الفصل الثالث
تعقيب على كتاب الحوار الهادئ
تمهيد
موقف الشيعة تجاه الصحابة
الموقف الوهابي من كتب الشيعة
كتاب (لله ثم للتاريخ) ليس كتاباً شيعياً
أهل السنة داخل إيران
مكانة الشيعة في العالم
المنهج الخاطئ في الحوار والاحتجاج
الاتهام بترك الصحاح واعتماد مصادر التاريخ
الاتهام باعتماد أسلوب الانتقاء في الروايات وأحاديث الفضائل
الآيات الذامة لجملة من الصحابة وبعض نساء النبي(صلى الله عليه وآله)
المنهج الخاطئ في فهم العقائد الشيعية
مقارنة موجزة بين الكليني والبخاري وكتابيهما
تهم وافتراءات على المذهب الشيعي
التكفير المتبادل بين الجماعات السنية
النفاق والمنافقون
تمهيد:
ذكرنا في الفصل الثاني بأن بداية الحوار كانت في الليلة السادسة عشر من شهر رمضان المبارك عام 1423هـ، حيث ذهبت برفقة عدد من طلاب جامعة أم القرى إلى محل إقامتهم وسكناهم، وبعد أن تناولنا الطعام توجهنا إلى أحد المساجد لأداء صلاة العشاء، فصليت العشاء جماعة ولم أشترك في أداء صلاة التراويح؛ لعدم اعتقادي بمشروعيتها، فانشغلت بقراءة القرآن.
وبعد أن أتموا صلاة التراويح توجهنا وكنت أتصور إننا ذاهبون إلى الشيخ محمد بن جميل بن زينو لكننا فعلاً ذهبنا إلى بيت الشيخ الدكتور أحمد الغامدي وهو من الأساتذة البارزين في جامعة أم القرى.
ثم بعد الترحيب تجاذبنا الحديث حول بعض المسائل الخلافية بين السنة والشيعة، وكان من تلك المسائل مسالة الإمامة والتقية وولادة الإمام المهدي(عليه السلام) وبيعة الإمام علي(عليه السلام) والتكفير وغيرها من المسائل التي سنعرضها للقارئ الكريم.
وقد استمر الحوار إلى ساعة متأخرة من الليل، وبعد انتهاء اللقاء أصرّ الدكتور الغامدي على استمرار التواصل بيننا في المستقبل، وطلب مني أن اكتب له أسئلة لكي يجيب عنها عبر الفاكس بشكل مكتوب، وبعد أن ودعته ورجعت إلى مقر إقامتي في الفندق كتبت له بعض الأسئلة المختصرة نزولاً عند رغبته في ذلك، واختصت ببعض المسائل التي تدور حول الصحابة.
وعند وصول أسئلتي إليه كتب الدكتور جواباً عنها وأرسلها إلي عبر الفاكس، فشكرته على ذلك في رسالة جوابية، لكن لكثرة انشغالاتي بالتدريس والتحقيق لم أتمكن من الرد على أسئلته، وبقيت تلك الأسئلة في حوزتي على أمل أن أجيب عنها حين يتوفر لي الوقت الكافي، وقد حاولت جاهداً أن اقتطع من وقتي لكي أرد على رسالته وفاءً للمودة التي حصلت بيننا ولرفع بعض الإشكالات والالتباسات التي حوتها رسالته التي أرسلها إلي، فبدأت بالرد على ما أرسله، وحرصت على أن تكون أجوبتي على تساؤلاته موضوعية مدعومة بالأدلة والشواهد ومتبعاً فيها المنهج العلمي الصحيح في الحوار والمحاججة، وأن يكون أسلوب الرد أسلوباً منسجماً مع آداب المناظرة والحوار.
فكتبت ردّاً هو عبارة عن رسالة مختصرة ذكرنا نصها في بداية الفصل الثاني وأرسلتها له عن طريق بعض الأخوة الذين ذهبوا إلى السعودية.
وبعد مضي مدة معينة ما يقارب السبعة أشهر سلّمني الدكتور ردّاً مفصلاً على شكل كراسة كرد على ما أرسلته له، وقد اختزل في ذلك الرد ما دار بيننا فيه من حوار ولقاءات شفوية، وكانت لغة الرد لغة قاسية ولم تكن ودّية على الإطلاق بخلاف ما لمست من أخلاق سامية يمتاز بها الدكتور.
وكنت قد التقيت به في بيته في سنة 1426هـ بمعية الأستاذ الهادوي وكلزاده، واعترضت على الدكتور قائلاً: إن ما أرسلته إليّ من الردود والحورات لم تكن هادئة أصلاً، مضافاً ألى أنك قد حرفت ما جرى بيني وبينك في لقائنا الأول في بيتك، وفسرته بما يفيدك وحذفت ما يضرك.
فقال: اذكر لي مورداً مما ادعيته.
قلت: إنك لما أوردت على اعتقاد الشيعة في مسألة التقية، وأجبتك عن ذلك رفعت يديك قائلاً: قبول! قبول!
ثم رميت ما كان بيدك من أوراق مصورة عن كتاب الكافي.
فخجل الدكتور وكان ذلك بحضور أولاده.
وفي غمرة انشغالاتي في البحوث والتدريس في الجامعة والحوزة، بالإضافة إلى بعض الانشغالات الاجتماعية الأخرى لم أتمكن من تخصيص وقت أجيب فيه على أسئلة الدكتور التي كانت بحاجة إلى وقت يتناسب معها.
وقد ساءني كثيراً حين رأيت هذه الحوارات قد وضعت في أكثر من موقع من مواقع الانترنيت والتي تعد من المواقع المتطرفة ضد الشيعة.
واستغربت أكثر حين رأيت أن تلك الحورات قد أخذت منحى آخر، وذلك حين صدرت على شكل كتاب باسم (حوار هادئ مع الدكتور القزويني الشيعي الاثني عشري)، وقد وصلتني نسخة من الكتاب، وتصفحتها، فوجدت أن الدكتور قد خالف في كتابه هذا أهم مبادئ الحوار وأسس المناظرة، أهمها:
أولاً: لم يكن الحوار هادئاً
إنّ الكتاب لا يكشف عن مضمون عنوانه، فلم يكن الحوار فيه هادئاً بل كان مشحوناً في بعض مواضعه بعدم الهدوء والإثارة والاستفزاز للطرف الآخر.
ثانياً: عدم رعاية الأمانة العلميّة
افتقد الكتاب أبسط مقومات البحث العلمي وهو رعاية الأمانة العلمية في النقل, والتي هي من أوليات أسس الكتابة والحوار, فضلاً عن كون ذلك من أخلاق الإسلام ومبادئه, ونشير فيما يلي إلى نماذج من ذلك:
1ـ لاحظت أن الكاتب قد حذف في كتابه المذكور أصل الحوارات التي دارت بيننا وقام باختزالها مع أن تلك الحوارات كانت من الأهمية بمكان، وقد أظهر الدكتور في كثير منها عجزه وعدم قدرته على الرد كما سنستعرض ذلك لاحقاً.
2ـ ذكر الدكتور في صفحة 11، بعد نقل رسالتي الأولى التي أعقبت لقائي الأول معه, قائلاً:هذه عبارته بنصها<.
والحال أنّه حذف من كلامي ما يضر فهم المقصود.
فالعبارة التي نقلها في صفحة 10:
"ماذا تقول فيما جرى على بعض الأصحاب أو شرك في قتله؟ هل يحكم فيهم بأنّهم اجتهدوا وأخطئوا ولهم أجر واحد أم لا؟"
مع أن العبارة التي ارسلتها إليه هي:
>ماذا تقول؟ فيما جرى على بعض الأصحاب من الحدّ، هل يوجب ذلك فسقهم أم لا؟ لما ذا جرى الحدّ على بعضهم؟
ماذا تقول فيمن أمر بقتل عثمان من الاصحاب أو شرك في قتله؟ هل يحكم فيهم بأنّهم اجتهدوا وأخطأو ولهم أجر واحد أم لا؟<.
ألا يعد هذا خيانة علميّة؟ أم أن منهجهم يجيز لهم ذلك؟.
3ـ إن أقل ما كنت أرجوه منه، في كتابه (حوار هادئ)، أن ينقل رسالتي الأخيرة التي أرسلتها إليه بتمامها، ثمّ يبدأ بنقدها والردّ عليها، ولكن المؤسف أنه اختار وانتقى ما شاء وحذف الكثير مما جاء فيها, ليبدوا ما اقتطعه من سياقه العام ضعيفاً في نظر القارئ; وهذه خيانة علميّة لاتليق بمسلم فضلاً عن أستاذ جامعي.
ثالثاً: تناقضات الكتاب
إن الذي يقرأ هذا الكتاب يلاحظ فيه الكثير التناقضات، ونشير فيما يلي إلى بعضها:
1ـ قال في صفحة 77 من كتاب حوار هادىء:إنَّ المطلع على جميع كتب الشيعة بدون استثناء لا يرى إلاَّ التكفير أو التفسيق لهؤلاء العظماء<.
كما قال أيضاً في صفحة 55: "ولم يبقَ منهم [أي الصحابة] أحد لم يُكفَّر أو يُفسّق إلاَّ أربعة أشخاص".
وقال في صفحة 66: "إنَّ ادعاء كفر الصحابة أو فسقهم أو خيانتهم عن بكرة أبيهم ما عدا أربعة أشخاص أشد غرابة من القول بعدالتهم".
وفي صفحة 84: "ولمَّا كان معتقد الشيعة أنَّ جميع الصحابة كفروا أو فسقوا إلاَّ أربعة أشخاص أو نحوهم فلم ييقَ إذن إلاَّ ذلك العدد".
وفي صفحة145: "كتب الشيعة الروائية لا يكاد يخلو كتاب من كتب الآثار المروية في العقائد أو التفاسير أو الرجال من تضليل الصحابة أو تكفيرهم إلاَّ أربعة أشخاص".