و المشكلة في هذا السند جرير الضبي، الذي قال عنه ابن حجر العسقلاني: " جرير الضبي، جد فضيل بن غزوان بن جرير. قال: رأيت عليا يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة. عنه ابنه. قلت: قرأت بخط الذهبي في الميزان: لا يعرف. انتهى. و قد ذكره ابن حبان في الثقاة، و أخرج له الحاكم في المستدرك، و علق البخاري حديثه هذا في الصلاة مطولا بصيغة الجزم عن علي، و لا يعرف إلا من طريق جرير هذا، فكان يلزم المؤلف أن يرقم له علامة التعليق كما نبهنا على ذلك في ترجمة عبد الرحمن بن فروخ. و قد روى معاوية بن صالح عن أبي الحكم عن جرير الضبي عن عبادة بن الصامت حديثا آخر "(50).
____________
(50) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج2 ص67.
فهذا الحديث إذن رواه شخص مجهول الحال. و ليس من حقنا القول أن هذا الشخص كذاب، و لكن من واجبنا القول أن رواية مجهول الحال لا تصلح للفصل في قضية شائكة اختلفت فيها المذاهب. و الله أعلم.
الحديث التاسع: حديث غضيف بن الحارث (أو الحارث بن غضيف)
حصلنا على ثلاث روايات لهذا الحديث أخرجها كلها أحمد بن حنبل(52).
نص الحديث
عن غضيف بن الحارث (أو الحارث بن غضيف) أنه قال: ما نسيت من الأشياء ما نسيت أني رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة.
مناقشة السند
المخطط رقم (9) يوضح سند هذا الحديث.
و يعاني هذا السند من عدد من الاضطرابات.
أولها ما يتعلق بالأسماء، فقد اضطرب علماء الرجال في اسم غضيف بن الحارث، فقال بعضهم إنه الحارث بن غضيف، و قال غيرهم غطيف بالطاء(53). و كذلك اضطربوا في اسم يونس بن سيف فقال بعضهم أنه يوسف و ليس يونس(54). و قد ظهر هذا الاضطراب جليا في الروايات التي أخرجها أحمد، حيث وردت في سند بعضها أسماء، و في الأخرى غيرها.
و هنا اضطراب أيضا في تحديد شخصية غضيف بن الحارث، إذا توهم عدد من علماء الرجال و خلطوا بينه و بين شخص آخر يحمل اسما مقاربا.
و كذلك اضطربوا في صحبة غضيف هذا، فاعتبره عدد من علماء الرجال صحابيا، و اعتبره آخرون تابعيا.
إذن هناك اضطراب في تحديد اسم الراوي الأساسي لهذا الحديث و تحديد شخصيته و مدى علاقته برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم. و ليس في مقدورنا أن نحدد أيا من هذه الآراء هو الصحيح، لأننا لا نملك الأدوات الكافية لذلك، و لكن هذا الاضطراب يجعلنا نضع علامة استفهام أولى على سند هذا الحديث.
و هناك مشاكل أخرى متعلقة بمعاوية بن صالح. فهناك خلافات بين علماء الرجال حول توثيقه. و مع أن عدد الذين وثقوه أكبر من عدد الذين لم يرضوا به إلا أن سيرته فيها الكثير مما يجعلنا لا نطمئن إليه. فقد ذكروا أنه خرج من حمص متوجها نحو المغرب في سنة 125 هـ، و عندما سقطت الدولة الأموية عام 132 هـ، و فر عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس اتصل به معاوية بن صالح، فأرسله عبد الرحمن الداخل إلى الشام لقضاء بعض أموره، فلما رجع إلى الأندلس ولاه قضاء الجماعة هناك. و يروي أحد طلاب العلم أنه أتى معاوية بن صالح ليكتب عنه، فوجد عنده الملاهي، فسأله عنها، فقال أنها بعض هدايا صاحب الأندلس إليه(55).
____________
(51) د. محمد طاهر الجوابي، الجرح و التعديل بين المتشددين و المتساهلين، ص460 - 462.
(52) مسند أحمد، الأحاديث رقم 16353 و 16354 و 21459.
(53) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج8 ص223.
(54) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج11 ص189.
(55) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج10 ص189.
و هذا يدل على وجود علاقة قوية بينه و بين الأمويين سواء في الشام أو في الأندلس. و أن هذه العلاقة ليست مما يراد بها وجه الله. و الله أعلم.
و هذا يجعلنا نضع علامة استفهام ثانية على هذا الحديث، باعتبار أن سنده ليس مما يطمئن إليه القلب.
الحديث العاشر: حديث عبد الله بن الزبير
حصلنا على رواية واحدة لهذا الحديث أخرجها أبو داود(56).
نص الحديث
ينص الحديث على أن عبد الله بن الزبير قال: صف القدمين و وضع اليد على اليد من السنة.
مناقشة السند
المخطط رقم (10) يوضح سند هذا الحديث.
و فيه مشكلتان.
الأولى بسيطة، و هي تخص زرعة بن عبد الرحمن، حيث من الواضح أنه لم يرو غير هذا الحديث، دون أن يعني ذلك أنه مجهول(57). بل هو ممن لم يعرفوا بطلب الحديث و لا
____________
(56) سنن أبي داود، الحديث رقم 643.
(57) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج3 ص281.