ملحق
حوار جديد مع الدكتور الغامدي
لما كان هذا الكتاب (قصة الحوار) في طريقه إلى النشر، وفقني الله تعالى بفضله ولطفه أن أتشرف بزيارة بيت اللّه الحرام لأداء حجّ التمتع لسنة (1427هـ)، وبعد إتمام مناسك الحج، اتصلت بفضيلة الدكتور الغامدي، فرحّب بي ودعاني لزيارته، فلبّيت دعوته وذهبت إلى بيته في ليلة السبت المصادف 17 من ذي الحجة، ، وقد كان معي صديقي العزيز الدكتور زماني ممثل السيد القائد في بعثة حجاج أهل السنة في إيران، وكذلك فضيلة الشيخ المُبلّغي مساعد سماحة آية اللّه التسخيري في مجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
ولمّا وصلنا إلى بيت الدكتور الغامدي وجدنا عنده الدكتور مجيد معارف والدكتور عادل الأديب، وهما من الأساتذة الكبار في جامعة طهران.
وقد استقبلنا الدكتور الغامدي بحفاوة بالغة ـ كعادته ـ ثم دار بعد ذلك حوار بيني وبينه حول مسائل، نشير إليها مع مراعاة الاختصار وكذلك مع التغيير الطفيف:
دعوى اعتقاد الشيعة بنجاسة أهل السنة
قال الدكتور الغامدي: إنّ الشيعة تعتقد بنجاسة أهل السنّة، ويشهد لذلك نصوص من السيّد الخوئي والسيّد الخميني.
قلت: لقد تكرر منك هذا الاتهام أخي الدكتور، فلقد ذكرته لي في السنة
الماضية، وقد أجبتك في حينها بأن هذا الكلام ليس صحيحاً وأنّ علماء الشيعة يعتقدون بطهارة أهل السنّة؛ ولذلك تجدهم أفتوا بجواز تزويجهم والتزوّج منهم، وكذا أفتوا بطهارة ذبائحهم، وحتى قال السيّد الخميني: بأنّ الإمامة من أصول المذهب(1) فمن لا يعتقد بها من غير مذهب الشيعة لا يكون كافراً.
ولا تجد عالماً من علماء الشيعة الإمامية من القرن الثاني إلى القرن الخامس عشر قد أفتى بنجاسة أهل السنّة، والذي يفتي فقهاء الشيعة بنجاستهم إنما هم النواصب الذين يحملون العداء لأهل البيت(عليهم السلام) لا نجاسة المسلمين من أهل السنّة.
فقال الدكتور الغامدي: من هو المراد من المخالف في كتبكم الفقهيّة؟
قلت: إنّا نعبّر في كتبنا الفقهيّة عن أهل السنة والجماعة تارة بالمخالف وأخرى بالعامّة وثالثة بأهل السنّة.
ولكن هؤلاء غير النواصب الذين نعتقد بأنّهم كفار ونجس ومخلّدون في النار; كما أنّ علماء أهل السنّة أيضاً يقولون ويعتقدون بهذا; لأنّ النواصب هم من يبغضون ويسبّون أهل البيت(2).
____________
*******molhagh (1) قال السيد الخميني: ذلك سواء فيه الاعتقاد بالولاية وغيرها، فالإمامة من أصول المذهب لا الدين. كتاب الطهارة: ج3 ص323. وهكذا في ج1 ص85.. (2) ناصب العداء لأهل البيت (عليهم السلام) يكون من أوضح مصاديق إنكار الضرورة الإسلامية القرآنية وهي المودة، لذا يحكم بكفره بنص القرآن والروايات. وقد اخرج ابن حبان في صحيحة إن رسول الله، صلى الله عليه وآله، قال: >والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت إلا أدخله الله النار<[ ابن حبان، صحيح ابن حبان، ج15، ص435] وذكره الألباني في السلسلة الصحيحة تحت رقم 2488.
قال الدكتور الغامدي: قال آية اللّه العظمى الخوئي: وما يمكن أن يستدلّ به على نجاسة المخالفين وجوه ثلاثة:
الأول: ما ورد في الروايات الكثيرة البالغة حدّ الاستفاضة من أن المخالف لهم((عليهم السلام)كافر.
وقال آية اللّه العظمى الخميني: فقد تمسك لنجاستهم بأمور: منها روايات مستفيضة دلّت على كفرهم، موثّقة الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: "إنّ اللّه تعالى نصب عليّاً علماً بينه وبين خلقه ...
قلت: واعجبي يا دكتور!! فإن هذه العبارة التي نقلتها عن السيّد الخميني هي عبارة لصاحب كتاب الحدائق، قد نقلها الإمام الخميني ثمّ ردها ورفضها بقوة.
فنقلت له العبارة التي سبقت عبارة الإمام الخميني والتي لم يذكرها الغامدي، من حاسوبي الذي كنت أحمله معي، فقرأت عليه، قال الإمام الخميني:
>لكن اغترّ بعض من اختلت طريقته ببعض ظواهر الأخبار وكلمات الأصحاب من غير غور إلى مغزاها، فحكم بنجاستهم وكفرهم، وأطال في التشنيع على المحقق القائل بطهارتهم بما لا ينبغي له وله، غافلاً عن أنّه حفظ أشياء هو غافل عنها.
فقد تمسك لنجاستهم [أي صاحب الحدائق] بأمور: منها روايات مستفيضة دلت على كفرهم، كموثّقة الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام، قال: >إن الله تعالى نصّب علياً علماً بينه وبين خلقه<.
فمراد السيّد الخميني من قوله: "لكن اغترّ بعض من اختلت طريقته" هو
صاحب الحدائق وهو من علماء الإخباريين.
ثمّ قلت للدكتور: فردّ عليه الإمام الخميني قائلاً:>ولا دليل عليها سوى توهم إطلاق معاقد إجماعات نجاسة الكفّار، وهو وهمٌ ظاهر؛ ضرورة أنّ المراد من الكفّار فيها مقابل المسلمين، الأعم من العامّة والخاصّة؛ ولهذا ترى إلحاقهم بعض المنتحلين إلى الإسلام كالخوارج والغلاة بالكفّار، فلو كان مطلق المخالف نجساً عندهم، فلا معنى لذلك، بل يمكن دعوى الإجماع أو الضرورة بعدم نجاستهم(1).
وهكذا الحال مع كلام السيّد الخوئي الذي ذكرتموه.
قال السيد الخوئي:>وما يمكن أن يستدل به على نجاسة المخالفين وجوه ثلاثة: الأول: ما ورد في الروايات الكثيرة البالغة حد الاستفاضة من أنّ المخالف لهم (عليهم السلام)كافر<
فهذا كلام السيّد الخوئي قد نقله عن الآخرين ثمّ بدأ برده، وقد دفع رحمه الله هذا الاستدلال بقوله:
>والأخبار الواردة بهذا المضمون وإن كانت من الكثرة بمكان، إلاّ أنّه لا دلالة لها على نجاسة المخالفين... من أنّ المناط في الإسلام وحقن الدماء والتوارث وجواز النكاح إنّما هو شهادة أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمّداً رسوله وهي التي عليها أكثر الناس. وعليه فلا يعتبر في الإسلام غير الشهادتين، فلا مناص معه عن الحكم بإسلام أهل الخلاف... مضافاً إلى السيرة القطعيّة الجارية على طهارة أهل الخلاف; حيث إنّ المتشرّعين في زمان الأئمّة (ع) وكذلك الأئمّة بأنفسهم كانوا يشترون منهم اللحم ويرون حلية ذبائحهم ويباشرونهم. وبالجملة، كانوا يعاملون معهم معاملة الطهارة
____________
(1) الإمام الخميني، كتاب الطهارة، ج 3، ص 316. طبعة: مطبعة مهر، قم.
والإسلام من غير أن يرد عنه ردع< .
وقال في آخر كلامه:
>وأمّا الولاية بمعنى الخلافة فهي ليست بضروريّة بوجه، وإنّما هي مسألة نظريّة وقد فسّروها بمعنى الحبّ والولاء ولو تقليداً لآبائهم وعلمائهم، وإنكارهم للولاية بمعنى الخلافة مستند إلى الشبهة كما عرفت. وقد أسلفنا أنّ إنكار الضروري إنّما يستتبع الكفر والنجاسة فيما إذا كان مستلزماً لتكذيب النبي صلّى اللّه عليه وآله كما إذا كان عالماً بأنّ ما ينكره ممّا ثبت من الدين بالضرورة وهذا لم يتحقّق في حق أهل الخلاف لعدم ثبوت الخلافة عندهم بالضرورة لأهل البيت(عليهم السلام). نعم الولاية ـ بمعنى الخلافة ـ من ضروريات المذهب لا من ضروريات الدين(1).
قلت: أي دكتور! فهل عرفت الآن بأنّ هذه العبارات التي نقلتها لنا عن السيّد الخوئي والخميني هي عبارات مستقطعة من كلامهما، وهذا التقطيع يعتبر قبيحاً وخيانة علميّة.
ونستطيع القول إن أغلب كتّاب علماء الوهابيّة يتبعون هذا الأسلوب من التقطيع، فالدكتور القفاري مثلاً في كتابه أصول مذهب الشيعة، نراه ينقل كلاماً لعلماء الشيعة كالشيخ المفيد وغيره مقطّعاً، فينقل عبارة من وسط كلامهم من دون أن ينقل أوّل أو آخر كلامهم، ثمّ يبدأ بالهجوم عليهم.
أو نراه ينقل خبراً لمحدثي الشيعة كذلك منقطعاً، فينقل عن الكافي مثلاً كذلك ثمّ يهجم على مصنفه الكليني رحمه الله.
____________
(1) السيد الخوئي، كتاب الطهارة، ج 2، ص 83 - 87.[ نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم.
دعوى أن كتاب الكافي مليء بالموضوعات
قال الدكتور الغامدي: كتاب الكافي مملوء بالموضوعات.
قلت: يا دكتور، لو قسنا كتاب البخاري إلى الكافي من حيث الروايات الضعيفة والإسرائيليات لوجدناها أضعافاً مضاعفة(1) على الذي ادعي وجوده في الكافي، فضعاف الكافي نسبته نسبة عشر ما في كتاب البخاري.
قال الدكتور: في كتاب الكافي يوجد ستة عشر ألف رواية، فكم رواية صحيحة فيه؟
قلت: على ما ذكره المحقق البحراني: خمسة آلاف رواية صحيحة فيه(2).
قال الدكتور: الباقي: أي تسعة آلاف حديث، كيف هو حالها؟
قلت: هذه الروايات فيها ما هو من قسم الموثق والحسن والمرسل والمرفوع والضعيف، وإنّ الروايات الضعيفة غير الروايات الموضوعة والمكذوبة; لأنّ الروايات الضعيفة يقوّي بعضها بعضاً، فيثبت مضمونها كما هو الحال عند علمائكم، فهم يعتقدون بهذه القاعدة الرجاليّة.
____________
(1) وإن كان أغلب علماء أهل السنة يرون كل ما فيه صحيحاً، لكن هذه الرؤية لا تفرض صحتها على الآخرين. (2) قال المحدّث البحراني: قال بعض مشايخنا المتأخّرين: أمّا الكافي، فجميع أحاديثه حصرت في ست عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثاً. والصحيح منها باصطلاح من تأخّر: خمسة آلاف واثنان وسبعون حديثاً; والحسن: مائة وأربعة وأربعون حديثاً; والموثّق: مائة حديث وألف حديث وثمانية عشر حديثاً; والقويّ: منها اثنان وثلاثمائة حديث، والضعيف منها: أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثاً.(لؤلؤة البحرين: ص394). أما العلامة المجلسي فقد قمنا بإحصاء الأحاديث المعتبرة - في موسوعته القيمة: مرآة العقول في شرح صحيح الكافي- فوجدناها ما يقارب: سبعة آلاف وثلاثمائة واثنان وستون حديثاً معتبراً.
وهذا بخلاف الروايات الموضوعة حيث لا يثبت شيء منها ولو كان ألف رواية.
قال ا لدكتور: كم رواية موضوعة في الكافي؟
قلت: أقل من مائة رواية وفق القواعد الرجاليّة عند الشيعة.
وهنا تحدث فضيلة الشيخ مبلغي الذي كان بصحبتي، فقال: قد ورد عن الأئمّة عليهم السلام: هاهنا أشخاص يكذبون علينا(1).
قلت: وفي رواية عن الصادق (ع) أنه قال: >إنّ المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي"(2).
وقال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): >ولعن يونس بن ظبيان ألف لعنة يتبعها ألف لعنة"(3).
دعوى أن الإمام الصادق قد لعن زرارة
قال الدكتور: هكذا أيضاً لُعن زرارة.
قلت: أمّا بالنسبة إلى زرارة، قال الصادق (عليه السلام): "رحم اللّه زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي"(4).
نعم روي عنه أنه قال:>... لعن اللّه زرارة...< (5).
____________
(1) إشارة إلى قول الصادق (ع): "إنّا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذّاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس". رجال الكشّي: ص 108 رقم 174، و305 رقم549. (2) رجال الكشّي، 224 رقم401. (3) رجال الكشّي،364 رقم 673. (4) رجال الكشّي، 136 رقم217. (5) رجال الكشّي، 147 رقم234.
ولكن مع غض النظر عن ضعف السند(1)، فهذه الروايات يمكن لنا تفسيرها بأنّ الإمام الصادق (ع) لم يكن جاداً في لعن زرارة بل أراد من لعنه ـ ظاهراً ـ أن يوحي للسلطة آنذاك بعدم وجود علاقة ودّية بينه وبين زرارة؛ حفاظاً على زرارة من القتل أو الاعتقال بتهمة صلته وارتباطه بالإمام.
ويؤيد ذلك ما رواه الكشّي عن الإمام الصادق (عليه السلام) بأنه قال لولد زرارة. عبد اللّه: >اقرأ منّي على والدك السلام، وقل له إنّي إنّما أعيبك؛ دفاعاً منّي عنك، فإنّ الناس والعدوّ يسارعون إلى كلّ من قرّبناه وحمدنا مكانه؛ لإدخال الأذى فيمن نحبّه ونقرّبه"(2).
قال الدكتور: هذا إمام معصوم كيف يكذب ويقول: لعن اللّه زرارة؟
قلت: يا دكتور وهل هذا عجيب؟! فهذا إبراهيم (عليه السلام) وهو نبي، يقول: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}(3).
وهذا يوسف(عليهم السلام) يتهم أخاه بأنّه سرق، كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ في رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَـارِقُونَ } (4).
قال الدكتور: هذا مما يقبل التأويل بأن نقول إنه يقصد التورية، أمّا اللعن فهو يكون لأهل جهنم ولا يمكننا تأويله.
____________
(1) فليراجع كتاب تاريخ آل زرارة، للمحقق الفاضل والمتتبع الدقيق، السيّد محمد علي الموحد الأبطحي، ص 60. (2) رجال الكشّي: 138 رقم221. (3) الأنبياء: 21/63. (4) يوسف:12/70.
قلت: هذا إبراهيم يقول: {فَلَمَّا رَءَا الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّى هذا أَكْبَرُ}(1). وقال أيضاً: {إني سَقِيمٌ}(2).
فهل يمكننا هنا التأويل أيضاً؟
دعوى أن الأئمّة (عليهم السلام)عند الشيعة فوق الأنبياء
قال الدكتور: الشيعة تعتقد أن الأئمّة فوق الأنبياء.
قلت: إنّا نعتقد بأنّ الأئمّة فوق الأنبياء من حيث الأفضليّة لا في النبوّة. ونستند بذلك على دليل وهو إنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) جعل علياً مثل نفسه في آية المباهلة(3) بقوله: {وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ} وهذا يدّل على كون علي مساوياً لرسول اللّه (ص) في جميع الجهات إلاّ جهة النبوة، فمحمد صلوات الله عليه وعلى آله خاتم النبيّين ولا نبي بعده، وخرجت تلك الجهة بالدليل، وتبقى بقيّة كمالات رسول اللّه موجودة في علي بمقتضى عموم الآية.
____________
(1) الأنعام: 6/ 78. (2) الصافّات: 37/ 89. (3) في صحيح مسلم: ولمّا نزلت هذه الآية : }فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ{ دعا رسول اللّه ص عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال : اللهمّ هؤلاء أهلي. صحيح مسلم، ج7 ص120، ط. محمد على صبيح، بمصر، ودار الفكر ـ بيروت، (5/23 ح32) كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي رضي اللّه عنه. قال ابن كثير: قال جابر: }وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ{ رسول اللّه وعلي بن أبي طالب (وأبنائنا) الحسن والحسين (ونسائنا) فاطمة. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه... ثمّ قال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. تفسير ابن كثير، ج1 ص379 ط. دار المعرفة ـ بيروت وج1 ص370، ط مصطفى محمد بمصر، ورواه السيوطي قائلا: وصحّحه الحاكم، الدر المنثور، ج 2 ص39، هكذا الشوكاني في فتح القدير، ج1 ص348. قال الزمخشري: وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام. الكشاف،: ج1ص370.
فكما أنّ الرسول أفضل من جميع الخلائق حتى من الأنبياء وحتى من الملائكة، فيكون علي أيضاً له هذه المزية؛ لأنّ مساوي الأكمل أكمل أيضاً.
وهذا المعنى نجده أيضاً في تصريح النبي(صلى الله عليه وآله) في حديث المنزلة فقال: "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي"(1).
قال الدكتور: فعليّ عندكم أفضل من النبي صلى اللّه عليه وسلّم.
قلت: بالنسبة لخصوص النبي لم يكن أفضل منه، كيف ذلك وعلي (عليه السلام) نفسه يصرح في روايات متعدّدة بنفي أفضليته على النبي فيقول: >أنا عبد من عبيد محمّد (صلى الله عليه وآله)"(2).
كون علي أول من أسلم لا دليل عليه
قال الدكتور: لو سأل سائل هل كان عليّ رضي اللّه عنه مسلماً؟
قال الشيخ المبلغي: هو أوّل من أسلم.
قال الدكتور: مَن روى أنّه كان أوّل من أسلم؟
قال الشيخ المبلغي: هل أنت شاك في كون علي مسلماً؟
قال الدكتور: لست بشاكّ ولكن نسألكم، من روي بأنّه كان أوّل من أسلم؟
قال الشيخ المبلغي: كل من الشيعة والسنّة قد رووا بأنّه كان أوّل من أسلم.
____________
(1) صحيح البخاري: ج5 ص129، كتاب المغازي، باب غزوة تبوك. صحيح مسلم: ج7 ص120، كتاب الفضائل، باب فضائل علي، ج4 ص1870 رقم 2404) دار الفكر، بيروت - 1398 هـ. (2) الكافي: ج1 ص90 ح 5، فالمراد أنّه مطيع تابع له كما قال الصدوق بعد ذكر الحديث: يعنى بذلك عبد طاعة لا غير ذلك. كتاب التوحيد، للصدوق، ج3 ص174.
قال الدكتور: الصحابة هم من رووا إسلامه، وأتحدّى أن تأتوا برواية من غير الصحابة تثبت أنّه مسلم.
ومادام أنتم لم تزّكوا الصحابة فلن تستطيعوا إثبات إسلام علي أصلاً.
قلت: هناك روايات متعددّة صدرت عن طريق أهل البيت(عليهم السلام)، عن آبائهم، عن علي (عليه السلام) وعن النبي (صلى الله عليه وآله) تثبت بأنّ عليّاً هو أوّل من أسلم.
قال الدكتور الغامدي: كلّ هذه الروايات تنتهي إلى علي (عليه السلام)، فهي شهادة على نفسه، فلا تقبل هذه التزكية.
قلت: هناك قاعدة رجاليّة يؤمن بها الجميع ومفادها: إذا ثبتت وثاقة الراوي بأدلة خاصة ثمّ نقل لنا هذا الراوي رواية في مدح نفسه وتزكيتها، فتقبل منه، نعم إذا لم تكن وثاقة الراوي ثابتة وانحصر طريق ثبوتها بما قاله من تزكية نفسه فعندئذ لا تقبل منه تلك التزكية.
قال الدكتور الغامدي: إنّ علي بن أبي طالب قد أسلم، وشهد الصحابة بإسلامه وأنتم الشيعة لا تقدرون إثبات إسلامه من غير طريق الصحابة.
قلت: لو قلنا بأنّ الصحابة نقلوا إسلام عليّ، ثمّ ماذا؟
قال الدكتور الغامدي: إنّكم تنفون عدالتهم.
قلت: أين قلنا ذلك؟ ومتى نفينا عدالة كلّ الصحابة؟ هذا افتراء على الشيعة; بل نحن نعتقد بأنّ الصحابة بينهم العدول وغير العدول؛ لذا نقبل روايات عدولهم ونرفض روايات فسّاقهم، كما أنّك قد قلت في رسالتك بأنّ قوله تعالى: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا} (1)، يدلّ على
____________
(1) الحجرات:49/6.
فسق الوليد بن عقبة(1).
قال الدكتور: من هم عدولهم؟
قلت: كل من صحب النبي (صلى الله عليه وآله) وبقي على وصيّته وثبت متابعته على منهج النبي (صلى الله عليه وآله).
قال الدكتور: أين هذا؟
قلت: هذا موجود في الكتب الرجاليّة والروائيّة للشيعة، فهذا الشيخ الطوسي قد ذكر في رجاله زهاء (500) صحابي وقد وثق عدّة كثيرة منهم(2).
____________
(1) وأمَّا الوليد بن عقبة فالقرآن الكريم قد حكم فيه، حيث نزلت فيه آية: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ...{ وقد ثبت فسقه بروايات صحيحة، ولا ندري عمَّا لقي اللّه عزّ وجل به. [حوار هادئ: ص 124]. (2) ذكر الطوسي في رجاله 488 صحابيّاً، في أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد وثق منهم 176 صحابيّاً، وذكر 436 صحابيّاً في أصحاب أمير المؤمنين وقد وثّق منهم 187 صحابيّاً. من شهد من أصحاب النبي(ص) مع علي (ع) في الجمل. كما روى الطوسي أيضاً عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : شهد مع علي (عليه السلام) يوم الجمل ثمانون من أهل بدر ، وألف وخمسمائة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله). الأمالي للطوسي : 726 / 1527 ، شرح الأخبار : 1 / 401 / 350. وقال الذهبي: قال سعد بن إبراهيم الزهري: حدثني رجل من أسلم، قال: كنّا مع علي أربعة آلاف من أهل المدينة. وقال سعيد بن جبير: كان مع علي يوم وقعة الجمل ثمانمائة من الأنصار ، وأربعمائة ممن شهدوا بيعة الرضوان . رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد. وقال المطلب بن زياد، عن السدي: شهد مع علي يوم الجمل مائة وثلاثون بدرياً وسبعمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل بينهما ثلاثون ألفا ، لم تكن مقتلة أعظم منها. تاريخ الإسلام، ج 3 ص 484، تاريخ خليفة بن خياط : 138 ، العقد الفريد، ج3 ج ص314. وفي من شهد من أصحاب النبي مع علي (ع) في صفين: قال الحاكم: شهد مع علي (ع) صفين ثمانون بدرياً، ومائتان وخمسون ممن بايع تحت الشجرة. المستدرك على الصحيحين، ج3 ص 112 ح 4559، البداية والنهاية، ج7 ص255 . قال ابن أعثم الكوفي: وهم يومئذ تسعون ألفاً وثمانمائة رجل ممّن بايع النبي (صلى الله عليه وآله) تحت الشجرة، قال سعيد بن جبير: كان مع علي (رضي الله عنه) يومئذ ثمانمائة رجل من الأنصار ، وتسعمائة ممن بايع تحت الشجرة. الفتوح، ج2 ص544. روى خليفة بن خياط، عن عبد الرحمن بن أبزي : شهدنا مع علي ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان ، قتل منّا ثلاثة وستون ; منهم : عمار بن ياسر. تاريخ خليفة بن خياط، ص148، الفتوح، ج2ص 544. قال المسعودي: كان ممّن شهد صفين مع علي من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلاً: منهم سبعة عشر من المهاجرين، وسبعون من الأنصار، وشهد معه من الأنصار ممن بايع تحت الشجرة; وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسعمائة، وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة. مروج، ج2 ص361.
وهذا العلاّمة الحلّي ذكر عدّة كثيرة من الصحابة مصرّحاً بوثاقتهم.
مضافاً إلى أنّ رواية إسلام علي (عليه السلام) قد ثبتت بواسطة الأصحاب الذين ثبتت عدالتهم عند الشيعة، كسلمان وأبي ذر والمقداد وغيرهم(1).
قال الدكتور زماني: إنّ الاختلاف بين الشيعة والسنّة موجود ولا يمكننا إنكاره، ولكن أكثر الشبهات المطروحة من جانب أهل السنّة تنشأ من نقطتين أساسيتين:
الأولى: من اقتطاع بعض كلام علماء الشيعة من سياقها العام، ثمّ تحميله على مذهب الشيعة.
الثانية: النقل من كتب ليست معتبرة عندهم و الاستناد إلى الروايات الضعيفة
____________
(1) كما روى الطبراني وابن أثير عن أبي ذر وسلمان، قالا: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال: إنّ هذا أوّل من آمن بي وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمّة يفرّق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين . المعجم الكبير، ج6 ص269، أسد الغابة، ج5 ص287، فيه: أخرجه الثلاثة. كنز العمال، ج11 ص616، تاريخ مدينة دمشق، ج42 ص41. وقال ابن عبد البر: وروى عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبى سعيد الخدري وزيد بن الأرقم، أنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه أوّل من أسلم، وفضّله هؤلاء على غيره. الاستيعاب، ج3 ص1090.
عندهم.
وأنا أقترح عليكم: إذا قرأتم كلاماً في كتب أهل السنة ضد الشيعة لا تقبلوه بشكل مطلق ولا ترتبوا عليه الأثر، إلاّ بعد أن تشاهدوا ذلك الكلام في كتب الشيعة ثمّ بعد ذلك لكم أن تناقشوا وتتكلموا فيما قيل.
قال الشيخ المبلغي: إنّ قول الدكتور الغامدي بأنّ شهادة أحد على نفسه غير مقبولة، هذا مخالف لقوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}.
وإسلام علي بن أبي طالب، قد ثبت إمّا من طريق أهل البيت (عليهم السلام)، فهو عندنا مقبول ثابت، وإمّا من طريق الصحابة، فلا نقول بعدم عدالة ووثاقة جميع الصحابة، بل كثير منهم عندنا عدول وثقات، وهذا أمير المؤمنين(عليه السلام) قد مدح الصحابة في نهج البلاغة(1).
خلافة أبي بكر وبيعة الصحابة له
قال الدكتور الغامدي: لماذا سبعمائة من الصحابة الذين عددتموهم رضوا بخلافة أبي بكر؟
هؤلاء الأجلاء الشجعان الأبطال المؤمنون لو يعلمون بأنّ عليّاً إمام من ربّ العالمين، فكيف لم يدافعوا عن علي؟
قلت: مراراً قد ذكرت لك بأنّ كثيراً من الصحابة من المهاجرين
____________
(1)>لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى أحدا يشبههم ، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً وقد باتوا سجداً وقياماً يراوحون بين جباههم وخدودهم ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم . كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم . إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم . ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء الثواب< الخطبة 97، ج1، ص189.
والأنصار قد اعترضوا على أبي بكر، وأعلنوا بأنّ الخليفة الشرعي هو علي بن أبي طالب.
قال الدكتور الغامدي: الذي ثبت لنا بأنّ سعد بن عبادة هو الوحيد الذي لم يبايع، حتى علي بن أبي طالب قد بايع أبا بكر.
الذين تخلفوا عن أبي بكر
قلت: هذا البخاري يروي عن عمر في حديث طويل: >حين توفى اللّه نبيّه صلى اللّه عليه وسلم أنّ الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنّا عليّ والزبير ومن معهما"(1) .
قال اليعقوبي:>فقال العباس: فعلوها وربّ الكعبة، وكان المهاجرون والأنصار لا يشكّون في علي، فلمّا خرجوا من الدار قام الفضل بن العباس وكان لسان قريش، فقال: يا معشر قريش، إنّه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه، ونحن أهلها دونكم، وصاحبنا أولى بها منكم(2).
قال الدكتور الغامدي: اليعقوبي شيعيّ.
قلت: أوّلا: لم يثبت جزماً كونه شيعيّاً، وكتابه مقبول عند الطرفين، حتى لو كان شيعيّاً(3).
____________
(1) البخاري، صحيح البخارى، ج 8، ص 26، كتاب المحاربين، باب رجم الحبلى من الزنا.، ج8 ص 26. (2) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2 ص142. (3) قال خير الدين الزركلي: اليعقوبي أحمد بن إسحاق (أبي يعقوب) بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي، مؤرّخ جغرافي كثير الأسفار ، من أهل بغداد، كان جدّه من موالي المنصور العباسي، رحل إلى المغرب وأقام مدّة في أرمينية ودخل الهند وزار الأقطار العربية، وصنف كتباً جيّدة منها: تاريخ اليعقوبي، انتهى به إلى خلافة المعتمد على اللّه العباسي ، وكتاب البلدان وأخبار الأمم السالفة. الأعلام، ج 1 ص 95.
وثانياً: لا يقتصر ذلك على نقل اليعقوبي الذي تنسبه للتشيع، فهناك الكثير من المؤرخين قد نقلوا أيضاً مخالفة الصحابة لأبي بكر، كالزبير بن بكار في الموفقيات، قال:>وكان عامّة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أنّ عليّاً هو صاحب الأمر بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)(1).
و ابن الأثير، قال:>وتخلّف عن بيعته علي وبنو هاشم والزبير بن العوام وخالد بن سعيد بن العاص وسعد بن عبادة الأنصاري، ثم إن الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، إلا سعد بن عبادة فإنه لم يبايع أحداً إلى أن مات، وكانت بيعتهم بعد ستة أشهر على القول الصحيح وقيل غير ذلك(2).
وذكر أيضاً تخلف عامّة بني هاشم(3).
وقد ذكر الطبري تخلّف: عتبة بن أبي لهب، سعد بن أبي وقاص، سعد بن عبادة، طلحة بن عبيد اللّه، خزيمة بن ثابت، فروة بن محمد، خالد بن سعيد بن العاص، وجماعة من بني هاشم(4).
قال الديار بكري:>وغضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر منهم على بن أبي طالب والزبير، فدخلا بيت فاطمة ومعهما السلاح(5).
وذكر الواقدي وابن أعثم: >إنّ زيد بن أرقم قال - عقيب بيعة السقيفة لعبد
____________
(1) الأخبار الموفّقيات، لابن بكار (ت 272): ص580. (2) أسد الغابة، ج3 ص222. (3) الكامل في التاريخ، ج2 ص 325، ص331. (4) تاريخ الطبري، ج2 ص22، مروج الذهب: ج2 ص301، شرح المعتزلي، ج1 ص131، العقد الفريد، ج4 ص256، الكامل في التاريخ، ج2 ص325 السيرة الحلبيّة، ج3 ص356، وأسد الغابة، ج3 ص222. (5) تاريخ الخميس، لديار بكري، ج2 ص169 الرياض النضرة، ج1 ص218 وشرح المعتزلى، ج1 ص132.
الرحمن بن عوف-: يا بن عوف ! لولا أنّ علي بن أبي طالب وغيره من بني هاشم اشتغلوا بدفن النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وبحزنهم عليه، فجلسوا في منازلهم ما طمع فيها من طمع !< (1).
نقد كتاب الدكتور الغامدي (حوار هادئ)
قال الدكتور زماني: أنا اعتقد بأنّ الحوار لو كان هادئاً وعلى مستوى علمي سوف يستفيد منه المجتمع الإسلامي، ولكن لو كان الحوار جدلياً متشنجاً، فإنه لا يزيد في المجتمع إلاّ فراراً وتفرقاً.
وكم أتمنى لو ينشر كتاب حول الحوار الهادئ بلغة علميّة وودّية، بحيث يستفيد المجتمع منه.
وبعد كلام الدكتور الزماني شرعت بانتقاد كتاب الدكتور الغامدي (حوار هادئ).
فقلت: إن الكتاب الذي نشر لكم باسم حوار هادئ لم يكن متسماً بالهدوء، فعنوانه لا يتطابق مع مضمونه، كما أشار إلي ذلك فضيلة الدكتور العادل العلوي في رسالته إليك حين قال هذا حوار ساخن ومتعصب لا هادئ، فقد استعملت في هذا الكتاب الألفاظ الجارحة والموهنة التي لم نكن نتوقع صدورها منك بل تعرضت لذكر أمور عن الشيعة لم تكن ثابتة وليست صحيحة وأقل ما توصف: إنها محض افتراء.
وسوف نذكر لك بعض هذه الأمور:
لقد كتبت في صفحة 32 من كتابك: "إنَّ كتبكم على قسمين: قسم كلّه
____________
(1) كتاب الردة، للواقدي، ص45 ، الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي، ج1 ص 12.
روايات وآثار، وهذا القسم عندما يطلع عليه السنِّي لا يرى فيه آثاراً علميّة تستحق الاهتمام، فهي أشبه ما تكون بالأساطير"
فهل تعني أن كلّ كتب الشيعة الروائية أساطير؟ وهل هذا يليق بالأستاذ الجامعي مثلك؟ ماذا لو عبّر رجل شيعي بمثل هذه العبارة عن كتب أهل السنّة، ماذا سوف تكون ردة فعلك؟
وذكرت في صفحة 43: >واللّه يا أبا مهدي، إنَّني عندما قرأت في كتبكم كأنَّني أقرأ في خرافات عقول لا تعرف صفاء الإسلام ونقاءه، وأحمد اللّه عزّ وجل على الهداية وصفاء المعتقد".
أتعجب كيف يتكلّم الأستاذ الجامعي بهذه اللغة وبهذا المنطق!
وفي صفحة 113 ذكرت: >وأمَّا الخوارج والمعتزلة والشيعة الإماميّة فهم محرومون من هذه الشفاعة لإنكارهم لها".
ما أدري ما هو المراد من هذه العبارة؟
هذا يشبه قول اليهود والنصارى، حيث يقولون {وَ قَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ}(1).
قال الدكتور الغامدي: إنّ الشيعة تنكر الشفاعة يوم القيامة.
قال الدكتور زماني: هل يوجد أحد من الشيعة ينكر الشفاعة.؟!
قال الدكتور الغامدي: وهل الشيعة تعتقد بشفاعة النبي (صلى الله عليه وآله) لأهل الكبائر؟
قلت: يا دكتور! الروايات الموجودة في الكتب الروائية للشيعة فيها الصحيح وكذا فيها الضعيف، فلا يجوز الاعتماد على كل رواية من دون
____________
(1) البقرة:2/111.
تمييز، لذا إذا أردت أن تأخذ حقيقة عقيدة الشيعة، فلابدّ لك من مراجعة الكتب الكلاميّة والعقائدية لكبار علماء الشيعة الذين لهم دور مؤثر في الكيان الشيعي، كالشيخ المفيد والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي والعلاّمة الحلّي وصاحب الجواهر والسيّد الخوئي والسيّد الخميني، فعقائد هؤلاء العلماء الكبار هي التي تمثل عقائد الشيعة؛ لأنهم قد ميزوا الروايات وفق منهج دقيق وصحيح.
قال الدكتور الغامدي: من قال بالشفاعة لأصحاب الكبائر من الشيعة؟
قلت: جميع علماء الشيعة قالوا بالشفاعة.
قال الدكتور الغامدي: أنا اعتقد بأنّ معتقد الشيعة مثل معتقد المعتزلة ينكرون الشفاعة لأصحاب الكبائر.
قلت: هذا أبو الصلاح الحلبي المتوفى سنة 447، يقول:>ويدل على ذلك ما نقله محدّثو الشيعة وأصحاب الحديث، ولم ينازع في صحّته أحد من العلماء من قوله صلى الله عليه وآله: ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"(1).
وذكر الشيخ الطوسي المتوفى 460: حديث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): "ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي، وفي خبر آخر: أعددت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي".
ثمّ قال:>وهذا خبر تلقّته الأمّة بالقبول، فلا يمكن أن يقال إنّه خبر واحد. وليس لهم أن يحملوا الخبر على زيادة المنافع لمن تاب(2).
وقال الشيخ المفيد المتوفى 413 في جوابه عن دليل جواز العفو عن
____________
(1) الكافي، للحلبي، ص 469. (2) الاقتصاد، ص 127.
مرتكب الكبيرة:>وقوله عليه وآله السلام: ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. وما أشبه هذين من الأخبار"(1).
وقال الشيخ الصدوق المتوفى 381:>قال الشيخ رحمه الله: اعتقادنا في الشفاعة أنّها لمن ارتضى اللّه دينه من أهل الكبائر والصغائر، فأمّا التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله اللّه شفاعتي"(2).
وقال الطبرسي أيضاً: >تلقته الأمة بالقبول(3).
قال الدكتور الغامدي: لا تنظر في الروايات، بل انظر في كلام العلماء، فربّما يذكرون الرواية فيردّونها.
قلت: قد نقلت لك كلام الحلبي، ألم يقل: "ولم ينازع في صحته أحد من العلماء"؟
قال الدكتور الغامدي: هل ذكر الحلبي قبل الحديث كلاماً؟
قلت: هذا كلام الحلبي قبل الحديث، قال:>إنّ الشفاعة وجه.... عندها لإجماع الأمة على ثبوتها له صلى الله عليه وآله ومضى... إلى زمان حدوث المعتزلة على الفتيا بتخصيصها بإسقاط العقاب، فيجب الحكم بكونها حقيقة في ذلك؛ لانعقاد الإجماع في الأزمان السابقة لحدوث هذه الفرقة .
ويدلّ على ذلك ما نقله محدّثو الشيعة وأصحاب الحديث ولم ينازع في صحّته أحد من العلماء من قوله صلى الله عليه وآله: (ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من
____________
(1) النكت في مقدمات الأصول، ص 54. (2) الاعتقادات في دين الإمامية، ص 66. (3) مجمع البيان، ج1 ص104.
أمتي) وقوله صلى الله عليه وآله: (لي اللواء الممدود) كذا (والحوض المورود والمقام المحمود)(1).
قال الدكتور الغامدي: دعك من هذا!
قلت: ثبتت هذه القضيّة، وأن الشيعة يؤمنون بشفاعة النبي لأهل الكبائر؟
قال الدكتور الغامدي: أراجع وأصحّح إن شاء اللّه.
ثم قال: أذكر ـ لو كان عندك ـ شيئاً آخر.
قلت: قد نقلت مسألة زواج السيّد الخميني من الصغيرة.
قال الدكتور الغامدي: قد نقلت ذلك عن الرجل الشيعي.
قلت: لو كان هذا الرجل شيعيّاً فأنا أول من يلعنه وأقول: لعنه اللّه بعدد كل ذرّات العالم.
أي دكتور، أخي العزيز، قد ذكرت لك مراراً بأنّ مؤلف كتاب >للّه ثمّ للتاريخ" لم يكن مؤلفاً شيعياً، وأنّ هذا الكتاب مليء بالأكاذيب والافتراءات والترّهات، ومؤلفه المزعوم السيّد حسين الموسوي لا يعرفه أحد من علماء الشيعة ولا السنّة، وهناك قرائن كثيرة تشهد بكذبه، فهو يجهل مصطلحات شيعية مشهورة يعرفها حتى أطفالهم، فتراه مثلاً يعبرّ عن الشيوخ بالسادات، والحال أنّ الشيعة لا يعبّرون عن الشيخ بالسيّد، بل يقولون شيخاًّ، فالسيد عندهم يطلق على من كان من أولاد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله).
وكذلك يقول: إنّي درست كتاب الكافي عند السيّد الخوئي؟!
ولا يخفى على أحد بأنّ كتاب الكافي ليس من الكتب الدراسية؛ ليقوم
____________
(1) الكافي للحلبي، ص 469.
السيد الخوئي بتدريسه، فهو كتاب روائي لا يحتاج إلى تدريس، ويبدو أن المؤلف الموهوم كان جاهلاً بذلك ولم يكن ملتفتاً لهذه المسألة.
ويقول في صفحة 104 من كتابه: "في زيارتي للهند، التقيت السيّد دلدار علي، فأهداني نسخة من كتابه (أساس الأصول)...".
ثمّ يأتي ويقول في صفحات أخرى من الكتاب: إنّي التقيت بالسيّد الخميني والخوئي والسيستاني.
والجدير بالملاحظة أنّ السيّد دلدار نقوي قد توفّي سنة 1235.
ومن المعلوم بأنّ من يلتقي مع السيّد دلدار نقوى ثم يلتقي بالسيّد الخوئي، فلكي يجمع بين لقاء الشخصين لابدّ أن يعمّر أكثر من 200 سنة(1).
أقول: يقوى في النفس بأنّ هذا الكتاب من اختراعات الشيخ عثمان الخميس، فكلّ من قرأ واطلع على مؤلفات عثمان الخميس، يحدس أن هذا النمط من التأليف هو قريب جداً لأسلوبه.
____________
(1) وقد أثنى مؤلف هذا الكتاب على أحمد الكسروي قائلاً: "كما قتلوا قبله السيد أحمد الكسروي عندما أعلن براءته من هذا الانحراف، وأراد أن يصحح المنهج الشيعي، فَقَطَّعوه إِرَباً إِرَباً". للّه ثمّ للتاريخ، ص 8. مع أنّ الكسروي رجل مرتدّ كان يستهزئ بالرسول (صلى الله عليه وآله)، حيث قال: "زعم المسلمون أنّ اللّه بعث بشراً وأوحى إليه بواسطة جبرائيل، يطلبون منه المعجزة، فإن أتى بها قُبلت دعواه، وإلاّ فلا، وهذا الزعم باطل من الأساس نشأ من الحُمق". كتاب حول الإسلام، ص 9. وهو أنكر خاتمية الرسول(صلى الله عليه وآله) قائلاً: "إنّ المسلمين ادّعوا أنّ النبوّة قد ختمت برسالة محمد وهو جهل فاضح وفى الواقع أنّهم أنكروا قدرة اللّه على إرسال رسول بعده". حول الإسلام، ص11. وقد أهان المسلمون شيعة وسنة بقوله: "نعلم كلّنا أنّ المسلمين اليوم من الشيعة وأهل السنّة هم أرذل الناس وأذلّهم". حول الإسلام، ص63.
قال الدكتور الغامدي: لا، لا، عثمان الخميس لم يظهر إلاّ قريباً، وهذا الكتاب قبل ظهور عثمان الخميس بسنوات، بل ألّف قبله بعشرين سنة.
قلت: هذا الكتاب قد طبع قبل خمسة سنوات في السعوديّة، وبعد مضيّ شهرين من نشره دخل إيران وقرأناه ولم نسمع له ذكراً قبل هذه السنين.
قال الدكتور الغامدي: لو كانت الشيعة تكذّب هذه القصّة، فأنا سوف أحذفها في الطبعات الأخيرة من كتابي.
قلت: أي دكتور! في أوّل مرّة زرتك في بيتك هذا، قد حدثتك بأنّي في الليلة الماضية كنت قد التقيت بالشيخ محمد بن جميل بن زينو، وهو من المشايخ الكبار والأستاذ في دار الحديث في مكة المكرمة، وقد جرى بيني وبينه حوار حول هذا الكتاب(1) فقلت له: بأنّ هذا الكتاب لم يكن من تأليفات الشيعة، وذكرت له: بأنّه نقل ـ في صفحة 34 ـ روايات عن كتاب من لا يحضره الفقيه في مسألة زواج المتعة(2).
فقلت للشيخ محمد بن جميل: بأنّ هذه الروايات التي نقلها عن الفقيه، كلّها كذب ولا يوجد مثل هذه الروايات، لا في الفقيه ولا في الوسائل ولا في البحار.
فقال الشيخ محمد بن جميل زينو: كيف يمكن أن ينقل روايات من كتبكم لم تكن ثابتة عندكم؟
____________
(1) راجع الفصل الأول ص41. (2) وقد نقل في صفحة 34: "قول الصادق عليه السلام إنَّ المتعةَ ديني ودينُ آبائي فَمن عَمِل بها عَمِلَ بديننا، ومَن أنكرها أنكر ديننا، واعتقد بغيرِ ديننا". من لا يحضره الفقيه، ج 3 ص 366. وهذه الرواية وسائر الروايات التي نقلها عن كتب الشيعة، لا توجد لا في الفقيه ولا في التهذيب ولا في الكافي ولا في الوسائل والمستدرك.
قلت: لو أثبت أحد من هؤلاء الأخوة الحاضرين في هذه الجلسة(1)وجود هذه الروايات في الكتب الأربعة للشيعة أو في الوسائل والبحار، أنا أتراجع عن مذهب الشيعة وأكون وهابيّاً.
قال الدكتور الغامدي: في مقابل كون الشخص شيعياً، يقال: سني لا وهابي، فهل يكون مذهب الصحابة مذهباً وهابياً؟!!.
قلت: يا دكتور في أوّل لحظات دخولي إلى بيت الشيخ محمد زينو، كان أوّل شيء سألني إياه هو: لماذا يسمّوننا بالوهابيّة، مع أنّا من أتباع محمد بن عبد الوهّاب، فمن اللائق أن نسمّى بالمحمديّة لا الوهابية؟
قلت: لعله من باب أن الوهاب من أسماء اللّه تعالى، فسُمّيتم بأسماء اللّه، فبدت عليه علامات الارتياح وقال: بارك اللّه فيك، بارك اللّه، و كان الأخ جابر والأخ محمد ـ وهما من تلاميذكم ـ موجودين في الجلسة.
قال الدكتور: الخلاف إنما هو بين الشيعة والسنّة وليس الشيعة والوهابيّة، فالوهّابيّة اعتبرت طائفة قبل مائتي سنة فقط، والخلاف بين الشيعة والسنّة قبل أكثر من ألف سنة.
قال فضيلة الشيخ المُبلّغى: إنّ أكثر الشبهات التي تثار ضدّ الشيعة هي من الوهابيّة.
قال الدكتور: أشدّ الناس على الشيعة، هم الأحناف.
قلت: يا دكتور، كنتم قد التقيتم في السنة الماضية مع خمسين شخص من علماء أهل سنّة إيران في فندق (الجاد النقاء) بمحضر الدكتور زماني،
____________
(1) كان هناك أكثر من عشرين شخصاً من طلاب جامعة أمّ القرى وغيرهم قد حضروا الجلسة.