتلاوته، وبالتحاكم إليه، وبدراسته، ولا تجد عنهم أقلّ شيء ينقص من شأنه.

القرآن كان مجموعاً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مكتوباً على الخشب والحجر وأشياء أُخرى كانوا يكتبون عليها، وكانت هذه مجتمعةً في مكان واحد، إلاّ أنّها غير مرتّبة، ومبعثرة غير مدوّنة، عند أبي بكر، ثمّ عند عمر، ثمّ عند حفصة، حتّى جاء عثمان وقد حصل الترتيب على الشكل الموجود الآن في زمن عثمان.

إلاّ أنّكم لو تلاحظون روايات القوم في كيفيّة جمعه وتدوينه، لأخذتكم الدهشة، ولا شيء من مثل تلك الروايات في كتب أصحابنا.

وعندما أرادوا جمع القرآن وتدوينه وترتيبه، طالبوا من كتب قرآناً لنفسه بإحضار نسخته، فأخذوها وأحرقوها، أمّا قرآن علي (عليه السلام) فهو باق كما ذكرنا من قبل.

4 ـ مسألة تهذيب كتب الحديث من مثل هذه الروايات:

أمّا كتب أصحابنا فهي تشتمل على روايات تدلُّ على الجبر، وأُخرى على التفويض، وهكذا أشياء أُخرى ممّا لا نعتقد به، ولذلك أسباب ليس هنا موضع ذكرها، ولكنّ الذي يسهّل الخطب أنّه لا يوجد عندنا كتاب صحيح من أوّله إلى آخره سوى القرآن الكريم، بخلاف كتب القوم، فقد ذكرنا أنّ كثيراً منهم التزم فيها بالصحّة، والروايات الباطلة في كتبهم كثيرة جدّاً، وقد حصلت عندهم الآن فكرة تهذيب كتبهم، ولكنّ هذا أمر عسير جدّاً ولا أظنّهم يوفّقون.

نعم، شرعوا بتحريف كتبهم في الطبعات الجديدة، خاصّةً فيما يتعلّق بمسائل الإمامة والخلافة، من مناقب علي وأهل البيت عليهم السلام، ومساوىء مناوئيهم، وقد

الصفحة 610
سمعت بعضهم في المدينة المنوّرة أنّه قد قرّروا إسقاط سبعين حديثاً من أحاديث صحيح مسلم من هذا القبيل.

هذا، ومن شاء الوقوف على تفاصيل القضايا والمسائل في موضوع تحريف القرآن فليرجع إلى كتابنا (التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف).

وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.


الصفحة 611



المتعة





الصفحة 612

الصفحة 613

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد:

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأوّلين والآخرين.

هناك مسائل في علوم مختلفة، هذه المسائل تدخل إلى علم الكلام وتكون من المسائل الاعتقاديّة.

فمثلاً: لو بحث تأريخياً عن أنّه من كان أوّل من أسلم، هذه ربّما تعتبر قضيّة تاريخيّة، لكنّ هذه القضيّة يبحث عنها في علم الكلام أيضاً، وتدخل ضمن المسائل الاعتقاديّة، بلحاظ أنّ لها دخلاً في مسألة الإمامة والخلافة بعد رسول الله.

وفي علم الأُصول مسألة هل خبر الواحد حجّة أو لا؟ هذه المسألة مسألة أصوليّة، إلاّ أنّها تأتي إلى علم الكلام ومسائل الإعتقادات، بلحاظ أنّ بعض الروايات التي يستدلّ بها في علم الكلام، تلك الروايات أخبار آحاد، فلابدّ وأن يبحث عن حجيّتها من حيث أنّ خبر الواحد حجّة أو لا؟

وفي علم الفقه مسائل خلافيّة، كمسألة المسح على الرجلين مثلاً كما يقول الإمامية أو غسل الرجلين كما يقول غيرهم، هذه مسألة فقهيّة وتطرح في علم الكلام وتأتي في المسائل العقائديّة، من حيث أنّ في هذه المسألة لبعض الصحابة دوراً، أو لبعض الخلفاء دوراً، فتأخذ المسألة صبغة كلاميّة عقائديّة.

ومن ذلك مسألة المتعة.


الصفحة 614
بحث المتعة بحث فقهيّ، إلاّ أنّه أصبح بحثاً فقهيّاً كلاميّاً تاريخيّاً مهمّاً، له دور في مسألة تعيين الإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

هذه المسألة لها دخل في صلاحيّة بعض الأصحاب للخلافة، وعدم صلاحيتهم للخلافة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولذلك نرى أنّ العلماء من الجانبين وفقهاء الفريقين والمتكلمين من الطرفين اعتنوا بهذه المسألة اعتناء كثيراً منذ القديم، وأُلّفت في هذه المسألة كتب ورسائل، وكتبت مقالات وبحوث، وما زال هذا البحث مطروحاً في الأوساط العلميّة، لا لأنّا نريد أن نتمتّع، وليس من يبحث عن هذه المسألة يريد إثبات حليّتها أي حليّة المتعة ليذهب ويتمتّع، وإنّما المسألة ـ كما أشرت ـ مسألة ترجع إلى أصل الإمامة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّها أصبحت مسألة خلافيّة بين الصحابة وكبار الأصحاب، وأصبحوا على قسمين، منهم من يقول بحليّة المتعة بعد رسول الله، ومنهم من قال بعدم جوازها، فنريد أن نبحث عن هذه المسألة لنعرف أنّ الحق مع من؟ وأنّ القائل بالحرمة بأيّ دليل يقول.

لسنا في مقام استعمال المتعة حتّى يقال بأنّكم تصرّون على حليّة المتعة، فلماذا لا تفعلون أو لماذا تكرهون؟ ليس الكلام في هذا، وإلاّ فكلّ من يبحث عن هذه المسألة إمّا مجتهد فيعمل طبق فتواه، وإمّا هو مقلّد فيعمل بحسب فتوى مقلَّده في هذه المسألة ولا نزاع حينئذ.

لكنّ الكلام يرجع إلى مسألة عقيديّة لها دخل في الاعتقادات، ولذا لا يقال أنّ المسألة الكذائيّة تاريخيّة، فلماذا تطرح في علم الكلام، هذا خطأ من قائله، لأنّه لا يدري أو يتجاهل.

فمسألة أوّل من أسلم المشهور أو الثابت حتّى عند غيرنا، أي المحققين المنصفين منهم، أنّ أوّل من أسلم هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي المقابل قول بأنّها خديجة، وقول بأنّه أبو بكر، لكنْ عندما نحقّق نرى روايةً بسند صحيح أنّ أبابكر إنّما أسلم بعد خمسين نفر، وهذه مسألة لها دخل في الاعتقادات، فلا يقال بأنّها مسألة تاريخيّة فحسب.


الصفحة 615

تعريف المتعة

متعة النساء هي: أن تزوّج المرأة العاقلة الكاملة الحرّة نفسها من رجل، بمهر مسمّى، وبأجل معيّن، ويشترط في هذا النكاح كلّ ما يشترط في النكاح الدائم، أي لابدّ أن يكون العقد صحيحاً، جامعاً لجميع شرائط الصحّة، لابدّ وأن يكون هناك مهر، لابدّ وأن لا يكون هناك مانع من نسب، أن لا يكون هناك مانع من محرميّة ورضاع مثلاً، وهكذا بقيّة الأُمور المعتبرة في العقد الدائم، إلاّ أنّ هذا العقد المنقطع فرقه مع الدائم:

أنّ الدائم يكون الافتراق فيه بالطلاق، والافتراق في هذا العقد المنقطع يكون بانقضاء المدّة أو أن يهب الزوج المدّة المعيّنة.

وأيضاً: لا توارث في العقد المنقطع مع وجوده في الدائم.

وهذا لا يقتضي أن يكون العقد المنقطع شيئاً في مقابل العقد الدائم، وإنّما يكون نكاحاً كذاك النكاح، إلاّ أنّ له أحكامه الخاصّة.

هذا هو المراد من المتعة والنكاح المنقطع، وحينئذ هل أنّه موجود في الشريعة الإسلاميّة أو لا؟ هل هذا النكاح سائغ وجائز في الشريعة؟

نقول: نعم، عليه الكتاب، وعليه السنّة، وعليه سيرة الصحابة والمسلمين جميعاً، عليه الإجماع. وحينئذ إذا ثبت الجواز بالكتاب، وبالسنّة المقبولة عند المسلمين، وبه أفتى الصحابة وفقهاء الأُمة بل كانت عليه سيرتهم العمليّة، فيكون على القائلين بالقول الثاني، أي يجب على من يقول بالحرمة أن يقيم الدليل.


الصفحة 616
حينئذ، نقرأ أوّلاً أدلّة الجواز قراءةً عابرة حتّى ندخل في معرفة من حرّم، ولماذا حرّم، وما يمكن أن يكون وجهاً مبرّراً لتحريمه، حتّى نبحث عن ذلك بالتفصيل، وبالله التوفيق.


الصفحة 617

أدلّة جواز المتعة

الاستدلال بالقرآن:

هناك آية في القرآن الكريم يُستدل بها على حلّيّة المتعة وإباحتها في الشريعة الإسلاميّة، قوله تعالى: ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً )(1).

هذه الآية نصّ في حليّة المتعة والنكاح المنقطع، النكاح الموقّت بالمعنى الذي ذكرناه.

القائلون بدلالة هذه الآية المباركة على المتعة هم كبار الصحابة وكبار علماء القرآن من الصحابة، وعلى رأسهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وهذه الطبقة الذين هم المرجع في فهم القرآن، في قراءة القرآن، في تفسير القرآن عند الفريقين.

ومن التابعين: سعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، والسدّي.

فهؤلاء كلّهم يقولون بأنّ الآية تدلّ على المتعة وحلّيّة النكاح الموقّت بالمعنى المذكور.

وحتّى أنّ بعضهم كتب في مصحفه المختصّ به، كتب الآية المباركة بهذا الشكل: " فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل فآتوهنّ أجورهنّ "، أضاف " إلى أجل " إلى الآية المباركة، وهكذا كتب الآية في القرآن أو المصحف الموجود عنده.

____________

1- سورة النساء: 24.


الصفحة 618
وهذا فيه بحث ليس هنا موضعه، من حيث أنّ هذا هل يدلّ على تحريف القرآن أو لا يدل؟ أو أنّ هذا تفسير أو تأويل؟

بل رووا عن ابن عبّاس أنّه قال: والله لأنزلها الله كذلك، يحلف ثلاث مرّات: والله والله والله لأنزلها الله كذلك، أي الآية نزلت من الله سبحانه وتعالى وفيها كلمة "إلى أجل"، والعهدة على الراوي وعلى ابن عبّاس الذي يقول بهذا وهو يحلف.

وعن ابن عبّاس وأُبيّ بن كعب التصريح بأنّ هذه الآية غير منسوخة، هذا أيضاً موجود.

فلاحظوا هذه الأُمور التي ذكرت في: تفاسير الطبري والقرطبي وابن كثير والكشّاف والدر المنثور في تفسير هذه الآية، وفي أحكام القرآن للجصّاص(1)، وسنن البيهقي(2)، وشرح النووي على صحيح مسلم(3)، والمغني لابن قدامة(4).

وهذا البحث الذي أطرحه الليلة عليكم، إنّما هو خلاصة لما كتبته أنا في مسألة المتعة وليس بشيء جديد، وكلّما أنقله لكم فإنّما هو نصوص روايات، ونصوص كلمات، ليس لي دخل في تلك النصوص لا زيادة ولا نقيصة، وربّما تكون هناك بعض التعاليق والملاحظات، ربّما يكون هناك بعض التوضيح، وإلاّ فهي نصوص روايات عندهم وكلمات من علمائهم فقط.

فهذا هو الاستدلال بالكتاب، بل ذكر القرطبي في ذيل هذه الآية أنّ القول بدلالتها على نكاح المتعة هو قول الجمهور، قال: قال الجمهور: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام(5).

____________

1- أحكام القرآن للجصّاص 2/147.

2- السنن الكبرى 7/205.

3- المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 7/126 هامش القسطلاني على البخاري.

4- المغني في الفقه الحنفي 7/571.

5- الجامع لأحكام القرآن 5/130.


الصفحة 619

الاستدلال بالسنة:

وأمّا السنّة، أكتفي من السنّة فعلاً بقراءة رواية فقط، وهذه الرواية في الصحيحين، هي:

عن عبدالله بن مسعود قال: كنّا نغزوا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي! فنهانا عن ذلك، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبدالله [ لاحظوا هذه الآية التي قرأها عبدالله بن مسعود في ذيل هذا الكلام ] : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )(1)وكان له قصد في قراءة هذه الآية بالخصوص في آخر كلامه.

هذا الحديث في كتاب النكاح من البخاري، وفي سورة المائدة أيضاً، وفي كتاب النكاح من صحيح مسلم، وفي مسند أحمد(2).

الاستدلال بالإجماع:

وأمّا الإجماع، فلا خلاف بين المسلمين في كون المتعة نكاحاً، نصّ على ذلك القرطبي في تفسيره وذكر طائفة من أحكامها حيث قال بنصّ العبارة: لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق.

ثمّ نقل عن ابن عطيّة كيفيّة هذا النكاح وأحكام هذا النكاح(3).

إذن أجمع السلف والخلف على أنّ هذا نكاح.

فظهر إلى الآن أنّ الكتاب يدل، والسنّة تدل، والإجماع قائم وهو قول الجمهور وإلى آخره.

____________

1- سورة المائدة: 87.

2- مسند أحمد بن حنبل 1/420.

3- الجامع لأحكام القرآن 5 / 132.


الصفحة 620
وكذا تجدون في تفسير الطبري، ونقل عن السدّي وغيره في ذيل الآية: هذه هي المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجل مسمّى، هذا في تفسير الطبري(1).

وفي التمهيد لابن عبد البر يقول: أجمعوا على أنّ المتعة نكاح لا إشهاد فيه، وأنّه نكاح إلى أجل، تقع الفرقة بلا طلاق ولا ميراث بينهما.

وهذا في كتاب التمهيد كتاب النكاح منه لابن عبد البر بشرح الموطأ(2).

إذن، ظهر إلى الآن أنّ هذا التشريع والعمل به كان موجوداً في الإسلام، وعليه الكتاب والسنّة والإجماع.

____________

1- تفسير الطبري 5 / 9.

2- التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والمسانيد لابن عبدالبر القرطبي 4 / 317.


الصفحة 621

منشأ الإختلاف فى مسألة المتعة

إذن، من أين يبدأ النزاع والخلاف؟ وما السبب في ذلك؟ وما دليله؟

المستفاد من تحقيق المطلب، والنظر في أدلّة القضيّة، وحتّى تصريحات بعض الصحابة والعلماء، أنّ هذا الجواز، أنّ هذا الحكم الشرعي، كان موجوداً إلى آخر حياة رسول الله، وكان موجوداً في جميع عصر أبي بكر وحكومته من أوّلها إلى آخرها، وأيضاً في زمن عمر بن الخطّاب إلى أواخر حياته، نظير الشورى كما قرأنا ودرسنا.

وفي أواخر حياته قال عمر بن الخطّاب في قضيّة، قال كلمته المشهورة: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما!! يعني متعة النساء ومتعة الحج، وبحثنا الآن في متعة النساء.

تجدون هذه الكلمة في المصادر التالية: المحلى لابن حزم(1)، أحكام القرآن للجصّاص(2)، سنن البيهقي(3)، شرح معاني الآثار للطحاوي(4)، تفسير الرازي(5)، بداية المجتهد لابن رشد(6)، شرح التجريد للقوشچي الأشعري في بحث الإمامة، تفسير

____________

1- المحلّى 7 / 107.

2- أحكام القرآن 1 / 279.

3- سنن البيهقي 7 / 206.

4- شرح معاني الآثار: 374.

5- تفسير الرازي 2 / 167.

6- بداية المجتهد 1 / 346.


الصفحة 622
القرطبي(1)، المغني لابن قدامة(2)، زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيّم الجوزيّة(3)، الدر المنثور في التفسير بالمأثور(4)، كنز العمّال(5)، وفيات الأعيان لابن خلّكان بترجمة يحيى بن أكثم(6)، وسنقرأ القضيّة.

ومن هؤلاء من ينصّ على صحّة هذا الخبر، كالسرخسي الفقيه الكبير الحنفي في كتابه المبسوط في فقه الحنفيّة في مبحث المتعة(7) ومنهم أيضاً من ينصّ على ثبوت هذا الخبر، كابن قيّم الجوزيّة في زاد المعاد، وسنقرأ عبارته.

صريح الأخبار: أنّ هذا التحريم من عمر ـ كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما ـ كان في أواخر أيّام حياته، ومن الأخبار الدالّة على ذلك: ما عن عطاء عن جابر قال: استمتعنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر، حتّى إذا كان في آخر خلافة عمر، استمتع عمرو بن حريث بامرأة سمّاها جابر فنسيتها، فحملت المرأة، فبلغ ذلك عمر، فذلك حين نهى عنها.

في أواخر حياته، حتّى إذا كان في آخر خلافة عمر، هذا نصّ الحديث.

وهو في المصنّف لعبد الرزّاق(8)، وفي صحيح مسلم(9)، وفي مسند أحمد(10)، وفي سنن البيهقي(11).

____________

1- تفسير القرطبي 2 / 370.

2- المغني 7 / 527.

3- زاد المعاد 2 / 205.

4- الدر المنثور 2 / 141.

5- كنز العمال 8 / 293.

6- وفيات الأعيان 5 / 197.

7- المبسوط في فقه الحنفية 5 / 153.

8- المصنف لعبدالرزاق بن همام 7/469.

9- صحيح مسلم بشرح النووي على هامش القسطلاني 6/127.

10- مسند أحمد بن حنبل 3/304.

11- السنن الكبرى 7/237.


الصفحة 623
وأمّا هذا التحريم فلم يكن تحريماً بسيطاً، لم يكن تحريماً كسائر التحريمات، وإنّما تحريم وعقاب، تحريم مع تهديد بالرجم.

لاحظوا أنّه قال: لو أنّي بلغني أنّ أحداً فعل كذا ومات لأرجمنّ قبره.

وأيّ المحرّمات يكون هكذا؟

وفي بعض الروايات أنّه هدّد برجم من يفعل، ففي المبسوط للسرخسي: لو أُوتى برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ رجمته، ولو أدركته ميّتاً لرجمت قبره(1).

وحينئذ نرى بأنّ هذا التحريم لم يكن من أحد، ولم يصدر قبل عمر من أحد، وكان هذا التحريم منه، وهذا من أوّليّات عمر بن الخطّاب.

ويقال بأنّه جاء رجل من الشام، فمكث مع امرأة ما شاء الله أن يمكث، ثمّ إنّه خرج، فأخبر بذلك عمر بن الخطّاب، فأرسل إليه فقال: ما حملك على الذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول الله ثمّ لم ينهانا عنه حتّى قبضه الله، ثمّ مع أبي بكر فلم ينهانا حتّى قبضه الله، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً، فقال عمر: أما والذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك(2).

فإلى هذه اللحظة لم يكن نهي، من هنا يبدأ النهي والتحريم.

ولذا نرى أنّ الحديث والتاريخ وكلمات العلماء كلّها تنسب التحريم إلى عمر، وتضيفه إليه مباشرة.

فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي.

هذا في المصنّف لعبد الرزّاق(3)، وتفسير الطبري(4)، والدر المنثور(5)، وتفسير

____________

1- المبسوط في فقه الحنفية 5/153.

2- كنز العمال 8/298.

3- المصنف لعبد الرزاق 7/500.

4- تفسير الطبري 5/17.

5- الدر المنثور 2/40.


الصفحة 624
الرازي(1).

وعن ابن عبّاس: ما كانت المتعة إلاّ رحمة من الله تعالى رحم بها عباده، ولولا نهي عمر ما زنى إلاّ شقي.

هذا في تفسير القرطبي(2).

وفي بعض كتب اللغة يذكرون هذه الكلمة عن ابن عبّاس أو عن أمير المؤمنين، لكن ليست الكلمة: إلاّ شقي، بل: إلاّ شفى، ويفسرون الكلمة بمعنى القليل، يعني لولا نهي عمر لما زنى إلاّ قليل.

ولم أحقّق الموضوع أنّ اختلاف النسخة هذا من أين، ولم أتقصد ذلك، ولم يهمّني كثيراً.

المهم أنّ تحريم المتعة من أوّليات عمر بن الخطّاب في كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي(3).

فإلى هنا رأينا الجواز بأصل الشرع، بالكتاب والسنّة والإجماع، وإلى آخره، ورأينا التحريم من عمر بن الخطّاب وفي آخر أيّام خلافته إلى الآن، ولابد أنّ بعض الصحابة اتّبعوه في هذا التحريم، وفي مقابله كبار الصحابة وعلى رأسهم أمير المؤمنين سلام الله عليه، إذ كان موقف هؤلاء موقفاً صارماً واضحاً في هذه المسألة.

أمّا كلمة أمير المؤمنين فقرأناها: لولا نهي عمر لما زنى إلاّ شقي.

ويقول ابن حزم: وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله جماعة من السلف، منهم ـ من الصحابة ـ:

1 ـ أسماء بنت أبي بكر.

2 ـ جابر بن عبدالله.

____________

1- تفسير الرازي 3/200.

2- الجامع لأحكام القرآن 5/130.

3- تاريخ الخلفاء: 137.


الصفحة 625
3 ـ وابن مسعود.

4 ـ وابن عبّاس.

5 ـ ومعاوية بن أبي سفيان.

6 ـ وعمرو بن حريث.

7 ـ وأبو سعيد الخدري.

8 و 9 ـ وسلمة ومعبد ابنا أُميّة بن خلف.

ورواه جابر عن جميع الصحابة مدّة رسول الله [ عبارة عامّة مطلقة: ورواه جابر عن جميع الصحابة مدّة رسول الله ] ومدّة أبي بكر وعمر إلى قرب آخر خلافة عمر.

هذه عبارة ابن حزم ويقول: ومن التابعين:

1 ـ طاووس.

2 ـ وعطاء.

3 ـ وسعيد بن جبير.

4 ـ... وسائر فقهاء مكّة أعزّها الله(1).

أمّا القرطبي، فذكر بعض الصحابة منهم: عمران بن حصين، وذكر عن ابن عبد البر أنّ أصحاب ابن عبّاس من أهل مكّة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً على مذهب ابن عبّاس(2).

إذن، ظهر الخلاف، ومن هنا يبدأ التحقيق في القضيّة، ولنا الحق في تحقيق هذه القضيّة أو لا؟ وتحقيقنا ليس إلاّ نقل نصوص وكلمات لا أكثر كما ذكرنا من قبل.

ولننظر في تلك الأحاديث والكلمات، لنرى أنّ الحقّ مع من؟

كان شيء حلالاً في الشريعة الإسلاميّة، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يحرّمه، وأبوبكر لم

____________

1- المحلّى في الفقه 9/519.

2- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/133.


الصفحة 626
يحرّمه، والصحابة لم يحرّموه، وعمر أيضاً لم يحرّمه إلى أواخر أيّام حياته، وقد عملوا بهذا الحكم الشرعي، وطبّقوه في جميع هذه الأدوار، فماذا يقول العلماء في هذه القضيّة؟

أمّا علماء الإماميّة فيجعلون هذه القضيّة في جملة الموانع من صلاحيّة عمر بن الخطّاب للخلافة بعد رسول الله، لأنّ وظيفة الخليفة أن يكون حافظاً للشريعة لا مبدّلاً ومغيّراً لها.

وقد قرأنا في كتاب المواقف وشرح المواقف وغير هذين الكتابين: أنّ من أهمّ وظائف الخليفة والإمام بعد رسول الله المحافظة على الدين من الزيادة والنقصان، ودفع الشبه والإشكالات الواردة عن الآخرين في هذا الدين.

فيقول الإماميّة بأنّ هذه القضيّة من جملة ما يستدلّ بها على عدم صلاحيّة هذا الصحابي للخلافة بعد رسول الله.

أمّا علماء أهل السنّة القائلون بخلافته وإمامته بعد أبي بكر، فلابد وأن يجيبوا عن هذا الإشكال، فلنحقق في أجوبة القوم عن هذا الإشكال الموجّه إلى خليفتهم.