وروى الخوارزمي عن علي(عليه السلام)، قال لعدّة أرسلهم معاوية إلى علي(عليه السلام): "معاشر الناس أنا أخو رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ووصيّه"(1).
وهكذا في كتابه(عليه السلام)إلى أهل مصر(2) وفي احتجاجه على الخوارج(3)، وفي خطبته بعد انصرافه من صفّين(4).
وروى الحاكم والهيثمي عن الإمام الحسن(عليه السلام)(5)، وابن الأثير والطبري عن الإمام الحسين(عليه السلام)(6).
وروى ابن عساكر عن بريدة بن الحصيب بن عبد اللّه(7)، والخوارزمي عن ابن مردويه، عن أمّ سلمة(8)، والگنجي الشافعي وابن الصباغ المالكي عن أبي سعيد الخُدري(9)، وأبي نعيم وغيره عن أنس بن مالك(10)، واليعقوبي عن مالك بن الحارث الأشتر(11)، والخوارزمي عن عمرو بن العاص(12) والقندوزي عن عمر بن الخطاب(13)، والمسعودي عن ابن عباس(14).
____________
(1) المناقب: ص222. (2) شرح ابن أبي الحديد: ج6 ص71. (3) تاريخ اليعقوبي: ج2 ص193. (4) نهج البلاغة خطبة 2، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص138. (5) المستدرك: ج3 ص172، مجمع الزوائد للهيثمي: ج9 ص146 عن الطبراني وغيره. (6) الكامل لابن أثير: ج3 ص287 ط. المنيريّة ـ مصر؛ تاريخ الطبري: ج4 ص322، ط. مؤسسة الأعلمي ـ بيروت، أحداث سنة 61 هـ. (7) تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص392. (8) مناقب الخوارزمي: 147، بتحقيق المحمودي. (9) البيان للكنجي الشافعي: 501، الباب التاسع، الفصول المهمّة: 295، الفصل الثاني عشر. (10) حلية الأولياء: ج1 ص63 المناقب للخوارزمي: 42، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص386. (11) تاريخ اليعقوبي: ج2 ص178. (12) مناقب الخوارزمي: 199. بتحقيق المحمودي، ط. مؤسسة النشر الإسلامي. (13) ينابيع المودة: ج2 ص75. (14) مروج الذهب: ج3 ص8.
وهكذا روى الذهبي وابن حجر عن جابر بن يزيد الجعفي(1).
والعجب من المزّي، حيث روى عن سعيد بن منصور، قال:قال لي ابن عيينة: سمعت من جابر ستيّن حديثاً ما أستحلّ أن أروي عنه شيئاً، يقول: حدّثني وصيّ الأوصياء. إلى أن قال: أقلّ ما في أمره أن يكون حديثه لا يحتجّ به، إلاّ أن يروي حديثاً يشاركه فيه الثقات(2).
أقول: ما هو مراده من مشاركة الثقات إيّاه؟ هل مراده أمثال حريز بن عثمان الحمصي؟ وهو من رجال البخاري، والأربعة(3) الذي يروي المزّي عن أحمد بن حنبل بأنّه ثقة، ثقة، ثقة، وليس بالشام أثبت من حريز. وهكذا نقل وثاقته عن يحيى بن معين والمديني والعجلي(4).
مع أنّه كان يلعن علي بن أبي طالب(عليه السلام) صباحاً ومساءً، كما قال ابن حبّان فيه:كان يلعن عليّاً بالغداة سبعين مرّة، وبالعشيّ سبعين مرة، فقيل له في ذلك؟ فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي"(5).
أو المراد من الثقات هو مثل إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني من أئمة الجرح والتعديل عند أهل السنّة ومن رجال أبي داود، والترمذي والنسائي؟
____________
(1) ميزان الاعتدال: ج1 ص383، ترجمة جابر، تهذيب التهذيب: ج2 ص43، ويلاحظ ترجمة الحاكم النيسابوري في لسان الميزان. (2) تهذيب الكمال: ج4 ص470. (3) تهذيب التهذيب: ج2 ص207. (4) تهذيب الكمال: ج5 ص572، 573، 576. (5) المجروحين: ج1 ص268، هامش تهذيب الكمال: ج5 ص579، تهذيب التهذيب: ج2 ص210، الأنساب للسمعاني: ج3 ص50 مادة "الرحبي".
قال المزّي:إنّ أحمد بن حنبل يكرمه إكراماً شديداًوقال النسائي:ثقة، وقال الدارقطني:من الحفّاظ المصنّفين والمخرجين الثقات... وعدّه ابن حبان في الثقات، مع ذكره بأنّه كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في الميل على علي وكان فيه انحراف عن علي(1)، وقال ابن حجر في ترجمة (مصدع أبو يحيى الأعرج):والجوزجاني مشهور بالنصب والانحراف(2).
أو خالد بن عبد اللّه القسري الذي روى عنه البخاري في خلق أفعال العباد وأبي داود(3)، ذكره ابن حبان في الثقات(4)، قال أبو الفرج: "إنّ خالد القسري أحد ولاة بني أمية طلب من أحدهم أن يكتب له السيرة، فقال الكاتب: فإنّه يمرّ بي الشيء من سيرة علي بن أبي طالب أفأذكره؟ فقال خالد: لا! إلاّ أن تراه في قعر جهنّم!!(5)، قال ابن كثير: قال ابن خلكان: كان متهماً في دينه وقد بنى لأمّه كنيسة في داره"(6).
أو عمران بن حطّان من رجال البخاري وأبي داود والنسائي... قال العجلي: بصريّ، تابعيّ، ثقة، وقال أبو داود:ليس في أهل الأهواء أصحّ حديثاً من الخوارج، ثمّ ذكر عمران هذا وغيره... وذكره ابن حبان في الثقات(7).
____________
(1) تهذيب الكمال: ج2 ص249، تهذيب التهذيب: ج1 ص159 ترجمة الرجل. (2) تهذيب التهذيب: ج10 ص143. (3) تهذيب التهذيب: ج3 ص88. (4) الثقات: ج6 ص256. (5) الأغاني: ج21 ص25، طبعة بيروت ـ دار الفكر. (6) البداية والنهاية: ج10 ص23، بتحقيق علي الشيري، ط. دار إحياء التراث العربي ـ بيروت. (7) تهذيب التهذيب: ج8 ص113؛ تهذيب الكمال: ج22 ص322.
مع أنّ العقيلي صرّح بأنّ عمران بن حطّان كان من الخوارج(1) وهو المادح لابن ملجم بقوله المشهور:
يا ضـربة من تقي ما أراد بـها إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضواناً (2)
قال ابن كثير: "وقد امتدح ابن ملجم بعض الخوارج المتأخّرين في زمن التابعين وهو عمران بن حطّان وكان أحد العباد ممّن يروي عن عائشة، في صحيح البخاري فقال فيه: يا ضربة من تقي..."(3).
قال ابن قدامة بعد نقل شعر عمران بن حطّان في مدح قاتل علي بن أبي طالب: "وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم واستحلال دمائهم وأموالهم واعتقاد التقرب بقتلهم إلى ربّهم"(4).
هؤلاء قسم من ثقات أهل السنّة ورواة الصحاح الستّة وكم لهم من نظير!!!
هناك وقفات وأسئلة؟
يا أخي العزيز! قد كان ببالي عدّة أسئلة، كلّما سألت إخواننا أهل السنّة فلم يجيبوني بما تقنع به نفسي وأتفحّص عمّن يجيبني متجرّداً عن العصبيّة ومستنداً إلى الأدلّة فأقول:
____________
(1) الضعفاء للعقيلي: ج2 ص204. (2) الاستيعاب بهامش الإصابة: ج3 ص62، تاريخ مدينة دمشق: ج43 ص495، سير أعلام النبلاء: ج4 ص215، الإصابة: ج5 ص232، ترجمة الرجل. (3) البداية والنهاية: ج7 ص364. (4) المغني: ج10 ص85.
1 ـ كيف يوثّق من سبّ عليّاًً(عليه السلام)؟
كيف يمكن توثيق من لعن علي بن أبي طالب(عليه السلام)والرواية عنه في الصحاح التي هي الملاك في سنّة الرسول (صلى الله عليه وآله) والمدار في استنباط الأحكام؟
فأين ذهب قول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): "من سبّ عليّاً فقد سبّني".
وكيف خفي عنهم ما ورد عن أمّ سلمة، قالت لعبد اللّه الجدلي:أيسبّ رسول اللّه(صلى الله عليه و سلم)فيكم؟ قلت معاذ اللّه!! أو سبحان اللّه!! أو كلمة نحوها! قالت: سمعت رسول اللّه(صلى الله عليه و سلم)يقول: من سبّ عليّاً فقد سبّني(1). رواه الحاكم قائلاً:هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(2) رواه الهيثمي وتعقبّه:رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبد اللّه الجدلي وهو ثقة(3).
وما رواه الطبراني عنها، قالت: "أيسبّ رسول اللّهفيكم على رؤوس الناس؟ فقلت: سبحان اللّه! وأنّى يسبّ رسول اللّه؟ فقالت: أليس يسبّ علي بن أبي طالب ومن يحبّه، فأشهد أنّ رسول اللّهكان يحبّه"(4).
قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الثلاثة وأبو يعلى ورجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عبد اللّه وهو ثقة. وروى الطبراني بعده بإسناد رجاله ثقات إلى أمّ سلمة عن النبيّقال مثله"(5).
____________
(1) مسند أحمد: ج6 ص323؛ السنن الكبرى، النسائي: ج5 ص133، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 99، فيض القدير للمناوي: ج6 ص190، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص266، 533، أنساب الأشراف للبلاذري: 182. (2) المستدرك: ج3 ص121. (3) مجمع الزوائد: ج9 ص130. (4) المعجم الصغير: ج2 ص21، المعجم الأوسط: ج6 ص74، المعجم الكبير: ج23 ص323، مسند أبي يعلى: ج12 ص444، تاريخ بغداد: ج7 ص413، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص267، المناقب للخوارزمي: 149، البداية والنهاية: ج7 ص391. (5) مجمع الزوائد: ج9 ص130.
وما ذكره ابن عبد ربّه عن أمّ سلمة زوج النبيّإلى معاوية:إنّكم تلعنون اللّه ورسوله على منابركم، وذلك أنّكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبّه، وأنا أشهد أنّ اللّه أحبّه ورسوله. فلم يلتفت إلى كلامها(1).
وبعد ذلك كلّه فانظر ما قيمة كلام ابن كثير، قائلاً:أسانيدها كلّها ضعيفة لا يحتج بها؟(2) فهل هذا إلاّ جرح غير مفسّر مردود، ويا ليته كان يعيّن أيّ من الرواة كان ضعيفاً فصارت الرواية به ضعيفة!
ولكنّه قد نقل بعد ذلك: ما رواه مسلم عن زرّ بن حبيش قال: "سمعت عليّاً يقول: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبيّإلي أنّه لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق، ثمّ قال: وهذا الذي أوردناه هو الصحيح من ذلك واللّه أعلم"(3).
2 ـ كيف أفتي بقتل من سبّ أبا بكر ووثقّ من سبّ علياًً(عليه السلام)؟
ما الفرق بين علي بن أبي طالب وأبي بكر وعمر؟ حيث إنّهم وثّقوا من سبّ عليّاً(عليه السلام)!! ولكن حكموا بكفر من سبّ أبا بكر وعمر، وأفتوا بقتلهم; كما عن الفاريابي: "من شتم أبا بكر فهو كافر، لا أصلّي عليه، قيل له: فكيف تصنع به وهو يقول لا إله إلا اللّه؟ قال: لا تمسّوه بأيديكم ارفعوه بالخشب حتّى تواروه في حفرته"(4).
____________
(1) العقد الفريد: ج5 ص108، بتحقيق محمد سعيد العريان، ط. مكتبة الرياض الحديثة. (ج2 ص301، ج4 ص366)، الوثائق السياسيّة والإداريّة العائدة للعصر الأموي: 166، للفاضل المعاصر الدكتور محمد ماهر حمادة، مؤسسة الرسالة ـ بيروت. (2) البداية والنهاية: ج7 ص391. (3) البداية والنهاية: ج7 ص391. (4) المغني لابن قدامه: ج2 ص419، بتحقيق جماعة من العلماء، طبعة دار الكتاب العربي ـ بيروت، والشرح الكبير له: ج10 ص64، الصارم المسلول لابن تيميّة: 575.
3 ـ هل خرج علي بن أبي طالب(عليه السلام) عن الصحابة؟
هل إنّ علي بن أبي طالب لم يكن من الصحابة؟ حتى يشمله فتوى أبي زرعة: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) فاعلم أنه زنديق"(1). وقول السرخسي: "من طعن فيهم فهو ملحد، منابذ للإسلام، دواؤه السيف، إن لم يتب"(2).
أو أنهم أفتوا بذلك لتكون وسيلة لقتل الشيعة فقط؟ كما قال ابن الأثير في حوادث (سنة 47 هـ): وفي هذه السنة قتلت الشيعة في جميع بلاد أفريقيا وجعل سبب ذلك اتّهامهم بسبّ الشيخين(3).
ولكن غير الشيعة حرٌّ في سبّ علي بن أبي طالب(عليه السلام)وشتمه ولعنه في أعقاب الصلوات في الجمعة والجماعات، وعلى صهوات المنابر في شرق الأرض وغربها، حتّى في مهبط وحي اللّه، كما قال الحموي: "لُعن علي بن أبي طالب على منابر الشرق والغرب... منابر الحرمين مكّة والمدينة"(4).
قال الزمخشري والحافظ السيوطي: "إنّه كان في أيّام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب بما سنّه لهم معاوية من ذلك"(5).
____________
(1) الكفاية في علم الرواية: 67. (2) أصول السرخسي: ج2 ص134. (3) الكامل: ج9 ص110. (4) معجم البلدان: ج3 ص191، في كلمة "سجستان". (5) ربيع الأبرار للزمخشري: ج2 ص186، النصائح الكافية لمحمد بن عقيل: 79، عن السيوطي.
وهل سمع معاوية عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)حديثاً في فضل سبّ علي بن أبي طالب(عليه السلام)، بحيث كان يقول لسعد: "ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟"(1).
هذا في صحيح مسلم; ولكن فيما رواه ابن عساكر وابن كثير: "قال سعد لمعاوية: أدخلتني دارك وأقعدتني على سريرك ثم وقعت فيه تشتمه"(2).
وفي كلام ابن أبي شيبة: "فأتاه سعد فذكروا عليّاً فنال منه معاوية فغضب سعد"(3).
وهل يجب لنا أن نقول بأنّ نهي النبيّ (صلى الله عليه وآله)عن سبّ أصحابه عموماً وأما سبّ علي بن أبي طالب خصوصاً فيختصّ بغير المخاطبين في وقت خطاب النهي؟!
4 ـ كيف صار قاتل عثمان ملعوناًولكن قاتل علي(عليه السلام) مجتهد متأوّل؟
ما الفرق بين الذين قتلوا عثمان والذي قتل علي بن أبي طالب(عليه السلام)، حيث صار قتلة عثمان عند ابن حزم:هم فسّاق، ملعونون، محاربون، سافكون دماً حراماً عمداً(4) وعند ابن تيمية:قوم خوارج مفسدون في الأرض، لم يقتله إلاّ طائفة قليلة باغية ظالمة، وأمّا الساعون في قتله فكلّهم مخطئون، بل ظالمون باغون معتدون(5) وعند ابن كثير:أجلاف أخلاط من الناس، لا شكّ أنّهم من جملة المفسدين في الأرض، بغاة خارجون على الإمام، جهلة، متعنتون، خونة، ظلمة، مفترون(6).
____________
(1) صحيح مسلم ج7 ص120، ط. صبيح و1871 ط. محمد فؤاد، ج2 ص360 ط. الحلبي بمصر. باب فضائل علي. (2) تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص119 والبداية والنهاية: ج7 ص376. (3) المصنّف لابن أبي شيبة: ج7 ص496. (4) الفصل لابن حزم: ج4 ص161. (5) منهاج السنة: ج3 ص189، 206. (6) تاريخ ابن كثير: ج7 ص176، 186، 187، 198، 208، حوادث سنة 35 هـ".
ولكن قاتل علي بن أبي طالب كان مجتهداً متأوّلاً كما صرّح ابن حزم بقوله: "ولا خلاف بين أحد من الأمّة في أنّ عبد الرحمن ابن ملجم، لم يقتل عليّاً(رضي الله عنه)إلاّ متأوّلاً مجتهداً مقدراً أنّه على صواب، وفي ذلك يقول عمران بن حطان شاعر الصفرية:
يا ضربة من تقي ما أراد بها
إنّي لأذكره حيناً فأحسبه
إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضواناً
أوفى البريّة عند اللّه ميزاناً(1)
وهكذا في كتاب الأمّ للشافعي ومختصر المزني والمجموع للنووي ومغني المحتاج والجوهر النقي(2).
حتى بلغ الأمر إلى ما صار قوام حكومتهم بسبّ علي بن أبي طالب(عليه السلام)كما روى ابن عساكر عن علي بن الحسين، قال: "قال مروان بن الحكم: ما كان في القوم أحد أدفع عن صاحبنا من صاحبكم يعني علياً عن عثمان، قال قلت: فما لكم تسبونه على المنبر، قال: لا يستقيم الأمر إلا بذلك"(3).
قال البلاذري: "قال مروان لعلي بن الحسين: ما كان أحد أكفّ عن صاحبنا من صاحبكم. قال: فلم تشتمونه على المنابر؟!! قال: لا يستقيم لنا هذا إلا بهذا!!"(4).
____________
(1) المحلى لابن حزم: ج10 ص484. (2) كتاب الأمّ للشافعي: ج4 ص229، مختصر المزني لإسماعيل المزني: 256، المجموع للنووي: ج19 ص197، مغني المحتاج لمحمد بن الشربيني: ج4 ص124، الجوهر النقي للمارديني: ج8 ص58. (3) تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج42 ص438، الصواعق المحرقة ص33، النصائح الكافية ص114 عن الدارقطني، شرح نهج البلاغة: ج13 ص220. (4) أنساب الأشراف ص184.
فأين ذهب قول الرسول (صلى الله عليه وآله) "سِباب المسلم فسوق"(1) أو يحكمون بعدم إسلامه أو خروجه عن الإسلام نستجير باللّه من شرور أنفسنا.
علي بن أبي طالب(عليه السلام) مدينة باب علم النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأعلم الصحابة
أمّا قولكم: فلا يجوز أخذ العلم إلاّ منه(رضي الله عنه)، إذن كلّ الدين المبلّغ من غيره ليس ديناً.
فنقول أوّلاً: هذا نصّ كلام النبيّ (صلى الله عليه وآله) بأنّ عليّاً باب علمه فمن أراده فليأت منه كما روى الطبراني بإسناده عن ابن عباس قال: "قال رسول اللّه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه"(2). وذكره الحاكم بعدّة طرق وصحّحه(3) وهكذا ذكره المتقي في كنز العمال مع القول بصحّته(4).
وهكذا قوله (صلى الله عليه وآله) لعلي: "أنت تبين لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي".
رواه الحاكم عن أنس بن مالك، ثمّ عقّبه: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"(5).
ونزول قوله تعالى "وتعيها أذن واعية" فيه، كما ذكره الطبري والسيوطي والقرطبي وغيرهم(6).
____________
(1) صحيح البخاري: ج1 ص17، ح48، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله. (2) المعجم الكبير: ج11 ص55، وابن الأثير أسد الغابة: ج4 ص22، الخطيب في تاريخ بغداد: ج3 ص181، السيوطي في الجامع الصغير: ج1 ص415، وج3 ص60. (3) المستدرك: ج3 ص127ـ126. (4) كنز العمال: ج13 ص149. (5) المستدرك: ج3 ص122، ويراجع أيضاً: تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص387، المناقب للخوارزمي: 329. (6) جامع البيان: ج29 ص69، ح 26955، الدر المنثور: ج6 ص260 (عن سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن مكحول، تفسير القرطبي: ج18 ص264، تفسير الرازي: ج30 ص107، تفسير ابن كثير: ج4 ص413، روح المعاني: ج29 ص3.
وروى ابن عساكر عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام): "نشدتكم باللّه، أفيكم أحد دعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)له في العلم، وأن تكون أذنه الواعية مثل ما دعا لي؟ قالوا: اللهم لا"(1).
وثانياً: روى البخاري عن عمر(رضي الله عنه)، قال: "أقرؤنا أبيّ وأقضانا عليّ"، ولا شكّ بأنّ كونه أقضى الناس يدلّ على أوسعيّة علمه.
كما قال سعيد بن المسيب:لم يكن أحد من الصحابة يقول (سلوني) إلاّ عليّ بن أبي طالب(2) وقال ابن عباس: "لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم وأيم اللّه لقد شاركهم في العشر العاشر"(3).
وقال ابن عباس: "أعطي علي تسعة أعشار العلم، وواللّه لقد شاركهم في العشر الباقي"(4).
وعن ابن عباس أيضاً: "إذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل عنه إلى غيره"(5).
وثالثاً: لم يجرؤ أحد من الصحابة أن يقول: سلوني غير على بن أبي طالب(عليه السلام) كما روى الحاكم روى عامر بن واثلة، قال: "سمعت علياً(رضي الله عنه)قام فقال: سلوني قبل أن تفقدوني ولن تسألوا بعدي مثلي... هذا حديث صحيح، عال"(6).
____________
(1) تاريخ دمشق: ج3 ص116. (2) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: ج2 ص646، أسد الغابة: ج4 ص22، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص399، تاريخ الخلفاء: 115، تهذيب الأسماء واللغات: ج1 ص317، المناقب للخوارزمي: ص90. (3) أسد الغابة: ج4 ص22، تفسير الثعالبي: ج1 ص52. (4) الاستيعاب: 11044، تهذيب الأسماء واللغات: ج1 ص317. (5) الاستيعاب: ج3 ص1104، أسد الغابة: ج4 ص22. تهذيب الأسماء واللغات: ج1 ص344 - 346 - دار الكتب العلميّة - بيروت (ط. دار الفكر: ج1 ص317). (6) المستدرك: ج2 ص353 بتحقيق المرعشلي، (ج2 ص383، بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا) السنن الواردة في الفتن لأبي عمرو عثمان بن سعيد المقرئ المتوفى 444: ج4 ص838، ج6 ص1196، تهذيب الكمال: ج17 ص335، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص400 و397.
وقال سعيد بن المسيب: "لم يكن أحد من الصحابة يقول: سلوني إلاّ عليّ بن أبي طالب"(1).
ورابعاً: كان عمر يتعوذّ باللّه من معضلة ليس فيها أبو حسن(2).
وقال: "لولا علي لهلك عمر"(3).
وخامساً: قال النووي: "وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات، مشهور"(4).
رجوع الأصحاب إلى علي(عليه السلام) وعدم رجوعه إليهم
وسادساً: ما ذكروا من جهل الأصحاب وكبارهم بالأحكام ورجوعهم إلى غيرهم، وعدم رجوع علي إلى أحد من القوم، كما قال ابن حزم: "ووجدناهم (الصحابة) رضي اللّه عنهم يقرّون ويعترفون بأنّهم لم يبلغهم كثير من السنن، وهكذا الحديث المشهور عن أبي هريرة إنّ إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإنّ إخواني من الأنصار كان يشغلهم القيام على أموالهم، وهكذا قال البراء: أما كل ما تحدثتموه سمعناه من رسول اللّه، ولكن حدّثنا أصحابنا وكانت تشغلنا رعيّة الإبل.
____________
(1) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: ج2 ص646، بتحقيق ط. وصي اللّه، أسد الغابة: ج4 ص22، تاريخ مدينة دمشق: ج42 ص399، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 135، تهذيب الأسماء واللغات: ج1 ص317. (2) تهذيب التهذيب: ج7 ص337، الطبقات الكبرى: ج2 ص339، أسد الغابة: ج3 ص22 23، تاريخ الخلفاء: 135، ذخائر العقبى: ص82. (3) تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: ج1 ص162. (4) تهذيب الأسماء واللغات: ج1 ص317 ط. دار الفكر ـ بيروت.
وهذا أبو بكر(رضي الله عنه)لم يعرف فرض ميراث الجدّة، وعرفه محمد بن مسلمة، والمغيرة بن شعبة، وقد سأل أبو بكر(رضي الله عنه)عائشة في كم كفّن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).
وهذا عمر(رضي الله عنه)يقول في حديث الاستذان: أخفي علي هذا من أمر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، ألهاني الصفق في الأسواق.
وقد جهل أيضاً أمر إملاص المرأة وعرّفه غيره... وسأل عمر أبا واقد الليثي عمّا كان يقرأ به رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) في صلاتي الفطر والأضحى. وهذا وقد صلاّهما رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أعواماً كثيرة. ولم يدر ما يصنع بالمجوس، حتّى ذكره عبد الرحمن بأمر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)فيهم"(1).
ومع الغضّ عن جميع ذلك فلا شكّ عند أهل العلم المنصفين بأنّ علي بن أبي طالب أوّل من أسلم وتربّى في حجر النبيّ وعاش تحت كنفه قبل البعثة واشتدّ ساعده في حضنه وظلّ معه إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى، لم يفارقه لا في حضر ولا في سفر، وهو ابن عمّه وزوج ابنته فاطمة سيّدة نساء العالمين وشهد المشاهد كلّها سوى تبوك، ولو كان علي قد حفظ كلّ يوم عن النبيّ - وهو الفطن اللبيب الذكي الحافظ- حديثاً واحداً، وقد مضى معه رشيداً أكثر من ثلث قرن، لبلغ ما كان يجب أن يروي أكثر من اثني عشر ألف حديث.
____________
(1) الأحكام: ج2 ص143 ـ 145.
ومع الغضّ عن جميع ذلك فلا شكّ في ذلك عند أهل العلم المنصفين كأبي ريّة، حيث قال: "أوّل من أسلم وتربّى في حجر النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعاش تحت كنفه قبل البعثة واشتدّ ساعده في حضنه وظلّ معه إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى، لم يفارقه، لا في سفر ولا في حضر، وهو ابن عمّه وزوج ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام)... ولو كان علي(رضي الله عنه)قد حفظ كلّ يوم عن النبيّ وهو الفطن اللبيب الذكيّ الحافظ، ربيب النبيّ، حديثاً واحداً وقد قضى معه رشيداً أكثر من ثلث قرن، لبلغ ما كان يجب أن يرويه أكثر من اثني عشر ألف حديث... قد أسندوا له كما روى السيوطي 586 حديثاً، وقال ابن حزم: لم يصحّ منها إلاّ خمسون حديثاً، ولم يرو البخاري ومسلم منها إلاّ نحواً من عشرين حديثاً"(1).
ومع الأسف الشديد لم يرو البخاري عن علي بن أبي طالب(عليه السلام) إلاّ تسعة وعشرين حديثاً (2) وروى عن أبي هريرة أربعمائة وستة وأربعين حديثاً (3).
لم تكن خلافة أبي بكر شورى بين المسلمين وإجماعاًً عندهم
قلتم: إنّ أهل السنّة يعتقدون أن ّ الإمامة أمر اصطلاحيّ شورويّ، للأمّة أن تختار من تراه أهلا لذلك، ليحكمها بالقرآن والسنّة ولا حرج في الاختلاف في مجالات الفهم.
____________
(1) أبو هريرة: 128. ثمّ قال في الهامش: هذا ما في البخاري ومسلم ولا نعلم شيئاً عن مقدار أحاديثه التي روتها الشيعة عنه، ولكلّ قوم سنّة وإمامها. (2) مقدمة فتح الباري: 476. (3) مقدمة فتح الباري: 477.
أقول:
أوّلا: هذا مخالف لما جاء من كبار علماء أهل السنّة كالماوردي الشافعي المتوفى سنة 45، وأبي يعلى الحنبلي المتوفى سنة 458: "فقالت طائفة: لا تنعقد (أي الإمامة) إلاّ بجمهور أهل العقد والحلّ من كلّ بلد، ليكون الرضا به عامّاً، والتسليم لإمامته إجماعاً، وهذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر(رضي الله عنه)على الخلافة باختيار من حضرها، ولم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها"(1).
وقال القرطبي المتوفى سنة 671: "فإن عقدها واحد من أهل الحلّ والعقد فذلك ثابت، ويلزم الغير فعله، خلافاً لبعض الناس حيث قال: لا ينعقد إلاّ بجماعة من أهل الحلّ والعقد، ودليلنا: أنّ عمر (رض) عقد البيعة لأبي بكر"(2).
وقال إمام الحرمين المتوفى سنة 478، شيخ الغزالي: "اعلموا أنّه لا يشترط في عقد الإمامة، الإجماع; بل تنعقد الإمامة وإن لم تجمع الأمّة على عقدها، والدليل عليه أنّ الإمامة لمّا عقدت لأبي بكر ابتدر لإمضاء أحكام المسلمين، ولم يتأن لانتشار الأخبار إلى من نأى من الصحابة في الأقطار، ولم ينكر منكر. فإذا لم يشترط الإجماع في عقد الإمامة، لم يثبت عدد معدود ولا حدّ محدود، فالوجه الحكم بأنّ الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحلّ والعقد"(3).
وقال عضد الدين الإيجي المتوفى سنة 756: "وإذا ثبت حصول الإمامة بالاختيار والبيعة، فاعلم أنّ ذلك لا يفتقر إلى الإجماع، إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع، بل الواحد والاثنان من أهل الحلّ والعقد كاف، لعلمنا أنّ الصحابة مع صلابتهم في الدين اكتفوا بذلك، كعقد عمر لأبي بكر، وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان".
____________
(1) الأحكام السلطانيّة للماوردي: 33 والأحكام السلطانيّة لأبي يعلى محمد بن الحسن الفراء: 117. (2) جامع أحكام القرآن: ج1 ص269. (3) الإرشاد في الكلام: 424، باب في الاختيار وصفته وذكر ما تنعقد الإمامة به، ط. القاهرة 1369 هـ.
إلى أن قال: "ولم يشترطوا اجتماع مَن في المدينة فضلاً عن اجتماع الأمّة. هذا ولم ينكر عليه أحد، وعليه انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا"(1).
وقال ابن العربي المالكي المتوفى سنة 543: "لا يلزم في عقد البيعة للإمام أن تكون من جميع الأنام بل يكفي لعقد ذلك اثنان أو واحد"(2).
هل هؤلاء الأعلام ليسوا من أهل السنّة؟! "فاعتبروا يا أولي الأبصار!!!"
لماذا لم تفوّض خلافة عمر بن الخطاب إلى الأمّة؟
وثانياً: لو كانت الإمامة أمراً شوروياً للأمّة وتختار من تراه أهلاً، لماذا لم يعمل بذلك أبو بكر، ولم يفوّض الأمر ـ بعد خلافته ـ إلى الأمّة; بل عيّن عمر بن الخطاب، مع ما ورد من اعتراض الصحابة عليه، كما روى ابن أبي شيبة: "أنّ أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه، فقال الناس: تستخلف علينا فظّاً غليظاً، ولو قد ولينا كان أفظّ وأغلظ، فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر؟ قال أبو بكر: أبربّي تخوّفونني؟ أقول: اللهمّ استخلفت عليهم خير خلقك، ثمّ أرسل إلى عمر فقال: إنّي موصيك بوصية، الحديث"(3).
وهكذا قال الإمام محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي المتوفى 763:لمّا استخلف أبو بكر عمر رضي اللّه عنهما، قال لمعيقيب الدوسي: ما يقول الناس في استخلاف عمر؟ قال: كرهه قوم ورضيه قوم آخرون. قال: الذين كرهوه أكثر أم الذين رضوه؟ قال: بل الذين كرهوه..."(4).
____________
(1) المواقف في علم الكلام: ج8 ص351، طبع مصر 1325 هـ. (2) شرح سنن الترمذي: ج13 ص229. (3) المصنف: ج8 ص574، بتحقيق سعيد محمد اللحام، تاريخ مدينة دمشق: ج30 ص413. (4) الآداب الشرعية: ج1 ص71، بتحقيق شعيب الأرنؤوط/ عمر القيام، مؤسسة الرسالة ـ بيروت.
فمع علمه بأنّ أكثريّة الشعب كانت ناقمة عليه في هذا الأمر فكيف فرضه عليهم، ولم يمنحهم الحريّة في انتخاب من شاؤوا لرئاسة الحكم، وكان الأجدر به أن يستجيب لعواطف الأكثريّة الساحقة من المسلمين فلا يولّي عليهم أحداً إلاّ بعد أخذ رضاهم واتفاق الكلمة عليه، أو يستشير أهل الحل والعقد عملاً بقاعدة الشورى.
ولماذا حصرها عمر في ستّة وجعل شروطاً بحيث ينتهي الأمر إلى عثمان لا غيره؟ وهل يطلق عليه شورى الأمّة؟ .
أمّ المؤمنين ترفض الشورى في الإمامة
وثالثاً: قولكم: "بأنّ أهل السنّة يعتقدون أن ّ الإمامة أمر اصطلاحيّ شوري، للأمّة" مخالف لما روى مسلم وغيره عن حفصة بأنّها قالت لابن عمر: "أعلمت أن أباك غير مستخلف؟ إلى أن دخل على أبيه وقال: إنّي سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك، زعموا أنّك غير مستخلف، وأنّه لو كان لك راعي إبل، أو راعي غنم ثمّ جاءك وتركها رأيت أن قد ضيّع، فرعاية الناس أشد"(1).
وهكذا قول عائشة أمّ المؤمنين لابن عمر: "يا بنيّ! أبلغ عمر سلامي وقل له: لا تدع أمّة محمد بلا راع، استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملاً، فإنّي أخشى عليهم الفتنة، فأتى عبد اللّه فأعلمه"(2).
____________
(1) صحيح مسلم: ج6 ص5 (ج3 ص1823)، كتاب الإمارة، باب الاستخلاف وتركه، مسند أحمد: ج1 ص47، المصنف لعبد الرزاق: ج5 ص448. (2) الإمامة والسياسة: ج1 ص42 تحقيق الشيري، ج1 ص28 تحقيق الزيني؛ أعلام النساء: ج3 ص127.
السنّة تنفي الشورى في الإمامة
ورابعاً: إذا كانت الإمامة شورى عند أهل السنّة فماذا يقولون فيما ذكره ابن حبّان وابن كثير وغيرهما بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أيضاً ليس له نصيب في تعيين الإمامة بل هي بيد اللّه فقط؟
نقرأ معاً ما ذكر في هذه القضيّة:
"ثمّ أتى (أي النبيّ (صلى الله عليه وآله)) بني عامر بن صعصعة في منازلهم فدعاهم إلى اللّه، فقال قائل منهم: إن اتّبعناك وصدّقناك فنصرك اللّه، ثمّ أظهرك اللّه على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال رسول اللّه: الأمر إلى اللّه يضعه حيث يشاء. فقالوا: أتهدف نحورنا للعرب دونك فإذا ظهرت كان الأمر في غيرنا؟ لا حاجة لنا في هذا من أمرك"(1).
ما يدل على وصاية علي بن أبي طالب(عليه السلام)
وقولكم: "وأمّا أهل التشيّع فإنّه يفهم من عقيدتهم أنّه يجب على اللّه أن ينصب إماماً وأنّ هذا الإمام هو علي(رضي الله عنه)مع أنّه لم يرد في القرآن، ولا في السنّة أيّ لفظ في ذكر الإمامة أو الوصاية وإنّما هي عمومات قابلة للتأويل على أوجه".
فنقول: أمّا ورود قضيّة إمامة علي بن أبي طالب في السنّة، فمن راجع حديث "الدار يوم الإنذار" وحديث "المنزلة" وحديث "الغدير" وحديث "الثقلين" وحديث "السفينة" وحديث "وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي" وحديث "أنا مدينة العلم وعليّ بابها" وحديث "المؤاخاة" وحديث "تبليغ سورة براءة" وحديث "سدّ الأبواب" وحديث "باب حطّة" و"حديث الراية" وغيرها من عشرات، بل مئات النصوص في ذلك، يتيقن بنصّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) على إمامة علي بن أبي طالب.
____________
(1) الثقات لابن حبان: ج1 ص89؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج3 ص171.
حديث الدار يثبت خلافة علي(عليه السلام)
وقد صرّح في بعض تلك الأحاديث على كونه خليفة من بعده، كحديث الدار الذي قال علي(عليه السلام): "فأخذ برقبتي ثمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا!، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع"(1).
هل هذا من العمومات القابلة للتأويل؟ لو كان كذلك لماذا لم تؤولها قريش; بل استفادوا منها النص في الخلافة، فطعنوا على أبي طالب.
نعم، هذا قابل للتحريف كما فعله محمد حسنين في كتابه حياة محمد (صلى الله عليه وآله)، حيث ذكر الحديث في كتابه (حياة محمد) ص 14 من الطبعة الأولى سنة 1354 هـ ولكنّه في الطبعة الثانية (ص139) وما بعدها من الطبعات قد مسخ الحديث المذكور وحرّف منه كلمة "ووصيّي وخليفتي".
وجاء الحديث أيضاً بتمامه في الجريدة السياسيّة المصريّة لمحمد حسنين هيكل، ملحق عدد 2751، بتاريخ 12 ذي القعدة 135 هـ ص5. وملحق عدد 2785 ص6.
____________
(1) تاريخ الطبري: ج2 ص62، بتحقيق نخبة من العلماء، ط. مؤسسة الأعلمي ـ بيروت.
كما أنّه ذكر ابن أثير الجزري في أسد الغابة: 4/25 طبعة الوهبيّة بمصر، بأنّ قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} نزل في علي(عليه السلام)حين بات على فراش رسول اللّه. ولكن في تصوير هذه الطبعة بالأوفست في المكتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ (نسختها موجودة في مكتبتي)، بدّلت باليد لا بالآلة الطباعة "بات على فراشه" إلى "بال على فراشه"!!!! إهانةً لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون! ممّا تصنع يد العداوة والعناد والنصب.
تصحيح سند حديث الدار
وأمّا من حيث السند، فقد صرّح بصحّته جمع من العلماء كابن جرير الطبري فيما نقله المتقي في كنز العمال: 13/128 ر 3648، والهيثمي في مجمع الزوائد: 8/32، وأبي جعفر الإسكافي كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 13/243، والحاكم في مستدرك الصحيحين: 3/132 والذهبي في تلخيص المستدرك، ـ في حديث طويل ـ والشهاب الخفاجي في شرحه على الشفا للقاضي عياض، نسيم الرياض: 3/35، وورود الرواية في كتاب المختارة للضياء المقدسي الذي التزم فيه بأن لا يروي في كتابه هذا إلاّ الروايات الصحيحة المعتبرة كما صرّح بذلك جمع، كعبد اللّه بن الصديق المغربي في ردّ اعتبار الجامع الصغير: 42، ومحقّقي كنز العمال فيه: 1/9، وقال ابن حجر: "ابن تيمية يصرّح بأنّ أحاديث المختارة أصحّ وأقوى من أحاديث المستدرك"(1).
____________
(1) فتح الباري: ج7 ص211.
حديث الولاية وخلافة علي(عليه السلام)
وهكذا حديث الولاية الذي صرّح بصحّته الحاكم عندما ذكر قضيّة جيش اليمن وقصّة الشكوى على علي وقول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): "إنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي". قال:هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه(1).
وهل هذا من العمومات القابلة للتأويل؟ فما الفرق بين هذه الكلمة في لسان النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبين هذه في لسان عمر بن الخطاب (رض)، حيث قال: "فلمّا توفّي رسول اللّه ــ قال أبو بكر: أنا وليّ رسول اللّه، فجئتما... فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً... ثمّ توفّي أبو بكر فقلت: أنا وليّ رسول الله ــ ووليّ أبي بكر، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً"(2).
وهكذا في كلام أبي بكر في كتابته لخلافة عمر في مرضه قائلاً: "إني قد ولّيت عليكم عمر"(3). وفى كلام عمر بن خطاب أيضاً: "لو أدركت سالم مولى أبي حذيفة لولّيته واستخلفته"(4).
حديث الثقلين والإنقاذ عن الضلالة
وهكذا حديث الثقلين: "إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي" الذي ورد في صحيح مسلم وصرّح بصحته الحاكم والذهبي وابن كثير في التفسير والسيرة والبغوي في المصابيح والألباني في الصحيح وغيرهم(5).
____________
(1) المستدرك على الصحيحين: ج3 ص110. (2) صحيح مسلم: ج5 ص152، كتاب الجهاد، باب 15، حكم الفيء حديث 49. (3) تاريخ الطبري: ج3 ص429، سيرة عمر لابن الجوزي: 37 وتاريخ ابن خلدون: ج2 ص85. (4) تاريخ الطبري: ج5 ص33، طبقات ابن سعد: ج3 ص181 و248 والاستيعاب لابن عبد البرّ: ج2 ص161 وأسد الغابة: ج2 ص246. (5) صحيح مسلم: ج7 ص122، كتاب الفضائل باب فضائل علي بن أبي طالب، المستدرك على الصحيحين: ج3 ص109 تفسير ابن كثير: ج4 ص122 والسيرة النبويّة له: ج4 ص416 مصابيح السنة: ج2 ص205 والأحاديث الصحيحة للألباني: 1761.
وجعل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أهل بيته عدلاً للقرآن والتمسك بهم منقذاً عن الضلالة; كما قال المنّاوي:قوله: (إنّي تارك فيكم) تلويح بل تصريح بأنّهما كتوأمين خلّفهما ووصّى أمّته بحسن معاملتهما وإيثار حقّهما على أنفسهم والاستمساك بهما في الدين"(1).
وقال التفتازاني بعد نقل حديث صحيح مسلم: "ألا ترى أنّه عليه الصلاة والسلام قرنهم بكتاب اللّه تعالى في كون التمسك بهما منقذاً عن الضلالة، ولا معنى للتمسك بالكتاب إلاّ الأخذ بما فيه من العلم والهداية فكذا في العترة"(2).
قال الدكتور عصام العماد(3): "إنّنا نعتقد أنّ مذهب الاثني عشرية يطير بجناحين، أحدهما: حديث الثقلين، والجناح الآخر: حديث الاثني عشر. وما لم تدرك الوهابيّة هذين الحديثين، لا يمكن لها أن تفهم حقائق وخصائص المذهب الاثني عشري"(4).
____________
(1) فيض القدير: ج2 ص174. (2) شرح المقاصد: ج2 ص221. (3) الدكتور عصام العماد المولود سنة 1968 من طلاب قسم الحديث بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض وتلميذ مفتى المملكة السعوديّة الشيخ ابن باز وإمام أحد مساجد مدينة صنعاء والمدرّس فيه، للمؤلّف كتاباً في تكفير الاثني عشريّة سمّاه "الصلة بين الاثني عشرية وفرق الغلاة". ثمّ انتقل من الوهابيّة إلى مذهب الشيعة الإماميّة سنة 1989، وألّف كتاباً باسم "رحلتي من الوهابيّة إلى الشيعة"، وله أيضاً كتاب آخر ألّفه بعد استبصاره تحت عنوان: "المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيّين". (4) كتاب المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين: ص155.
فلا شكّ أنّ المراد بأهل البيت هم الذين نزلت فيهم آية التطهير وهم علي وفاطمة والحسن والحسين، فلا يشمل غيرهم من بني هاشم(1) كما لا يشمل نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) لما صرّح بذلك في صحيح مسلم(2).
كما نقله الترمذي وغيره عن أمّ سلمة، أنّ النبيّ(صلى الله عليه و سلم)جلل على الحسن والحسين وعلى وفاطمة كساء، ثمّ قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامّتي; أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً". فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول اللّه؟ قال: إنّك على خير. هذا حديث حسن صحيح. وهو أحسن شيء روي في هذا الباب"(3). رواه الحاكم قائلاً: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه(4). وقال بعد نقل رواية أخرى بعد ذلك:هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه(5).
وهكذا رواه أحمد والطبراني والسيوطي عن أمّ سلمة أنّها قالت: "فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال: إنّك على خير"(6).
فمن يقول بدخولهنّ فيهم فقد أراد أن يجذب الكساء من يد النبيّ (صلى الله عليه وآله) فيدخل نساءه تحته.
____________
(1) كما ذهب إليه ابن تيميّة في منهاج السنة: ج7 ص394. (2) صحيح مسلم: ج7 ص123 كتاب الفضائل باب فضائل علي بن أبي طالب ط. محمد علي صبيح. شرح النووي: ج15 ص181 ط، مصر. (3) سنن الترمذي: ج5 ص361. (4) المستدرك: ج2 ص416، ج3 ص146. (5) المصدر نفسه: ج2 ص416. (6) مسند أحمد: ج6 ص323، المعجم الكبير للطبراني: ج3 ص53، الدر المنثور: ج5 ص198.
حديث "علي مع الحق والحق مع علي"
وهكذا حديث "عليّ مع الحق والحق مع علي". رواه الهيثمي عن أبي سعيد الخدري، قائلاً:ورجاله ثقات(1) وروى أيضاً عن سعد بن أبي وقاص وأم سلمة ثمّ قال:رواه البزّار، وفيه سعد بن شعيب ولم أعرفه، وبقيّة رجاله رجال الصحيح(2)، وروى الخطيب عن أبي ثابت مولى أبي ذر(3) وروى أبو جعفر الإسكافي عن عمّار بن ياسر(4)، وروى ابن كثير عن أبي سعيد وأم سلمة(5).
وروى الحاكم عن علي(رضي الله عنه)قال: "قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): رحم اللّه عليّاً، اللهمّ أدر الحق معه حيث دار"، ثمّ قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"(6).
وقال الإمام الفخر الرازي: "من اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى; لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله): اللهم أدر الحق مع علي حيث دار"(7).
روى الحاكم عن أمّ سلمة، قالت: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يقول: "علي مع القرآن والقرآن معه، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض". ثمّ قال:هذا حديث صحيح الإسناد وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء ثقة مأمون ولم يخرجاه(8).
____________
(1) مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي: ج7 ص235 (ط. دار الكتب العلمية ـ بيروت). فيه: ومرّ علي بن أبي طالب، فقال: "الحق مع ذا، الحق مع ذا". (2) مجمع الزوائد: ج7 ص235. (3) تاريخ بغداد: ج14 ص322 بتحقيق مصطفى عبد القادر عطا، ط. دار الكتب العلميّة. تاريخ دمشق ج42 ص449 بتحقيق علي شيري، ط. دار الفكر. (4) المعيار والموازنة: 119، بتحقيق محمد باقر المحمودي. (5) البداية والنهاية لابن كثير: ج7 ص398. (6) مستدرك الحاكم: ج3 ص124 ح 4629. (7) تفسير الكبير للرازي: ج1 ص205 و207، المحصول: ج6 ص134، خصائص الوحي المبين للحافظ ابن البطريق: ص31. (8) المستدرك: ج3 ص124 ح 628 وأقرّه الذهبي، المعجم الأوسط للطبراني ج5 ص135، ج5 ص455 ح 4877) المعجم الصغير: ج1 ص255؛ الصواعق المحرقة: 74، ط. الميمنة بمصر وص124، ط. المحمدية. تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص116 وص162، وفيض القدير: ج4 ص356 مناقب الخوارزمي: ص176 ص214، فرائد السمطين: ج1 ص177 ح140.
وأرجوا من سماحتكم أن تنظر بعين الإنصاف إلى كلام ابن تيميّة حول هذه الرواية; حيث قال ردّاً على العلاّمة: "عليّ مع الحقّ والحق معه يدور حيث دار ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، من أعظم الكلام كذباً وجهلاً; فإنّ هذا الحديث لم يروه أحد عن النبيّلا بإسناد صحيح ولا ضعيف"(1).
فتعرف بعد ما ذكرناه قيمة كلام ابن تيمية; إلاّ أن يقال بأنّ علي بن أبي طالب(عليه السلام) وعائشة وأمّ سلمة وسعد بن وقّاص، لم يكونوا من الصحابة والهيثمي والحاكم وابن كثير والخطيب والرازي، ليسوا من العلماء.
مقارنة منهج أهل السنّة في قبول الروايات مع منهج الشيعة
قلتم:
منهج أهل السنّة في قبول الروايات منهج حازم فإنّهم قد دوّنوا تراجم جميع الرواة وحكموا عليهم من خلال مرويّاتهم، فما قبله ميزان الجرح والتعديل قبلوه، وما خالفه ردّوه، وهذه قاعدة من خالفها أعادوه إليها.
ولا يوجد لدى أهل التشييع مثل ذلك.
وبإمكانك أن تأخذ عدداً من أوّل أيّ كتاب من كتب التراجم لدى أهل السنّة وعدداً مماثلا من كتب التراجم عند الشيعة وقارن بين المعلومات المدوّنة عندهما... ثمّ أخذتم بمقارنة كتاب تهذيب الكمال مع كتاب مجمع الرجال.
____________